بسم الله الرحمن الرحیم
نشکر الله علی أن تحقق فی زماننا نموذج مما سمعنا أنه حدث فی واقعة عاشوراء الکبری.. رجال و نساء و شباب غضّوا الطرف عن أرواحهم و أموالهم و رغباتهم فی الحیاة بهدف التفکیر و التفکّر. هذا ما شهدناه خلال فترة الدفاع المقدس بأعیننا و نشاهد الیوم استمراره و برکاته و خیراته. اقتران هذه الأیام مع واقعة عاشوراء العظیمة شیء زاخر بالدروس. الأمة الإسلامیة و المجتمع الإسلامی یجب أن لا یبعدا أبداً عن أنظارهما حادثة عاشوراء کدرس و کعبرة و کرایة للهدایة. لا مراء أن الإسلام حیّ بعاشوراء و بالإمام الحسین بن علی (علیه السلام). و کما قال الرسول الأعظم (ص): «و أنا من حسین» (1). بحسب هذا المعنی یقول الرسول الأعظم (ص) إن دینی و استمرار طریقی إنما هو بواسطة الحسین (علیه السلام). لو لا واقعة عاشوراء، و لو لا هذه التضحیة العظمی فی تاریخ الإسلام، لما کانت هذه التجربة و هذا الدرس العملی للأمة الإسلامیة، و لأصیب الإسلام بالانحراف یقیناً مثلما أصیبت الأدیان قبل الإسلام بالانحراف، و لما بقی من حقیقة الإسلام و نوره شیء. هذه هی عظمة عاشوراء. طبعاً المصاب فی عاشوراء عظیم، و الخسارة کبری، و روح الإمام الحسین بن علی (علیه السلام) تعادل السماوات و الأرضین. الأرواح الطاهرة الطیبة لأولئک الأصحاب و الشباب و أهل البیت لا تقبل المقارنة بأرواح أی شخص آخر، و قد تضرّجوا فی هذا الساحة بدمائهم و ضحّوا و فدوا أنفسهم، و وقع حرم الرسول المکرّمات فی الأسر. هذه أحداث جد ثقیلة و مریرة و صعبة، بید أن ما ترتّب علی هذه الأحداث المریرة الصعبة کان من العظمة و الخلود بحیث سهّل الصبر علیها من قبل الإمام الحسین بن علی (علیه السلام) و أصحابه و أهل بیته. یروی الأکابر، و یؤکد المرحوم الحاج المیرزا جواد آقا ملکی (رضوان الله علیه) فی المراقبات - و کلامه سند و حجة - أنه کلما اشتدّت المصائب فی یوم عاشوراء کان وجه الإمام الحسین بن علی (علیه السلام) یزداد تفتحاً و إشراقاً. هذه الحقائق العمیقة الزاخرة بالمعانی و الأسرار و الرموز یجب أن تنتصب دوماً أمام أنظارنا.
طیّب، فی زماننا توجد نماذج من هذه التضحیات. ما قرأناه فی التاریخ وجدنا جزءاً و نماذج منه أمام أنظارنا، و من أهم و أبرز مظاهره هذه الشجرة الطیبة، شجرة التعبئة، سواء قبل بدء الحرب المفروضة أو خلال ملحمة الدفاع المقدس - هذه التجربة الصعبة العسیرة جداً علی البلاد - أو بعد الدفاع المقدس و إلی الیوم. قضیة التعبئة و تجربة التعبئة لها برکات کبیرة جداً سوف تستمر و تتواصل إن شاء الله.
