بسم الله الرحمن الرحيم
اُعلن عن ترحيبي بجميع الإخوة و الأخوات الأعزاء الذين تجشّموا عناء السفر و قدموا إلى هنا مِن مدن بعيدة و قريبة، و خاصّة أُسر الشهداء الكرام و المُعاقين الأعزاء، و سائر الإخوة و الأخوات، و أسأل الله العلي القدير أن يبارك هذا العيد السعيد و هذا اليوم الأغر لجميع أبناء الأمة الإسلامية و مُحبّي أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام، و خاصّة أبناء الشعب الايراني، و أن يمُنَّ على جميع أبناء الامّة الإسلامية ببركات هذا اليوم الشريف.
أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام ليس للشيعة وحدهم، بل و لا حتّى للمسلمين وحدهم؛ و إنّما هو للإنسانية بأجمعها. الإنسانية كلّها مقرّة مذعنة بعظمة علي بن أبي طالب (ع) و فضائله و كريم مناقبه، إلا مَن لم يعرفوه و لم يسمعوا عنه. و لهذا تلاحظون أن الثناء على أمير المؤمنين لا يقتصر على المسلمين وحدهم، بل نلاحظ أن المسيحيين أيضاً يثنون على أمير المؤمنين. و ليس الشيعة وحدهم هم الذين يمدحونه، بل شعوب أهل السنّة في كلّ أقطار العالم الإسلامي يذكرون أمير المؤمنين على نحو آخر و بمحبّة أعمق من سائر أعمدة صدر الإسلام و شخصيّاته. و لكن ما سبب ذلك؟ و ما الدافع إليه؟ إنّ سبب ذلك، هو عظمة هذه الشخصية؛ تلك العظمة التي حاول البعض أن يغطّيها و یتکتّم علیها أثناء حياته أو على مدى قرون من بعد استشهاده، و لكن مساعيهم تلك قد خابت. إنَّ نور الشمس الساطع لا يمكن تغطيته؛ فالشمس تسطع و تشع حرارة و نوراً. و هل يمكن إنكار هذا أو تجاهله؟!
هذه الخصائص التي عُرفت في أمير المؤمنين، و هذه العظمة التي شوهدت في علي بن أبي طالب، ما هي حقيقتها؟ و أين تكمن؟ و ما هي طبيعة أبعادها؟ إن هذا طبعاً من القضايا و الامور التي لا يستطيع أي إنسان غير معصوم أن يدّعي أنّه قد عرفها؛ و ذلك لما يكتنفها من جوانب عميقة و مجاهيل سحيقة و هي أشبه ما تكون بالبحر المترامي الأطراف. الإنسان يرى في البحر عواصف، و أمواجاً، و ماءً، و كائنات عجيبة؛ إلا أنّ أعماق البحر لا يدركها إلا من استطاع بلوغها. و أعماق شخصية أمير المؤمنين التي تشبه البحر العميق لم يدركها و لا يستطيع أن يدركها إلا من كان مثله على اتصال بمصدر الغيب و نالَ شيئاً من الفيض الربّاني. إنَّ ما نراه نحن إنّما هو ظواهر الأمر؛ و ملامحه. بل و حتّى هذا لا نستطيع كلّنا رؤيته؛ فهذه الحِكَم العميقة التي يزخر بها نهج البلاغة، و ما تفيض به الكلمات القِصار لأمير المؤمنين لا نستطيع كلّنا إدراكها؛ و إنّما يدركها كبار الحكماء و ذوو العقول الراجحة و العلم الغزير. و نحن حينما ننظر نرى في شخصية أمير المؤمنين شجاعته، و عبادته، و مروءته، و شدّة التزامه بأوامر الله و نواهيه، و جهاده، و ايثاره، و تفانيه، و ادراكه لأهمية الزمان، و معرفته بالبَشَر، و رأفته و رقّة قلبه على الضعفاء، و صولته على المتجبّرين و العصاة و المستبدّين، و اصراره على تطبيق العدالة بين الناس، و مناهضته للظلم و الجور. هذه هي الظواهر المشهودة لهذا البحر المترامي و العميق. لاحظوا مدى ما تتّسم به هذه الظواهر من تعقيد و ملامح عجيبة و جميلة! و هل يمكن أن نجد مثل هذا الشخص الذي تجتمع فيه كلّ هذه الصفات المتميّزة؟ هكذا هو أمير المؤمنين. و هذا الكلام ليس مما يقوله الشيعة.
