بسم الله الرحمن الرحیم
أرحب بالإخوة و الأخوات الأعزاء، النواب المحترمین و المنتخبین من قبل الشعب الإیرانی المؤمن الرشید. و أشکر حضرة السید لاریجانی للنقاط الجیدة و المفیدة التی ذکرها، سواء علی صعید تاریخ المؤسسة التشریعیة و مجلس الشوری فی البلاد خلال تاریخنا القصیر، أو علی صعید ما یُتوقّع من مجلس الشوری الإسلامی. النقاط التی ذکرها نقاط صحیحة. و إذا برمج نواب المجلس المحترمون و نظموا أعمالهم إن شاء الله - و هناک أمل و رجاء واثق بهذا الشیء - فی موقعهم هذا باستقلال، و بحریة فکر، و بمراعاة مصالح البلاد، و بشعور بالشجاعة مقابل الأعداء، و بأمل بالمستقبل، و تابعوا الأعمال علی هذا المنوال، فإن البلد سوف ینتفع بلا شک، و سوف نتقدّم فی هذا السبیل.
ثمة هنا نقطة أساسیة یجب علینا جمیعاً التنبّه لها - و أنا أحوج منکم للتنبّه لهذه النقطة، و کلکم بحاجة للتنبّه بمقتضی مسؤولیاتکم - ألا و هی الشعور بالواجب و التکلیف و إخلاص النیة و العمل لله. إذا توفر هذا فسوف تعالج جمیع المشکلات و ستفتح جمیع الطرق. و إذا تحقق هذا فسوف تشملنا الرحمة و المعونة الإلهیة. «إن تتقوا الله یجعل لکم فرقاناً» (1). هذه الآیات التی تلیت الآن، إذا تحقق ما فیها فسوف تزول الأوهام الخاطئة فی الانهزام مقابل الأعداء و هیمنة الأعداء. التوکل علی الله و الارتباط به - و الناجم عن النیة الخالصة - یحلّ کل المشکلات. و هکذا انتصرت الثورة. لو لم یکن لإمامنا الخمینی الجلیل - الذی کان قائداً حقاً بالمعنی الکامل للکلمة - هذا التوکل و الإخلاص لما انتصرت هذه الثورة بالتأکید. و الجماهیر التی نزلت إلی الساحة و النخب التی دعت الجماهیر للنزول إلی الساحة، لو لم یکن عملها هذا لله لما تقدمت الأمور إلی الأمام. و کذا الحال فی فترة الدفاع المقدس. قالوا إن عدداً کبیراً منکم ساهموا فی الدفاع المقدس، و الذین ساهموا عن قرب یعلمون ماذا کانت علیه الأمور و کیف کانت و ماذا حدث. السرّ الأصلی هو أن نسعی للنهوض بالواجب و التکلیف و رضا الله. إذا نظرنا للحیاة نظرة تجاریة لکانت النتیجة نفس النتیجة. لقد قلت مراراً و منذ سنوات طویلة بأن الشهادة فی سبیل الله موت تجاری، أی إنه موت بمحوریة الربح. و هکذا هو الحال فعلاً. الذی لا یستشهد فی سبیل الله، و لا یعطی هذه الروح التی أعارنا الله إیاها فی سبیل الله، فإنه لا یستطیع الاحتفاظ بها إلی النهایة، و سوف یعطیها بالتالی، و ما أفضل أن نمنح هذا الذی سنمنحه عاجلاً أو آجلاً لله. و ما أجمل أن یتحوّل هذه الأمر الحتمی - و الموت أمر حتمی بالنسبة لنا - إلی وسیلة لسعادتنا.. وسیلة لتمتعنا باللطف الإلهی فی الحیاة الحقیقیة. الحق أن الشهادة موت تجاری.
و مثل هذه القضیة تصدق علی مساعینا الدنیویة. لو تجاوزنا عن المال و المتع و الأهواء المحرمة و الفارغة نکون قد مارسنا عملاً تجاریاً نربح من ورائه، لأن الله تعالی سیمنحنا بسبب هذا التجاوز أجراً تعود کل الأمور التی ربما أصبناها بتلک الأهواء و التمتعات صفراً أو تحت الصفر فی مقابله. تعود لا شیئاً فی مقابله. هکذا هو العمل لله. أعتقد أن هذا هو أساس قضایانا.
