بسم الله الرحمن الرحيم

نشكر الله على توفيقه لأن أبقانا أحياء للنشارك في جلسة أخرى من اجتماعكم العظيم هذا و نستمع إلى بعض الآراء و نذكر بعض الأمور. أشكر رئيس مجلس الخبراء المحترم (1) الذي يلتزم بتشكيل جلسات هذا المجلس في المواعيد المقرّرة رغم صعوبة هذا الأمر بالنسبة له، و ينفق من الوقت و الطاقة في سبيل ذلك، كما أشكر جميع السادة المحترمين.
قيل الكثير حول أهمية هذا المجلس، فقد تحدثنا نحن و تحدثتم أنتم أيها السادة مراراً حول هذا الموضوع. لهذا المجلس مكانة خاصة في مجموعة أركان النظام الإسلامي و نظام الجمهورية الإسلامية. و لكن يحدث أحياناً و لمناسبات و أوضاع معينة - سواء الأوضاع الداخلية أو مجموعة القضايا العالمية - أن يكتسب هذا المجلس و اجتماع كل هؤلاء العلماء و الكبراء و المتنفذين من رجال الدين و المجتهدين في البلاد أهمية خاصة. و نعتقد أن الفترة الراهنة من جملة هذه الفترات، إذ تقع قضايا مهمة حولنا، سواء القضايا التي لها علاقة مباشرة بنا، أو القضايا التي حتى لو لم يكن لها علاقة مباشرة بنا و لكن لا نستطيع أن نمرّ بها مرور الكرام. مثل هذه الأمور و القضايا في العالم و في المنطقة اليوم كثيرة. الأوضاع العامة - سواء في آسيا أو في أفريقيا أو في أوربا - أوضاع معقدة و مهمة. و نظام الجمهورية الإسلامية له طبعاً كلمته حيال كل هذا، و النظر للذات و استعادة الواجب من مسؤولياتنا المهمة في هذه الفترة. قلنا إن هناك معضلات كثيرة في العالم، و تأثير الجمهورية الإسلامية في معادلات المنطقة بل في المعادلات العالمية أحياناً أكثر من أيّ وقت مضى. و عليه فإن كل أركان النظام بما في ذلك هذا المجلس يجب أن تكون لهم نظرتهم المبتكرة و الأساسية للقضايا، سواء من حيث الواجب الشخصي و الذاتي للعلماء - و العلماء هم هداة الأمة و تقع على كواهلهم واجبات و ينبغي أن ينوّروا الشعب، و واجبات العلماء في النظام الإسلامي لا تقتصر على الصلاة و الصيام، بل هم الذين يوعّون الناس و يوقظونهم و يذكرون لهم الحقائق و يزيدون من بصيرتهم - أو من حيث اعتبار هذا المجلس و هو مؤسسة حكومية تقع على عاتقه واجبات معينة.
أذكر هنا نقطتين. نقطة حول القضايا الراهنة في العالم، و هي قضايا لها علاقتها بنا طبعاً. و ثمة الكثير من الأمور و القضايا لا صلة لها بنا. سوف أشير إلى عدة قضايا عالمية تتعلق بنا.
من جملة هذه القضايا هي أن العالم يشهد اليوم تحولات أساسية و هذا ما لا سبيل إلى إنكاره. أنظروا إلى منطقة شمال أفريقيا و مناطق أخرى من أفريقيا، و إلى منطقة آسيا و القوى التي ظهرت في آسيا و راحت تستعرض عضلاتها في العالم مقابل القوى التقليدية في العالم، أو الوضعية التي تلاحظونها في أوربا. العالم في حال تحوّل و تغيّر. و التحولات العالمية و التاريخية لا تحدث طبعاً خلال فترة قصيرة. ليس الأمر بحيث نظن أنه إذا حدث تطور فيجب أن يتم و ينتهي خلال ستة أشهر أو سنة أو سنتين، لا، يجب ملاحظة علامات التحول حتى لو تمّ هذا التحول تدريجياً على مدى عشرين سنة، و لكن يجب أن نفهم ما الذي يقع في العالم. إذن النقطة الأولى هي أن العالم يمرّ بتحولات أساسية، و هذا ما يجب أن ندركه.
النقطة الثانية هي أن الهدوء الظاهري للجبهة العالمية المهيمنة - أي هذه القوى التقليدية التي كانت سائدة في العالم، سواء القوة الأمريكية أو القوى الأوربية، و التي كانت تعيش حالة من الهدوء و الاستقرار من الناحية الاقتصادية أو من الناحية الإعلامية أو من حيث الهدوء الاجتماعي داخل بلدانهم، و كان هناك هدوء ظاهري يسود حياتهم - راح هذا الهدوء يضطرب حالياً و بوسع المرء أن يشاهد علامات هذا الاضطراب.
إنهم مجهزون لا يزالوا مجهزين، سواء بالمال أو بالسلاح أو بالأدوات الإعلامية، و كذلك بالعلم. و عليه فالقوة المتجهزة بهذه العناصر يجب أن تكون مرتاحة البال و يسودها هدوء و استقرار، و قد كان هذا الهدوء سائداً لسنين طويلة، لكنه تحول في الآونة الأخيرة و صار اضطراباً.
