بسم الله الرحمن الرحيم

و الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و آله الطاهرين.
أولاً أرحب بالإخوة و الأخوات المسؤولين الأعزاء الملتزمين في نظام الجمهورية الإسلامية فرداً فرداً. إنها جلسة جيدة جداً و ستكون إن شاء الله مشحونة و زاخرة بالبركات و الهداية الإلهية و أنوار هذا الشهر. و قد كانت كلمة السيد رئيس الجمهورية (1) كلمة جيدة جداً و شافية و وافية. ما ينويه مسؤولو البلاد و يعقدون هممهم عليه نتمنى أن يصل ببركة هذا الشهر و ببركة الأدعية الزاكية للصالحين و المؤمنين و الصائمين إلى النتائج التي يتوخّاها مسؤولونا الأعزاء.
أطلقوا على شهر رمضان صفة «المبارك»، و السبب في أن هذا الشهر مبارك هو أنه سبيل النجاة من النار و الفوز بالجنة، حيث نقرأ في دعاء أيام شهر رمضان: «وَ هذا شَهرُ العِتقِ مِنَ النّارِ وَ الفَوزِ بِالجَنَّة» (2). النار و الجحيم الإلهيان و كذلك الجنان و النعيم الإلهيان موجودان في هذه الدنيا. ما يتحقق في نشأة الآخرة هو باطن الشيء الموجود هنا: «وَ اِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحيطَةٌ بِالكفِرين» (3). جهنم تحيط بالكافرين و الظالمين و المعاندين و المعارضين في هذه الدار و في هذه النشأة و في هذه الحياة. و كذا الحال بالنسبة للجنة.
أن ننتقل من الجحيم إلى الجنة فهذا شيء بأيدينا، و يتحقق هنا، و إنما تشاهد صورته العينية و الباطنية و الواقعية في تلك النشأة. بوسعنا أن نقوم بهذا السفر و بهذا السير من جحيم الأعمال السيئة و جهنم القلوب السيئة و جحيم الأفكار السيئة و من الجحيم الخاص بهذه الدنيا إلى جنة السلوك الحسن و جنة الأفكار الصالحة و السلوك الحسن و الطباع الحسنة. و اسم هذا التحرك هو الإنابة و التوبة. لذلك ورد في الدعاء: «وَ هذا شَهرُ اِلانابَةِ وَ هذا شَهرُ التَّوبَة» (4). بالإنابة و التوبة و العتق من النار سيحصل الفوز بالجنة.
من بركات شهر رمضان المبارك الأدعية الواردة في هذا الشهر. هذه الأدعية تعلمنا كيفية التحدث مع الله و الاستعانة به و التوجّه له، و تعلمنا كذلك معارف عديدة لا يجد الإنسان نظيرها حتى في الروايات الأخلاقية الدارجة. لقد اخترت فقرتين من أدعية هذا الشهر أذكرهما هنا في بداية حديثي. و اختيار هاتين الفقرتين إنما هو بسبب ما نحتاجه أنا و أنتم في الوقت الحاضر. إننا اليوم باعتبارنا مسؤولين في بلادنا العزيزة و مسؤولين في نظام الجمهورية الإسلامية نحتاج حاجة مبرمة للعمل الجاد و المتابعة المصحوبة بالنقاء و الإخلاص، و هذه الأدعية تدفعنا إلى هذا الاتجاه. أحد الأدعية دعاء اليوم الأول من شهر رمضان المبارك، و قد اخترت منه هذه الفقرة: «اَللهُمَّ اجعَلنا مِمَّن نَوَى فَعَمِلَ وَ لا تَجعَلنا مِمَّن شَقِي فَكسِلَ وَ لا مِمَّن هُوَ على غَيرِ عَمَلٍ يتَّكل» (5). إنها ثلاث جمل. تقول الجملة الأولى: «اَلَّلهُمَّ اجعَلنا مِمَّن نَوَى فَعَمِلَ».. اللهم اجعلنا ممن يعملون بنية و قصد و معرفة. إنه العمل الهادف و العمل المصحوب بالنية و العمل المعلوم مسبقاً ما هو اتجاهه و قصده. و الجملة الثانية: «وَ لا تَجعَلنا مِمَّن شَقِي فَكسِل». لا تجعلنا من أولئك التعساء المبتلين بالكسل و البطالة. الكسل يعني البطالة و التثاقل. لا تجعلنا اللهم من هؤلاء. هذا ما يعلمنا إيّاه هذا الدعاء. و العبارة الثالثة: «وَ لا مِمَّن هُوَ على غَيرِ عَمَلٍ يتَّكل». ربنا لا تجعلنا من الذين يعتمدون على شيء غير العمل. القعود و التمنّي و الكلام و نسج الآراء و الأفكار في الجلسات من دون أن يكون وراءها عمل.. اللهم لا تجعلنا من هؤلاء. لاحظوا أن هذا هو الدرس الكامن في هذا الدعاء. يدخل المؤمن إلى هذه الضيافة الإلهية في اليوم الأول من شهر رمضان بهذه الأنفاس. هذا بحد ذاته من الموائد الكبرى في هذه الضيافة. هذا أحد الأدعية.
