بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله ربّ العالمین، و الصلاة و السلام علی سیّدنا و نبیّنا أبی القاسم المصطفی محمد، و علی آله الأطیبین الأطهرین المنتجبین الهداة المهدیین المعصومین المکرّمین، سیّما بقیة الله فی الأرضین.
أنا مسرور جداً للتوفیق الذی حصل الیوم للقاء بکم خلال هذه الزیارة أیها الأهالی الأعزاء فی مدینة اسفراین العریقة. أساس المسألة هو اللقاء بکم یا أبناء الشعب، و إبداء المودّة و الإخلاص لکم، و تقدیر و شکر تواجدکم الحماسی الحار فی الساحة طوال أعوام الثورة. طبعاً یجب أن تستطیع هذه الزیارات بحول الله و قوته أن تعالج جانباً من المشکلات الأساسیة لهذه المناطق، و ذلک بهمم المسؤولین و المدراء. هناک مشکلات، و هناک أیضاً بتوفیق من الله همم و إرادة للإصلاح، و هناک و الحمد لله إمکانیات للإصلاح.
ما یحسن أن یحضر فی أذهاننا، و خصوصاً فی أذهان الشباب الأعزاء هنا حول هذه المدینة التاریخیة العریقة، هو أنها کانت علی مرّ التاریخ منبتاً لکبار الشخصیات العلمیة و الثقافیة و السیاسیة. علی امتداد التاریخ خرج من هذه المدینة أدباء و شعراء و فقهاء و أصحاب أفکار، و اسم «الأسفراینی» اسم متکرر بین الشخصیات الکبیرة فی تاریخنا. و الیوم أیضاً تستطیع مدینة اسفراین بما لها من مواهب طبیعیة و إنسانیة أن تکون منبت شخصیات کبیرة و مفکرین تفخر البلاد بهم، و توضع أزمّة مستقبل البلاد فی أیدی تدبیرهم و أفکارهم. أنتم شباب هذه المدینة الأعزاء - من بنین و بنات - فی أی مجال کنتم من عمل أو دراسة، یجب أن تنظروا لهذا المستقبل و تعقدوا علیه الآمال. و بهذه الأرصدة الإنسانیة و هذا التراث العریق فإن ذلک المستقبل مستقبل متاح لهذه المدینة.
عرف أهالی اسفراین بالنجابة و الرشد. و إنها لمفخرة أخری أن تعرف هذه المدینة الیوم بأنها مهد إعداد حملة القرآن الکریم. جلسات القرآن و تعلیم القرآن و نشر الأفکار القرآنیة ببرکة جلسات القرآن الکریم فی هذه المدینة أدّت إلی أن یسمّی الناس أنفسُهم هنا مدینتَهم باسم «دار القرآن الکریم». و هذه بدورها مفخرة کبیرة.
و بالطبع فإن اسفراین الیوم لا تقبل المقارنة بما کانت علیه قبل الثورة. کانت لی قبل الثورة وقفة قصیرة فی مدینتکم. فی سنة 1347 [1968 للمیلاد]، وقع زلزال فی منطقة «دهنه اوجاق» هنا. و جئنا من مشهد إلی «دهنه اوجاق» لغرض إمداد الناس علی إثر الزلزال. و إلی جانب ذلک جئنا إلی اسفراین. کانت اسفراین فی ذلک الحین قریة کبیرة، و لا تقبل المقارنة مع ما هی علیه الیوم من نواح کثیرة، علی الرغم من أن المواهب الطبیعیة کانت فی هذه المدینة یومذاک علی نفس ما هی علیه فی الوقت الحاضر. هذه المنطقة الصالحة للزراعة، و هذه المیاه الوفیرة، و هذه السهوب الخصبة علی سفوح جبال «شاه جهان» العالیة، و هذا الرعی الواسع النطاق و المعروفة به هذه المنطقة، لا فی اسفراین نفسها و حسب، بل فی المنطقة المحیطة باسفراین من بجنورد إلی سبزوار - حتی أن زیت «شاه جهان» ورد فی الأمثال العامیة التی لا شک أن کثیرین منکم یتذکّرونها - کانت آنذاک فی أیدی عدد قلیل من التابعین للبلاط و الأجهزة الملکیة، و کان الناس فی القری و المدن یعیشون أوضاعاً مؤسفة.