لقد آل هذا الهدوء إلى الاضطراب على عدة صعد. أولاً على الصعيد الاقتصادي - و قد كان امتيازهم الأهم هو التقدم و النمو الاقتصادي - ترون كيف هو الوضع. أوربا تعاني من أزمة اقتصادية، و أمريكا أيضاً تعاني من أزمة اقتصادية. ذلك الاقتصاد المستقر راحت تظهر عليه حالياً علامات الإفلاس. تصوروا أن حكومة بلاد تكون مقروضة مبالغ تناهز قيمة كل ناتجها القومي الإجمالي. هذا هو الوضع الذي تعيشه أمريكا اليوم. حكومة مقروضة و يبدو حسب الظاهر أنه لا سبيل للخلاص من هذه القروض. طبعاً برامجهم و خططهم العامة لا تطبّق. هكذا هو الوضع داخل أمريكا نفسها، و في البلدان الأوربية الكبيرة و القوية لا تسلط الأضواء بنفس الدرجة، و الكلام عن هذه الأمور أقل، لكن الوضع على نفس الشاكلة في حقيقة الأمر. في أمريكا نفسها وعد رئيس جمهورية أمريكا الحالي - منذ الفترة الأولة التي تولى فيها رئاسة الجمهورية - بضمان الخدمات الطبية العامة للناس، و لكن في الوقت الحاضر و بعد مضي قرابة ست سنوات على ذلك الوعد لم ينجح بعد في تحقيق هذا الشيء. أي إن بلداً بكل تلك الإمكانيات المالية و بكل تلك المصادر، يعد رئيس الجمهورية فيه وعداً لشعبه و لم يستطع العمل بوعده.. هذا هو الواقع. إذن، على الصعيد الاقتصادي - و هو الصعيد المهم بالنسبة لبلدان جبهة الاستكبار و القوى التقليدية في العالم - يعانون من أزمات و مشكلات. و تلاحظون و تسمعون في الأخبار أن مختلف البلدان الأوربية تعاني هي الأخرى العديد من المشكلات الاقتصادية.
و قد فشلوا و هزموا على الصعيد الأخلاقي أيضاً. لقد ظهرت الحضارة الغربية الحالية على أساس تكريم الإنسان. لقد قامت كل هذه الحضارة على أساس الأومانية و أصالة الإنسان. و معنى ذلك أن الإنسانية هي العنصر الأصلي و الهدف الأساسي و القبلة الأصلية لهذه الحضارة. و نرى أن الإنسانية قد سحقت اليوم في نظام الحضارة الغربية، و قد منيت حقاً و إنصافاً بالهزيمة. إلى ما قبل مدة قصيرة كانوا يتكتمون على هذا الضعف و النقص بلبوس العلم و الأدبيات الجامعية، لكن هذه النواقص و نقاط الضعف بدأت تظهر تدريجياً، و راح باطن هذه الحضارة المادية - المناهضة للإنسان و المضادة للفطرة الإلهية - يفصح عن نفسه. من النماذج على ذلك القتل و النهب و العنف، و حالات العنف و القتل و النهب تراكمت إلى درجة لم تعد معها خافية على أحد. ذات يوم كانت بريطانيا تمارس جرائمها في الهند و في بورما، لكنهم يتمظهرون في مناطق أخرى بالأناقة و الأدب و اللياقة. أما اليوم فقد ولى ذلك العهد، و صار الجميع على علم بما يمارسونه من عنف. و الذين يتحدثون بكلام الناس يصارحون جبهة الاستكبار بكل هذا العنف الذي تمارسه. القتل و النهب و العنف و الشهوات الماسخة للإنسان: زواج المثليين! و هذا غير المثلية الجنسية، و هو أسوء منها بكثير، فهو منكر مضاد للفطرة يروّجونه علناً في حياتهم.. «وَ تَأتونَ فى ناديكُمُ المُنكَر» (2).. كما ورد في القرآن الكريم. إنهم اليوم يعترفون علناً و صراحة بهذا الشيء، و الشخصان الشاذان يتزوجان مع بعضهما علانية و يسجّل زواجهما في الكنائس، و رئيس جمهورية أمريكا يصرّح و يبدي رأيه و يقول إنني أوافق هذه الأعمال و لا أعارضها! بمعنى أنه خرج من وراء الستار ذلك الفساد الباطني و الداخلي على مستوى الشهوات و ما إلى ذلك.
و هناك الدعم الصريح للإرهاب. تلاحظون في إطار أحداث المنطقة و قضاياها أن هناك أشخاص يستخرجون كبد الإنسان من صدره و يعضّونه أمام كاميرات التلفزة، و القوى الأوربية تجلس في أوربا و تحتاط فلا تقول إننا نساعد هذا الشخص بل يقولون إننا نساعد هذه الجبهة المعارضة. هكذا هو الحال، إنهم يدعمون بكل صراحة الإرهاب، و هو إرهاب عنيف وحشي متغطرس مفترس.
