بسم الله الرحمن الرحیم
استفدنا و استمتعنا کثیراً بسماع هذه الأفکار و الآراء عن ألسنتکم أیها الشباب الأعزاء - و أنتم حقاً کالأولاد الأعزاء بالنسبة لی - فقد کانت أفکاراً و طروحات ماتعة حقاً. و أشکر الله علی أنی أری هذا الوعی للذات ینمو و یتصاعد یوماً بعد یوم بین شباب البلاد. هذه الأفکار التی طرحتموها هنا، کل واحدة منها - سواء ما یتعلق بالعلوم الإنسانیة أو بالتعلیم و التربیة الأخلاقیة، أو بالعلم و الصناعة، أو توفیر الإمکانیات للمواهب و النخب - من الآمال القدیمة فی نفسی، و قد ذکرناها طوال الأعوام و طلبناها و طالبنا بها، و نجد الیوم أنها تحوّلت إلی مطالب عامة.
أشکرکم و أشکر الذین أقاموا هذا الملتقی الوطنی، و أوافق معظم هذه الآراء التی ذکرتموها، و اعتقد بها، و کما ذکر السید واعظ زاده فقد تمّ تسجیل هذه الآراء و باقی الأفکار و الطروحات المذکورة فی الملتقی نفسه، و یجب الاهتمام بها واحدة واحدة و تنفیذها، و سوف تنفذ.
قد تکون هناک عوامل متنوعة تؤخّرنا فی الوصول لهذه الآمال و الطموحات، و لکن اعلموا أن هذه الحرکة العلمیة و هذا التدفق و الازدهار و الطراوة و النماء مما لا یقبل التوقف و سیتقدم إلی الأمام بتوفیق من الله، و هو تقدم غیر مقتصر علی شخص معین. لقد انطلقت هذه المسیرة فی البلاد و حصل هذا الوعی الذاتی، و سوف یصل لأهدافه إن شاء الله.
اجتماعنا اليوم يرنو في رأیی إلی هدفین اثنین: أحدهما هدف رمزی علی المستوی الوطنی و العام، و هو أننا نرید إشاعة هذه القناعة فی بلادنا و علی مستوی الرأی العام الداخلی، و هی أن النهضة العلمیة فی البلاد جدّیّة. مسؤولو البلاد یریدون هذا و یتابعونه بکل جدّ، و یرون قیمة کبیرة للعلم و لطالب العلم و للنخبة العلمیین. هذا هو معنی هذه الحرکة الرمزیة و هذا الاجتماع الرمزی الذی نقیمه الیوم هنا.
و الهدف الثانی هو تذکیر مجدد للمسؤولین الحکومیین و مدراء القطاعات المختلفة لیعلموا أن علیهم متابعة هذه المطالبات. تقدم البلاد و نموها العلمی یجب أن یکون برامج أکیدة و حتمیة فی السیاسات العامة و السیاسات التنفیذیة فی البلاد، أی لا بدّ من أخذ التقدم بنظر الاعتبار. و قد حصل و تحقق هذان الهدفان إن شاء الله.
اكتفي بذکر بعض النقاط، و قد ذکرتم أنتم الکثیر من الکلام الحسن الجید. إحدی النقاط و هی لیست بالجدیدة هی أن المسیرة العلمیة بالنسبة لبلادنا ضرورة مضاعفة و حاجة مضاعفة و أکیدة. لماذا هی حاجة؟ لأن العلم سبب العزة و الاقتدار و الأمن لکل شعب من الشعوب. و هو سبب و عامل مؤکد و مضاعف بالنسبة لنا، لماذا؟ لأن هذا الواجب الوطنی ترک مطروحاً علی الأرض دون اهتمام طوال مائة عام من أفضل الأزمنة و أثمنها.. منذ أواسط العهد القاجاری حیث تصاعدت النهضة العلمیة و الصناعیة إلی الذروة و ازدهرت فی العالم - منذ أواسط النصف الثانی من القرن التاسع عشر - و عبّر العلم عن نفسه علی شکل الاستعمار، حیث انشغل الغرب باستعمار العالم بعد توفره علی أدوات العلم. منذ ذلک الحین - أی قبل مائة عام أو أکثر - و هو وقت صحوتنا و یقظتنا، توقف العمل بهذا الواجب الکبیر.. واجب التنمیة العلمیة و التطویر العلمی لأسباب مختلفة. و السبب الأکبر هو سیادة الاستبداد و الطواغیت و حکومة السلاطین العملاء الضعفاء الجبناء. لقد ورثنا هذا التخلف، لذلک یجب أن تکون مساعینا مضاعفة. إذن، التقدم العلمی حاجة، و هو حاجة مؤکدة و مضاعفة.