من النقاط الجدیرة بالذکر أن ما لوحظ فی حرکة التعبئة خلال فترة الدفاع المقدس هو الدرجة العالیة جداً من الإخلاص لدی التعبئة، و هذا ما یجب أن نتوفر علیه الیوم أیضاً فی حرکة التعبئة و عملها. الساحة الیوم ساحة أعقد. السیر إلی ساحة الحرب و القتال و الکفاح و تحمّل المسؤولیات، ثم الاستشهاد أو الإعاقة، أو العودة بسلامة، و عموماً المشارکة فی تلک الساحة، عملیة خطیرة جداً، لکنها خالیة من التعقیدات. أما التواجد فی الساحة الیوم مقابل مؤامرات العدو و هجماته و اصطفافه فله تعقیداته. قد لا تکون له تلک الأخطار المباشرة التی کانت فی ساحة الدفاع المقدس، لکنه أکثر تعقیداً. و میزة تلک الساحة هی أن من کان یسیر إلیها یمتاز بإخلاص واضح. الدخول فی ذلک المیدان کان دخولاً إلی ساحة الموت و الحیاة. لم یکن فی الأمر أی مزاح أو هزل. کان میداناً یحتاج إلی الشجاعة و التضحیة و الإیمان و التوکل علی الله، فقد کانوا یسیرون إلی الشهادة. و الیوم، فإن المیادین المختلفة تحتاج إلی نفس تلک الشجاعة و الإیمان، و لکن قد یظهر أشخاص بلبوس التعبویین فی هذه المیادین، و هذا ما ینبغی الحذر منه. یجب أن نحذر علی أنفسنا بالدرجة الأولی، و علی البیئة التعبویة بالدرجة التالیة. هذه مهمة کل واحد من أعضاء التعبئة. درجة خلوص التعبوی فی منظومة التعبئة، بما فی ذلک فی مجامیع «الصالحین» هذه التی تصدّیتم لتکوینها و إدارتها یجب أن ترتفع و تکون عالیة جداً. یجب أن نضمن الإخلاص فی الأعمال و المشاریع. هذه العملیة صعبة إلی حد ما. و من أسباب تسمیة الجهاد ضد النفس بالجهاد الأکبر هو هذه الصعوبة التی یتمیّز بها. فی الحرب مع العدو - الحرب العسکریة - یمکن للمرء بسهولة قیاس درجة إخلاصه هو و إخلاص الآخرین. أما هنا فلا، هنا یقع المرء فی الأخطاء و الاشتباهات و یقع الآخرون أیضاً فی الأخطاء فی معرفة الإنسان.
نقطة أخری هی أن نحذر و نصون أنفسنا من الآفات. آفات الغرور و التظاهر و الریاء. هذه آفات مهلکة. إذا أحرزنا نجاحات و موفقیة فلنشکر الله علیها، و نعتبرها من الله، و نستمدّ العون من الله لمواصلتها. هذه قضیة أساسیة أن لا نصاب بالغرور، و لا تکون لنا ثقة زائدة بأنفسنا، و لا نعتبر ذلک من أنفسنا، بل نتوکّل علی الله تعالی. هذه هی حقیقة القضیة. لا حول و لا قوة إلا من عند الله الخالق ذی الجلال. الأمور کلها بیده و من عنده. توفیقنا و اختیارنا و قدراتنا و شوقنا و اندفاعنا و إیماننا و عشقنا الذی یملأ قلوبنا کلها من صنعه و بفضله. لنعلم هذا و لنشکره و نسأل الله تعالی الزیادة و الفضل فیه. هذه أیضاً نقطة.
النقطة الأساسیة التی وجدتها و الحمد لله فی کلمات السادة الذین تحدثوا هنا هی کیفیة و عمق هذه المجامیع التی تشکل کیان التعبئة و رکائزها و أرکانها الأصلیة. ما یضرّ هو النظرة السطحیة فی العقیدة و الفهم و فی اختیار المنطق و الأسس. الحالة السطحیة تضرّ، و هی کالحمل الموضوع علی مکان معین، و تهبّ ریح أو تحدث هزّة شدیدة فتلقی به جانباً. لا بدّ من التعمّق و التجذّر فی العقیدة. و هذه أمور نجدکم مهتمین بها و الحمد لله. و قد کان أساس تکوین مجموعة «الصالحین» علی هذه النظرة، و هی ضرورة تعمیق أفکار و معنویات شبابنا التعبوی من الناحیة التربویة و التعلیمیة و الروحیة.