و الدعاء الثاني دعاء كل يوم من أيام شهر رمضان المبارك. يقول هذا الدعاء: «وَ اَذهِب عَنّي فيهِ النُّعاسَ وَ الكسَلَ و السَّأمَةَ و الفَترَةَ وَ القَسوَةَ وَ الغَفلَةَ وَ الغِرَّة» (6). ربنا أبعد عني هذه الخصال و الصفات، و الصفات المقصودة هي: أولاً النعاس، و ثانياً الكسل، و هو نفسه البطالة و التثاقل و التقاعس، و ثالثاً السأمة، أي الملل و التبرّم بالشيء، و من ثم صفة الفترة أي التساهل و عدم الهمّة و عدم الاهتمام في الأعمال و عدم مراعاة الجودة و المتانة و القوة في الأعمال. و من ثم القسوة أي صلابة القلب و التحجّر و عدم المرونة. و بعد ذلك الغفلة أي الذهول و الشرود عن الموقف و الوضع الذي نحن فيه و عن ما يحدث و يمرّ بنا و عن ما هو أمامنا و حولنا من الأمور و الأوضاع. و الصفة الأخيرة هي الغرّة أي الانخداع و الغرور.. اللهم جنّبنا هذه الصفات و الأحوال و اجعلنا حذرين منها. لاحظوا أيّة دروس هذه. طيّب.. تطبيق هذه المفاهيم - و هي مفاهيم راقية و ممتازة جداً - أهم بكثير بالنسبة للمسؤولين و القائمين على الشؤون الجمعية من تطبيقها بالنسبة للأشخاص العاديين. حين نقول اللهم لا تبتلنا بالكسل و لا تبتلنا بالقسوة و لا تبتلنا بالغفلة، فنحن بحاجة إلى هذا التسديد الإلهي و هذه المراقبة من جهتين: الأولى من الناحية الشخصية الخاصة بنا لكي لا ننزلق و لا نزلّ و لا نخطئ و لا نقع في المشكلات، و الثانية من ناحية دائرة مسؤوليتنا و الجهاز الذي نديره. هذا يختلف عن الشخص الذي يركب سيارته الشخصية و يسير لوحده في الطريق. مسؤوليته هنا هي مسؤوليته عن حياته فقط. أما أنتم فلا، لأن هناك جماعة من الناس معكم. هذا هو ما يزيد من ثقل كفّة المسؤولية و ضرورة الالتزام في ما يخص هذه المسائل و الأمور.
شهر رمضان في أدبياتنا الدينية هو شهر التقابل بين الشيطان و السلوكيات الشيطانية من جهة و السلوكيات الرحمانية و الطاعة و العبودية من جهة ثانية. يقال إن الشيطان في شهر رمضان مغلول - هذا من جهة - و يقال إن شهر رمضان هو شهر الطاعة و العبودية، و أبسط كلمة و أقصرها و أعمقها معنى في هذا الباب هو كلمة التقوى: «كتِبَ عَلَيكمُ الصِّيامُ كما كتِبَ على الَّذينَ مِن قَبلِكم لَعَلَّكم تَتَّقون» (7). القضية قضية التقابل بين الشيطان و التقوى. عمل الشيطان هو الإغواء، فما معنى الإغواء؟ معناه إيجاد خلل في أجهزة حساباتكم - هكذا هو الشيطان بالتالي - و النقطة المقابلة لذلك هو ما تفعله التقوى. يسعى الشيطان لأن يغويكم، بمعنى أنه يعطل جهاز العقل و جهاز الفطرة و جهاز الفحص و الحسابات الدقيقة المودع في وجود الإنسان. أي إنه يحاول أن يوقع الإنسان في أخطاء في حساباته. و مهمّة التقوى على العكس من ذلك: «اِن تَتَّقُوا اللهَ يجعَل لَكم فُرقانا» (8). التقوى تمنحكم الفرقان، أي الوعي و القدرة على التمييز بين الحق و الباطل. و يقول في آية كريمة أخرى: «وَ اتَّقُوا اللهَ وَ يعَلِّمُكمُ الله» (9). من شأن التقوى أن يفتح الله تعالى عليكم أبواب العلم و الوعي و المعرفة.
يؤثر الشيطان في جهاز حساباتنا عن طريق التهديد و التطميع، فهو يخوّفنا من ناحية: تقول الآية القرآنية الكريمة في سورة آل عمران المباركة: «اِنَّما ذلِكمُ الشَّيطنُ يخَوِّفُ اَولِيآءَهُ فَلا تَخافُوهُم وَ خافُونِ اِن كنتُم مُؤمِنين» (10). في قضية الغزوة التي وقعت بعد حرب أحد - حيث جاءوا و أشاعوا أن العدو قد جاءكم و سوف يفتك بكم و ستخسرون كل شيء - قال النبي الأكرم (ص) ليحمل الذين جرحوا اليوم في حرب أحد سيوفهم و يخرجوا للعدو، و إذا لم يخرج منكم أحد فسأخرج لوحدي. و سار النبي الأكرم (ص) و حمل الذين جرحوا في ذلك اليوم في حرب أحد سيوفهم و ساروا مع النبي و هزموا العدو الذي كان قد كمن لهم قريباً من المدينة - و قد كان الخبر صحيحاً - و ينوي الهجوم عليهم مباغتة، و عادوا. «فَانقَلَبوا بِنِعمَةٍ مِنَ اللهِ وَ فَضلٍ لَم يمسَسهُم سوء» (11). ثم يقول: «اِنَّما ذلِكمُ الشَّيطانُ يخَوِّفُ اَولياءَه» (12). من أعمال الشيطان و ممارساته التخويف: «اَلشَّيطانُ يعِدُكمُ الفَقر» (13). إنه يخوّفكم من الفقر - حسب أحد الاحتمالات الواردة في معنى هذه الآية الكريمة - و قد كان هذا تهديداً. و من جهة ثانية هناك التطميع، فمن ناحية أخرى يعطي الشيطان وعوداً خادعة. و هنا أيضاً تقول الآية القرآنية الكريمة: «يعِدُهُم وَ يمَنّيهِم وَ ما يعِدُهُمُ الشَّيطنُ اِلّا غُرورا» (14). إنه يعد و يوقظ الآمال في قلوبهم و يرسم لهم مستقبلاً ملوّناً معسولاً كاذباً خيالياً مثل السراب يضعه أمام أنظار المؤمنين به.. «وَ ما يعِدُهُمُ الشَّيطنُ اِلّا غُرُورا» (15).. لكن وعوده كلها خداع.
