کلمته فی مدراء الدولة و المسؤولین فی الیوم الرابع من شهر رمضان 1433 هـ

بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله رب العالمین، و الصلاة و السلام علی سیدنا و نبینا أبی القاسم المصطفی محمد و علی آله الأطیبین الأطهرین المنتجبین، سیّما بقیة الله فی الأرضین.
نرحّب بجمیع الإخوة و الأخوات الأعزاء المسؤولین المکرمین المعززین فی مؤسسات البلاد المختلفة، و نشکر السید رئیس الجمهوریة المحترم علی التقریر الجید الذی رفعه للجمیع.
ما أقوله فی بدایة کلمتی هو التحریض و التحریض علی اغتنام فرصة هذه الأیام و اللیالی. نحن بحاجة للانتهال من هذه الساعات و الأیام و اللیالی المبارکة إلی أقصی الحدود، عن طریق تعزیز أواصرنا القلبیة بعالم المعنی و بعالم الغیب و بالابتهال و التضرّع و الخشوع مقابل ربّ الأرباب، و بتمتین وشائج ولایتنا لأهل البیت (علیهم السلام) و هذه السلالة المکرمة. هذا هو أساس کل الأعمال الصالحة التی یمکن لإنسان مؤمن متدیّن ساع فی سبیل الحق أن یقوم بها.
إذا لم ننتفع من هذه الساعات و لم نغترف من زلال هذه الفرصة، فسیکون ذلک حسرة علینا فی یوم من الأیام. «و أنذرهم یوم الحسرة إذ قضی الأمر و هم فی غفلة و هم لا یؤمنون» (1). تفوت هذه الفرص فی غمرة الغفلة و الحسرة، و یوم تکون کل ساعة من ساعات حیاتنا، و کل دقیقة، و کل حرکة و سکنة، و کل کلمة تصدر عنا لها حسابها و کتابها، سیتحول عدم الانتفاع هذا إلی حسرة لنا. و عندئذ یکون الأوان قد فات. «إذ قضی الأمر». یکون قد فات الأوان یوم ننتبه و نتفطن للأمر.
للمرحوم المیرزا جواد ملکی (رضوان الله علیه) فی کتابه الشریف «المراقبات» جملة بمناسبة ساعة لیلة القدر سجّلتها عندی. و هذا الأمر طبعاً یتعلق بکل الأحوال، لکنه ذکره بهذه المناسبة. «فاعلم یقیناً أنک إن غفلت عن مثل هذه الکرامة و ضیّعتها بإهمالک».. إذا غفلنا و ضیّعنا هذه الفرص و فوّتناها.. ثم: «و رأیت یوم القیامة ما نال منها المجتهدون».. حین یکون یوم القیامة و تحضر أعمال الناس، و تتجلی الصور الملکوتیة لأعمالنا هناک، ستنظر فتری العمل الذی کان بوسعک أن تعمله و لم تعمله، و الکلمة التی کان بإمکانک أن تقلها و کان فیها خیر للناس و لم تقلها، و الخطوة التی کان بمقدورک أن تتخذها و فیها منفعة للمستحقین و لم تتخذها.. هذا العمل الصغیر قام به أفراد غیرک من الساعین و الجادین المجتهدین فأصابوا ما أصابوا من الثواب العظیم الذی منّ الله تعالی به علیهم یومذاک.. یومها سنُحرم من هذا الثواب العظیم. یوم یشاهد الإنسان غیره ممن قام بهذا العمل و الفعل الخیّر الصالح و الخطوات الحسنة و الأعمال العبادیة ماذا أصاب من المکسب العظیم الذی یحتاجه الجمیع یومئذ.. یقول عندها: «ابتلیت بحسرة یوم الحسرة». هناک یبتلی الإنسان بالحسرة، و أیة حسرة! فیقول یا لیتنی أنا الذی قمت بهذا العمل و فعلت کذا و کذا، و قلت هذا الکلام، و ترکت هذا الفعل أو هذا الکلام. ثم یقول إن حسرة یوم الحسرة لیست کالحسرات العادیة. فی الدنیا أیضاً قد یفعل الإنسان فعلاً یکون له فیه مکسب، و إذا لم یفعله شعر بالحسرة و الندم. و لکن أین هذا من ذاک؟ یقول: «التی تصغر عندها نار الجحیم و العذاب الألیم». هذه الحسرة صعبة و شدیدة و ألیمة إلی درجة تصغر بجانبها نار جهنم. و بعبارة فإن الحسرة تُصبّ فی باطن الإنسان کالرصاص المذاب. «فتنادی فی ذلک الیوم مع الخاسرین النادمین یا حسرتی علی ما فرّطت فی جنب الله»، ثم یقول: «و لا ینفعک الندم».. یومها لن ینفع الندم شیئاً.
إنکم الیوم تتمتعون بنعمة الحیاة. و کثیر منکم تتمتعون بنعمة الشباب، و الحمد لله أنکم جمیعاً أو غالبیتکم تتمتعون بالنشاط و القوة الجسمیة و الفکریة، و تستطیعون العمل و الانتفاع من هذه الساعات المبارکة و من هذه اللیالی و الأدعیة و المناجاة و الإحیاء و النوافل. أحیاناً قد یکون لعمل صغیر أجر عظیم لا یصدّقه الإنسان فی هذه النشأة و فی طیّات الأطر المادیة التی هو فیها - «و هم لا یؤمنون» (2) - لکنه موجود. حسناً، هذه فرصة هی فرصة شهر رمضان، و تلک فرصة هی فرصة الخدمة. أنتم الیوم مسؤولون و أمامکم فرصة الخدمة و تتولون الإدارة و تستطیعون العمل فانتهلوا من هذه الفرصة إلی أقصی الحدود. انتفعوا من الساعات و الآنات و الإمکانات المختلفة المتوفرة لکم. أیة خطوة فی هذا النظام الإسلامی و فی هذا البلد الإسلامی الإلهی تکون فیها خدمة لتقدم البلاد من الناحیة المعنویة أو المادیة لها أجورها، لو رأی الإنسان یوم القیامة بعض الناس قد نالوها و حرم هو منها لأصیب بمثل هذه الحسرة. هذا هو ما نقوله و أعتقد أن الجزء الأصلی و المهم من کلامنا الیوم هو هذا. أنا نفسی أحوج منکم للعمل بهذه النصیحة و التوصیة. عسی أن یمنّ الله تعالی علینا جمیعاً بهذا التوفیق.
