بسم الله الرحمن الرحيم
نشكر الله سبحانه و تعالى على اجتماع المنتخَبين الخدومين في مجلس الشورى الإسلامي لدورة تشريعية، اليوم، بكل ما لهم من كمّ هائل من الجهود و الخدمات و المساعي التي يمكنهم تدوينها كلائحة و ذكرها و الفخر بها.
ما أحسن أن يضع الإنسان - مهما كان مقامه و شغله و مهنته - حين ينظر إلى مسيرته الماضية، و من أجل أن يحاسب نفسه حساباً دقيقاً متشدّداً و من دون تسامح، ما أحسن أن يضع لائحة لأعماله يمكنه تقديمها أمام الحضرة الإلهية المقدسة. حين قالوا لنا: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا»، و اعتبر علماء السلوك و الأخلاق محاسبة النفس من أول واجبات السالك، فذلك من أجل أن نكون دوماً في حالة قراءة صحيفة أعمالنا، فلا نتفاجأ يوم تُقرأ علينا هذه الصحيفة. قبل أن تُقرأ صحيفة أعمالنا في الحضرة الإلهية و نُحاسب عليها، لنقرأها نحن أنفسنا، فنصلح النواقص، و إذا كانت هناك نقاط قوة نشكر الله عليها. و إلّا إذا لم نقم بهذه المحاسبة و بقينا غافلين، فسوف نتفاجأ و نؤخذ على حين غرّة.
يقول الإمام السجاد (ع) في دعاء أبي حمزة الثمالي: «اللهم فارحمني إذا انقطعت حجّتي، و كلّ عن جوابك لساني، و طاش عند سؤالك أيّاي لبّي».. تنتهي حججُ الإنسان و براهينه و استدلالاته مقابل أسئلة الباري عزّ و جلّ منه - و يسقط في يديه كما يقال - و يكلّ لسانه و ينعقد فلا يستطيع جواباً، بل و يضطرب حتى ذهن الإنسان و عقله و لبّه.. «و طاش عند سؤالك أيّاي لبّي». الذين يضعون أنفسهم تحت أضواء محاسبة دقيقة لديهم أمل بالانفراج. حين ننظر لصحيفة أعمالنا و نرى نقاط الضعف و النواقص هذه، نستطيع التلافي و التعويض لأنه لا يزال أمامنا متسع من الوقت و العمر.. «و أنيبوا إلى ربّكم». أنيبوا معناها عودوا و عوّضوا. إذا وجدنا نقاطاً مضيئة تفاءلنا بالعون و التوفيق و الهداية الإلهية، و ينبعث الأمل في نفوسنا، فنشكر الله، و نواصل الدرب. هذه هي فائدة محاسبة النفس.
كما ينبغي للفرد أن يحاسب نفسه، كذلك ينبغي للجماعة - مثل مجلسكم، و مثل الحكومة، أو المجاميع و الأفراد المسؤولين في البلاد - أن يحاسبوا أنفسهم. و نحن يجب أن نحاسب أنفسنا. إذا كانت للإنسان مثل هذه اللائحة - كهذه اللائحة التي ذكرها الدكتور السيد حداد في كلمته اللطيفة ذات الألفاظ و المعاني الحسنة كما هو المألوف عنه - فإنه سيفرح بطبيعة الحال و يشكر الله سبحانه و تعالى، لكنه لن يقنع. يجب عدم الاقتناع و ينبغي عدم التغاضي عن حالات الغفلة و القصور. كما لا نغضّ الطرف في محاسبة الآخرين - ما لم تكن هناك اعتبارات صداقة و علاقات و ملاحظات - فنتصعّب و نسجّل كل النقاط، كذلك يجب أن نعامل أنفسنا بنفس الطريقة. نتمنّى إن يمنّ الله سبحانه و تعالى عليكم و علينا و على كل المسؤولين بلطفه و يمنحنا أعين بصيرة و قدرة على العمل و عزيمة راسخة تتصاعد يوماً بعد يوم: «قوّ على خدمتك جوارحي و أشدد على العزيمة جوانحي».