و يهينون المقدسات بكل سهولة تحت طائلة الحرية.. يشوّهون المقدسات و الوجوه النيّرة و يهينونها. يهينون الأنبياء و العظماء و ليس رسولنا فقط بل كل الأنبياء. ذكرت لبعض المسؤولين الثقافيين إن من المؤسف أن الكثير من مسؤولينا الثقافيين غير متواصلين مع القضايا الثقافية ميدانياً، كأن يقرأوا الكتب المتنوعة، بل هم غالباً على الهامش. قلت إنهم يوجّهون الإهانات للنبي موسى (ع) و للنبي عيسى (ع) و يهينون الرسل و الأنبياء العظام بصراحة. هذا هو الحال اليوم. إذن لقد انهزمت هذه الجبهة المستكبرة على الصعيد الأخلاقي أيضاً. أي إن هناك على هذا الصعيد أيضاً الكثير من الإشكالات و المؤاخذات ترد عليهم.
على صعيد منطق الهوية أيضاً اندحرت هذه الحضارة و حماتها، فقد راحت الركائز العلمية للحضارة المادية الغربية تنهار الواحدة تلو الأخرى. جاء علماء و دحضوا آراءهم سواء على صعيد العلوم الإنسانية أو على الصعد الأخرى. الأسس العلمية لهذه الحضارة تنهار الواحدة تلو الأخرى.
و على صعيد الاعتبار و القيمة و السمعة العالمية لم يبق لجبهة الاستكبار - و الحق يقال - من ماء وجه، فقد تجلت لشعوب العالم جرائم الحكومات الغربية و الحكومات المستبدة العميلة لهم، و صاروا اليوم مكروهين مبغوضين في العالم. طبعاً بعض رؤساء الحكومات و الحكومات العميلة لهم و الحكومات الضعيفة و المتحرّجة و الخائفة قد يقولون بعض الأشياء من باب المجاملة، لكنهم مبغوضين مكروهين حقاً بين الشعوب. و أمريكا اليوم مبغوضة أكثر من كل الحكومات الأخرى، سواء في هذه المنطقة أو المناطق الأخرى. و هي مبغوضة جداً في المنطقة الإسلامية، و حالها هو نفسه في المناطق الأخرى. إذن، فهم مهزومون على صعيد السمعة و ماء الوجه أيضاً. هذه أيضاً قضية لم تبق شيئاً لتلك الجبهة المتجبّرة التي تقودها أمريكا التي تعدّ أقوى من فيها و الأكثر جاهزية، لكنهم بلا سمعة و لا ماء وجه في العالم. هذه هي النقطة الثانية من النقاط التي أردنا ذكرها.
النقطة الأخرى بخصوص حقائق العالم و الأوضاع العالمية هي صحوة الشعوب. و قد قلنا إنها صحوة إسلامية في منطقة شمال أفريقيا و المنطقة العربية، فاصطف البعض ضد هذا التعبير و قال: لا، ما هي بصحوة إسلامية، و لا علاقة لها بالإسلام، و لكن تبيّن أنها إسلامية و على أقوى علاقة بالإسلام. و حسب الظاهر فإنهم قد أخمدوها، لكنها لا تخمد. حينما يتصاعد الشعور بالمسؤولية الإسلامية لدى شعب من الشعوب، و ينمو الشعور بالهوية الإسلامية في شعب من الشعوب، فلا يمكن القضاء عليه بسهولة. لنفترض أن حكومة من الحكومات تُقمع أو تُنحّى - إما بانقلاب أو بأي طريقة أخرى - لكن الروح التي تنبعث في الشعب، و الثقة بالذات و استعادة الذات و استعادة الهوية الإسلامية هذه عناصر لا تزول بسهولة و هي لم تزل و لم تمح. في نفس المناطق و البلدان التي حصلت فيها صحوة إسلامية لا تزال الأحداث تغلي و تفور. ليست حقيقة الأمر أن هذه الصحوة قد زالت و اضمحلت. هذه من حقائق العالم. لقد تصاعدت الاستقامة الإسلامية إلى الذروة.
و الواقع الآخر الذي ربما كان أحد أهم هذه الواقعيات هو قضية الشعب الإيراني. رغم مرور 35 عاماً على بزوغ الثورة لم يتخل الشعب الإيراني عن الثورة و لم يبتعد عنها و لم يتركها و لم ينبذ عنه الروح الثورية، و قد لاحظتم الثاني و العشرين من بهمن لهذا العام. هذه ظاهرة أشرنا لها مراراً. و قد تعوّدنا نحن على هذه الحدث. طبعاً سوف أذكر نقطة بشأن شبابنا على هامش الواقعيات و الحقائق التي يجب التنبّه لها. على كل حال هذه أيضاً قضية أساسية. إذن، نحن في مثل هذا العالم. هناك - في الأطراف و في مناطق مختلفة من العالم - تقع أحداث فيها دلالات على تحولات أساسية، و في بلادنا هناك نمو الفكر الإسلامي و الاستقامة الإسلامية و التوثب و نمو شجرة الحكومة الإسلامية و النظام الإسلامي. في ضوء هذا يجب القول إن نظرتنا لقضايانا و قضايا العالم يجب أن تكون نظرة جادة.
