بسم الله الرحمن الرحيم

أولاً أرحب بالسيدات، و أبارك الولادة السعيدة للسيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) و أسبوع المرأة و يوم تكريم الأمّ. كما قالوا (1) فإن اقتران هذه المناسبة الاجتماعية و المهمة في البلاد بولادة السيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) - و خصوصاً في هذه السنة، حيث يتذكر شعب إيران هذه السيدة الجليلة مرتين خلال هذا العام، مرة في بداية السنة و مرة أخرى في نهايتها، و يقيمون المجالس لذلك - إنما هي فرصة لفهم حياتها و الاستهداء بها.
أولاً المراتب المعنوية للسيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) تعدّ ضمن أرقى المراتب المعنوية لعدد قليل من أفراد البشرية. فهي معصومة، و العصمة شيء خاص بعدد قليل من المختارين من قبل الله بين أبناء البشر. و هذه الإنسانة الجليلة - فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) - من هذه الفئة، خصوصاً في ضوء حقيقة أن هذه المرأة المسلمة المجاهدة في سبيل الله لم تعش أكثر من نحو عشرين عاماً - طبعاً على اختلاف الروايات التي تترواح ما بين ثمانية عشر عاماً و خمسة و عشرين عاماً - فهي امرأة شابة لها هذه المرتبة العليا في مصاف الأولياء و الرسل و أمثالهم، و تتلقب من قبل الرسل الإلهيين بـ «سيدة نساء العالمين». إلى جانب هذا المقام المعنوي فإن الخصال الممتازة و الأداء الفذ في الحياة الشخصية لهذه السيدة الجليلة تعد كل محطة فيها درساً. تقواها و عفتها و جهادها و حسن تبعلها و حسن تربيتها للأبناء و فهمها السياسي و مشاركتها في أهم ميادين حياة الإنسان خلال ذلك العهد - سواء في فترة الحداثة و الطفولة أو فترة ما بعد الزواج - كل شيء في حياتها كان درساً، و هو ليس درساً لكنّ فقط أيتها السيدات، بل هو درس لكل الإنسانية. إذن، هذا الاقتران هو فرصة لنا، فيجب التدقيق في حياة فاطمة الزهراء (ع) و معرفة هذه الحياة بنظرة جديدة و فهمها و جعلها نموذجاً و قدوة بالمعنى الحقيقي للكلمة.
أما بخصوص قضية المرأة في نظام الجمهورية الإسلامية و في بلد إيران و في مجتمعنا، فأولاً أقول إنني في أغلب الأحيان حين ألتقي السيدات المسلمات و النساء المؤمنات و المتخرجات بهذه المناسبة، أشكر الله من الأعماق، فهذه من أكبر مفاخر النظام الإسلامي حيث يوجد في مجتمعنا في ظل النظام الإسلامي كل هؤلاء النسوة الواعيات و المتعلمات و الخريجات و الحسنات التفكير و الممتازات من النواحي الفكرية و العلمية. إنها لنعمة كبيرة جداً و مبعث فخر و اعتزاز. في هذا اليوم تحدثت هذه السيدة المحترمة فقط، و لكن كانت لدينا جلسات و اجتماعات عديدة تحدثت فيها سيدات عدة، و ألقت كل واحدة منهن كلمة فتحت على ذهن الإنسان كوّة من نظرات و أفكار جديدة. حينما ننظر اليوم نجد أن أسماء النساء الإيرانيات تتألق على ناصية العديد من الكتب - الكتب العلمية و الكتب البحثية و الكتب التاريخية و الكتب الأدبية و الكتب السياسية و الكتب الفنية - فكتابات السيدات الإيرانيات هي من أفضل الكتابات و الإنجازات الكتابية الحالية في النظام الإسلامي سواء على شكل بحوث و مقالات و دراسات أو على شكل كتب، و هذا بحق مبعث فخر و اعتزاز. إنه شيء غير مسبوق في تاريخنا، فلقد شهدنا فترات متنوّعة و كنا على معرفة بالأجواء الثقافية في بلادنا، و لم يكن لنا أبداً كل هذا العدد من الشخصيات المتميزة في مجالات متعددة سواء في ما يتعلق بالشؤون الحوزوية أو الشؤون الجامعية.
