بسم الله الرحمن الرحیم
أهلاً و مرحباً بکم أیها الإخوة و الأخوات الشباب الأعزاء. کانت جلسة جیدة جداً. طبعاً بعد أن أعلنوا انتهاء فترة کلمات الطلبة الجامعیین نهض نحو عشرة أشخاص من بین الحضور و رفعوا أیدیهم حیث کانوا یرغبون فی الکلام. نظرت هکذا فوجدتهم قرابة عشرة أشخاص. طیّب، أولاً أنا لست مدیر الجلسة، إنما أنا أحد المشارکین فیها، و إدارة الجلسة هناک.. و بالتالی یجب أن لا تطلبوا الوقت منّی. ثانیاً إذا تقرّر أن أعطی أنا الوقت لأعطت وقتاً لکل واحد من أولئک الأشخاص العشرة. أی إننی لا أصرّ علی أن أتحدث، إنما یهمّنی أن تعقد هذه الجلسة. طبعاً بعد أن تنتهی کلمات أولئک الأشخاص العشرة، من المحتمل أن یرفع نحو سبعة أو ثمانیة أشخاص آخرین أیدیهم خلال کلماتهم ! لکن أتصوّر أن کثیراً من الإخوة و الأخوات الحاضرین کانوا یرغبون فی عدم الاستمرار، لذا نبدأ الآن قولنا و کلمتنا.
الأفکار و الآراء التی طرحت کانت جیدة جداً. بعض آراء الأعزاء من الطلبة الجامعیین کانت متداخلة، أی شدّد عدة أشخاص علی نقطة معینة، ما یدلّ علی عمومیة ذلک الرأی أو المطالبة. و بعض الآراء کانت خاصة بأصحابها الأعزاء، و کانت جیدة جداً. لقد طلبت أن یعطونی نسخة من کلماتهم و قد أعطونی، و سأطلب إن شاء الله دراستها و النظر فیها. و المسؤولون المحترمون حاضرون فی الجلسة و قد سمعوا الکلام. أتمنّی أن تؤخذ کلمات الطلبة الجامعیین بعین الجد. صحیح إنه طالب جامعی یتحدث لکن ما قیل، بما یعرفه المرء من الأجواء الجامعیة، هو فی الغالب کلام هذه الأجواء، و لیس کلام شخص معین، لذا ینبغی الاهتمام بهذه الکلمات و الآراء، مضافاً إلی وجود آراء و نقاط مفیدة فی کلمات الأعزاء.
لقد سجّلتُ بعض النقاط التی قیلت هنا: ضرورة سعة الصدر السیاسیة بین الطلبة الجامعیین. هذا لا علاقة له بالمسؤولین و مدراء الجامعات، إنما هو موجّه للتنظیمات الطلابیة نفسها. إننی أؤید ضرورة سعة الصدر السیاسیة. و لا تعارض أبداً بین الالتزام الدقیق و العمیق بالأصول و مراعاة التوجّهات الدقیقة، و التوفر فی الوقت نفسه علی سعة الصدر و التعامل غیر الشدید و العنیف مع الذین لا یتماشون مع أفکار المرء، خصوصاً فی المجالات السیاسیة.
من الآراء الأخری التی ذُکرت قضیة تواجد المسؤولین و حضورهم فی الجامعات. و هذا إشکال وارد تماماً. عقیدتی هی أن المسؤولین یجب أن یتواجدوا فی الجامعات، رؤساء السلطات الثلاث و المسؤولون ممن مواقعهم دون ذلک، و مدیر الإذاعة و التلفزیون، و مسؤولو الحرس الثوری و القوات المسلحة.. لیذهبوا و یعقدوا جلسات مع الطلبة الجامعیین و یسمعوا ما یقوله الطلبة. و أقولها لکم، إن المسؤولین بدورهم لدیهم الکثیر مما یقولونه للطلبة الجامعیین. لا شیء یحلّ محلّ هذه الحوارات التی تقام وجهاً لوجه.. و هذه هی سُنّة رجال الدین القدماء عندنا أن یجلسوا علی المنبر و یتحدثوا للناس وجهاً لوجه.. ثمة أثر فی هذه العملیة.. و قد تحدّثت أختنا عن التأثیرات الألکترومغناطیسیة، و لیس من المستبعد أبداً أن تکون هناک تأثیرات الکترومغناطیسیة بین الإنسان و الإنسان و فی اللقاءات المباشرة وجهاً لوجه. هذا شیء مؤثر فهم یسمعون و یتحدّثون. الکثیر من الأمور و مواطن الغموض و الأسئلة التی تدور الیوم فی أذهان جیلنا الشاب یُجاب عنها ضمن إیضاحات المسؤولین، و تحلّ العقد و تنجلی الأمور. فی الوقت الذی کانت لی قدرة جسمیة أکبر کنت أحضر و أشارک فی الجامعات أکثر، و الآن أیضاً إذا استطعت حقاً، و کان ثمة مجال و وقت، أرغب بالحضور و المشارکة فی الجامعات خلال فترات متقاربة، و لکن «لا یکلّف الله نفساً إلا وسعها» (1). لا أعتقد أن الشباب یتوقعون الکثیر من أمثالی فی هذا السن و بمثل هذه المشاغل، أما مسؤولو البلاد فلا، بوسعهم ذلک و یجب أن یشارکوا و یحضروا. و أنا أوصی الآن من هنا المسؤولین بالمشارکة فی جلسات الطلبة الجامعیین، فلیأتوا فیها و لیسمعوا من الطلبة الجامعیین و لیتحدثوا لهم.
