بسم الله الرحمن الرحیم
حین یکون المرء فی حضرتکم أیها الإخوة و الأخوات یشعر بالاستعداد و الجاهزیة لإنجاز الأعمال الکبری. جماعة الشباب و العاملین و المجدّین و المثابرین فی القوات المسلحة و زوجاتهم و أبنائهم نموذج منتقی مثل باقة الورد من الشعب الإیرانی، تتموّج فی قلوبهم و فی أفکارهم المبادئ و الأهداف السامیة. مسرور أنا لأن الله تعالی وفقنی هذه اللیلة للحضور بینکم، فأسأل الله تعالی لکم جمیعاً رحمته و برکاته و العافیة من عنده.
البرنامج الذی أجراه هؤلاء الشباب الأعزاء الطلبة الجامعیون فی هذه الجامعة، کان برنامجاً جیداً. آیات القرآن الکریم الباعثة علی الأمل، و التأکید علی أن کل عسر و صعوبة ثمة إلی جانبها انفراج و یسر. هذه فکرة عظیمة مفیدة لکل المجتمعات، و سوف أدلی بإیضاح موجز حول هذا الشأن.
أما کلامنا الأصلی فهو عن إنکم من الواقفین فی الصفوف الأمامیة المتقدمة للحرکة الاجتماعیة للشعب الإیرانی.. العوائل بشکل و الأشخاص و الأفراد بشکل آخر. الکلام الأصلی هو إن بلادنا و شعبنا یسیر ببرکة الصحوة الإسلامیة التی عاشها قبل الشعوب الأخری، یسیر فی طریق زاخر بالمفاخر و العواقب الحسنة. کل من ینکر هذا فقد أنکر الواضحات.
کنا شعباً علی الرغم من تمتعه بالمواهب الجیدة، و السوابق التاریخیة الباعثة عل الفخر و الشموخ، و الإمکانیات الطبیعیة الجمّة، کنا من الشعوب المتأخرة و غیر المؤثرة فی أی من التحوّلات العالمیة، بل کنا متأثرین بإرادة القوی الدولیة المتدخلة. قواتنا المسلحة و علومنا و شؤوننا الاجتماعیة و ساستنا و الهیئة الحاکمة عندنا کانت کلها طوال أعوام متمادیة متأثرة بدخّلات أعداء هذا الشعب و الحاقدین علی مبادئه و أهدافه، و لذلک کانت فی وضع جد مؤسف. طبعاً کانت هناک شرارات و ومضات نور طوال التاریخ و خصوصاً فی الفترات الأخیرة، و توقدت بعض المشاعل، لکن الأجواء کانت ثقیلة إلی درجة لم تستطع معها هذه الومضات إضاءة الدرب للناس. إلی أن جاءت الثورة الإسلامیة و انطلق الکفاح الإسلامی. فترة الکفاح کانت فترة عسیرة. الأمل بانتهاء هذا الکفاح إلی النصر کان بدرجة الصفر عند البعض، و کان عند البعض الآخر فوق الصفر بقلیل، لم یکن ثمة أمل کبیر. و قد استطاع الإمام الخمینی الجلیل - هذه الشخصیة التی منّ الله بها علینا، و الاستثنائیة فی عصرنا الحاضر - أن یواصل هذا الطریق. و قد تواصل هذا الدرب بفضل أنفاسه الدافئة و همّته و إخلاصه و تدیّنه و إیمانه بالله. تعرّض السائرون فی ذلک الدرب للشکوک و التزلزل مئات المرات، و لکن حین کانت تصلهم الأنفاس الدافئة لذلک الرجل الإلهی کان کل شیء یزدهر فی أنفسهم من جدید. کان الله یعینه، و کانت الأرضیة موجودة متوفرة فیه و فی شخصیته، و قد آجره الله و أثابه و ألهمه و هداه و أخذ بیده و أعانه إلی أن وصل إلی الثورة الإسلامیة، فانتصرت هذه الثورة و العالم کله لا یکاد یصدّق ذلک.