من جهة هناك التهديد، و من جهة هناك التطميع. كالسلوك الذي تسلكه أمريكا اليوم دوماً و معها القوى الاستكبارية. من جهة يهددون و من جهة أخرى يطمعون. و التطميع ليس فقط التطميع الشخصي، إنما هناك حالات من التطميع العام: «نفعل كذا و نقوم بكذا»، و بعد ذلك لا يفعلون شيئاً، فهم يكذبون. هذا هو عمل الشيطان. كل هذه الأعمال التي يقوم بها الشيطان - هذا الإغراء و الإغواء و هذا التهديد و التطميع - من أجل أن يعطل جهاز الحسابات لدى الإنسان المؤمن لتكون حساباته خاطئة، و عندما يعطل جهاز الحسابات فسوف تفسد الأعمال و الأمور طبعاً. الحسابات الخاطئة من أكبر الأخطار. إنها أحياناً تهدد حياة الإنسان، و أحياناً تهدد مصير الإنسان. فقدرة الإنسان و طاقاته و قواه خاضعة لإرادته، و إرادة الإنسان تتأثر بجهاز الحسابات عنده، فإذا عمل جهاز الحسابات بشكل خاطئ سوف تتخذ إرادة الإنسان قراراً خاطئاً و تسير في الاتجاه الخاطئ، و عندئذ ستسير كل طاقات الإنسان و قدراته في ذلك الاتجاه الخاطئ. هذا هو الشيء الذي يجب الحذر منه.
ذكرنا أن المراقبة و الدقة و الحذر بخصوص الفرد الذي لا يتولى مسؤولية لها معنى، و المراقبة بخصوصنا أنا و أنتم ممن لدينا دائرة مسؤوليات معينة لها معنى آخر. ينبغي أن نحذر و نراقب من أن تصاب أجهزة حساباتنا بالخلل على يد شياطين الأنس و الجن، فنفهم المسائل و الأمور بشكل مغلوط. ليست الشياطين شياطين الجن فقط، و ليست الشياطين أبليس فحسب، «جَعَلنا لِكلِّ نَبِي عَدُوًّا شَياطينَ الاِنسِ وَ الجِنِّ يوحي بعضُهُم إلى بَعضٍ زُخرُفَ القَولِ غُرورًا» (16). شياطين الأنس و الجن يساعد بعضهم بعضاً. و أؤكد هنا: من الأخطاء في الحسابات أن يبقى الإنسان محبوساً في إطار العوامل المادية الصرفة و الأسباب المحسوسة. بمعنى أن يتجاهل العوامل المعنوية و السنن الإلهية و السنن التي أخبر الله عنها و الأمور التي لا ترى بالأعين. هذه من الأخطاء الكبرى في الحسابات. لقد قال الله تعالى: «اِن تَنصُرُوا اللهَ ينصُركم وَ يثَبِّت اَقدامَكم» (17). فهل أوضح من هذا؟ إذا سرتم في سبيل الله و نصرتم دين الله فإن الله سينصركم. هذه سنة إلهية، و لا تقبل التغيير و التبديل: «وَ لَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبديلاً» (18). إذا تحركتم و عملتم على سبيل إحياء دين الله و راعيتم هذه القضية فإن الله سينصركم. هذا ما قاله القرآن الكريم بهذه الصراحة على شكل وعد إلهي. و قد جرّبنا هذا الشيء على الصعيد العملي. إعلموا أن هذا المقطع من تاريخ الثورة و الذي سيناقش على مدى تاريخ طويل من قبل الأجيال القادمة، هو من أبرز و أهم المقاطع التاريخية. في العالم المادي، و في عالم هيمنة القوى الكبرى، و في عالم المحاربة الشاملة للإسلام و المعارف و القيم الإسلامية، يظهر نظام على أساس الإسلام و في موطن يخضع أكثر من أيّ موطن آخر لعوامل تلك القوى التحريفية. هذا شيء عجيب. أنا و أنتم تعودنا على هذا الشيء. و هذا هو مصداق لـ «اِن تَنصُرُوا اللهَ ينصُركم وَ يثَبِّت اَقدامَكم». أي لا تتزلزلون، و نحن لم نتزلزل. الشعب الإيراني لم يتزلزل. تعرّض الشعب الإيراني لكل هذه الضغوط و لكل هذه المؤامرات و لكل هذا الأذى و لكل هذه الدناءات لكنه لم يتراجع عن مساره. هذه من السنن الإلهية.
تقول الآية القرآنية الشريفة: «اَلَم تَرَ كيفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كلِمَةً طَيبَةٍ كشَجَرَةٍ طَيبَةً اَصلُها ثابِت وَ فَرعُها فِي السَّماء. تُؤتي اُكلَها كلَّ حينٍ بِاِذنِ رَبِّها» (19). الكلمة الطيبة و الخطوة الصحيحة و الإقدام النزيه و التحرك و المبادرة في سبيل الله من خصوصياتها أنها تبقى و تستمر و تضرب بجذورها في الأرض و تستحكم و تثمر. نظام الجمهورية الإسلامية هو تلك الكلمة الطيبة، يبقى كالشجرة الطيبة و يزداد قوة و تجذراً. إن نظام الجمهورية الإسلامية اليوم باعتباره نظاماً و حكومة و مجموعة سياسية لا يقبل المقارنة من حيث القوة و المتانة بما كان عليه قبل ثلاثين عاماً. يقول سبحانه و تعالى بعد آيتين: «يثَبِّتُ اللهُ الَّذينَ ءامَنوا بِالقَولِ الثّابِتِ فِي الحَيوةِ الدُّنيا وَ فِي الآخِرَة» (20). إنه يكرّر هذا التثبيت و الإثبات ثانية. ينبغي مشاهدة هذه العوامل، و ينبغي أخذ هذه العوامل بنظر الاعتبار في حساباتنا. لا تقتصر كل عوامل السعادة و الشقاء و التقدم و التراجع و النجاح و عدم النجاح على إطار العوامل المادية المألوفة التي يرتاح لها الماديون و أهل المحسوسات. إنما توجد إلى جانبها عوامل معنوية.
