بسم الله الرحمن الرحيم

و الحمد لله ربّ العالمين، و صلى الله على محمد و آله الطاهرين.
أرحب بالإخوة و الأخوات الأعزاء، أساتذة الجامعات المحترمين، و مجموعة العلماء الحاضرين هنا. هذه الجلسة كانت دوماً من أحلى و أطيب الجلسات بالنسبة لي، و السبب هو للآراء التي تطرح هنا - و هي في الغالب مفيدة، و فيها نظرة عميقة، و تتمتع برصيد فكري و علمي - و أكثر من ذلك، لنفس الأجواء العلمية التي تسود الجلسة. و هدفنا الأصلي من هذه الجلسة هو هذا في الأساس، و هو أن نعرب بشكل رمزي عن احترامنا و تكريمنا للعلماء الملتزمين، و هم أعظم ثروات البلاد.
هناك الكثير من الكلام و الآراء في أذهانكم، و كل واحد منكم لديه أفكار يطرحها، و لو كان هناك توفيق و فرصة لسماعها، لكانت فيها يقيناً فوائد. و نتمنى أن تطرح هذه الأفكار و الآراء بشكل مناسب في مواطنها و في المجامع العلمية و في التجاذبات و التبادلات الجامعية، و أن ينتفع المسؤولون من هذه النظرات و الأفكار. من المتيقن منه أن مجموعة أفكار علمائنا و مفكرينا في جامعات البلاد بشأن قضايا الوطن و أمور البلد، تمثل ثروة هائلة تُهدى إلى القائمين على إدارة البلاد، و نتمنى أن يستفاد منها. و لكن بطبيعة الحال فإن جلستنا المحدودة هذه لا تتسع لكي نستطيع الاستفادة من آراء الجميع.
إنني أتقدم بالشكر للإخوة و الأخوات الأعزاء الذين تحدثوا. كل الذين تحدثوا أشاروا إلى نقاط جيدة جداً، و قد انتفعنا من كلماتهم، و سوف يستفاد من مجموع هذه الكلمات إن شاء الله في عمليات البرمجة و التخطيط و تبادل وجهات النظر مع المسؤولين التنفيذيين للبلاد، و ينبغي أن تلاحظ آثارها إن شاء الله.
طيّب، هدفنا هو تكريم العلم و العلماء و استماع آراء الأعزاء و الأساتذة المحترمين و الانتهال منها، و هذا ما حصل و الحمد لله اليوم و إلى هذه اللحظة. و هناك نقاط نذكرها.
أولاً أجواء شهر رمضان أجواء نقاء و معنوية و صدق و إخلاص، فلنحاول الانتفاع من هذه الأجواء إلى أقصى درجة ممكنة، سواء في ما يتعلق بصلتنا القلبية بالله، حيث نعزّز هذه العلاقة المعنوية و الرابطة الشخصية بالله تعالى في هذه الأيام - و أرقى و أكبر فائدة و منفعة لكل إنسان هي تعزيز هذه العلاقة - أو لحياتنا الخالدة الأخروية و هي الحياة الحقيقية. العلاقة بالله مفيدة لتلك الحياة و لهذه الحياة الدنيا التي نحن فيها الآن. بالإضافة إلى هذا، لنحاول الانتفاع من هذه الأجواء المعنوية و النقاء الذي يسود شهر رمضان على مستوى المجتمع عموماً لإقامة علاقات صحيحة و معنوية بيننا و بين الآخرين، و نتخذ قرارات صحيحة و نقطع خطوات صائبة، و نقيم علاقاتنا مع الآخرين على أساس التفاؤل و الثقة و إفشاء المحبة و إرادة الخير للآخرين، و ننتفع من شهر رمضان بأن نلطف و نهذب من العلاقات الاجتماعية و الإنسانية، و نجعل أجواء البلاد و الحياة أجواء أكثر نورانية. و هذا ما يستطيع كل واحد منا القيام به. أنتم باعتباركم أساتذة و لكم مكانة علمية عالية، تستطيعون بالطبع التأثير أكثر على البيئة التي تحيط بكم سواء من الطلبة الجامعيين أو غيرهم.