أنتم تتولون رکناً أساسیاً فی نظام - مجلس الشوری الإسلامی رکن أساسی - و قد ظهر هذا النظام وسط العالم المادی المضطرب و راح یرفع نداء المعنویة، و ینادی بخطأ مسار العالم المادی. و من الطبیعی أن یواجه حالات عداء. أن یُشکل البعض باستمرار - بصراحة و بالکنایات - و یقولوا لا تجعلوا العالم یقف بوجهکم، فاعتقد أن هذا کلام ناجم عن عدم تفکیر. حینما تدعون إلی حکومة معنویة دینیة، و تنادون بالدیمقراطیة الدینیة أو الدیمقراطیة الإسلامیة فإن هذا أول النزاع. مشکلة العالم أنه یواجه الدعوة الدینیة. و حین أقول العالم أقصد هذه الأجهزة التی تدیر العالم. هؤلاء أناس قوامهم و هویتهم علی أساس نهب الآخرین و ضرب الإنسانیة و سحق القیم الإنسانیة من أجل التمتعات الدنیویة. لقد سمعتم بفراعنة التاریخ و رأیتموهم. و فراعنة التاریخ یقفون بوجه القیم الإنسانیة، و العالم بیدهم. حینما توجدون فی مقابلهم جهازاً إداریاً و حکومیاً یدعو إلی المعنویة و الدفاع عن القیم الإنسانیة و الإلهیة - و هذا هو روح القیم الإنسانیة و معناها - فمن الطبیعی أن تواجه هذه الدعوة حالات معارضة. و یجب الاعتماد علی قوة معینة فی غمرة هذه المعارضة. و لیست هذه القوة قوة الأسلحة المادیة و القنبلة الذریة و ما إلی ذلک، إنما هی قدرة معنویة تتمثل فی الاعتماد علی الله. هذا هو أساس القضیة.
أنا و أنتم بحاجة - و أنا أکثر منکم - إلی أن نجعل نوایانا و قلوبنا و أهدافنا إلهیة أکثر فأکثر. إذا کان هذا فسوف تُحلّ المشکلات، و إذا کان هذا سوف نتقدم. و إذا کان هذا سوف ییأس العدو من الانتصار علینا. القیود التی تکبّل العدو کثیرة، و لهذا نقاشاته الطویلة المفصلة التی لیس هذا موضعها، و جمیعکم و الحمد لله فی مستویات عالیة من الفکر و التعلیم و العلم و تستطیعون معرفة الأمور و القضایا و تحلیلها بشکل تام. هذا هو واقع القضیة، إذا استطاع الإنسان فی هذا النظام الإلهی تمتین علاقته بالله، فبمقدار ما نتقدم فی هذا السبیل ستکون نجاحاتنا فی مواجهة الأعداء أکثر بلا شک، و سوف ترتفع الموانع. یجب أخذ هذه المسألة بنظر الاعتبار. طبعاً ثمة لوازم و مقتضیات فی کل منصب و کل عمل و کل مأموریة. و لمجلس الشوری الإسلامی مقتضیاته. و إذا کنتم فی الحکومة کانت هناک مقتضیات أخری. و فی الأجهزة و المؤسسات المتنوعة الأخری أو خارج المؤسسات الحاکمة ثمة مقتضیات و لوازم أخری. الهدف یجب أن یکون العمل لله. الکثیر من الإشکالات التی یسجّلونها علینا الیوم - و الکثیر منها وارد علینا - سوف ترتفع تلقائیاً إذا کانت النوایا و التوجّهات صحیحة.
ما استطیع أن أقوله بخصوص مجلس الشوری الإسلامی باختصار هو أن مجلس الشوری یجب أن یکون حیویاً و سلیماً. هاتان الخصوصیتان لازمتان فی مجلس الشوری الإسلامی.