حینما ننظر نظرة عامة نجد أن وجود التعبئة من معجزات الثورة. و هذا مما یدل علی إبداع إمامنا الخمینی الجلیل، و وعیه، و حکمته، و اتصال قلبه المنوّر بالإرادة و الحکمة الإلهیة. صارت التعبئة أرضیة و رکیزة قویة للثورة. التعبئة الیوم فی مجال العلم، و من حیث التجارب، و علی صعید التقنیة، و فی المجالات المعنویة، و فی میدان الخدمات الاجتماعیة، و علی صعید التنظیر لشتی مجالات الحیاة الاجتماعیة، و فی مجال التعلیم و الدراسة، و فی الحیّز التربوی نشیطة جداً. ذات یوم إذا حصلت تجربة و اختبار معیّن و اضطر الشعب للوقوف بوجه العدو وقوفاً مسلحاً عسکریاً، فإن نفس هذه المجموعة من الشباب و التعبئة و الفتیة الشجعان من شعبنا الإیرانی العزیز سیثبتون للأعداء بطولات شعب إیران و خلوده و اقتداره و استعصاءه علی الهزیمة (2). المجامیع الأخری و البلدان الأخری التی سارت أو ترید السیر فی طریق الإسلام النیّر سوف تتبع هذه التجربة و تستلهم منها. إنها تجربة ناجحة. علینا أن نبدی أداء جیداً. و هذا ما سیکرّس نموذج التعبئة فی العالم الإسلامی و بین البلدان و الشعوب المسلمة کنموذج حیّ و جدیر بالاحتذاء و الاتباع. و هذا ما حصل و تحقق فی الوقت الحاضر إلی حدّ کبیر. و علیه، فإن تقویة التعبئة و مضاعفة إخلاص عناصرها و معنویاتهم، و تنمیة و تطویر أنشطتها و الامتداد بها إلی کل نواحی الحیاة، من الأمور المهمة و الأساسیة التی ینبغی للعاملین فی التعبئة و المرتبطین بها و الناشطین فیها أن یتابعوها.
و البدء من الذات هو ما یأمرنا به الإسلام. کلنا و فی جمیع المستویات یجب أن نبدأ من أنفسنا. «من نصّب نفسه للناس إماماً فلیبدأ بتعلیم نفسه قبل تعلیم غیره» (3). هکذا هو الحال فی کل المستویات. یجب أن نبدأ من أنفسنا. لنکرّس هذه الحالة فی التعبئة.
موضوع أسلوب الحیاة و نمطها من وجهة نظر الإسلام یمکنه أن یکون داخل التعبئة معیاراً لمعرفة الذات. لیس الکلام أن تأتی الأجهزة الأعلی لتفحص إخلاصنا و تقیّمه، إنما الکلام هو أن نقیّم أنفسنا بأنفسنا. کیف هو سلوکنا و تصرّفنا فی بیئة العمل؟ و کیف هو سلوکنا مع الزوجة و الأبناء؟ و کیف نتعامل فی بیئة الحیاة و المجتمع؟ کیف نتعامل مع مرؤوسینا؟ و کیف نتصرّف و نتعامل مع رؤسائنا؟ و کیف هو سلوکنا مع أصدقائنا؟ و کیف نتصرّف مع أعدائنا؟ لکل هذه الأمور معاییرها و مقاییسها فی الإسلام. لنفحص أنفسنا و نقیّمها. و هذا هو قیاس درجة الذات و مستواها، و معرفة الذات أکثر. إذا بدأنا من هنا فسوف تتعزز أسس حیاتنا و رکائز عملنا فی کل القطاعات و المناحی، و خصوصاً فی التعبئة التی نتحدّث عنها الیوم.
مهما یکن من أمر فإن بلادنا و شعبنا و ثورتنا و تاریخنا بحاجة للتعبئة، و التعبئة بحاجة لرفع مستواها النوعی باستمرار. و هذا المشروع الذی تشتغلون فیه أیها الإخوة و الأخوات الأعزاء فی إطار «الصالحین» و حلقات «الصالحین» من الأعمال الجیّدة و المتمیّزة جداً، و هو علی سبیل استکمال التعبئة، التی ینبغی إن شاء الله استکمالها یوماً بعد یوم. یجب رفع المستویات النوعیة. و الکیفیة طبعاً مرجّحة علی الکمیة، إلا أن الکمیة ذات الکیفیة الجیدة لها هی الأخری أهمیتها. أی التنمیة الکمیة فی المساحة إلی جانب العمق و الجودة کلاهما مما ینبغی الاهتمام به. العالم الإسلامی الیوم بحاجة لهذه الحرکة التعبویة.
