11/02/2013 م
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله ربّ العالمین، و الصلاة و السلام علی سیّدنا محمّد و آله الطاهرین، سیّما بقیة الله فی الأرضین.
«و من کلام له صلی الله علیه و آله: الناس معادن کمعادن الذهب و الفضیة» (1) المقصود فی هذه الجملة الشریفة القصیرة العمیقة هو وجود مواهب کامنة فی کل فرد من أفراد البشر. أن یربط البعض هذا الموضوع بموضوع الجبر و التفویض و ما شاکل فهذا ابتعاد عن المضمون الواضح و الظاهر لهذا الحدیث الشریف. یرید أن یقول فی هذا الحدیث: کما توجد معادن منها الذهب و الفضة - و قد ذکر هذین المعدنین کمثال، و هناک الکثیر من المعادن الأخری - و ظاهر الأمر مجرد أحجار و تراب و أرض، و لا یوجد فیها شیء محسوس، و لکن لو نقّبتم، و عرفتم، و علمتم قدر الأشیاء فإن تحت هذه الأحجار و التراب العادی ستجدون عنصراً ثمیناً لا یمکن مقارنة قیمته بقیمة ما یشاهد فی ظاهر الأمر. و کذلک الناس، ثمة ظاهر یراه المرء فی حرکات الناس و سکناتهم و أقوالهم و سلوکهم و أعمالهم، و لکن ثمة أیضاً باطن هو عبارة عن المواهب المتراکمة التی أودعها الله تعالی فی وجود الإنسان. و بالطبع فإن هذه المواهب لیست متساویة - کما أن المعادن لیست متساویة - لکنها کلها متشابهة من حیث أن ما فی باطن الإنسان و الشیء الکامن فیه أثمن بکثیر مما تشاهدونه فی الظاهر.
کما أنکم لو عملتم علی المعادن و حاولتم و بذلتم الجهود ستستطیعون الوصول إلی مادة ثمینة جداً مودعة فیها، کذلک الأمر بالنسبة للبشر، فهم بحاجة إلی جهود، و لا بدّ للبعض من السعی لتفعیل هذه المواهب. و الشرط اللازم هو أن تعرفوا هذه المادة. الذی لا یعرف ما هو الذهب أو الفضة، فإنه حتی لو صادف الذهب سوف لن یعرفه، و لن یتوقف عنده، و سیمرّ به مرور الکرام. یجب أن تعلموا ما هو الذهب و ما هی قیمته، ثم تذهبون لاستخراجه، و تسعون سعیکم، و تستحصلونه. و کذا الحال بالنسبة للبشر. مربّو البشر، و مربّو الأطفال، و خصوصاً مربّو الأحداث الذین یریدون الاستفادة من هذه المواهب الإلهیة المودعة فی البشر، یجب علیهم أن یعرفوا هذه المواهب و یعرفوا قدرها و أهمیتها، ثم یسعون إلیها. مثلما نسعی فی علم الأرض للبحث فنری أن هذه الأرض فیها معادن أو لا، و ما هی معادنها و ما هو حجمها و مقادیرها، و ما هی السبل لاستخراجها، کذلک الحال بالنسبة لأفراد الإنسان. البعض لهم مواهب بارزة و کثیرة، و البعض لهم مواهب أقل.
و أنواع المواهب تختلف أیضاً، فالذهب ضروری فی موطن، و الفضة ضروریة فی موطن. فی المکان الذی یجب أن تستخدموا الفضة إذا استخدمتم الذهب سوف لن تصلوا للنتیجة المرجوّة. و فی المکان الذی یجب أن تستخدموا الحدید إذا استخدمتم الذهب لن تصلوا للنتیجة المرجوّة. کل واحد ضروری لعمل معین. الناس بمواهبهم المتنوعة یؤمّنون احتیاجات المجتمعات البشریة فی السیر إلی الله و نحو الکمال. کل هذه المواهب یجب أن تستخرج. و هذا ما یضاعف من واجبات المربّین فی المجتمعات، و من واجبات الحکومات أیضاً. اکتشاف المواهب، و معرفة قدرها، و سبل استخراجها و معرفة طرق تفعیلها، و من ثم متابعة کل هذه الأمور بصبر و دقة، هذا ما یجعل المواهب تثمر، و هو ما کان یفعله الأنبیاء: «لیستأدوهم میثاق فطرته و یذکّروهم منسیّ نعمته... و یثیروا لهم دفائن العقول» (2). الأنبیاء کانوا یثیرون للبشر الراکد من عقولهم و یحفزونها و یدفعونهم للعمل. و هذا هو زرع المواهب و رعایتها. إذن: «الناس معادن کمعادن الذهب و الفضة». یجب عدم النظر لأی إنسان نظرة امتهان و استخفاف، لا، ثمة فیه موهبة قد یکون المجتمع بأمسّ الحاجة إلیها.
