بسم ‏الله‏ الرّحمن ‏الرّحيم‏
و الحمد للَّه رب العالمين، و صلى الله على سيـد الاولين و الاخرين محمّد المصطفى و آله الميامين، و السّلام على ‏بقية الله في ‏الارضين.
الحج، ينبوع التقوى و المعنوية و الخير و البرکات المتدفّق، يفيض کل عام و إلى الأبد على العالم الإسلامي، و على کل واحد من المسلمين الموفقين، ليغترف منه کل شخص و کل جماعة بقدر سعتها و قابليتها.
و ليس حجّاج بيت الله الحرام وحدهم هم المنتفعين من هذا المعين الفيّاض. فلو عرفت هذه الفريضة العظيمة بصورة صحيحة و عُمل بها، لشملت برکاتها الشعوب المسلمة و کل واحد من المسلمين في أي مکان من العالم.
يتعرّض الأفراد و الجماعات للآفات و المخاطر من ناحيتين دوماً: الناحية الأولى من داخلهم، و مصدر ذلك نقاط الضعف البشرية و الأهواء و النزوات المنفلتة، و الشکوك و عدم الإيمان و الخصال الهدّامة. و الناحية الثانية هم الأعداء الخارجيين الذين يضيّقون و يسوّدون أجواء الحياة على الناس و الشعوب و يملؤنها بالضغوط بفعل طغيانهم و جشعهم و عدوانهم و عجرفتهم، و ينزلون بهم الويلات بتأجيج الحروب و ممارسة الظلم و العسف و الإکراه.
تتعرّض البيئة الإسلامية - سواء الأفراد أو الشعوب - دوماً لهذين التهديدين، و هي معرّضة اليوم لهما أکثر من أي وقت آخر. الترويج العمدي للفساد في البلدان الإسلامية، و فرض الثقافة الغربية الذي تساعد عليه بعض الأنظمة العميلة، و الذي يشمل سلوك الفرد من شکله الظاهري إلى عمارة المدن و بيئة الحياة العامة و الصحافة و غير ذلک، من جهة، و الضغوط العسکرية و السياسية و الاقتصادية على بعض الشعوب المسلمة، و المذابح التي ترتکب في لبنان و فلسطين و البوسنة و کشمير و الشيشان و أفغانستان و غيرها من جهة أخرى، کلها شواهد بارزة على وجود هذين التهديدين في المناخات الإسلامية.
الحج هو ذلك الجدول الجاري أبداً و العطية الإلهية الخالدة التي يستطيع المسلمون بفضلها أن يغسلوا إلى الأبد أغبرة الألم و المرارة و الأدران و الأمراض عنهم، و يبعدوا بهذا الرصيد الدائم عن أنفسهم ذلکم النوعين من الأخطار و التهديدات في کل الأزمان.
عنصر التقوى و ذکر الله و حضور القلب و الخشوع و التوجّه إلى الحق تعالى في موسم الحج هو الکفيل بمجابهة التهديد الأول، و عنصر التجمّع و الوحدة و الشعور بالعظمة و القوة في الأمة الإسلامية الکبرى، و الحج مظهر لکل ذلك، يتولى مواجهة التهديد الثاني.
کلما جرى تعزيز هذين الجانبين في الحج أکثر کلما ازدادت مناعة و مقاومة الأفراد و المجتمعات الإسلامية حيال ذلکم الخطرين أکثر. و إذا ضعف أحد هذين الجانبين أو کلاهما، أو زالا نهائياً، فسوف تکون الأمة الإسلامية - سواء الأفراد أو الشعوب أو البلدان - و بنفس الدرجة عرضة للمخاطر و الآفات.
و في نصوص الشرع الإسلامي المقدس، و نصوص القرآن الکريم، ثمة تصريح بکلا الجانبين لا يترك للأعين البصيرة و القلوب المنصفة أي مجال للشك و الارتياب. فإلى جانب الأمر: «فاذکروا الله کذکرکم آبائکم أو أشدّ ذکراً»، يأمرنا عزّ و جلّ: «و أذان من الله و رسوله إلى الناس يوم الحج الأکبر أن الله برئ من المشرکين و رسوله» (1). و إلى جوار الآية الحکمية الکريمة: «لن ينال الله لحومها و لا دماؤها و لکن يناله التقوى منکم کذلك سخّرها لکم لتکبّروا الله على ما هداکم و بشّر المحسنين» (2) نزل النداء الباعث على الأمل: «ليشهدوا منافع لهم» (3).