هذه الجرائم الوحشیة التی ارتکبت فی غضون الأسبوع الأخیر فی غزة، و المرء یندهش حقاً من مستوی وحشیة ساسة الکیان الصهیونی، هذه الجرائم یجب أن تهزّ ضمیر العالم الإسلامی، و یجب أن تکتسب هذه الحرکة الشعبیة العظیمة فی العالم الإسلامی روحاً جدیدة بسبب ما یحدث. العدو لا یقعد عاطلاً، و لهذه الأحداث أبعاد متنوعة: أولاً هی تدل علی مدی وحشیة الکیان الصهیونی و دمویّته. کم هم متوحّشون و بعیدون عن الضمیر الإنسانی، حیث یهاجمون الناس الأبریاء العزّل غیر العسکریین بهذه الطریقة! یتعجّب الإنسان حقاً و یحتار إذ یجد أنهم لم یشمّوا ریح الإنسانیة. و هم فی مقابل العالم الإسلامی و مقابل نظام الجمهوریة الإسلامیة، و هم خصوم الجمهوریة الإسلامیة فی الأروقة و الأوساط العالمیة. إنهم أناس لم یشمّوا ریح الإنسانیة. هذا أحد أبعاد المسألة، و هو علی جانب کبیر من الأهمیة.
بعد آخر من أبعاد القضیة هو أن زعماء النظام الاستکباری یتعاملون مع هذه القضیة بوقاحة تثیر دهشة الإنسان. أی إنهم لا یمتنعون عن التقطیب فی وجه هذا الکیان القاسی الشیطانی و حسب، و لا یمتنعون عن صدّه عن أعماله و حسب، بل و یعاضدوه و یقوّوه و یشجّعوه و یدعموه! لقد أعلنت أمریکا دعمها صراحة، و أعلنت بریطانیا دعمها، و أعلنت فرنسا دعمها. هؤلاء هم زعماء عالم الاستکبار. هؤلاء هم الذین لیس للشعوب المسلمة الیوم فی أعماق قلوبهم عدو أعنف و أکثر کراهیة منهم. هؤلاء کلهم یعلنون دعمهم صراحة. یمکن قیاس مستوی میل العالم الاستکباری للأخلاق و المعنویة من هذه الحادثة. کم هم بعیدون عن الإنسانیة! طیّب، هم یدعمون سیاسیاً لأغراضهم السیاسیة الفاسدة، فلماذا یتشدّقون بحقوق الإنسان إذن؟! أمریکا التی لا تتخذ موقفاً حیال هذه الأعمال الوحشیة العنیفة، بل و تدعمها، هل یعود من حقها التشدّق بحقوق الإنسان؟ هل من حقها أن تنصّب نفسها قاضیاً یحاکم الشعوب و الحکومات فی مجال حقوق الإنسان؟ هذه وقاحة مضاعفة. و کذلک فرنسا، و کذلک بریطانیا. سوابق تصرفاتهم و سلوکهم فی العالم الإسلامی، و الجرائم التی ارتکبوها، و المذابح التی اقترفوها، و الضغوط التی مارسوها ضد الشعوب المسلمة فی البلدان المختلفة، هذه أمور لم تنسها الشعوب المسلمة، و الیوم أیضاً یدعمون نظاماً دمویاً وحشیاً کالکیان الصهیونی، و یدافعون عن أعماله. هذا بدوره بعد آخر من أبعاد القضیة.
بعد آخر من أبعاد القضیة سلوک البلدان العربیة و الإسلامیة حیث لم یکن سلوکاً مناسباً. البعض اکتفوا بالکلام، و البعض لم یکن لهم حتی الکلام، أی إنهم حتی لم یدینوا هذه الأعمال! الذین یدّعون الإسلام، و یدعون الدعوة لوحدة المسلمین، و یدعون هدایة العالم الإسلامی، یجب أن یعبّروا عن أنفسهم فی مثل هذه الظروف. یتدخلون فوراً فی قضایا مختلفة تؤمّن أغراضهم السیاسیة و تحققها، أما هنا فلأن الطرف الآخر أمریکا و بریطانیا، لا تجدهم علی استعداد لأن یدینوا بصراحة. أو یکتفون بالدعم اللفظی الذی لا قیمة له أبداً، و هو عمل قلیل التأثیر. العالم الإسلامی الیوم و خصوصاً مجموعة البلدان العربیة یجب أن تمدّ لبعضها ید الاتحاد، و تدافع عن هؤلاء الناس، و ترفع الحصار، و تحاول مساعدة الأهالی المظلومین فی غزة.
