بسم الله الرحمن الرحيم
أبارك هذا العيد الشريف السعيد و يوم الفرحة و البهجة و طراوة قلوب طوال التاريخ، أباركه لكم جميعاً أيها الأعزاء و الأخوة و الأخوات بلابل دوحة مدح آل الرسول (ع) و ناشرو الثناء على أفضل و أرقى خلائق العالم و البشرية. نتمنى من الله تعالى أن يتقبّل منكم جميعاً أيها الأعزاء الذين قدمتم هنا مدائحكم للصديقة الزهراء و أهل البيت (ع) بأحسن قبوله. أشكر الله على أن منّ و وفّق لأن نتوسّل في مثل هذا اليوم منذ نحو ثلاثين سنة، و لله الحمد يرى المرءُ ازدياد الرونق و العظمة و المعنوية و رشد المفاهيم و المعاني طوال هذه الأعوام. البرامج و القراءات التي قدّمتموها اليوم كانت حسنة جداً، سواء من حيث المحتوى أو من حيث القالب و الإطار، فقد كانت الأشعار جيدة، و القراءات و الأداء أيضاً كانت جيدة جداً. عسى أن تتضاعف توفيقاتكم أيها الأصدقاء و الأعزاء يوماً بعد يوم باتجاه زيادة المعرفة و انتشار الأنوار في المناخ الذهني للمجتمع إن شاء الله.
ثمة نقطتان جديرتان بالذكر في هذه الجلسة - مع أن الكلام أكثر من هذا بكثير - إحدى النقطتين حول مدائح آل النبي (ع) و هي المهمة التي أخذتموها على عواتقكم. الحمد لله، لقد انتشرت حالياً في كل أنحاء البلاد شبكة واسعة من مدّاحي أهل البيت (ع) و قرّائهم. ثمة عدد كبير و مواهب كثيرة و قلوب مشتاقة بين مدّاحي أهل البيت - من الشباب و الروّاد و الأساتذة - ينتشرون بين الناس و الحمد لله، و يوفّرون الأرضية لتوسّل الناس بأهل البيت (ع) و يمدّون موائد التزوّد من فضائلهم و تعاليمهم المباركة. هذه فرصة لبلادنا ككثير من الفرص التي لدينا. إخوتنا المسلمون في بلدان أخرى ليس لديهم الكثير من الفرص التي لدينا، و هذه واحدة منها. هذه السلسلة و التيار و المناخ و الشبكة الواسعة من التوسّل بأهل البيت (ع) و محبّتهم و إثارة العواطف فرصة مهمة جداً. مهما كانت الأسباب فإن الآخرين في مناطق أخرى لا يتمتعون بهذه النعمة الكبرى و البركة العامة بهذا الشكل الذي لدينا نحن. من المتيقن منه أن العواطف من العوامل التي تحفظ الدين و المعنوية و العقيدة و الأخلاق لجماعة معينة من الناس على مدى التاريخ، إلى جانب العقل و التعقل و البراهين. لا يتحدث الأنبياء و الرسل الإلهيون مع الناس بلغة فلسفية، هذا مع أن فهم كلامهم و التعمّق في بيانهم كان و لا يزال بحاجة للعقل الفلسفي، أي إن الفلاسفة الكبار يتزوّدون أكثر الزاد من مائدة الأنبياء الإلهيين العامة الممدودة، بيد أن هذه المائدة ليست مائدة خاصة و للخواص فقط، لذا فإن لغتها ليست لغة البراهين العقلية و المجادلات و إن قلتَ قلتُ و ما إلى ذلك، إنما هي لغة مركبة من الفكر و العقل و العواطف. فالعواطف هي التي بوسعها تمهيد مسار الفهم العقلي و الحركة العقلية و التيار العقلي. و يتوفر لدينا هذا التيار بشكل طبيعي، سواء في جلسات مديح أهل البيت (ع) و عزائهم و أفراحهم و مآتمهم، أو في جلسات الدعاء مثل دعاء كميل و دعاء الندبة و دعاء الإمام الحسين (ع) في يوم عرفة، و باقي أدعيتنا. و لا يوجد لدى الآخرين هذا القدر من الأدعية ذات الألفاظ و المضامين الجميلة. و هذه بدورها من المميزات و الخصوصيات التي يتمتع بها و الحمد لله أتباع أهل البيت (ع). هذه كلها تمزج بين العقل و العاطفة على مرّ التاريخ و في أعماق أذهان البشر.