أنتم تعلمون طبعاً أن العلم حاجة، و لکن من المناسب أن أشیر مرة أخری إلی أن البلد الفارغ من العلم لا یمکنه توقع العزة و الاستقلال و الهویة و الشخصیة و الأمن و الرفاهیة. هذه هی طبیعة حیاة البشر و سیاق شؤون الحیاة. العلم یورث العزة و یجلبها. ثمة عبارة فی «نهج البلاغة» ذات معنی و مغزی عمیق جداً. یقول: «العلم سلطان».. العلم اقتدار. و «السلطان» معناه الاقتدار و القدرة. «العلم سلطان من وجده صال و من لم یجده صیل علیه». العلم اقتدار. کل من یتوفر علی هذا الاقتدار یستطیع التحکّم و الانتصار و الغلبة، و کل من لا یتوفر و لا یحصل علی هذا الاقتدار «صیل علیه»، أی انتصر الآخرون علیه و غلبوه و قهروه و تحکّموا علیه.
لقد لمس شعب إیران هذا الواقع بجلده و لحمه و عظامه و دمه علی مدی فترة طویلة. لقد تحکّموا فینا و عاملونا بتعسف، و سیطروا علی مصادرنا الطبیعیة، و حرموا شعبنا من الرفاه. مرّ بلدنا بتاریخ مریر و أسود علی مدی هذه الأعوام المائة، و ها نحن الآن نذوق نتائج تلک الحقبة، هذا رغم أننا بدأنا التحرک و المسیرة و غیّرت الثورة الإسلامیة الأوضاع و انقلبت الصفحة. بلدنا الیوم بلد نادر النظیر فی العالم من حیث العزة السیاسیة و الدولیة. و هذا ما یعترف به حتی أعداؤنا. لقد استیقظ شعبنا، و هو شعب شجاع، و البلد بلد ذو هویة و شخصیة. و مع کل هذا إلّا أننا نشعر بنتائج و ثمار تلک الحقبة. بمعنی أن الذین حصلوا علی العلم قبلنا بمائة عام أو مائتی عام و سبقونا فی المسیرة و تقدموا و قطفوا ثمار العلم الطیبة و نالوا خیراته، لا زالوا یتعاملون بمنطق القوة و العسف. و مثال ذلک الملف النووی و الطاقة النوویة و القدرات العلمیة و التقنیة النوویة.. یقولون لنا «یجب أن لا تمتلکوا الطاقة النوویة فنحن لا نثق بکم».. منطق قوة. من هم الذین یقولون لنا إننا لا نثق بکم؟! الذین اشعلوا فی غضون عشرین سنة حربین عالمیتین أحرقوا بهما العالم کله.. الغربیون.
الذین یقولون لنا إننا لا نثق بکم هم الذین جیشوا الجیوش و أخذوها إلی أیة منطقة استطاعوا. و النموذج الحیّ لذلک هو العراق الذی ترونه. و النموذج الأقدم و الأشد ألماً هو فلسطین، و النموذج الآخر هو أفغانستان، و المثال الآخر هو کوسوفا، و هناک أمثلة و نماذج متعددة أخری فی مناطق مختلفة من العالم، و من النماذج أیضاً هیروشیما.
الذین یتحملون مسؤولیات الشرور الکبری فی العالم خلال الحقبة الصناعیة، یقولون للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة: نحن لا نثق بکم! و الشعب الإیرانی لم یتطاول علی مدی هذه الأعوام السابقة - بما فی ذلک فترة الثورة الإسلامیة - علی بلد جار أو غیر جار، و نحن نتحدث عن حکومة الجمهوریة الإسلامیة و لا شأن لنا بالسابقین. خلال فترة الجمهوریة الإسلامیة لم تنطلق حتی رصاصة واحدة ابتداء من هذا البلد علی أحد البلدان الجارة، و هذا ما یعترف به الجمیع.. إذن، قولهم هذا إنما هو من باب منطق القوة. و قد تکون هناک بلدان مثل البلد الفلانی فی شمال أفریقیا ما أن یغضبوا و یتشدّدوا علیه حتی یضطرب و یجمع کل تجهیزاته فی سفینة و یقول لهم خذوها!