حیویة المجلس بأن یبدی عن نفسه النشاط و الحرکة و الحیویة. إذا کان مجلس الشوری راکداً و خاملاً و لم تکن له ثمار صحیحة و مناسبة فی المجالات المختلفة فهو مجلس ناقص. و مؤشر الحیاة و الدلیل علی الحیویة هو النشاط و الحرکیة. کیف یمکن تجسید هذا النشاط و الحرکیة عیاناً فی الواقع الخارجی؟ یجب القیام بالواجبات بشکل صحیح. القوانین الجیدة. و فی شرح کلمة «القوانین الجیدة» هذه یمکن تقریر عشرة مؤشرات أو خمسة عشر مؤشر، منها أن تکون القوانین عصریة، و لا تکون مکرّرة، و لا تکون متعارضة، و غیر ذلک. هذه هی القوانین الجیدة. و ثانیاً الإشراف الصحیح. هاتان هما الوظیفتان الرئیسیتان لمجلس الشوری. أولاً تشریع القوانین، و ثانیاً الإشراف. للإشراف الصحیح علاماته و مؤشراته، فحددوا هذه المؤشرات. لیس من الضروری أن أذکر أنا هذه المؤشرات. أنتم تعلمونها، فهی من الأمور الواضحة و الجلیة. الإشراف الناجم عن نوایا غیر صحیحة إشراف غیر صحیح. و الإشراف المتحیّز و المضاد للتحیّز کلاهما إشراف غیر صحیح. و الإشراف الذی لا یتعمق فی الأمور إشراف غیر صحیح. للإشراف الصحیح مؤشراته و خصوصیاته التی یجب تشخیصها.
التواجد المفید فی مکان العمل و أجوائه.. هذه أیضاً من علامات الحیویة. طبعاً هذا الذی أقوله هو التوقعات المرجوّة من مجموع مجلس الشوری، لکن مجموع المجلس یعتمد طبعاً علی الأفراد. إذا لم تحضر أنت شخصیاً فی أوقات عمل المجلس أو فی قاعة المجلس أو فی اللجنة، صحیح أنک قد تقول إننی واحد من مائتین و تسعین شخصاً، لکن هذا سوف یؤثر بمقدار شخصک و علی الآخرین. أی إنک حینما لا تحضر فسوف تتسهّل عملیة عدم الحضور بنفس المقدار، فلا یحضر الآخر الذی کان ملتزماً بالحضور. هذه من جملة المشکلات فی المجلس. حاولوا أن تعالجوا هذه المشکلة فی المجلس التاسع بشکل حقیقی. إذن، التواجد المفید فی مکان العمل من علامات الحیویة.
و هناک التواجد السیاسی فی أجواء البلاد و العالم. المجلس صفحة علنیة للثورة، و للرأی العام عند الشعب، و للسیاسات العامة فی البلاد. تحدث فی المنطقة بعض الأمور و القضایا و تقع فی العالم أحداث معینة، فیجب علی المجلس أن یعرب عن مواقفه منها بصورة واضحة. و لحسن الحظ کانت المجالس الأخیرة ناشطة و جیدة فی هذا المجال. ترون أن فی المنطقة الیوم صخب کبیر. ما ینشر فی الأخبار و وکالات الأنباء صدقاً کان أو کذباً هو جزء صغیر من تلک الحادثة التی تقع فی هذه المنطقة. و هذه المنطقة لیست من المناطق العادیة فی العالم، إنما هی قلب العالم. إنها المنطقة المهمة لاتصال ثلاث قارات، و هی منطقة نفطیة مهمة، و منطقة مهمة للسیاسات الغربیة الاستعماریة مع وجود الحکومة الصهیونیة. إنها منطقة عجیبة. قضایا هذه المنطقة هی قضایا العالم. و لا من الصحیح أن یُقال: یوجد فی بعض بلدان العالم هنا و هناک مشاکل مماثلة، لا، فهنا قلب العالم. تقع هنا أحداث، فما هو موقفنا من هذه الأحداث؟ هذه قضایا علی جانب کبیر من الأهمیة. حیویة المجلس بأن یکون حاضراً فی هذه القضایا و یسجّل مواقفه و آراءه. و هذه المواقف مؤثرة. إذا فکرنا بشکل صحیح و اخترنا الجملات و الکلمات بشکل صائب و أطلقناها فی الوقت المناسب، فسوف یترک هذا تأثیره علی التحرکات الجاریة راهناً فی المنطقة من جانبین، من جانب الأجهزة الغربیة الشیطانیة المهاجمة، و من جانب الشعوب و هی صاحبة الموقف الحق. إذن، هذه هی الحیویة. المجلس الحیّ هو المجلس الذی یشرّع القوانین بشکل صحیح و فی الوقت المناسب، و یمارس الإشراف علی قضایا البلاد، و یکون له حضوره و فاعلیته فی قضایا المنطقة.
