09/08/2013 م
بسم الله الرحمن الرحيم
نبارك عيد الفطر السعيد للأمة الإسلامية الكبرى في كل مكان من العالم، و للشعب الإيراني الكبير الرشيد - الذي أثبت جدارته و كفاءته في مختلف المجالات و الساحات لتلقّي الهداية و النعم الإلهية - و نبارك أيضاً لكم أيها الحضور المحترمون و المسؤولون الفخورون في البلاد، و أيضاً لضيوفنا سفراء البلدان الإسلامية المحترمين. كما ينبغي تقديم التبريك لشعب إيران على قضائه شهر رمضان قضاء مباركاً بالمعنى الحقيقي للكلمة.
الشعب الإيراني بأعماله العبادية الواجبة و المستحبة في هذا الشهر جعل من نفسه مرة أخرى جديراً بنزول الرحمة الإلهية عليه. هذه الأفواه الصائمة في النهارات الطويلة الحارة، و هذه الليالي المزدهرة بالذكر و العبادة و الدعاء و المناجاة، و هذه الجلسات الكثيرة لقراءة القرآن الكريم في كل أنحاء البلاد، حيث يبدي فيها كل أبناء الشعب، و خصوصاً الشباب و الأحداث، حبّهم الوافر للقرآن الكريم، و ليالي القدر و الجلسات العبادية العظيمة ذات المعاني الغزيرة، و التي تستقطب كل صنوف الناس من شتى الشرائح و الطبقات و المهن و الأذواق بمظاهر و أزياء متنوعة.. الكلّ ينجذبون فيها إلى قطب ذكر الله و دعائه و التوسّل إليه.. هذه ظواهر قيّمة جداً. يجب أن نعرف قدر روح التوسّل و الذكر الشائعة في بلادنا و الحمد لله، و التي تتجلى و تبرز أكثر في الكثير من مناسبات السنة و خصوصاً في أيام شهر رمضان المبارك و ليالي القدر.
أرى من اللازم بمناسبة عظمة هذه الأيام و قيمة و أهمية ذكر الله، أن أوصي مسؤولي البلاد المحترمين و المجموعة الجديدة من المدراء في البلاد الذين استلموا زمام الأمور، و سوف يعملون إن شاء الله بثبات و إصرار و إرادة و عزيمة راسخة، أن أوصيهم بالتسلح على امتداد هذا الطريق الصعب بسلاح ذكر الله تعالى و التوجّه و التوسّل إليه، و الثقة به و الاعتماد عليه. «يا من لا يجبه بالردّ أهل الدّالّة عليه» (1).. الدعاء الوارد في يوم عيد الفطر في الصحيفة السجادية المباركة. الله تعالى يشمل برحمته حتى الذين يتحدثون بوقاحة مع خالق الكون. الرحمة الإلهية الواسعة تشمل الذين يطلبونها و يريدونها. المهم هو أن نطلب الهداية و الرحمة الإلهية، و سوف نصل إليها و نتمتع بها.
ليتوجّه كل مدراء البلاد - و خصوصاً المدراء رفيعو المستوى - إلى الله تعالى و يتوسّلوا به. الأعمال الثقيلة و الواجبات المهمة و الحقوق العامة للناس مسؤولياتٌ ملقاة على عواتقهم، و يمكن أداء هذه المسؤوليات على نحو جيد بمعونة الله. إذا استطعنا أن نفتح سبيل العون الإلهي على أنفسنا و في وجوهنا، فلن تكون هناك مشكلة غير قابلة للحل. ليكونوا واثقين آملين بالله تعالى، و ليبدوا كل مساعيهم و جهودهم و يعرضوها في الساحة. لا يمكن الركون إلى الكسل و عدم العمل و التفاؤل بالرحمة الإلهية. الهداية الإلهية و معونة الله سبحانه و لطفه يحصل عندما نعرض كل قدراتنا و إمكانياتنا - و هي بدورها مما منّ الله تعالى به علينا - في الساحة، و ننتفع من الفكر و التدبير و الطاقات الجسمية و القدرة على العمل و من الإمكانيات البشرية العظيمة في البلد و من كل شيء، و عندئذ سيمنّ الله يقيناً بفضله.