الشعب الإیرانی صامد و سوف یبقی صامداً. لا فی هذه القضیة فقط، بل نحن واقفون صامدون فی عشرات القضایا المماثلة، لکن هذه القضیة طرحت علی مستوی الرأی العام. فی عشرات القضایا منذ بدایة الثورة و إلی الیوم وقفنا و صمدنا و قاومنا حیال منطق القوة و التعسف و الغطرسة و التوحش و الغضب الدولی، و هم أدرکوا أننا لا نخضع و لا نستسلم. لکن هذا التعسف و منطق القوة لا یزال موجوداً. ما هو سبب هذا التعسف؟ السبب هو أنهم یتسلحون بالعلم.. لاحظوا.. فهذه عبرة کبیرة جداً بالنسبة لکم أیها الشباب.
دولة غریبة علی الأخلاق، و علی المعنویات و غیر مکترثة للحقوق الدولیة مثل الدولة الأمریکیة، لأنها تتوفر علی العلم و تستطیع تبدیل هذا العلم إلی تقنیة و استخدامه فی حیاتها، تعطی لنفسها الحق بکل هذا التعسف علی المستوی الدولی. «من وجده صال».. من یتوفر علی العلم یمکنه التحکم بالآخرین. «و من لم یجد صیل علیه»، و إذا لم تتوفروا علیه تحکموا بکم. لاحظوا، هنا تکمن الضرورة.
ضمیر أی إنسان یحب مصیره و هویته و عائلته و أولاده و مستقبله و أجیاله و هویته الوطنیة و بلاده و هویته الدینیة، لا یمکنه عدم الاکتراث لهذه القضیة. و هذا هو السبب الذی جعلنی أصرّ و أؤکد و أتابع قضیة النهضة العلمیة فی البلاد منذ سنین.
العلم و التقدم العلمی و تحصیل العلم هو حاجة البلاد الأولی، و العلم هنا نقصد به طبعاً کل العلوم و لیس العلوم التجریبیة فقط، و سوف أتطرّق لهذا المعنی لاحقاً. یجب متابعة کل العلوم، کلّ فی محله، و بلدنا یستطیع ذلک. و علیه فإن نتیجة النقطة الأولی هی أنکم بوصفکم نموذج من العدد الهائل للنخبة فی البلاد تستطیعون أن تکونوا مؤثرین فی خلق الاقتدار الوطنی، و فی بناء بلادکم و مستقبلها.
النقطة الثانیة هی أن بلادنا من حیث إعداد النخبة و تنشئتهم و وجودهم تعدّ من البلدان فوق المتوسطة. هذا شیء یجب أن یدرج و یؤخذ بنظر الاعتبار فی الحسابات. ذات مرة قلت فی اجتماع للمسؤولین فی نفس هذه الحسینیة - قبل سنوات من الآن - بأن المساحة الجغرافیة لبلدنا تعادل تقریباً واحد بالمائة من المساحة الجغرافیة للعالم، و عدد النفوس فی بلادنا و هو سبعون ملیون نسمة یساوی أیضاً نحو واحد بالمائة من نفوس العالم. و علیه سیکون حقنا کمعدل عام من المصادر الجوفیة فی العالم واحد بالمائة. و لکننا فی الواقع نمتلک أکثر من واحد بالمائة من المصادر الجوفیة الأهم فی العالم. فمعادن أساسیة مثل الفولاذ و النحاس و الرصاص و الکثیر من المعادن الأخری نمتلک منها ثلاثة بالمائة و أثنین بالمائة و أربعة بالمائة من الاحتیاطات العالمیة. أما النفط فحاله معلومة و نحن ثانی مالک للنفط علی مستوی منطقة الخلیج الفارسی و الشرق الأوسط الغنیة بالنفط. و أما الغاز فنحن ثانی أکبر مالک للغاز فی العالم کله. لاحظوا کم ضعف من الأضعاف یمتلک شعبنا و بلدنا من المصادر و الخیرات الطبیعیة بالمقارنة إلی سکان العالم.