سجّلت عدة نقاط لأقولها، فهذا اللقاء لقاء مغتنم و فرصة ثمينة بالنسبة لي حيث يجتمع المرء بجماعة من النخبة و المبرّزين الفكريين و العلميين. إننا نفخر دوماً بالطاقات الإنسانية للبلاد، و أفضل الطاقات الإنسانية و أبرزها هم هذه العناصر التي تعمل في الجامعات على إعداد الأفراد و تخريجهم و تربيتهم، أعني بهم أساتذة الجامعات المحترمين. إنها فرصة لنذكر بعض النقاط وجهاً لوجه.
النقطة الأولى تتعلق بالنهضة العلمية في البلاد، و هي في رأيي موضوع مهم جداً. قضية المسيرة العلمية للبلاد في اعتقادي شيء أساسي لحياة شعبنا و مجتمعنا في المستقبل، بل و من زاوية من الزوايا لحياة العالم الإسلامي. منذ سنين - منذ ربما عشرة أعوام أو إثني عشر عاماً - و نحن نشدد على قضايا العلم، و قد وجدنا استجابة، بمعنى أن المسيرة العلمية و النهضة العلمية في البلاد قد انطلقت و بدأت حقاً و تقدمت إلى الأمام و حصلت أعمال و إنجازات كبيرة - و قد سمعتم نماذج لذلك من الأساتذة المحترمين و النماذج أكثر بكثير مما ذكره الأعزاء هنا - فالعمل قد بدأ و اشتهرت هذه الحركة العلمية للبلاد في العالم حقاً. و في الواقع يمكن القول إنه قد رفع الستار عن النهضة العلمية لبلادنا العزيزة في العالم، و لكن ما يدعوني إلى القلق و الهمّ هو أن مسيرتنا هذه لم تصل بعد إلى طور الاستقرار و الثبات. إننا أشبه بأشخاص نتحرك على سفح شديد الانحدار و نسير فيه إلى الأعلى. نعم، لقد سرنا و تحركنا و تقدمنا إلى الأمام و حصلت إنجازات كثيرة، لكننا لا نزال في وسط الطريق. إننا في وسط الطريق لأسباب متعددة - و لا أروم التفصيل كثيراً في هذا الجانب، و قد تحدثنا عنه في مناسبات و أماكن مختلفة - و في هذا السفح الشديد الانحدار إذا توقفنا فإن توقفنا هذا سيصحبه تراجع إلى الوراء، و لن يكون مجرد توقف. إذا خرجت مسيرتنا عن الحركة و التقدم فإن إعادة هذه النهضة و هذه الحركة و هذه السرعة العلمية ستكون أصعب من السابق. هذا هو همّنا و قلقنا. ما أريد قوله هو ضرورة تغذية و تعزيز هذه المسيرة العلمية بكل ما أوتينا من قوة، أي يجب الإمداد و الرفد و العمل الدؤوب، و ينبغي أن نحذر من أن نعمل ما من شأنه توقف هذه المسيرة. هذه هي النقطة الأولى و الأصلية التي نريد ذكرها.