من جملة الأمور التی ذکرت قضیة مواقع الأنترنت و صفحات الویب، و طریقة التعامل معها فی البیئة الطلابیة الجامعیة. و من باب الاتفاق إننی طلبت مؤخراً تقریراً عن هذا الموضوع و استلمته. طبعاً للسلطة القضائیة أدلتها و مبرراتها، و إذا حضروا فی جلسات الشباب و الطلبة الجامعیین و سمعوا و تحدثوا فمن المحتمل أن تجد بعض الأسئلة أجوبتها، لکن عقیدتی أنا أیضاً هی أنه یجب أن لا تکون هناک حساسیة حیال الآراء التی قد یطلقها الشاب من الطلبة الجامعیین و التی قد تکون أحیاناً حادة. ثمة فرق بین الذی یعارض النظام و یقصد العداء و العناد، و الذی لا یقصد ذلک إنما یقول شیئاً بدافع العواطف، حتی لو کان ذلک الشیء غیر صحیح، أو إذا کنت أنا أیضاً لا استسیغ طریقة التعبیر - و إذا کان ثمة مجال إن شاء الله فسوف أذکر بعض النقاط فی هذا المجال - لکن التعامل مع هؤلاء الشباب هو بهذه الطریقة فی رأینا، یجب أن لا یکون تعاملاً جد عنیف و حاد.
نقطة أخری وردت فی کلمات الطلبة الجامعیین هی قضیة الاهتمام بالقری و مشاهدة الواقع و النظرة الاقتصادیة بمحوریة العدالة. لقد تنبّهت إلی نقطة فیها دروس لنا جمیعاً، دروس لکم، و دروس لی. هذا الشاب المحترم الذی جاء و ذکر أموراً حول النظرة الاقتصادیة بمحوریة العدالة، حین عرّفوه کان أحد أعضاء مجامیع المخیّمات الجهادیة.. و القضیة هنا واضحة.. حین یکون الشخص عضواً فی المخیمات الجهادیة فسیسافر للمناطق المحرومة و یری الواقع و الحقائق بعینه، و ینبعث طبعاً فی نفسه التفکیر بمتابعة الاقتصاد بمحوریة العدالة. هذا درس لنا جمیعاً. یتعین التواصل مع شتی شرائح المجتمع لیمکن لمس همومهم و قضایاهم، و هذا سیترک تأثیراته فی قراراتنا و نظرتنا لقضایا البلاد المختلفة.
طبعاً رأیی هو أنه یجب أن تکون النظرة الاقتصادیة فی البلاد بمحوریة العدالة، و هذا لا یتنافی مع ما ذکرنا فی سیاسات المادة 44 ، و التی أشار لها أحد الأصدقاء هنا. سیاسات المادة 44 کما ذکرناها و أردناها و شرحناها - و قد تحدثت بهذا الخصوص فی ذلک الوقت بالتفصیل فی هذه الحسینیة مع المجامیع ذات العلاقة بالمسألة - لا تتعارض إطلاقاً مع الاقتصاد بمحوریة العدالة. أی إنها لا تؤدّی أبداً للرأسمالیة بمعناها السلبی.
و طبعاً یجب أن أقول لکم إن ما یوجد فی العالم باعتباره نظاماً رأسمالیاً حقیقته و جوهره هو سیادة رأس المال. مجرد التوفر علی رأس مال و استثماره من أجل تقدم البلاد لیس بالشیء السیئ، بل هو شیء محمود و لیس بمذموم أبداً. المذموم هو أن یکون رأس المال و الرأسمالیة محور کل القرارات الکبری فی البلاد و المجتمع، و أن تستقطب کل شیء إلیها، و هذا هو البلاء الذی نزل الیوم بالمعسکر الرأسمالی و الکتلة الغربیة حیث یحصدون نتائجه و تبعاته. الأحداث التی تجری فی أوربا حالیاً و الضغوط الاقتصادیة الشدیدة التی تمارس ضد الناس هناک ناجمة عن طبیعة و ذات نظام سیادة رأس المال، و هو الرأسمالیة الذمیمة المصّاصة للدماء. أما أن یکون للبعض رسامیلهم و یوظفونها لخدمة نمو المجتمع - و صاحب رأس المال یرید أن یربح طبعاً، و ذلک العمل جید و هذا الربح حلال - فهذا ما لا إشکال فیه أبداً. إذا جرت الأمور و المشاریع بضوابط صحیحة - و النظرة الإسلامیة التی تشدّد علی محوریة العدالة تقصد هذا المعنی - فلا إشکال فی الأمر أبداً. و بالتالی فإن کلمتی «رأس المال» و «صاحب رأس المال» لیستا ذمیمتین إطلاقاً.
لنحاول أن لا تسود تفکیرنا الاقتصادی النظرة الاشتراکیة و المارکسیة. أولئک نظرتهم نظرة أخری. رأس المال بنفسه مدان فی النظرة الاشتراکیة، و لیس الأمر علی هذه الشاکلة إطلاقاً فی النظام الإسلامی، فرأس المال لیس مداناً، إنما المدان هو استغلال رأس المال. و لا یمکن القول إن رأس المال طبیعته الاستغلال. کلا، لیس الأمر کذلک. یمکن علی أساس المقررات الصائبة و الإدارة السلیمة توجیه رأس المال بالاتجاه الصحیح و التقدم به إلی الأمام. و علیه فإن ما طرحناه فی سیاسات المادة 44 لا یتناقض بحال من الأحوال مع الاقتصاد بمحوریة العدالة، بل هو بمعنی من المعانی مکمّل و متمّم له.