و هناك إلى جانب ذلك البروز و الظهور الواضح جداً لهوية المرأة الإيرانية و شخصيتها المستقلة، في مجالات الجهاد، بما في ذلك ملحمة الدفاع المقدس و ما تستتبعه من أمور إلى يومنا هذا، فهنالك زوجات الشهداء و زوجات المعاقين و أمهات الشهداء و المتبقين المبرزين للذين جادوا بأرواحهم في سبيل الله، و إنهن بإرادتهن القوية و عزيمتهن الراسخة و صبرهن يفرضن على أي إنسان الخشوع و الخضوع أمامهن. إنني كل ما ألتقيت بهؤلاء النسوة المبرزات أشعر بالخضوع أمامهن. إنني كثيراً ما ألتقي بأمهات الشهداء و زوجات الشهداء و زوجات المعاقين. هذه السيدة المضحية التي تضحي عمراً كاملاً لإدارة حياة معاق و تحسين وضعه و حياته في سبيل الله، ليس هذا بالشيء الصغير، إنما هو سهل حين نذكره باللسان. تلك الأم التي قدمت ولدين أو ثلاثة أولاد أو أربعة أولاد في سبيل الله و لا تزال تقف قوية و توصينا بأن نقف بقوة! إن المرء ليشعر بالخشوع حقاً أمام كل هذه العظمة. هذه حقائق عن نساء مجتمعنا على جانب كبير من الأهمية و تبعث على كثير من الفخر. طيّب، هذا و الحمد لله هو الجانب المشرق و الوضاء من قضية المرأة في البلاد.
أما قضية المرأة في العالم المعاصر بما في ذلك بلد إيران فهي من القضايا التي لا تزال جديرة بالمتابعة و التأمل و العمل و التفكير لوجوه و أسباب عدة. أولاً نصف سكان البلدان هم النساء، فكيف يمكن الاستفادة بشكل سليم من هذه الإمكانيات و الطاقات و المواهب العظيمة لصالح أي بلد بما في ذلك بلدنا؟ ثانياً كيف يمكن لقضية الجنسين و هي من أكثر قضايا الخلقة حساسية، أن توضع لخدمة تسامي الإنسان و رفعته، و ليس لانحطاط البشر و تدنّيه الأخلاقي؟ ثالثاً بسبب الفوارق الطبيعية بين جنسي المرأة و الرجل كيف يمكن - سواء في البيئة الاجتماعية أو في البيئة العائلية - مأسسة السلوكيات و تكريسها بحيث لا يقع ظلم على المرأة؟ هذه قضايا مهمة جداً. لو جعلنا هذه القضيتين أو الثلاث محوراً للتفكير و التأمل و البحث و العمل فسوف يستتبع ذلك مجموعة من المساعي و الأعمال البحثية و العملية. لا يظنن أحد أن قضية تعرض المرأة للظلم حالة تختص بالمجتمعات المتأخرة أو المجتمعات الوحشية مثلاً، لا، في المجتمعات التي تسمّى المتحضرة اليوم، إذا لم يكن هذا الظلم ضد المرأة أكثر من سائر المجتمعات، فإنه ليس بأقل يقيناً. طيّب، هذه قضايا مهمة و يجب متابعتها و بحثها و مناقشتها.
لقد كانت هناك آراء جيدة في كلمة السيدة، و قد أشارت إلى أغلب النقاط التي تعتمل في ذهن الإنسان. لقد قالت بأننا سبق أن قلنا إننا بحاجة في البلاد إلى مركز عال، خارج نطاق السلطات الثلاث، يبحث و يعمل في هذه القضية المهمة. هذه هي قضايانا الأساسية.. قضية المرأة و قضية العائلة، و طبعاً لا يمكن تفكيك قضية المرأة عن قضية العائلة. هذا بدوره شيء ينبغي أن نشدد عليه، فإذا أراد شخص الفصل بين قضية المرأة و قضية العائلة، و مناقشة كل واحدة منهما على حدة، يكون قد وقع في إرباك في الفهم و تشخيص العلاج. يجب النظر لهاتين المسألتين إلى جانب بعضهما، مع أنهما مسألتان اثنتان. طيّب، من الضروري وجود مثل هذا المركز و هو لم يتأسس لحد الآن. كنا قد تحدثنا و طرحنا الموضوع، و قلنا إننا يعوزنا مثل هذا المركز البحثي و العملي الذي يناقش استراتيجية صحيحة و شاملة حول قضايا المرأة - ترتبط بهذه الموضوعات التي ذكرت و موضوعات أخرى - و يتابعها و ينفذها. يجب تأسيس هذا المركز و له طبعاً لوازمه و ضروراته.