و الیوم تقدّمت هذه المنطقة لا بمقدار ما تستحقه - فما تستحقه و تجدر به أکثر من هذا بکثیر - بل بمقدار ملحوظ لافت. فضلاً عن إمکانیات الزراعة و الرعی فقد دخلت الصناعة إلی هذه المنطقة. یوجد هنا مصنعان کبیران من مصانع البلاد المهمة. و ثمة معامل أخری فی هذه الأطراف و النواحی. و هذا ما یبشّر بتقدّم المحافظة و تقدم المنطقة و تقدم المدینة، و سیکون لها إن شاء الله مستقبل أفضل من الناحیة المادیة.
ثمة مشکلات علی صعید الزراعة و علی صعید الصناعة و المصانع، و ینبغی رفع هذه المشکلات بهمم المسؤولین و بما استدعته هذه الزیارة من توجّه للمنطقة لدی مسؤولین البلاد علی شتی المستویات. لا ریب أن المساعی اللازمة ستتوفر فی هذا الخصوص.
لم یکن هناک حتی تصوّر و أمل بوجود مؤسسات جامعیة و مراکز للتعلیم العالی فی هذه المنطقة. و توجد الیوم مراکز جامعیة هنا و الحمد لله. و أقولها لکم: إن هذا لا یختصّ بمدینة اسفراین، ففی کثیر من أرجاء البلاد التی لم یکن هناک احتمال بتأسیس مراکز جامعیة، تأسّست لحسن الحظ جامعات متعددة بکثیر من الحقول و الفروع الدراسیة. و سوف أشیر إلی ذلک فی مُقبل الکلام.
المهم هو الاهتمام بقضایا البلاد الأساسیة، و هو ما یمکنه أن یرسم توجّهات أبناء الشعب و المسؤولین و المدراء علی مختلف مستویاتهم، و یقول لنا إلی أی اتجاه نحن سائرون، و کیف سیکون غدنا، و ماذا ینبغی لنا أن نفعل الیوم للوصول إلی غد أفضل.
ذکرت نقطتین فی کلمتی لشعبنا العزیز فی بجنورد، و سوف أفصّل هنا فی هاتین النقطتین بعض الشیء و أشرحهما لکم أیها الأهالی الأعزاء فی هذه المنطقة.
إحدی النقطتین هی ما قلناه من إننا عرفنا محافظة خراسان الشمالیة بالحماس و الحیویة و النشاط. عرفنا هذه السمة لهذه المنطقة منذ القدم، و کان أهالی هذه المنطقة التی أطلقوا علیها الآن اسم «خراسان الشمالیة» معروفین بحماسهم و حیویِتهم و نشاطهم و جاهزیتهم الروحیة و الجسمیة. و هذا رصید کبیر جداً. خمول الشعب أکبر أسباب تخلّفه. الحماس و النشاط و الحیویة فی شعب من الشعوب هو الأرضیة الأصلیة لتقدّمه فی کل المجالات. و هذا الشرط الأساس متوفّر هنا.
یجب أن نذکر نقطتین أو ثلاثاً حول قضیة الحیویّة العامة للشباب. النقطة الأولی هی أن هذا النشاط و الحراک یجب أن یُحفظ و یبقی. ینبغی عدم السماح لمختلف العوامل و المؤثرات بإضعاف هذا النشاط و الحماس أو القضاء علیه. لا شک أن من أهداف أعداء تقدّم هذا البلد هو أن یبثوا روح الخمول و السکون فی شعبنا. أی أن یطفئوا هذا الحراک و الفاعلیة و النشاط، و یخمدوا هذا المشعل. یجب عدم الاستسلام لهذا الهدف المُغرض العدوانی الذی یتغیّاه الأعداء. حین تلاحظون مئات المراکز الإذاعیة و التلفزیونیة مضافاً إلی مئات المراکز و المواقع فی السایبری و الفضاء المجازی فی مختلف أنحاء العالم تحاول نشر رسالة الیأس و القنوط فی نفوس شعبنا، فهذا هو السبب. حین ینتشر الیأس یزول النشاط و ینطفئ الحراک و الحیویة. من أهم عوامل الإعلام المتنوّع للإمبراطوریة الخبریة فی العالم أن یصدّوا شبابنا عن الحرکة و الجدّ و السعی الناجم عن حیویتهم و مبدئیتهم. و فی مقابل ذلک علینا أن نحاول صیانة هذا النشاط و الفاعلیة. اعتقد أن تکریم و إحیاء أسماء القادة و الشهداء و المقاتلین و الشباب الذین خاضوا غمار الساحة قبل الجیل الحالی - و هو جیلکم أیها الشباب - و ساهموا فی أصعب المیادین بکل حماس و حیویة، یمکنه مضاعفة حیویة الشباب و حرکیتهم.