لقد انقضت ثلاثة أعوام. و لم تكن هذه الأعوام الثلاثة كما قال حضرة السيد حداد و نقل عني قولي، لم تكن بالزمن القليل و القصير. لكن نفس هذه الأزمنة الطويلة تنقضي و تنتهي بطرفة عين، و ما أن يعي الإنسان على نفسه حتى يجد أنها قد انقضت. و كذا الحال بالنسبة للعمر. حين يصل الإنسان إلى سن السبعين و ما فوق ذلك - و الحمد لله على أن الكثيرين منكم الآن شباب - يرى أنه قد انقضى كل شيء بلمحة بصر، و مرّ هو بكل هذا الدرب الطويل. و هذه السنة الأخيرة أيضاً ستنقضي بلمحة بصر، فماذا يبقى لنا؟ الأعمال التي نقوم بها خلال هذه السنة و المضامين التي ندرجها في هذا الجدول السنوي و خاناته كما ندرج الحروف في الجدول من أجل الحصول على جملة أو كلمة صحيحة. لننظر و نرى ما هي الخطوات الواحدة تلو الأخرى و الذرات الواحدة تلو الأخرى التي سنقوم بها خلال هذه المدة؟ ما هي؟ و بأيّة نيّة؟ و بأيّ اتجاه؟ يجب أن نعلم ما الذي نريده و نتخذ التدابير اللازمة لما نريد القيام به. و طبعاً سنة واحدة ليست بالوقت القليل، فهي زمن طويل و يمكن القيام خلالها بالكثير من الأعمال الكبرى، و سوف أشير إليها لاحقاً.
ما استطيع أن أقوله حول هذه الدورة من مجلس الشورى الإسلامي، و الملخّص الذي في الذهن عن هذا المجلس إلى اليوم - كشاهد و ناظر و قد كنا في بعض هذه المجالس و شهدنا الباقي عن قرب و كان لنا تعاملنا و تواصلنا معها - اعتقد أنه مجلس جيد، و تعدّ هذه الدورة من الدورات الجيدة في حياة مجلس الشورى الإسلامي. و لهذا المجلس من ناحية من النواحي خصوصية هي أن هذه التركيبة - التركيبة التي سأذكر بعض وجوهها العامة و خطوطها الأصلية - نبتت و نمت في أجواء غير مناسبة، كالنبات أو الشجرة التي تنمو وسط الصخور. «ألا و أن الشجرة البرّية أصلب عوداً و أبقى وقوداً».. الشجرة التي تنمو وسط الصخور تكون أقوى و أبقى و أمتن، و حين تتحوّل إلى حطب و وقود تكون نيرانها أبقى و أطول عمراً و تأثيرها أكبر و أطول. هكذا هو مجلسكم.
الظروف التي تكوّنت قبل ظهور هذا المجلس، على يد بعض الأشخاص الذين قاموا ببعض الأعمال عن غفلة منهم - السير نحو مقاطعة الانتخابات و صوب استقالة النواب، و الاعتصام في المجلس، و المواجهات - كانت أشياء سيئة و عجيبة، و كان الصوت العام للمجلس متغايراً مع الكثير من أسس النظام و أصوله. نبت هذا المجلس و نما في مثل هذه الأجواء.
ما معنى هذا؟ المجلس لا ينصّبه أحد، بل ينتخبه الناس، و بالتالي فمعنى ذلك أن قلوب الناس تخفق للأشياء التي برمج البعض لاستئصالها.. قلوب الشعب تخفق للأصول الإسلامية. لا نريد الادعاء أن كل واحد من أبناء الشعب هو من القدّيسين ذوي الطراز الأول، بل نريد القول إنه حتى غير القدّيسين من الطراز الأول في أعمالهم، يهتمون للإسلام و للقيم الإسلامية و للقيم التي جاءت بها هذه الثورة للبلاد، و قد ذاقوا طعمها. الذاكرة التاريخية لهذا الشعب لا تستطيع نسيان تلك الحقبة التي كان فيها هذا البلد الكبير و هذا الشعب التاريخي ألعوبة بيد المستعمرين و اللاعبين الصهاينة. أرادوا أن يعبثوا باقتصاده و بثقافته و قلوب شعبه و اتجاهات حياة الناس فيه و أزيائهم و معتقداتهم، و لا يمكن تصور إهانة أكبر من هذه لشعب إيران. كان هناك الفقر، و كان هناك التمييز، و كان هناك منطق القوة و التعسف و الظلم، و إلى جانب كل هذا كان هناك إهانة المقدسات و التوجّهات المناهضة للإسلام و القرآن و الدين، و جرّ الرجل و المرأة إلى مستنقع الفساد. ذاكرة هذا الشعب لن تنسى تلك الحقبة. إذا افترضنا أن معظم أبناء الشعب في الوقت الحاضر لم يلمسوا تلك الحقبة بلحمهم و دمهم - لأنهم شباب، و نحن طبعاً لمسناها - لكن الشعب يختزن في ذهنه و ذاكرته أشياء تتحوّل إلى معارف و فهم و بصيرة لذلك الشعب. الشعب يحبّ هذه الأصول.