و عليه فشأن مدّاح أهل البيت (ع) و مهمّته هي إثارة العواطف و توظيفها لصالح الفكر و العقل. مهمة مدّاح أهل البيت (ع) - هذه الصنعة المتوفرة في بلادنا اليوم بكثرة و الحمد لله - هي أن يستطيع نشر المعرفة بين الناس بأسلوب و أداء فني. هذا هو المحور الأصلي. الشعر الذي تختارونه و اللحن الذي تختارونه و الأسلوب الذي تخاطبون الناس به يجب أن يكون بهذا الاتجاه.. باتجاه زيادة المعرفة و تعميق هداية الناس و معلوماتهم حول الدين و طريق الحياة. هذه هي المهمة التي تستطيع جماعة مدّاحي أهل البيت (ع) القيام بها على أحسن وجه.
قلنا مراراً و هذه حقيقة: إنكم حين تقرأون في مجلس من المجالس قصيدة أو أبياتاً شعرية تحتوي معارف دينية فقد يكون تأثير ذلك أكثر و أعمق من ساعات من الكلام الفصيح البليغ للخطباء. و هذه طبعاً فرصة، يجب الانتفاع منها، و عدم تضييعها. الشعر و القصائد التي ليس فيها محتوى و مضامين تضيّع هذه الفرصة، أو إذا كان في هذه القصائد نقطة ضعيفة أو ربما خاطئة، فهذا مما يضيّع هذه الفرصة، أو إذا كانت كيفية الأداء و طريقته بالشكل الذي يمسّ بالحدود الشرعية، فهذا مما يضيّع الفرصة. أو إذا كان الأمر بالنحو الذي يتجاهل الاحتياجات الآنية و الملحّة التي يحتاج الناس لمعرفتها راهناً، فسوف تضيع تلك الفرصة. مثلاً في زمن الحرب المفروضة كان البلد بحاجة إلى ملحمة عملية و جهادية ميدانية ضخمة، و قد نزل الشباب إلى الساحة، و استعد الآباء و الأمهات للتضحية، ثمّ يذهب شخص في المجالس و المحافل و يقرأ الأشعار و يكون أداؤه جيداً و لكن من دون إشارة إلى هذه الاحتياجات الضرورية، فسيكون ذلك تضييعاً للفرصة. لقد كان لمدّاحي أهل البيت (ع) في ذلك الحين دور جيد جداً. الشيء الذي قام به مدّاحو أهل البيت (ع) في جبهات القتال و الأثر الذي تركوه في أعماق أرواح المقاتلين كان نادر النظير. و أنا على اطلاع في هذا الشأن، و المدّاحون ذوو اللغة التركية بشكل، و المدّاحون باللغة الفارسية بشكل، و هؤلاء المدّاحون الزنجانيون الذين قرأ أحدهم اليوم هنا، و أماكن أخرى و أخرى و في كل مكان، و كذلك الشعراء الذين عضّدوا هؤلاء المدّاحين بأشعارهم، قاموا كلهم إذ ذاك بواجباتهم. و اليوم أيضاً حين أنظر أجد في هذه الأشعار التي تقرأ اهتماماً بالاحتياجات العصرية الملحّة للمجتمع، و المثال الكامل لذلك شعر السيد سازگار، و هو كذلك في كل سنة. إنه في أشعاره و قصائده يقيم أواصر و جسوراً فينة لطيفة صحيحة بين السماء و الأرض، فهو يسير من حريم الملكوت بسكينة و هدوء و أسلوب فني ليصل إلى احتياجات اليوم و الحاضر. لاحظوا.. هذه هي تركيبة فنية.
إنكم تستخدمون حناجركم و هي نعمة إلهية. و تستخدمون الألحان و الأنغام و هي نعمة إلهية، و تستعينون بالشعر، و القريحة الشعرية نعمة إلهية. هذه نعم ممنوحة لكم، فلخدمة أي شيء تستخدمونها؟ استخدموها لخدمة زيادة المعرفة. إذا استخدمت لخدمة بث الخلافات و إثارة العصبيات، و بسبب هذه العصبيات يقوم المتعصّبون اللجوجون في بعض أنحاء العالم بقطع رؤوس البشر بالعشرات.. فهذه الاستفادة استفادة سيئة. احذروا من هذا الشيء كثيراً.