ما أروم أن أقوله لكنّ اليوم عبارة عن نقطتين أو ثلاث نقاط: من هذه النقاط إننا إذا أردنا - سواء في هذا المركز الذي أشير له، أو في أي مؤسسة أو إطار آخر - أن نفكر بصورة صحيحة في قضية المرأة و نتحرّك بطريقة صائبة و لا نقع في الخطأ، فيجب أن نفرّغ أذهاننا تماماً من الكلام النمطي للمنتجات الغربية. لقد أساء الغربيون فهم قضية المرأة، و أساءوا العمل و التصرف، و طرحوا نفس فهمهم السيّئ هذا و أعمالهم المضللة و المهلكة عملة رائجة في العالم. و أجهزتهم الإعلامية الواسعة تثير الضجيج و اللغو ضد أيّ شخص يتكلم بخلاف رأيهم، و لا يفسحون المجال لأحد بالتحدّث و الكلام. إذا أردتم أن تجدوا الاستراتيجية الصحيحة حول قضية المرأة، و إرفاق هذه الاستراتيجية بأعمال تنفيذية و بإلزاماتها الأساسية، و تتحركوا على المدى البعيد و تصلوا إلى نتائج فيجب أن تفرغوا أذهانكم من الأفكار الغربية بشأن المرأة. و لا نقول هنا أننا يجب أن نكون غير مطلعين، لا، إننا لسنا من أنصار عدم المعرفة و عدم الاطلاع، إنني من أنصار الوعي و المعرفة و الاطلاع، لكنني أرفض مرجعية تلك الأفكار رفضاً قاطعاً. أفكار الغربيين و نظرياتهم بخصوص قضايا المرأة لا يمكنها على الإطلاق أن تؤدي إلى سعادة المجتمع الإنساني و هدايته. أولاً أفكارهم أفكار قائمة على المعرفة المادية و غير الإلهية، و هذا بحد ذاته خطأ. أي جهاز علمي و فكري يقوم على أساس المعرفة المادية و العقيدة المادية فهو طبعاً على خطأ.
ينبغي معرفة حقائق الخلقة و فهمها و متابعتها بنظرة معرفية إلهية و على أساس الاعتقاد بوجود الله و الإيمان بقدرته و حضوره و ربوبيته. إذن، لأن أساس و جذر الأفكار الغربية أساس مادي، فهي خاطئة. هذا أولاً و ثانياً هناك في المنحى الغربي بخصوص قضايا المرأة - كما يلاحظ المرء ذلك بكل وضوح في تاريخ الثورة الصناعية - نظرة تجارية و مادية و اقتصادية. بمعنى أنه في أوربا التي لم يكن للمرأة فيها حق الملكية، و كانت ممتلكات المرأة تحت تصرف الرجل و الزوج، و لم يكن لها حق التصرف بممتلكاتها، أو عندما بدأت الديمقراطية في الغرب لم يكن من حق المرأة الاقتراع، في مثل هذا العالم فجأة طرحت قضية الثورة الصناعية و المعامل و مشاركة العمالة النسوية المؤثرة في المصانع بتكاليف أقل لأصحاب الرساميل. عندئذ قرروا منح المرأة حق الملكية ليستطيعوا جرّها إلى المعامل و إعطائها أجوراً أقل، و طبعاً كان لدخولها ساحة العمل إلزاماته و تبعاته إلى يومنا هذا. إذن، فضلاً عن أن النظرة للمرأة كانت نظرة مادية و غير إلهية، فإن أساس السياسات التي تقوم عليها الأوضاع الراهنة في أوربا و العالم الغربي هو أساس مصحوب بنظرة تجارية و مادية و اقتصادية.