من المؤكد أن هناك دوافع في جبهة أعدائنا لإيقاف المسيرة العلمية في البلاد. و البعض يتحسسون من كلمة الأعداء، و يعترضون علينا لماذا نقول دوماً الأعداء الأعداء، و الحال أنكم لو لاحظتم القرآن الكريم لوجدتم كم يذكر من أوله إلى آخره كلمة الشيطان و إبليس و يكرّرهما. يجب عدم الغفلة عن العدو. لا عيب في اعتبار العدو عدواً. عندما نشدّد على العدو دوماً فهذا لا يعني أننا غافلون عن عيوبنا و مشكلاتنا الداخلية، لا، «اَعدى‌ عَدُوِّك نَفسُك الَّتى بَينَ جَنبَيك» (1). أسوء الأعداء هو العدو الذي في داخلنا، إنه نفسنا، نفسنا الميالة إلى الراحة و إلى الكسل و إلى التثاقل و عدم التدبير في إدارة الأمور. هذا شيء واضح و محفوظ في محله، و لكن الغفلة عن العدو الخارجي خطأ استراتيجي عظيم يتسبب لنا في الخسائر و الأضرار. طيب، يجب معرفة العدو، و ينبغي معرفة نظرته العدائية و فهمها - و أن تقولوا يجب أن نتعامل مع العدو بهذه الطريقة أو تلك فهذا بحث آخر - و يجب تشخيص مخططاته. من المخططات المهمة للعدو إيقاف الحركة العلمية في البلاد. عندما نفهم هذا و نعود للجامعات، ستكتسب الإدارة الجهادية التي تحدثنا عنها (2) معناها. لأن الجهاد هو السعي الذي يبذله الإنسان مقابل عدو، و ليس كل سعي جهاداً. الجهاد عبارة عن السعي الذي يحصل حيال تحد عدائي يفرضه الطرف المقابل، هذا هو الجهاد. و معنى الإدارة الجهادية هنا هو أن تتنبهوا إلى حقيقة أن الحركة العلمية للبلاد و نهضة البلاد العلمية و التقدم العلمي للبلاد يواجه تحدياً خصامياً، و عليكم أن تديروا الأمور مقابل هذا التحدي الخصامي. عليكم أنتم الأساتذة و طلبة الجامعات أن تقفوا و تصمدوا بوجه هذا التحدي، و ستكون هذه حركة جهادية و إدارة جهادية للأجهزة و المؤسسات، سواء إدارة الجامعات أو إدارة الوزارات أو إدارة أي قطاع من القطاعات المختلفة في هذه الساحة الكبيرة.
طبعاً كانت لدينا خلال فترة معينة في الماضي نماذج غير محبّذة في الجامعات. كان لدينا أفراد في جامعة مهمة من جامعات البلاد يشجعون الشباب النخبة على ترك البلاد! أن يقال دوماً هروب الأدمغة و هروب الأدمغة، فقد كان لدينا أشخاص يبحثون عن الطلبة الجامعيين النخبة و يجدونهم و يشجعونهم على ترك البلاد. كان لدينا مثل هذا الشيء في فترة من الفترات، و قد شاهدناه و مررنا به في مدة من الزمن، حيث كان هناك في داخل الوزارة أشخاص يضعون العراقيل أمام الحركة العلمية و التقدم العلمي للبلاد. طبعاً قد يكون ما يفعلونه من وجهة نظرهم مبرراً لأسباب معينة، و لكن الواقع هو أنهم كانوا يعرقلون. يجب أن لا تتكرر هذه الحالات، و لا تقع الجامعات بيد الذين لا يقيمون وزناً للتقدم العلمي للبلاد و لا يهتمون له، إنما يجب أن تكون الجامعات بيد الذين يعشقون تقدم البلاد العلمي، ويدركون أهمية هذه القضية لمصير الشعب و لمصير البلد. هذا هو ما نريد قوله كنقطة أساسية، و المخاطبون بهذا القول هم المسؤولون الحكوميون و مسؤولو الجامعات و أنتم أيها الأساتذة. لقد بدأت الجامعات مسيرة و حركة ينبغي أن لا تسمحوا بتوقفها، فهذه الحركة يجب أن تستمر و تتصاعد و تتضاعف. و قد ذكرت - و لا مجال الآن للتفصيل في هذا الباب - إن الطريق أمامنا لا يزال طويلاً حتى نصل إلى المحطة المنشودة من الناحية العلمية، يجب بذل الكثير من الجهود و المساعي و العمل بكثير من المجاهدة.