قد تقرأون اليوم أشعاراً معينة، و توجد في الوقت الراهن أدوات الفيديو و الإنترنت و مختلف أدوات الاتصال و التصوير، فتنتقل الصور و التفاصيل إلى مناطق أخرى و تثير حفنة من الجهلاء المتعصبين، فيهجموا على النساء و الأطفال الأبرياء و يسفكوا دماءهم. احذروا من هذه الأمور. هذا هو سبب تأكيدي و إصراري على نبذ الخلافات المذهبية و الطائفية. لا يظننّ أحد أننا إذا أردنا شكر هذه النعمة، أي نعمة حبّ أهل البيت (ع) الذي يغمر قلوب شعبنا و الحمد لله، و إذا أردنا إثارة هذه العواطف، فإن الطريق هو ذلك، لا، هذا خطأ. بث الخلافات و إثارة العصبيات ليس صلاحاً. إنها ليست من المصلحة لا اليوم و لا في زمن الإمام الصادق (عليه السلام)، فقد كان الأئمة أيضاً يمنعون مثل هذه الممارسات. البعض من السطحيين لا يتنبّهون لهذه الأمور.
و كذا الحال بالنسبة للخلافات الداخلية. شعبنا اليوم يجب أن يكون آملاً متفائلاً، فإذا كان الأمل كانت الملحمة. حين قلنا «الملحمة» فإن الملحمة لن تتحقق بالأوامر و التعميمات و الكتب الرسمية! و هل يمكن أن نصدر الكتب و التعميمات الرسمية و يخلق الشعب ملاحم؟ و هل هذا مقعول؟ إنما الملحمة تتدفق من القلوب و تهديها العقول و يدعمها الإيمان، فهذه الأمور لا تتحقق بالأوامر. إذا خلا القلب من الأمل، و الفكر من المنطق الصحيح، فلن تحدث الملحمة. هل تتحقق الملحمة إذا بثثنا الشكوك في الأذهان و القنوط في القلوب؟ واضح أنها لن تتحقق. صناعة الملحمة تكون عندما لا تكون هناك أجواء يأس و تشاؤم و سوء ظن، بل تعمّ مناخات الأمل و التفاؤل و النظر للآفاق القطعية و اليقينية و الحقيقية، و ليس الآفاق التلقينية.
مثلاً في بدايات عقد الستينيات [الثمانينيات من القرن العشرين للميلاد] - أي قبل ثلاثين عاماً - لو كنا نقول إن المستقبل سيكون كذا و كذا فلربما قال البعض إنهم يمارسون التلقين، أما اليوم فلم يعد مثل هذا الكلام، لأننا في الوقت الحاضر نرى مسيرة الثورة و البلاد العميقة الواسعة المتقدمة نحو الأهداف المادية و المعنوية و السياسية و الاجتماعية و الداخلية و الدولية.. هذه حقائق أمام أنظارنا، فهل بإمكان أحد إنكارها؟ و إذا بالبعض يشككون في هذا الأفق الذي نرسمه اليوم لأنفسنا، و يبثون اليأس في النفوس، و يشيعون التشاؤم بخصوص المسيرة و الجهاد المستمر الذي يحتاجه البلد و الشعب و التاريخ.
الجهاد المستمر حاجة للجميع. كل حالات التقدم و كل حالات بناء الحضارات إنما كانت بفضل الجهاد المستمر. و الجهاد الدائم لا يعني تحمّل الشدائد و المتاعب دوماً. إنما الجهاد عملية شيّقة محبّبة تبعث على البهجة و الحيوية. اليوم إذ نحتاج إلى هذا الجهاد، يأتي شخص و يدعو إلى الكسل و العزلة و التقاعس و البطالة و الخمول، هذا طبعاً سيكون ضرباً من كفران النعمة الإلهية.. «ألم تر إلى الذين بدّلوا نعمة الله كفراً و أحلّوا قومهم دار البوار». (1) هذا ما لا ينبغي أن يحصل.
بينكم أيها الأعزاء أفراد رواد و شباب و مواهب جيدة، و أنا أشاهد بينكم زهوراً طرية يافعة، استطعتم العمل وسط الساحة بشكل جيد، و أن لا تملؤا مكان الماضين و حسب، بل و أن تعملوا أفضل و أحسن منهم، و قد شاهدنا الكثير من الماضين.