الجانب الثاني الذي أريد التحدّث عنه هو الأمور و الأعمال التي نتحمّلها كواجبات على عاتقنا. لقد سجّلت هنا عدة أمور و هي طبعاً ليست جميع الأمور، كما أن الأمور و الموضوعات التي سأذكرها ليست بالأمور الجديدة بل هي مما يعرفه جميع السادة، بيد أن تكرارها و ذكرها مفيد. الأمور و الأعمال التي نتحمّلها على عواتقنا كثيرة، و منها هذه التي سأذكرها:
من هذه الأمور هي النظرة الواقعية. علينا أن نرى الواقعيات الموجودة في مجتمعنا. في النظر للواقعيات عادة ما يميل الإنسان بطبيعته إلى تحرّي نقاط الضعف. كل هذه الأمور التي نشاهدها، من قبيل أننا نشاهد حالات الغلاء أو عدم تحقق بعض الأهداف الإسلامية، هذه حقائق و واقعيات و غالباً ما نشاهدها - و البعض طبعاً يضخّمون هذه الأمور - و لكن توجد أيضاً واقعيات أخرى في هذا البلد يجب مشاهدتها هي الأخرى. من هذه الواقعيات هي ما ذكرناه، أي واقع صمود النظام القائم على أساس الإسلام. هذه حقيقة و واقع. كان توقع أعداء الإسلام و أعداء إيران هو أن يتعب الناس بعد سنة أو سنتين أو خمس سنوات، و ينسون الثورة و يتخلون عنها، و هذا ما حدث في الكثير من ثورات العالم. حين أقول الكثير، يجب في الواقع القول كل ثورات العالم. في هذه الثورات التي وقعت على مدى الأعوام المائتين أو المائتين و خمسين في العالم، و في حدود معلوماتي، كان الوضع على هذا الغرار دوماً، فبعد انقضاء مدة من الزمن تعود المياه إلى مجاريها و تخمد أمواج الثورة و تنتهي و تعود إلى حالتها السابقة.
زرت بلداً عندما كنت رئيساً للجمهورية، و كان بلداً ثورياً مضت على ثورته سبعة أو ثمانية أعوام، و عندما زرنا البلد كان رئيسه من العناصر التي شاركت في الثورة. حينما دخلت إلى المكان الذي أخذونا إليه للضيافة وجدنا الوضع نفس الوضع الذي كان سابقاً في زمن المستعمر - و كان البلد مستعمرة للبرتغال - كانوا يعيشون نفس الوضعية تماماً، سواء من حيث التشريفات الظاهرية أو من حيث الاحترامات و التقاليد! لم يختلف الأمر أبداً. أي لم يكن الأمر كذلك في بداية توليهم زمام الأمور، ثم غلبوا تدريجياً أمام عادات المستكبرين و المستبدين الذين كانوا قبلهم، و ساروا على خطاهم. لكن الثورة الإسلامية لم تُغلب، و الجمهورية الإسلامية لم تُغلب. الذين أرادوا فرض العادات السابقة و التقاليد السابقة و الأساليب السابقة على هذا البلد و هذه الثورة لم ينجحوا في ذلك، و لا زالت الثورة ترفع كلام الإسلام و آراء الثورة و تتحدث بالاستقلال و الصمود الوطني و تتحدث عن التنمية الداخلية للبلد، و عن العدل و تسعي و تعمل لأجل هذه الأهداف الكبرى. كل هذه من قضايا الثورة، و هي أمور على جانب كبير من الأهمية. هذه حقيقة و واقع.
الواقع الآخر الذي يجب عدم الغفلة عنه هو المحفزات الدينية لدى الجيل الثوري الصاعد. تارة نبقى نحن الشيوخ الذين بقينا عن عهد الثورة، نبقى ثوريين و يذهب شبابنا مذاهب أخرى.. نلاحظ أن الأمر ليس كذلك. لدينا اليوم الكثير من الشباب الثوريين في كافة أنحاء البلاد و من كافة الطبقات و الشرائح، و منهم الكثير في الجامعات حيث الشباب المتدين الثوري. و اعتقد أن شأن هؤلاء الشباب أعلى من شأن الشباب الثوري في بداية الثورة. لماذا؟ أولاً لأنه وقعت في ذلك الحين ثورة بتلك العظمة و الهياج، و ثانياً لم يكن في ذلك الزمن أنترنت و فضائيات و كل هذه الدعايات المتنوعة، و لم يكن الشباب عرضة لكل هذه الآفات و الأضرار، و الشباب اليوم عرضة لكل هذه الآفات و المضار، فالأنترنت أمامه و تجري كل هذه المحاولات لانحراف هؤلاء الشباب، لكنهم يبقون متدينين، يقيمون الصلاة و يهتمون بها، و يقيمون صلاة الليل و النوافل، و يشاركون في المراسم الدينية المهمة، و يقفون سنداً و دعامة للثورة، و يطلقون شعارات نابعة من صميم قلوبهم.. هذه أمور على جانب كبير من الأهمية. جيل الثورة اليوم هو برأينا من المفاخر الكبرى. هذا واقع يجب مشاهدته و ملاحظته.
الواقع الآخر الذي يجب التنبّه له هو الإمكانيات و الطاقات الوطنية الكبيرة، و لحسن الحظ فإن مسؤولي البلاد و المسؤولين الحكوميين - و قد التقيتهم على الخصوص في الأيام الأخيرة - بعد تشكيل الحكومة الجديدة نرى أنهم يعترفون و يعتقدون و يعلمون بوجود إمكانيات هائلة في داخل البلاد. و وجود هذه الإمكانيات - و الحمد لله - أرشدتنا أنا و الزملاء و الخبراء إلى قضية الاقتصاد المقاوم، و إلّا إذا حُرم بلد من الإمكانيات و الطاقات الداخلية فلن يمكنه إطلاق اقتصاد مقاوم. الاقتصاد المقاوم ممكن عندما تكون لدينا إمكانيات داخلية. مع أي واحد من المسؤولين الاقتصاديين و ذوي الصلة بهذه الشؤون يجتمع المرء يجد إنهم يعددون الإمكانيات الداخلية الجمّة. و هذا بدوره واقع على جانب كبير من الأهمية.