و أرید أن أقول إننا نمتلک من الطاقات البشریة أیضاً أضعاف المعدلات العالمیة. بمعنی أن سکان بلدنا واحد بالمائة من سکان العالم، لکن طاقاته و کوادره و نخبته لیست واحد بالمائة من النخبة فی العالم و إنما أکثر من واحد بالمائة. لا أستطیع أن أذکر إحصائیات لأن هذه المسألة لم یجر حسابها بعدُ، و تلک النسب التی ذکرتها بخصوص المصادر الطبیعیة أمور تم حسابها و فیها إحصائیات. لکن هذه القضیة لم تحسب و لم تقس عددیاً، و سنصل فی المستقبل إن شاء الله إلی مثل هذه الإحصائیات. لکن القرائن تدلّ علی هذا. الأمور التی رأیناها و سمعناها من شخصیات ذات خبرات واسعة بالعالم و بجامعات العالم تدلّ کلها علی هذا المعنی. سمعت من کثیرین أن عدد النخبة الإیرانیین فی أفضل جامعات العالم - فی الجامعات التی یکون فیها إیرانیون - أکثر من سائر البلدان بضعفین أو ثلاثة أضعاف. کان المرحوم الدکتور چمران للحق و الإنصاف نخبة علمیاً - و قد تهمّشت شخصیته العلمیة تحت إشعاعات شخصیته العسکریة و جهاده و تضحیاته و استشهاده - و قد درس فی أرقی و أفضل الجامعات الأمریکیة. و کان قد قال لی هو نفسه إنه کانت هناک نخب من بلدان أخری فی المرکز الذی کان یدرس فیه، لکن عدد الإیرانیین کان أکثر فی معظم أقسام تلک الجامعة و الجامعات الأخری، و کانوا بارزین و مؤثرین أکثر. و الدکتور چمران طبعاً ناقل واحد، لکننی سمعت من کثیرین غیره و تلقیت تقاریر عدیدة بهذا الخصوص. و علیه، لن نعانی فی المستقبل من شحّة فی الطاقات البشریة و الکوادر.
و هذا ما یدلّ علیه ماضینا و تاریخنا أیضاً. و للأسف فإننا منقطعون حتی عن الماضی. شبابنا لا یعرفون تاریخنا العلمی. و هذه من نقاط ضعفنا، و بالطبع کانت هناک توصیات و تأکیدات بهذا الخصوص - بخصوص تاریخ العلم فی إیران - و ضرورة العمل علی هذا الجانب، و هم یعملون و قد أنجزت أعمال جیدة سوف تزداد فی المستقبل إن شاء الله.
کان هناک طوال هذه القرون شخصیات علمیة بارزة فی بلادنا، و قد ضعف هذا السیاق طبعاً کلما تقدم بنا الزمان و خلال القرون الأخیرة. و کان من أسباب ذلک الملوک غیر الکفوئین و الحروب الداخلیة المختلفة، و إلّا فقد کنا من مخرّجی النخب و العلماء خلال الأحقاب المختلفة و فی شتی المجالات و الحقول العلمیة فی تلک العصور.
فی القرنین الرابع و الخامس للهجرة - أی القرنین العاشر و الحادی عشر للمیلاد إبّان القرون الوسطی و عصر الجهل فی أوربا - کان لدینا ابن سینا و محمد بن زکریا الرازی. حین ینظر الأوربیون للماضی یتوهمون أن العالم کله عاش أحوال القرون الوسطی! و هم الذین کتبوا التاریخ! و للأسف فإن کتبهم التاریخیة تترجم فی بلادنا و تنشر و تروّج. فی حقبة القرون الوسطی فی أوربا و التی کانت فی منتهی الظلمات و الجهل، کان لدینا أمثال الفارابی و ابن سینا و الخوارزمی. لاحظوا کم هو البون و المسافة.
ذات مرة تحدثت ببعض الأمور و الأفکار حول تقدم المسلمین خلال تلک الفترات أمام جمع من الشباب نقلاً عن «تاریخ العلم لجورج سارتن» أو تواریخ أخری خاصة بالعلوم لا أتذکر أسماءها الآن، و کلهم من الأجانب، و لا أروم تکرار أسمائهم.
و إذن، لا نعانی من ضعف أو نقص فی الطاقات البشریة و تخریج النخبة، لا الیوم و لا فی المستقبل إن شاء الله. یجب أن تتضاعف هذه الحالة یوماً بعد یوم و لا بدّ من تشخیص النخبة و معرفتهم.