و ما أريد أن أقوله لكم هو إن مدح أهل البيت زيادة في المعارف. مدح أهل البيت (ع) نشر المعارف و الحكمة و الأمل و العقيدة الراسخة. مدح أهل البيت تفجير لينابيع العواطف في القلوب باستخدام فنون الشعر و الألحان و الأداء.
طبعاً يوجد مبدأ أكيد يا أعزائي.. الناس يحبون أصواتكم، و يستمتعون بأشعاركم، و تهتزّ قلوبهم و تذرف أعينهم الدموع لأدائكم، سواء في المديح و المواليد أو في المآتم، لكنهم ينظرون لكم أيضاً. إذا كان لكم ظاهر حسن يثير الاستحسان من الناحية الأخلاقية و من حيث التدين و العفاف، فإن كل ما قلناه سوف يؤثر في الناس تأثيراً مضاعفاً. أما إذا كان العكس لا سمح الله، و شاهد الناس علامات الهشاشة الأخلاقية و التخلف الأخلاقي و السلوكي، و الثغرات في العفاف و ما إلى ذلك لا سمح الله، فإن تأثيرات هذه الفنون و هذه الجماليات التي في أعمالكم و جهودكم سوف تزول و تنمحي، فاحذروا من هذا. كلنا يجب أن نحذر و نراقب، و نحن المعممين أكثر من غيرنا و الخطباء الدينيون أكثر من غيرهم، و المشاهير في مجالات الدين و التقوى أكثر من سواهم. الكل يجب أن يراقبوا و يحذروا، و أنتم كذلك. أنتم أناس تعملون في مجال الدين و المعرفة و الأمور الإلهية، لذلك يجب أن تحذروا بشدة و تراقبوا أخلاقكم و طهارة ألسنتكم و عفافكم و نقاء قلوبكم و طهارة أيديكم. كان الله تعالى في عونكم. مدّاح سيدتنا فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) حين يتبوّأ هذه المكانة فهو شخصية بارزة. فكما فهمنا و علمنا و اعتقدنا، الذين يسيرون في درب مديح الأئمة الأطهار (عليهم السلام) و دعوة الناس لمحبتهم و ولائهم، هؤلاء أناس أعزاء محبوبون عند الله سبحانه و تعالى.
طبعاً كان هناك في جلستنا اليوم نقطة مستحسنة. منذ سنوات طويلة كنت أعترض في كثير من الأحيان على الإخوة مدّاحي أهل البيت (ع) الذين يقرأون هنا بأن لا يبدّلوا جلسة الولادة و الاحتفال و الفرح إلى جلسة عزاء و مأتم، فكل شيء في محله. يسمّونكم مدّاحي أهل البيت (ع). فما معنى المدّاح؟ سمتكم الأصلية هي المدح، و ليس قراءة التعازي و المآتم. اقرأوا التعازي و المآتم و أنا من أنصار قراءة المآتم بل أنا نفسي من قرّاء المآتم، و لكن ليس من الضرورة أن تقرأوا في مجالس مواليد الأئمة الأطهار (عليهم السلام) تعزيات و أحزاناً و تنتزعوا دموع الناس.. لا ضرورة لذلك أبداً. دعوا العواطف التي يحملها الناس تجاه الأئمة (عليهم السلام) لا تظهر للخارج و كأنها محصورة في البكاء و لطم الصدور و المآتم، لا، العزاء في محله، و المدائح و قراءة المواليد و الأفراح في محلها. يجب عدم الخلط بين هذه الأمور.