و علی صعید الشؤون الاقتصادیة أثاروا فکرة «الاقتصاد الهجومی»، لا بأس. أنا لم أفکر فی الاقتصاد الهجومی. إذا کان ثمة شرح و تبیین جامعی أکادیمی للاقتصاد الهجومی - و علی حد تعبیرهم المکمّل للاقتصاد المقاوم - فما الإشکال فی الأمر؟ لنطرح هذه الفکرة أیضاً. ما فکّرنا به هو الاقتصاد المقاوم. و طبعاً لیس للاقتصاد المقاوم بعد سلبی فقط، أی إن الاقتصاد المقاوم لا یعنی بناء سور حولنا و القیام بأعمال دفاعیة فقط، لا، الاقتصاد المقاوم هو الاقتصاد الذی یمکّن شعباً و یسمح له بالنمو و الازدهار حتی فی ظروف الضغوط. هذه فکرة و مطالبة عامة. إذا کنتم طلبة جامعة أو أساتذة أو علماء اقتصاد فلا بأس.. یمکنکم عرض فکرة الاقتصاد المقاوم بلغة جامعیة، و تبیین حدودها، إنها فکرة الاقتصاد الذی بمقدوره ضمان نمو البلاد و ازدهارها فی ظروف الضغوط و الحظر و تکالب العداء و الخصام.
قال أحد الطلبة الجامعیین الأعزاء إنهم یقولون لنا لا تستکملوا لعبة العدو - و هذه من الکلمات التی أکرّرها أنا کثیراً، فأقول لا تستکملوا لعبة العدو - و هو یقول: إذن ماذا عن النقد؟ أفلا ننتقد؟ أنا لا أعتقد أنه یجب عدم النقد، بل فی النقاط التی سجّلتها - و سوف أتطرّق لها إن شاء الله إذا اتسع الوقت - أصررت علی أن یحافظ التیار الجامعی و النهضة الجامعیة علی مواقفها الناقدة. لا نوصی أبداً بأن لا تنتقدوا. طیب، ماذا نفعل حتی لا یتحوّل هذا النقد إلی استکمال للعبة العدو؟ فکروا فی هذه القضیة. لا نقول إن استکمال لعبة العدو، و هو شیء سلبی، یتنافی مع النقد و ضرورة النقد و هو أمر إیجابی، لا، و قد قلتم أنفسکم إننی انتقدت و أذیع هذا النقد فی العالم کله، و لکن لن یدعی أحد فی العالم أن فلاناً عمل ضد النظام الإسلامی أو ضد التشکیلات الإداریة التنفیذیة أو التشریعیة للبلاد. طیّب، انتقدوا أنتم أیضاً بهذه الطریقة. و بالتالی فهذا النقد یمکن أن یکون بالشکل الذی لا یحقق بحال من الأحوال مقاصد العدو، و حسب تعبیرنا لن یستکمل لعبة الأعداء.
قیل إن البعض قد یطرحون آراء خبرویة تختلف عن رأی القیادة، فیقال إنهم ضد الولایة. أقولها لکم.. ما من رأی خبروی یخالف رأیی یعتبر مخالفاً للولایة، فهل أوضح من هذا؟! الرأی الخبروی رأی خبروی.. العمل الخبروی، و العمل العلمی و العمل الدقیق لأیة نتائج ینتهی فإن هذه النتائج معتبرة بالنسبة للشخص الذی یرتأی ذلک العمل العلمی، و لا یعدّ بحال من الأحوال معارضة لولایة الفقیه و النظام. و طبعاً قد یحدث أن أکون فی مجال من المجالات صاحب خبرة، فنحن أیضاً لدینا بالتالی بعض الخبرة فی بعض المجالات و الأمور، و هنا قد یقف الرأی الخبروی مقابل رأی خبروی آخر، لا بأس فی ذلک، فهما رأیان.. و الذین یریدون أن یختاروا سیختارون. لدینا بالتالی بعض الإلمام فی المسائل الثقافیة و فی المجالات التعلیمیة - فی فروع معینة - و قد عملنا بمقدار معین، و سیکون هذا رأیاً خبرویاً. علی کل حال لیس التعبیر عن رأی خبروی و وجهة نظر علمیة معارضة و مقارعة و مخالفة و انفصالاً عن القیادة و الولایة و ما إلی ذلک، و یجب أن لا تعدّ کذلک.
طیّب، عادة ما نطرح فی لقاءاتنا بالطلبة الجامعیین بعض المطالبات، فهل هذه المطالبات توقّعات فی غیر محلها؟ هذا سؤال. لو جمع شخص ما قلته فی لقاءاتی بالطلبة الجامعیین سواء فی شهر رمضان أو فی الجامعات التی حضرتها فی المدن أو فی طهران، لاجتمعت عنده لائحة طویلة من المطالبات التی طرحتها علی الطلبة الجامعیین. و قد یقول قائل: یا سیّدی هذه توقعات کبیرة و کثیرة. و أنا لا أعتقد أنها کبیرة. لماذا؟ التنبّه إلی الطاقات المتراکمة فی الجامعات ینفی الظن بأنها توقعات کبیرة. لو طلبتم من شاب ریاضی نشیط قوی أن یحمل حملاً ثقیلاً من مکان إلی مکان فلن یکون هذا توقعاً کبیراً. نعم، إذا کان ضعیفاً و شیخاً و نحیفاً فلا یمکن توقع ذلک منه. أما إذا کان قادراً فلیفعل ذلک. و الجامعات أماکن تتراکم فیها الطاقات، و هذه الطاقة ناجمة عن عنصرین أصلیین: أحدهما عنصر الشباب، و اعتقد أن الکثیر من الشباب لا یعرفون هم أنفسهم قدر طاقاتهم الشبابیة، أی إنهم لم یکتشفوا بعد طاقاتهم اللامحدودة فی البیئة الشبابیة. فالشباب معین فیّاض من الطاقة لا ینضب. و العنصر الثانی هو العلم و المعرفة و طلب العلم نفسه. طلب العلم نفسه یمنح الإنسان القدرة. الاهتمام بالعلم و المعرفة ینتج بحد ذاته المقدرة و الطاقة. طبعاً نضیف إلی هذین العنصرین الأجواء التی أوجدتها الثورة، و إذا أردنا أن نأخذ أدنی الحدود نقول إن الثورة قوّت و شدّدت من هذه الأجواء فی البیئة الشبابیة و الطلابیة الجامعیة علی الأقل. أی إن أحوال النشاط، و الحیویة، و عدم کسوف البال، و الثقة بالنفس عالیة فی الأجواء الطلابیة الجامعیة. و علیه مهما توقعنا من الطلبة الجامعیین، و طالبناهم بالأعمال الصعبة و لفتنا أنظارهم إلیها و عرضنا علیهم بعض التوقعات فلن تکون توقعات کبیرة فی رأیی. یمکن القیام بالکثیر من الأعمال. لدینا تیار سیّال و طاقة لا تنفد إذا تحرّرت و وجّهت یمکنها إعمار البلاد بشکل کامل.