و النقطة الثالثة هی أننا نرید جعل بلادنا بلاداً علمیة لها قدراتها العلمیة، بید أن الهدف من هذا العلم لیس أن نجعل البلد غربیاً. یجب عدم الوقوع فی مثل هذا الخطأ. الغربیون یمتلکون العلم، لکن لدیهم إلی جانب العلم و بشکل ممتزج و مختلط بالعلم أموراً و أشیاء نفرّ منها. إننا لا نرید أن نکون غربیین، إنما نرید أن نکون علماء و ننتج العلم و نحمله. العلوم الحالیة فی العالم الذی یعتبر صاحب علوم إنما هی علوم خطیرة علی البشریة، فقد وظفوا العلم لخدمة الحروب و العنف و الفحشاء و الجنس و المخدرات و الاعتداء علی الشعوب و الاستعمار و سفک الدماء. إننا لا نروم مثل هذا العلم و لا نبغی أن نکون هکذا علماء. نحن نرنو إلی توظیف العلم لصالح الإنسانیة و العدالة و السلام و الأمن. إننا نصبو إلی مثل هذا العلم. الإسلام یوصینا بمثل هذا العلم.
یوم کانت البلدان الإسلامیة و خصوصاً أرض إیران الإسلامیة رائدة فی العلوم لم نستعمر أی بلد، و لم نضطهد أی شعب من الشعوب، و لم نتعسف مع أی شعب. الإسلام یرید العلم مصحوباً بالإیمان و الکتاب و السنة و التهذیب الأخلاقی و الأخلاق و المعنویة. کم استمرأتُ هذه العبارة من المناجاة الشعبانیة التی قرأتها هذه الفتاة المحترمة فی کلمتها: «إلهی هب لی قلباً یدنیه منک شوقه و لساناً یرفع إلیک ذکره»، أو «صدقه، و نظراً یقرّبه منک حقه».. إلهی هب لی قلباً فیه من الحبّ و العشق و الشوق ما یقرّبه إلیک. هذا ما یریده العالم المسلم.. القرب من الله و المعنویة و الإخلاص و الصفاء. و إذ ذاک یمکن استخدام العلم، هذا الرصید الهائل العظیم و السلاح الکبیر فی خدمة الدفاع عن الإنسانیة و الأمن الإنسانی و العدالة بین الناس و الصلح و الوئام بین البشر و المجتمعات الإنسانیة. هذا ما نرنو إلیه و نریده، فاجعلوا هذا الشیء هدفکم.
لاحظوا الیوم لهجة الذین یتربّعون علی کراسی السیاسة القائمة علی الرسامیل و العلوم المنحرفة - الرأسمالیة - و هکذا هی الحکومات و الدول الغربیة الیوم. و أمریکا فی قمّة هذه القوی الغربیة. کراسی السلطة تقوم علی الکارتلات و الشرکات الرأسمالیة، و أدواتها هی العلم. یستخدمون مختلف الأسلحة بفضل العلم، و یمارسون التجسس و سرقة المعلومات بواسطة ما لهم من علوم و تقنیات، و یجترحون الصفقات فی مختلف أنحاء العالم بواسطة العلم. لاحظوا ما هی لهجة رؤساء البلدان التی تمتلک مثل هذه العلوم المنحرفة؟ سمعتم کلمة رئیس جمهوریة أمریکا قبل أیام کم کانت منفّرة و متکبّرة و تدعو إلی العنف. و هذا الغرور و التکبر یأخذهم یوماً بعد یوم إلی الانجراف فی الدوامة و السقوط فیها. اعلموا الیوم - و أنا أقولها لکم الآن، و سوف ترون ذلک الیوم، و لن نکون موجودین إذ ذاک، لکنکم أیها الشباب ستشهدون ذلک الیوم - أن هذه الحضارة المبنیّة علی هذه الأسس الخاطئة تنجرف داخل الدوامة و تغرق، و هی آخذة بالسقوط یوماً بعد یوم فی المستنقع.. هذا مما لا شک فیه. و هذا الغرور و التکبّر الأحمق الأبله من عوامل و أسباب ذلک السقوط الذی ینتظرهم. إنهم یسقطون، و قد ترونهم یطلقون الضجیج هنا و هناک، لکنهم یسیرون نحو الهاویة و هم لا یشعرون. طبعاً الواعون منهم یشعرون بذلک، و هم یطلقون الصرخات و النداءات و التحذیرات و یقرعون أجراس الخطر منذ سنوات! و لکن ما من مستمع، فهم سکاری ثملون.