وجه آخر من الوجوه التي تدعونا لتحاشي النظرة الغربية لقضية المرأة هو أن المرأة في النظرة الغربية وسيلة لإطفاء الشهوة، و هذا شيء لا سبيل لإنكاره أو كتمانه. إذا قيل هذا فقد يثير البعض الضجيج و يقولون: لا يا سيدي، ليس الأمر كذلك. و لكن حين ينظر المرء في حياتهم يجد أن هذه هي النظرة السائدة. كلما كان احتشام المرأة في البيئات الاجتماعية أقل كلما كان ذلك مطلوباً و محموداً بالنسبة لهم. إنهم لا يقولون بمثل هذا بالنسبة للرجل، ففي الضيافات و الاحتفالات الرسمية يجب أن يحضر الرجل بكامل ثيابه و بفراشة عنقه و بذلته و ربما ثيابه الرسمية، أما المرأة في هذه الضيافات الرسمية فيجب أن تظهر بشكل آخر، و هذا ما لا سبب و لا فلسفة له سوى تمتيع العيون الشهوانية للرجال. هكذا هو الوضع في العالم الغربي اليوم. و الظلم الأكبر الذي يقع حالياً على المرأة في العالم الغربي هو من هذا القبيل.
إنني لست من هواة جمع قصاصات الجرائد، و لكن بالأمس أو قبل أمس شاهدت شيئاً في الجريدة فوجدته مهماً جداً فجئت به إلى هنا لأقرأه عليكنّ. صدر كتاب لجيمي كارتر رئيس جمهورية أمريكا الأسبق عنوانه «طلب مبادرة» تناول فيه موضوع انتهاك حقوق الإنسان و الاعتداءات الوحشية على النساء. يقول جيمي كارتر في هذا الكتاب: في كل عام تباع في أمريكا مائة ألف فتاة كرقيق. المكان الذي يستطيع فيه صاحب المبغى شراء فتاة، هي عادة من أهل أمريكا اللاتينية أو أفريقيا، بثمن يناهز الألف دولار. كما يشير إلى الاعتداءات الجنسية التي تحصل في أطراف الكليات و الجامعات، حيث لا ترفع التقارير حول ذلك إلّا لحالة واحدة من بين كل خمسة و عشرين حالة. و يذكر كارتر أيضاً أن واحداً بالمائة فقط من الذين يرتكبون الاعتداءات الجنسية في الجيش يحاكمون. يشعر المرء بالبكاء و بالعبرات تخنقه! تجدون الكثير من هذا القبيل في الصحف، و أنا أيضاً أجد الكثير. إنني لا أستند على هذه الأرقام و الإحصائيات أبداً، و لكنها بالتالي واقع. و جيمي كارتر بالتالي شخصية معروفة، و الكتاب من تأليفه. فأيّ وضع هذا في العالم؟ أيّ تكريم للمرأة هذا؟ يكتب كاتب غربي مشهور و معروف رواية لأجل أن يطرح عمل الدعارة باعتباره شغلاً شريفاً! و قد ترجم للفارسية أيضاً. طبعاً في ذلك الكتاب إشارة إلى كيف يعمل سماسرة الجنس في بلدان أمريكا اللاتينية فيعدون الفتيات بحياة هائنة و يأخذونهن فيبيعوهن لتلك الدور و المراكز. و طبعاً الأمر هنا يتعلق بأوربا و ليس بأمريكا. بالطبع انصبّت المحاولة في هذا الكتاب و هذه الرواية على إظهار عمل الدعارة باعتباره عملاً شريفاً. هذه هي ثقافة الغرب تجاه المرأة، و هذا هو احترامهم للمرأة.
إذا أردنا أن تكون نظرتنا لقضايا المرأة نظرة سليمة و منطقية و دقيقة فالشرط الأول هو أن نخلي أذهاننا تماماً من هذا الكلام الذي يطلقه الغربيون حول المرأة، بخصوص العمل و الإدارة و المساواة الجنسية. من أكبر أخطاء الفكر الغربي حول المرأة هو شعار «المساواة الجنسية». العدالة حق، و المساواة قد تكون أحياناً حقاً و قد تكون في بعض الأحيان باطلاً. لماذا يجب بالنسبة للإنسان الذي خلق بطبيعته - سواء من الناحية الجسمية أو من الناحية العاطفية - لمساحة خاصة من حياة الإنسانية، أن يفصل عن تلك المساحة الخاصة و يؤخذ لمنطقة خاصة أخرى أعدت لبنية أخرى و لتركيبة أخرى خلقها الله تعالى؟ لماذا؟ أي منطق عقلائي في هذه الممارسة، و أي إخلاص في هذا؟ لماذا يجب تكليف المرأة بعمل رجولي؟ أيّ فخر للمرأة في أن تعمل الأعمال الرجولية؟ إنني آسف حين أجد أحياناً النساء و السيدات أنفسهن يشددن على هذه القضية و يقلن: و ما هو فرقنا عن الرجال؟ نعم، في الكثير من الأمور لا يوجد أيّ فرق. نظرة الإسلام للمرأة و الرجل هي نظرته للإنسان، ففي الجانب الإنساني و الارتقاء في المراتب المعنوية و المواهب الفكرية و العلمية الكثيرة لا يوجد أيّ فرق، بيد أن القالبين متفاوتين: فهناك قالب لأعمال و نوع من الأعمال، و القالب الثاني لأعمال أخرى. و طبعاً توجد أعمال مشتركة.