ما أريد أن أقوله في هذا الجانب من كلمتي - و هذه هي النقطة الرئيسية التي أقصد الإشارة لها - هو أننا يجب أن لا نخطئ في حساباتنا اليوم، فلا تسمحوا للعدو بالتأثير على جهاز حساباتكم، و لا تسمحوا له بإغرائكم و إغوائكم، و لا تسمحوا لتطميعه أو تهديده بالتأثير عليكم. معركة الجمهورية الإسلامية اليوم مع الاستكبار - و التي بدأت بالثورة و هي مستمرة بكل قوة - هي نفسها معركة الأنبياء مع طواغيت زمانهم و مع شياطين الإنس و الجن. إننا نسعى لتحقيق المبادئ السامية و نحاول تشكيل مجتمع إسلامي و نظام إسلامي و بلد إسلامي و أمة إسلامية و تحقيق الآمال الكبار للأنبياء و الصديقين و الشهداء. و الأجهزة الشيطانية في هذا العصر تصطف في جبهة واحدة و تعارض بالطبع مثل هذا التحرك. لذلك فهي تمارس العرقلة و تمارس الإيذاء و تهدد. و مع ذلك و رغم كل هذا البريق و البهارج التي تمتلكها تلك الجبهة و الجلال الظاهري و القدرات المادية التي تحوزها، تتواصل هذه الحركة الإلهية و هذه المسيرة النبوية و تتقدم إلى الأمام و تترك تأثيراتها و تنمو و تزدهر يوماً بعد يوم و تتعمق باطراد.
و هذا هو ما نشاهده اليوم في مجمل سلوكيات الأجهزة الاستكبارية. الهدف هو إيجاد خلل و إرباك في نظام و أجهزة حساباتنا أنا و أنتم. لم يستطيع الاستكبار فعل شيء في الساحات الأخرى. في الساحات الواقعية هناك عاملان ماديان بيد جبهة الاستكبار: العامل الأول التهديد العسكري، و الثاني هو فرض الحظر الاقتصادي. لا يمتلك الاستكبار أي شيء غير هذين الشيئين. من حيث قوة المنطق و القدرة على إقامة الدليل و القدرة على إثبات الأحقية، أيدي الاستكبار مغلولة و فارغة. لا يستطيع سوى فعل شيئين: الأول التهديد العسكري و هو يهدّد عسكرياً على الدوام، و الثاني هو الحظر الاقتصادي. و لهذين الشيئين علاجهما. يجب إحباط الحظر بالجهاد في مجال الاقتصاد المقاوم. هذه النقطة التي ذكرها اليوم رئيس الجمهورية المحترم، و كان قد ذكرها سابقاً، هي نقطة صحيحة تماماً: يجب البرمجة للخطط الاقتصادية و متابعتها و تحقيقها على أساس و على افتراض أن الحظر سيبقى. لنفترض أن هذا الحظر لن يقل حتى بمقدار ذرة، و هم أنفسهم يقولون هذا. هم أيضاً يقولون إن حالات الحظر لن تتغير، بل لقد بدأوا من الآن بالقول إنه حتى لو توصلنا إلى اتفاق بشأن الملف النووي فلن يعني ذلك رفع كل الحظر، إذ لا تزال توجد أشياء أخرى. و هذا هو ما كنا نقوله دوماً. لقد قلت مراراً في هذه الجلسة و في جلسات أخرى متعددة (21) إن الموضوع النووي مجرد ذريعة. حتى لو لم يكن هناك ملف نووي لجاءوا بذريعة أخرى من قبيل قضية حقوق الإنسان، و قضية حقوق المرأة، و سيختلقون الكثير من القضايا المتنوعة، و يزيفونها و يتخذونها ذريعة، و هذا ما لا يحتاج إلى كثير من الجهد و الأرصدة، فالأجهزة الإعلامية و الإمبراطورية الإعلامية موجودة تحت تصرفهم. إذن، علاج الحظر هو هذا الاقتصاد المقاوم، و سوف أذكر لاحقاً بعض الأمور عن هذا الجانب.
أما قضية التهديد العسكري، فقلّ ما يوجد اليوم في العالم من يأخذ خيار التهديد العسكري مأخذ الجد. و الأمريكان أنفسهم يقولون إن الإيرانيين لا يأخذون هذا الخيار مأخذ الجد. لسنا وحدنا الذين لا ننظر إليه بجد، فهناك كثيرون في العالم لا ينظرون لهذا التهديد بجد. المراقبون العالميون لا يعتقدون كثيراً أن هذا التهديد تهديد جاد، لأن تشخيص المراقبين العالميين و العارفين بالسياسة هو أنه لو كان الهجوم العسكري مجدياً بالنسبة لأمريكا لما ترددت فيه حتى للحظة واحدة. هل ينزعجون لأن بعض الناس سيقتلون و ستغمر الأزمات منطقة من المناطق؟ الذين دعموا بكل قواهم و لمدة ثمانية أعوام ذئباً اسمه صدام، و الذين ضربوا في الجوّ طائرة الركاب دون أية ذريعة (22) و دمروا مئات الأشخاص - نساء و رجالاً و أطفالاً أبرياء آمنین - و جزّروهم، هل يتورع هؤلاء عن قتل البشر؟ الذين خلقوا الأزمات أين ما استطاعوا و امتدت أيديهم، و أوجدوا هذه التجمعات الملونة - و على حد تعبيرهم الثورات الملونة - في هذه البلدان، في أيّ واحدة من هذه الحالات لم تكن القوى الاستكبارية و على رأسها أمريكا حضارة و سبّاقة؟ يخلقون الأزمات داخل البلدان و لا يهمهم أن تؤدي هذه الأزمات إلى مذابح أو حروب داخلية. الذين هاجموا بلد أفغانستان و هاجموا العراق و قتلوا مئات الآلآف، الذين قتلوا البشر في العراق، حتى بعد انتهاء العمليات العسكرية، و على يد أجهزة أمنية و شركات مرتزقة تعمل على قتل البشر مثل بلاك ووتر - و قد ذكرناها ذات مرة سابقاً - (23) شخصاً شخصاً في بغداد و غيرها من مدن العراق، هل يهاب هؤلاء قتل البشر؟ هل يهابون قتل الإنسان؟ هل يهتم هؤلاء لمثل هذه الأمور؟