و حقيقة واقعة أخرى ينبغي عدم نسيانها هي عداء الأعداء. يجب عدم الغفلة عن عداء الأعداء. على حد تعبير الشاعر سعدي الشيرازي «حينما تنتهي حيل العدو.. يدخل من باب الصداقة» (3) و عندها يفعل تحت طائلة الصداقة أفعالاً لم يفعلها أي عدو. يجب أن لا ننسى هذا، فهو واقع و هم أعداؤنا و أعداء الإسلام و أعداء استقلالنا الوطني و أعداء شعبنا، و سبب عدائهم له هو هذه الخصوصيات. نعم، إذا تخلى هذا الشعب عن الثورة و عن الإسلام و استسلم للمعتدي فسيكونوا راضين جداً عن شعبنا و لمدحوه كثيراً، لكنهم خصوم الشعب بسبب هذه الخصوصيات.. «قَد بَدَتِ البَغضآءُ مِن اَفواهِهِم» (4) و الكلام الذي يقولونه يدل كم هذه البغضاء و العداوة عميقة. «وَ ما تُخفى صُدورُهُم اَكبَر» (5).. فهذا المقدار الذي يقولونه إنما هو جزء من ذلك العداء يطفح على ألسنتهم، و إلّا فإن ما في قلوبهم أكبر و أعظم بدرجات. هذه بدورها حقيقة يجب أن لا تنسى، بل تستحضر على الدوام.
الواقع الآخر هو أن هذا العدو نفسه عاجز عن مواجهة شعب إيران و النظام الإسلامي. و الدليل على عجزه لو أردتموه هو فرضه الحظر الاقتصادي. يفرضون الحظر لأنهم عاجزون عن المواجهة، و ألّا لو كانوا يستطيعون المواجهة فلماذا الحظر؟ و الدليل على أن الحظر لم يكن فيه فائدة و لن تكون فيه فائدة هو أنهم يهدّدون عسكرياً على الدوام. لو كانوا يستطيعون القضاء على هذه الثورة و فرض الخنوع على هذا الشعب بالأساليب المألوفة الدارجة في العالم، فما سيكون الداعي لهذه التهديدات و الضغوط. و هذا الحظر ليس بجديد و قد أثبتوا ذلك. من حسن الحظ أن هناك اليوم إجماع بين المسؤولين المحترمين في الحكومة، سواء رئيس الجمهورية المحترم أو الوزراء ذوو الصلة بالموضوع، و رئيسا السلطتين الأخريين، هناك إجماع على قضية الاقتصاد المقاوم - و هذا ما يستحق التقدير و الشكر لهم، فهم رحّبوا حقاً بهذه الفكرة، و بالطبع فقد كانوا هم أنفسهم في مجمع تشخيص مصلحة النظام قد شاركوا في النقاشات و قدموا استشاراتهم بخصوص هذه القضية - و هذا الإجماع و الاتفاق في الآراء يدل على أن هذا الحظر الذي فرضوه ظلماً و عدواناً و بسبب بغضهم للشعب الإيراني سوف لن يؤثر، و سوف يتغلب هذا الاقتصاد المقاوم على أحابيلهم و مكرهم. هذا واقع.
و لنذكر هذا الواقع الآخر، و الواقعيات الإيجابية كثيرة، و هو أننا أين ما اعتمدنا على الله و على الطاقات الشعبية و كنا مستعدين للتحرّك الجهادي، استطعنا تحقيق النصر. انظروا للمسيرة منذ مطلع الثورة و إلى هذا الحين، أين ما أخذنا الشعب إلى وسط ساحة العمل و بدأنا على اسم الله و كان تحركنا تحركاً جهادياً انتصرنا هناك. حدث هذا بالنسبة لأصل الثورة حيث شارك الشعب و ملأ الشوارع و هبّت شرائح الشعب المختلفة إلى الساحة و كان التحرك تحركاً جهادياً. و في الدفاع المقدس طوال ثمانية أعوام - ليس بالهزل ثمانية أعوام من الحرب، حيث فرضوا على هذا البلد الحرب لثمانية أعوام - نزلت الجماهير إلى وسط الساحة. أدرك الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) - غمر الله الروح الطاهرة لهذا الرجل الكبير بالسرور و حشره مع الأنبياء و الأولياء - أدرك سرّ القضية و ما الذي ينبغي أن يفعله، و قد ألهمه الله و هداه، فجاء بالشعب إلى وسط الساحة و رفع اسم الله و سار قدماً إلى الأمام. لقد انتصرنا في حرب الأعوام الثمانية. و في كل القضايا و الأمور الأخرى التي شارك فيها الشعب و كان اسم الله تعالى على ألسن الناس و في قلوبهم و كان العمل عملاً جهادياً، استطعنا تحقيق النصر و الظفر.. هذه أيضاً حقيقة من الحقائق.