سُکرانِ سُکرُ هویً و سُکرُ مُدامةٍ أنّی یفیقُ فتیً به سُکرانِ
فیهم سکران اثنان، سکر الأنانیة و سکر القوة. إذا کان فی الإنسان سُکر واحد فلن یستطیع أن یفهم شیئاً، و لا یدخل دماغه شیء، فکیف به حین یکون به سکران اثنان!؟ کأن یشرب الخمر المحرّمة و یتعاطی فی الوقت نفسه أقراصاً مخدرة. و هؤلاء تناولوا المسکران أو المخدران فی وقت واحد! فهم أنانیون و فی أیدیهم مع ذلک سیف العلم. یجب استخدام أسالیب فنیة و مناورات عقلانیة للتغلب علیهم و إسقاطهم أرضاً، و سوف نسقطهم أرضاً إن شاء الله.
تنبّهوا إلی أننا لا ننشد هذا العلم المنحرف، بل نصبو إلی علم یقربنا من المعنویة و الإنسانیة و الله و الجنة. و أنتم الشباب قلوبکم طاهرة. إننی أقول هذه الکلمات الآن، لکن القلوب المستعدة أکثر لاستیعاب هذه الکلمات هی قلوبکم. أنتم الذین تستطیعون بقلوبکم الشابة و أرواحکم الطریّة المرنة أن تسیروا فی هذا الدرب.
و النقطة الرابعة هی أنه فی مضمار النخبة ثمة واجب یقع علی عاتق الحکومة و ثمة واجب یقع علی عاتق النخبة أنفسهم. واجبات الحکومة هی هذه الأمور التی ذکرها الدکتور السید واعظ زاده المعاون المحترم لرئیس جمهوریتنا العزیز. هذه هی واجبات الحکومة و یجب أداؤها، و أؤکدها هنا، و سوف أتابع الأمور إن شاء الله. و لحسن الحظ فإن توجّهات الحکومة منصبّة علی أن تثمر هذه الجهود و الأعمال. قولکم إن النخبة یجب أن یسجّلوا حضورهم فی مؤسسة النخبة و فی مختلف المراکز، هذا شیء یجب أن یتحقق بالتأکید. و أرید أن أقول إن الأمر هکذا فی الوقت الحاضر. السادة الذین یدیرون حالیاً مؤسسة النخبة و هذه المعاونیة العلمیة هم من شبابنا النخبة. لیست أعمارهم مختلفة عنکم بکثیر، و هم من هؤلاء النخبة الذین تولوا الأمور و الأعمال و الحمد لله و استطاعوا الصعود إلی معاونیة رئاسة الجمهوریة و تشکیل المعاونیة العلمیة و مؤسسة النخبة، و هذه الأعمال و المشاریع العظیمة إنما تتمّ فی الواقع من قبلکم أیها النخبة الشباب و أنتم من تقومون بها. و یجب أن تستمر الأمور علی نفس المنوال بعد الآن أیضاً.
أما النخبة أنفسهم، و أنا أقولها لکم أنتم الموجودین هنا و أقصد بها فی الواقع کل النخبة فی البلاد، إذ لستم أنتم فقط نخبة البلاد. هناک الآلاف بل مئات الآلاف و ربما آلاف الآلآف من النخبة و المواهب فی هذا البلد، یجب أن یُعرفوا و یشخّصوا طبعاً.
الكلمة الأولی هی أن تحذروا من أن تصابوا بالغرور. و قد کانت هناک من باب الصدفة إشارات إلی هذا المعنی فی کلمات هؤلاء الشباب الأعزاء. الغرور و العجب و التوقعات غیر الصحیحة، هذه کلها أحوال سلبیة خاطئة، و هی مضرّة لکم. إنکم أبناء هذا البیت، و أبناء هذا البلد و الماء و التراب. آباؤکم و أمهاتکم فی هذا البلد أناس قضوا شبابهم من أجل تشیید هذا البناء لتستطیعوا العیش فیه بدعة و راحة. و لهم طبعاً حقوق. احذروا من التحکم بالرواد و السابقین، أو حصول إهانات و عدم اکتراث تجاههم. یجب أن لا تکون هناک توقعات غیر صحیحة من البلد و من الشعب. و بالطبع قلت إن واجبات الحکومة و الذین لهم قدراتهم خارج القطاعات الحکومیة واجبات معلومة و مقرّرة، و لکن علیکم من جهة أخری أن تلاحظوا هذه النقطة.