و أقولها لکم.. الصحوة الإسلامیة راحت تفصح عن نفسها الیوم فی عدد من البلدان الإسلامیة، و هی شیء مبارک جداً، و قد رحّبنا بها منذ البدایة، لکن الفوارق کثیرة. فی ثورتنا کانت حرکة الشعب عامة تشمل البلاد من أقصاها إلی أقصاها و ربما لم تکن هناک قریة أو مدینة صغیرة لم تصلها شعبة من شعب هذه الشعلة المقدسة فتبهر العیون. فی کل مکان و فی کل البلاد کان هناک شعار واحد و مطلب واحد و همّة واحدة تستولی علی کل القلوب و الأذهان. لقد رفع الشعب هذه الأعباء الثقیلة بالمعنی الواقعی للکلمة بأجسامهم و أرواحهم و قلوبهم. حضر الناس فی الشوارع لمواجهة الطاغوت بأجسامهم، و لم یکن لهذا الشیء من سابقة فی العالم.
جاء إلی إیران أحد القادة المعروفین فی العالم و لا أرید ذکر الاسم هنا. و قد شرحت له کیف انتصرت الثورة الإسلامیة، لم یکن فی الأمر انقلاب عسکری، و لا ضباط شباب کما هو دارج فی العالم جاءوا و أسقطوا الطاغوت، و لم یکن بوسع أحزاب سیاسیة أن تنشط أو أنها نشطت، و لم یکن للنخب دور مهم، إنما کان الدور لکتل الشعب الواسعة، و لیس هذا بالسلاح. انظروا الیوم لبعض هذه البلدان و سترون أن کتل الشعب تحمل السلاح من أجل إنجاز مهماتها و تکریس إرادتها. و لم یکن فی أیدی الشعب الإیرانی سلاح، إنما نزلوا إلی الساحة بأید خالیة و بأجسامهم. وضعوا قلوبهم و دماءهم علی الأکف و سارعوا إلی الساحة. و هذا غیر ممکن من دون إیمان عمیق. و قد انتشر هذا الإیمان العمیق بین الناس فنزلوا إلی وسط الساحة و انتصر الدم علی السیف، و هذه هی الطبیعیة فی کل مکان.. هذا هو الحال فی کل مکان. أین ما کان الشعب مستعداً للتضحیة و لوضع الأرواح علی الأکف و النزول إلی الساحة فما من قوة تستطیع أن تقاومه. الدم ینتصر علی السیف دائماً حین ینزل الشعب إلی الساحة. حین شرحت انتصار الثورة الإسلامیة لذلک القائد الأفریقی، کان الأمر مثیراً و لافتاً بالنسبة له جداً، و جدیداً علیه کل الجدة. ذهب، و شاهدتُ بعد فترة وجیزة أنه قد انطلقت فی بلاده مثل هذه الحرکة الشعبیة، و شعرتُ أن ذلک کان مستلهماً من سلوک إمامنا الخمینی الجلیل و سلوک شعب إیران، و قد انتصر هناک. لقد انتصر علی إحدی القوی المتعسفة الخبیثة الکبری المتسلطة علی العالم، و استطاع إنقاذ بلاده.
کان هذا وضع الشعب الإیرانی.. الکل نزلوا إلی الساحة. و لهذا لم یشعر المسؤولون - منذ الیوم الأول - باضطرارهم لقبول التوقعات الزائدة للقوی الکبری. حین ترون أن فی البلد الفلانی الذی شهد الثورة لتوّه و راح الأمریکان و الغربیون یضغطون علی مسؤولیه لیفرضوا علیهم موقفاً معیناً، فلا تتصوّروا أن مثل هذا الشیء لم یحدث فی إیران.. بلی، حدث هنا أیضاً. هنا أیضاً کانت مثل هذه الضغوط، و لم یکن أحد لیأبه لهذه الضغوط و لم تکن ثمة حاجة لذلک. کان مسؤولو البلاد معتمدین علی إرادة الشعب و إیمانه و بالهم فارغ بأن هذه الساحة ملیئة بالناس ذوی العزائم و الإرادات و الوعی التام. هکذا کان الحال، و لم یکن ثمة حاجة للرضوخ. و کذا هو الحال إلی الیوم. فی الوقت الراهن أیضاً لا یری نظام الجمهوریة الإسلامیة نفسه بحول الله و قوّته مرغماً علی قبول کلام و إرادة أیة قوة کبری متدخلة مهیمنة. إنما یقبل کل ما کان فی صالحه و یعمل به. و کل ما لم یکن فی صلاحه یضعه جانباً حتی لو غضبت کل قوی العالم. هذه هی السیاسة.. و هذا بسبب الاعتماد علی إیمان الشعب... (1)