النقطة الأخيرة التي أذكرها في خصوص هذه الأمور الواقعية هي: أين كنا و إلى أين وصلنا. «وَ اذكُروا اِذ اَنتُم قَليلٌ مُستَضعَفُون» (6).. يجب أن لا ننسى اليوم الذي كنا فيه مستضعفين و عددنا قليل و خاضعين لغيرنا، فقد كان الشعب على هذا النحو و كذلك المجتمع المتدين و كذلك رجال الدين، و الشباب المتوثب أيضاً، كانوا قليلين و مستضعفين و خاضعين، و اليوم أعزّهم الله تعالى و له الحمد و جعلهم أقوياء. أعتقد أنه من واجباتنا أن ننظر و لا ننسى هذه الواقعيات. يجب أن نتذكر هذه الواقعيات و الحقائق.. هذا واجب.
و واجب آخر سجّلته هنا و يجب أن نضعه دوماً نصب أعيننا، و خصوصاً في هذه الفترة، هو واجب رسم الحدود و تشخيصها بصورة صحيحة و صريحة مع جبهة الأعداء. تقول الآية القرآنية الشريفة: «قَد كانَت لَكُم اُسوَةٌ حَسَنَةٌ فى اِبراهيمَ وَ الَّذينَ مَعَهُ اِذ قالوا لِقَومِهِم اِنّا بُرَءآؤُا مِنكُم وَ مِمّا تَعبُدونَ مِن دونِ الله كَفَرنا بِكُم وَ بَدا بَينَنا وَ بَينَكُمُ العَداوَةُ وَالبَغضآءُ ابداً حَتّى‌ تُؤمِنوا بِاللهِ وَحدَه» (7).. القرآن الكريم لا يذكر أمراً تاريخياً و حسب، بل يصرّح بأن هذه أسوة حسنة لكم.. «قَد كانَت لَكُم اُسوَةٌ حَسَنَةٌ فى اِبراهيم».. أي إن حالكم أيضاً يجب أن يكون على هذا الغرار، و ينبغي أن تشخصوا حدودكم الفاصلة عنهم. و ليس تشخيص الحدود بمعنى أن نقطع علاقاتنا.. دققوا في هذه النقطة. لا يغالطوا و يقولوا إنكم تقولون إننا أعداء للعالم كله، لا، بل شخصوا الحدود و لا تختلط الحدود. الأمر على شاكلة الحدود الجغرافية. في الحدود الجغرافية ترسمون بينكم و بين البلدان المحيطة بكم حدوداً، و ليس معنى هذه الحدود أنكم لا تذهبون إلى هناك و هم لا يأتون إلى هنا، بل معنى هذه الحدود أن أيّ ذهاب و مجيئ سيكون خاضعاً لضوابط، و سيكون واضحاً متى نذهب و من يذهب و كيف يذهب، و من يأتي و متى يأتي و كيف يأتي و لماذا يأتي. هكذا هي الحدود الجغرافية، و هكذا هي الحدود العقائدية. في نفس هذه الآية القرآنية الكريمة بعد أن يذكر الله سبحانه و تعالى هذه الأسوة الحسنة و منهج إبراهيم هذا، يقول: «اِلّا قَولَ ابراهيمَ لِاَبيهِ لَاَستَغفِرَنَّ لَك» (8).. بمعنى أن هذه الحدود لا تمنع أن يقول إبراهيم لأبيه إنني أشفق عليك و أترحّم و استغفر لك.. هذه كلها أمور موجودة. إذن، معنى تشخيص الحدود هو أن يتحدد من نحن و من أنتم. أخال أن سورة الكافرون المباركة.. «قل يا أيها الكافرون» تعبّر عن هذه الحدود.. «لا أعبد ما تعبدون، و لا أنتم عابدون ما أعبد» (9) أي إن الحدود يجب أن تكون واضحة و لا تختلط. الذين يحاولون التقليل من شأن هذه الحدود و أهميتها أو محوها و القضاء عليها لا يقدمون خدمة للشعب و البلاد. سواء الحدود الدينية و العقيدية أو الحدود السياسية يجب أن تكون واضحة. الاستقلال حد من حدود البلاد، و الذين يحاولون هدم أهمية استقلال شعب من الشعوب - تحت عناوين العولمة و الذوبان و التطابق مع المجتمع العالمي - أو التقليل من أهميتها، و يكتبون في ذلك المقالات و يتحدثون، هؤلاء لا يقدّمون أية خدمة لهذا البلد. تقولون يجب أن تكون لنا علاقاتنا مع العالم.. لا بأس، لتكن لكم علاقاتكم بالعالم، و لكن ليتضح مع من ترتبطون و لماذا و ما هي طبيعة الروابط، يجب أن تكون هذه الأمور مشخّصة. هذا هو معنى تشخيص الحدود. و كذا الحال في الاصطفافات الداخلية. هذه أيضاً من القضايا التي نعتقد أنه يجب الاهتمام بها. من واجباتنا تشخيص الحدود.