هل من الخدمة أن نخرج أحد هذين القالبين من منطقته الخاصة و نأخذه إلى منطقة خاصة بالقالب الثاني؟ هذا ما يفعله الغربيون. الكثير من هذه المعاهدات الدولية و العالمية تتغيّا هذه المقاصد. و قد أفسدوا حياة الإنسانية و خرّبوها من منطلق هذه الفكرة الخاطئة، و أفسدوا أنفسهم و يريدون إفساد الآخرين. أنتنّ أيتها السيدات عالمات و الحمد لله، و فاضلات و شخصيات بارزة، و أنا أحترمكنّ. كلما تحدثت النسوة في جلسة أو اجتماع استفدت من حديثهن. في هذا المكان الذي نجتمع فيه الآن عقد اجتماع الأفكار الاستراتيجية حول قضية المرأة و العائلة، و تحدثت بعض السيدات، و قد استفدت من حديثهن دون مجاملة، و انتفعت من الآراء التي طرحنها. اعتقد أنكن إذا أردتن التفكير في قضية المرأة و هي من القضايا الأساسية و حول معضلات المرأة و المشكلات التي يعانيها المجتمع النسوي في كل مكان - بما في ذلك بلادنا - فالشرط الأول هو إنقاذ أنفسكن و أذهانكن من الأفكار الغربية و هي أفكار نمطية خاطئة متحجّرة تتظاهر بالجدة - ظاهرها جديد و باطنها متحجّر، و قشورها الإخلاص بينما لبابها الخيانة - و أن تفكرنّ تفكيراً مستقلاً عن الأفكار الغربية.
الإلزام الثاني هو أن تراجعوا النصوص الإسلامية. استمدوا الأصول و الركائز من القرآن الكريم و من السنة و من الأحاديث و من الأدعية و من النصوص الإسلامية و من كلمات الأئمة و سلوكهم. إنه الوحي، و الوحي وحي الله، و الله هو خالقي و خالقكم. لا أقول إن على الإنسان أن يقبل كل ما تقوله الأفواه على أنه دين، لا، ليكن الاستقاء و الاستفادة من الدين الصحيح الذي يستنبط بالأساليب الصحيحة و من قبل أهل الخبرة و الاختصاص. يجب الاستفادة حقاً من كتاب الله و سنة الرسول (ص) و من أسلوب الأئمة المعصومين و كلماتهم، لنرى أيّ استراتيجية يجب أن نتخذها بخصوص قضايا المرأة، و ينبغي اغتراف الخطوط الأساسية من تلك المصادر.
اعتقد أن هاتين عمليتان أساسيتان. و هناك عملية ثالثة هي أن ننظر عند إحصاء قضايا المرأة للقضايا الأساسية و المهمة حقاً، و ليس لقضايا من الدرجة الثانية. من القضايا الأساسية قضية العائلة و خصوصاً قضايا الصحة و الأمن و السكينة و الاستقرار و تكريم المرأة في البيئة العائلية. لدينا عدة قضايا أصلية و هذه من القضايا الأصلية.
انظروا ما هي عوامل و أسباب سلب الاستقرار و السكينة الروحية للمرأة في العائلة؟ اسعوا لرفع هذه العقبات عن طريق القانون و بالأساليب الإعلامية المتنوّعة. هذا هو أساس القضية. المرأة في البيت مبعث استقرار و هدوء، إنها سبب سكينة الرجل و سكينة الأبناء من أولاد و بنات. إذا لم تتمتع المرأة نفسها بالاستقرار و السكينة الروحية و النفسية فلن تستطيع منحها لعائلتها. المرأة التي تتعرض للإهانة و الإذلال و ضغوط العمل لا يمكنها أن تكون سيدة البيت، و لا تستطيع أن تكون مديرة للعائلة، و الحال أن المرأة مديرة العائلة. هذه قضية أصلية. هذه من جملة تلك القضايا الأهم و الأخطر و التي لا تحظى في بيئاتنا الحياتية - سواء البيئات القديمة أو البيئات الجديدة - بالاهتمام اللازم، و يجب أن تحتل درجة أكبر من الاهتمام.