و على المدى القصير اعتقد - و هذا الاعتقاد ناجم عن الأعمال و الدراسات التي قام بها الخبراء و المتخصصون - أن الحظر - و قضية الحظر اليوم من القضايا التي تشغل الأذهان - سوف يحبط و لا يكون له مفعول بواسطة التقدم العلمي. إذا نظرنا نظرة قصيرة الأمد و متوسطة الأمد - بغض النظر عن المستقبل البعيد و النظرة الطويلة الأمد - لقلنا إنه لو أراد البلد إبطال مفعول الحظر الذي هو اليوم أداة بيد أعدائنا لإذلال شعبنا - حيث يستخدمون الحظر للضغط على السمعة الوطنية، هذا ما عدا الضغوط العملية ذات الصلة بالحياة و المعيشة حيث يريدون الاستفادة من الحظر للإذلال، و لهذا شدّدنا منذ الماضي و على مدى الأعوام الأخيرة دوماً على عدم التعويل كثيراً على رفع الحظر - فإن ذلك ممكن بالنظرة العلمية لأمور البلاد و بالاهتمام بالعلم و بتمتين الأواصر بين العلم و الصناعة و الزراعة، و قد سمعتم إيضاحات السادة المحترمين في هذه المجالات. و ساحات العمل في هذه المجالات مفتوحة أمامنا و نستطيع أن نعمل، و الشركات العلمية المحور من أهم الأعمال في ميدان الاقتصاد المقاوم، و تمثل قضية طرحت و نوقشت و حظيت بتأييد و قبول كل الأطراف و المعنيين في البلاد.
طبعاً ينبغي التدقيق في تشخيص الشركات العلمية المحور، إذ يجب تحديد المؤشرات و المعايير لذلك، و يتعيّن تقرير مواصفات جودة للشركات العلمية المحور، فلا يكون الأمر بحيث ينتهز البعض اسم الشركات العلمية المحور و يمارسوا هنا أيضاً الأعمال الشائعة في مجالات أخرى من قبيل السمسرة و الانتهازية. يجب أن تكون هذه الشركات علمية المحور بالمعنى الحقيقي للكلمة. يجب جعل هذا الأمر من المحاور الأساسية.
و أقول هنا داخل قوسين إن بعض الذين يتحدثون و لديهم منابرهم و منصاتهم للحديث و الكلام يشككون في أساس قضية التقدم العلمي للبلاد! و نحن لا نعتبر هذا من المصلحة، فمثل هذا الكلام ناتج حقاً عن عدم اطلاع. ذات مرة ذكر أحد مسؤولي البلاد شيئاً حول الشؤون العسكرية لم يكن بالتالي متطابقاً مع الواقع، فقلتُ ليضعوا جولة عسكرية لمسؤولي البلاد، فيتجولوا قليلاً في البيئات و الأجواء العسكرية و يتعرفوا على الحقائق و الواقعيات و ترتفع معلوماتهم بخصوص الإمكانيات العسكرية للبلاد. و يبدو أن القضية للأسف على نفس هذا النحو بخصوص الشؤون العلمية للبلاد. يجب إقامة جولة أو سفرة علمية للمسؤولين في القطاعات المختلفة. و قد أشار الأعزاء إلى بعض القطاعات، و تحدث أحد السادة عن تقنيات النانو - و القضية لا تتعلق بتقنيات النانو فقط - فقال إننا نعمل كما لو كنا نحفر بئراً فإذا وصلنا للبلل و الرطوبة تركناه. لا، إنما هم يتابعون الأمور و يستمرون فيها. المسؤولون عن الأمور و الذين يتولون حفر الآبار على حد تعبيره يتابعون الأمور بشكل حقيقي و يصلون إلى نتائج جيدة. الطب في البلاد مثلاً يعتبر من الأكثر تقدماً في العالم، فنحن غير متأخرين كثيراً عن العلوم العصرية في العالم و عن حدود ما وصل إليه علم الطب في العالم، بل نحن قريبون جداً. و كذا الحال بالنسبة للمجالات الأخرى، ففي العلوم النووية و في علوم الخلايا الجذعية، و أعمال كبيرة أخرى من هذا القبيل حققنا تقدماً جيداً جداً. الذين لا اطلاع لهم ليس من المستحسن أن يشككوا، فليذهبوا و يحققوا