أية توصية و دعوة و مساع للتقليل من أهمية أو ترك أحد هذين الجانبين، يعدّ مجابهة للآيات و الدساتير القرآنية الکريمة.
ما من خسارة أکبر على الأمة الإسلامية من أن تتعرّض التعاليم و التوصيات الإسلامية التي هي ذخائر حيوية أبدية للمسلمين و کل البشرية، لغفلة و جهل زعمائهم الدينيين و السياسيين، مما يفوّت المجال على انتفاع الناس منها.
الحج أحد الذخائر و الأرصدة الأبدية، و من واجب کل المسلمين أن يتعرّفوا عليه أفضل، و أن تنتفع الأمة الإسلامية منه أکثر.
يتعرّض العالم الإسلامي اليوم لمشکلات و أخطار کبرى، إذا لم يعالجها و يرفعها المسلمون بقوة الإيمان و الجهاد و التوکّل على الله تعالى، و بالهمم العالية و الأعين المفتّحة البصيرة، و الاستفادة من الذخائر التي أودعها الله تعالى في الدين الحنيف، فإن أعداء الإسلام المستکبرين المسلحين بسلاح القوة السياسية و العسکرية و التقنية سيضيّقون دائرة هذه المشکلات باستمرار، و يؤخّرون حرية الشعوب المسلمة و نجاتها مرة أخرى عشرات الأعوام، بل مئات الأعوام. و قد يفرضون الاستحالة التامة على بعض الشعوب، و يقضون تدريجياً على خصوصياتها الإسلامية بفرض و ترويج النصف الفاسد المفسد من الثقافة الغربية.
في الوقت الراهن - بعد قيام الجمهورية الإسلامية في بلد إيران، و ازدهار نهضة الصحوة الإسلامية في الکثير من البلدان الإسلامية - أزيح الستار عن الکثير من الحقائق المرّة و الحلوة، و صار الکثيرون في أنحاء العالم الإسلامي قادرين على تحليل الأحداث و فهم الواقع. و لکن ينبغي الاعتراف بأن اليد السحرية للإعلام الإذاعي و التلفزيوني و الصحافي التابع أغلبه - على مستوى العالم - للصهاينة و حلفائهم الغربيين، و ربما المتظاهرين بالإسلام من مرتزقة الحکومات المستکبرة، تقلب الکثير من الحقائق الناصعة. لذا من المناسب ذکر لائحة مجملة لمشکلات و کذلك إمکانيات و قدرات العالم الإسلامي:
في ما يخصّ الإمکانيات، يجب البدء من وجود سکان يبلغ عددهم مليار و مئات الملايين يمتلکون أکثر من خمسين دولة و أرضاً واسعة تمتد من المحيط الهادئ إلى المحيط الأطلسي. و ثمة من هذا العدد الهائل شعوب معروفة بذکائها العالي، و حضارات يرجع ماضيها إلى آلاف السنين، و شخصيات علمية و سياسية بارزة. هذه المنظومة التي تسمّى الأمة الإسلامية لها ثقافة غنية ذات تراث زاخر و ازدهار و تألق استثنائي، و تتمتع إلى جانب التنوع الکبير بوحدة و تناسق مدهش نابع من إحاطة التوحيد الخاص الخالص و تغلغله في کل إجزائها و أرکانها و زواياها. هذه الشعوب المتآخية المتوادّة المتشکلة من أعراق سوداء و بيضاء و صفراء، و تتکلم بعشرات اللغات و الألسنة، ترى نفسها جميعاً أجزاء متکافئة للأمة الإسلامية الکبرى، و تفخر بذلك، و تتجّه کل يوم إلى قطب واحد و تناجي الله بلغة واحدة، و تستلهم الدروس من کتاب سماوي واحد يشتمل على بيان لکل الحقائق و دساتير لکل الاحتياجات و التکاليف «و نزلنا عليك الکتاب تبياناً لکل شيء و هدى و رحمة و بشري للمسلمين» (4). و المنطقة الجغرافية لهذه المنظومة البشرية من أغنى - إن لم نقل إنها أغنى - بقاع الأرض و العالم من حيث المصادر الطبيعية، و خصوصاً مصادر النفط التي تسند عليها کل عجلات الحضارة الممکننة في العالم المعاصر. بمعنى أن هذه المنظومة لو قطعت مبيعات نفطها لعدة أشهر عن الزبائن، فإن معظم أجزاء العالم، بما في ذلك البلدان التي اتخذت حکوماتُها، طوال قرون و إلى اليوم، مصيرَ الشعوب المسلمة ألعوبة لجشعها و تعسّفها، ستغرق في الظلام و البرد و البؤس.