من الأمور الجذریة التی یمکنها أن تعمل الیوم علی الضدّ من هذا النشاط، و التی یجری للأسف نشرها و ترویجها من قبل عصابات غامضة، هو المخدرات. اعتقد أن الشباب أنفسهم بما لهم من حماس و حیویة یجب أن یکافحوا المخدرات. إنهم یریدون لشبابنا أن یقعوا فی الأسر و الفخّ، و یفرضوا علیهم حالة الخدر و اللاأبالیة و السقوط. و الذی یجب أن یقف بقوة بوجه هذه المؤامرة هم الشباب بالدرجة الأولی. طبعاً تقع مسؤولیات علی المسؤولین الحکومیین و الأجهزة المعنیة، إلا إنه ما من عامل مثل العامل الداخلی لدی الناس أنفسهم بمقدوره الوقوف بوجه مثل هذه الانحرافات و مقاومتها. هذه نقطة. لا شک أن حالة صمود شبابنا فی هذه المحافظة بمستطاعها إحباط ما ترنو إلیه العصابات المهلکة المضرّة. هذه نقطة حول الحماس و الحیویة. أولاً یجب الحفاظ علیها و یتعیّن الانتباه إلی أن العدو یروم سلب شبابنا مشعل الحیویة و النشاط و الحرکیة هذا. و النقطة الأخری هی أنه ینبغی توظیف هذه الروح لمواجهة تلک القضیة المهمة المتمثلة بخطر المخدرات الکبیر، و مکافحة هذه الظاهرة.
المسألة الثانیة التی ذکرناها فی لقائنا بأهالی بجنورد و اطلعتم أنتم أیضاً علیها هی مسألة التقدم. لقد ذکرنا أن الهدف هو التقدّم. و التقدم بمعنی الحراک الدائم. إذا دققنا وجدنا أن التقدم هو درب و مسار و هو فی نفس الوقت هدف. نقول إن الهدف هو التقدّم، و الحال أن التقدم یعنی التحرّک إلی الأمام. فکیف یمکن للتحرّک إلی الأمام أن یکون هدفاً؟ إیضاح ذلک هو أن تقدّم الإنسان لا ینتهی أبداً. أی إن الله تعالی خلق الإنسان بحیث لا تنتهی حرکته إلی الأمام فی الساحات المختلفة بأیة حدود تقف عندها. أیة مرحلة تصلونها - من المراحل المادیة أو المعنویة - لا ریب أن التوقف عندها لن یکون له معنی عند الإنسان الراغب فی التقدّم. و إذن، فهذا التقدم هو طریق و هو فی الوقت نفسه هدف و غایة. ینبغی مواصلة التحرّک و المسیرة دائماً و التقدم بها إلی الأمام.
الشعب الإیرانی لدیه الموهبة و القابلیة علی التقدّم إلی درجة یستطیع معها تقدیم نفسه للعالم کنموذج یُحتذی فی الکثیر من المیادین و المجالات. لماذا نکون سیئی الظن بأنفسنا؟ لماذا ننظر لأنفسنا و شعبنا و مستقبلنا نظرة امتهان و دونیة؟ العدو یرید الإیحاء لشعبنا بهذا، و قد أوحی له به علی مدی سنین طویلة. أقنعوا الطرف المقابل بأن العنصر الغربی هو الرائد و ینبغی السیر وراءه. لا، تاریخنا یقول لنا إن القضیة کانت علی العکس فی یوم من الأیام. کنا نحن الروّاد فی العالم، رواداً فی العلم، و فی الصناعة، و فی بناء الحضارة، و فی الثقافة، و کان الآخرون یتعلمون و یستلهمون منا، فلماذا لا یکون هذا الیوم؟ هکذا یجب أن تکون همم شبابنا و نظرتهم لمقولة التقدم.