و يتصلوا و كما قلت ليقيموا جولات و سفرات علمية و يصلوا إلى النتائج. كانت هذه هي فكرتنا الأصلية و قد ذكرناها. الذي أرجوه من المسؤولين في الوزارات المعنية و من المسؤولين الحكوميين ذوي الصلة بقضايا العلم و الجامعات و الصناعة أن يأخذوا قضية التقدم العلمي و العلاقة بين العلم و التقنية في البلاد مأخذ الجد، أي لا يقصّروا أي تقصير في هذا الإطار، فهذه القضية قضية أساسية بالنسبة لنا، و هي من أهم قضايانا و أكثرها جذرية و فورية. العمل البحثي في محله و لكن ينبغي في البحوث و ما يجب القيام به في هذا المجال أن لا يحصل أي تقصير و تقاعس.
نقطة أخرى سجّلتها لأقولها هي أن الخارطة العلمية الشاملة للبلاد تمت المصادقة عليها و الحمد لله، و حسب التقارير التي وصلتني فقد حظيت بالترحيب و الإقبال. لقد تم إعداد عدة وثائق علمية على أساس الخارطة العلمية الشاملة للبلاد و تبليغها، و هناك عدة وثائق أخرى يجري حالياً تدوينها و إعدادها. و قد قيل لنا إن بعض مسؤولي القطاعات العلمية طلبوا من الفريق المسؤول عن تطبيق الخارطة العلمية الشاملة للبلاد أن يدوّنوا وثيقة علمية لقطاعاتهم. هذا شيء حصل و هو حدث مهم و بناء و فاعل في البلاد. الشيء الذي يكمّل هذا العمل هو تعيين حصص جامعات البلاد المختلفة من الخارطة العلمية الشاملة على أساس مستوياتها و مزاياها، فتعرف بذلك جامعات البلاد المعتبرة نصيبها و حصتها من هذه الوثيقة العلمية الكبرى للبلاد، و تعمل في المجالات المقررة لها. أي ينبغي عموماً رسم جدول تعلم كل جامعة دورها فيه، و تعمل على النهوض بهذا الدور. يمكن تقسيم جامعات البلاد على أساس مزاياها و مواهبها، و تقرير حصة كل واحدة منها على هذا الأساس.
النقطة الأخرى التي سجّلتها هي أن هناك قضية أساسية في الحراك العملي الذي انطلق في البلاد و الحمد لله تتمثل في أن العمل العلمي ينبغي أن ينصب على احتياجات البلاد، و هذا ما لا نشهد اليوم بشكل كامل و دقيق. كما أشار بعض الأعزاء في كلماتهم فإن البحوث و الدراسات العلمية الإيرانية المنشورة لها في الوقت الحاضر زبائنها، فزبائن الأعمال العلمية في العالم كثار، و لكن هذا لا يكفي. نعم، أنتم تعدون بحثاً أو دراسة و تصبح هذه الدراسة مرجعاً يرجع إليها و يستشهد بها في العالم، هذا بطبيعة الحال مبعث فخر و اعتزاز و هو شيء إيجابي و حسن حتى للبلاد، و دليل على التطور العلمي للبلاد، لكن الأهم من ذلك هو أن يتركز ما تقومون به من أعمال علمية على احتياجات البلاد. لقد لاحظتم اليوم أن المتخصصين ذكروا أموراً بشأن الصناعة و الزراعة و إدارة الأزمات و مختلف قضايا البلاد، و أشاروا إلى الاحتياجات و الثغرات و النواقص الموجودة، و البحوث العلمية و الدراسات و المقالات العلمية يمكنها التركيز على هذه النواقص و العمل على ردمها و رفع هذه الاحتياجات. هذه أيضاً من القضايا المهمة. إذا بذلت الجامعات في هذا المجال جهودها فسيكون ذلك أكبر مساعدة على إدارة البلاد. القضية قضية المساعدة التي يمكن للجامعات و الأوساط العلمية تقديمها، و عندما تريد الجامعات أن تؤثر على قرارات المسؤولين فلتكن مشاريعها العلمية منصبة على احتياجات المسؤولين و المدراء، سواء عن طريق المقالات العلمية أو الرسائل الجامعية أو المناظرات العلمية.