و ما عدا هذا، فإن لائحة إمکانيات الأمة الإسلامية تشتمل على مئات العناوين الإنسانية و الثقافية و المادية و الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية البارزة، التي بوسع أي کان أن يطلع عليها بقليل من التعمّق و النظر.
و الآن نلقي نظرة للمشکلات الکبرى في هذه المنظومة الهائلة - أي الأمة الإسلامية - المشکلات التي أدت إلى عجز هذه المنظومة الزاخرة بالمواهب عن الانتفاع من کل هذه الإمکانيات الاستثنائية و الفاعلة، ما جعل البلدان الإسلامية متأخرة عن قافلة العلوم البشرية، و غير منتفعة من ثرواتها المادية العظيمة، و مهزومة أمام الثقافات الأجنبية في سباق الثقافة العالمية الکبير، و تابعة للآخرين في ساحة السياسة الدولية، و معرّضة من الناحية العسکرية لاعتداءات و قمع القوى الاستکبارية.
تکوّنت هذه المشکلات غالباً نتيجة التقصير و الغفلة، أو سوء التصرّف و الخيانة داخل الأمة الإسلامية نفسها، و هي مشاکل تشکل لائحة طويلة، يمکن الأشارة إلى أبرز ما فيها کما يلي:
- الخلافات الطائفية التي تشاع و يروّج لها في الغالب من قبل علماء السوء و الکتّاب المرتزقة.
- الخلافات القومية و الوطنية الناجمة عن النزعة الوطنية المتطرّفة التي تُؤجّج نيرانها غالباً من قبل المستنيرين العملاء.
- الاستسلام أمام القوى المتدخّلة التي جعلت من بعض البلدان أقماراً تدور حول فلك القوى الکبرى.
- الاستسلام حيال الثقافة الغربية الفاسدة، بل و ترويجها لأهداف سياسية أو عقيدية.
- عدم إيمان و عدم اکتراث بعض الحکومات بالجماهيرها و إرادتهم و عقيدتهم و احتياجاتهم، و استبدادها في التعامل معهم.
- انهزام الکثير من الشخصيات السياسية و الثقافية في العالم الإسلامي نفسياً إزاء القوى المهيمنة في العالم، و تحديداً أمريکا في الوقت الراهن.
- وجود الحکومة الصهيونية الغاصبة في قلب المنطقة الإسلامية، و هو السبب في الکثير من المشکلات الأخرى.
- إشاعة فصل الدين عن السياسة، و عرض الإسلام باعتباره تجربة فردية لا شأن لها إطلاقاً بقضايا الحياة من قبيل: نظام الحکم، و السياسة، و الاقتصاد، و غير ذلك.
هذه و عشرات المشاکل الأساسية الکبرى الأخرى - التي کان يمکن في أغلبية الحالات معالجتها رغم جذورها التاريخية، بشرط إخلاص القادة السياسيين و الدينيين و إبدائهم الهمم و التحرّر - تسبّبت في مشکلات العالم الإسلامي الحالية، و استتبعت وراءها الفقر و الجهل و التمييز و الضعة السياسية و التخلف و الحروب و الدمار و الخرافات و العصبيات.