من الأمور التی توقعناها من الطلبة الجامعیین، و هی موجودة بشکل طبیعی فی الجامعات و البیئة الشبابیة، و کنت مصرّاً علی بقاء هذه الحالة حیّة متفاعلة فی الجامعات، قضیة النزعة المبدئیة. و قد تحدثنا طبعاً بمقدار معین عن النزعة المبدئیة و علاقتها بالرؤیة الواقعیة فی لقائنا بمدراء الدولة فی بدایة الشهر، و ربما کان البعض قد سمع بذلک. قضیة النظرة الواقعیة محفوظة فی محلها، و سوف أشیر إلی ذلک لاحقاً، لکن النزعة المبدئیة ینبغی أن تحظی بالاهتمام فی السیاسة و فی کل المیادین الأخری و من ذلک النزعة المبدئیة فی العلم. النزعة المبدئیة فی العلم معناها أن نسعی فی المسائل العلمیة إلی القمم، و هذا ما یجب أن یتمخّض عن اهتمامکم بالدراسة و حسن الدراسة. و أقولها لکم إن الدراسة، و طلب العلم، و البحث العلمی، و الجدّ فی الوظیفة الأصلیة للطالب الجامعی، یعدّ جهاداً، و إذا اتسع المجال إن شاء الله سیتضح ذلک فی تتمة الحدیث.
و یجب التحلّی بالنزعة المبدئیة فی مجال المعنویة و الأخلاق أیضاً. البیئة الجامعیة و بسبب إنها بیئة شبابیة یجب أن تکون بیئة طاهرة نظیفة. البعض یتوهّم أن الجامعة هی البیئة التی لا ضرورة و لیس من المحبّذ فیها کثیراً التقیّد بالدین و الالتزام بالتدیّن و الأخلاق. هذا ناجم عن البناء الخاطئ الذی أرسی فی عهد الطاغوت و فی بدایة ظهور الجامعات. أوجد الجامعات فی ذلک الحین أشخاصٌ لا یؤمنون بأصل الدین و المعنویة و الأخلاق، و کانوا والهین بالغرب و مخدوعین بالأخلاق الغربیة. و طبعاً کان ذلک الوله و الانخداع الشکل العام للقضیة، و إنما کان بعضهم مرتزقاً و عمیلاً للغرب. تقرّر أن یخططوا و یعملوا فی داخل البلاد بحیث یواصلوا هیمنتهم التی کانت لهم بنحو من الأنحاء فی العهد القاجاری، یواصلونها فی العهد البهلوی و بشکل مضاعف و لکن علی نحو آخر أکثر هدوءاً.. تربیة و إعداد جیل مستنیر متعلم دارس یفکر بطریقة غربیة.. إنه جیل إیرانی لکنه یفکر بطریقة فرنسیة و بریطانیة و أمریکیة، و آماله آمال شخص أمریکی، و أعماله و ممارساته أعمال فرد أمریکی أو بریطانی مع أن هویته إیرانیة و یسکن إیران. کانوا یسعون لتخریج مثل هذا الجیل.
إننی لا أشکک أبداً فی عموم الجامعات، و لا أشکک أبداً بوجود أساتذة متدیّنین طاهرین فی عهد الطاغوت. لقد کان ثمة مثل هؤلاء الأشخاص نعرفهم، و کانوا أناساً جد صالحین و أخیار و نزیهین، سواء بین الأساتذة أو بین الطلبة الجامعیین - أقل طبعاً - لکن بنیة الجامعة کانت هذه، لذلک لم یستطع أولئک الأساتذة المتدینون التأثیر إلا فی دائرة محدودة. مسیرة الجامعات کانت مسیرة خاطئة. و البعض ینظرون لتلک الظروف و یتصورون أن الالتحاق بالجامعات یستلزم عدم التقیّد و اللامبالاة تجاه الدین و الأخلاق و الحجاب و الطهارة و النزاهة الدینیة و الأخلاقیة. هذا شیء لا واقع له و نظرة غیر صحیحة. الجامعة قطب المعنویة، لأن العلم أمر معنوی. العلم - أی علم کان - قیمة معنویة و روحیة. البیئة الجامعیة بیئة شابة و متدینة. الأکثر تدیناً فی البلاد هم من الشباب. و أکثرنا تضحیة کانوا و لا زالوا من الشباب. إذن، ما المبرّر لأن تکون البیئة الشبابیة لأهل العلم فی الجامعات بیئة غیر دینیة؟ کلا، إنها بیئة دینیة. توقعی هو أن الذی یلتحق بالجامعة إذا کان تقیّده الدینی قبل التحاقه بالجامعة ضعیفاً یجب أن یتقوّی التزامه و تقیّده الدینی بعد التحاقه بالجامعة. إذن النزعة المبدئیة فی المعنویة و الأخلاق أیضاً أمر معتبر و مهم، کما هی النزعة المبدئیة فی السیاسة و کما هی النزعة المبدئیة فی العلم و فی کل شؤون الحیاة.