نقطة أخرى من المناسب أن أذكرها لكم أيها الأساتذة و قد سجّلتها هنا، هي أن للأستاذ مكانة مؤثرة في ذهنية طلابه. هذه هي خصوصية الأستاذ، أي إن تفوقكم العلمي على الطالب الجامعي و ما تقومون به من تعليمه يوجد لكم مكانة مؤثرة في ذهنيته و شخصيته. فاستخدموا هذه المكانة لتربية طلابكم. نحتاج اليوم إلى أن يكون طلابنا ذوي روح إيجابية و متفائلين و شجعاناً و ذوي ثقة بأنفسهم و ذوي مستوى إيماني عال، و تطلع إلى المستقبل، و ميالين إلى تقديم الخدمة و العمل. نحتاج إلى أن يكون طلبتنا الجامعيين بهذه الخصال، و هذا ما تستطيعون تأمينه في الأجواء العلمية و صفوف الدراسة. و العكس ممكن أيضاً، إذ يمكن باستخدام بعض التعابير و بالاستهزاء بالأسس و الأصول المقبولة في البلاد زعزعة ثقة الطالب الجامعي بمستقبل بلاده و إضعاف عقيدته و جعله لاأبالياً.. هذا أيضاً ممكن. المتوقع من الأستاذ الجامعي ليس مجرد التغذية العلمية للطالب الجامعي، بل تعزيز روحه و شخصيته المعنوية أيضاً. بوسعكم أن تكونوا مؤثرين في هذا المجال. حاولوا أن تخرّجوا الطلبة الجامعيين ملتزمين بالقيم المعنوية و بالقيم العائلية و بالاعتبارات الوطنية. خرّجوا الطالب الجامعي مؤمناً معتقداً بالثقافة الإسلامية. البعض كانوا طوال أعوام ما قبل الثورة يتصرفون على العكس من هذا، و بعد الثورة طبعاً و إلى اليوم لا تزال تشاهد هناك في الجامعات ظلال باهتة لهذه الحالة. إننا مطلعون و أنتم مطلعون أيضاً، و نعرف و تعرفون أشخاصاً و تيارات - و ليس من المهم الآن أسماء الأشخاص - مهزومين فزعين حيال الهيمنة الثقافية الغربية، و كل ما هو غربي فهو جدير عندهم بالثناء و التبجيل، و كل ما هو وطني و ذاتي فهو جدير عندهم بالاستهانة و الاحتقار. لدينا أشخاص من هذا القبيل، و هذا بالضبط على العكس مما يجب أن يكون. بمقدور الأستاذ في البيئة الجامعية و في صفوف الدراسة إعداد طلبته الجامعيين إعداداً دينياً إيمانياً، و كذلك إعدادهم من الناحية الوطنية، ليكونوا أشخاصاً محبّين لمستقبل بلادهم و وطنهم و مصير شعبهم. بمستطاع الأستاذ جعل طلبته متفائلين ذوي معنويات عالية و إيجابيين و مؤمنين بأسس نظام البلاد، و بمقدوره أن يعمل بالاتجاه المعاكس لهذا. المتوقع من الأستاذ هو إن لا تكون كلماته و شخصيته و طباعه سبباً في يأس الطلبة الجامعيين الشباب و امتعاضهم و نفورهم.