أما الجانب الثاني الذي يجدر اليوم أن نتحدث عنه فهو قضية المرأة. من سيئات الحضارة المادية ما تقوم به في خصوص المرأة. و قد أكثرنا الحديث و الكلام في هذا الجانب. و لدينا الكثير مما نقوله حول هذا الموضوع. الخطيئة الكبرى التي ارتكبتها الحضارة الغربية بخصوص المرأة لا يمكن محوها في القريب العاجل، و لا يمكن تعويضها في المستقبل القريب، بل و لا يمكن التعبير عنها و ذكرها بسهولة. و يطلقون على أفعالهم مسمّيات متنوعة - مثل كل أعمالهم التي يقومون بها - فيرتكبون الجرائم و يسمّون ذلك حقوق الإنسان! و يمارسون الظلم و يسموّن ذلك مناصرة للشعوب! و يشنون الهجمات العسكرية و يسمّون ذلك دفاعاً! الخداع و الازدواجية و الكذب و التناقض في السلوك و الأقوال من طبائع الحضارة الغربية، و كذا الحال في قضية المرأة تماماً. إنهم للأسف يروّجون ثقافتهم في كل العالم. لقد فعلوا اليوم في العالم ما جعل من أهم واجبات المرأة - إن لم نقل أهمّها - التبرّج و استعراض نفسها و جمالها من أجل التذاذ الرجال. هذه أصبحت الخصوصية الحتمية و اللازمة للمرأة! هكذا هو الوضع في العالم حالياً للأسف. في أكثر المجالس و الاجتماعات رسميةً - الاجتماعات السياسية و غيرها - يجب أن يحضر الرجال ببناطيل طويلة و ألبسة تغطي أجسادهم، و لكن لا إشكال في أن تحضر النساء بمزيد من العري و الخلاعة! هل هذا شيء عادي؟ هل هذا شيء طبيعي؟ هل هذا تصرّف مطابق للطبيعة؟ هذا ما فعلوه هم. المرأة يجب أن تعرض نفسها على أنظار الرجال ليستمتعوا و يلتذوا! فهل ظلم فوق هذا؟ و يسمّون هذا حرية و يسمون العكس أسراً و قيوداً! و الحال أن احتجاب المرأة و حجابها تكريم و احترام للمرأة. إنه صناعة حريم و صيانة للمرأة. كسروا هذا الحريم و يكسرونه أكثر فأكثر باستمرار. و يضعون لذلك أسماء متنوعة. أول أو ربما من أول الآثار السيئة لهذه الحالة تحطيم المؤسسة العائلية و زعزعة أسسها. حين تتضعضع أركان العائلة في مجتمع من المجتمعات و تزول تتكرّس المفاسد في ذلك المجتمع.
المشكلات التي يشهدها الغرب راهناً، و هذه القوانين البلهاء الخبيثة التي يسنونها في القضايا الجنسية، سوف تأخذهم إلى قعر الهاوية. هذا الانحطاط لا يمكن الحيلولة دونه. إنهم محكومون بالسقوط. الحضارة الغربية شاءت أم أبت لم تعد قادرة على منع هذا السقوط. لقد عطلت كوابحهم و الطريق زلق و منحدر بشدة. لقد ارتكبوا معصية حينما عطلوا الكوابح و ساروا إلى حافة الهاوية، لذا فهم محكوم عليهم بالهزيمة.
زوال الحضارات مثل انبثاقها أمر تدريجي - و ليس بالأمر الدفعي و الفوري - و هذه الحالة التدريجية آخذة بالحصول، و لا أخال أن هذا الحدث سيكون بعيداً عن أنظار هذا الجيل أو الجيل الذي يليه، بل سيرون ما يحصل.
لقد عين الله تعالى في القرآن الكريم حدود تكريم المرأة. المرأة عند الله سبحانه مثل الرجل. ما من تفاوت بين المرأة و الرجل أبداً في الارتقاء في سلّم المراتب المعنوية و الإلهية. لقد مدّ الله عزّ و جلّ هذه الجادة للإنسان، و ليس للرجل أو المرأة. يخلق الله تعالى في التاريخ امرأة مثل فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) يقول عنها الإمام العسكري أو الإمام الهادي (عليهما السلام) : «نحن حجج الله على خلقه و فاطمة حجة الله علينا». فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) حجة حجة الله و إمام للأئمة، فهل من شخصية فوق هذه الشخصية؟ تتمتع السيدة الزهراء بمقام العصمة. مثل هذا الإنسان امرأة. نساء العالم الكبريات مثل مريم و ساره و آسية و غيرهن - النساء العظيمات اللاتي كنّ في التاريخ - هنّ عظيمات عالم الخلقة. الذي يسير في جادة التكامل و السموّ هذه هو الإنسان. ما من فرق بين المرأة و الرجل في الحقوق الاجتماعية. و ما من فارق بين المرأة و الرجل في الحقوق الشخصية و الفردية. أعطيت المرأة امتيازات في بعض المسائل الخاصة الشخصية، و منح الرجل بعض الامتيازات في بعض المسائل، و بحسب مقتضى طبيعة كل من المرأة و الرجل. هذا هو الإسلام.. إنه الأمتن و الأحكم و الأكثر منطقية و عملانية بين القوانين و الحدود التي يمكن أن يفكر فيها الإنسان بخصوص مسألة الجنسين. يجب السير على هذا الطريق، و من أهم النقاط في هذا الطريق تشكيل العائلة، و من أهمها أيضاً العكوف على صيانة مناخ العائلة و إفشاء المودة فيه و الأنس به، و هذا ما تتولّاه ربّة البيت.
