بسم الله الرحمن الرحيم
أرحب بكم و أبارك لكم جميعاً أيها الإخوة و الأخوات. أتمنى من الله سبحانه و تعالى ببركة هذا الشهر الشريف و المولود العظيم في هذه الأيام سيدنا بقية الله الأعظم الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) أن يشملكم جميعاً و يشمل كل شعب إيران بفضله و رحمته و هدايته.
مناسبة السابع من تير مناسبة بارزة مهمة. مع أنه يجري في هذه الأيام تكريم السلطة القضائية و استعراض جهود و مساعي الأعزاء العاملين في هذه السلطة أمام أنظار العموم - و هذا فعل مناسب و في محله - بيد أن حادثة السابع من تير حادثة ذات صلة بمصير الثورة و نظام الجمهورية الإسلامية، فهي حادثة حاسمة مصيرية للجمهورية الإسلامية. مع أن شهداء هذه الحادثة كانوا من خيرة و من أبرز عناصر نظام الجمهورية الإسلامية و الثورة الإسلامية، و سوف لن تنسى ذكراهم أبداً - و خصوصاً الشخصية النورانية البارزة للمرحوم آية الله الشهيد بهشتى (رضوان الله تعالى عليه) و سائر الشهداء - و لكن مع ذلك أبرزت هذه الحادثة وجه النفاق في البلاد، و من وراء عناصر النفاق كشف عناصرُ الاستكبار عن أنفسهم. بالنسبة للنظام الفتيّ، ليس انكشاف وجه الأعداء بالشيء القليل. المنافقون الذين كانوا يطرحون أنفسهم على أنهم أتباع لله و لرسول الله و للإسلام و نهج البلاغة فضحوا أنفسهم بهذه الحادثة، و أثبتوا كم هم أعداء و معارضين لأركان النظام الإسلامي، و وجوهه المقبولة، و شخصياته المبرّزة، و علمائه الكبار، و خدمته الصادقين الكفوئين.. لقد انكشفت حقيقتهم و أميط اللثام عن وجوههم. لو لم تقع حوادث معدودة من قبيل السابع من تير و لو لم يخسر الشعب الإيراني العزيز هذه الأرصدة لما استطاع يقيناً تشخيص وجه المنافقين بهذا الوضوح، و لاستمرّ المنافقون في تغلغلهم و اندساسهم - «و لأوضعوا خلالكم» (1) - و لاستطاعوا أن يطرحوا أنفسهم على أنهم مقبولين. كان في هذه الحادثة فضح لحقيقة المنافقين الدرنة. أعداء الإسلام الأساسيون الأصليون، أي الاستكبار و الصهاينة دعموهم فانكشفت وجوههم هم أيضاً. صحيح أن هذه الحادثة سلبتنا بعض أرصدتنا، على أن هذه الشهادات و هذه الدماء المراقة بغير حق كانت فيها ثمار كبيرة لشعب إيران، شأنها في ذلك شأن كل حالات الاستشهاد، فهكذا هي الشهادة. القتل في سبيل الله و سفك دماء المظلومين في سبيل الله لها هذا الأثر القهري الطبيعي بأن يكون فيها مكتسبات للأمة الإسلامية و للشعوب المسلمة و لتاريخ الإسلام. إننا لن ننسى ذكرى هؤلاء الشهداء أبداً، و لن ننسى ذكرى هذه الحادثة إطلاقاً. قيمة الفدائيين الذين اجتمعوا في ذلك المجمع قربة إلى الله و تعرّضوا لذلك الهجوم الظالم الوحشي، محفوظة عند الله تعالى و عند شعب إيران.
و لنذكر بعض النقاط حول السلطة القضائية: أولاً نشكر رئيس السلطة القضائية المحترم. كانت كلمته اليوم كلمة وافية و مفيدة و منوِّرة جداً. و هناك خلف هذه الكلمة خطوات و جهود قيمة. و يجب بحق تقديم الشكر له و لمسؤولي السلطة القضائية رفيعي المستوى، و لكل واحد من العاملين في هذه السلطة، و للقضاة المحترمين و العاملين القضائيين و غير القضائيين في السلطة. ما تمّ و أنجز قيم جداً و باتجاه رفع كفاءة السلطة القضائية.