كان هناك الكثيرون أصابهم اليأس من مستقبل البلاد في بعض المراحل و الأطوار. مررنا خلال هذه الأعوام الثلاثين و النيّف بتجارب متعددة. و كان هناك أفراد إما إنهم قصيرو النظر أو ضعيفو الثقة بالعون الإلهي، أو لم يكن لهم حسن ظن بالوعود الإلهية، فأصابهم في بعض المنعطفات ما عبّر عنه القرآن: «و زلزلوا حتى يقول الرسول و الذين آمنوا معه متى نصر الله» (2). و قد حدث هذا على مرّ التاريخ، و في تلك المراحل يمنّ الله تعالى بعونه. و لكم أن تلاحظوا شعبنا و بلادنا في الوقت الحاضر و قد تقدم على كل الظروف التي مرّ بها في الماضي، و تحول التقدم إلى ظاهرة ذاتية في حركة الشعب الإيراني. تقدم الشعب الإيراني باستمرار و الحمد لله، و سوف يتقدم أكثر.. المهم أن نعزز علاقتنا بالله تعالى.
يعاني العالم الإسلامي اليوم من مشكلات كبيرة. إننا في منطقة تعيش للأسف العديد من بلدانها مشكلات هي في الغالب مصدّرة إليها و مفروضة عليها من الآخرين الأجانب. لا مراء أن الأحداث التي تقع حالياً في منطقة غرب آسيا و شمال أفريقيا، لو لا تدخلات الأجانب و السياسات المغرضة للقوى الكبرى، لما تعقدت الأوضاع بهذا الشكل. و سبيل العلاج في الوقت الراهن هو أن تتخذ الشعوب القرار بنفسها و لا يتدخل الآخرون و الأجانب. علاج الأحداث الجارية راهناً في هذه المنطقة هو هذا ليس إلّا. هكذا هو الوضع في مصر و في ليبيا و في سورية. تستطيع الشعوب بحكمة نخبها و توجيه روّادها و عقلاء القوم أن تعثر على سبل الخلاص، هذا إذا تركها الأجانب و شأنها و لم يصدّروا النفاق و الترديد إليها.
الشعب الإيراني و بفضل من الله و حوله و قوته، و بروح الإيمان و الاتحاد و الانسجام، و بالوحدة التي حققها لهم الدين، استطاعوا السير في هذا الدرب، و سوف يواصلون المسيرة في المستقبل أيضاً بتوفيق من الله.
المؤامرات التي ارتكبوها في بلدان أخرى لا تأثير لها في هذا البلد. إما أنهم اشعلوا الصراعات بين الناس تحت طائلة الخلافات المذهبية و الطائفية، أو وضعوا الإخوة بوجه الإخوة بذريعة الخلافات القومية، أو قاموا بهذا الشيء تحت عنوان الخلافات الحزبية، أيّ من هذه الأسلحة الفتّاكة المسمومة لا أثر لها في إيران الإسلامية. المذاهب المتنوعة و القوميات المتعددة متعاضدة إلى جانب بعضها، و الجماعات و التيارات المختلفة تعمل و تسير بوحدة نظر في القضايا الأساسية المهمة.
و توصيتي للمسؤولين في البلاد و للنخبة السياسية و الشخصيات الدينية و لمن لديهم نفوذهم و منابرهم بين الناس هي: ليشددوا ما استطاعوا على الاتحاد و الانسجام القيّم بين أبناء الشعب.. الإيمان بالله و الاتحاد، الدين و وحدة الكلمة.. هذان هما الشيئان الذان بوسعهما جعل الشعوب تقف على أقدامها، و تمنحهم القدرة على المقاومة، و الشعب الإيراني و لله الحمد يتمتع بهاتين الخصيصتين. و ليت المسؤولين السياسيين و الثقافيين في البلدان الأخرى يهتمون بهذه النقطة اهتماماً مضاعفاً، و يعالجون المشكلات التي عنّت لهذه المنطقة بالحكمة.
ندعوا الله تعالى أن يجعل الأمة الإسلامية شامخة صامدة. اللهم بحق محمد و آل محمد لا تقطع فضلك و رحمتك عن الأمة الإسلامية في كل أرجاء العالم. اللهم قصّر أيدي الأجانب عن حياة الناس في البلدان الإسلامية.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - الصحيفة السجادية، الدعاء رقم 46 .
2 - سورة البقرة، الآية 214 .