بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله رب العالمین، و الصلاة و السلام علی سیدنا و نبینا أبی القاسم المصطفی محمّد، و علی آله الأطیبین الأطهرین المنتجبین، سیما بقیة الله فی الأرضین.
أبارک أسبوع العامل، لا لشریحة العمّال الأعزاء فقط، بل للشعب الإیرانی. إذا تمّ تکریم الأیدی العاملة و العقول العاملة، و الناس الموجدین للعمل، و الطاقات البشریة الماهرة فی المجتمع، فإن ذلک المجتمع سوف یتقدم. أن یرفع نبی الإسلام المکرم ید العامل و یقبّلها فهذا لیس مجرد تقدیر لشخص، إنما هو تعبیر عن قیمة، و هو درس یقول لنا إن ید العامل و المنتج و الطاقات الإنسانیة لها قیمة کبیرة إلی درجة أن شخصاً مثل الکیان المقدس للرسول الأکرم - الذی یعدّ سید الکائنات کلها - ینحنی و یقبّل ید العامل. هذا درس لنا.
العمل بالمعنی الواسع للکلمة یشمل العمل الیدوی و العمل الجسمی و العمل الفکری و العمل العلمی و العمل الإداری، هو فی الواقع محور التقدم و الحرکة و الحیاة المستمرة للمجتمع. هذا ما یجب أن نعلمه جمیعاً. إذا لم یکن العمل فإن الرسامیل و الأرصدة و المواد و الطاقة و المعلومات لن تنفع أیّ منها الإنسان. العمل هو الذی یدبّ فی الرسامیل و فی الطاقة و فی المواد الأولیة کالروح، و یبدّلها إلی أشیاء قابلة للاستهلاک یمکن للبشر الاستفادة منها. هذه هی قیمة العمل.
القضیة هی أنه لا توجد مجاملات مع العامل فی الجمهوریة الإسلامیة. شکّل البعض لفترة من الزمن حکومات تسمی عمّالیة، و شغلوا العالم لعدة عقود من الزمن. و لم یلحق العمّال خیر منهم. انتفع مدراء البلدان الاشتراکیة و الشیوعیة منافع کبری من مجتمعاتهم، و حکموا، و استعرضوا قدراتهم، و مارسوا الترف و النزوات فی حیاتهم کباقی طواغیت العالم، و باسم العمّال. و هذا کذب، و هی مجاملات.
و فی العالم الغربی فإن الضمانات العمالیة و دعم العمال و کیت و کیت، معظمها من أجل أن یعمل العامل لکی یلتذ ذلک الواحد بالمائة - حسب التعبیر الدارج الیوم - و یترف و یستمتع. لیسوا صادقین و مخلصین مع العامل. و الإسلام صادق و مخلص مع العامل، و له منطقه. العمل صانع قیمة. و هو قیمة. فی روایة من الروایات: «العلم یهتف بالعمل فإن أجاب و إلا ارتحل» (1). أی حتی العلم رهن بالعمل. یقول فی هذه الروایة، و هی تعبیر رمزی، إن العلم ینادی علی العمل، فإن استجاب العمل استجاب و بقی العلم و نما و تطوّر، و إذا لم یستجب العمل فإن العلم سوف یغادر و یرحل. لاحظوا کم هو تعبیر جمیل. أی إن ظهور العلم و بقائه و تقدمه منوط بالعمل. هذا منطق و أسس فکریة. هکذا هو الإسلام. الإسلام یتعامل مع شریحة العمال بصدق.
و بالطبع فإن هذه الأمور یجب أن تترجم إلی عملیات، و ینبغی أن تعبّر هذه المبانی عن نفسها فی البرمجة و التخطیط. و قد بُذلت الکثیر من الجهود و أنجزت الکثیر من الأعمال، و یجب أن یکون هناک مزید من الإنجازات. لذلک قلنا إن هذه السنة هی سنة «دعم العمل و رأس المال الإیرانی».. العمل الإیرانی و رأس المال الإیرانی. و رأس المال هو عِدل العمل. إذا لم یکن هناک رأس مال لما تحقق العمل. فهذان جناحان یحلق بهما الإنتاج الوطنی و یسیر. رأس المال الإیرانی أیضاً محترم و العمل الإیرانی أیضاً محترم. نتیجة رأس المال و العمل عبارة عن الإنتاج الوطنی. و هذا ما یجب أن یتحقق.