ما أقوله للإخوة و الأخوات الأعزاء و الأساتذة المحترمين - و سبق أن ذكرنا هذا مراراً في هذه الجلسة و جلسات أخرى - هو أن يعتبر الأستاذ البيئة الجامعية عمله الأصلي و هدفه الأساسي، و ليس عمله الثانوي، أو هدفه الفرعي الجانبي. يجب أن يمكث الأساتذ في الجامعة و يحضر لوقت مناسب و يعالج الاحتياجات العلمية للطلبة الجامعيين، و يتواصل مع طلبته، فلا يكون الأمر مجرد الدخول إلى الصف و أداء التكليف على نحو إجمالي و الخروج من الصف. هذه أيضاً نقطة أخرى نطلبها من الأساتذة أن يخصصوا مزيداً من الوقت و يتعاملوا مع الطلبة الجامعيين بإخلاص، فهذه الحالة سوف تحض الطالب الجامعي على الجد و الاجتهاد العلمي، بمعنى أنها ستجعل سلوكيات الأستاذ نموذجاً و قدوة للطالب الجامعي في متابعة الشؤون العلمية، و سوف يتأثر طبيعياً بالسلوك المثابر لأستاذه.
و نشير إلى نقطة أخرى بخصوص الدروس الدينية. تتوفر في الجامعات فرصة ثمينة جداً لأساتذة الدروس الدينية، فهذه الجماعات الهائلة من الطلبة الجامعيين و هذه الحشود المليونية من الطلبة الجامعيين يصغون لأساتذتهم ساعات طويلة، و هذه فرصة ثمينة و قيمة جداً. أفضل الشباب موجودون أمامكم، و على أستاذ الدروس الدينية الذكي الفطن، و بالاعتماد على معلوماته العميقة و العصرية في شتى القضايا الفكرية و الإسلامية، أن يتعامل مع الطلبة الجامعيين، و بهذا سوف تكون هناك أفضل النتائج و الثمار من تواجد أساتذة الدروس الدينية في الجامعات. و نعتقد أنه من المناسب جداً أن تولي مؤسسة ممثلية الولي الفقيه (3) هذه الأمور اهتماماً و تدقيقاً و تبرمج للاستفادة من وجود هؤلاء الأساتذة المحترمين في الجامعات لتمتين إيمان الطالب الجامعي و مضاعفة إنجازاته العملية و بناء شخصيته الدينية و المعنوية.
و القضية الأخرى هي قضية العلوم الإنسانية، و قد طرحنا هذا الموضوع منذ مدة من الزمن، و تمت الإشارة إلى أسباب هذا الشيء مراراً. الحقيقة أننا بحاجة إلى تحول أساسي في العلوم الإنسانية في البلاد. و هذا لا يعني أن نعتبر أنفسنا في غنى عن الأعمال الفكرية و العلمية و البحثية للآخرين - لا، بعض العلوم الإنسانية هي من صناعة الغربيين، فقد عملوا في هذه المجالات و فكروا و طالعوا و درسوا و ينبغي الاستفادة من هذه الدراسات - إنما الكلام هو أن أساس العلوم الإنسانية الغربية أساس غير إلهي، بل هو أساس مادي و غير توحيدي، و هذا ما لا ينسجم مع المباني الإسلامية و الدينية. العلوم الإنسانية ستكون مفيدة و صحيحة و باعثة على تربية الإنسان تربية صحيحة و تنفع الفرد و المجتمع، عندما تقوم على أساس الأفكار و الرؤية الكونية الإلهية، و هذا ما لا يتوفر اليوم في العلوم الإنسانية. يجب العمل على هذا الصعيد و التفكير في الأمر. و بالطبع فإن هذه العملية ليست عملية عجولة متسرعة، بل هي عملية طويلة الأمد و ذات أهمية، لكن الأعزاء الذي يعملون في هذا الجانب عليهم أن يكونوا بالسرعة المتناسبة مع هذه العملية، أي مع أن التسرع في هذا العمل غير حسن، إلا أن التأخر فيه أيضاً غير إيجابي و غير مقبول. يجب العمل، و قد سمعت و لديّ اطلاع بأنه فضلاً عن ما يجري في المجلس الأعلى للثورة الثقافية في هذا المضمار يقوم العديد من الأساتذة في الجامعات بأعمال مهمة و ذاتية و شخصية في هذا النطاق، و من الجيد أن تصبّ هذه الأعمال في صراط واحد، بمعنى أن تتواصل هاتان الجماعتان و تتكاملا و تتعاضدا، لتعود النتائج إن شاء الله على البلاد و على جامعات البلاد.
