09/08/2013 م
الخطبة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، نحمده و نستعينه و نستغفره و نتوكّل عليه، و نصلّي و نسلّم على حبيبه و نجيبه و خيرته في خلقه، حافظ سرّه و مبلّغ رسالاته، بشير رحمته و نذير نقمته، سيّدنا و نبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد، و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين المكرّمين، سيّما بقية الله في الأرضين.
أوصيكم و أدعوكم جميعاً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء المصلون و المؤمنون الحاضرون في هذا التجمّع العظيم، و أوصي و أدعو نفسي إلى رعاية التقوى و الورع فهما سبب السعادة و الفوز في الدنيا و الآخرة. و أبارك عيد الفطر السعيد لكم جميعاً و لكل الشعب الإيراني و لكل المسلمين في العالم.
مرّ شهر رمضان على شعبنا و على سائر المسلمين مفعماً بالبركات الإلهية، و تمتع كثير من السعداء ببركات و خيرات هذا الشهر. في هذا الجوّ الحار و في هذه النهارات الطويلة و بأفواه صائمة و شعور بالجوع و العطش و اجتناب للملذات و الأهواء النفسية، قضوا النهارات في طاعة الله و الليالي بالدعاء و الذكر و المناجاة و القيام لله. الذين قاموا بواجباتهم بعبادة الله و أداء الفرائض الإلهية في هذا الشهر، يشعرون بالرضا و البهجة. الأعمال المعنوية و مجاهدة النفس في هذا الشهر يمنح أصحاب الهمم و الإرادة، و هم أنتم أيها الشعب العزيز ممن تحمّلتم الصيام، الشعور بالفرح و المسرّة المعنوية. هذه من خصوصيات العمل لله و السعي و المجاهدة في سبيله، و هي أن العامل و المجاهد رغم تحمّل الصعاب و المشاق يشعر بالفرح، و قد وصل الله هذه الفرحة بفرحة يوم عيد الفطر، و يكفي لعظمة هذا اليوم أنكم في الأدعية التسعة لقنوت هذه الصلاة المباركة تقسمون على الله بهذا اليوم: «أسئلك بحق هذا اليوم» (1). و هذا دليل على المرتبة السامقة لهذا اليوم.
نتمنى أن يتقبل الله تعالى أعمالكم و يجزل رحمته و فضله على شعب إيران، و يثيبكم أجراً جزيلاً على جهودكم و مشاقكم في هذا الشهر. من الجهود الكبرى في هذا الشهر مظاهرات يوم القدس، و للحق لا يمكن وصف أهمية ما قمتم به بأيّ لسان، حيث خرجتم إلى الشوارع في هذا الجوّ الحار في كافة أنحاء البلاد و أنتم صيام من أجل أن تثبتوا صمود شعب إيران بشأن هذه القضية المهمة من قضايا العالم الإسلامي و تاريخ الإسلام. هذا هو معنى الشعب الحيّ. من الضروري أن أتقدم بالشكر من كل كياني و من أعماق قلبي لشعب إيران على همّته هذه.
و قد لوحظت في هذا العام سُنّة حسنة أكثر من السنين الماضية، و من الجدير التنبّه لها و الاهتمام بها، ألا و هي توزيع طعام الإفطار البسيط في المساجد و في الشوارع في معظم مدن البلاد - و هو عمل لائق جداً - مقابل طعام الإفطار المشتمل على الإسراف الذي سُمع و ذاع أن البعض و بذريعة الإفطار يقومون بأعمال مسرفة، و بدل أن يتحول شهر رمضان إلى وسيلة للتقرب الروحي من الفقراء و المعوزين، يغرقون أنفسهم بأعمالهم هذه في الملذات الجسمية. لا نريد القول إنه إذا تناول شخص طعاماً طيّباً في إفطاره فقد قام بعمل ممنوع، لا، الشرع لم يمنع هذه الأمور، إنما الإسراف هو الممنوع، و التمادي هو الممنوع، و التبذير الكثير الذي يحدث في مثل هذه المجالس أحياناً هو الممنوع. ما أحسن أن يعمل الذين يريدون توزيع طعام الإفطار بهذه السنّة الحسنة، فيولموا للناس و للمارّة و للذين يريدون تناول طعام الإفطار على هذه الموائد المجانية و بجود و كرم في الأزقة و الشوارع و الحسينيات.