ما أقوله هو أن هناك هدفين عاليين يجب وضعهما دوماً نصب الأعين، و ينبغي أن تتم كل الأمور و الأعمال باتجاه تحقيق هذين الهدفين العاليين، و إذا تحقق هذان الهدفان فسوف يذوق المجتمع الإسلامي الثمار الطيبة لذلك. و الهدفان هما أولاً نزاهة السلطة القضائية و الثاني كفاءتها. يجب أن تنصب كل الجهود على أن تتحوّل هذه السلطة إلى منظومة كفوءة تماماً و نزيهة تماماً. إذا كان هذا عندئذ سيذوق الناس ثمار ذلك. فما هي ثمار ذلك؟ إنه الشعور بالرضا و الأمن بفضل وجود السلطة القضائية. هذا شيء لازم للبلد و للمجتمع. كل هذه التأكيدات في الإسلام و في النصوص الإسلامية و في القرآن الكريم و في الروايات على القضاء و الفصل في الخصومات بسبب أن يشعر المجتمع بالرضا، و يشعر كل مظلوم أن بوسعه إيصال نفسه إلى ساحل أمان السلطة القضائية و يحول دون الظلم. هذا شيء ضروري و لازم.
كما قلت مراراً و أشار رئيس السلطة القضائية المحترم الآن ينبغي دوماً مراقبة النتائج و تقدم الأعمال و الأمور و تطورها. كل هذه الأعمال التي ذكرت لازمة و كانت لازمة. و ستحصل نتائجها عندما تتابع هذه الأعمال بدقة و تراعى و تراقب خطوة خطوة، حتى نستطيع الوصول إلى النتيجة المطلوبة. إذا كان هذا فستكون السلطة القضائية إن شاء الله الشيء الذي أراده الإسلام و القرآن الكريم لهذه السلطة و لهذه المنظومة الكفوءة في المجتمع.
طبعاً ثمة ثغرات. صحيح ما قالوه من أنه رغم كل هذه الأعمال و الجهود الإيجابية لا تزال هناك مسافة بين ما هو موجود في الواقع و بين المأمول من مسؤولي السلطة القضائية و ما يريده الإسلام و القوانين الإسلامية. و هذا سهل بالكلام و اللسان لكنه للحق عملية صعبة، فالسير في هذه السبل و صيانة هذه الخصوصيات خطوة خطوة عملية صعبة حقاً، و لكن ينبغي طلب العون من الله. يجب قطع هذه المسافة. و طبعاً لا نتوقع قطع هذه المسافات خلال سنتين و خمس سنوات، و لكن يتحتم السير باتجاه ملء الفراغات. هذا ما نقوله. كل مسؤولي السلطة القضائية على اختلاف المستويات يجب أن يعتبروا أنفسهم بحق مكلفين بإيصال السلطة القضائية إلى هاتين الخصوصيتين، أعني النزاهة و الكفاءة. و بالطبع فإن النواقص و الثغرات واضحة للسادة المحترمين و المسؤولي في السلطة، فالتقارير التي يرفعونها تدل على معرفتهم بالثغرات، و كذلك المحادثات التي تجري تدلّ على ذلك، و يشعر المرء من خلال كل هذا أن هذه الثغرات معروفة لدى المسؤولين في الجهاز القضائي. و أحياناً تعنّ لنا بعض النقاط نذكرها لرئيس السلطة القضائية المحترم و لبعض المسؤولين فيها، و ننبّههم لها. على كل حال، نقاط الضعف و الثغرات واضحة. و يجب العمل بجدّ لملء هذه الثغرات و ردمها، و يتعيّن عدم الاستسلام لليأس، إنما ينبغي التقدّم بالعمل إلى الأمام و تحسين وضع السلطة القضائية و العمل على ازدهارها يوماً بعد يوم.
طبعاً ثمة هنا نقطة هي أن تقدّم الأمور و المشاريع و الوصول إلى الهدف ممكن عن طريق العمل بالخطط و البرامج. هذه الأمور ممكنة عن طريق البرمجة. و لحسن الحظ فقد تمّت المصادقة على الخطة الثالثة و إبلاغها. إنها خطة آخذت بالتطوّر في منظومة السلطة القضائية بهذه التفاصيل التي ذكروها.. هذه التعميمات و الضوابط المتنوّعة.. يجب أن لا يكون هناك أي تساهل في السير على أساس الخطط و البرامج. و إذا كان هذا لتحسّن وضع السلطة القضائية باطرّاد إن شاء الله.