ليست القضية إنهم لا يريدون تنفيذ التهديد العسكري. يقولون دوماً إن إسرائيل تهدد عسكرياً و أمريكا تمنعها من التنفيذ! طيّب، لماذا تمنعها أمريكا؟ إذا كان هذا الكلام صحيحاً و حقيقة فما هو السبب؟ هل لأن ضميرهم سوف يؤنبهم كثيراً بسبب هجومهم العسكري على بلد سيؤدي إلى مقتل عدد من الناس؟ لا، بل لأنهم يعتبرون الهجوم العسكري غير نافع و غير مجد. و أنا أقول بحسم إن الهجوم العسكري على الجمهورية الإسلامية غير مجد بالنسبة لأيّ بلد من البلدان. الأمريكان أنفسهم اليوم يعتبرون الهجوم على العراق كان خطأ. النقطة المهمة و اللافتة هي أنهم لا يعتبرونه خطأ من باب أنه كان جريمة، لا، إنما يقولون إنه لم يكن مجد و نافعاً بالنسبة لأمريكا! بمعنى أنه لو كان مجد لأمريكا لما كان فيه مؤاخذة. لا يقولون إننا أخطأنا لأننا قتلنا البشر و هاجمنا الناس الأبرياء و هجم جنودنا ففتحوا أبواب بيوت الناس برفسات أرجلهم و ضرّجوا النساء و الأطفال بالدماء و التراب أمام أنظار الجميع. لا يقولون هذا.
جنودهم الآن و بسبب الفجائع التي حصلت هناك يعانون من مشكلات نفسية، لكنهم لا يعترفون بذلك بشكل رسمي، إنما يقولون إن هذا العمل لم يكن نافعاً. طيّب، إذن في مجال الحظر و في مجال التهديد العسكري أيضاً لا يمتلك العدو شيئاً و أيديه خالية: «وَ لا تَهِنوا وَ لا تَحزَنوا وَ اَنتُمُ الاَعلَونَ اِن كنتُم مُؤمِنين» (24). إذا كنا مؤمنين فلن يستطيع العدو فعل شيء على صعيد الواقع. طيّب، الآن و هو لا يستطيع فعل شيء على صعيد الواقع و يداه قصيرتان عن التأثير و الفعل، فما هو السبيل أمامه؟ السبيل و الحل بالنسبة له هو الإخلال في جهاز حسابات الطرف المقابل و إرباكه.. جهاز حساباتنا أنا و أنتم، و هو يمارس هذه العملية بالإعلام و بالعمل السياسي و بالاتصالات المتعددة المتنوعة، فهم يعلمون أن الجمهورية الإسلامية ذات قدرة على الوصول إلى أهدافها، و يجب أن لا تريد الوصول إلى تلك الأهداف، أما إذا أرادت فهي قادرة، لذلك يريدون فعل شيء من شأنه صرف الجمهورية الإسلامية عن هذه الإرادة. هذا ما يسعى له العالم الاستكباري و على رأسه أمريكا في الوقت الحاضر، و هذه هي نفسها الحرب الناعمة التي تحدثنا عنها منذ سنوات و تحدث و کتب عنها الآخرون و ناقشوها.
لا يستطيعون تغيير حساباتنا، فلقد كانت حسابات الجمهورية الإسلامية منذ اليوم الأول قائمة على أساس المنطق العقلائي، و على أساس قوة عاقلة. العناصر التي كوّنت هذه الحسابات هي: أولاً الثقة بالله و سنن الخلقة، و ثانياً عدم الثقة بالعدو و معرفته معرفة جيدة. من مصاديق الثقة بالله و بسنن الخلقة الثقة بالناس و الشعب، و الثقة بإيمان الأفراد و الثقة بمحبتهم و الثقة بالدوافع و المحفزات الصادقة، و الثقة بصدق الناس - و قد كان إمامنا الخميني الجليل مظهراً لهذه الثقة - و الإيمان بالذات و قدراتها و بأننا قادرون، و التوكّؤ على العمل و اجتناب البطالة و التقاعس، و الثقة بنصرة الله و تأييده، و الاعتماد على الواجب و الجهاد و العمل الدؤوب في سبيل أداء الواجب. هذه هي الأمور التي شكلت منذ البداية و إلى الآن مجموعة عناصر القوة العقلانية للنظام الإسلامي و كانت أساساً و ركيزة لمسيرتنا. راجعوا كلمات الإمام الخميني و ستجدونها مليئة زاخرة بهذه المعارف و المعاني، الانتفاع من التجارب، تجارب سلوك القوى المستكبرة مع الشعوب الخاضعة لها، و الجهاد من أجل الاستقلال و البقاء على حالة الاستقلال و العيش باستقلال. ما معنى الاستقلال - و البعض ينالون من أساس مفهوم الاستقلال و يتساءلون ما معنى الاستقلال - الاستقلال معناه التحرّر من إرادة الأجانب و إرادة الآخرين، هذا هو معنى الاستقلال، و هو ما لا يستطيع أي عاقل إنكاره؟ معنى الاستقلال هو أن يقرّر الشعب مصيره بنفسه. لقد عانى هذا البلد سنين طوالاً من عدم الاستقلال. كان هناك استقلال سياسي ظاهري، لكن الآخرين كانوا هم العقل الذي يفكر لهذا البلد و النظام الحاكم فيه، كانوا هم الذين يتخذون القرار، و كانوا هم الذين يعملون، و كان هناك أفراد في الداخل بعضهم منبهرون بالأجانب و بعضهم غير منبهرين كثيراً لكنهم مجبرين و مضطرين على السير في ذلك الدرب. الاستقلال هو الوقوف بوجه مثل هذه الحالة.