لقد اتضحت و تجلت مبادئ الثورة لکل واحد من أبناء الشعب أکثر فأکثر منذ الیوم الأول للثورة و إلی هذا الیوم. قلنا یومها: الجمهوریة الإسلامیة. و قلنا یومها: التقدم الإسلامی، و مع مرور السنین اتضحت معانی هذه المفردات لنا أکثر. نعلم ما معنی الجمهوریة الإسلامیة. و ما معنی الدیمقراطیة الإسلامیة، و اعتماد النظام علی أصوات الشعب، و انتخاب الشعب، و ما معنی إرادة الشعب. فی شعارنا الذی رفعناه «استقلال، حریة، جمهوریة إسلامیة» نعلم ما معنی الاستقلال. لقد کانت هذه المفردات فی ذلک الحین مبدأ مغلقاً لدینا، لکن مرور الوقت أوضح لشعبنا و نخبنا و ساستنا و شبابنا الأبعاد المختلفة للاستقلال. نعلم ما هو الاستقلال، و ما هی الأخطار التی تحیط به، و ما هی میزاته و حسانته، و ما هو سبیل تحقیقه، و ما هی طریقة تجاوز الأخطار، و هکذا تقدمنا. هذا هو أهم تقدم. للتقدم مؤشر و علامة واضحة.. التقدم فی تجذّر و استحکام نظام الجمهوریة الإسلامیة. الشجرة السلیمة و الباقیة إذا مرّ علی عمرها خمسون عاماً و شاهدتم جذورها و جذعها سترون أنها غیر منخورة.
بعض الأشجار حیّة نشیطة یانعة لکنها لا تعیش لأکثر من عشرة أعوام أو عشرین عاماً أو ثلاثین عاماً، ثم تنخر، و إذا نخرت فلا حاجة لأن یبذل أحد جهداً لإسقاطها، إذ لو هبّت ریح قویة فسوف تسقطها و تکسرها من جذعها. أما الشجرة ذات القابلیة و القدرة علی البقاء فترون أنه یمضی قرنان و ثلاثة قرون علیها و هی تزداد خضرة عمّا کانت علیه فی الیوم الأول. و حیویتها و اخضرارها فی الربیع یؤثر حتی علی باقی الأشجار.. «تؤتی أکلها کل حین بإذن ربها» (2). من حالات التقدم فی أی نظام أنه یتجذّر و یتقوّی کلما مرّ الوقت و تزداد أغصانه و أوراقه و تتضاعف صلابة عوده. صلابة عود نظام الجمهوریة الإسلامیة الیوم أکبر من سنوات 59 و 60 و 61 [ 1980 - 1981 - 1982 م] و السنوات الأولی. فی ذلک الحین کان احتمال أن یستطیع أعداؤنا إسقاط النظام الإسلامی أکبر عندهم. و الیوم تضعضعت آمالهم کثیراً، و فی کثیر من الحالات تبدّلت آمالهم یأساً. هذا مؤشر علی متانة النظام و ازدیاد قوته... (3). طیّب، و إنه لموضوع آخر السؤال عن مصدر هذه القوة و من أین تأتی؟ من أین تنبع هذه القوة المتصاعدة و هذا التجذّر المطرد؟ هل هی ناجمة عن الإیمان العمیق؟ هل هی ناتجة عن المعرفة العمیقة؟ ناتجة عن نفوذ الإیمان فی القلوب؟ ناتجة عن سلامة الشعارات؟ ناشئة من الأنفاس الدافئة لذلک المؤسس الکبیر و العظیم بالمعنی الحقیقی للکلمة إمامنا الخمینی الجلیل؟ من أین تنشأ هذه القوة؟
طبعاً هذه بحوث مهمة تناولها و یتناولها الشباب و طلبة العلم فی الحوزات و الجامعات. و علیهم مواصلة البحث فیها، و لا شأن لی بهذه البحوث، إنما الموجود و المشهود هو تقدم هذه المسیرة إلی الأمام. هذا التقدم أمر حاصل. و هذه هی القضیة الرئیسیة. و عند الدخول فی الفروع ترون علامات التقدم أیضاً. فی العلم مثلاً حققنا تقدماً، و فی التقنیة الناجمة عن العلم حققنا تقدماً أیضاً. لقد زرت جامعة العلوم البحریة هذه قبل عشرین عاماً أو أربعة و عشرین أو خمسة و عشرین عاماً. و بالطبع فقد زرتنا منذ تلک الفترة إلی الیوم عدة مرات. و زرتها فی ذلک الحین أیضاً و أراها الیوم فأجد أنه لا یمکن المقارنة بین ماضیها و حاضرها. نمو المحفزات الذی یستتبع نمو الحرکة العلمیة ظاهرة مدهشة تبعث علی الارتیاح حقاً، و تدعو الإنسان الواعی إلی الذهول. و الحال طبعاً هکذا فی کل مکان.. هکذا هو الحال فی جامعات البلاد، و فی مراکز أبحاث البلاد، و فی المراکز العلمیة التی لم تکن و تأسست بعد ذلک.. هکذا هی آمال العلماء فیها. علماء الأجیال السابقة و هم محترمون جداً و نحن نقدّر و نحترم کل من یسعی فی سبیل العلم، لأنهم ینتمون لوضع آخر، لا یصدّقون التقدم العلمی للجیل الشاب فی الصناعة النوویة ! و ربما سبق أن ذکرت هذا مرة أو مرتین.