التصور عن المرأة في المنزل تصور عن مخلوق من الدرجة الثانية من واجبه تقديم الخدمة للآخرين. هذا تصور موجود بين الكثيرين - و البعض يذكرون ذلك باللسان، و بعضهم لا يذكره علانية، لكنها فكرة موجودة في قلوبهم - و هذا على الضد تماماً من الشيء الذي قاله الإسلام. لقد كررتُ مراراً الحديث المعروف القائل: «اَلمَرأَةُ رَيحانَةٌ وَ لَيسَت بِقَهرَمانَة» (2). القهرمان في التعبير العربي الدارج يعني الموظف أو المأمور، كأن يقال مثلاً: «اَمَرَ قَهرِمانَهُ بِكذا». أي إن صاحب الأملاك الكثيرة فلان أمر قهرمانه، أي الشخص الذي يتولى أمور ممتلكاته. هذا هو الشخص الذي يسمّونه قهرمان. يقول في هذا الحديث لا تتصوروا أن المرأة هي موظفتكم داخل البيت و يجب عليها أداء أعمال البيت. ليس الأمر كذلك. لاحظوا أن هذا بحد ذاته فصل تتشعب منه عدة فصول.. قضية احترام حدود عمل المرأة في البيت و عدم إكراهها، و قابلية هذه الأعمال المنزلية للشراء، أي قابلة تبادلها بالمال.. هذه تعاليم موجودة في الإسلام و في الفقه الإسلامي. و كما أشارت السيدة فإن فقهنا فقه تقدمي ممتاز في الحقيقة. البعض يأخذون منه بعض الأشياء و ينسون بعض الأشياء، و يغيرون بعض الأشياء و يقلبونها رأساً على عقب من أجل التناغم مع الأفكار الغربية الغوغائية.. هذه حالات شهدناها هي الأخرى.
البعض و من أجل أن لا يستاء الغربيون يغيّرون بعض حقائق الأحكام الإسلامية و واضحات الأحكام الإسلامية. يقول القرآن الكريم: «وَ اِن تُطِع اَكثَرَ مَن فِى الاَرضِ يضِلّوك عَن سَبيلِ‌اللهِ اِن يتَّبِعونَ اِلّا الظَّنَّ وَ اِن هُم اِلّا يخرُصُون» (3). يجب عدم الجري وراء الأفكار الشائعة في عالم الجهل و الخرافة، بل ينبغي العثور على الفكر الإسلامي و السير على هداه حتى لو أساء البعض القول فينا. هذه بدورها قضية.. إذن ينبغي تشخيص القضايا الرئيسية الأصلية. اعتقد أن القضية الأصلية، أو إحدى القضايا الأصلية، هي قضية المنزل و العائلة: أمن المرأة في البيئة العائلية، و فرص المرأة في المناخ الأسري، و إدارة المنزل من أجل تفجير الطاقات و المواهب، فلا تكون هناك عقبات تحول دون أن تقرأ المرأة و أن تطالع و تدرس و تفهم و تكتب - بالنسبة للمرأة الراغبة في هذه الأمور - و توفير الأرضية و الساحة الملائمة لمثل هذه الأعمال. هذا هو أساس القضية.