انتهز هذه الفرصة و أتقدّم بالشكر للشعب الإيراني الكبير ذي البصيرة و الوعي العاليين بخصوص العمل الكبير الذي قام به في هذا الفصل، ألا و هو قضية الانتخابات. لا يمكن أن نُخرج هذه المسألة المهمة الأساسية عن دائرة التحليل و التذكير و الاهتمام. الحادثة التي راح معارضو الجمهورية الإسلامية و أعداؤها منذ ما يقرب السنة من الزمان يبرمجون و يخططون لها سلبياً و ينفقون الأموال و يفكرون و يصرخون و يمارسون شتى الأعمال و يطلقون مختلف أنواع الضغوط من أجل أن يصوغوا هذه الحادثة بالشكل الذي يريدونه.. إما أن لا تكون هناك انتخابات أو أن لا تواجه الانتخابات إقبالاً كبيراً من قبل الناس، بل تواجه إهمالهم و عدم اكتراثهم. أو حتى بعد الانتخابات، كانوا يريدون أن تكون هناك ذرائع تمكّنهم من متابعة مقاصدهم المشؤومة في البلد. لقد خططوا لكل ذلك. و هذه كلها ليست بالأخبار الخفية السرية أو المعلومات الخاصة السرية. الكثير من هذه الأمور معلومات واضحة علنية. كل من ينظر في سلوكيات جبهة أعداء الجمهورية الإسلامية طوال هذا العام المنصرم أو يسمع بها يدرك أنهم خططوا لمثل هذه الأمور.
طيّب.. الشيء الذي حصل كان عكس ما أرادوه مائة و ثمانين درجة.. فهل هذا بالشيء القليل؟ هل هذا بالحدث الصغير حتى يعتّموا عليه و يمرّوا عليه مرور الكرام بتحليلاتهم الهزيلة؟ كلا.. لقد سطع الشعب الإيراني بعظمته، و فعل فعلاً كبيراً ضخماً، و أبدى عن نفسه مهارة في ساحة مواجهة الأعداء الدوليين و خصوماتهم و أحقادهم. لماذا يخفون هذا؟ و لماذا لا نكرّر هذا الشيء مراراً؟
كانت في هذه الانتخابات عدة نقاط أساسية. طبعاً هناك نقاط كثيرة لكنني أذكر اثنتين أو ثلاثاً منها. إحدى هذه النقاط تتعلق بالتواجد و المشاركة الجماهيرية في الانتخابات. راحوا يبثون الشبهات و الشكوك منذ فترات حول صحة الانتخابات و منفذّيها و المشرفين عليها.. أشاعوا ما أشاعوا من أجل تثبيط الناس و بثّ الشكوك و التردّد في نفوسهم عسى أن لا يحضروا عند صناديق الاقتراع، لكن الناس عملوا بعكس ذلك. و كان الأمر بحيث لم تستطع حتى وسائل إعلام العدو نفسه إنكار الحقيقية و تجاهلها. في يوم الانتخابات و أثناء ساعات الاقتراع قالت وسائل إعلام العدو أن الإقبال الجماهيري على الانتخابات كبير، و الانتخابات حماسية، و الكل توجّهوا نحو صناديق الاقتراع، و منذ الصباح. هذه ظاهرة على جانب كبير من الأهمية. إذن القضية الأولى هي تواجد الشعب و مشاركته، و التي كان لها مغزى مهم.
كان معنى مشاركة الجماهير أنهم يحبّون مصير البلاد و يهتمون له، و أنهم منشدّون لنظام الجمهورية الإسلامية الذي تعدّ هذه الانتخابات من أركانه و أصوله، و أنهم يثقون بالأجهزة التي تقيم الانتخابات سواء التنفيذية منها أو المشرفة، و أنهم آملون و متفائلون بالحركة التقدمية المتواصلة للبلاد. قضية الثقة هذه على جانب كبير من الأهمية. إلى جانب وعي الجماهير و بصيرتهم في هذه المشاركة فإن الثقة العامة بدورها نقطة مهمة جداً. و اللافت أننا قلنا لأبناء شعبنا العزيز الذين يحبّون نظامهم بالتالي و يأتون للإدلاء بأصواتهم، و لكن إذا كان هناك شخص لا يودّ النظام الإسلامي و لا ينظر له بإيجابية إلّا أنه يهتم لبلاده و لمصالح بلاده، فليأت هو أيضاً و يشارك في الاقتراع. و يفترض أن بعض هؤلاء الأفراد قد جاءوا فعلاً و اقترعوا. فعلى ماذا يدل هذا؟ يدلّ على أنه حتى الذين لا يناصرون النظام يثقون به، و هم أيضاً يعلمون أن نظام الجمهورية الإسلامية بمقدوره صيانة مصالح البلاد و العزة الوطنية و الدفاع عنها. مشكلة الحكومات في البلدان المختلفة أنها غير قادرة حيال الهجمات العالمية و الطامعين الدوليين على الدفاع عن شعبها و مصالحها و عزتها. و الجمهورية الإسلامية تقف بقوة كالأسد مقابل الأعداء و تدافع عن مصالح الشعب. هذا ما صدّقه حتى الذين جاءوا و شاركوا في الانتخابات لكنهم قد لا يؤمنون بالنظام، فقد أثبتوا أن الثقة بنظام الجمهورية الإسلامية حالة عامة.. هذه أيضاً نقطة على جانب كبير من الأهمية.