حسناً.. أذکر نقطة أو نقطتین قصیرتین حول النزعة المبدئیة. لا نخلط بین النزعة المبدئیة و الصخب و الضجیج. لا نتصوّر أن من کان مبدئیاً أکثر فهو أکثر صخباً و عراکاً، لا.. لا یمکن الالتزام التزاماً شدیداً بالمبادئ و الأصول و القیم و العمل بالصخب و التوتر فی نفس الوقت. یقول تعالی فی الآیة الشریفة: «أشداء علی الکفار» (2). و أشداء جمع شدید. و الشدید بمعنی الصعب، و الصعب یعنی المنیع الذی لا یقبل التغلغل إلیه. أی جسم کان أشد و أصعب حینما یحتک بجسم آخر یؤثر فی ذلک الجسم الآخر، و لا یتأثر به. لنکن جمیعاً من هذا القبیل، لنکن أشداء. لکن الشدة و التأثیر لا تعنی بالضرورة العراک و الصخب و التوتر. أحیاناً تغلب الإنسان مشاعره و یرید فعل شیء معین. فترة مشاعرکم هی فترة الشباب هذه.. و قد مررنا قبل خمسین أو ستین عاماً بهذه الفترة. کنا شباباً ذات یوم.. کنا شباباً متوقّدین بالمشاعر و الأحاسیس، و نعلم ما طبیعة هذه الفترة. لاحظوا.. توجد فی بعض المواطن أحاسیس یجب السیطرة علیها.
و طبعاً، ینبغی لی أن أتقدّم بالشکر للتنظیمات الجامعیة. قلت العام الماضی أو قبل الماضی فی هذه الجلسة مع الطلبة الجامعیین: لماذا لا تتخذون موقفاً من القضایا الاجتماعیة و لا تتدخّلون فیها؟ و لحسن الحظ أری أن هناک مواقف من شتی القضایا فی البیئات الجامعیة و لدی الشباب الجامعی خلال العامین أو الثلاثة الماضیة، و هی بارزة جداً، و هذا حسن حقاً. هذا شیء أقدّره و أشکره. و لکن أحیاناً تقع مثلاً أحداث من قبیل أحداث غزة، و یقول بعض الشباب الجامعی إن الصهاینة الخبثاء یمطرون أطفال غزة بالقنابل و یفعلون کیت و کیت، و کذا و کذا منهم، و یتوجّهون إلی المطار ! هذه المشاعر مشاعر طاهرة و مقدسة. أمثالی ممن یجلسون جانباً و یرون ذلک یودّ المرء أن یفدی هذه المشاعر بنفسه، هذا شیء له قیمته حقاً. حین قال الإمام الخمینی إننی أقبّل أیدی التعبویین و سواعدهم، فهذا مکان تلک المقولة. حین یری المرء شاباً هنا فی بیته یتمتع فی الصیف بالمبردّة و الثلاجة، و له وسائل تدفئته فی الشتاء، و لدیه دراسته الجامعیة فهو یدرس و ینجح، ثم توصله قضیة غزة فجأة إلی حد الانفجار فیقول أرید أن أذهب إلی هناک.. یجد طبعاً أن هذه المشاعر مشاعر قیّمة، لکن الذهاب خطأ. المشاعر جیدة، لکن هذه المشاعر یجب أن لا تدفعنا للذهاب إلی غزة. الذهاب إلی غزة فی ذلک الحین لم یکن ممکناً و لا جائزاً. و حتی لو کان ممکناً لم یکن جائزاً.
هنا یحصل تعارض فی ذهن هذا الشاب بین النزعة المبدئیة و ذلک الواقع و الأوامر التی نقلوها عن القیادة بأن یجب أن لا تذهبوا إلی غزة.. لا ، لا یوجد أی تعارض. ذلک الشعور شعور جید، لکن القرار الذی یتخذ علی أساس المشاعر إذا لم یکن وراءه دراسة دقیقة و عمیقة و علمیة لن یکون قراراً صائباً بالضرورة. أحیاناً یکون القرار قراراً خاطئاً.
و بالتالی فالنزعة المبدئیة لا تعنی أبداً الصخب فی کل مکان، و عدم ملاحظة بعض الواقعیات و المصالح. و قد تحوّلت المصلحة إلی کلمة کریهة، فیقولون: هؤلاء ینظرون للمصالح! یجب ملاحظة المصلحة. لا ینبغی القول أبداً إن الحقیقة تتعارض دوماً مع المصلحة، لا، الحقیقة نفسها مصلحة، و المصلحة نفسها من الحقائق. إذا کان التفکیر بالمصالح صحیحاً فینبغی مراعاة المصلحة. لماذا یجب عدم مراعاة المصلحة؟ یجب النظر للمصالح و ملاحظتها.