و النقطة الأخيرة - و يبدو أن الوقت قد انتهى - هي أنني أرجو مدراء الجامعات و شتى المسؤولين فيها أن لا يجعلوا الجامعات ساحات للصولات و الجولات السياسية و لأنشطة و فعاليات التيارات السياسية. السمّ المهلك للحركة العلمية هو أن تتبدل الجامعات إلى منتديات سياسية، و هذا ما حصل خلال فترة من الفترات. و هذا لا يعني انتفاء التحرك السياسي بين الطلبة الجامعيين في الجامعات. لقد كنت و لا أزال مدافعاً عن العمل السياسي للطلبة الجامعيين و عموم الجامعيين و أنادي بذلك - و أنا اعتقد بهذا الآن أيضاً - بيد أن النظرة السياسية و المشرب السياسي و الفهم السياسي و النشاط السياسي شيء، و جعل الجامعات و صفوف الدراسة و البيئة الجامعية ساحات للعمل السياسي شيء آخر. هاتان الحالتان مختلفتان. هدوء الجامعات و استقرارها يساعد على أن تستطيع الجامعات أداء دورها في الميادين العلمية و النهوض بواجباتها في هذا المضمار البالغ الأهمية. و إذا حصل العكس لا سمح الله فستكون الضربة الأولى التي سنتلقاها هو توقّف الحركة العلمية في الجامعات و تبعاً لذلك في البلاد كلها، أو تباطؤ سرعتها، و قد ذكرنا أن التوقف هنا سيعني التراجع.
اللهم نقسم عليك بمحمد و آل محمد في هذه الساعات الفضيلة و الأيام المباركة، أنزل بركاتك على جامعات البلاد و الجامعيين و طلاب الجامعات. اللهم اهدنا إلى السبيل الذي يفضي إلى هداية عموم شعب إيران و شموخ العالم الإسلامي. اللهم نقسم عليك بمحمد و آل محمد منّ علينا بالبصيرة لمواجهة مختلف التحديات في مختلف الفترات و الأزمنة. و منّ علينا بالإخلاص اللازم في المسيرة التي نحن فيها. اللهم اشمل برحمتك و مغفرتك و فضلك شهداءنا الأعزاء و خصوصاً شهداء الجامعات و لا سيما العلماء الذريين الذين استشهدوا مؤخراً و هم شهداء العلم و الجهاد العام لشعب إيران. ربنا ثبّت أقدامنا على طريق هؤلاء الشهداء.
و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته‌.

الهوامش:
1 - عدة الداعي، ص 314 .
2 - من ذلك نداؤه بمناسبة بدء السنة الإيرانية الجديدة بتاريخ 20/03/2014 م.
3 - مؤسسة ممثلية الولي الفقيه في الجامعات الإيرانية.