إنَّ هذه الامور من مسلّمات التاريخ، و قد أقرّ بها حتّى أعداء أمير المؤمنين. ففي مجلس معاوية قال أحد الاشخاص كلاماً في ذم أمير المؤمنين من باب التملّق لمعاوية فانتهره معاوية و قال كلاماً فيه مدح لأمير المؤمنين! و كان من أصحاب أمير المؤمنين مِن بعد استشهاده من كانت لهم علاقات عمل مع حكومة معاوية، فكان معاوية يسألهم أن يحدّثوه عن عليّ. فكانوا يذكرون له من فضائل علي و مناقبه. و جاء في الخبر أن معاوية أحياناً كانت عيناه تفيض بالدموع! هذه هي تلك الجوانب المثيرة للعجب! هذا في حين أن عداء معاوية لعليّ لا يخفى على أحدٍ، بل يعرفه الجميع.
سأل أحد أبناء عبد الله بن الزبير أو أحفاده ـ و كان آل الزبير على علاقة سيّئة مع أمير المؤمنين ـ أباه عن سبب العظمة المتزايدة لآل أمير المؤمنين: فقال له إنّه كما تقول؛ فمهما فعل أعداؤه لإخفاء فضائله كان كالذهب الخالص يترآى من بين التراب و المدر. و مهما اختلق أعداؤه لأنفسهم من الفضائل كانوا كالجيفة المتعفنة التي يزداد نتنها أكثر فأكثر. هكذا قال أعداء أمير المؤمنين في وصفه. و كُتُبُ المسلمين اليوم ـ سواء كتب الشيعة منها أم كتب أهل السنّة ـ زاخرة بذكر فضائله.
إنَّ أمير المؤمنين أسوة و قدوة لكلّ أدوار الحياة و مراحلها. الفتيان في عمر العشر سنوات و الاثني عشرة سنة، و ثلاث عشرة سنة و أربع عشرة سنة يمكن أن يقتدوا بعلي؛ و يتخذوه قدوة لهم. لماذا؟ لأنّه حين كان في سن العاشرة أو الحادية عشر، كان أوّل من عرف الإسلام و آمن به و سار على خطی الرسول. و هذا شيء في غاية الأهمية. و هو أن يعرف صبي في العاشرة أو الحادية عشرة من العمر الحقيقة بين كلّ هذا العداء و الإنكار، و يتمسّك بها و يتفانى من أجلها. و الشبان في سن العشرين أو الاثنين و عشرين أو الخمس و عشرين سنة يمكن أيضاً أن يتّخذوا من أمير المؤمنين قدوة لهم؛ لماذا؟ لأنّه حين كان في سن الثالثة و العشرين ـ و يومها كان رسول الله (ص) قد هاجر من مكّة إلى المدينة ـ أخذ على عاتقه أهم أعباء هذه الهجرة الكبرى إذ أوكل إليه النبي أعز و أغلى أفراد أسرته أي «الفواطم» لكي يتكفّل بإيصالهن من مكّة إلى المدينة؛ كما أنّه انتدبه حين كان في مكّة، لمهمّة ارجاع الامانات إلى أصحابها و أداء ما كان على النبي من ديون، و جمع ما كان له من ديون في أيدي الناس ثمّ يلتحق بالنبي في المدينة. و في الليلة التي كانوا قد قرروا فيها اقتحام الدار و تقطيع النبي بسيوفهم، كان هو من بات في فراش النبي و عرّض حياته لذلك الخطر. انظروا إلى هذه الشخصية! و لاحظوا هذه العظمة! فهذا الرجل جدير أن يُتّخذ أسوة و قدوة.