ما أعددته الیوم لأقوله هو أن قدرات الشعب الإیرانی و إمکانیاته للحفاظ علی الثورة و صیانتها و حراستها من العظمة و الأهمیة إلی درجة یمکن القول معها أنها لیست بأقل أهمیة من أصل الثورة. لقد استطاع الشعب الإیرانی طوال هذه الأعوام الثلاثة و ثلاثین صیانة هذا المکسب العظیم بدرجة و کفاءة عالیة. أنظروا للثورات التی حدثت خلال هذا العام و نصف العام فی المنطقة. حینما تنظرون نظرة إجمالیة تستطیعون الحکم هل تسیر هذا الثورات فی الاتجاه الصحیح أم لا. الأعداء و المستکبرون و خصوصاً الکیان الصهیونی و الحکومة الأمریکیة و الحکومات الغربیة تسعی لرکوب هذه الثورات و الانحراف بها. لاحظوا أیة تحدیات کبری تواجه هذه الثورات.
بالنظر لهذه التحدیات یدرک الإنسان أی عمل کبیر تمّ إنجازه فی بلادنا حین حافظت هذه الثورة علی اتجاهها الصحیح فی السیر نحو مبادئها و أهدافها، و لم تخرج عن سکة القیم و المبادئ و واصلت مسیرتها إلی الأمام. هذا فی حین کانت التحدیات و التهدیدات تتصاعد. منذ الیوم الأول کانت التهدیدات التی تواجهها الثورة و البلاد تتعقد أکثر فأکثر، و کانت هناک اغتیالات و تمرّدات قومیة و حرب و حظر و حصار. کلما تقدمنا إلی الأمام أضحت التهدیدات أعقد و نزل أعداء النظام و معارضوه إلی الساحة بکل ثقلهم، و قادوا المعرکة ضدنا. أحداث تیر سنة 78 ، و أحداث سنة 88 ، کلها صنوف من التهدیدات واجهتها هذه الثورة و هذا البلد و هذا الشعب. و قد تجاوز هذا الشعب جمیع هذه التحدیات، و هو یسیر بقوة فی طریقه. هذه أمور نحتاجها الیوم و فی کل حین، و نحتاج أن ننظر إلیها فهی تساعدنا فی طیّ الطرق الصعبة و اجتیاز التعقیدات و المنعطفات العصیبة.
ما یلاحظه الإنسان فی هذه المسیرة طوال ثلاثة و ثلاثین عاماً، و الدرس الذی أعطته الثورة و أبقاه الإمام الخمینی الجلیل هو أن المبادئ و الآمال العظیمة التی علمنا إیاها و أوحاها لنا الإسلام لم یجر تجاهلها خلال هذه المسیرة الممتدّة علی مدی ثلاثة و ثلاثین عاماً، و فی الوقت نفسه جری الالتفات للواقع القائم فی المجتمع و العالم. و قد ساعد هذا علی استمرار هذه المسیرة، أی المزج و الترکیب بین النزعة المبدئیة و النظرة الواقعیة. ثمة کلام أشاعوه و کتبوا و تحدثوا حوله، و یسمعه المرء الآن أیضاً هنا و هناک یقول إن ملاحظة الواقع و الحقائق فی المجتمع و العالم لا ینسجم مع النزعة المبدئیة. لقد خلطوا بین النزعة المبدئیة و المیول للأحلام و الأخیلة. ما نرید متابعته و نصرّ علیه هو أن الواقعیة و ملاحظة حقائق المجتمع و العالم و الواقعیات فیهما لا یتعارض و لا یتناقض أبداً مع النزعة المبدئیة و السعی لتحقیق الأهداف و المثل و الآمال الکبیرة للشعب الإیرانی. إذا استطعنا الملاءمة بین النزعة المبدئیة و النظرة الواقعیة فستکون الترجمة العملیة لذلک هو ترکیب التدبیر مع الجهاد.. نجاهد و نسیر فی حرکة جهادیة و تکون هذه المسیرة الجهادیة ضمن إطار التدبیر، و هذا ما یتطلب وعیاً عاماً و وعیاً من المسؤولین و المدراء و تآلف القلوب و الألسنة فی کل المجالات.
یتظاهر البعض بأن النزعة المبدئیة لا تتوافق مع النظرة الواقعیة. هذا ما نرفضه بشدة. الکثیر من آمال مجتمعنا و مثله و أهدافه و مطالیبه تعدّ جزءاً من واقع المجتمع. الجماهیر تروم أن یکون لها عزة وطنیة، و تکون لها حیاتها الإیمانیة الدینیة، و ترغب فی أن تسهم فی إدارة البلاد - أی الدیمقراطیة - و أن یکون لها تقدمها و استقلالها السیاسی و الاقتصادی. هذه المطالیب العامة للشعب. و هذه المطالیب هی واقعیات المجتمع. و هذه الواقعیات تتماشی تماماً مع اتجاه المثل و المبادئ. لیست هذه قضایا تحلیلیة و ذهنیة أو أوهاماً ذهنیة.. هذه واقعیات موجودة و قائمة فی المجتمع. المجتمع الحیّ و المتدیّن یسعی لهذه الأمور. یرید أن تکون له عزة وطنیة و استقلال و تقدم و سمعة و مکانة دولیة. هذه مطالیب یحملها الناس و الشعب و هی فی نفس اتجاه المبادئ، و هذه المطالبة من واقعیات المجتمع الحاسمة. و علیه یمکن للواقعیات أن تکون فی خدمة المبادئ و معطوفة علیها. نعم، التحدث عن المبادئ و المثل من دون التنبّه للواقع و الواقعیات و من دون ملاحظة الأدوات و الآلیات المعقولة و المنطقیة للوصول إلی المبادئ نوع من الأحلام و الخیال، و ستبقی المبادئ فی حدود الشعارات، و لکن حین یتابع مسؤولو البلاد المبادئ بطریقة منطقیة و رصینة، و یواکبهم الشعب، عندها یتطابق واقع المجتمع مع المبادئ. هذا أمر أساسی و رکیزة أساسیة لمسیرة البلاد.
أرغب هنا أن أطرح بعض واقعیات المجتمع. ثمة أمور واقعیة و واقعیات إذا لم نأخذها بنظر الاعتبار فی حساباتنا فسنخطئ فی الأحکام و التقییمات بالتأکید، و سنخطئ فی اختیار الطریق. یجب رؤیة هذه الواقعیات. طبعاً لیست أی من هذه الواقعیات التی أذکرها تحلیلاً، بل جمیعها وقائع و واقعیات مشهودة أمامنا.