ذکرت قبل مدة هذه النقطة للشباب الجامعیین و النخبة، و قلت لهم: یجب أن تنصبّ هممکم علی أن نصل فی العالم إلی مستوی لو أراد شخص الاطلاع علی الجدید العلمی لاضطر لاتقان اللغة الفارسیة. لیأخذ شبابنا هذا المستقبل علی أنه مستقبل حتمی و قاطع، و یسعوا له سعیه، و یعملوا له ما یستحقه من العمل. نخبنا السیاسیة و العلمیة و الثقافیة یجب أن یتحرکوا و یعملوا و یبرمجوا علی أساس هذه النظرة للمستقبل، و لا یقنعوا بأیة حدود. هذه هی مقولة التقدّم.
طیّب، للتقدم مؤشراته. من مؤشرات تقدم شعب من الشعوب هو العزة الوطنیة و الثقة بالذات الوطنیة. ما أدّعیه هو أن شعبنا حقق تقدماً کبیراً فی ضوء هذا المؤشر. یتمتع شعبنا الیوم بثقة عالیة بالذات فی ساحة السیاسة الدولیة. حین تلاحظون مسؤولی البلاد یتحدثون بکامل الثقة بالنفس فی خصوص القضایا العالمیة، فهذا ناجم عن شعور شعبنا بالعزة و الثقة بالذات. و الإسلام هو الذی منحنا هذه الثقة بالذات. کلما تعرّفنا علی الإسلام و أحکام الإسلام و معارف القرآن الکریم أکثر کلما زادت هذه الثقة بالذات أکثر. مقولة العزة الوطنیة و الثقة بالذات الوطنیة محسوسة علی العموم. فی المضامیر العالمیة، سواء فی المسابقات العلمیة العالمیة، أو فی السباقات السیاسیة العالمیة، یمتلک الشعب الإیرانی الیوم ما ینادی به و یطرحه. یقف مسؤولو البلاد بثبات فی الساحات العالمیة و المشاهد الدولیة اعتماداً علی ثبات الشعب، و یتقدمون بمشاریعهم و یقولون کلامهم. هذا مؤشر.
العدالة مؤشر آخر من مؤشرات التقدم. إذا تقدّم بلد فی العلم و التقنیة و شتی تجلیات الحضارة المادیة، لکنه بقی مفتقراً للعدالة الاجتماعیة، فهذا لیس بتقدم من وجهة نظرنا و حسب منطق الإسلام. ثمة تقدم علمی فی الوقت الراهن فی الکثیر من البلدان، الصناعة متطورة، و أسالیب الحیاة المختلفة متطورة، لکن البون الطبقی تعمّق و الهوة الطبقیة عظمت أکثر. هذا لیس تقدماً، إنما هو تقدم سطحی و ظاهری و بالونی. حینما یتمتع عدد قلیل من أبناء بلد معین بأکبر الخیرات المادیة فی ذلک البلد، و یبقی الناس فی نفس ذلک البلد یموتون فی الشوارع من البرد و الحرّ فإن العدالة فیه غیر مفهومة و غیر عملیة. نقرأ فی الأخبار العالمیة أن أشخاصاً یموتون من الحرّ فی فصل الصیف فی مدن الولایات المختلفة بأمریکا! لماذا یموت شخص من الحرّ؟ ألیس لأنه لا مأوی له و لا بیت و لا مکان؟ و أمریکا هی نفس البلد الذی فیه أثری الناس فی العالم و أعظم الشرکات و الکارتلات علی وجه البسیطة. و أعظم أرباح تجارة السلاح تختص بهذا البلد. و لکن فی البلد الذی توجد فیه کل هذه الثروات الأساطیریة یموت البعض فی الصیف من الحرّ و فی الشتاء من البرد! معنی هذا عدم توفر العدالة. و قد یعرضون فی الأفلام السینمائیة و الدعاوی الأسطوریة و القصصیة أشکالاً من العدالة، لکن هذه الأمور تفصلها عن الواقع مسافات بعیدة. توجد مثل هذه المآسی فی البلدان التی تدار بأسلوب الاقتصاد الرأسمالی و تسمّی نفسها لیبرالیة، أی حرّة. هذا هو واقع الحیاة هناک.