نعم، هناک البعض یأتون إلی الدنیا و یعیشون سبعین سنة أو ثمانین سنة و یرحلون عن الدنیا و لا تکتشف مواهبهم، و الواقع أنهم یقع علیهم الظلم. لو اکتشفت مواهبهم ربما لتحوّل الواحد منهم إلی نابغة أو شخصیة ممیزة. هذا ما یضاعف واجبات المربّین فی المجتمع، بما فی ذلک رجال الدین و المعلمون و أجهزة الحکومة و المؤسسات التربویة المختلفة. حذار من إهمال هذه المواهب.
قبل أن ندخل فی البحث أری من اللازم أن أذکر بالإعظام و الإجلال هذه الحدث العظیم الذی صنعه الشعب الإیرانی فی الذکری الخامسة و الثلاثین لانتصار الثورة الإسلامیة فی الثانی و العشرین من بهمن، و أشکر الله تعالی علی عظمة هذه النعمة الکبیرة. إنها ظاهرة عجیبة حقاً. انظروا إلی البلدان التی حدثت فیها ثورات کیف یقیمون هناک الذکری السنویة لثوراتهم. فی أحسن الحالات، بعد سنتین أو ثلاث سنوات ستتحول ذکری الثورة إلی مجرد وقوف عدد من الأشخاص و استعراض عدد آخر أمامهم، من قبیل استعراض القوات المسلحة و ما إلی ذلک. و هنا، الأمر علی عاتق الجماهیر أنفسهم. الناس أنفسهم یعتبرون أنفسهم أصحاب الثورة، و هم کذلک فعلاً. و یرون أنفسهم أصحاب البلاد و هم کذلک حقاً. أن نشکر کل واحد من أبناء الشعب - و من واجبی و أمثالی أن نشکرهم - فلیس معنی ذلک أن علاقتنا بالثورة أوطد من علاقة الناس بالثورة، لذلک نشکر الجماهیر علی مساعدتهم للثورة، لا، الثورة هی للشعب، و البلد بلد الشعب، و نظام الجمهوریة الإسلامیة نظام الجماهیر.
الجید فی الأمر و المیزة الکبری و البارزة هی أن الشعب یعلم هذا، و یهبّ بشجاعة و بصیرة و معرفة للظرف لحمایة هذا الذی یملکه، و لحمایة هذه الثروة الهائلة التی هی مبعث عزته و استقلاله، و یعبّر عن حضوره و تواجده فی الموطن الذی ینبغی له ذلک بالضبط. و قد لاحظتم یوم أمس فی طهران و فی کل أرجاء إیران کیف حضر الشعب بکل کیانه و من أعماقه فی الساحة، و هذه ظاهرة عجیبة جداً و مهمة جداً. لقد تعوّدنا علی هذه الظواهر کثیراً، کما تعودنا علی طلوع الشمس و نتصوّر أنه شیء حتمی، لذلک لا ننتبه لأهمیته. من المهم جداً بعد مضی أربعة و ثلاثین عاماً علی انتصار الثورة الإسلامیة أن یکون الشعب متواجداً فی الساحة هکذا، و یحضر برجاله و نسائه و شیوخه و شبابه فی مختلف الأماکن، و من مختلف شرائح الشعب، بکل الصنوف و من کل مکان و من جمیع الأطیاف.. هذه حقاً أکبر نعمة إلهیة لو استطاع المرء أن یشکرها طیلة عمره لما وفّی حق الشکر لله تعالی. کما یجب تقدیم الشکر لکل واحد من أبناء الشعب، فقد أنجزوا حقاً عملاً عظیماً، و فی الوقت و الظرف المناسب. بالضبط فی الوقت الذی کان فیه أعداء هذا الشعب و أعداء استقلاله و عزته یتوقعون أن لا یستجیب الشعب لنداء الثورة و لنداء الجمهوریة الإسلامیة، و تلاحظ حالات انفصال بین الشعب و الإسلام و النظام الإسلامی، فرض الشعب الإخفاق و الیأس علی العدو بتواجده و مشارکته. طبعاً یحاول الأعداء فی إعلامهم أن یتجاهلوا الأمر، لکنهم یدرکون الحقیقة. الشیء الذی شاهدتموه یوم أمس و المشاهد العظیمة التی خلقها الشعب، یرونها هم أیضاً و یفهمونها و یحللونها، لذلک یصلون إلی نتیجة فحواها أن مواجهة هذا الشعب غیر ممکنة.
نسأل الله تعالی أن ینزّل توفیقاته و برکاته و رحمته و فضله و عافیته علی هذا الشعب أکثر فأکثر باستمرار.

الهوامش:
1 - الشافی، ص 827 .
2 - نهج البلاغة، الخطبة 1 .