و أقول مسبقاً إنه حینما نرید أن تکون لنا نزعتنا المبدئیة المترافقة مع نظرة واقعیة - أی أن نری الواقع و ننظم تحرکاتنا و مسیرتنا علی أساس الواقع - یجب أن نفطن و نحذر من الوقوع فی المزالق و الزلات التی قد تعرض هنا. ثمة مزالق هاهنا.. من هذه المزالق توهم الواقع أو الواقع الوهمی، حیث یتصور الإنسان بعض الأمور غیر الواقعیة واقعیة. الأعداء الذین شکلوا جبهة أمام بلادنا و شعبنا و ثورتنا یحاولون اختلاق واقع و تصویره و إیهام الآخرین به، فهم یظهرون لنا بعض الأمور باعتبارها واقعیات مسلم بها و مفروغ منها. و الحال أن الواقع شیء آخر. یجب أن نحذر من الوقوع فی توهم الواقع المفتعل الذی هو علی الضد من الواقع. افترضوا لو أننا اعتبرنا قدراتنا أکثر من الواقع، أو أقل من الواقع، فسوف نقع فی الخطأ. و إذا أخذنا قدرات العدو علی أنها أکثر من واقعها أو أقل فسوف نخطئ أیضاً فی حساباتنا. هذه من المواطن التی یدخل فیها مخططو الأعداء إلی الساحة لیفعلوا فعلهم. لاحظوا أنه فی الإعلام الواسع لأعدائنا تجری محاولات للتقلیل من شأن قدراتنا الداخلیة و الوطنیة و تصغیرها. و فی المقابل تعرض قدرات العدو أکبر مما هی فی الواقع. هذا أحد المزالق. إذا أخذنا العدو علی أنه أکبر مما یجب أن نأخذه و خفنا منه فسوف نُمنی بلا شک بخطأ فی الحسابات و نسیر فی الطریق الخطأ. هذا أحد المزالق و الزلات.
من المزالق فی النظر للواقع ما یعود إلی داخلنا و بواطننا. أحیاناً تصیبنا رغباتنا و نزواتنا بالشلل. الرغبات قد تصور لنا بعض الأشیاء علی أنها واقع و هی لیست من الواقع فی شیء. إنها فی الواقع أخطاء تفرضها علینا أنفسنا المیّالة للراحة أو المُحبّة للأمور المادیة، و الحال أنها لیست من الواقع فی شیء.
و من المزالق أن یتوهم الإنسان إمکانیة الوصول إلی المبادئ و المثل من دون تکالیف. و قد کنا نشاهد فی خضم العمل الکفاحی و النضالی أن البعض یوافقون و یؤیّدون أهداف الکفاح، لکنهم غیر مستعدین لدفع تکالیف معینة فی سبیل الکفاح و العمل فی هذا السبیل. و الیوم أیضاً یوجد مثل هؤلاء الأشخاص الذین یتصورون أنه یجب الوصول للأهداف من دون دفع تکالیف، لذلک حینما یأتی الدور لدفع التکالیف یتراجعون. هذه التراجعات تؤدی فی کثیر من الأحیان لوقوع الإنسان فی خطأ فی حساباته، و عدم سیره علی الخط الذی ینبغی له السیر علیه مقابل العدو.
منزلق آخر هو أن نشاهد جزءاً من الواقع و لا نری جزءاً آخر. هذا أیضاً یؤدی إلی الخطأ، و یستتبع خطأ فی الحسابات. یجب النظر للواقعیات و معرفتها کلها سویة.
و فی ما یلی أذکر بعض الأمور الواقعیة. و لا ندعی أننا سنذکر هنا کل واقعیات البلاد لکنه مدخل یمکنه أن یفتح أعیننا علی الواقعیات المتنوعة. فی أی وضع نحن؟ و أین نقف؟ و ماذا لدینا؟ و ماذا نفتقد؟ ملاحظة هذه الواقعیات بالتقییم الذی لدیّ حول هذه المسألة تبعث علی کثیر من الأمل. حینما نضع الواقعیات إلی جوار بعضها و نلاحظها نشعر أن طریق الشعب الإیرانی نحو المثل و المبادئ العلیا طریق مفتوح. ثمة فی هذا الطریق تحدیات لکنه طریق مفتوح و لیس طریقاً مسدوداً. هدف الجبهة المعارضة للنظام الإسلامی و الثورة الإسلامیة و هدف أعدائنا هو أن یصوّروا هذا الطریق علی أنه مسدود. و هم أنفسهم یقولون إننا یجب أن نفعل کذا و کذا و نمارس هذه الضغوط و نفرض الحظر و الحصار لیعید مسؤولو الجمهوریة الإسلامیة النظر فی حساباتهم. أقول إن ملاحظة الواقعیات لا تؤدی إلی إعادة النظر فی حساباتنا الماضیة، و لیس هذا و حسب بل و تزیدنا اطمئناناً و وثوقاً بصحة الطریق الذی طویناه و الذی فتحته الثورة لنا.
من الواقعیات القائمة فی البلاد - و هو واقع یتعرّض له النظام الإسلامی الیوم أکثر من السنوات الماضیة - وجود الضغوط و التهدیدات. البلاد تواجه استعراض عدة قوی و دول مستکبرة لعضلاتها. و کما قلنا مراراً فإن الطرف المقابل لنا لیس المجتمع الدولی و لیست الدول أو الشعوب، بل عدة دول، لکن لها أجهزة إعلامیة قویة. هذا شیء یجب أن نعترف به و هو أن الأمریکان و الغربیین أقویاء حقاً فی هذا الجانب.. القدرة الإعلامیة و الدعائیة بمعنی الپروپاغندا کما یسمّونها هم.. ما نعترف أنهم أقویاء فیه هو الإعلام و القدرة الدعائیة و إظهار الأمور التی یریدون إظهارها و نشرها. إنهم بقدراتهم الإعلامیة و الدعائیة العالیة یروّجون الیوم بشدة و یقولون ما یریدون.. إنه واقع أنهم بضع دول لا أکثر، لکنهم بقدراتهم الإعلامیة هذه یطرحون أنفسهم علی أنهم المجتمع العالمی، و هم یکذبون، إذ لیسوا المجتمع العالمی. هذا واقع.