طبعاً، وفّق الله تعالی أهالی غزة للاستقامة و الصبر و المقاومة مقابل هذا العدو العنیف الدموی، و قد نالوا جزاء صمودهم و هو عزة أهالی غزة. لقد أثبتوا أنه یمکن بالصمود و المقاومة و الجد و الاجتهاد، و علی الرغم من صغر الحجم، الانتصار علی حجم کبیر معقد مسلح مدعوم مؤیّد من قبل القوی الکبری. الصهاینة الذین یحکمون فلسطین المحتلة الیوم متسرّعون متلهفون علی وقف إطلاق النار أکثر من أهالی غزة و مسؤولیها. هم الذین ارتکبوا الجرائم و مارسوا الخبث و الدمویة لکنهم یتلقون أیضاً الضربات الأشد بسبب صمود جماعة صغیرة من المسلمین من أهالی غزة و شبابها. و لیس الدرب سوی هذا. هذه رسالة للعالم الإسلامی: إذا أراد العالم الإسلامی أن یبقی مصوناً من هجمات الأعداء و خبثهم و مؤامراتهم و دناءتهم و خسّتهم، فیجب علیه الدفاع عن نفسه باقتدار (4). یجب أن یزید من قدراته.. القدرات التسلیحیة و القدرات المادیة. هذا ما یجب أن یوفره العالم الإسلامی و المجتمعات المسلمة لنفسها. و عندئذ سوف تتحمّل منطقة بصغر غزة الشدائد و تقدّم الشهداء لکنها تفعل بالعدوّ فعلة بحیث یکون هو الیوم أکثر تلهفاً لوقف إطلاق النار من مسؤولی غزة و أهالیها. هذا درس للعالم الإسلامی، و قد تعلمنا هذا الدرس طبعاً من عهد الدفاع المقدس. الحمد لله، لقد تقدّم شعبنا و شبابنا و علماؤنا و أصحاب التجارب منا فی هذا المیدان. لقد تقدمنا من الناحیة العلمیة و من حیث التجارب، و أدرکنا هذه الحقائق، و هی أننا یجب أن نقف علی أقدامنا. و هذه بدورها من عوامل الصمود و الثبات.
و الاتحاد الاتحاد.. قضیة الاتحاد و وحدة الکلمة بین المسلمین و الأمة الإسلامیة من جهة، و بین الشعوب المسلمة فی أی بلد، و الاتحاد بین أبناء البلد و مکوّنات هذه الشعوب، قضیة علی جانب کبیر من الأهمیة. و هی تصدق علینا أیضاً. حینما نکرّر دوماً علی التیارات السیاسیة و علی المسؤولین المحترمین بضرورة الحفاظ علی الوحدة، و کذلک علی من لدیهم منابر متنوّعة کالصحف و المواقع الإنترنتیة و وسائل الإعلام المختلفة کالأجهزة التنفیذیة و غیر التنفیذیة، و نوصی الأعزاء و الإخوة و المسؤولین و أصحاب الأقلام و الخطباء دوماً بقضیة الوحدة، فالسبب هو أن الوحدة عنصر عظیم، و بلدنا حافظ علی تلاحمه فی مستویات عالیة بما للشعب و الحمد لله من اتحاد، حیث لم تستطع هذه التباینات المتنوّعة أن تفصل بین أبناء الشعب لحسن الحظ. و المسؤولون لدیهم تباینات فی الأذواق و السلائق، إلا أن اختلاف الأذواق لا إشکال فیه أبداً ما لم یؤدّ إلی صراعات و اشتباکات. هذا الاتحاد و الوئام استطاع الحفاظ علی البلد فی عیون الأعداء کمنظومة مقتدرة و بلد مقتدر. و کذا الحال الیوم أیضاً. قبل مدة أوصیت بقضیة الاتحاد و الوحدة. و لحسن الحظ فقد تجاوب مسؤولو السلطات المحترمون، و هذا شیء قیّم جداً. و من اللازم أن أقدم لهم الشکر. لقد تجاوب مسؤولو السلطات و رؤساؤها و أعلنوا و أکدوا علی الاتحاد بینهم فی المیادین المختلفة علی الرغم من اختلاف الأذواق و التصوّرات الموجود و الذی سیکون موجوداً فی المستقبل أیضاً. و هذا من نقبله من الإخوة الأعزاء و هؤلاء المسؤولین المحترمین کخطوة إیجابیة، و نعتقد أن عمل الأعزاء هذا خطوة جیدة حقاً، و الآن یجب أن یدققوا فی تصریحاتهم و کلماتهم.