نتمنى أن يمنّ الله تعالى عليكم جميعاً يا شعب إيران بالبركة، و يتقبّل أعمالكم و يوفقكم للحفاظ على مكتسبات شهر رمضان المبارك إلى العام القادم.
بسم الله الرحمن الرحيم
و العصر، إن الإنسان لفي خُسر، إلّا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر. (2)

الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على سيّدنا و نبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيما عليّ أمير المؤمنين، و سيدة نساء العالمين، و الحسن و الحسين، سبطي الرحمة و أمامي الهدى، و علي بن الحسين زين العابدين، و محمد بن علي الباقر، و جعفر بن محمد الصادق، و موسى بن جعفر الكاظم، و علي بن موسى الرضا، و محمد بن علي الجواد، و علي بن محمد الهادي، و الحسن بن علي العسكري، و الحجة القائم المهدي، صلوات الله عليهم أجمعين، و السلام على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين، و نستغفر الله و نتوب إليه.
أدعو كل الإخوة و الأخوات و أوصيهم بمراعاة التقوى في القول و الفعل و اتخاذ المواقف و في كل حركاتهم و سكناتهم الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية.
تحدث في منطقة غرب آسيا و شمال أفريقيا و في المنطقة الإسلامية عموماً هذه الأيام الكثير من الأحداث و الوقائع. و أشير إلى بعض هذه الأحداث باختصار. في بلادنا هناك حدث مهم هو تشكيل الحكومة الجديدة حيث تمّت و الحمد لله هذه الإرادة القانونية و السُنّة الوطنية على أحسن وجه بهمم الشعب و المساعي المتظافرة الشاملة. و بقيام مجلس الشورى الإسلامي قريباً إن شاء الله بواجبه تجاه منح الثقة للوزراء الصالحين ستتشكل الحكومة و تبدأ الأعمال و المشاريع المهمة الكبيرة الملقاة على عاتقها. هذا رغم أنها بدأت من الآن الكثير من الأعمال. نتمنى أن يشمل التوفيق الإلهي رئيس الجمهورية المحترم و المسؤولين التنفيذيين في البلاد، و تكون مواكبة الجماهير في عونهم، و تساعدهم أدعية الجماهير ليستطيعوا إنجاز الأعمال الكبرى التي على عواتقهم - و في الأعمال الكبرى مصالح كبرى أيضاً و فيها كذلك مصاعب كبرى - على أحسن وجه.
أما بالنسبة لسائر البلدان التي حوالينا - في منطقة غرب آسيا و شمال أفريقيا - فإن الأحداث ليست سارّة على نفس النحو، بل هي أحداث مقلقة. من الأحداث نذكر حوادث فلسطين المظلومة، حيث بعد مضي خمسة و ستين عاماً على الاحتلال الرسمي لفلسطين لا يزال الظلم و الجور و الإجحاف مستمراً يومياً على هذا الشعب المضطهد.. تخريب البيوت و اعتقال الأبرياء، و فصل الأبناء عن الآباء و الأمهات، و ملء السجون بالأبرياء أو الذين انقضت فترات أحكامهم.. و الأكثر إيلاماً أن القوى الغربية المهيمنة تدعم أولئك المجرمين بكل قواها و قدراتها. هذه من مصائب العالم اليوم أن يكون الظلم العلني المركّب من عشرات بل مئات المظالم المتراكمة مدعوماً من قبل الذين يتشدّقون بمناصرة حقوق الإنسان و الديمقراطية و ما إلى ذلك من الشعارات البرّاقة الملونة الجميلة التي تقلقل بها ألسنتهم، لكنهم يدعمون المجرمين عملياً!
و الآن بدأت ثانية مفاوضات بين الحكومة الفلسطينية و الصهاينة، و لن تكون لها من نتيجة بالتأكيد سوى ما تمخّض عن المفاوضات السابقة، ألا و هو تراجع الفلطسينيين عن حقوقهم و تشجيع المعتدي على مزيد من الاعتداء، و قمع كفاح الشعب الفلسطيني العادل. يخرّبون البيوت و الديار و يبنون أبنية غصبية للمحتلين الغاصبين، و يقولون نحن نتفاوض! و قد أعلنوا الآن أن المفاوضات سرية. طبخة الاستكبار في هذه المفاوضات في ضرر الفلسطينيين يقيناً.