إننا نواجه استعراض عضلات عدة دول و قوی مستکبرة. و لهم سوادهم الذی یمشی وراءهم، و هذا السواد أیضاً یعارضنا، لکنه لا یملک وجوداً و قدرة من نفسه، و إذا ارتفعت عنه ید الدعم التی تدعمه مثل أمریکا سیعود صفراً و لا یعدّ بشیء فی المعادلات العالمیة و الدولیة. بید أنه الآن یتحرک خلف أمریکا و الکیان الصهیونی و الشبکة الصهیونیة العالمیة کسواد. هذا واقع أمامنا و قد تکوّن هذا الواقع منذ بدایة الثورة و لم تنخفض شدّته بل ازدادت. و طبعاً یتعاضد الجمیع لتضخیم هذا الواقع و هذا بدوره من تلک المزالق. یحاولون إظهار هذا الواقع علی أنه أکبر و أشد و أصعب و أکثر مرارة. إننا نوافق أن أمامنا ضغوطاً و حظراً و قدرات اقتصادیة و سیاسیة و أمنیة و ما إلی ذلک، و خصوصاً القدرات الإعلامیة التی تسیر من ورائهم. هذا واقع.
الواقع الآخر الذی یجب أن یُری إلی جانب هذا الواقع هو أنهم یتظاهرون بأن استعراض العضلات و الملاواة هذه بسبب الملف النووی أو قضیة حقوق الإنسان، و هذا کذب. کذب هذا الادعاء أحد الواقعیات. و لسنا نحن الذین نقول إن هذا واقع، إذ لا یوجد الیوم فی العالم من یصدّق أن أمریکا تهمّها حقاً حقوق الإنسان و تحرص علی حقوق الإنسان و تنشدها، أو أن الکیان الصهیونی الملطخة أیدیه بالمذابح الجماعیة و قتل الأطفال یروم انتشار الدیمقراطیة فی بلدان العالم. ملف أمریکا و ملف الکیان الصهیونی و ملف هذه البضع قوی التی تقف بوجه الجمهوریة الإسلامیة، من حیث حقوق الإنسان و مناصرة حقوق الشعوب، ملف أسود شدید السواد. ألیس التقتیل و المذابح طوال ستین عاماً فی فلسطین انتهاک لحقوق الإنسان؟ و تزوید الحکومة الصهیونیة الغاصبة بالسلاح النووی ألا یعدّ انتهاکاً للسلام العالمی؟ الذین قاموا بهذه الممارسات هل بوسعهم ادعاء الدفاع عن السلام العالمی؟ تزوید شخص مثل صدام بالسلاح الکیمیاوی ألیس انتهاک لحقوق الإنسان؟ و ممارسات من هذا القبیل حدثت فی أبی غریب و غوانتانامو و أفغانستان و العراق و مناطق أخری من العالم علی ید الأمریکان و الغربیین و البریطانیین هل تترک لهم مجالاً للتشدّق بالدفاع عن حقوق الإنسان؟ و علیه، فهم یکذبون حین یقولون إن مواجهتنا للجمهوریة الإسلامیة من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان. و یکذبون أیضاً حین یقولون إن مخاصمتنا للجمهوریة الإسلامیة بسبب الأسلحة النوویة. کنا نقول هذا حدساً ثم اتضح لنا فی المفاوضات و التداولات الدولیة بأنهم یعلمون أن الجمهوریة الإسلامیة لا تسعی لامتلاک سلاح نووی. صدّقوا بهذا و اقتنعوا به و هذا هو الواقع، لکنهم لا یکفّون عن إثارة قضیة السلاح النووی. و إذن، دعاوی أن هذه الضغوط و الحظر و الحصار و العداء و الخصومات بسبب السلاح النووی و القدرات النوویة کذب. و کذب هذه الدعاوی أمر واقع.
الواقع هو أن معارضتهم تعود إلی أصل الثورة و أساس تشکیل النظام الإسلامی. کانوا یحکمون فی هذه المنطقة ببال فارغ. کان فی قبضتهم بلد مثل إیران بمصادره الثرّة و إمکانیاته الجمّة. کانوا یفعلون ما یحلو لهم و یتخذون ما یریدون من القرارات. و یستخدمون ما یستخدمون من إمکانیات هذا البلد لتمریر مقاصدهم، لکنهم حرموا من کل هذا الآن. و لیس هذا و حسب بل إن هذا أدی إلی استیقاظ هذا النداء و المحفزات فی العالم الإسلامی، و هو ما نلاحظ الیوم علاماته فی شمال أفریقیا و الشرق الأوسط و کل البلدان و الشعوب.. و هم منزعجون من هذا. القطب فی هذا هو الجمهوریة الإسلامیة. یریدون توجیه الضربات للجمهوریة الإسلامیة و جعل ذلک عبرة للآخرین. هذا هو الهدف الأساسی. و هذا أیضاً واقع.
واقع آخر هو أن هذه التحدیات التی تواجهها الجمهوریة الإسلامیة الیوم لیست بالجدیدة. و هذا أیضاً لیس تحلیل بل هو واقع. هذا ما یراه الجمیع و یشاهدونه. ذات یوم کانوا یقصفون سفننا النفطیة و غیر النفطیة فی الخلیج الفارسی، و یقصفون الأرصفة النفطیة فی جزیرة خارک، و کانت کل مراکزنا الصناعیة تحت مظلة قصف الأعداء.. هذه أشیاء شاهدناها بأعیننا، و أیام مررنا بها، و لیست بالجدیدة علینا. و الیوم لا یجرأون علی الاقتراب من الجمهوریة الإسلامیة. هذا أیضاً جانب من الواقع القائم. ذات یوم کانوا یتجرأون و یأتون و یقصفون و یهاجمون. لم تکن حرب صدام معنا حرب دولة واحدة معنا.. کانت حرباً دولیة ضدنا. إذن، هذه التحدیات الموجودة - یهددون و یتکلمون و یعددون و یضخمون - لیست بالجدیدة علی الجمهوریة الإسلامیة. هذا أیضاً واقع.
واقع آخر هو أن نظام الجمهوریة الإسلامیة اجتاز کل هذه التحدیات و المنعطفات الصعبة. ألم نعبرها و نجتازها؟ و هل توقفنا؟ و هل استطاعوا توجیه ضربة للجمهوریة الإسلامیة؟ و هل استطاعوا النیل من مبادئ الجمهوریة الإسلامیة و أصولها؟ لم یستطیعوا. هذا أیضاً واقع. هذا الواقع یجب أن یکون نصب أعیننا دوماً.