البعض بمجرد أن تحدث مشكلة للبلاد يهرعون لملامة الذين استقاموا و قاوموا و يقولون لهم: أرأيتم، حينما يصرّ المرء على كلامه هكذا فستحدث هذه المشكلات! و قد كان هذا في صدر الإسلام أيضاً: «لَو اَطاعونا ماقُتِلوا قُل فَادرَءوا عَن اَنفُسِكُمُ المَوت» (10).. لقد شاء الله سبحانه و تعالى أن نعاني المشكلات إذا لم نسر طبقاً للسنن الإلهية. ليس الأمر بحيث يقولوا في معركة بدر «يقولونَ لَو كانَ لَنا مِنَ الاَمرِ شَى‌ءٌ ما قُتِلنا هاهُنا» (11).. ليس الأمر بحيث لو استسلمنا مقابل الأعداء فسوف تنتهي مشكلاتنا و تزول.. كلا. إنني يجب أن أتقدم بالشكر لمسؤولي البلاد بحق على كلامهم الصريح مع العدو، و إعلانهم بلسان صريح عن عدم انفعال شعب إيران و عدم انفعال الثورة. هذا شيء ضروري جداً. يجب أن نجعل هذا الشيء خطاباً و سوف أتحدث عن هذا الجانب أيضاً.. هذه أيضاً من قضايانا.
و قضية أخرى تعدّ من واجباتنا هي أننا يجب أن لا نهاب عداء الأشرار. ثمة عداء بالتالي. ما من شعب تكون له كلمته و أفكاره و تحركاته يبقى بمعزل عن عداء الأعداء. و اعتقد أن من حسن حظ الشعب الإيراني في الوقت الحاضر أن يكون عدو شعب إيران و أعداء شعب إيران من أسوء الأطراف سمعة في العالم. لاحظوا أن الحكومة الأمريكية اليوم تُطرح على المستوى الدولي كلاعب عنيف و ملوّث بالجرائم و هذا هو واقع القضية. هذه هي الحكومة الأمريكية اليوم على المستوى الدولي. إنها لاعب عنيف و ملوث بالجرائم و غير مكترث لأعماله و ممارساته القبيحة و لانتهاكه حقوق الشعوب و حقوق الإنسان. و في داخل بلادهم يُعرفون كحكومة و نظام كاذب و مزوّر يقطع الوعود و لا يعمل بها. لذا فإن إيمان الناس بهذه الحكومات - بهذا الرئيس الحالي لأمريكا و بالرئيس الأمريكي السابق - في الاستبيانات و استطلاعات الرأي التي يجرونها هابط جداً، مما يدل على أن شعوبهم لا تؤمن بهم. هؤلاء هم أعداؤنا.. ليس عدونا حكومة ذات سمعة حسنة و آراء و طروحات متينة و منطقية. لذلك يجب عدم الخوف منهم. و الاعتماد على الحماية الإلهية حالة على جانب كبير من الأهمية. و قد قرأ سماحة الشيخ مهدوي (12) آية قرآنية كريمة ذات صلة بقوم موسى (ع)، و أقرأ أنا جانباً آخر إذ عندما سار بنو إسرائيل و خرجوا من مصر و قادهم النبي موسى (ع)، بعد مدة لحق بهم جيش فرعون من ورائهم.. «فَلَمّا تَرآءَا الجَمعانِ قالَ اصحابُ موسى‌ اِنّا لَمُدرَكون» (13).. حينما وصلت هاتان الجماعتان إلى بعضهما بحيث صار من الممكن أن تريا بعضهما عن بعد، و شاهد قوم موسى جيش فرعون يلحق بهم من بعيد.. «قالَ اصحابُ موسى‌ اِنا لَمُدرَكون».. قالوا سوف يقضون علينا و لن تبقى لنا باقية.. «قالَ كَلّا اِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيهدين» (14).. لاحظوا، هذا درس لنا: حين تكونوا مع الله فهل يترك الله تعالى عبده الذي معه؟ «لاَتخافا اِنَّنى مَعَكُما اَسمَعُ و اَرى‌« )15) و هذا في جانب آخر من قصة النبي موسى. إذا كنا مع الله و في سبيل الله فسوف يمدّ الله يد عونه. هذا عن واجب آخر هو عدم الخوف و التهيب.
و هناك أيضاً قضية الوحدة الوطنية و صيانة الاتحاد و هي من واجباتنا. تواجد القوى التكفيرية التي تنشط اليوم في بعض أنحاء المنطقة للأسف، خطرهم الكبير ليس أنهم يقتلون الأبرياء، و هذه بدورها جريمة كبيرة، بيد أن الخطر الكبير هو أنهم يشيعون أجواء من سوء الظن و السلبية بين الطائفتين الشيعية و السنية. هذا خطر كبير جداً. يجب أن نمنع هذه الأجواء السلبية و نحول دونها. من جهة يجب أن لا يتصور الشيعة أن هذه الجماعة العجيبة التي تتعامل بهذه الطريقة مع الشيعة هم جبهة سنية تجابههم، و من جهة ثانية يجب أن لا يتأثر السنة بكلام هذه الجماعات و ما يقولونه عن الشيعة و بالتهم التي يطلقونها و النيران التي يؤجّجونها. يجب الحذر و التدقيق.. على الشيعة أن يحذروا و على السنة أيضاً أن يحذروا. على الجميع في كل أنحاء البلاد أن يعلموا ذلك، ليعلم ذلك السنة و ليعلمه الشيعة، لا يسمحوا بزوال هذه الوحدة التي تسود البلاد اليوم. و من جوانب الوحدة هي الوحدة بين مذهبي الشيعة و السنة و الوحدة بين القوميات. تضخيم الخصوصيات القومية و تأجيج نيران القومية من الممارسات الخطيرة و لعب بالنار. يجب التنبّه لهذه القضية أيضاً.