ما نعتقده هو أن العالم الإسلامي يجب أن لا يتنازل عن تحفّزه تجاه قضية فلسطين حتى للحظة واحدة، و يجب أن يدين الفعل الغاصب للذئاب الصهيونية المفترسة و حماتهم الدوليين. هذه المفاوضات التي تجري بوساطة أمريكا - و أمريكا في الواقع ليست وسيطاً بل هي طرف في القضية.. طرف متحيّز لصالح الصهاينة الغاصبين لفلسطين - يجب أن لا تؤدي إلى مزيد من الظلم ضد شعب فلسطين و إلى عزلة الفلسطينيين المسلمين المناضلين.
و القضية الأخرى قضية مصر. إننا قلقون مما يجري في مصر. ظنون اشتعال الحرب الأهلية في مصر تزداد يوماً بعد يوم في ضوء ما يحدث هناك، و هذه فاجعة. من الضروري لشعب مصر الكبير، و النخب السياسية و العلمية و الدينية في هذا البلد الكبير أن ينظروا للوضع الموجود و يروا ما هي العواقب الوخيمة المترتبة على هذا الوضع. لينظروا لوضع سورية و ما هي آثار و تبعات تواجد مرتزقة الغرب و إسرائيل و الإرهابيين في أي منطقة ينشطون فيها. لينظروا لهذه الأخطار و لا يغفلوا عنها. يجب الاهتمام للديمقراطية و حكومة الشعب. تقتيل الناس مدان بشدة، و لغة العنف و القوة بين الجماعات الشعبية ضد بعضها غير مُجدية على الإطلاق، و فيها الكثير من الأضرار. لا جدوى من تدخل القوى الأجنبية - كما يشاهد اليوم - سوى الضرر لشعب مصر. عقدة مصر ينبغي أن يحلها الشعب المصري نفسه، نخبتهم يجب أن يحلوا هذه العقدة. يجب أن يفكّروا و يدرسوا العواقب الوخيمة و الخطرة التي قد تترتب على هذا الوضع. إذا حصل لا سمح الله هرج و مرج و فوضى، و إذا وقعت لا سمح الله حرب أهلية، فما الذي سيمكنه الوقوف بوجهها؟ سوف تتوفر الذرائع لتدخّل القوى الكبرى و هي أكبر بلاء على أي بلد و على أي شعب من الشعوب. نحن قلقون.. نوصي النخبة في مصر توصية أخوية و نوصي شعب مصر و التيارات و الجماعات السياسية و الدينية و علماء الدين أن يفكروا هم أنفسهم و يبادروا و لا يسمحوا للأجانب و الجبابرة - و من المحتمل جداً أن أجهزتهم التجسسية ليست عديمة الدور في خلق هذا الوضع - بالعودة إلى التدخّل و التغلغل.
و القضية الأخرى هي قضية العراق. تولّت الحكم في العراق حكومة على أساس المعايير الديمقراطية و أصوات الشعب. و لأن القوى الكبرى و القوى الرجعية في المنطقة غير راضية و غير مرتاحة لهذا الشيء، لذا يريدون عدم السماح للشعب العراقي بالراحة و تنفس الصعداء. هذه التفجيرات و هذا التقتيل و هذا الإرهاب و الإجرام مدعوم يقيناً مالياً و سياسياً و تسليحياً من بعض القوى في المنطقة و خارج المنطقة. و هي قوى لا تريد للشعب العراقي أن يعيش حياته العادية. هنا أيضاً يجب على الساسة العراقيين و المسؤولين العراقيين و الجماعات العراقية من شيعة و سنة و عرب و كُرد أن ينظروا بدقة للوضع القائم في بلدان أخرى، و يتأملوا في عواقب الاختلافات الداخلية و الحرب الأهلية التي تقضي على البُنى التحتية في البلد و تبدّد مستقبل الشعب. في كل هذه الأمور يقف الكيان الصهيوني و الغاصبون الإسرائيليون و هم يتفرّجون على هذا الوضع بفرح و سرور و راحة.. فهل هذا مقبول؟
اللهم بمحمد و آل محمد أيقظنا جميعاً من نوم الغفلة. اللهم قصّر أيدي الأشرار و المعتدين عن الشعوب و البلدان الإسلامية. اللهم بمحمد و آل محمد، انصر الإسلام و المسلمين في كل مكان.
بسم الله الرحمن الرحيم
إنا أعطيناك الكوثر، فصلّ لربّك و انحر، إن شانئك هو الأبتر. (3)
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - مفاتيج الجنان، أعمال يوم عيد الفطر.
2 - سورة العصر، الآيات 1 - 3 .
3 - سورة الكوثر، الآيات 1 - 3 .