کما یجب عدم الغفلة عن اللجان فهی مهمة.. إنها غرف العملیات و التفکیر لتنضیج الأمور فی قاعة المجلس، و من ثم اتخاذ القرار فی قاعة المجلس، أی اتخاذ القرار لمصیر البلاد، و لیس لمجرد أربع سنوات. تارة تسنّون قانوناً و یترک هذا القانون تأثیره فی البلاد لعشرین عاماً. أی إنه قانون یرسم خطوطاً عریضة.
و إلی جوار حیویة المجلس هناک قضیة سلامة المجلس و نزاهته. فمجلس الشوری یجب أن یکون حیاً حیویاً و ینبغی أیضاً أن یکون سلیماً. و السلامة هنا لها مجالات و جوانب عدة. السلامة السیاسیة، و السلامة الأخلاقیة، و السلامة المالیة.. هذه أمور ترتبط بکل واحد من أصدقائنا الأعزاء النواب المحترمین. إذا ظهرت فی مجلس الشوری میول - و طبعاً مثل هذه المیول عادة ما تکون صغیرة و لیست عامة و کلیة - تتعارض مع بعض أصول الثورة، فهذه علامة عدم سلامة. أو إذا زالت هموم أداء الواجب فی مجلس الشوری فهذا من عدم السلامة. و إذا سادت حالة اللامبالاة بخصوص الشؤون المالیة - أخذ الأموال و إعطاء الأموال و الارتباط و التوسّط و ما إلی ذلک من هذه الأمور الموجودة فی کثیر من الأماکن - فهذا من عدم السلامة. هذا شیء مهم. و افتعال التکالیف و الإنفاقات للمجلس من علامات عدم السلامة. تحدثنا یوم أمس بالتفصیل مع حضرة السید لاریجانی بهذا الخصوص. الحق أنه من الأعمال التی یجب أن یقوم بها مجلس الشوری هو أن تکونوا نموذجاً لشتی الأجهزة و المؤسسات الأخری فی التقلیل من الإنفاقات. أحیاناً تکون تکالیف الأسفار غیر ضروریة، و کذلک التکالیف الشخصیة للنواب، و طبعاً جانب مهم من هذه العملیة یرتبط بالهیئة الرئاسیة المحترمة فی المجلس، إذ علیها المراقبة و التدقیق، و کذلک یقع الواجب علی کل واحد من النواب. و بالطبع فأنا علی علم - لدی اطلاع عام و اطلاع خاص - بأنهم لیسوا قلائل بین نواب المجلس أولئک الأشخاص الذین یحتاطون و یراقبون فی هذه الأمور. ثمة أشخاص یُثنی علیهم الإنسان حقاً و یفرح لهم و یشکر الله فی قرارة قلبه علی وجودهم فی مجلس الشوری. هذه القضیة أیضاً مهمة بالتالی.
قبل سنة أو سنتین و فی لقائی بالنواب المحترمین ذکرت بعض الآراء حول الإشراف الذاتی، و قد تمت المصادقة علی قانون بهذا الشأن. لاحظوا أن هذه الآیة التی تلیت هنا: «و اتقوا فتنة لا تصیبنّ الذین ظلموا منکم خاصة» (2) تشیر إلی نقطة مهمة جداً. قد یکون الشخص الذی یریق البنزین فی بنایة معینة و لا یحتاط و یشعل عود ثقاب، قد یکون شخصاً واحداً، لکن الذی یحترق لن یکون شخصاً واحداً. و قد یثقب الشخص السفینة لکن الذی یغرق لیس هذا الشخص فقط. یقول القرآن الکریم اجتنبوا مثل هذه الفتن لأنها حین تأتی لا تصیب الظالم الذی أوجد الفتنة فقط، بل تشمل الأبریاء أیضاً و الذین لم یکن لهم دور فی إیجاد الفتنة. «و اتقوا». تجنبوا مثل هذه الفتنة و راقبوا، فما هی لوازم هذه المهمة؟ لوازمها الإشراف الذاتی، أی أن نشرف علی بعضنا. «و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر» (3). أن نتواصی باستمرار. هذه من علامات السلامة.