الکلام هو أن الحج إذا أقيم بصورة صحيحة و کما فرض الله، فإنه قادر، کالدواء الشافي، على علاج کل هذه الأمراض الأصلية و أسباب الإخفاق. و هذه العملية لا تحدث دفعة واحدة، لکن الاجتماع المليوني للإخوة و الأخوات من أصقاع العالم الإسلامي في قطب واحد طوال أعوام متتابعة، و في إطار أعمال و مناسك متناغمة و عميقة المعاني، و تحت لواء التوحيد العظيم، و في ضوء استعادة ذکريات صدر الإسلام و استذکار بدر و أحد، و زيارة مسجد لا تزال تسمع من جدرانه و زواياه أنغام الآيات القرآنية الکريمة المنعشة من حنجرة رسول الله (صلى الله عليه و آله) المبارکة، و تتماوج فيه أصداء التکبيرات المقتدرة لمجاهدي صدر الإسلام، في أجواء عامرة بذکر الله، و حضور القلب، و مناجاة الله عزّ و جلّ، التي تخرج البشر من أنفسهم الضعيفة الأنانية العوجاء، و تربطهم بمعدن المجد و العظمة و القدرة الربوبية، إنما هو معين شاف يقوّي القلوب و يرفع الهمم، و يمتّن الإرادات، و يملأ الأرواح بالثقة، و يوسّع الأنظار و الآفاق، و يقرّب المطامح، و يوحّد الإخوة، و يذلّ الشيطان، و يضعف کيده.
أجل.. الحج الصحيح الکامل هو الحج التوحيدي، الحج الذي يکون ينبوعاً لعشق الله و المؤمنين و البراءة من الشياطين و الأصنام و المشرکين، و يوقف أولاً نمو کل مشکلات الأمة الإسلامية، ثم يرفعها و يعالجها، و يکون مصدراً لعزة الإسلام، و ازدهار حياة المسلمين، و استقلال البلدان الإسلامية، و حريّتها من شرور الأجانب.
على أساس هذا الوعي السليم لأهمية الحج، احتلّ الحج، بعد انتصار الثورة الإسلامية الکبرى في إيران، صدر الأولويات في المبادرات الدولية لحکومة الجمهورية الإسلامية، و مزجت الدولة الکريمة بُعد «سياسة الله» في هذه الفريضة التي هي مظهر عزة الباري تعالى و قدرته، ببُعد «عبادة الله» فيه، و هو مظهر الغفران و الرحمة الربوبية، و قرّبت حج الحاضر من حج صدر الإسلام. و کرمز لکل هذا أحيت مراسم البراءة من المشرکين في الحج مرة أخرى، و استمرت لحد الآن بالعمل بهذا الواجب الإسلامي على الرغم من کل حالات التشدّد السياسي و التزمّت الناجم عن دوافع غير إسلامية.
إن الجمهورية الإسلامية باعتبارها نظاماً أثبت حيوية الإسلام و حرکيته و قدرته في إدارة المجتمعات البشرية العظيمة، على الرغم من کل الدعايات و المساعي المناهضة للإسلام خلال القرن الأخير، تنظر للحج لا کوسيلة لنفسها، بل کمجال لصحوة المسلمين و توعيتهم، و بثّ روح التقوى و الإيمان بتطبيق شريعة الإسلام و عزة المسلمين في العالم و استقلالهم.
الذين يرفضون حرکيّة الحج و شموليته يرفضون في الواقع عزة المسلمين و استقلالهم و إنقاذهم من قبضات الاستکبار و الصهيونية الدامية. أية فتوى و نظرية دينية في هذا الخصوص إنما هي حکم بغير ما أنزل الله، تصدر أغلب الظن عن جهل بحقائق العالم و البيئة المحيطة، و عدم التوفر على عين مفتّحة و بصيرة لازمة في أمور المسلمين.