نصیحتی الثانیة لکم أیها الأعزاء هی أن تقرروا و ترسموا لأنفسکم دوراً تاریخیاً و وطنیاً محدداً. حین یقرر الإنسان - الإنسان الموهوب - لنفسه دوراً شخصیاً سیکون هدفه أن یحصل علی الثروة أو علی الشهرة و أن یعرفه الجمیع و یحترموه.. هذه ستکون أهدافه. و إذا حقق هذه الأهداف فلن یعود یشغله شاغل و لن تکون له محفزات علی شیء. و لکن حین یقرر الإنسان لنفسه دوراً وطنیاً و تاریخیاً فسوف تختلف المسألة. علیکم أن تنظروا و تهتموا لمستقبل البلاد و تاریخها و تروا إلی أین یجب أن یسیر هذا الشعب، و أین تقعون و تقفون الیوم من هذه العجلة و هذا الطریق العظیم. أی دور یجب أن تمارسوه الیوم حتی یمکن للشعب أن یبلغ مطامحه فی ذلک الیوم. قرروا و ارسموا لأنفسکم مثل هذا الدور، و لتکن لکم أهدافکم السامیة.
و النصيحة الثالثة هی أن ترفعوا من هممکم، و قد ذکرت هذه النقطة عدة مرات لحد الآن فی اجتماعاتی بالشباب و النخبة. یجب أن لا تقف هممنا عند التقنیة الفلانیة التی یصنعها الآخرون و کنا نشتریها و نستوردها منهم، و نستطیع الیوم صناعتها بأنفسنا. هذا لیس بالشیء الکثیر. و هو طبعاً شیء یذکر و لیس بقلیل الأهمیة، لکنه لیس الشیء الذی نطمح إلیه. اجعلوا هدفکم أن یصل شعبکم و بلدکم خلال فترة معینة إلی حیث یکون مرجعاً علمیاً و تقنیاً لکل العالم. ذات مرة قلت فی اجتماع للشباب النخبة: اعملوا ما من شأنه و خلال فترة معینة - قد تکون خمسین عاماً أو أربعین عاماً - إذا أراد أحد العلماء الاطلاع علی آخر النتاجات العلمیة اضطر إلی أن یتعلم اللغة الفارسیة التی کتبتم بها أعمالکم و کتبکم العلمیة، کما تضطرون الیوم لإتقان اللغة الأجنبیة الفلانیة من أجل مراجعة المصادر و الکتب و قراءتها بغیة التوفر علی بعض العلوم. اعملوا ما من شأنه أن تکون لبلادکم مثل هذه المکانة فی المستقبل و أنتم قادرون علی ذلک. فقد کان الوضع علی هذه الشاکلة فی یوم من الأیام. کان الناس فی العالم یترجمون کتب العلماء الإیرانیین إلی لغاتهم، أو یتعلمون تلک اللغة من أجل أن یستطیعوا فهم ما کتبه علماؤنا. و لا بأس أن تعلموا أن کتاب «القانون» لابن سینا فی الطب ترجم للفارسیة قبل عشرة أو خمسة عشر عاماً، فی زمن رئاستی للجمهوریة! لقد تابعت الموضوع، و کلفت بعض الأفراد، و سمعت بعد ذلک أن مترجماً کردیاً جمیل الإنشاء حسن الذوق قد ترجم هذا الکتاب للفارسیة، و ترجمته الفارسیة موجودة الیوم. لم یکن کتاب القانون حتی ذلک الحین قد ترجم للفارسیة، و ابن سینا کتبه بالعربیة، و الحال أنه ترجم للفرنسیة قبل مئات السنین! أی إنهم کانوا بحاجة لهذا الکتاب فترجموه. لاحظوا، هذه هی المرجعیة العلمیة. إنهم مضطرون لترجمة کتبکم أو لإتقان لغتکم. اجعلوا هذا هدفکم. و لتکن هذه مطامح هممکم. اجعلوا همتکم التقدم فی العلوم و تحطیم حدود العلم، و طبعاً لدیّ نقاط أخری فی هذا الباب لکن الوقت انتهی و أنا مضطر لذکر النقطة الأخیرة.