واقع آخر هو أننا تقدمنا إلی الأمام فی ظروف التهدید هذه. طوال هذه الأعوام المتمادیة تقدمنا إلی الأمام فی کل المیادین و المجالات. تقدمنا فی میدان العلوم المعقدة، و تقدمنا فی مجال التقنیات التی تحتاجها البلاد. فی مجال الدواء و النقل و المواصلات و السکن و الماء و الطرق حقق البلد حالات تقدم بارزة، و قد ذکر السید رئیس الجمهوریة المحترم الیوم جانباً من الإحصائیات و سمعتموها. علی الرغم من کل هذه الضغوط فإن البلاد تقدمت للأمام باستمرار خلال هذه الأعوام. فی بعض العلوم المهمة و الحصریة - فی اللیزر و النانو و الخلایا الجذعیة و الصناعة النوویة - اکتسبت البلاد مراتب جیدة. هذا طبعاً صناعة نموذج و إطلاقه فی العالم الإسلامی. و هو واقع و حقیقة. لم نتوقف، بل تقدمنا إلی الأمام دوماً. نظام الجمهوریة الإسلامیة علی الرغم من کل هذه التهدیدات - من قبیل الحظر و غیره و التهدیدات و الممارسات المتنوعة المعقدة الأمنیة و السیاسیة و غیرها - حقق هذه الصنوف من التقدم. هذا أیضاً واقع و لیس تحلیلاً. إنها أمور محسوسة أمام أنظارنا جمیعاً. و أنتم المسؤولین تعرفونها أفضل من أبناء الشعب.
واقع آخر هو أن البلاد فی مواجهتها للتحدیات و التهدیدات ازدادت قوة بدرجات کثیرة عمّا کانت علیه أول الثورة. إننا الیوم أقوی بکثیر فی مجابهة التهدیدات من یومنا الأول. ثقتنا بالنفس أکبر، و توکلنا علی الله و الحمد لله لیس بقلیل، و قدراتنا العینیة و الموجودة و المحسوسة و الملموسة أکبر من الماضی. القوی تبذل مساعیها بکل ما أوتیت من قوة و یعترفون أنهم لا یستطیعون فعل شیء، لم یستطیعوا تمریر إرادتهم.
و واقع آخر هو أن الجبهة المقابلة لنا ازدادت ضعفاً طوال هذه الأعوام. لو اعتبرنا أمریکا و الکیان الصهیونی رمزین أصلیین لهذه الجبهة، و قلنا إن الغرب یسیر وراءهما فمن الواضح أنهم ازدادوا ضعفاً. الکیان الصهیونی الیوم أضعف بکثیر مما کان علیه قبل عشرین سنة و ثلاثین سنة. و قد ضعف الکیان الصهیونی بشدة بعد أحداث شمال أفریقیا و مصر. له مشکلاته من الداخل، و له فی الخارج مشکلات لا نهایة لها. و أمریکا فی الوقت الراهن لیست أمریکا زمن ریغان فقد تراجعوا إلی الوراء کثیراً. ذاک وضعهم فی العراق، و وضعهم فی أفغانستان یزداد سوءاً یوماً بعد یوم. و قد هزموا فی سیاساتهم فی الشرق الأوسط.. فی حرب الثلاثة و ثلاثین یوماً.. و هزم عمیلهم الکیان الصهیونی. و فی حرب الإثنین و عشرین یوماً لم یستطع عمیلهم الکیان الصهیونی فعل شیء مقابل ملیون و نیّف من الناس العزّل. هذه واقعیات مهمة جداً. و بالتالی فقد أصابهم الضعف. هم الیوم أضعف بکثیر ممّا کانوا علیه قبل عشرین سنة و ثلاثین سنة. هذا أیضاً واقع آخر علی الأرض.
واقع آخر هو أن الأنظمة المخاصمة لنظام الجمهوریة الإسلامیة تعانی من أزمة. هذه الدول الغربیة المعدودة تعانی و من لفّ لفها من أزمة. الأزمة الاقتصادیة فی أوربا تهدد الاتحاد الأوربی تهدیداً جاداً. و الیورو مهدد تهدیداً حقیقیاً. و أمریکا مهددة أیضاً بشکل آخر، فلدیها عجز کبیر فی المیزانیة، و قروض کثیرة، و هناک ضغوط الجماهیر، و النهضة المعارضة لوال استریت، النهضة التی یسمونها هم نهضة التسعة و تسعین بالمائة. هذه أحداث مهمة. طبعاً وضع أوربا أسوء من أمریکا، و قد سقطت بعض حکوماتهم. ثمة الآن فی بعض البلدان الأوربیة حالة عدم استقرار.
و مشكلاتهم تختلف عن مشكلاتنا. المشکلات الاقتصادیة و الأزمة الاقتصادیة لأوربا تختلف عن المشکلات الاقتصادیة التی قد نعانی نحن منها. مشکلاتنا أشبه بمشکلات فریق تسلق جبال یسیر فی طریق معین و الطریق صعب و فیه مشکلاته طبعاً. أحیاناً یحتاجون للماء و أحیاناً یحتاجون للطعام، و أحیاناً یعانون من بعض المشکلات و الصعوبات، و أحیاناً یواجهون موانع و عقبات معینة، لکنهم یسیرون نحو الأعالی. مشکلاتنا من هذا القبیل. و مشکلات الأوربیین مثل حافلة حبست تحت الثلوج. و قد مهّدوا هم طوال سنوات لهذه المشکلة من دون أن یشعروا. هذه الفواصل الطبقیة، و سیادة آلیّة الربا علی القضایا الاقتصادیة، و تقویة الأقویاء المادیین، و القابلیة لنفوذ الصهاینة عبید المال و تغلغلهم کل هذا عرّضهم للمشاکل، و هی أشبه بثلوج هائلة قد انهالت علی رؤوسهم. و علیه فمشکلاتهم تختلف عن مشکلاتنا کثیراً. هذا أیضاً واقع.
واقع آخر هو التطورات فی شمال أفریقیا و مجمل تحولات المنطقة. فی بعض المناطق أدت هذه التحولات إلی تغییر أنظمة الحکم، و فی بعض المناطق لم تفض إلی مثل هذه النتائج لکن الوضع خطیر.. و سوف أتجاوز هذه القضیة الآن.
واقع آخر هو القدرات المتزایدة داخل الجمهوریة الإسلامیة. نحن بلد مقتدر و لنا إمکانیاتنا و قدراتنا. من حیث المصادر الطبیعیة نقف عالمیاً فی مرتبة عالیة. و فی بعض المصادر نحتل المرتبة الأولی. من حیث ترکیبة النفط و الغاز معاً نحن الأوائل فی العالم. مجموع نفطنا و غازنا أکثر من کل البلدان الأخری بمجموع نفطها و غازها. و تتمتع البلاد بغنی کبیر من حیث المصادر و المعادن الأساسیة. و من ناحیة الطاقات البشریة السکان هنا خمسة و سبعون ملیون نسمة، و هذا العدد من السکان عامل مهم جداً.