إذا أردنا التقدم فالعدالة بالدرجة الأولی من المؤشرات المهمة. ما ادّعیه هو أننا تقدمنا فی هذا المجال، و لکن لیس بالمقدار الذی نصبو إلیه. لو قارنّا أنفسنا بالوضع الذی کان قبل الثورة نجد أننا قد تقدمنا. و لو اجترحنا مقارنة بیننا و بین الکثیر من البلدان الأخری التی یعیش الناس فیها وفق أنظمة متنوعة لکانت النتیجة أننا تقدمنا. و لکن لو قارنّا أنفسنا بما یقوله لنا الإسلام و ما یریده منا لکان الجواب: لا، تفصلنا مسافات طویلة عن ذلک و یجب أن نضاعف جهودنا. علی عاتق من تقع هذه الجهود و المساعی؟ تقع علی عاتق المسؤولین و الناس سویة.
نعم، لقد تقدمنا من حیث توزیع المصادر العامة علی کل أنحاء البلاد. ذات یوم کانت معظم مصادر البلاد تستهلک فی مناطق خاصة لها صلاتها بالأقویاء و البلاط آنذاک. و الکثیر من محافظات البلاد و مدنها لم یکن لها أی نصیب من المصادر العامة للبلاد. قبل الثورة کان فی إحدی المحافظات الکبری فی هذه البلاد - و لا أرید ذکر الأسماء و قد ذکرتها سابقاً - خمسة مطارات خاصة فی خمس مناطق من المحافظة تعود للمرتبطین ببلاط الشاه، و لم یکن هناک حتی مطار عام واحد فی تلک المحافظة! أی إن الناس لم یکن لدیهم أیة إمکانیات لاستخدام المطار و الطائرات و الرحلات الجویة. و الحال أنه کان فی نفس تلک المحافظة خمسة مطارات تعود لأشخاص معیّنین. کان هذا علی الضد من العدالة. و حین ننظر الیوم نری أن البلاد کلها تتمتع بخدمات من قبیل مدّ الطرق و مدّ الطرق السریعة و الشوارع المریحة. و تتوفر فی کل أنحاء البلاد إمکانیات الدراسة و التحصیل العلمی. و کما أشرتُ فقد کانت الکثیر من مناطق البلاد فی ذلک الحین و حتی المدن تعانی من مشکلات فی وجود المدارس الثانویة. کنت منفیاً فی محافظة سیستان و بلوشستان، و قد شاهدت الوضع هناک. الکثیر من مدن تلک المحافظة کانت تعانی مشکلات فی المدارس الثانویة. و کان هناک مرکز جامعی واحد ضعیف هزیل من الدرجة الثالثة أو الرابعة فی کل تلک المحافظة. و حین تنظرون الآن لتلک المحافظة أو باقی المحافظات ترون الجامعات منتشرة فی کل المدن، و هذا یعنی توفیر إمکانیة الدراسة. هذه بالتالی عدالة. معنی ذلک أن إمکانیات تحصیل العلم توزّعت علی مختلف مناطق البلاد. تمّ توزیع الإمکانیات المادیة و المصادر المالیة و العلوم، و هذا شیء إیجابی جداً. فی الماضی کان النخب فی المدن البعیدة و أصحاب المواهب غیر قادرین علی إبداء مواهبهم و قابلیاتهم، أما الیوم فهم قادرون علی ذلک. فی اسفراین و فی أی مکان آخر حینما یکون هناک شخص موهوب و قادر علی إبداء نخبویته و موهبته فإن أجهزة و مؤسسات البلاد المختلفة ترحّب به و تکرّمه و تستفید من طاقاته. و لم یکن الحال کذلک فی الماضی. و علیه فالوضع مقارنة بالماضی تقدّم بلا شک فی ضوء هذا المؤشر، أی مؤشر العدالة، لکن الأمر لیس کذلک مقارنة بما فهمناه و عرفناه من الإسلام، بمعنی أننا لا نزال متأخرین، و یجب أن نبذل مزیداً من العمل و الجهد.