و هذا الشیء الذی یجری الآن فی مجلس الشوری المحترم من الأمور التی فیها جانب یبعث علی الثناء و الإعجاب. أقولها لکم و انتبهوا أیها الإخوة و الأخوات الأعزاء و یا شعبنا الإیرانی العزیز: أن یُسأل المسؤولون فی بلادنا و تطرح علیهم أسئلة، سواء علی رئیس الجمهوریة أو غیره من المسؤولین التنفیذیین، فهذه حالة إیجابیة من ناحیتین: الناحیة الأولی أنها تثبت أن نواب الشعب فی السلطة التشریعیة یشعرون بالمسؤولیة حیال قضایا البلاد، و هذا شیء إیجابی. أما الناحیة الأخری فهی أن مسؤولی البلاد لدیهم الثقة بأنفسهم و الشجاعة الجدیرة بالإعجاب فیعلنون عن استعدادهم للإدلاء بإیضاحاتهم و الإجابة عن الأسئلة، و هذا بدوره شیء إیجابی. مسؤولو السلطة التشریعیة یعملون بواجباتهم و مسؤولو السلطة التنفیذیة یثبتون أنهم واثقون من سلامة أعمالهم و صدقهم. و ما یرید المرء أفضل من هذا؟ و قد حدث هذا، أی إن مجلس الشوری الإسلامی یقول إنه یرید طرح أسئلة، و هذا شعور بالواجب، و الأجهزة الحکومیة تقول إنها ترید الإجابة عن الأسئلة بکل ثقة بالنفس، و أنها تستطیع الإجابة بکل کفاءة - و هذا ما قالوه لنا أیضاً - و هی حالة جدیرة بالثناء أیضاً. کلا الجانبین جید، لکننی أعتقد أن هذین الجانبین استمرّا إلی هذا المستوی لحد الآن، فلا یستمرّا أکثر من هذا من الآن فصاعداً (5). لیُنهوا المسألة عند هذا الحدّ.. لیُنهوا القضیة عند هذا الحدّ.
لقد مرّ مجلس الشوری الإسلامی باختبار جید. و مرّ المسؤولون التنفیذیون أیضاً باختبار جید. کان اختباراً بنتائج جیدة. و الناس أصحاب بصیرة و یفهمون و یشخّصون الأمور. مواصلة هذه المسألة هو ما یریده الأعداء. یحبّون أن تصطف هاتان السلطتان بوجه بعضهما. جماعة تتأثر بمشاعر هذا الطرف، وجماعة تتأثر بمشاعر ذاک الطرف، و البعض یستخدمون الأقلام و وسائل الإعلام فی الصحف و المواقع الإنترنتیة و غیرها و یثیرون الأجواء. لا.. البلد بحاجة للهدوء. جمیع المسؤولین، التشریعیون منهم و القضائیون و التنفیذیون یحتاجون للهدوء من أجل أن یقوموا بمهمّاتهم، و الناس أیضاً یحبّون الهدوء. ما کان واجباً علی مجلس الشوری الإسلامی تمّ و حصل، و أبدت الحکومة مقابل واجبات مجلس الشوری ثقة بالنفس. هذا شیء مریح من الجانبین. من الآن أطلب من الإخوة و عشرات الأشخاص الذین بدأوا هذه القضیة فی مجلس الشوری أن یُنهوا المسألة، و یثبتوا عملیاً، سواء المسؤولون الحکومیون أو مسؤولو السلطة التنفیذیة أو السلطة القضائیة أنهم یحترمون أکثر من أی شیء آخر وحدة هذا الشعب و هدوء البلد و استقراره (6).
أشکر کل الإخوة و الأخوات الناشطین فی مجال العمل التعبوی. وفقکم الله تعالی جمیعاً. کما أشکر جمیع الإخوة و الأخوات الذین تحدّثوا. نسأل الله تعالی أن یجزیهم کلهم خیر الجزاء. کما نشکر هذا الأخ العزیز الذی أهدانا میدالیته. و قد قبلت هذه المیدالیة منه، لکننی فی الوقت نفسه أعیدها و أهدیها له، فالأفضل أن تبقی عنده، لتکون ذکری بطولته، و ذکرانا نحن عنده. موفقین إن شاء الله.

الهوامش:
1 - الإرشاد، ج 2 ، ص 127 .
2 - تکبیرات الحضور.
3 - نهج البلاغة، الحکمة 71 .
4 - تکبیرات الحضور.
5 - تکبیرات الحضور.
6 - تکبیرات الحضور و شعارات «أیها القائد الحرّ، نحن مستعدون مستعدون».