و أقولها هنا.. إن الترکیبة الشبابیة النشیطة و المتعلمة و المثقفة للسکان فی بلادنا تعدّ الیوم أحد عوامل التقدم المهمة فی البلاد. فی هذه الإحصائیات ترون دور الشباب المتعلم الواعی النشیط الملئ بالطاقة. علینا إعادة النظر فی سیاسة تحدید النسل. سیاسة تحدید النسل کانت صحیحة فی برهة من الزمن، و قد رسموا لها بعض الأهداف. حسب ما بحث المتخصصون و العلماء و الخبراء العلمیون فی هذا الموضوع و رفعوا تقاریرهم فقد وصلنا سنة 71 [1992 م] إلی المقاصد المرتجاة من تحدید النسل. و کان یجب أن نغیّر هذه السیاسة منذ سنة 71 فصاعداً. و قد أخطأنا حین لم نغیّر هذه السیاسة. و علینا الیوم تعویض هذا الخطأ. یجب أن لا یسمح البلد بزوال غلبة الجیل الشاب و الصورة الشابة للبلاد. و إذا سرنا علی نفس هذا المنوال فإن هذه الصورة ستزول حسب ما درسه و بحثه الخبراء العلمیون بدقة. هذه لیست خطابیات و مجرد کلام. إنها أعمال علمیة و خبرویة دقیقة.
لو سرنا علی نفس الوضع السابق فسوف تنخفض أجیالنا الشابة بعد سنوات - و الیوم فإن أساس سکاننا هم الشباب - و سوف نمنی بالشیخوخة تدریجیاً. و بعد مضی عدة سنوات سوف ینخفض حتی عدد السکان فی البلاد، لأن شیخوخة السکان یصاحبها انخفاض فی الولادات. حددوا زمناً معیناً و عرضوه علیّ و قالوا إن عدد السکان عندنا فی ذلک الزمن سیکون أقل من عدد السکان الحالی فی بلادنا. و هذا شیء خطیر. علی مسؤولی البلاد النظر لهذه الأمور بجدّ و متابعتها. یجب إعادة النظر فی سیاسة تحدید النسل بکل تأکید، و ینبغی القیام بعمل صحیح. قضیة زیادة النسل و السکان من القضایا المهمة التی ینبغی لکل المسؤولین فی البلاد - و لیس المسؤولون الإداریون فقط - بما فی ذلک رجال الدین و أصحاب المنابر الإعلامیة أن یمارسوا دورهم فی صناعة ثقافة بشأنها، و یُخرجوا البلاد من الحالة التی هی فیها الیوم، أی لکل عائلة طفل أو طفلان اثنان فقط. عدد مائة و خمسین ملیوناً و مائتی ملیون کان الإمام الخمینی أو من ذکره، و هو رأی صائب، و یجب أن نصل لمثل هذه الأرقام.
في أی برهة أبدینا لیناً أمام جبهة الأعداء و تراجعنا علی أساس بعض التبریرات - مثلاً قلنا ذات یوم یجب أن لا نوفر الذرائع للعدو، و قلنا ذات یوم لنزیل الظنون السیئة التی یحملها العدو تجاهنا - اتخذ العدو مواقف أکثر وقاحة ضدنا. فی الیوم الذی تلوثت فیه أدبیات مسؤولینا بکلام و تعابیر متملقة للغرب و الثقافة الغربیة أعلنوا هم أننا محور الشرّ ! و من الذی أعلن ذلک؟ الشخص الذی یعدّ تمثال الشرّ. رئیس جمهوریة أمریکا السابق - تمثال الشرّ - یعلن أن إیران الإسلامیة محور الشرّ ! و متی کان هذا ؟ عندما کنا نکرر فی أدبیاتنا و تصریحاتنا کلاماً متملقاً للغرب و أمریکا.. هذا هو واقعهم.. فی القضیة النوویة عندما تماشینا معهم و تراجعنا - و قد کان هذا بالنسبة لنا تجربة طبعاً و لکنه واقع - تقدموا هم نحونا و تقدموا إلی درجة أننی قلت فی نفس هذه الحسینیة إذا تقرر أن یستمر هذا السیاق منهم فسوف أدخل أنا فی القضیة و قد دخلت فی القضیة.. اضطررنا لذلک، و هذا لیس من أعمالنا.
التراجعات جعلتهم أکثر وقاحة و مطالبة. ذات یوم کان مسؤولونا قانعین بأن یسمحوا لنا بوجود 25 جهاز طرد مرکزی فی البلاد، فقالوا هذا غیر ممکن ! و قنعوا بوجود 5 أجهزة للطرد المرکزی فعادوا و قالوا إن هذا غیر ممکن ! و اقتنع مسؤولونا بثلاثة أجهزة طرد مرکزی فقالوا أیضاً إن هذا غیر ممکن ! و قد سمعتم التقریر الیوم.. لدینا أحد عشر ألف جهاز طرد مرکزی ! لو واصلنا تلک التراجعات و اللین لما اختفی التقدم النووی الیوم و حسب، بل و لتضعضع حتی هذا التقدم و الحیویة العلمیة التی ظهرت فی الأعوام الأخیرة فی البلاد بما تتضمّنه من حرکة علمیة و شباب علماء و ابتکارات و اختراعات و تقدم فی شتی المجالات. إذ أولاً ربما اختلقوا الذرائع لکل واحد من هذه الإنجازات. و ثانیاً المسیرة النوویة و الصناعة النوویة هی رمز تقدم أی بلد من البلدان. هذا أیضاً واقع آخر.
واقع آخر هو أن البلاد إذا قاومت ضغوط الأعداء - بما فی ذلک الحظر الاقتصادی و أمور من هذا القبیل - مقاومة مدبّرة فلن یکلّ هذا السلاح و حسب بل و لن یمکن فی المستقبل تکرار مثل هذه الأمور، لأن هذا معبر و برهة زمنیة موقتة و البلاد سوف تجتاز هذه البرهة. هذه الأشیاء التی یهددون بها الیوم من قبیل الحظر الاقتصادی لا ینتفع منها أی طرف سوی أمریکا و الکیان الصهیونی. و قد جرّوا الآخرین بالقوة و الضغوط و الإحراج لهذه الساحة. و واضح أن القوة و الضغوط و الإحراج لا یمکن أن تستمر طویلاً، بل تبقی لمدة معینة، و الشاهد علی ذلک أنهم اضطروا لاستثناء عشرین بلداً من هذا الحظر النفطی! و الآخرون الذین لم یستثنوا لا یرغبون فی المشارکة فی الحظر، و یبحثون عن سبل للحلّ أکثر منا أو بنفس درجتنا. و إذن، یجب المقاومة. هذه واقعیات ملموسة. هذه الأمور التی ذکرتها لیس أی منها تحلیلاً أو شیئاً ذهنیاً، بل هی أشیاء نشاهدها.
