بسم الله الرحمن الرحیم
أبارک هذا العید الکبیر لکم جمیعاً أیها الحضور المحترمون و الضیوف الأعزاء و سفراء البلدان الإسلامیة و لکل الشعب الإیرانی الکبیر المتدین، و لکل الأمة الإسلامیة فی کل البلدان المسلمة فی العالم.
المهم هو أن نعرف قدر هذه المناسبات و المواطن. جعل الله تعالی عید الفطر السعید رصید عزّ و ذخر و شرف و کرامة للأمة الإسلامیة و للرسول الأعظم (ص).. «و لمحمد صلی الله علیه و آله ذخراً و شرفاً و کرامة و مزیداً» (1).. إنه سبب عزة و شرف للأمة الإسلامیة و للرسول الأعظم (ص). و هذا منوط بکیفیة تعاملنا نحن المسلمین مع هذه المناسبات. بوسع الشعوب المسلمة أن تجعل شهر رمضان و عید الفطر سبباً للعزة، و سلماً نحو العلوّ المعنوی و المادی، و عزة الدنیا و الآخرة. یجب أن نکون واعین و نستفید من هذه المناسبات و المواطن.
کانت الشعوب المسلمة خاضعة طوال عشرات الأعوام لهیمنة المستکبرین العالمیین و ظلمهم. الحروب العالمیة التی وقعت بین القوی المستکبرة فی العالم بدأت من أوربا، و قد اصطدم مستعمرو العالم ببعضهم، و فرضوا علی الشعوب المسلمة و شعوب هذه المنطقة تبعات هذه الحروب و مشکلاتها. و تبعاً لهذه الحروب ظهرت الزائدة الصهیونیة الخطیرة المهلکة فی منطقتنا الحساسة و بین البلدان الإسلامیة و فی قلب العالم الإسلامی. و تبعاً لهذه الحروب تکوّن البناء الخاطئ و الهندسة المعیبة لمنظمة الأمم المتحدة و مجلس الأمن و البلدان التی تتمتع بحق الفیتو. أی إن هذه الأیدی و القبضات الدامیة التی أطلقت تلک الحروب المهلکة أرادت تبعاً لذلک أن تستولی و تسیطر علی العالم، و تهیمن علی هذه المنطقة الحساسة المهمة الزاخرة بالنعم، و التی تعدّ قطباً لوحدة العالم الإسلامی، و قد فعلوا ذلک. و کنا غافلین، و کانت الشعوب المسلمة تغطّ فی النوم فتعرضت للهجمات، و امتزج مصیرها بمشکلات معقدة و عظیمة لا تزال تعانی منها. لقد غفلنا.. رؤساء البلدان الإسلامیة غفلوا فی فترة من الفترات و خُدعوا بألاعیب القوی الکبری.
و ثمة شعور الیوم بأن ستار الغفلة هذا راح ینزاح عن أذهان بلدان المنطقة و الشعوب المسلمة، و ینبغی اغتنام هذه الحالة و الاهتمام بها. منطقتنا الحساسة، شمال أفریقیا و غرب آسیا - التی سمّاها الأوربیون برغبة منهم «الشرق الأوسط» و هی القلب الحساس للعالم - ترسم بفضل الصحوة الإسلامیة الیوم المصیر المستقبلی لهذه المنطقة. یجب أن نعرف هذا الظرف و نعرف قدره و لا نسمح بفوات و تضییع هذه الفرصة المهمة الحساسة. قضیة القدس الشریف و فلسطین المظلومة فی الصمیم من هذه القضایا و فی قلب أحداث الشرق الأوسط.
الکثیر من قضایا منطقتنا الحساسة و مشکلاتها بسبب وجود هذه الغدة السرطانیة الصهیونیة التی ترید أیدی القوی الکبری الملطخة بالدماء، بکل ما أوتیت من قوة، أن تحافظ علیها. الأمریکان یقولون بصراحة و سائر القوی المهیمنة فی العالم تقول بصراحة إنها ربطت مصیرها بمصیر الکیان الصهیونی. و هذا فی ضررهم.
عادت قضیة فلسطین الیوم بفضل الصحوة الإسلامیة لتکون مرة أخری القضیة الأصلیة فی العالم الإسلامی، و یجب أن لا تسمحوا بزوال هذا التمیّز، و اختفاء هذه القضیة خلف مؤامرات و حیل أعداء المسلمین و الأمة الإسلامیة. قضیة فلسطین قضیة أساسیة. علی مرّ الزمن قیّمت الشعوب حکوماتها علی أساس مواقفها من قضیة فلسطین. و بالطبع فإن ضغوط الاستبداد و الاستکبار و القمع و التعسف لم تسمح بظهور إرادة الشعوب. و فی هذه السنة فی أحداث یوم القدس و مظاهرات شعوب المنطقة استطاعت الشعوب علی رغم أنف الصهاینة إبداء رأیها فی هذه القضیة و إعلان مکنون قلوبها، و سوف تتصاعد هذه الحالة إن شاء الله یوماً بعد یوم.