بمستطاع الأمّ أن تربّي الأبناء على أحسن وجه. تربية الأبناء من قبل الأم ليست كتربيتهم في صفوف الدراسة. إنما هي تربية بالسلوك و الأقوال و العواطف و الملاطفة و الهدهدة و العيش و الحياة. النساء يربّين أبناءهن بحياتهن و عيشهن. كلما كانت المرأة أصلح و أعقل و أكثر ذكاء كلما كانت هذه التربية أفضل. لذلك ينبغي البرمجة في البلاد لرفع مستوى الإيمان و التعليم و الذكاء لدى السيدات.
ربوبية البيت من أهم واجبات المرأة. الكل يعلم أنني لا أعتقد بأن النساء يجب أن لا يعملن في المشاغل و المهن الاجتماعية و السياسية. لا.. لا إشكال في عملهن. أما إذا كان عملهن بمعنى النظر لربوبية البيت بعين الامتهان و الاستصغار، فهذه معصية. ربوبية البيت شغل و مهنة.. شغل كبير و مهم و حساس و من شأنه صناعة المستقبل. إنجاب الأبناء جهاد كبير. و لكن بالأخطاء التي ارتكبناها و بعدم دقتنا تعرضت هذه القضية في فترة من الفترات في بلادنا للغفلة مع الأسف، و ها نحن نشاهد اليوم أخطار ذلك، و قد ذكرت ذلك للناس مرّات عديدة. إنها شيخوخة البلاد، و قلة الجيل الشاب بعد سنوات من الآن. و هذه من الأمور التي تظهر آثارها بعد فترة. و حين تظهر الآثار فلن يكون بالإمكان علاجها في ذلك الحين، أما اليوم فبلى يمكن تدارك الأمر و معالجته.
إنجاب الأبناء من أهم أنواع الجهاد و الواجبات المختصّة بالمرأة. فإنجاب الأولاد هو في الحقيقة ميزة المرأة و هي التي تتحمّل متاعب هذا العمل و جهوده و آلامه. هي التي منحها الله تعالى أدوات و لوازم تربية الأولاد. لم يعط الله تعالى أدوات تربية الأولاد للرجال، بل أعطاها للسيدات. أعطاهن الصبر على ذلك، و العاطفة اللازمة لذلك، و المشاعر الضرورية لذلك، و أعطاهن الأعضاء الجسمية اللازمة لذلك، و الواقع أن هذه هي ميزة النساء. لو لم ننس هذه الأمور في المجتمع فسوف نتقدم إلى الأمام.
احترام المرأة و تكريمها قضية - و يجب أن تأخذ هذه القضية نصيبها من الاهتمام و العناية - و سلوكيات النساء في البيئة العائلية و في بيئة العمل و الكسب، و في المناخ السياسي، و في البيئة الاجتماعية قضية، و السلوك مع النساء قضية. السلوك مع النساء قضية توجّه للرجال، سواء رجال العائلة - كالآباء و الإخوة و الأزواج - أو الرجال في بيئات العمل ممن يتعاملون مع النساء. التعامل مع المرأة يجب أن يكون باحترام و محبة و مصحوباً بالنجابة و العفة. إذن، تكريم المرأة، و واجبات المرأة، و الواجبات تجاه المرأة كل واحدة من هذه القضايا يجب أن تحظى بشكل مستقل بالاهتمام و تجري البرمجة لها.
يوم المرأة و يوم الأمّ الذي تطابق في نظام الجمهورية الإسلامية و الحمد لله مع يوم ولادة المختارة من عالم الخلقة سيدتنا فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) يجب أن يكون مناسبة لإلفاتنا إلى هذه النقاط. لو استطعنا أن نفكر بصورة صحيحة في قضايا المرأة و العائلة و الأمّ و الزوجة، و نتخذ القرار بصورة صحيحة و نعمل بصورة صائبة، فاعلموا أنه يمكن ضمان مستقبل البلاد.
جزاكم الله جميعاً خير الجزاء و بارك الله لكم جميعاً، و بارك الله في حناجركم و صدوركم.
و السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته.‌

الهوامش:
1 - سورة إبراهيم، الآية 28 .