لنفترض أن موقف النظام الإسلامی معارض لکذا خطوة سیاسیة للمعسکر الطاغوتی و المنظومة الاستبدادیة الدکتاتوریة، و هو موقف معلوم و أکید، و نحن لا نتماشی معهم و لا نساعدهم - «قد کانت لکم أسوة حسنة فی إبراهیم و الذین معه إذ قالوا لقومهم إنا براء منکم و مما تعبدون من دون الله کفرنا بکم و بدا بیننا و بینکم العداوة و البغضاء أبداً حتی تؤمنوا بالله وحده» (3) - موقفنا معلوم و واضح من بعض الجهات السیاسیة القائمة الیوم فی العالم أو فی المنطقة، لکن هذا لا یعنی أبداً إلغاء العمل الدبلوماسی التقلیدی الدارج.. انتبهوا إلی هذه النقطة.. أی إن العمل الدبلوماسی یجب أن یستمر فی موضعه، لکن التوجّه هو هذا التوجّه. کما أن أعداءنا أیضاً یعملون بهذه الطریقة. أعداؤنا أیضاً یمارسون عداءهم عملیاً، لکنهم یؤدّون المجاملات الدبلوماسیة. و نحن طبعاً لا تخدعنا تلک المجاملات الدبلوماسیة، و نعلم ماذا وراءها. و علیه، یجب الاهتمام بمعنی النزعة المبدئیة و عمقها. إذن، الخلاصة هی أن النزعة المبدئیة تعنی الالتزام بالقیم و الأصول و الأهداف و التأثیر و عدم التأثّر بالجهة المعارضة و الجبهة المعادیة.
النقطة الأخری هی ضرورة المشارکة الموضوعیة الخارجیة و المشارکة الفکریة فی القضایا العامة للبلاد من قبل المجامیع الطلابیة الجامعیة. المشارکة الفکریة ضروریة، و ذلک عن طریق وسائل الإعلام الطلابیة و التجمعات الطلابیة و التصریحات التی تصدر هنا و فی الأماکن المماثلة، و عن طریق عرض آرائکم علی الأجهزة المعنیة و الوزارات ذات الشأن - إن کنتم من أهل الاقتصاد تتحدثون مع المؤسسات الاقتصادیة، و إن کنتم من أهل الشؤون الثقافیة تکتبون الرسائل للأجهزة الثقافیة، و تطرحون المقترحات و الآراء و تعلنون عن مواقفکم - و المشارکة الموضوعیة ضروریة أیضاً. أحیاناً یجب علیکم المشارکة فی تجمّع معین. إننی لا أرفض و لا أنفی أبداً بل أؤیّد بعض التجمّعات الطلابیة الجامعیة التی تعقد بمناسبة قضایا مختلفة کقضیة البحرین مثلاً أو قضایا أخری. و طبعاً أعارض التطرّف فی هذه التجمّعات، و لا أوافق الأعمال و الممارسات غیر المدروسة فیها، و کذلک القرارات الخاطئة التی قد تتخذ من قبل شخص أو عدة أشخاص، و تجد لها فی ذروة المشاعر المتأجّجة دعماً جماعیاً. أنا لا أوافق ذلک.
و ما السبیل إلی ذلک؟ و کیف یمکن العمل؟ أعتقد أنه لو کان للمجامیع الطلابیة الجامعیة مرکز أو مراکز لاتخاذ القرارات و العمل و المبادرة تعکف علی التفکیر و اتخاذ القرار فی القضایا المختلفة فإن ممارسات تلک المجامیع ستکون مدروسة أکثر. مثلاً فی القضیة الفلانیة التی سقت بعض أمثلتها الآن ماذا یحسن بالطلبة الجامعیین أن یعملوا؟ لیجتمع فریق من النخبة و المسؤولین و یفکروا ثم یکون الأمر واضحاً و موحداً بین المجامیع الطلابیة، و إذا تجاوز شخص ما هو مقرر فلن یکون عمله ذا صلة بقرار الطلبة الجامعیین و التیار الطلابی فی الجامعات.
سجّلت هنا أنه لا تعارض إطلاقاً بین النهوض بالواجبات التی یملیها الحالة الشبابیة و النزعة المبدئیة و بین ملاحظة المصالح الإداریة للبلاد، و ملاحظة القانون و التدبیر و الدرایة الإداریة فی البلاد. بمعنی أنه یمکن أن یکون المرء مبدئیاً و یستجیب فی الوقت نفسه لمشاعر الشباب و یعمل بمقتضی الشباب و النزعة المبدئیة، و فی الوقت نفسه یمکن أن تکون أعماله هذه مما لا یصطدم إطلاقاً مع مصالح البلاد و المصالح الإداریة للبلاد. و علی ذلک أعتقد أن التوقعات المطلوبة من المجامیع الطلابیة الجامعیة لیست بالکبیرة، و یمکن طرحها و مطالبتهم بها.
و بخصوص الجانب الأخلاقی أذکر نقطة - و کنت أنوی ذکرها لاحقاً لکننی أخشی فوات الوقت لذا أذکرها الآن و هی من أهم المسائل و النقاط - تتمثل باجتناب القول من دون علم، و تحاشی الغیبة و اتهام الآخرین. أرجو أن تهتموا أیها الشباب الأعزاء بهذه المسألة. کما تهتمون فی شتی المجالات بالطهارة و النزاهة العملیة - تهتمون بالصلاة و بالصیام و بتجنّب الإحراجات الجنسیة - اهتموا أیضاً بهذه المسألة. إذا نسبنا إلی شخص شیئاً لیس فیه فسیکون ذلک تهمة. و إذا قلنا شیئاً لا علم لنا به، کالإشاعة مثلاً - یذکر شخص شیئاً نقلاً عن شخص، و نکرّر نحن ذلک الشیء - فسیکون هذا مساعدة علی الإشاعة و نشراً لها.. هذا هو القول من دون علم.. القول بدون علم فیه إشکال حتی لو کان مجرد قول، و العمل بذلک الأمر غیر المعلوم فیه إشکال أیضاً.. «و لا تقف ما لیس لک به علم» (4). «و لا تقف» أی لا تتابع و لا تمش وراء الشیء الذی لا علم لک به. و المتابعة یمکن أن تکون علی المستوی العملی و کذلک علی مستوی الکلام. حینما تقولون شیئاً لا علم لکم به سیکون ذلک أیضاً اقتفاء لأمر لا علم للمرء به. لذا یقول تعالی بعد ذلک «إن السمع و البصر و الفؤاد کلّ اولئک کان عنه مسؤولاً».
و هناک أیضاً قضیة التنافس علی المناصب و المواقع. فی فترة من الفترات کان طلبة التنظیمات الإسلامیة و القیمیة معزولین، و لم تکن قضایا المناصب و المواقع و حلاوة هذه الأمور مطروحة بینهم، أما الیوم فقد تکون مطروحة هنا و هناک، لذا یجب أن تحذروا. من المنزلقات الکبری التی تهدّدنا نحن أفراد البشر هذا التنافس علی المناصب و المواقع و السمعة و ما إلی ذلک، و هی منزلقات تسقط حتی الأفراد الأقویاء أحیاناً. طبعاً أعتقد أنکم الشباب کما تتفوّقون علینا نحن الشیوخ فی قواکم الجسمانیة فإنکم أفضل منا حتی فی قوة الإرادة و التسلط علی النفس. إذا عقد الشاب همّته و کان ذا عزیمة، و أراد أن یعمل فإنه أقوی و أقدر من المسنین و الشیوخ من أمثالنا حتی فی المجالات المعنویة و الروحیة و محاربة النفس. إذن أنتم قادرون علی ذلک.
و لنقل کلمة عن قضیة الحرب الناعمة. لقد سجلت هنا بعض النقاط، لکن أری الوقت یقترب من الأذان، و لا أرید للوقت أن یفوت. قلنا: الضباط الشباب للحرب الناعمة. ما اعتقده - و لا مجاملة فی هذا أبداً - أنکم ضباط فی هذه الساحة و لستم جنوداً عادیین. إنکم شباب و ساحة کفاحکم هی ساحة الحرب الناعمة. لیس لدینا الیوم حرباً عسکریة لحسن الحظ. و إذا حدثت حرب عسکریة سیکون الرواد أیضاً هم الشباب. إنما الذی یوجد الیوم هو الحرب الناعمة. و لیس الیوم و حسب إنما هی قائمة منذ ثلاثین سنة. ما ینبغی التنبه له فی الحرب الناعمة هو: فی الحرب الناعمة و الحرب النفسیة - و الحرب النفسیة أحد أجزاء الحرب الناعمة - هدف الأعداء هو أن یغیّروا حسابات الطرف المقابل. لیست الحرب الناعمة کالحرب العسکریة. هدف العدو فی الحرب العسکریة مثلاً أن یدمّر مقرات الطرف المقابل أو البلد الذی یهاجمه و یقضی علیه أو یحتل الأرض. و الهدف فی الحرب الاقتصادیة هو القضاء علی البنی التحتیة الاقتصادیة. أما فی الحرب الناعمة فالهدف لیس هذه الأشیاء، و هذه الأشیاء قد تکون أحیاناً وسائل لهدف الحرب الناعمة. الهدف فی الحرب الناعمة هو الشیء الذی فی قلوبکم و أذهانکم و عقولکم. أی إرادتکم. العدو یرید تغییر إرادتکم.
و طبعاً هذا لیس بالکلام الخفیّ. فی البدایة لم یکونوا یجهرون بمثل هذا الکلام، أما الآن فأعداؤنا یذکرون هذا الکلام منذ فترات و یصرحون به. یقولون نرید أن یغیّر الشعب الإیرانی - و هم یقولون المسؤولین، لکن قصدهم فی الحقیقة هو الشعب الإیرانی - حساباته. لقد اخترنا طریقاً وفق حسابات معینة. جاءت الثورة الإسلامیة و أوجدت تحوّلات أساسیة فی هذا البلد. بدّلت الحکم الملکی إلی حکم دیمقراطی شعبی، و بدّلت التبعیة إلی استقلال، و بدّلت التخلّف التاریخی المزمن إلی تقدّم - و هو ما ترونه - و بدلت المهانة إلی ثقة بالنفس و شعور بالعزة، کانت هذه منجزات الثورة. و العدو طبعاً، أی الأجهزة المادیة المقتدرة التی کانت متسلطة قبل الثورة علی اقتصاد البلاد و سیاستها و ثقافتها و مصادرها و قرارات المسؤولین فیها، منزعج لهذا الوضع، و یرید تبدیله، فماذا یفعل؟ السبیل الوحید أمامه هو أن یصل الشعب الإیرانی و المسؤولون الإیرانیون أخیراً إلی نتیجة فی حساباتهم تقول إن هذا الطریق لیس فی صالحهم. العدو یرید فرض هذه الحسابات علی أذهانکم، یرید منا أنا و أنتم أن نصل إلی نتیجة تقول إنه لیس من الصلاح أن نصمد و نقاوم کثیراً بوجه أمریکا و الاستکبار و الأجهزة السیاسیة التابعة لمختلف الکارتلات الاقتصادیة، و یجب أن نتخلی عن بعض هذه الأمور، و قد قالوا ذلک.. فی فترة من الزمن قال البعض اترکوا قضیة إسرائیل و قضیة فلسطین و قضیة العدالة علی المستوی العالمی و دعم الشعوب الساعیة للعدالة، اترکوا هذا الکلام، ما لکم و لهم؟ علیکم بأنفسکم.. و هذا هو تغییر الحسابات. هذا ما یریده العدو. یجب علی ضابط الحرب الناعمة أن یقاوم فی مقابل ذلک. فکیف یقاوم؟
أولاً ارفعوا من مستوی معرفتکم. أعزائی، لا تجعلوا مستوی معرفتکم المواقع الالکترونیة السیاسیة و أوراق الصحف و التجوّل فی المواقع الالکترونیة المختلفة. لیس هذا هو مستوی معرفتکم. طبعاً راقنی حقاً هذا الکلام الذی سمعته الیوم، کان کلاماً جیداً، و آراء ناضجة و تعبیرات مکینة و جملات رصینة صحیحة، و هذه حالة سارّة. أرید أن أقول اعملوا علی هذا الجانب من استطعتم، أی ارفعوا من مستوی معرفتکم. تعرّفوا علی القرآن الکریم و علی کتابات المرحوم الشهید مطهری، و کتابات الفضلاء الکبار الموجودین الیوم لحسن الحظ فی الحوزات العلمیة. ثمة الیوم فی الحوزات العلمیة فضلاء شباب بوسعهم معونة الشباب الجامعی فی هذا المضمار، و تجری الیوم أعمال و مشاریع جیدة. لیرتفع مستوی المعرفة الدینیة، فهذا من الأمور الضروریة و اللازمة. اعتقد أن الأمر المهم إنجازه هو المطالعات الإسلامیة.
و هناک الإشراف و الاهتمام بأوضاع البلاد.. و النظرة المستفهمة و الباحثة عن الحقیقة و المصحوبة بالنقد. و سبق أن قلت أن النقد لا بأس به بالتأکید. النظرة الناقدة لا إشکال فیها أبداً، و لکن ینبغی أن یکون النقد صحیحاً و لا یمیل إلی عدم الإنصاف. یلاحظ المرء أحیاناً وجود عدم إنصاف فی النقود. و أنتم بالتالی فیکم حدّة بعض الشیء، و شباب، و لا یتوقع المرء منکم الکثیر، لکن أصحاب اللحی البیضاء یلاحظ المرء أحیاناً أنهم لا ینصفون، و لا یلاحظون الأمور حین یتحدّثون عن هذا و ذاک. دققوا و احذروا من الوقوع فی عدم الإنصاف. و علیه فإن النقد المستمر و الإشراف المستمر و المتوازن علی أوضاع البلاد و علی الإدارة من الأمور الضروریة جداً. طبعاً یجب أن یکون هذا الشیء بعقلانیة و مداراة و من دون إفراط و صخب، لکنه بالتالی عمل نقدی. اعتقد أن هذا شیء ضروری آخر.
و التواصل و مدّ الجسور مع التنظیمات الطلابیة الجامعیة فی العالم الإسلامی أیضاً عملیة لازمة و واجبة و قد أثارها أحد الأصدقاء هنا، و أنا أؤیدها. المجامیع الطلابیة الجامعیة فی العالم الإسلامی و فی إطار الصحوة الإسلامیة الیوم - أما ما هی طبیعة هذه التنظیمات، فقد لا تکون کلها علی شاکلة واحدة - مجامیع ناشطة، و کانت ناشطة فی الماضی أیضاً، و قد کان لبعضها فی هذه التحرکات دور أساسی. أری أن تکون لکم علاقاتکم بها. و علی المؤسسات و الأجهزة المختلفة أن تساعدکم فی هذا المجال، و نحن بدورنا سنوصی بذلک أیضاً.
قال أحد الأعزاء إنه مضت أربعة أو خمسة أشهر و لم یفعل المجلس الأعلی للسایبری شیئاً. و أقول إن هذه القضیة لیست قضیة أربعة أو خمسة أشهر، بل هی قضیة عدة سنوات. هذا المشروع الذی بدأناه توقعی أن نری نتائجه إن شاء الله بعد أربعة أو خمسة أعوام. أما أن تتوقعوا بعد خمسة أشهر إصلاح قضایا السایبری فی البلاد و ظهور شبکة أنترنت وطنیة و کذا و کذا فلا، لا یمکن حصول النتائج بهذه السرعة، إذ ینبغی بالتالی الاعتماد علی الإمکانیات المتاحة.
أعزائی... و الأمل هو القضیة الأهم. أقولها لکم... إنه من أصعب الأمور التی تجری ضدی و ضدکم هو قتل الأمل فی نفوسنا. حاولوا أن تبقوا الأمل حیّاً. أبقوا مشاعل الأمل فی قلوبکم و فی قلوب متلقّیکم وقّادة ما استطعتم. بالأمل یمکن التقدّم إلی الأمام. و الأمل لیس الأمل فی غیر محلّه، بل هو الأمل الذی تبشّرنا الحقائق و الواقع بشارة أکیدة بصحته.
اللهم بمحمد و آل محمد، أمطر هدایتک و فضلک و لطفک و عونک علی هذا الجمع، و علی کل الطلبة الجامعیین، و علی کل الشعب الإیرانی. اللهم اجعل ما قلناه و ما سمعناه لک و فی سبیلک. و بارک لهم، و اجعل حیاتنا حیاة یرضاها سیدنا الإمام المهدی المنتظر (أرواحنا فداه).
و السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته‌.

الهوامش:
1 - سورة البقرة، الآیة 286 .
2 - سورة الفتح، الآیة 29 .
3 - سورة الممتحنة، الآیة 4 .
4 - سورة الإسراء، الآیة 36 .