نقطة أخرى كانت في هذه الانتخابات و غالباً ما يُغفل عنها، هي أن هذه الانتخابات كانت انتخابات رئاسة الجمهورية و المجالس البلدية معاً. انتخابات رئاسة الجمهورية تقام في كثير من البلدان مصحوبة باشتباكات و خصومات و معارك و ضرب و إصابات و ربما حالات قتل. و انتخابات المجالس البلدية في المناطق النائية أكثر حساسية من هذه الناحية حتى من انتخابات رئاسة الجمهورية. فهناك إمكانية النزاع و المناوشات بين طائفتين في القرية الفلانية أو المدينة العلانية، و بين هذه القرية و تلك، أو بين جماعات مختلفة داخل قرية واحدة أو مدينة واحدة. و لم يحدث أي شيء و لم تصل تقارير أي شيء في هذا البلد الواسع و التراب المترامي و في عشرات الآلآف من المدن و القرى في كل أرجاء البلاد فيه دلالة على تضعضع الأمن. فهل هذا بالشيء القليل؟ «نعمتان مجهولتان الصحّة و الأمان». الأمن بالنسبة لشعب من الشعوب من أهم الحاجات و أوّلها. إذا كان الأمن كان التقدم و كان النمو العلمي و كان الازدهار الاقتصادي و كان بناء البلد و إمكانية إعماره. لقد عبّر الأمنُ عن نفسه و عن وجوده بهذه المديات في هذا البلد خلال الانتخابات الأخيرة. كلما أرادت الأجهزة الأمنية في بلادنا أن تعبّر عن هذه الحقيقية إعلامياً لما استطاعت ذلك كما استطاعته الانتخابات الأخيرة حيث عبّرت عن هذه الحقيقية بكل جلاء. لقد أثبتت هذه الانتخابات أن هناك أمناً جيداً و الحمد لله في هذا البلد و في مناطقه المختلفة على اتساعها، و الفضل في ذلك يعود إلى مواكبة الناس و تعاونهم و وعي المسؤولين. هذه أيضاً نقطة.
و نقطة أخرى اعتقد أنها كانت بارزة في هذه الانتخابات، و من اللازم أن يشكر الإنسانُ اللهَ عليها هي أن المرشّحين على اختلافهم تصرّفوا بعد الانتخابات بنجابة و كانت ردود أفعالهم متطابقة مع النزعة القانونية و الالتزام بالقانون. و هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. ذهبوا و التقوا برئيس الجمهورية المنتخب بطريقة أخوية و ودّية و باركوا له و أبدوا ارتياحهم. و أرى لزاماً عليّ أن أتقدم بالشكر لهؤلاء السادة. هذا ما يُشعِر الناسَ بالحلاوة و النجاح. أما لو كانوا قد أبدوا مشاكسات و سلوكاً بعيداً عن النجابة و تذرّعوا بشيء و أطلقوا نزاعات و معارك - و يمكن إطلاق المعارك بأية ذريعة - لشعر الناس بالمرارة و الإحباط. و هذا هو سبب شكاوانا المتكرّرة و عتابنا و انتقادنا لأحداث سنة 88 . يشعر الشعب بالانتصار في انتخابات عظيمة رائعة، فيأتي بعد ذلك شخص أو شخصان أو أربعة أشخاص و يجعلوا الأمر مرّاً على الشعب، و الحال أن هناك طرقاً قانونية و الباب مشرع للالتزام بالقانون. هذا ما وقع في تلك السنة و شعر الناس بالمرارة و حُرموا من حلاوة الانتخابات. أما في انتخابات هذا العام فلا.. شعر الناس بالحلاوة و الفرحة و الحمد لله. السلوكيات و التصرفات يجب أن تكون قانونية. تأكيداتنا المتكررة على مراعاة القانون و الالتزام به، هذه هي نتائجها. حين يراعى القانون يشعر الناس بالحلاوة و الفرحة و الابتهاج. يجب أن يكون هذا درساً لنا على الدوام. و على الناس أن يتفرّسوا في مثل هذه القضايا و ينظروا و يعرفوا الشخصيات السياسية. الشخصية السياسية التي تتعامل مع الأمور بنجابة و طريقة قانونية يرغب فيها الناس و ينجذبون لها. و الأشخاص الذين لا يأبهون للقانون و يتهرّبون منه - بأية ذريعة من الذرائع - هؤلاء أيضاً يشخّصهم الناس و ينفرون منهم. هذه أيضاً نقطة أساسية.
