بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً أرحّب بکم جميعاً أيها الإخوة و الأخوات و الضيوف الأعزاء على الجمهورية الإسلامية، و أتمنى أن تتعزّز أکثر فأکثر أواصر الأخوّة و الصميمية بين مسلمي العالم على أساس تعاليم القرآن الکريم السامية.
هذه الأيام أيام کبيرة جداً، و عامرة بالذکريات للشعب الإيراني و لکل الذين عرفوا حقيقة هذه الثورة و قدرها. مضت اثنتا عشرة سنة على تلك الأيام المتألقة. الثورة التي حدثت في مثل هذه الأيام بقيادة إمامنا الخميني الجليل العظيم (رضوان الله تعالى عليه) على أساس مبادئ القرآن الکريم و مرتکزات الإسلام في هذه الأرض، و بين أبناء هذا الشعب، اکتسبت يوماً بعد يوم أبعاداً أوسع و أوسع، و جرى إثبات رسائل الثورة و کلامها خلال تجارب هذه الأعوام الإثني عشر، رسالة رسالة و کلمة کلمة.
رسالة الثورة الأولى هي أن حقبة سيادة القيم المعنوية قد بدأت و انطلقت. و کان الذين يستطيعون إدراك هذا الکلام و تصديقه قلائل. ذلك أن العالم کان أسيراً في قبضة الأمواج المادية و القوى القائمة على النزعة المادية. و اليوم فإن الذين يلمسون هذه الحقيقة و يفهمونها کُثر. القيم المعنوية في الوقت الراهن في حالة انبعاث جديد في کل مکان من العالم، و قد تمّ إحياء الکثير منها، و أثبتت النزعات المادية بأشکالها المختلفة - سواء على شکل الأفکار المارکسية، أو بشکلها الأخطر، أي سيادة المادة المرفقة بالمال و القوة و الإعلام، کما تجلت في الاستکبار العالمي و في الحکومة الأمريکية أکثر من غيرها - أثبتت إخفاقها و عجزها.
و كانت الرسالة الثانية لثورتنا هي أن القوى المادية عاجزة مواجهة القيم المعنوية و حرکة الإنسان و إرادته. و قلائل هم اليوم في العالم من لم يفهموا بعدُ هذه الحقيقة، إلا الذين لم لا يدقّقون النظر في أحداث العالم. أکبر دليل على ضعف الأجهزة الاستکبارية المعتمدة على القوة المادية هو بقاء هذه الثورة و هذا النظام و الإسلام الأصيل في بلد إيران الإسلامي، و الذي راح يقوى و يتجذّر يوماً بعد يوم. أن يظهر هذا النظام الإسلامي في العالم و يستطيع البقاء و تزداد قوته يوماً بعد يوم فهذا دليل على فراغ و عجز القوى المادية، لأنها لا تصبر و لا تتحمّل أن ترى مثل هذه القوي تبقى و تستمر، بل تواجهها بکل قواها و قد واجهتها فعلاً.
منذ اثنتي عشرة سنة و الأجهزة الاستکبارية تنزل إلى الساحة بکل الوسائل المتاحة لها لمواجهة الإسلام الثوري و الثورة الإسلامية. اليوم حيث تستدعي الظروف، يکشف الإعلامُ الغربي و الصهيوني الکثير من أسرار حرب الأعوام الثمانية المفروضة علينا. يعترف اليوم الجميع بأنهم ساعدوا بمختلف الوسائل جارنا الذي اعتدى على حدود الجمهورية الإسلامية. ما کنا نقوله طوال ثمانية أعوام من الحرب بأن کل الأجهزة الاستکبارية تقف سنداً للمعتدي يثبت اليوم في کلامهم و تصريحاتهم هم أنفسهم.
و في الوقت نفسه بقيت الجمهورية الإسلامية و الثورة الإسلامية و رسالة الإسلام و تعمّقت و تنامت. تلاحظون في الوقت الراهن مؤشرات ميول المسلمين و رغبتهم الشديدة في العودة لأسس الإسلام في آسيا و أفريقيا و مناطق إسلامية أخرى. معنى هذا أن جبهة الاستکبار غير قادرة على المواجهة.
لكن هذا لا يكفي. أقول لکم أيها الإخوة و الأخوات و لکل المسلمين، و خصوصاً الذين يستطيعون أن يمارسوا دوراً في هداية کتل الناس، أقول لکم إن هذا اليوم هو يوم يحتاج فيه الإسلام إلى التضحيات و المبادرات الشاملة من قبل الشعوب. اليوم يوم يقف فيه الاستکبار بأخبث وجوهه و أقذرها أمام الشعوب. اليوم يوم يبدي فيه الاستکبار بکل غرور استعداده لنحر الشعوب و البلدان على صخرة مطامعه.
لاحظوا ما الذي تفعله القوى الغربية في منطقة الخليج الفارسي هذه. إنهم لا يبقون من أجل کسب مصالحهم على إنسان و لا حيوان و لا بيئة و لا فضاء و لا مياه بحر و لا أي شيء آخر. إن القوة الأمريکية المستکبرة اليوم خطر على کل شعوب العالم، و هي خطر من النوع الجاد. الدولة التي يسمح لنفسها بالتدخّل في کل شؤون العالم و قضايا البلدان و المناطق المختلفة، و تفرض آرائها و قراراتها بقوة و تعسّف، إذا صار مثل هذا التعسّف مشروعاً و مقبولاً في العالم، فلن يبقى للشعوب مجال للحياة. إنهم لا يقنعون بحدود معينة و لا يقفون عن حدّ معين. يعملون على تجهيز خدمهم و المطيعين لهم و أکلة الجيف ضد الشعوب، و قد فعلوا ذلك و سوف يفعلونه أکثر فأکثر، إلا إذا وقفت الشعوب بوجههم مستعينة بالإسلام.
على العالم الإسلامي أن يشعر بأمرين: الأول الخطر الجاد و الکبير جداً الذي يحدّق به اليوم من جانب الاستکبار العالمي - و من جانب أمريکا على الخصوص - و يهدّد وجوده و حيثيته و إسلامه و حياته و استقلاله أکثر من أي وقت آخر. لقد غدوا اليوم أکثر سوءاً و وحشية و عدواناً من الماضي، و سيزدادون عدواناً في المستقبل. على العالم الإسلامي أن يستشعر هذا الخطر. الصهاينة و الأنظمة الخاضعة لهم و المترعرعة في کنفهم، و کذلك الکثير من الملوك و الرؤساء الذين يرون مصالحهم متصلة بأمريکا و الاستکبار العالمي و سيادة الغرب، هم أعداء حاليّون و فعليون للعالم الإسلامي، و يعدّون خطراً کبيراً على الشعوب المسلمة و العالم الإسلامي. بالطبع، لقد استيقظ العالم الإسلامي و الحمد لله، و هو في الوقت الحاضر يشعر بهذا الخطر إلى درجة کبيرة.
النقطة الثانية هي أن المسلمين يستطيعون، إذا أرادوا، إيقاف هذا الخطر و احتواءه. القوى الکبرى راحت توحي و تلقن بأن إرادتها لا تردّ و لا تتخلف. و قد تبين مرة في ثورتنا، و مرة طوال حرب الأعوام الثمانية المفروضة، و مرات عديدة في أحداث مختلفة، و يتبيّن اليوم في شؤون الخليج الفارسي بوضوح أن هذا الادعاء أجوف فارغ. القوى الکبرى تمرّر أمورها بالعبوس و الهيبة و الأبهة و المظاهر، و إلا من حيث القوة المحسوسة و الملموسة، إذا أراد شعب لاستطاع فرض الإخفاق عليها.
و ها هي اليوم تجربة أخرى تجري فصولها في الخليج الفارسي. لقد اتضح أن أمريکا لم تستطع کما ادعت و توهمت و حسبت - و قد کانت هذه الحسابات خاطئة مثل الکثير من الحالات الأخرى - أن تمرّر ما تريده خلال أيام. لقد طال الانتظار أسابيع و ها هي الحرب تستمر لأسابيع. و يتبيّن من هذا أن قدراتهم ليست بالمستوى الذي يتظاهرون به و يروّجون له في إعلامهم. و هي ليست بالمستوى الذي تريد للشعوب أن تصدّقه و تقتنع به. إنهم أضعف من هذا. إذن، کل الشعوب و الحکومات و البلدان في أفريقيا و آسيا و کل مناطق العالم الأخرى، حتى في المناطق التي يشکل فيها المسلمون أقلية، بوسعها الوقوف بوجه أمريکا و عدم الرضوخ لما تفرضه.
على الشعوب الإسلامية أن تثور و تنتفض من أجل إحياء الإسلام، و لتجديد حياة الإسلام عملياً، و للتقليل من نفوذ الأعداء، و لتأمين استقلالها، و من أجل الوحدة الإسلامية الکبرى، و إيجاد القوة العظمى التي يمکن للمسلمين أن يوجدوها. هذه اليوم مسؤولية و واجب على عاتق کل أبناء الشعب، و خصوصاً العلماء و المثقفون و الخطباء و الشباب الواعي الذکي، و کل الذين بمستطاعهم ممارسة دور في هذا السبيل.
لقد أثبتت الجمهورية الإسلامية أن بالإمکان التحرّك و الصمود. لقد وقفت کل قوى العالم بوجه إمامنا الراحل العظيم، لکنه استطاع بالاعتماد و التوکل على الله، و دعم شعبه، أن يهزم کل هذه القوى لوحده، و يرفع اسم الإسلام و الثورة الإسلامية في العالم عالياً. الشعوب قادرة. بمقدور الإسلام و المسلمين أن يتقدموا إلى الأمام. هذه هي اليوم مسؤولياتنا و واجباتنا، و قد واصلت الجمهورية الإسلامية هذا السبيل و سوف تواصله. تجاربنا الحلوة و المثيرة و الموفقة تشجّع هذا الشعب على مواصلة السير في سبيل الله و الإسلام و القرآن.
نتمنى أن يوفقنا الله تعالى جميعاً و کل الشعوب المسلمة، و يکفّ شرور الأعداء عن الشعوب المسلمة بفضل إرادة هذه الشعوب و جهادها و نضالها المقتدر، و ستکون قلوب المسلمين عطوفة على بعضها أکثر فأکثر إن شاء الله.
و السلام عليکم و رحمة الله و برکاته.