حینما تحققت هذه الإنجازات و التقدم کتب لی عدد من العلماء البارزین الذین أعرفهم و هم ممیزون من الناحیة العلمیة و أصحاب نوایا حسنة و صادقة، کتبوا لی رسالة و قالوا لی لا تصدّق هذا الکلام ! هذا الذی یقال لا یحصل و لم یحصل ! لم یکونوا یصدقون هذا التقدم النووی و التقدم المتعلق بالخلایا الجذعیة التی کنا فیها من المتقدمین طوال الأعوام الأخیرة. لکنه أمر حصل و وقع. و قد أثبت مرور الوقت أن هذا التقدم قد حصل و وقع. أی إن المسیرة العلمیة کانت بحیث لا یصدّقها الجیل السابق الذی نؤمن بمستواه العلمی و بنوایاه الصادقة الخیّرة. و أقولها لکم الیوم إن شبابنا الیوم یقومون بأعمال فی المجالات العلمیة و الاکتشافات و البناء و الصناعات العلمیة قد لا یصدّقها بعض المنتمین للأجیال المتوسطة، هذا مع أن الجمیع راحوا یصدّقون هذا التقدم رویداً رویداً.
تعلن المراکز العالمیة أن النمو العلمی لإیران أکثر بإحدی عشرة مرة أو ثلاث عشرة مرة - حسب الإحصائیات المختلفة - من متوسط النمو العلمی فی العالم ! و طبعاً هذا لا یعنی أننا من الناحیة العلمیة متقدمون علی کل المراکز العلمیة فی العالم، لا، تأخرنا کبیر، و نمونا سریع. لو واصلنا هذا النمو بهذه السرعة فنعم، من الممکن فی السنوات المقبلة، عشرة أعوام أخری، خمسة عشر عاماً آخر، أن نحتلّ المرتبة الأولی فی العالم فی کل مجالات العلم و التقنیة، و لکن الآن لم نصل بعد، إنما نحن فی وسط الطریق، و نحن سائرون.. هذا عن الجانب العلمی.
و مثل هذه الحالة تماماً نجدها علی الصعید السیاسی، و مثلها نجدها علی صعید المشارکة الدولیة، و مثلها نجدها علی صعید المؤسسات الاجتماعیة، و فی المجالات و القطاعات المختلفة، لدینا حالات تقدم شتی فی مختلف المستویات و الصعد، و التقدم أبرز و أوضح فی بعض المجالات، و أقل فی مجالات أخری. البلد فی حال تقدم. و هذا التقدم یجب أن یستمر. هذا ما أقوله:
کل من له إسهامه فی بناء إیران الجدیدة تحت لواء الإسلام و هو سائر فی هذا الدرب لیقترب من المبادئ و الأهداف فإن وجوده قیّم مغتنم. و کل من یکون سهمه أوفر و أکثر تأثیراً و أشد خطورة أو کان من رواد هذه القافلة و المتقدمین فیها فإن نصیبه من هذه المفاخر و الشموخ أکثر من الآخرین. و یجب أن لا نتعب أبداً. سمعتم الآیة القرآنیة «فإذا فرغت فانصب» (4).. إذا فرغت من أعمالک و مهامک فانصب قامتک أی ابدأ بعمل جدید.. أی لا توجد وقفة. «فإذا فرغت فانصب و إلی ربک فارغب» (5).. سیروا فی أیة مسیرة إیجابیة نحو المبادئ و الأهداف الإسلامیة المقبولة المعلنة. هذه هی الرغبة إلی الله. و بالطبع فإن للمعنویة و الارتباط القلبی بالله دوراً أساسیاً. هذا ما یجب أن یعلمه الجمیع.