على كل حال كانت الانتخابات بحق ظاهرة بارزة و مهمة، و كان هذا فضل الله و لطفه حيث هدى قلوب الشعوب و دخلت القوى و الكتل الشعبية العظيمة إلى الساحة و خلقت هذه الملحمة. لقد تحوّلت الانتخابات إلى ملحمة بحق. و حقق الشعب ما كان يتمنّاه الخيّريون و هو تحقق ملحمة سياسية.
و الآن يجب على الجميع مساعدة الشخص الذي انتخبه الشعب. على الأجهزة المختلفة أن تساعده.. هذا هو ما نقوله. إدارة أمور البلاد أيها إخوة و الأخوات عملية صعبة. يمكن القعود بعيداً و تسجيل الإشكالات و المؤاخذات. و قد ضربنا كثيراً مثال شخص يجلس إلى جانب المسبح و يُشكل على الشخص الذي يُلقي بنفسه من القفازة إلى الماء من فوق عدة طوابق، فيقول: هنا التوت قدمُه، و هنا لم تكن يده مستقيمة، و هنا لم يتحرّك بصورة جيدة. تسجيل الإشكالات و المؤاخذات عملية سهلة، و لكن إذا تقرّر أن نذهب بأنفسنا إلى الأعلى و نريد أن نلقي بأنفسنا لوجدنا أننا لا نجرؤ على ذلك. تسجيل الإشكالات و الاعتراضات سهل. لا نقول يجب أن لا يعترض أحد على شيء و لا ينتقد و لا يُشكل.. بلى.. الانتقاد و الاعتراض السليم مفيد يقيناً لتقدم البلاد، و لكن يتعيّن التنبّه كذلك إلى أن العمل التنفيذي صعب. و قد انتخب الشعب و الحمد لله رئيساً للجمهورية، و على الجميع مساعدة رئيس الجمهورية هذا. و ينبغي عدم تصعيد التوقعات و عدم التعامل و الحكم على الأمور بصورة متسرّعة، ليتمّ إن شاء الله إنجاز الأعمال المهمة في البلاد.
و بخصوص التصريحات التي أدلى بها المرشحون المحترمون في التلفزيون ذكرتُ قبل الانتخابات أن لي بعض الكلام و التعليق. و لا مجال كثيراً الآن ليدخل المرء في التفاصيل، لكن إحدى النقاط التي نريد ذكرها هي هذه.. نعم ثمة نقاط ضعف، و لكن ينبغي مشاهدة نقاط القوة أيضاً. و الحكومة الحالية لها نقاط قوة كثيرة، و لنفترض أن لها نقاط ضعف إلى جانب ذلك. من منا ليس فيه نقطة ضعف في عمله و أدائه؟ يجب رؤية نقاط القوة أيضاً. لقد أنجزت أعمال مهمة في البلاد. الخدمات التي تمّ تقديمها و مشاريع البُنى التحتية التي أنجزت و البناء الذي حصل.. يجب عدم تجاهل هذا كله. هذه أمور تم تجاهلها غالباً في تصريحات المرشحين المحترمين أثناء برامجهم الإعلامية طوال أسبوعين أو ثلاثة أسابيع. كم كان حسناً حين يتحدثون عن المعضلات الاقتصادية و الغلاء و التصخّم على سبيل المثال - و هذه أمور حقيقية بالطبع - أن يذكروا إلى جانب ذلك الأعمال التي أنجزت إنجازها و الجهود التي بذلت. التعامل بهذه الطريقة ليس من الإنصاف. على المرء أن يرى الجوانب الإيجابية و الجوانب السلبية أيضاً. طبعاً من البديهي أن يرى الشخص الذي يرشّح نفسه أمام الجماهير النواقص و الثغرات و يذكرها للناس.. لا إشكال في ذلك، و لكن ينبغي عدم النظر و التفكير بطريقة مطلقة في هذا الصدد. يجب ذكر النقاط الإيجابية أيضاً إلى جانب النقاط السلبية التي تذكر.