طبعاً إلی جانب هذه الواقعیات ثمة واقع هو أننا لم نوفر فی أنفسنا تلک الحالة الإسلامیة المتناسبة اللازمة فی ساحة العمل. فنحن نعانی من الکسل إلی حدّ ما. هذا من مواریث عهد الاستبداد و الهیمنة الدکتاتوریة علی البلاد. حینما تسود الدکتاتوریة فی بلد ما سوف یصیب الناس الکسل، و لا تدخل المواهب إلی ساحات التجربة و العمل. هذا من تراث عهد الاستبداد لا یزال فینا. یجب أن نترک الکسل جانباً. و لا توجد حالة تقبل الأخطار فی جمیع قطاعات المجتمع. یجب بالتوکل علی الله تعالی و بالتدبیر و الدرایة اللازمة أن نرفع من درجة تقبل الأخطار و المجازفة. هذا ما ینبغی أن نتحلی به جمیعاً.
و هذا ما نقصده من ظروف بدر و خیبر. ظروف بدر و خیبر معناها وجود الأخطار و التحدیات لکن الأمر لا یمثل طریقاً مسدوداً. کانت الإمکانیات و المعدات قلیلة فی بدر و لکن حصل النصر. کانت عُدة الطرف المقابل عدة أضعاف، و ربما کانت عُدّته فی بعض الجوانب مما لا یقبل المقارنة بما لجبهة الإسلام من عُدة. و فی خیبر کانت هناک صعوبات حیث زحفوا و بقوا هناک لمدة معینة و کانت مقاومة العدو شدیدة. لکن حصل النصر أیضاً. ثمة تحدیات و لکن ثمة أیضاً قدرات و قوة و جاهزیة و إمکانیات مقابل التحدیات. هذا هو معنی ظروف بدر و خیبر. لو أتینا بهذه الإمکانیات إلی الساحة و قللنا من نقاط الضعف فسوف نتقدم إلی الأمام.
ما أروم قوله تتمة لما ذکرته - و الوقت یکاد ینتهی و لا مجال لدینا - هو أیها الإخوة و الأخوات الأعزاء، أیها المسؤولون المحترمون.. علینا النظر لقضایا البلاد من هذا المنظار. یجب أن تکون المبادئ أمام أنظارنا، و یجب أن تکون الواقعیات المشجّعة نصب أعیننا. و یتوجّب أن لا نخطئ بشأن الواقعیات السلبیة و هی أحیاناً واقعیات مفتعلة و وهمیة. طبعاً ینبغی أن لا نستهین بقدرات العدو و لا نتساهل و نتبسط فی التفکیر. القضیة قضیة أساسیة و مهمة. إنکم مثل عالم ریاضیات یروم أن یحلّ مسألة ریاضیة مهمة، فابذلوا جهودکم لحلّ هذه المسألة. إنکم علماء ریاضیات موهوبون، و هذه مسألة ریاضیة أمامکم. هکذا یجب أن تتعاملوا مع المسائل المختلفة. لحسن الحظ یلاحظ المرء أن هذه المعنویات و الروح متوفرة فی الأجهزة و المؤسسات المختلفة. ینبغی النظر لمسألة الاقتصاد بهذا المنظار.
طرحنا قبل أعوام فکرة اقتصاد المقاومة. کل المراقبین للشؤون و الأمور المختلفة کان بمقدورهم حدس أن هدف العدو هو الضغط الاقتصادی علی البلاد. کان هذا واضحاً و المخططات تشیر إلی أنهم یریدون الترکیز علی اقتصاد البلد. اقتصاد البلاد کان نقطة مهمة بالنسبة لهم. کان هدف العدو الترکیز علی اقتصاد البلاد و توجیه ضربة للنمو الوطنی و العمالة و فرص العمل و بالطبع سوف یتعرّض الرفاه الوطنی للخلل و الخطر، و یعانی الناس من مشکلات و یتملکهم الیأس و الخیبة و ینفصلوا عن النظام الإسلامی. هذا هو هدف العدو من الضغط الاقتصادی، و کان هذا الأمر محسوساً و بوسع المرء أن یشاهده.
في سنة 86 [2007 م] قلت فی الصحن الطاهر لعلی بن موسی الرضا (علیه الصلاة و السلام) فی کلمتی بدایة العام إنهم یتابعون القضیة الاقتصادیة.. ثم بوسع المرء أن یفترض شعارات الأعوام حلقات الغایة منها إیجاد منظومة کاملة فی مجال القضایا الاقتصادیة، أی إصلاح نموذج الاستهلاک و الحؤول دون الإسراف، و مسألة الهمّة المضاعفة و العمل المضاعف، و مسألة الجهاد الاقتصادی، و فی هذا العام الإنتاج الوطنی و دعم العمل و رأس المال الإیرانی. لم نطرح هذه الأفکار کشعارات عابرة موقتة، فهی أمور بمقدورها تنظیم الحرکة العامة للبلاد فی الحیّز الاقتصادی، و بوسعها أن تتقدم بنا للأمام. علینا السیر فی هذا الطریق.
القضية الاقتصادیة علی جانب کبیر من الأهمیة. و اقتصاد المقاومة أمر مهم. طبعاً لاقتصاد المقاومة لوازمه، و من لوازمه جعل الاقتصاد شعبیاً. سیاسات المادة 44 التی أعلن عنها بإمکانها خلق تحوّل و ینبغی تنفیذ هذه المهمة. و بالطبع فقد تم إنجاز بعض الأمور لکن یجب بذل مزید من الجهود. ینبغی تقویة القطاع الخاص، فیشجّعوا علی العمل و النشاط الاقتصادی، و کذلک النظام المصرفی فی البلاد.. الأجهزة الحکومیة و المؤسسات التی بوسعها المساعدة - کالسلطة التشریعیة و السلطة القضائیة - لتساعد کی یخوض الناس فی میدان الاقتصاد. تخفیض التبعیة للنفط لازمة أخری من لوازم اقتصاد المقاومة. هذه التبعیة تراث مشؤوم منذ مائة عام. لو استطعنا الاستفادة من الفرصة المتاحة لنا الیوم و جهدنا لإحلال الأنشطة الاقتصادیة المجدیة و المربحة محلّ النفط، نکون قد أنجزنا أکبر الخطوات المهمة علی الصعید الاقتصادی. الصناعات العلمیة المحور من الأمور التی یمکنها الیوم ردم هذا الفراغ إلی حد کبیر. هناک إمکانیات عدیدة فی البلاد بوسعها ملء هذا الفراغ. لنعقد الهمم و نسیر نحو تقلیل تبعیتنا ما استطعنا إلی ذلک سبیلاً.