من الأمور التی تمثل فی مجلس الشوری علامة للسلامة بحق اجتناب التعرّض لسمعة و ماء وجه هذا و ذاک. لدیکم منبر موضوع تحت تصرّفکم، و هو منبر عمومی. حینما تتکلمون إنما تتکلمون من خلف منصة وطنیة یصل صوتها إلی أسماع الجمیع. و إذا کان فی ما تقولونه تعرّض لسمعة شخص و اتهام شخص - حتی لو کان مذنباً فی رأیکم، لکن ذنبه غیر ثابت - أو تعرض لأمر معین حتی لو کان هذا الأمر واقعاً، لکن لیس واجبنا أنا و أنتم الخوض فیه، نظیر الشؤون الخاصة للأفراد، فلماذا تذکر هذه الأمور فی المجلس و من علی منصة المجلس؟ ینبغی تجنّب هذه الممارسات بشدة. و إذا تمّ اجتنابها فهذا من علامات السلامة.
سبق أن ذکرت هذه النقطة لبعض النواب المحترمین، و أقولها الآن لکم لأنکم جمیعاً موجودون هنا: مجلس الشوری مکان الحوارات الحکیمة و العقلانیة. تقولون کلمتکم و تأتون بأدلتکم و براهینکم، ثم یأتی شخص آخر و یقول إن کلامکم خطأ لهذه الأسباب و أدلتکم خاطئة، و بالتالی فإن المجموع أمام أن یصوّت لصالح هذا أو ذاک. هذا صحیح. و إذا قام الآخر أثناء حدیثکم و کلامکم بالتصفیق أو الضجیج من أجل أن لا یصل صوتکم إلی المستمع، فهل هذه ممارسة حکیمة؟ هل هی ممارسة عقلانیة؟ یجب استئصال هذه العادة من المجلس أنه عندما یتحدث نائب أو عندما یتحدث وزیر أو مسؤول حکومی یبدأ عدة أشخاص فی جانب من المجلس بإصدار بعض الأصوات! هذا شیء سیئ جداً. للأسف کان هذا فی المجلس الثامن، و لا أدری هل کان فی المجلس السابع أم لا. لقد تحیّرت و دهشت عندما رأیت هذه الحالة.. و هل مثل هذا الشیء ممکن؟ و وجدت أن الجواب: نعم إنه ممکن و قد وقع! وقع فی المجلس. لیس مجلس الشوری مکان مثل هذه الأشیاء. نعم فی التجمّعات العامة قد یفعل عوام الناس مثل هذه الأشیاء. یتحدث شخص و یصدر شخص آخر بعض الأصوات. کانت مثل هذه الأمور علی مرّ التاریخ. فی القرآن الکریم: «و هم ینهون عنه و ینئون عنه» (4). حینما کان الرسول الأکرم (ص) یتحدث لم یکن یسمح بعض الأفراد بوصول صوته للآخرین، فکانوا یضجّون و یلغون. لکن هذا لیس نهج الجمهوریة الإسلامیة. و خصوصاً فی مجلس الشوری الإسلامی. مجلس الشوری الإسلامی مکان الکلام. یقول الشخص کلامه بالکامل و ینهیه، ثم إذا کان کلامه خاطئاً و غیر منطقی تتدخّل حضرتک و تسوق الأدلة و تقول إن کلام هذا الرجل لیس له أی نصیب من المنطق و لا أساس له و تطالب برفضه. لا إشکال فی هذا.
إننی أولی أهمیة بالغة لاستقلال مجلس الشوری، و اعتقد أن المجلس المستقل هو حقاً من النعم الکبری. البعض یتصورون، و البعض یکررون هذا فی وسائل الإعلام، و یخالون أن علامة الاستقلال عن الحکومة هو التهجّم علی الحکومة. لیس الأمر کذلک. لیس الکلام عن هذه الحکومة و تلک الحکومة. فی کل الدورات طوال هذه الأعوام - و تعلمون أنه کانت هناک حکومات مختلفة - نبّهت دوماً إلی هذه النقطة. الاستقلال عن الحکومة لیس معناه أن یتهجّم المرء دوماً علی الحکومة لسبب أو بدون سبب، و یعارض أعمالها.. الأعمال التی لا ضرورة أصلاً للاعتراض علیها. یمکن أن تسنّوا قانوناً بخلاف الاتجاه الذی تسیر فیه الحکومة. علی کل حال هذه أمور لازمة.
اعتقد أن من الأمور المهمة التی نحتاجها فی البلاد راهناً هو الاتحاد. و لا یعنی الاتحاد تساوی الأفکار و تطابقها. أنتم جمیعاً و الحمد لله فی مستویات فکریة و علمیة عالیة، و لا حاجة لذکر هذه الأمور لکم. نحن بحاجة لتذکیرنا حتی نعمل، و إلا فنحن نعلم الکثیر من الأمور. یجب أن یکون هناک اتحاد فی الوقت الراهن. الثنائیة و الاختلاف و التفرقة مظهر ضعف الشعب و انحطاطه و هزیمته. یجب أن لا تسمحوا بوقوع مثل هذا الشیء. هناک اختلافات فی وجهات النظر و لا حرج من ذکر هذه الاختلافات فی الآراء.. نعم.. لدینا فی هذه القضیة اختلاف فی وجهات النظر، لکن أیدینا متعاضدة. یقول فلان مثلاً یجب القیام بالعمل الفلانی، و أقول أنا یجب عدم القیام به. بالتالی یوجد مرجع للقضیة.. المرجع إما القانون أو الجهاز القضائی أو مجلس صیانة الدستور أو شیء آخر، و ذلک المرجع سوف یتخذ القرار، و لکن یجب أن لا نتنازع و نمسک بتلابیب بعضنا. یجب تحقق هذا الاتحاد. ینبغی توفر التعاطف و التعاون و ظهور هذا التعاطف بین المؤسسات و الأجهزة لصیانة المصالح العلیا للبلاد. و بالطبع فإن الجمیع یقولون هذا. ذات مرة کان أحدهم یدافع عن شیء معین بغضب، و قال له قائل: و لماذا أنت غاضب هکذا؟ فصرخ به بنفس نبرته الغاضبة: إننی لست غاضباً! و بخصوص الاتحاد هناک من الأطراف - و لا یمکن القول من الطرفین - من یتحدثون عن الاتحاد، و لکن تلاحظ فی الوقت ذاته علامات التفرقة و مصادیقها. الذی أرجوه هو التنبّه لهذه المسألة، سواء فی داخل المجلس بین الأعزاء فی المجلس، أو بین المجلس و سائر السلطات - السلطة التنفیذیة و السلطة القضائیة - حافظوا علی هذا الاتحاد و الاتفاق، و اعلموا أن هذا الشعب و هذا النظام و هذا الاتجاه مبشَّر بالتوفیق و الانتصار.. هذا لطف الله و ما تقتضیه السنن الألهیة.
الشعب شعب صالح و مؤمن. و شبابنا شباب صالحون. و شعبنا لحسن الحظ لا یزال شعب شاب. و الحمد لله فإن التفکیر الدینی و التوجهات الدینیة و الإسلامیة هی المحور الأصلی لحرکة البلاد. نواب مجلس الشوری، و مسؤولو البلاد و شخصیات الحکومة و القضاء من الشخصیات المؤمنة بمبانی الإسلام و الثورة. و هذا شیء علی جانب کبیر من الأهمیة. الشعب مؤمن و المسؤولون مؤمنون. سیشملنا التوفیق الإلهی إن شاء الله و نتقدم إلی الأمام. و سوف نحقق فی هذا العقد الذی هو عقد التقدم و العدالة بتوفیق و إذن من الله تقدماً محسوساً، و نسجّل فی نهایة هذه المدة إن شاء الله رقماً ممیزاً علی صعید العدالة.
و السلام علیکم و رحمة الله و برکاته.

الهوامش:
1 - سورة الأنفال، الآیة 29 .
2 - سورة الأنفال، الآیة 25 .
3 - سورة العصر، الآیة 3 .
4 - سورة الأنعام، الآیة 26 .