و أذكر هنا نقطة حول الموضوع النووي - و قد أذكر في المستقبل تفاصيل أكثر إذا اقتضت الضرورة - ذكرت في كلمة اليوم الأول من السنة أن الجبهة المعارضة لنا و المقتصرة غالباً على عدد قليل من البلدان المتعسفة و الجشعة التي تسمّي نفسها خطأ و كذباً المجتمع الدولي، و على رأسها أمريكا، و محرّضهم الأصلي هم الصهاينة، قضيتهم هي أنهم لا يريدون للموضوع النووي الإيراني أن يُحلّ. و لو لا لجاجتهم لتمّ معالجة الموضوع النووي بسهولة. و قد تقدمنا مرّات إلى لحظة الحلّ، و وقّعوا، و وقّعت الوكالة الدولية للطاقة النووية، و وافقت على أن هذه الإشكالات التي كانت موجودة قد ارتفعت - و هذه أمور موجودة و على شكل وثائق و مما لا يقبل الإنكار - و كان يجب للقضية أن تنتهي بطبيعة الحال، و للملف النووي الإيراني أن يغلق، إلّا أن الأمريكان سارعوا إلى طرح شيء جديد لأنهم لا يريدون لهذه القضية أن تنتهي. لدينا نماذج متعددة في هذا النطاق. حل القضية النووية للجمهورية الإسلامية حسب طبيعتها من الأمور السهلة اليسيرة المرنة، و لكن حين لا يرغب الطرف المقابل بحلّ القضية، فسيحصل هذا الذي تلاحظونه.
و عليه ينبغي أن يتبّهوا إلى هذا.. الجمهورية الإسلامية تصرفت في القضية النووية بصورة قانونية و بشكل شفاف و واضح. و كانت منطقية من حيث الاستدلال و البراهين، لكنهم اعتبروا هذه القضية نقطة مناسبة للضغط على الجمهورية الإسلامية. و لو لم تكن هذه القضية لطرحوا قضية أخرى لممارسة ضغوطهم. هدفهم هو التهديد و الضغوط و الإتعاب. و قد قالوا هم أنفسهم إن الهدف هو تغيير النظام السياسي و الآليات السياسية. طبعاً في كلامهم الخاص أو في رسائلهم التي يبعثونها أحياناً يقولون: لا، إننا لا نريد تغيير النظام. بيد أن هذه القضية واضحة تماماً في ثنايا كلامهم و تصريحاتهم و من خلال أعمالهم. الشعب الذي لا يخضع لأوامرهم و لا يعمل طبقاً لرغباتهم و ذوقهم سيغضبون عليه. و الحكومات و الدول إذا كانت مطيعة خاضعة مقابلهم فهي مقبولة عندهم. لا الديمقراطية مهمّة بالنسبة لهم، و لا حقوق الإنسان، و لا القضايا النووية. القضية هي أن الجمهورية الإسلامية تقف على أقدامها و اعتماداً على قدراتها الذاتية و بالاعتماد على الله تعالى، و تتقدّم في شتى الميادين و المجالات، و هذا ما لا يرتاحون له، فدعهم لا يرتاحوا له. طبعاً تجربة الجمهورية الإسلامية و الشعب في إيران تقول إن المنتصر في هذا الطريق هو شعب إيران و هو الذي سيوجّه صفعة لوجوه الأعداء.
طريق نظام الجمهورية الإسلامية هو طريق الله، و الأهداف أهداف إلهية، و السند هو الإرادة الإلهية، و مثل هذا الطريق لا يصل أبداً إلى طريق مسدود. يجب أن يعلم الجميع و يكونوا واثقين بأنه لن يكون في دربنا طريق مسدود بتوفيق من الله و بإذنه سبحانه و تعالى. كما أن الشعب الإيراني تقدم إلى الأمام لحد الآن يوماً بعد يوم، نتمنى أن يتواصل هذا التقدم بعد الآن أيضاً إن شاء الله بإبداعات المسؤولين و جهودهم و تحركاتهم و هممهم و توكلهم على الله، و أن يكون الشعب الإيراني كله مشمولاً بالأدعية الزاكية لسيدنا بقية الله الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه)، و أن تكون الروح الطاهرة للإمام الخميني و أرواح الشهداء راضية عنا و عنكم.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - سورة التوبة، الآية 47 .