فی کل عام و بمناسبة أسبوع العمّال یأتی العمال الأعزاء إلی الحسینیة عندنا، و یکون لنا بهم هناک لقاء و نتکلم معهم ببعض الکلام. و فی هذه السنة جئت أنا إلی العمّال، و أخترنا هذا المعمل - شرکة داروپخش - کمرکز رمزی للعمل و العمّال. أنتم عمّال هذا المعمل و العمّال الذین تفضلوا بالمجیئ من معامل أخری تنبهوا إلی أننی جعلت برنامج هذه السنة بهذا الشکل لأداء الاحترام للعمل و العامل الإیرانی و تقدیم الشکر له.
ما لم نحترم العمل الإیرانی و رأس المال الإیرانی فلن یتکوّن الإنتاج الوطنی. و إذا لم یتکوّن الإنتاج الوطنی فلن یتحقق الاستقلال الاقتصادی لهذا البلد. و إذا لم یتحقق الاستقلال الاقتصادی للمجتمع - أی إذا لم یستطع أن یتخذ القرار بنفسه فی قضیة الاقتصاد، و لم یتمکّن من الوقوف علی أقدامه - فلن یتحقق استقلاله السیاسی. و إذا لم یتحقق الاستقلال السیاسی للمجتمع فإن سائر الکلام لن یکون سوی کلام. ما لم یقوّ البلد اقتصاده و یثبته و یکون معتمداً علی نفسه و مستقلاً فلن یقدر علی أن یکون مؤثراً من الناحیة السیاسیة و الثقافیة و غیر ذلک.
بلدنا بحاجة إلی اقتصاد قوی و مستقر و راسخ. إننی منذ ثلاث أو أربع سنوات نبّهت فی کلماتی العامة شعبنا و أعزاءنا و شبابنا و مسؤولینا و قلت إن مؤامرة العدو الیوم منصبّة علی اقتصادنا. فهل تلاحظون الیوم؟ تلاحظون علامات هذه المؤامرة الکبری التی خططوا لها تظهر الواحدة تلو الأخری.
و بالطبع فإنکم أیها الشعب الإیرانی سوف ترفعون هذا المانع من طریقکم إن شاء الله بنفس العزیمة الراسخة التی رفعتم بها الموانع الأخری من طریقکم. و هذا یتطلب همم العمال، و همم المستثمرین، و همم المدراء الحکومیین، و همم مدراء القطاع الخاص، و علی أبناء الشعب بدورهم أن یبدوا عزیمتهم الراسخة فی استهلاک المنتوجات الداخلیة و دعم الإنتاج الوطنی.
ینبغی إنجاز الأعمال و المهام الأساسیة. و لحسن الحظ فقد بدأوا العمل. و کما یعرف الأعزاء المسؤولون فی الحکومة المحترمة، فإن اجتماعاتهم و برمجتهم و تبادلهم للآراء انصبت کلها علی هذه القضیة منذ بدایة السنة. و أنا أوکد علی أنه یجب أن یرفعوا الموانع. من أجل تحقیق الإنتاج الوطنی و لکی یکتسب الاقتصاد الداخلی متانته و قوته، یتعین علی الجمیع أن یبذلوا الجهود، و علی المسؤولین بالدرجة الأولی أن یبذلوا جهودهم، سواء فی السلطة التنفیذیة، أو فی السلطة التشریعیة، أو فی السلطة القضائیة. أحیاناً قد ینتهی الأمر إلی السلطة القضائیة. فالتیار السلیم و الجید و الدقیق فی اقتصاد البلد و فی العمل و الإنتاج و الاستثمار فی البلاد بحاجة إلی مراقبة و دقة کل السلطات.