و عندما أقام النبي حكومة في المدينة، غدا أمير المؤمنين جندياً مطيعاً للنبي من الدرجة الاولى على مدى عشر سنوات؛ أي منذ أن كان في الثالثة و العشرين من عمره إلى أن صار في الثالثة و الثلاثين. و متى ما كانت تواجه النبي قضية أو مشكلة، كان علي بن أبي طالب (ع) أوّل من يقف إلى جانبه و يكون متأهّباً للدفاع عن حقيقة النبي. في الحروب، كان هو في طليعة الحرب و في مقدّمتها؛ و عند المُلمّات و الشدائد التي يستعصي حلّها في حروب النبي، كان سيفه هو الحلّ. و متى ما كان القوم يتراجعون، كان هو يحمل روحه على كفّه و يُقدم، و لم يكن راغباً في نيل شيء لذاته هو، بل كان كلّ شيء لله و في الله و لخدمة النبي (ص).
رحل النبي (ص) عن هذه الدنيا، و كان أمير المؤمنين (ع) يرى أن الخلافة حقّ له؛ و أقدم من أجل هذا، و تكلّم، و بلّغ، و لكن حين رأى أن الأمر لا يتحقّق، و عندما تبيّن له أنّه لو نزل إلى الساحة و واصل الدعوة إلى نفسه؛ سوف يتفرّق جمع المسلمين، تنحّى جانباً، و قال قولته المشهورة: «فصبرت و في العين قذى و في الحلق شجا». سكت أمير المؤمنين خمساً و عشرين سنة من أجل وحدة الامّة الإسلامية و تلاحم المجتمع الإسلامي و من أجل استقرار الحكم الإسلامي، و تغاضى عن حقّه ـ الذي كان يعتبره أمراً مفروغاً منه و لا نقاش فيه ـ فهل هذا بالأمر الهيّن؟ و هل هذا شيء بسيط؟! إنَّ هذه الامور هي التي ترقى بالإنسان إلى ذرى خلق بني الإنسان. و هذه المواقف هي التي تجعل من الإنسان شمساً ساطعة على امتداد تاريخ الإنسانية و هي شمس لا تغيب.
و بعد مضي خمس و عشرين سنة حيث أمسى أمير المؤمنين (ع) رجلاً في السابعة و الخمسين من العمر ـ أي في سنوات الشيخوخة ـ جاءه الناس يرجونه و يطلبون منه و يصرّون عليه و يقولون يجب أن تأتي و لا بدّ أن توافق على تولّي الحكم، و إلا فإنّنا لا نكفّ عنك. امتنع أمير المؤمنين في البداية عن قبول الأمر، و لكنّه بعد ما رأى أن الكثير من الناس قدموا من مختلف أرجاء العالم الإسلامي ـ من مصر، و من العراق، و من المدينة نفسها؛ و فيهم من كبار القوم، و من وجوه المهاجرين و الأنصار ـ و يقولون له بإصرار أنّه لا أحد غيرك يا عليَّ يستطيع إدارة شؤون الأمّة و حلّ هذه المشاكل. فأجابهم إلى ما أرادوا و وافق على تسلّم الحكم. و منذ اللحظة التي قَبِل بها هذه المسؤولية، إلى اللحظة التي فُلِق فيها رأسه الشريف في محراب العبادة، لم يكفّ يوماً و لا ساعة عن المطالبة بذلك الحق و الحقيقة التي جاء من أجلها الإسلام؛ و لم يمنعه من ذلك تكلّف و لا مجاملة، و لا اعتبارات، و لا خوف، و لا ضعف.
{لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} لقد جاء الأنبياء من أجل تطبيق العدالة؛ و من أجل تقريب الناس إلى الله؛ و لأجل اجراء الأحكام الإلهيّة بين الناس. و كانت هذه هي رسالة أمير المؤمنين في وصاية النبي و الخلافة الإسلامية. فما حادَ عن هذا الطريق لحظة. و لم يتوان أو يتماهل في حركته. ففارقه رفاقه القدماء، و صُدِم منه ذوو الأطماع؛ فافترقوا عنه؛ و شُنَّت عليه حروب شعواء. و الذين كانوا إلى الأمس يثنون عليه، حينما رأوا عدله، تحوّلوا إلى أعداء ألدّاء له؛ و لكن لوم اللائمين لم يؤثر في مواقف أمير المؤمنين قيد أنملة: «لا تأخذهم فى اللَّه لومة لائم»؛ و إنّما واصل طريقه بكل صلابة، ثم إنّه استُشهد على هذا الطريق؛ «قُتِل في محراب عبادته لشدّة عدله». هذه هي شخصية أمير المؤمنين و ما نراه نحن من ظواهرها. لاحظوا كمّ هذه الشخصية مثيرة للدهشة! انظروا إلى هذه اللوحة كم هي زاخرة بالدقّة و الجمالية و الروعة و الإبداع و العجائب!
نحن الآن أيضاً نُسمّى علويّون! و تُطلق علينا تسمية شيعة علي. و لكن لا جدوى من مجرّد المناداة باسمه و عدم السير على خُطاه. فقد كان هناك في زمانه من كانوا يعلنون أنّهم من مريديه، إلا أنّهم كانوا ينكصون و ينكلون عمّا كان يريده. فكان يواجههم بقسوة؛ فأقام الحدَّ على من فسق أو فجر منهم؛ و ضرب رقاب من كفر منهم. بل أن البعض منهم حين رأى هذه المعالي و هذه العظمة ـ و نحن بطبيعة الحال ضعفاء و قميئون ـ و حينما نرى إنساناً بهذه العظمة، نستعظمه و نقول إنّه الله! فنحن لا نصدّق أن الله العزيز العليم قادر على خلق مثل هذه الشخصية بما تتّصف به من عظمة و جلال؛ و لهذا نخطأ. و في زمان أمير المؤمنين أيضاً وقع قوم في مثل هذا الخطأ و قالوا إنّه الله. فأَمَرَ أمير المؤمنين فقُتِلوا بأجمعهم، و لم تأخذه بهم رأفة؛ و لم تقحمه المجاملات في التساهل معهم كأن يقول إنّهم من أنصارنا، و لكنّهم يبالغون فينا. كلا طبعاً، فهؤلاء قد حادوا عن طريق التوحيد، و تنكّبوا عن طريق محاربة الشرك، أي أنّهم ارتدّوا و لم يتوبوا؛ فأصدر أمير المؤمنين حكماً و أجری عليهم جميعاً حدّ الله و قُتِلوا. هكذا هو أمير المؤمنين (ع).. نحن إذا ظننّا أنّنا بمجرد أن نذكر أمير المؤمنين بألسنتنا و نثني عليه و نكتنز محبّته في قلوبنا، فإن الله عزّ و جلّ، و أمير المؤمنين نفسه يصفح عن انحرافاتنا و معاصينا و قبيح أفعالنا، علينا أن نعلم أن هذا ليس هو منطق أمير المؤمنين. إنّ منطق أمير المؤمنين هو السير على طريق الله. الشيعي هو من يسير على خُطی أمير المؤمنين و يحذو حذوه. قد يخطأ المرء، و قد يسهو، و قد يُذنب، هذه طبعاً قضية أُخرى؛ و عليه أن يستغفر ربّه؛ أما أن يمنّي المرء نفسه بالانتماء إلى أمير المؤمنين و يستهين بما يرتكب من معصية الله، فهذا ليس مقبولاً في منطق أمير المؤمنين على الإطلاق. أهمية ما كان من أمير المؤمنين تكمن في أنّه لم يَحِد عن الحق، و لا عن العدل محاباة لأحد، و لا زلّت قدمُه عن الثبات على طريق الله.