الاستكبار يعارض هذه العقلانية. إذا ظن أحد بأن اسم الإسلام هو الذي يجعلهم يعارضون الجمهورية الإسلامية فلا، اسم الإسلام و الظواهر الإسلامية و التشريفات الإسلامية لا تدفع أي طرف لمعارضتها. قال الإمام الخميني ذات مرة في كلمة له (25) إن البريطانيين عندما دخلوا العراق في العقد الثاني من القرن العشرين - ألف و تسعمائة و نيّف - و سيطروا عليه، وجد أحد القادة العسكريين البريطانيين أن شخصاً يرفع صوته بنداء ما فاضطرب - و كان شخص يؤذن فوق مئذنة - فسأل القائد العسكري ما هذه الهتافات و الأصوات؟ قالوا له إنه رجل يؤذن. فقال: هل هو نداء ضدنا؟ فأجابه أحدهم: لا، فقال القائد العسكري: إذن فليقل ما يريد. الأذان إذا لم يكن ضدهم و هتاف «الله أكبر» الذي لا يصغّرهم، يقولون له فليقل ما يريد. القضية ليست قضية اسم الإسلام و التشريفات الإسلامية. تحمل بعض البلدان في الوقت الراهن اسم الإسلام و تعمل بالتشريفات الإسلامية بدرجات تنقص أو تزيد، لكن نفطها تحت تصرف الاستكبار، و إمكانياتها و طاقاتها بيد الاستكبار، و مصادرها الحيوية بيد الأجانب، فلا يعارضونها أبداً، بل هم أصدقاء بدرجة عالية.
قرأت مؤخراً كلاماً جيداً في مكان ما، يقول أحد خبراء الحكومة الأمريكية: المصالحة بين إيران و أمريكا ممكنة، لكن المصالحة بين الجمهورية الإسلامية و أمريكا غير ممكنة. كلامه هذا صائب. إيران التي تقف على رأسها العائلة البهلوية - التي تمنح كل شيء لهم - من الطبيعي أن تكون المصالحة معها شيئاً ممكناً، و ليس ممكناً و حسب، بل واجباً. الأمر يتجاوز الإمكان، فهو شيء ضروري و لازم بالنسبة لهم. القضية هي قضية الجمهورية الإسلامية، و الجمهورية الإسلامية تعني الاستقلال و الحرية و الالتزام بالإيمان الإسلامي و السير على درب الإسلام و عدم الاستسلام لما يفرضه الأعداء، و دعوة الأمة الإسلامية إلى الاتحاد - على الضدّ تماماً مما يريدونه - و هم يخاصمون هذه الأشياء طبعاً. لقد كان هذا هو لباب ما أردنا قوله: لا ننسى الثقة بالذات، و لا ننسى الإيمان، و لا ننسى العمل، و لا ننسى عدم الاستسلام للكسل و التماهي و الملل و التبرّم. هذه هي دروس شهر رمضان.
و نذكر هنا بعض التوصيات: إحدى التوصيات نخاطب بها كل المسؤولين. النظر في الأوضاع السياسية في العالم و المنطقة يشير إلى أننا نمرّ بفترة حساسة. الفترة الراهنة منعطف تاريخي بالمعنى الحقيقي للكلمة. اعلموا هذا! إذا لم تكونوا أقوياء فسوف يفرضون عليكم منطق القوة، لا من قبل أمريكا و الغرب، بل حتى من قبل كائن مثل صدام. إذا لم تكونوا أقوياء فسوف يتعسفون معكم و يفرضون عليكم ما يريدون. يجب أن تصبحوا أقوياء، فما هي عناصر القوة؟ كيف يمكن أن نصل إلى نتيجة أننا أقوياء و نقتنع بذلك؟ المعنويات و الأمل و العمل و الجد و الجهد و معرفة الثغرات الاقتصادية و الثغرات الثقافية و الثغرات الأمنية - اعرفوا هذه الثغرات و شاهدوها و لا تغيب عن أنظاركم - و هناك أيضاً التعاضد و التكامل بين الأجهزة المسؤولة، فلتتعاون الأجهزة المسؤولة، و هناك التكامل و التعاضد بين الأجهزة المسؤولة و الشعب.. هذه هي عناصر القوة. هذه توصية موجّهة للجميع.
التوصية الثالثة هي أن تنظموا الحركة على أساس أصول الثورة، و تجتنبوا الأمور الجانبية و تركزوا على حل مشكلات الناس. رابعاً اهتموا بالتقارب القطاعي و التقارب ما بين السلطات. إنني أوصي المسؤولين المحترمين في السلطات الثلاث دوماً بعقد اجتماعاتهم المشتركة بانتظام، فالكثير من الأمور تعالج و تحل في هذه الاجتماعات المشتركة: اجتماعات الحكومة و مجلس الشورى، و اجتماعات السلطة القضائية و الحكومة، و اجتماعات السلطة القضائية مع مجلس الشورى، هذه اللقاءات و تبادل وجهات النظر مع الآخر من شأنه أن يعمل على التكامل. و قضية الإدارة الجهادية هي توصيتنا للجميع.