قضية عمل المرأة ليست من القضايا الأصلية. طبعاً نحن لا نعارض عمل المرأة، و أنا لا أعارض عمل المرأة و لا توليها مواقع إدارية طالما لم يتعارض ذلك مع تلك الشؤون و القضايا الأصلية. فإذا تعارض الطرفان فهذا الطرف مقدم على ذاك. من الأعمال التي يجب أن تتم على هذا الصعيد الثالث الذي ذكرناه هو طبعاً أن ينظروا و يروا ما هي الأعمال و المهن التي تناسب هذه الخصوصية لدى المرأة. بعض الأعمال لا تناسب بنية المرأة، فلا يجروا وراءها. و من الأعمال في هذا الباب أن لا يفروضوا على المرأة الفروع الدراسية المؤدية إلى تلك المشاغل و المهن. قضايا الجامعات و الدراسة و ما إلى ذلك التي يثير البعض الضجيج حولها و يقولون إن هناك تمييزاً في الدراسة.. هذا التمييز ليس سيئاً في كل المواطن. التمييز إذا كان على الضدّ من العدالة فهو سيّئ. و إلّا لنفترض في فريق لكرة القدم إذا وضعتم لاعباً للهجوم و لاعباً للدفاع و لاعباً وضعتموه كحارس مرمى، سيكون هذا تمييزاً بالتالي. و إذا وضعوا اللاعب الذي يجب أن يكون في خط الدفاع على خط الهجوم فسوف يخسر الفريق. و اللاعب المناسب للهجوم إذا وضعوه حارس مرمى و هو لا يجيد هذه المهمة، فإن الفريق سيخسر. هذا تمييز و لكنه تمييز يمثل كبد العدالة. يضعون واحداً هنا و يضعون واحداً هناك و يضعون ثالثاً هناك. إذن، يجب أن ننظر ما هي الدروس المناسبة للسيدات في ضوء تلك الأهداف العليا، فنوفر لهن تلك الدروس، لا أن نجبرهن و نقول لأنكِ شاركتِ في امتحان دخول الجامعات بهذا الشكل، و كانت درجاتك كذا و كذا، لذا يجب عليك حتمياً أن تدرسي الفرع الفلاني، و ذلك الفرع لا يتناسب مع طبيعتها النسوية و لا مع الأهداف العليا المنشودة، و لا المهنة التي ستمنح لها تبعاً لهذا الفرع الدراسي متناسبة مع طبيعتها. اعتقد أنه ينبغي أخذ هذه الأمور بنظر الاعتبار في ما يتعلق بعمالة المرأة و مشاغلها. و باختصار فإن عدم قدرة المرأة على تولي كل المشاغل التي يتولاها الرجل يجب عدم اعتباره عاراً أو منقصة.. لا، الشيء السيّئ هو الذي لا يتناسب مع الطبيعة التي أودعها الله في البشر. هذا هو ما نريد أن نقوله، و طبعاً هناك نقاط و أمور أخرى سجّلناها، و لكن أعتقد أن هذا القدر يكفي.
قضية المرأة قضية مهمة، و أفضل من يستطيعون متابعة هذه القضية و معالجتها هم النساء أنفسهن. و لسن قلائل السيدات الإيرانيات المتعلمات و الخريجات و صاحبات الأفكار الجيدة و الموهوبات و صاحبات الأقلام و القرائح الحسنة. إنهن كثيرات في بلادنا اليوم و الحمد لله. و ذكرنا أنه لم يكن في تاريخ بلادنا لحد الآن كل هؤلاء النسوة المتخرجات و الواعيات و المتميزات، لا في البيئات الحوزوية و لا في الأجواء الجامعية. لم يكن لدينا سابقاً كل هؤلاء الكاتبات و كل هؤلاء الشواعر و كل هؤلاء الباحثات و المحققات في مختلف الفروع و الحقول. و هذا شيء قد تحقق اليوم بفضل النظام الإسلامي. هذا شيء تحقق بفضل الإسلام و ببركة الجمهورية الإسلامية، و بفضل تلك النظرة المشرقة للإمام الخميني لقضية المرأة التي أشاروا لها (4). لم يكن لدينا مثل هذا الوضع في البلاد أبداً. يجب أن نشكر الله و نحمده على توفيقاته و نسأله زيادة هذه التوفيقات و النجاحات، و أن نشكر هذا التوفيق. و الشكر هو ما قلناه: النظر للهداية و الإرشاد الإلهي و عدم النظر للتوجيهات المادية التي يرفع رايتها في الوقت الحاضر الغربيون و الأمريكان، و هم شديدو الوقاحة و يطالبون بكل شيء، و هم إلى ذلك غوغائيون إذا خالف أحد آراءهم أثاروا الضجيج و الهجمات الإعلامية ضده، و لكن ينبغي عدم الاكتراث لذلك، و التقدم إلى الأمام إن شاء الله.
و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته.‌

الهوامش:
1 - السيدة شهيندخت مولاوردي معاونة رئيس الجمهورية لشؤون المرأة و العائلة.
2 - نهج البلاغة، الكتاب رقم 31 .
3 - سورة الأنعام، الآية 116 .
4 - السيدة مولاوردي.