طیّب، یصل الدور الآن إلی الحدیث عن العوائل.. عوائل المقاتلین العزیزة، سواء المقاتلون فی الجیش أو الحرس أو التعبئة أو قوات الشرطة، أو المنتسبین إلی وزارة الدفاع - هؤلاء الذین ذکرهم القادة المحترمون - و زوجاتهم لیعلموا من الشخص الذی یساعدونه، و من هو شریک حیاتهنّ. شریک حیاتکنّ أحد الذین لهم فی هذا البناء الرفیع العظیم أدوار حساسة. هکذا هی القوات المسلحة. و علی حدّ تعبیر الإمام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب (ع): «حصون الرعیّة» (6). إنهم أسوار الرعیة التی تحمیهم.. أسوار الشعب و حصونه.. أسوار الشعب المعنویة. وجود القوات المسلحة المستقلة و الواعیة و المبتکرة و الشجاعة و المضحیة، حتی من دون أن یطلقوا رصاصة واحدة، یوفر الأمن للبلاد، و یکبت الأعداء فی أماکنهم. للقوات المسلحة مثل هذه الأهمیة. إنکنّ زوجات مثل هؤلاء الأشخاص. نعم، نقل الآمر المحترم عنّی القول - و قد قلت عشر مرات أو أکثر لحد الآن - إنکم الرجال مهما حققتم من الفضائل فی میادین الجهاد العامة و الکبری، فإن نصفها یذهب لصالح شریکة الحیاة، المرأة التی تعیش مع هذا الرجل. إذا کانت زوجة الرجل الذی ینزل إلی الساحة - ساحات الجهاد و العمل و السعی - غیر مرافقة له - إما أن تتبرّم، أو تعرقل العمل، أو تری الحیاة مع هذا الرجل صعبة فلا ترافقه و لا تواکبه - فلن یستطیع هذا الرجل مواصلة عمله و مسیرته. إذا کنتم تستطیعون العمل بشکل جید فهذا من برکات وجود الزوجات الصالحات العطوفات. هذا شیء یجب أن یلاحظنه الزوجات أنفسهن أولاً. أعرفن أنتنّ قدر الزواج من رجل یجاهد و یسعی و یذهب نصف أجره لکنّ.. الرجل الذی له دور فی الصرح الرفیع لنظام الجمهوریة الإسلامیة الجدید الذی سیمهّد إن شاء الله للحضارة الإسلامیة الجدیدة. أعرفن قدر أزواجکنّ. هؤلاء الرجال الذین هم أزواجکنّ لیعرفوا عندکنّ بهذه الهویة.. و کذا الحال بالنسبة للأولاد. لیفخر أولاد المنتسبین للقوات المسلحة و لیتباهوا بآبائهم.
و أری لزاماً علیّ هنا أن أقدّم احترامی و سلامی لعوائل الشهداء العزیزة، و أبعث الصلوات إلی أرواحهم الطاهرة، الشهید الذی أخذ کل وجوده و کیانه و رصیده الأصلی لیضحّی به فی سبیل الله، و قد تقبّل الله تعالی منه هذا القربان. و الکثیرون ذهبوا لیقدّموا هذا القربان فلم یتقبّل منهم، و الأسباب مختلفة، البعض لم یرهم الله تعالی لائقین، و البعض ادخرهم الله تعالی لمسؤولیات و أعمال ضروریة أخری. و الذین کانوا جدیرین و ذهبوا فإن مقامهم عال جداً جداً. الشهداء هم بحق أنوار ساطعة تضیئ المجتمع و المستقبل و التاریخ. و عوائلهم صبرت.. صبرت علی جهادهم و علی سیرهم إلی میادین الخطر. قد یکون ذکر ذلک سهلاً باللسان: سیدة تری زوجها سائراً إلی ساحة الأخطار، فتصبر.. عملها هذا ذو قیمة و أهمیة عظیمة. ثم حینما یستشهد تصبر علی استشهاده. لو لا صبر عوائل الشهداء لما واجه تیار الشهادة هذه الحیویة و الازدهار فی المجتمع. عوائل الشهداء هی صاحبة هذه المنّة الکبیرة علی مجتمعنا حیث جعلت الشهادة حلوة جمیلة فی الأنظار إلی هذه الدرجة. علی کل حال نقدّم لهم احترامنا و سلامنا و تکریمنا. سواء أبناؤهم أو أبناؤکم أیها العاملون یجب أن یفخروا و یتباهوا بأن آباءهم یسیرون فی هذا الدرب.