ما أرید أن استنتجه من مجموع کلامی لکم أیها الأهالی الأعزاء و خصوصاً الشباب الأعزاء - من نساء و رجال و بنات و بنین - هو أن بلادنا و شعبنا یعیش ساحة مواجهة کبیرة فیها موانع و عقبات، و البلد لا یشعر بالضعف فی ساحة المواجهة هذه. إننا لا نشعر بالعجز، بل نشعر بالقوة و الاقتدار. و نعلم أنه بالسعی یمکن تذلیل کل هذه العقبات. بعض العقبات عقبات طبیعیة. یجب التعامل مع هذه العقبات و ملاواتها بطریقة معینة. و بعض هذه العقبات عقبات مفروضة و سیاسیة و مشکلات یوجدها أعداء تقدم هذا البلد فی طریق الشعب. و یجب التعامل مع هذه العقبات بطریقة أخری.
ما یمکنه أن یکون حاسماً و مصیریاً فی ساحة المواجهة و المنازلة البشریة و حرب الإرادات هذه هو التصمیم و الإرادة و البصیرة التی تتحلون بها أیها الشعب العزیز. وحدة الشعب الإیرانی، و اتحاد کلمة المسؤولین فی البلاد، و تعاون کل الأجهزة و المؤسسات، و معرفة کل واحد من أبناء الشعب لواجباته و مسؤولیاته یمکنها الأخذ بأیدینا إلی مزید من التقدم، و توفیر الوجه و الصورة اللائقة بهذا البلد و هذا الشعب العزیز الموهوب.
أعداؤنا یخططون و یبرمجون، و یریدون حسب أوهامهم خلق الموانع و الروادع أمام هذا الشعب الکبیر صاحب الإرادة، حتی لا یحصل هذا التقدم. و لکن لیثقوا و لیعلموا کما جرّبنا منذ الیوم الأول لهذه الثورة و إلی الیوم، فإن أعداءنا سینهزمون فی المستقبل أیضاً فی کل مؤامراتهم و مکائدهم و مکرهم. جاء الکثیر من الساسة فی البلدان التی تعارضنا و ذهبوا - فی أمریکا و بریطانیا و بعض البلدان الأخری - و کل واحد جاء منهم کان صدره طافحاً بالحقد و الضغینة للحرکة الإسلامیة و الثورة الإسلامیة و نظام الجمهوریة الإسلامیة، فخططوا و برمجوا و فعلوا ما یستطیعونه ظناً منهم أنهم قادرون علی ترکیع الجمهوریة الإسلامیة و شعب إیران. و قد ذهبوا و نسیت حتی أسماء بعضهم، أما الشعب الإیرانی فمتواجد و الحمد لله فی الساحة بشموخ و عزة، و یواصل طریقه بإرادة أقوی و تصمیم أرسخ من الیوم الأول. هذا مؤشر قوة مستقبل نظام الجمهوریة الإسلامیة و هذا الشعب الکبیر الذی أراد هذا النظام و دعمه و حماه.
بالطبع یجب أن لا نصاب بالغرور. إننی إلی جانب ذکر هذه الملاحم یجب أن أقول إن الاغترار بالذات و الغفلة عن کید العدو و مکره، فیه الکثیر من الأخطار. یجب عدم الوقوع فی الغرور. إننی أوصی المسؤولین دوماً و أقول کونوا أقویاء و لکن لا تتصوّروا الأعداء ضعفاء. یجب عدم الغفلة عن العدو. العدو یدخل من طرق مختلفة. فی یوم من الأیام یجری الحدیث عن الحظر الاقتصادی، و فی یوم آخر هناک أحادیث عن هجمات عسکریة، و فی یوم هناک کلام عن حرب ناعمة، و فی یوم آخر یجری الحدیث عن الغزو الثقافی و الناتو الثقافی. یدخل العدو من طرق متنوّعة، و یجب التحلی بالوعی و الیقظة.