و قضية أخرى هي قضية الثقافة، و قد تبيّن أن السادة أيضاً لديهم ما يقلقهم بهذا الشأن، و أنا أيضاً قلق لذلك. قضية الثقافة قضية مهمة. أساس هذا الصمود و هذه الحركة و الانتصار إن شاء الله في نهاية المطاف هو صيانة الثقافة الإسلامية و الثورية، و تعزيز التيار الثقافي المؤمن، و تقوية و دعم هذه الغرسات الفتية التي نمت في التربة الثقافية. لدينا و الحمد لله شباب متدين صالح ينشط و يعمل في المجالات الثقافية و الفنية.. بعضهم شباب و بعضهم ربما تجاوز فترة الشباب. العناصر الثقافية لدينا ليست بقليلة. يجب أن نهتم حتمياً بالقضية الثقافية.. الحكومة المحترمة يجب أن تهتم، و الآخرون أيضاً يجب أن يهتموا. و أنا أشارككم هذا القلق و أتمنى أن يتنبّه المسؤولون الثقافيون ما الذي يفعلونه. لا يمكن المزاح مع القضايا الثقافية، و لا يمكن عدم الاكتراث و عدم ملاحظة الاعتبارات و الظروف. إذا حصلت ثغرة ثقافية فلن تكون كالثغرات الاقتصادية يمكن تداركها و ردمها و جمع الأموال لتلافيها أو منح حصص تموينية أو دعم نقدي. ليست المسألة كذلك و لن يكون بالإمكان ترميمها بسهولة، بل سيكون في ذلك الكثير من المشكلات. و الحق هو أن الجميع يجب أن يعرفوا قدر الشباب المؤمن المتدين الثوري.. الجميع.. فالشباب المتدين الثوري هو الذي يصنع من صدوره دروعاً في أيام الخطر و الأهوال، و يسير إلى ساحة المعارك في ثمانية أعوام من الحرب المفروضة. الذين ينظرون لهؤلاء الشباب بسوء ظن أو يسيئون نظرة الناس عنهم لا يخدمون البلاد، و لا يخدمون استقلال البلد و تقدمه، و لا يقدمون خدمة للثورة الإسلامية. يجب الحفاظ على هؤلاء الشباب و رعايتهم و تقديرهم، و هم اليوم لحسن الحظ ليسوا بقلائل بل هم كثر. يجب أن لا نعمل بعناوين و ذرائع مختلفة على إقصاء هؤلاء الشباب و عزلهم، و سوف لن يُعزلوا طبعاً، فهؤلاء الشباب المتدينون المتحفزون لا يعزلون بهذه الأمور، و لكن يجب بالتالي معرفة قدرهم و تقديرهم.
و النقطة الأخيرة هي صناعة الخطاب. هذه النقاط التي ذكرناها ليست مجرد نصائح و هموم نتداولها بيننا، و تقولونها أنتم فاستمع أنا، و أقولها أنا و تستمعون أنتم، إنما ينبغي أن تأخذ شكل الخطاب. و الخطاب معناه القناعة و الاعتقاد العام، أي الشيء الذي يتحول إلى كلام و رأي مقبول لدى العموم، و يهتم به الناس. و هذا ما يتحقق بالكلام و التبيين - التبيين المنطقي و العلمي و البعيد عن أنواع التطرّف و التمادي - و بلغة صحيحة و لسان علمي منطقي و باللسان الطيّب أي بالتي هي أحسن.. يجب بهذه الوسائل نقل هذه الأفكار و النقاط.
نتمنى أن يمنّ الله سبحانه و تعالى على كل السادة المحترمين بتوفيقاته، و أن يعيننا و يهدينا و يأخذ بأيدينا لنعرف أولاً واجباتنا إن شاء الله، و يمنحنا العزيمة الجادة للعمل بهذه الواجبات. «اللهم قوّ على خدمتك جوارحي، و اشدد على العزيمة جوانحي، و هب لي الجدّ في خشيتك، و الدوام في الاتصال بخدمتك».
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - آية الله الشيخ مهدوي كني.
2 - سورة العنكبوت، شطر من الآية 29 .
3 - كتاب گلستان لسعدي الشيرازي، الباب الثامن، في آداب الصحبة.
4 - سورة آل عمران، شطر من الآية 118 .
5 - سورة آل عمران، شطر من الآية 118 .
6 - سورة الأنفال، شطر من الآية 26 .
7 - سورة الممتحنة، شطر من الآية 4 .
8 - سورة الممتحنة، شطر من الآية 4 .
9 - سورة الكافرون، الآيتان 2 و 3 .
10 - سورة آل عمران، شطر من الآية 168 .
11 - سورة آل عمران، شطر من الآية 154 .
12 - رئيس مجلس خبراء القيادة.
13 - سورة الشعراء، الآية 61 .
14 - سورة الشعراء، الآية 62 .
15 - سورة طه، شطر من الآية 46 .