و نحن اليوم إذا أردنا العثور على مصداق لفعل أمير المؤمنين ـ و هو بطبيعة الحال مهما كان يبقى مصداقاً ناقصاً ـ فهو يتجسّد في بناء المجتمع الإسلامي و إقامة الحكومة الإسلامية و إرساء نظام الجمهورية الإسلامية. و هو ما يعني الوقوف بصلابة و شموخ في مواجهة الظلم و الانحراف و الكفر و الأفعال الظالمة و المُفسدة التي يمارسها الطواغيت العالميون. هذا هو الطريق الذي ينبغي السير عليه. إنّ نظام الجمهورية الإسلامية بجوهره و كيانه و هويته يناهض الظلم و القهر؛ و يناهض التمييز. انظروا و لاحظوا بيد مَنْ السلطة في عالم اليوم؛ انظروا ما هي الفجائع التي ترتكب على أيدي أصحاب السلطة؛ لاحظوا ما الذي تفعله هذه القوى ذات المال و القوّة بأبناء البشرية؛ انظروا ما يفعلونه بالبشر! وهم يفعلون ذلك كلّه بدعايات مزوّقة و برّاقة، و مقروناً بالمال و القوّة و الخداع تحت مسميات حقوق الإنسان! و باسم الديمقراطية! و باسم الحريّة!
إنَّ امريكا اليوم ـ و أقصد حكومة امريكا ـ مظهر الظلم للبشرية، بل حتّى الشعب الأمريكي نفسه يعاني الظلم اليوم. إنَّ النظام الطاغوتي و اخطبوط الصهيونية المُفسد في العالم، يمثل اليوم مظهر الفساد الأخلاقي و إفساد الأجيال البشرية؛ و هي سبب الضلالة. القوى المهيمنة اليوم على العالم قوى جائرة و ظالمة و لهذا السبب فهي تناهض الجمهورية الإسلامية و تناصبها العداء. و صمود الجمهورية الإسلامية مظهر عدالة أمير المؤمنين (ع). إنَّ ما يقع على عاتقنا نحن أبناء الشعب الايراني و مسؤوليه على وجه الخصوص هو أن نقرّب هذا النموذج أكثر ما يمكن إلى منطلقه الأصلي و نجعله مشابهاً له. في داخل البلد ينبغي أن نعمل من أجل شعار «العدالة» بعزم و مثابرة، و يجب أن نعمل من أجل شعار التديّن بجدّ. و نسير على طريق أمير المؤمنين بعزم و جدّ، و هذا هو ما يستطيع إيصال الشعب الايراني إلى تطلّعاته و أمانيه البعيدة المدى. كما أن خصائص إمامنا الخميني (رض) في هذه الجوانب التي يتطلّبها تطوّر المجتمع، و حياة المجتمع الإسلامي شبيهة بخصائص أمير المؤمنين؛ طبعاً مع الفاصل الموجود بين هاتين القمّتين و بين الناس العاديين. فإمامنا الخميني لم يكن يتحفّظ من هذا و ذاك و لا يحابي و لا يعتريه خوف و لا ضعف و لا يتراجع في مساره على طريق الحق و العدالة. فهو أيضاً لم يكن يخشى السير بمفرده على طريق الحق، امتثالاً لما كان قد اوصى به أمير المؤمنين: «لا تستوحشوا في طريق الحق لقلّة أهله» و هو ما كان يخاف و لا يرهبه البقاء وحيداً على هذا الطريق؛ لأن الحق معه، إذاً الله معه. فقد سار على هذا الطريق بمجاهدة، فيسّر الله العلي القدير الشعب الايراني و الشعوب الإسلامية الاخرى لتكون معه بكل قلوبها و جوارحها و قد شاهدتم ما وقع من حركة كبرى. هكذا كان الإمام الخميني (رض).