هذا التقدم الذی تحدّثنا عنه، و هذا المستقبل المشرق الذی رسمناه، و هذه الآفاق الجمیلة الحلوة الجذابة التی تتراءی أمامنا، لا یمکن تحقیقها إلا إذا کنا یقظین واعین متنبّهین لا تتملکنا الغفلة، و لا نتصوّر أن کل شیء علی ما یرام، فنرکن لأعمالنا و مهامنا الشخصیة ببال فارغ. یجب أن لا نغفل عن النظر لمستقبل البلاد.
من الخصوصیات التی لفتت نظری فی ما یتعلق بمدینة اسفراین المساهمة العالیة لأهالی هذه المدینة الأعزاء فی مختلف الانتخابات. هذا شیء علی جانب کبیر من الأهمیة. تسجّل محافظة خراسان الشمالیة إحدی المراتب العلیا فی المشارکة فی الانتخابات. و مدینة اسفراین هی الأولی فی هذا المضمار بین مدن خراسان الشمالیة. المشارکة فی الانتخابات وعی و بصیرة. التواجد عند صنادیق الاقتراع لیس عملاً ناجماً عن بطالة إنما هو فعل و عمل صالح. و سوف أتحدث عن الانتخابات إن شاء الله فی هذه الزیارة فی لقاءاتی الأخری بالناس - و لا أتحدث عن هذا الموضوع الآن - لکن مجرد أن الناس و المجامیع الجماهیریة فی مدینة معینة و فی محافظة و فی کل البلاد یشعرون بالواجب و المسؤولیة تجاه المستقبل و تجاه إدارة البلاد و یریدون المشارکة و التدخل فی هذه الإدارة و یساهمون فی الساحة، فهذا شیء له قیمته. و هو علی الضد من تلک الغفلة التی یرید العدو فرضها علینا. یجب الحفاظ علی هذه الروح.. روح التواجد و المشارکة و التعاون و روح استهلاک المنتجات الداخلیة بمناسبة الشؤون الاقتصادیة، و هذه بدورها من الموضوعات المهمة التی لن أخوض هنا فیها.
و أقول کلمة.. لقد شدّدنا علی الإنتاج الداخلی، سواء فی مطلع السنة و فی شعارها أو فی الکلمات التی کانت لنا طوال الأشهر التی مضت من السنة. و الإنتاج الداخلی بحاجة إلی استهلاک داخلی. و هذه مهمة تقع علی عاتق الناس. یجب أن نختار استهلاکنا من منتجاتنا. من الخطأ أن یبحث المرء دوماً عن المارکات و العلامات الأجنبیة و الأسماء الخارجیة. إنه تلبیة لهوس شخصی، لکنه ضربة لمشروع عمومی أصلی. الاستهلاک الداخلی یزید من الإنتاج الداخلی. و حین یزداد الإنتاج الداخلی ترتفع المشکلات التی تحدّث عنها إمام الجمعة المحترم. ترتفع مشکلة البطالة. إذا ازدهر الإنتاج فمعنی ذلک أن التضخّم سینخفض و الغلاء سیقلّ و العمالة ستزداد. هذه الأمور کلها مرتبطة ببعضها. جانب من القضیة فی أیدی الناس و کیف نختار استهلاکنا.
علی کل حال، الواجبات و الوظائف کثیرة، لکن التوفیقات الإلهیة أیضاً کثیرة. عسی أن یدیم الله تعالی هذه التوفیقات و هذا الفضل الذی أسبغه علی شعب إیران. جعلکم الله مشمولین بألطافه و الأدعیة الزاکیة لسیدنا الإمام الحجة المنتظر المهدی (أرواحنا فداه).
أشکرکم مرة ثانیة أهالی اسفراین الأعزاء علی هذا التواجد الحار الصمیمی الحماسی، و علی تواجدکم فی کل مراسم الثورة و الشؤون المهمة ذات الصلة بالبلاد، و أبدی حبّی و إخلاصی لشهدائکم الأبرار و شخصیاتکم الکبیرة و الماضین منکم، و أتمنی أن ینزل الله تعالی رحمته و فضله علیکم جمیعاً.
و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته.‌