و العدو طبعاً لا یقعد عاطلاً، إنما ازدادت مؤامراته تعقیداً. و من واجب المسؤولین فی البلدان الإسلامیة و حکومات البلدان المسلمة و نخبها - سواء النخب السیاسیة أو الثقافیة أو المستنیرون أو علماء الدین - أن یوضحوا الحقیقة للشعوب. راحوا الیوم أیضاً یستخدمون وسیلتهم القدیمة التی کانت دوماً فی ید القوی المستکبرة و المستبدة کأداة للغلبة علی الشعوب، ألا و هی وسیلة بث الخلافات.. الخلافات بین ساسة البلدان و بین الحکومات و بین الشعوب بذرائع مختلفة. الخطة الدائمة و الباقیة للاستکبار هی بث الخلافات و التفرقة. إنهم یحیون النزاعات القومیة بین الشعوب، أو یضخّموا الاختلافات الطبیعیة فی اللغات و الأعراق و لون البشرة و المذاهب. هذا هو عمل الاستکبار، و قد مارسه دوماً. قالوا قدیماً: «فرّق تسد». و هم یعملون بهذه الخطة الیوم أیضاً. علینا أن نصحو و ننتبه و نکون واعین.. سواء الحکومات أو الشعوب.
بخلاف الواقع، یخفون الخطر و التهدید الأصلی علی هذه المنطقة، بل علی کل البشریة، ألا و هو الصهیونیة. الصهیونیة خطر علی کل البشریة. حتی الحکومات الغربیة الیوم تعانی من تدخلات الصهاینة. هی أیضاً تعانی من مراکز الثروة و القوة هذه. و الحال بالنسبة لشعوب المنطقة معروف و معلوم ماذا تجرّعوا من الصهاینة. هذه الاغتیالات من أعمالهم، و هذه الخلافات بین الشعوب من أعمالهم، و تتم بأدواتهم المختلفة، و علینا أن نکون واعین یقظین. إنهم یخفون هذا الخطر الذی هو خطر أساسی علی المنطقة، و یختلقون واقعاً و یضخمون أخطاراً غیر موجودة، و یبثون الخلافات بین المسلمین. یجب أن نکون واعین. العرب و العجم و الشیعة و السنة و المذاهب المتعددة و الأعراق، هذه أمور ینبغی أن لا توجِد خلافات فی ما بیننا. «و جعلناکم شعوباً و قبائل لتعارفوا». هذا التشعّب و القبائل و الأعراق لیس سبباً للخلافات. «إن أکرمکم عند الله أتقاکم» (2). المحور شیء آخر، و المعیار شیء آخر. لیکون التسابق بین الشعوب المسلمة علی العمل بالإسلام و تکریس الأخوة و السعی من أجل الشعوب و عدم الرضوخ لإرادة القوی الکبری و علی رأسها أمریکا. علی الشعوب المسلمة أن تعلم أین ما تخلق السیاسات الأمریکیة و الصهیونیة الخلافات، فإن هذه الخلافات مضرة، و یجب أن لا تنخدع بها.
قضایا منطقتنا قضایا مهمة و الشعوب قد استیقظت. استطاع عدد من البلدان المسلمة و عدد من الشعوب المسلمة نتیجة لهذه الصحوة التغلب علی الوضع الذی یریده الاستکبار. لقد أحرقت الشعوب عشرات الأعوام من مساعی أمریکا فی مصر و تونس و بعض الأماکن الأخری و أبطلتها و قضت علیها. هذه هی الصحوة و ینبغی الحفاظ علیها. یجب أن یکون المعیار هو أن نری أین یقف العدو العلنی للإسلام و المسلمین فنعلم أن ذلک الموقف باطل، و الموقف المقابل له هو موقف الحق. هذا هو المعیار الذی یجب أن نأخذه بنظر الاعتبار. و نعتقد أن أوضح المصادیق هو قضیة الاتحاد و التفرقة بین الشعوب. هم یریدون بث الخلافات بین الشعوب المسلمة، و علینا أن نعلم أن هذه الخلافات باطلة. و قد نهت الآیات القرآنیة عن الخلاف و التفرقة و النزاعات الداخلیة بین الشعوب المسلمة، فهی سمّ مهلک یجب اجتنابه.
لنطلب العون من الله تعالی. کانت فرصة شهر رمضان هذا فرصة مهمة جداً نتمنی أن تکون الشعوب المسلمة قد استفادت منها إن شاء الله. و فرصة عید الفطر فرصة کبیرة. و الفرص تذهب و «تمرّ مرّ السحاب» (3) لذا یتوجّب الاستفادة منها.
ربنا، وفّق الشعوب المسلمة للاستفادة من الفرص التی تمنحها لها. ربنا، مُنّ بالتلاحم و الوحدة علی الأمة الإسلامیة المظلومة، و وفّقنا فی هذا الدرب لأداء واجباتنا.
و السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته.

الهوامش:‌
1 - مفاتيح‌الجنان، ذكر القنوت فی صلاة عيد الفطر.
2 - سورة الحجرات: الآیة 13 .
3 - نهج‌ البلاغة، الحكمة 21 .