علينا رسم الخارطة العلمیة الشاملة للبلاد. هذه نقطة ذکرتها العام الماضی فی لقائی بهذه المجموعة العلمیة، و هم الآن یعملون فی المجلس الأعلی للثورة الثقافیة علی هذا المشروع، و لکن ینبغی الاهتمام بهذا الأمر أکثر و بمزید من الجدّ. یجب أن نعلم ما هی الخارطة العلمیة الشاملة للبلاد. أیة علوم و بأیة مقادیر و أین تقع من هذه الخارطة. لا یکن الأمر کشخص ریاضی یعمل فقط علی تربیة عضلات یدیه فتتضخم و تنمو عضلات یدیه و تبقی رجلاه و صدره و أکتافه نحیفة! فهذا مما لا فائدة منه. أو ریاضی یعمل فقط علی تربیة عضلات صدره و لا تکون لباقی أعضاء جسمه أیة قدرة.. هذا لا فائدة منه. یجب أن یکون هناک تناسب. تحدّث بعض هؤلاء الشباب الأعزاء عن العلوم الإنسانیة. و نحن فی بعض فروع العلوم الإنسانیة متقدمون علی العالم بقرون. نحن متقدمون کثیراً علی أناس یعدّون الیوم سبّاقین و مبدعین فی هذه العلوم. فلماذا لا نتابع ما لدینا؟ فی بعض حقول العلوم الإنسانیة کالأدب و الفلسفة و التاریخ و الفن لدینا سوابق کثیرة. و هناک علوم إنسانیة أخری مع أنها وفدت من الغرب، و لکن إذا دققنا جیداً وجدنا أن لبناتها الأولی المتمثلة بالعقلانیة و التجریبیة مستقاة من روح الفکر الإیرانی - الإسلامی. لم یکن بوسع أوربا الغارقة فی الخرافات تنظیم علوم الأحیاء و الاقتصاد و الإدارة و علم النفس و علم الاجتماع بهذه الصورة. هذه هدایا الفکر العلمی و التجریبی الشرقی، و الإیرانی الإسلامی غالباً، الذی هاجر إلی هناک و انتهی إلی هذه التحوّلات. علی کل حال ینبغی أن نتقدم فی الحقول و المجالات التی نعانی فیها من التأخر، و نصل إلی إبداعات، و لا نترجم. نزعة الترجمة فیها الکثیر من الأضرار لنا.
و بالتالی فالخارطة العلمیة الشاملة أمر لازم ضروری. یجب إیضاح مکانة العلوم المختلفة و عدد الطلبة الجامعیین و أنواعهم و جنسهم - فتیات أو فتیان - و المناطق المختلفة، هذه کلها أمور ینبغی أن تتجلی لنعلم ما الذی نرید القیام به. و هی أعمال قد بدأت طبعاً، و لکن لا بدّ من الجدّ و العمل لمتابعتها و تثمیرها.
و مسألة تطبیق البحوث و الاختراعات و عملانیتها و توظیفها عملیاً - و هو ما أشار له أیضاً بعض الشباب الذین تحدثوا - هی بدورها من المسائل التی أؤکد علیها. قد نقوم ببحوث و دراسات علمیة، و قد یصل باحثونا إلی نتائج جیدة فی مشروع بحثی معین، و لکن قد لا تکون لهذه النتائج من فوائد و دور فی تنمیة البلاد و تطویرها فی هذه الظروف، أی قد لا یمکن تبدیل هذا الجهد العلمی إلی ثروة وطنیة. یجب أن نستطیع تبدیل العلم إلی ثروة وطنیة. و هذا ما یحتاج إلی جهود و مساع و برمجة. و ثمة نقطة هنا - تندرج فی الخارطة العلمیة الشاملة - هی أننا لا بدّ من أن نستکمل سلاسل العلم و التقنیة، و قد لوحظ أن هذه السلاسل تنقطع فی بعض الأحیان و الأماکن. لا بد من ربط هذه السلاسل لیتوفر لدینا خط إنتاج واقعی و یمکن للعلم الوصول إلی أهدافه من کل النواحی.
و أساس کل ذلک هو شوقکم و همّتکم و رغبتکم و سعی المسؤولین، و نتمنی أن یمدّ الله ید عونه لکم جمیعاً. سوف یبذلون هذه المساعی إن شاء الله و نلاحظ أن الأمور قد سارت و راحت تتقدم إلی الأمام و الحمد لله. لقد انطلقت هذه المسیرة العلمیة و سوف تؤتی أکلها و نتائجها إن شاء الله.
سررتُ کثیراً للقاء الیوم، و أتمنی أن تکون فیه مساعدة علی الوصول للأهداف السامیة لبلادنا و شعبنا.
و السّلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته.‌