و اليوم أيضاً إذا أراد مسؤولو البلاد، و كلّ فرد من أبناء الشعب الايراني أن يصل الشعب الايراني إلى تلك القمّة السامقة من المجد و العزّ الذي يتطلّع إليه و يتمنّاه، يجب عليهم أن يواصلوا السير على هذا الطريق؛ يجب عليهم أن يكملوا المشوار بكل شجاعة و بوعي و بصيرة تامّة مع التحلّي بروح مواجهة المخاطر في مجابهة أصحاب القدرة و أولي الطَوْل و القوّة في العالم. فالنجاح يكمن في الصمود.
الأعداء الأساسيّون للشعب الايراني ـ و هم الاخطبوط الصهيوني، و النظام الصهيوني، و النظام الحاكم في امريكا، و خاصّة هذه المجموعة التي تتولى الحكم في امريكا اليوم، الأعداء الأساسيون للشعب الايراني و لنهج الشعب الايراني ـ تسوء سمعتهم في العالم يوماً بعد يوم و تمجّهم مشاعر الشعوب الإسلامية، بل و غدوا منبوذين حتّى من قبل الشعوب غير الإسلامية. فأمريكا اليوم واحدة من أكثر الدول المنبوذة في العالم؛ و حيثما أجروا استطلاع، كانت هذه هي النتيجة. و أمّا نظام الجمهورية الإسلامية فغدا أغلى و أكرم في أعين الشعوب الإسلامية بفضل صمود الشعب الايراني، و بفضل شعار العدالة و محبّة الشعب ـ حيث أن هذا الشعار يتردّد اليوم و الحمد لله على ألسن رجال الدولة في هذا البلد بشكل دائم. فالشعوب الإسلامية قد اجتذبها هذا النهج و سارت عليه قليلاً أو كثيراً وفقاً لمنتهى استطاعتها. و من الطبيعي أن ظروف الشعوب متباينة. فأنتم إذا نظرتم إلى الشعوب الإسلامية في منطقتنا و إلى الدول الإسلامية، تجدون أن هذه الشعوب تؤيد و تدعم معنوياً بنحو أو آخر هذا النهج الذي اختطته الجمهورية الإسلامية و هذا النهج الذي يسير عليه الشعب الايراني؛ و يثنون عليه، و قد سارت هذه الشعوب على هذا النهج و تقدّمت على هذا الطريق خطوة أو خطوات. و هذا هو ما يثير غضب الاستكبار العالمي. إن الطريق إلى النجاح إنّما هو في الصمود على هذا النهج. ليعلم أبناء الشعب الايراني كلّهم أنَّ طريق النجاة، و طريق النجاح، و الطريق إلى نيل التطلّعات الكبرى للشعب ـ الذي يكون فيه السؤدد و الرفاه و الأمجاد الوطنية و الثقافية و جميع الجوانب الاخرى ـ يتوقّف فقط على أن لا يخشى هذا الشعب أعداءه، و يعرف طريقه، و يسير إلى الأمام بكل صلابة و رباطة جأش.
أسأل الله العلي القدير أن يمنَّ بجوده و كرمه و لطفه و فضله على الشعب الايراني و كلّ الشعوب الإسلامية، و أن تكون روح أمير المؤمنين و إمام المتّقين في سرور و حبور إن شاء الله لمّا يقوم به الشعب الايراني من أعمال و نشاطات، و ما یقوم به الشبّان المؤمنون الذي يعملون بدأب و مثابرة في هذا البلد؛ و أن يشملهم إن شاء الله جميعاً بدعائه (ع)، و دعاء الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه). و إن شاء الله تكون الروح الطاهرة لإمامنا الخميني و الشهداء الأبرار راضية عنكم.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.