و هناك توصية خاصة للحكومة و السلطة التنفيذية: أولاً ليعلم الجميع أنني أدعم الحكومة. إنني استخدم كل ما لديّ من قدرة و طاقة لمساعدة الحكومة، و أنا أؤيد الحكومة و أدعمها كباقي الحكومات السابقة. و أنا أثق بالمسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة، أولئك الذين أعرفهم. كل الحكومات التي تولت الأمور بعد الثورة منتخبة من قبل الشعب، و قد دعمتُ كل هذه الحكومات في كل هذه الفترات حينما كنت مسؤولاً. و كل الحكومات لها نقاط إيجابية و لها نقاط سلبية. ما من حكومة يمكنها القول إن كل نقاطها إيجابية أو بوسع أحد القول إن كل نقاطها سلبية، لا، هناك نقاط إيجابية و سلبية إلى جانب بعضها. طبعاً بخصوص الحكومات السابقة الأفضل أن يكون النقد علمياً خبروياً، و ليست ثمة كثير مصلحة في النقد من على المنابر العامة، و بخصوص الحكومة الحالية يجب أن يكون النقد منصفاً و محترماً و مخلصاً، و لا يكون بمعنى تسقط العثرات و الإيذاء. هذه هي الفكرة الأولى. و ثانياً أقول للمسؤولين في الحكومة بأن يأخذوا الاقتصاد المقاوم مأخذ الجد. تحدث رئيس الجمهورية المحترم عن هذا الموضوع و تحدث المسؤولون الآخرون قليلاً أو كثيراً، و لكن يجب العمل: «وَ لا مِمَّن على غَيرِ عَمَلٍ يتَّكل». لا يكن الأمر بحيث نقول شیئاً بألسنتنا و نعمل بطريقة بطيئة. الاعتماد في الاقتصاد المقاوم على الإنتاج الداخلي و على تمتين البنية الاقتصادية الداخلية، و هذا هو الازدهار الاقتصادي، فالازدهار الاقتصادي يحصل بالإنتاج و بتنشيط الإمكانيات الداخلية للبلاد، لا بشيء آخر.
و من التوصيات المهمة بخصوص الاقتصاد المقاوم توصية موجهة إلى البنوك: على البنوك أن تمارس دورها و يجب أن تتطابق مع مواد و سياسات الاقتصاد المقاوم و مع برامج الحكومة في هذا المجال. و هي بوسعها أن تمارس دوراً إيجابياً، و طبعاً يمكنها أن تمارس دوراً سلبياً. و التوصية الأكيدة لقطاع الصناعة و المعادن هي مضاعفة حراكهم و نشاطهم. العبء الأساسي لخروج البلاد من الركود و التأخر الاقتصادي يقع على قطاع الصناعة و المعادن. يجب بذل الجهود و العمل بشكل دؤوب مضاعف و تشخيص الإمكانيات، فثمة إمكانيات كثيرة في البلاد، فلينشّطوا هذه الإمكانيات و ليجعلوها فاعلة. بخصوص قطاع الزراعة يجب القول إن لقطاع الزراعة أهمية حيوية. من الضروري أن تكون نظرة الحكومة و سياسات الحكومة لقطاع الزراعة نظرة دعم، و هكذا هو الحال في كل أنحاء العالم، فالحكومات تدعم قطاع الزراعة. و يجب رفع المشكلات التي يعاني منها قطاع الزراعة و منها مشكلات المزارعين و مشكلات أصحاب المواشي - و هناك شكاوى تصل حتى إلينا - و إن المرء ليتألم من بعض المشكلات التي يعاني منها هؤلاء.
ثالثاً شعار الحكومة هو الاعتدال، و الاعتدال شعار جيد جداً، و نحن نؤيّد الاعتدال، فالتطرف مدان و سيّئ. التوصية التي أوصي بها هي احذروا من أن يقصوا التيارات المتدينة تحت طائلة شعار الاعتدال، و البعض أخذوا يفعلون هذا، حيث إني أرى مثل هذا الشيء على الساحة السياسية للبلاد. بشعار الاعتدال و بشعار تجنب التطرف يحاولون إقصاء التيار المتدين الذي يسارع قبل غيره في الأخطار إلى التصدي و الدفاع و التضحية، و يدعم الحكومات و يحميها في المشكلات الحقيقية بالمعنى الحقيقي للكلمة. إحذروا من هذا الشيء. الإسلام هو مظهر الاعتدال. الآية: «اَشِدّاءُ على الكفّارِ رُحَماءُ بَينَهُم» (۲6) توصي بالاعتدال و تمثل الاعتدال. و الآية: «قاتِلوا الَّذينَ يلونَكم مِنَ الكفّار» (27) تمثل الاعتدال، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر اعتدال. هذا هو معنى الاعتدال بالتالي، ليس معنى الاعتدال أن نمنع الأعمال الحساسة التي تمثل واجبات فردية على الشخص المؤمن المتدين و التيار المتدين و الجماعة المتدينة.
و توصية للتيارات السياسية و الصحفية.. لدينا توصية للإخوة و المسؤولين في التيارات السياسية و الصحافية.. احذروا و دققوا، فالمناخ الصاخب في البلاد ليس لصالح البلاد. لا يثير البعض أعصاب الناس إلى هذه الدرجة التي يشاهدها المرء، فالأمن الفكري و الذهني حالة مهمة للناس، فلا تزيدوا من أجواء العراك و الخلافات و لا تشددوها. و لا تكرروا كلام الأعداء دائماً. إنني أطلع كل يوم على عدد كبير من الصحف و الجرائد - ككثير من الأشياء الأخرى التي أقرؤها بكثرة - و أجد أحياناً كلاماً و عناوين في الصحف تناسب الصحيفة الأمريكية الفلانية، و يحدث من باب الاتفاق أحياناً أن نجد الشيء نفسه في الصحف الأمريكية و غير الأمريكية و التي تصلنا هي الأخرى، فاحذروا و دققوا، فهذه الطريقة ليست بصحيحة.