قضیة إدارة الاستهلاک من الأرکان المهمة لاقتصاد المقاومة.. أی الاستهلاک المتوازن و البعد عن الإسراف و التبذیر. الأجهزة الحکومیة و الأجهزة غیر الحکومیة و کل واحد من أبناء الشعب و العوائل علیهم التنبّه لهذه القضیة، و هذا حقاً جهاد. تجنّب الإسراف و مراعاة التوازن فی الاستهلاک هو الیوم بلا شک تحرک جهادی فی مقابل العدو. بوسع المرء الادعاء أن له أجر الجهاد فی سبیل الله.
البعد الآخر لهذه المسألة هو التوازن فی الاستهلاک، و إدارة الاستهلاک هو أن نستهلک المنتوجات الداخلیة. لتتنبّه کل الأجهزة الحکومیة لهذه المسألة - الأجهزة الحکومیة ذات الصلة بالسلطات الثلاث - و تحاول عدم استهلاک أی منتج غیر إیرانی. لتُعقد الهمم علی هذا. و لیرجّح أبناء الشعب استهلاک المنتجات الداخلیة علی استهلاک البضائع ذات المارکات الخارجیة المعروفة، و بعضها لمجرد الاسم و الرسم و التفاخر و التظاهر.. حیث یسعون وراء المارکات الخارجیة فی مختلف المجالات. لیغلق الناس أنفسهم طریق استهلاک البضائع الأجنبیة.
نعتقد أن مشاریع اقتصاد المقاومة یمکن أن تجدی. قضیة تقنین البنزین التی أشاروا إلیها نجحت و أجدت. لو لم یجر تقنین البنزین لکان استهلاک البنزین عندنا الیوم أکثر من مائة ملیون لتر فی الیوم. و قد استطاعوا السیطرة علی هذا الاستهلاک، و هو الیوم فی حدود جیدة جداً. بل یجب أن یکون الأمر بحیث لا نحتاج إلی الخارج إطلاقاً، و هو کذلک و الحمد لله. لقد کان ضمن مخططاتهم حظر البنزین، و قد أحبط اقتصاد المقاومة حظر البنزین. و باقی الأشیاء التی تحتاجها البلاد.
و ترشید الدعم أیضاً هو باتجاه تکوین اقتصاد وطنی، و بوسع هذا الشیء أن یزید من الازدهار - فی الإنتاج و توفیر فرص العمل - و یؤدی إلی الرفاه.. هذه أمور من شأنها تنمیة الإنتاج فی البلاد، و النمو الاقتصادی و تحقیق اقتدار البلاد. بنمو الإنتاج یکتسب البلد فی العالم اقتداراً حقیقیاً و سمعة دولیة. هذا شیء یجب أن یتحقق.
و هناک أیضاً الاستخدام الأقصی للزمن و المصادر و الإمکانیات. ینبغی استخدام الزمن إلی أقصی حد ممکن. المشاریع التی استمرت سنین طوالاً یری المرء الیوم أنها و لحسن الحظ تُنجز خلال مدد أقصر حیث یجری تدشین المعمل الفلانی خلال سنتین، أو ثمانیة عشر شهراً. یجب تعزیز هذه الحالة فی البلاد.
السير علی أساس خطة و برنامج هو أیضاً من الأمور الأساسیة المهمة. القرارات الفجائیة و تغییر المقررات من الأمور التی توجّه الضربات لاقتصاد المقاومة و لمقاومة الشعب. لتتنبّه الحکومة المحترمة و مجلس الشوری الإسلامی المحترم لهذه القضیة. لا تدعوا السیاسات الاقتصادیة للبلاد تعانی من التذبذب و التغییرات غیر الضروریة فی کل حین.
و ثمة أیضاً مسألة الوحدة و التضامن. الشعب فی بلادنا متحد لحسن الحظ، و هذا مکسب علی جانب کبیر من الأهمیة، و ینبغی صیانته و الحؤول دون زواله. هذه الاختلافات التی تظهر أحیاناً بین المسؤولین - و التی تنتقل إلی مستوی الإعلام، و هی عبثیة و بلا مبرر و لا فائدة - توجّه ضربة للاتحاد الوطنی. یصبح البعض أنصاراً لهذا و البعض أنصاراً لذاک.. المعارضات و تبادل الاتهامات.. البعض یتهم السلطة التنفیذیة، و البعض فی الطرف الآخر یتهم السلطة التشریعیة، و فریق یتهم السلطة القضائیة، و یتبادلون تحمیل التقصیرات علی عواتق بعضهم.. هذه من الممارسات المضرّة جداً، و لیعلم أصدقاؤنا المحترمون و مسؤولو البلاد الأعزاء أن هذه الممارسات لا تحقق أبداً أیة سمعة و مکانة بین الناس أن نلقی بخطیئة المشکلات علی عاتق هذا و ذاک. لا، ثمة مشکلات و یجب حلها و نستطیع حلها. لسنا عاجزین عن حلّ مشکلاتنا. و کما سبق أن ذکرت فهذا ما یدلنا علیه واقع البلاد.
نتمنی إن شاء الله ببرکة هذا الشهر و ببرکة هذه الساعات أن ینزل الله تعالی برکاته علی شعبنا العزیز و مسؤولینا. ربنا نقسم علیک بمحمد و آل محمد، متّع الشعب الإیرانی و کل واحد من أبناء الشعب و المسؤولین فی البلاد ببرکات هذا الشهر بالکامل. اللهم بمحمد و آل محمد، انصر الشعب الإیرانی و نظام الجمهوریة الإسلامیة علی أعدائه فی کل المیادین. اللهم بمحمد و آل محمد، انکب و اهزم أصحاب النوایا السیئة للجمهوریة الإسلامیة و النظام الإسلامی المقدس و الشعب الإیرانی العزیز. ربنا نزّه قلوبنا و برّئها من الدوافع غیر السلیمة و المشاعر غیر السلیمة. ربنا اجعلنا من المشمولین بأدعیة سیدنا الإمام المهدی المنتظر (أرواحنا فداه)، و اجعلنا جدیرین بأدعیته الزاکیة. اللهم اجعل ما قلناه و فعلناه و سمعناه لک و فی سبیلک، و تقبله منا بکرمک.
و السلام علیکم و رحمة الله و برکاته.