و قد انبثق هذا المجلس من إرادة الشعب هذه. و قد شدّدتم في دعاياتكم الانتخابية غالباً على الأصول الإسلامية و الالتزام بالقيم و مكافحة الفساد و العمل للطبقة المحرومة و السعي لصيانة الاستقلال و العزة الوطنية. و الناس رحّبوا بهذه الشعارات و الأقوال و منحوا أصواتهم و تشكّل هذا المجلس. هذه ظاهرة تحوّلت إلى مرحلة من تاريخ هذا البلد. التاريخ لا يرحم. سوف ينظر الآتون و يصدروا أحكامهم و آراءهم، و هذه المرحلة من تلك المراحل الحساسة و المهمة جداً. هذه هي هوية مجلسكم.
على أساس هذه الهوية و امتداداً لهذه الشعارات، تمّت متابعة خطوط أساسية جيدة للحق و الإنصاف، لا يمكن لأصدقائكم - أنصار المجلس - و لا لأعدائكم أن ينكروها. لقد أثبت المجلس أنه يهتم للطبقات الضعيفة في المجتمع. القضية الأساسية بالنسبة له هي جبران ضعف الطبقات الضعيفة و الفقراء و المحرومين من كثير من الامتيازات. لقد أبديتم اهتماماً لهذه الأمور - سواء في الأقوال التي قيلت أو في بعض القوانين - و هذا شيء حسن و مهم جداً.
على صعيد سياسات المادة أربعة و أربعين - و التي بوسعها إطلاق حركة اقتصادية عظيمة في البلاد - استجاب مجلس الشورى الإسلامي استجابة جيدة. هذه اللجنة الخاصة التي أشاروا لها و قد تشكّلت و هي تعمل بصورة جيدة. و لكن يجب أن يدعمها مجلس الشورى و كل النوّاب، و لا يكفي أن يتابع الأمر بضعة أشخاص أعضاء في تلك اللجنة. تقدموا و بادروا و شرّعوا قانوناً قوياً رصيناً ليكون ذكرى عنكم للبلاد.
من جملة نقاط القوة البارزة جداً في هذا المجلس مواقفه القوية و المبدئية بشأن القضايا الدولية و مواجهة الاستكبار. من السيّئ جداً أن يتلقّى أعداء الشعب المعارضون لتوجّهات هذا الشعب و أصوله فجأة ضوءاً أخضر و علامة إيجابية موافقة من قلب التشكيلات الإدارية في البلاد. هذا شيء مُخجل جداً، و الإنسان يشعر معه بالخفّة و الهوان.
منطقنا في مواجهة التطاولات الأمريكية ليس بالمنطق الضعيف. إنه منطق لو عُرض و شُرح لكل شعوب العالم فسوف ينجذبون إليه من أعماق قلوبهم. إننا لا نستخدم منطق القوة و العسف، و لا نطلق كلاماً بخلاف الشيء المألوف المتعارف. إننا نقول إن شعباً و بلداً لا يريدان السماح لقوة و امبراطورية معتدية جشعة كثيرة الادعاءات و الدعاوى ضد العالم كله أن تتطاول على مصادره الطبيعية و الإنسانية و تحدّد سياساته و تسلبه صلاحياته و حريته. يقولون: افعلوا كذا و لا تفعلوا كذا، و بيعوا كذا و لا تشتروا كذا، و اقبلوا هذا الشيء لدولتكم و لا تقبلوا ذاك الشيء! هذا هو الشيء الذي يفعله الأمريكان اليوم في الكثير من مناطق العالم. و قد فعلوه مراراً في البلدان التي كانت سابقاً تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي، و هم يفعلونه في منطقة الشرق الأوسط منذ عشرات الأعوام، و يفعلونه في آسيا و في الكثير من البلدان. إيران قالت إننا لا نريد أن تتدخّلوا في شؤوننا و أمورنا، و نريد أن نتخذ قراراتنا بأنفسنا، فهل هذا كلام سيئ؟ يقول الشعب الإيراني في مواجهته الواضحة المباشرة مع الاستكبار: لماذا تتحدثون عن حقوق الإنسان و تنتهكون حقوق الإنسان بهذا الشكل الفاضح الواضح في كل مكان مثل العراق و أفغانستان و أفريقيا و كوسوفا، و حتى في أمريكا؟! هذا ليس بالكلام الذي لا تفهمه الشعوب.