من المسائل الحساسة الحالية المسألة النووية، و قد كانت كلمة رئيس الجمهورية المحترم بشأنها جيدة و صحيحة تماماً. الطرف المقابل يريد أن يريكم الموت لترضوا بالحمّى كما يقال. هدفهم أن يقنعوا الجمهورية الإسلامية في مجال التخصيب - و هو أحد القضايا المطروحة - بعشرة آلاف سو، لكنهم بدأوا من خمسائة سو و ألف سو. و عشرة آلاف سو هي حصيلة ما يقارب العشرة آلاف جهاز طرد مرکزي من النوع القديم الذي كنا نمتلكه و لا نزال. هذا هو هدفهم. و يقول مسؤولونا بأننا نحتاج إلى مائة و تسعين ألف سو. و قد لا تكون هذه الحاجة حاجة هذه السنة و السنتين القادمتين أو السنین الخمس القادمة، لكنها حاجة البلاد الأكيدة، و يجب بالتالي تأمين حاجة البلاد. الكلمة الأصلية التي يطرحها الأمريكان في هذه القضية ليست بكلمة حق. بلد يحتاج إلى الطاقة النووية، و قد استطاع بنفسه و بجهوده و بمتابعته الذاتية و من دون أن يسرق شيئاً من أحد و من دون أن يعقد صفقات مع أحد، أن يحقق لنفسه هذا العلم و هذه المعرفة و هذه التقنية، و إذا بهم يقفون و يقولون: لا، يجب أن لا يحقق لنفسه هذا. لماذا؟ ما هو المنطق الذي يقف وراء هذه الـ «يجب أن لا»؟ يقولون إننا نخاف من القنبلة الذرية! أولاً الضمانات للحيلولة دون امتلاك السلاح النووي لها طرقها و أساليبها، و لا إشكال في ذلك. ثانياً إذا كان من المفترض أن يقلق أحد من الأسلحة النووية فهو ليس أمريكا. أمريكا نفسها تمتلك عدة آلاف من الرؤوس النووية و لديها عدة آلاف من القنابل الذرية، و قد استخدمت القنبلة الذرية، طيّب ما شأنكم أنتم؟! من أنتم حتى يجب أن تقلقوا من أن البلد الفلاني سيمتلك أو لا يمتلك سلاحاً نووياً؟! ثم إن الأجهزة المسؤولة يمكنها أن تضمن ذلك. و بالطبع تم ضمان ذلك، أي إن الأمر واضح، و ربما كانوا هم أنفسهم يعلمون. أساس كلمتهم ليست بحق.
طبعاً نحن نثق بفريق بلادنا في المفاوضات. و نحن واثقون من أن هذا الفريق لن يرضى بالتطاول على حقوق بلادنا و حقوق شعبنا و كرامة شعبنا، و لن يسمح بحصول مثل هذا الشيء. قضية حجم التخصيب قضية مهمة جداً. و قضية التحقيق و البحث العلمي و التنمية ينبغي أيضاً مراعاتها بكل تأكيد، و الحفاظ على التشكيلات التي لا يقوى العدو على تخريبها. يشدّدون على «فردو» لأنه موقع لا يمكنهم الوصول إليه، و يقولون يجب أن لا يكون هناك مكان لا نستطيع توجيه ضربة له! أليس هذا بالشيء المضحك؟
و المسألة الأخيرة هي مسألة المنطقة و قضية العراق و هي في الحقيقة فتنة، و سيستطيع شعب العراق المؤمن إن شاء الله و بتوفيق من الله أن يطفئ نار هذه الفتنة و يقضي عليها. و سوف تتقدم شعوب المنطقة إن شاء الله يوماً بعد يوم نحو الرشد و الرقي المادي و المعنوي أكثر فأکثر.
اللهم، بمحمد و آل محمد، نسألك أن تجعل ما قلناه و سمعناه لك و في سبيلك، و أن تتقبله منا. اللهم وفقنا للسعي و الجدّ و العمل المخلص. اللهم بمحمد و آل محمد هيّئ لنا أسباب رضاك عنا، و لا تحرمنا في هذا الشهر المبارك من رحمتك و مغفرتك، و احشر أرواح الشهداء الطيبة و روح الإمام الخميني الكبير الطاهرة مع أوليائك. اللهم بمحمد و آل محمد اجعلنا من عبادك الشاكرين الصابرين.
و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته.‌

الهوامش:
1 - حجة الإسلام و المسلمين الدكتور حسن روحاني.
2 - إقبال الأعمال، ج 1، ص 90 .
3 - سورة التوبة، شطر من الآية 49 .
4 - إقبال الأعمال، ج 1 ، ص 25 .
5 - إقبال الأعمال، ج 1 ، ص 23 .
6 - إقبال الأعمال، ج 1 ، ص 26 .
7 - سورة البقرة، شطر من الآية 183 .
8 - سورة الأنفال، شطر من الآية 29 .
9 - سورة البقرة، شطر من الآية 282 .
10 - سورة آل عمران، شطر من الآية 175 .
11 - سورة آل عمران، شطر من الآية 174 .
12 - سورة آل عمران، شطر من الآية 175 .
13 - سورة البقرة، شطر من الآية 268 .
14 - سورة النساء، الآية 120 .
15 - سورة النساء، شطر من الآية 120 .
16 - سورة الأنعام، شطر من الآية 112 .
17 - سورة محمد، شطر من الآية 7 .
18 - سورة الأحزاب، شطر من الآية 62 .
19 - سورة إبراهيم، الآية 24 و شطر من الآية 25 .
20 - سورة إبراهيم، شطر من الآية 27 .
21 - من ذلك لقاؤه بمسؤولي الدولة و النظام الإسلامي بتاريخ 24/07/2012 م .
22 - طائرة الركاب المدنية الإيرانية التي كانت بتاريخ الثالث من تموز 1988 م في رحلة من بندر عباس إلى دبي، و سقطت في منطقة هنگام غير العسكرية فوق الخليج الفارسي بعد إصابتها بصاروخ أطلق من البارجة الأمريكية وينسنز، فاستشهد كل من فيها و كانوا 298 راكباً مدنياً منهم 66 طفلاً تحت الـ 12 عاماً.
23 - من ذلك لقاؤه بجماعة من طلبة المدارس و الجامعات التعبويين بتاريخ 31/10/2007 م .
24 - سورة آل عمران، الآية 139 .
25 - من ذلك: صحيفة الإمام، ج 7 ، ص 393 .
26 - سورة الفتح، شطر من الآية 29 .
27 - سورة التوبة، شطر من الآية 123 .