إن کل من يعلم حالياً بالواقع العسير للشعوب المسلمة و تسلط حکومة الويلات المتحدة المتجبّرة عليها، و کل مطلع على جرائم الصهاينة و مؤامراتهم الخفيّة ضد البلدان المسلمة، و کل من يشعر بالخطر من تفاقم هذه الغدّة السرطانية الخبيثة في الأرکان الاقتصادية و السياسية لحکومات المنطقة، و کل من ينظر للواقع الحالك لشعب فلسطين الذي يعاني الأمرّين في مخيمات الغربة، و يرى دياره و وطنه محتلاً بيد جلاديه، و کل مطلع على الوضع في جنوب لبنان و منطقته المحتلة من قبل الصهاينة و مناطقه التي تتعرّض للهجمات دوماً، و کل من سمع بالفاجعة الأخيرة في لبنان، حيث يقصف الصهاينة بدعم الحکومة الأمريکية منذ اثني عشر يوماً، من الجوّ و البرّ و البحر، أکثرَ من نصف هذا البلد، فيقتّلون الأطفال و النسوة و الناس العزّل فيه، و کل مطلع على أوضاع البوسنة و أفغانستان و کشمير و طاجيکستان و الشيشان، و کل من له علم بالمؤامرات المتتابعة و الخطوات العدائية لأمريکا الطاغية و الصهيونية المعادية للإنسانية ضد الجمهورية الإسلامية التي تمثل في الوقت الحاضر مظهر سيادة القرآن الکريم و الإسلام، کل من يعرف هذه الحقائق، و يتمتّع بالغيرة الإسلامية و الشعور بالمسؤولية الدينية، فلن يتردد في أن خسران أرصدة الحج العظيمة و تضييع هذه العروة الإلهية الوثقى يعدّ خسارة لا تعوّض للإسلام و المسلمين، و ذنباً لا يغتفر.
الضعف الحالي الذي تعاني منه الحکومات المسلمة، و التفرقة الکارثية بين البلدان الإسلامية واقع لا سبيل لکتمانه أو إنکاره. لقد وضع العالم العربي اليوم نفسه بنفسه في ظروف لم يعد معها للأسف قادراً على خوض حرب مع العدو المغتصب لأراضيه، حتى ليوم واحد، و الدفاع عن الشعب اللبناني الذي يذهب ضحية جرائم الحکومة الصهيونية الغاصبة. في الوقت الراهن، و مع أن معدّات الحروب الجوّيّة و الدفاعات الجوّيّة تتخزّن بأثمان خيالية من المعامل الغربية في مخازن هذه البلدان، لكنّ الطائرات الصهيونية السفاحة تهدّم بکل حرية بيوت و منازل العرب على رؤوسهم، و ليس بمقدور أي من هذه الحکومات قطع السبيل على ذلك. هذه الحقائق المُرّة مضافاً إلى النفوذ السياسي للقوى الاستکبارية في الکثير من هذه البلدان، و الهجمات غير الممنوعة لاحتلال هذه البلدان ثقافياً احتلالاً تاماً، و المصائب الجمّة الأخرى التي تقرع أجراس الخطر، تکفي لأي ضمير طاهر و عقل سليم كي يشخّص أن البلدان و الشعوب الإسلامية و الجماعة النموذجية منها الحاضرة الآن حول الکعبة الشريفة و المواقف المبارکة في أرض الوحي، تحتاج أکثر من أي وقت مضى لمعنى الحجّ و روحه و أرصدته المتراکمة، و لا بدّ أن تنتفع منه. هذا هو کلامنا، و هذه هي دعوانا حول الحج و غيره من الشعائر الإسلامية الباعثة على الحياة.
و قد الجمهورية الإسلامية منذ البداية و لحد الآن، بسبب موقفها الراسخ الشجاع هذا في الدفاع عن الإسلام و الأحکام الإسلامية، تعرّضت لغضب و انزعاج القوى الاستکبارية و على رأسها الشيطان الأکبر أمريکا.
إنهم يتهمون الجمهورية الإسلامية بالنزعة التوسّعية و إثارة الحروب و تصدير انعدام الأمن، لينحتوا لأنفسهم أمام الرأي العام العالمي و الإسلامي أسباباً لأحقادهم و عدائهم الخبيث. إذاعاتهم المرتزقة و الصحافة التي تنتشر برساميل الصهاينة أو عملاء أمريکا و الصهيونية في کل مکان بما في ذلك البلدان الإسلامية، تنشر باستمرار اتهامات و شائعات و تحليلات و أخبار کاذبة مغرضة ضد الجمهورية الإسلامية، من أجل أن يهدموا المدّ و النفوذ المعنوي للثورة الإسلامية و قدسية و شعبية و اسم الإمام الخميني الراحل (قدّس الله نفسه) و يوقفوها. إنهم يسعون و بأحدث الأساليب الإعلامية، و بکل دناءة و خبث و عدوان ضد الجمهورية الإسلامية، إلى إبعاد أنصارها في العالم الإسلامي عنها، و نصب جدران عازلة من الأکاذيب و التهم بين إيران الإسلامية الشامخة و سائر البلدان الإسلامية التي يخافون أن تتکرّر التجربة الإيرانية فيها. أکثر الإرهابيين في العالم فضيحة، أي زعماء الحکومة الصهيونية الغاصبة و حامتها الأشرار في الحکومة الأمريکية، يتهمون إيران الإسلامية بالإرهاب. يمدّ ساسة أمريکا و إسرائيل، بأية ذريعة أو حتى من دون ذريعة، أصابع الاتهام نحو الجمهورية الإسلامية، و يذکرون بين کل عدد من کلماتهم السياسية اسم إيران الإسلامية المقدس العزيز المشرق بغضب و کراهية.
أنه مبعث فخر لنا أن يکرهنا سيئو الصيت و المخزيون المعروفون في العالم. و نحن أيضاً نکرههم و نکره أفعالهم القبيحة و أيديهم الملوثة. و الله و رسوله يبغضاهم أيضاً. «إن الله برئ من المشرکين و رسوله» (5). الجمهورية الإسلامية اليوم، و بفضل من الله و على الرغم من حالات العداء و العرقلة التي يمارسها الخصوم، تتقدّم إلى الأمام باقتدار و عزة و إرادة و عزة راسخة. إيران بلد مستقر يعيش حالة بناء و عمران متصاعدين، و يحظى بإدارة شعبية و مرتبطة بالجماهير، و مشارکة و عزة مشهودتين في العالم، و إيمان متحمّس بالإسلام، و شباب حيويّ نشيط متحرّر من المعضلات المحزنة التي يعاني منها الشباب في الکثير من البلدان، و شعب ذکي شجاع جاهز للدفاع عن الإسلام و إيران، و روح معنوية واسعة شاملة إلى جانب الحياة معيشية سائرة نحو التنمية و الازدهار، و بالتالي، وحدة کلمة مثالية و نادرة النظير.
و الحمد لله، فإن الحجم الهائل لإعلام العدو ضدنا مؤشر عظمة شعبنا و بلادنا و اقتدارهما المطّردين.
و في الختام أوصي جميع الحجّاج الأعزاء باغتنام فرصة هذه الأيام الکبرى، و التدبّر في الحج و التزوّد المعنوي و الروحي لباقي العمر. و أطلب من السادة رجال الدين المحترمين أن يطرحوا هذه المضامين على القوافل الإيرانية و غير الإيرانية بأساليب مناسبة، و تنبيه القلوب و الأرواح إلى معنوية الحج و کذلك مضامينه السياسية.
أسأل الله تعالى عزة الإسلام و المسلمين، و الاستقلال الحقيقي للبلدان الإسلامية، و التحرّر من النفوذ السياسي و الاقتصادي للمستکبرين في العالم، و أسأله کذلك بقاء مجد و عظمة إيران الإسلامية تحت ظل ألطاف سيدنا بقية الله الأعظم الإمام المهدي المنتظر (روحي فداه) و نظراته الخاصة.
و السلام على جميع إخواننا المؤمنين
علي الحسيني الخامنئي
الرابع من ذي الحجة 1416 هجري قمري
الموافق للرابع من أرديبهشت 1375 هجري شمسي

الهوامش:
1 - سورة التوبة، الآية 3 .
2 - سورة الحج، الآية 37 .
3- سورة الحج، الآية 28 .
4 - سورة النحل، الآية 89 .
5 - سورة التوبة، الآية 3 .