لاحظوا في الوقت الحاضر أن مسؤولي البلاد - رئيس الجمهورية أو المسؤولين رفيعي المستوى الآخرين - إلى أي بلد يسافرون و يزورن ذلك البلد، إذا استطاعوا التواجد بين الجامعيين و المثقفين أو بين عموم الشعب و التحدّث معهم، يواجهون استجابات من أعماق القلوب. لماذا؟ و قد كان الوضع هكذا في السابق أيضاً: زيارتي لباكستان، و زيارة الشيخ هاشمي لأفريقيا، و زيارات السيد خاتمي لبعض المناطق الأخرى.. و اليوم أين ما ذهب رئيس جمهوريتنا من البلدان الإسلامية، إذا سمحوا للناس هناك، سوف يستقبلونه بكل حرارة للمواقف الحاسمة التي سمعوها منه. و هذا معناه أن الشعوب - و خصوصاً في العالم الإسلامي - تستسيغ هذا الكلام.
و نحن الآن بوصفنا حكومة و شعباً و بلداً متحداً و تشكيلات و مؤسسات حكومية - و ليس على شكل جماعة أو فئة أو حزب معارض مسلح أو غير مسلح في طرف من أطراف العالم - نقف و نصمد و نقول كلمتنا، و العالم كله يعجب بنا لصمودنا هذا، و لكن فجأة تصدر من وسط جبهتنا - و خصوصاً من خيمة قيادة النظام - علامة تقول للأعداء: إننا معكم! «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوّي و عدوّكم أولياء... تسرّون إليهم بالمودّة».
وقف هذا المجلس في موقع رفيع عال هو السلطة التشريعية للبلاد، و أعلن في كل الأحداث و المنعطفات عن موقفه المناهض للاستكبار بكل صراحة و وضوح و بمنطق مقبول. و قد كان المنطق و البرهان و الدليل سائداً على كلام المجلس و سلوكه و نهجه. هذا شيء له قيمة كبيرة جداً و لا يمكن تجاهله. أصدقاؤكم يصدقون هذا و أعداؤكم أيضاً يصدقونه. هذا من الخطوط الأساسية لافتخاراتكم و يجب عليكم أن تشكروا هذه النعمة في محاسباتكم.
من امتيازات هذا المجلس خلال الأعوام الثلاثة الماضية - و الذي سيبقى إن شاء الله في العام المتبقي من هذه الدورة أيضاً - هو أنه لم يكن مصدر مماحكات سياسية و قلاقل باعثة على الخلافات و النزاعات. يشغّل الإنسان المذياع ليستمع حوارات مجلس الشورى فإذا به يواجه مجموعة من الكلمات لا يخرج منها إلّا الصراع و المعارك و التوتر.. هذا المجلس كانت له من هذه الناحية مواقف جيدة و مقبولة. طبعاً ثمة في المجلس تصريحات سأشير لها، لكن المجلس على العموم لم يكن باعثاً على التوتر، و كان جيداً في داخله. و نقل لنا حضرة الدكتور السيد حداد امتيازات أخرى و تحدث عن أعمال و أنشطة تمّت و أنجزت.
أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء.. السنة الأخيرة من سنوات الامتحان. لقد قلت لكم في بداية هذه الدورة - و قد ذكرت ذلك طبعاً لدورات سابقة من مجلس الشورى الإسلامي - إن النائب في المجلس عن المنطقة الفلانية يجب أن لا يتصوّر أن ميزة نيابته تكمن في أن يحصل على الدعم دوماً لتلك المنطقة. ليس نيابة مجلس الشورى الإسلامي بهذه على الإطلاق. يجب أن لا نتصوّر لأننا نواب المدينة الفلانية أو المحافظة الفلانية إذن يجب أن نحصل دوماً على الامتيازات لتلك المدينة أو لتلك المحافظة. هذه طريقة خاطئة و غير مبرمجة و غير صحيحة من التنافس لها تبعات سيئة. صحيح أنك انتخبت من المنطقة الفلانية، لكنك لست نائباً لتلك المنطقة فقط، بل أنت نائب كل الشعب. و شأن مجلس الشورى الإسلامي هو التشريع و ليس الحصول على الاعتمادات و المساعدات العمرانية و غير ذلك لتلك المنطقة. انظروا لدستور البلاد. شأنكم هو أن تشرّعوا القوانين، و لكن شرّعوا قانوناً يكون رصيناً و جيداً و شاملاً بحيث يعالج مشكلات منطقتكم في ما يعالج. لتتكرّس حالة الوعي هذه في السنة الأخيرة، و نقولها لكم و ندعوكم للتدقيق فيها من دون مجاملات و تردّد. إذن، السنة الأخيرة سنة الامتحان الإلهي. و قد كان الحال هكذا دائماً، و هو كذلك الآن أيضاً. دققوا و كونوا على حذر.
ما يبدو لي أن يتمّ في هذه السنة - من منطلق التصوّر بأنكم و بسبب وجود فرصة عام آخر أمامكم للعمل للناس في إطار مجلس الشورى الإسلامي، فإن هذه السنة بدورها تمثل فرصة مهمة - هو أن تنظروا ما هي الأولويات و الأشياء المهمة و تتابعوها بكل اهتمام و جدّ. و طبعاً قدّم لي رئيس المجلس المحترم قبل مدة لائحة تضم خمس عشرة أو ست عشرة نقطة، و كانت نقاطاً جيدة، و طبعاً أنا لا أعيّن و لا أرجّح، و لكم الأمر أنتم. اختاروا مجموعة من القضايا و الأمور المهمة و الأساسية و الدائمية فعلاً للبلاد، أو التي تتسم بالفورية و الفوتية - حتى لو لم تكن أساسية جداً لكنها فورية بسبب الظروف الراهنة في البلاد - و تابعوها بجدّ من دون النظر لقضايا خاصة قد تحدث لأيّ إنسان كان من قبيل القضايا الفئوية و الشخصية و غير ذلك. هذه السنة المتبقية يمكنها أن تكون سنة مباركة.
طبعاً بخصوص تلك الخطوط الأساسية المهمة التي كان من الضروري أن أذكرها كامتيازات مهمة، هناك موقفكم القاطع في الملف النووي و هو من النقاط المميزة. لقد عملتم بشكل جيد جداً. الشيء و العمل الصحيح هو ما فعلتم من إلزام الحكومة بالصمود، و الحكومة نفسها تريد هذا الشيء و في الصفوف الأمامية لهذه العملية. و هذا من مصلحة البلاد و المستقبل تماماً. و عليكم الاهتمام بالطبقات الضعيفة و المحدودة الدخل كما كنتم في السابق.
حين نقول خوضوا في الأعمال و الأمور الأساسية، فبهذه الملاحظات الأساسية الأخرى الموجودة في هذه العملية. مثلاً قال الإمام الخميني ذات مرة لنواب مجلس الشورى الإسلامي: صحيح أن كل ما تصادقون عليه يذهب إلى مجلس صيانة الدستور، و إذا كان معارضاً لدستور البلاد فسوف يرفض، لكن هذا لا يعني أن تصادقوا على شيء تعلمون من البداية أنه يعارض دستور البلاد، و ترسلوه إلى هناك ليرفضوه، ثم يكون هناك مجمع تشخيص مصلحة النظام ليفصل في هذه الخلافات! لا، هذا تضييع لوقت المجلس: مناقشة قوانين تتعارض بصراحة مع دستور البلاد أو الخوض في تفاصيل القضايا التنفيذية.