ینبغی إنجاز أعمال متنوعة من مختلف الأبعاد: قضیة تقویة المهارات فی بیئة العمل، و قضیة النظرة الإداریة الصائبة، و قضیة تأهیل القوی العاملة، و قضیة توفیر الشعور بالأمن للعامل و المستثمر - أی إن البرامج و الخطط و القوانین و المقررات یجب أن تکون بحیث یشعر العامل بالأمن و یکون باله مطمئناً و یشعر المستثمر کذلک بالأمن - و قضیة المواجهة و التعامل الصحیح مع حالات الإخلال الاقتصادی. و من حالات الإخلال الاقتصادی حالة التهریب. و من حالات الإخلال الاقتصادی أیضاً الاستغلال بشتی أشکاله للرسامیل و الأرصدة الوطنیة التی هی ملک الشعب فی بنوک البلاد. الذین یستفیدون من التسهیلات تحت اسم معین لکنهم ینفقونها فی موارد أخری، فهذه خیانة و سرقة. أحیاناً تکون السرقة من کیس شخص، و أحیاناً تکون من کیس شعب. و هذه الحالة أشد و أثقل. یجب مواجهة حالات الإخلال هذه.
قبل أعوام من هذا، عندما کتبت لرؤساء السلطات الثلاث رسالة حول الفساد الاقتصادی و أکدت علی الأمر، خاف البعض و قالوا قد یتراجع المستثمرون بسبب هذه التحذیرات. فقلت لهم إن القضیة علی العکس من ذلک، فالمستثمر - الشخص الذی یروم أن یمارس نشاطه الاقتصادی فی البلاد بالطریق السلیم - سیفرح عندما یشاهد أننا نکافح المفسدین الاقتصادیین. علینا أن نستطیع النهوض بهذه المکافحة الصحیحة علی المستوی القانونی.
علینا أن نهتم لإیجاد مزایا تنافسیة. نحن نقول الإنتاج الداخلی. و طبعاً حصلت الیوم لحسن الحظ حالات تقدم کثیرة علی صعید الإنتاج الداخلی. و لا شک أن ما هو موجود فی الذاکرة العامة للناس أقل مما حصل و أنجز بالفعل. الشیء الجدید و البارز الذی تمّ إنجازه فی هذه الشرکة لحسن الحظ، و شاهدناه الیوم، عمل له قیمة کبیرة. التأسیس و الإیجاد و التشغیل علی ید الطاقات الداخلیة و فی مدة قصیرة.. التصمیم داخلی، و الصناعة داخلیة، و الوسائل داخلیة. و لکن بخصوص التأکید و التشدید علی الإنتاج الوطنی فإن قضیة الجودة مهمة جداً. و علی إدارة الإنتاج و العمال الأعزاء أن یتنبهوا لهذه المسألة. و من القضایا المهمة الأخری قدرة السعر النهائی علی التنافس، إذ ینبغی إیلاؤها هی أیضاً اهتمامها اللازم. و هذا طبعاً یستدعی مساعدة الحکومة. هذه کثیر من الأعمال و المهمات یجب إنجازها. و هذه الأعمال لیست کلها علی عاتق الحکومة، فالحکومة، و مجلس الشوری الإسلامی، و الأجهزة الإداریة المختلفة، و القطاع الخاص، و کل أبناء الشعب، و صناع الثقافة فی المجتمع - الذین یصنعون الثقافة للناس بکلامهم - و الإعلام فی الإذاعة و التلفزیون، کل هؤلاء یجب أن یعملوا لخدمة الإنتاج الوطنی. و إذا نجحنا فی إنجاز هذا العمل فاعلموا أن ضربة موجعة سوف تنزل بأعدائنا السفاحین.
وضع السیاسات بمحوریة الإنتاج، و صناعة ثقافة استهلاک المنتجات الداخلیة، و رفع جودة الإنتاج الداخلی، و التجدید و الإبداع فی المکائن، و فی المنتوجات، و فی الإدارة، و فی الصناعة، هذه أعمال یجب إنجازها، و نتمنی أن تنجز إن شاء الله.
إننی أعتذر کثیراً للأصدقاء و الإخوة و الأخوات الذین جلسوا فی هذا الجو الحار تحت الشمس. نتمنی أن تکون حیاتکم إن شاء الله حیاة طیبة و دافئة و حیویة.
و السلام علیکم و رحمة الله و برکاته.

الهوامش:
1 - نهج البلاغة، الحکمة 366 .