و أقول لکم إن الأفق مشرق. طبعاً لا یتوقع من التلفزیون الفلانی للحکومة المستکبرة الفلانیة أن یعرض لی و لکم هذه الحقائق، لا، إنهم یصوّرون الأجواء علی أنها حالکة مظلمة. و هم یعلمون أن أحد سبل إیقاف هذا الشعب هو سلبه الأمل. لذلک یصورون الأجواء علی أنها مظلمة و سوداء... (7) (حفظکم الله، اسمحوا لی، اسمحوا لی أن أواصل کلامی).. لقد ذکرتم بأنفسکم مثلث الشرّ و الفساد. لم نقله نحن لکنکم قلتموه.. أمریکا و الصهیونیة و بریطانیا الخبیثة، و هم هکذا فعلاً. أجهزتهم الإعلامیة تعمل لیل نهار علی التأثیر فی أذهان الشعب الإیرانی، و کما قلت قبل مدة یریدون تغییر حسابات الشعب و حسابات النخبة، و الحمد لله کلما بذلوا من الجهود و المساعی لم ینفعهم ذلک شیئاً، فالمستقبل مستقبل مشرق، و الأفق أفق جید، لکن هذا لا یعنی أن نضع وسادة ناعمة تحت رؤوسنا و نخلد إلی النوم، لا، ینبغی العمل و الجدّ و السعی. و السعی لا یعرف الزمن و المدة و النهایة و لا یعرف التقاعد. ثمة إمکانیة للعمل و السعی فی کل فترات حیاة الإنسان، و یجب أن نجد هذه الإمکانیة و نعقد العزائم و الهمم علی الجدّ و السعی و نسیر بکل همّة.
«قوّ علی خدمتک جوارحی، و أشدد علی العزیمة جوانحی».. یطلب الإمام أمیر المؤمنین من الله تعالی فی دعاء کمیل، و یعلمنا أن نقول للباری عزّ و جلّ أن یقوّ جوارحنا و أجسامنا و أبداننا للقیام بالخدمات المترتبة علینا، و یرسّخ عزائمنا. ثم یقول: «و هب لی الجدّ فی خشیتک».. أی أن نخشی الله و لا ننساه بجدّ. أن نعلمه تعالی حاضراً ناظراً و أن یکون هذا الشعور شعوراً جدیاً قویاً و لیس مجرد قلقلة لسان. «و الدوام فی الاتصال بخدمتک».. و لا نجعل الخدمة مقطّعة بل متصلة علی خط مستمر نسیر علیه. نتمنی للشباب إن شاء الله بما فی ذلک شباب هذه الجامعة، و سائر الشباب، و التعبویین الأعزاء، و الشباب المؤمن المضحی، و الطلبة الجامعیین من بنین و بنات من مختلف الجامعات و الأماکن، و طلبة العلوم الدینیة الشباب الأعزاء، و الشباب من شتی الشرائح أن یمنحونا - بحرکتهم و عملهم و نشاطهم - نحن الشیوخ القوة و الطاقة و النشاط، و سیعلموننا کیف یجب أن نسیر فی الدرب.
اللهم أنزل برکاتک و رحمتک علی هذه الجماعة. و أنزل برکاتک و رحمتک علی شعب إیران. انصر الشعوب المسلمة علی أعدائهم فی کل مکان. تفضّل علینا جمیعاً بعافیة الدین و الدنیا بلطفک و رحمتک. أرض القلب المقدس لإمامنا المهدی المنتظر عنا. اشملنا بأدعیته علیه السلام. احشر روح الإمام الخمینی الجلیل و الشهداء الأبرار مع أولیائهم.
و السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته.‌

الهوامش:
1 - تکبیرات الحاضرین.
2 - سورة إبراهیم، الآیة 25 .
3 - تکبیرات الحاضرین.
4 - سورة الانشراح، الآیة 7 .
5 - سورة الانشراح، الآیة 7 و 8 .
6 - نهج البلاغة، الکتاب رقم 53 .
7 - شعارات الحضور: «الموت لأمریکا، الموت لإسرائیل، الموت لبریطانیا» و «الدماء التی فی عروقنا، هدیة لقائدنا».