طبعاً العلاقات بين مجلس الشورى الإسلامي و الحكومة علاقات جيدة، و أنا أعلم كيف هي العلاقات بين المجلس و الحكومة. الحمد لله التوجّهات العامة توجّهات متطابقة، رغم وجود بعض الاختلاف في الأذواق. و بخصوص اختلافات الأذواق و السلائق يجب بالتالي على كل طرف أن يتنازل قليلاً ليمكنهم ترتيب الأمور. أقول هذا من باب النظرة التي تركّز على المصالح الأساسية: يجب مواكبة الحكومة. للحكومة منحى صحيح في إدارة البلاد. في كل الأمور و البرامج قد تكون للحكومات اختلافات في وجهات النظر مع المجالس أو مع بعض النخبة أو مع بعض الأفراد الآخرين. لا يمكن لأي شخص في هذه الاختلافات في وجهات النظر أن يدّعي أن الحق مع هذا الطرف أو ذاك الطرف قطعاً و في كل المواطن. قد يكون الحق مع هذا الطرف تارة و مع ذلك الطرف تارة أخرى. لكن هذا يجب أن لا يؤدّي إلى إضعاف الحكومة المبدئية المؤمنة بأسس الثورة و الشديدة الفاعلية و النشاط و الخدمة و الحراك. لاحظوا هذه النقطة و خذوها بنظر الاعتبار.
لا نقصد أنه يجب عدم الانتقاد، لكن الانتقاد على نحوين. علامة كون النقد نقداً مخلصاً هو أن الإنسان حين يعرض النقد يذكر نقاط القوة أيضاً إلى جانب نقده، ليتضح أن رأيه ليس من أجل الانتقام و الإذياء. و إلّا إذا كان لدينا منظومة لها نقاط ضعف و نقاط قوة. و حين ننتقدها لا نذكر على الإطلاق نقاط قوتها و لا نأبه لها، ثم نذكر تباعاً نقاط ضعفها التي قد تكون واحدة أو اثنتين أو عشراً، فمن الواضح أن هذا إضعاف لها و نيل منها. المؤشر و الدليل على أننا لا نروم النيل منها هو أن نشير في ما نشير إلى نقاط قوتها. و إذا كان لدينا نقد و مؤاخذة نذكرها أيضاً. هذا مما لا إشكال فيه و لا يعارضه أحد.
بالتالي هذا التناسق و الانسجام بين مجلس الشورى الإسلامي و الحكومة من خيرات هذه الدورة من المجلس. و لهذا التناسق أعداؤه.. هذا ما أقوله لكم و أؤكد عليه. ثمة من يعارضون الانسجام بين الحكومة و المجلس. و قد قالوا و رفعوا الشعارات منذ البداية بأنهم جعلوا المجلس و الحكومة متجانسين، و الحال أنه لم يكن لأحد تأثير في هذا التجانس. الشعب هو الذي فعل هذا الشيء و هو الذي انتخب الحكومة و المجلس بهذه الطريقة. و قد خرجا متجانسين، فما نفعل؟ ليس هذا التجانس بعيب، بل هو حسن و نقطة إيجابية، ليستطيعوا العمل سوية و متابعة أهداف مشتركة.
دققوا في التصريحات التي تذكرونها و تطلقونها - سواء كلمات ما قبل جدول الأعمال، أو كلمات التنبيه، أو سبل الإشراف على الحكومة: الأسئلة و التنبيهات و الاستيضاحات - فلا يستلم الطرف المقابل و الأعداء في الجبهة المقابلة إشارات خاطئة بسبب غفلتهم. ففي بعض الأحيان قد لا يكون لنا نوايا سيئة، لكننا نتحدث بشكل نوقع فيه الطرف المقابل في الخطأ، فيتصوّر أن هناك تياراً أو ميولاً قريبة إليه بين هذه المجموعة أو الفئة، فيتشجّع و يكتسب المعنويات و الاندفاع. احذروا من أن يكتسب العدو معنويات و اندفاعاً.
على كل حال ما نستطيع أن نقوله لكم في ختام هذه الأعوام الثلاثة هو «ساعدكم الله». عسى أن يعينكم الله لتستطيعوا مواصلة هذا الصراط المستقيم إن شاء الله بعيداً عن المزالق و المزلّات، و أن تحذروا من مزلّات أقدامكم. في رواياتنا و أحاديثنا توصيات باجتناب مواطن الشبهة، لأن الاقتراب من مواطن الشبهات يعرّض الإنسان لأخطار المزالق و الزلل. لذا نتمنى أن يؤيدكم الله سبحانه و تعالى و يوفقكم و يعينكم لتستطيعوا أن تحققوا في ختام هذه الدورة صحيفة مشرقة مقبولة عند الله سبحانه و تعالى.
و السّلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته.