بسم الله الرحمن الرحيم (1)
و الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد، و على آله المنتجبين المطهرين، و صحبه المنتخبين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أولاً أرحب بكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء، النخبة من المجتمع التعبوي في البلاد و من المتفوقين الذين صاحبتهم بين العقل و الفكر و العلم و بين الحبّ و القلب و العاطفة، و سرتم في ساحةٍ نهاية المسير فيها هو الانتصار الحتمي، و المحبة عند الله تعالى إن شاء الله. يذكر الله تعالى في موضع من القرآن الكريم أناساً فيقول عنهم: «يحِبُّهُم وَ يحِبّونَه» (2) ، إنهم يحبون الله، و الله أيضاً يحبهم. و يذكرهم الله تعالى في موضع آخر من القرآن الكريم فيقول: «اِنَّ اللهَ يحِبُّ الَّذينَ يقاتِلونَ فى سَبيلِه‌ صَفًّا كاَنَّهُم بُنيانٌ مَرصوص» (3)، و نموذجهم هم هؤلاء الشباب و الرجال و النساء النخبة الواعون المؤمنون الذين يقدمون كل قدراتهم و طاقاتهم و كيانهم و ينزلون إلى الساحة بهذا المعنى الذي نعرفه للتعبئة. آجركم الله تعالى و كتب لكم التوفيق و لا حرمكم حتى للحظة واحدة من هدايته و تسديده، و زاد من توفيقكم يوماً بعد يوم.
كلمتا هذين الأخوين العزيزين - القائد العام المحترم لحرس الثورة الإسلامية و رئيس منظمة تعبئة المستضعفين - كانت كلمتين متقنتين و صحيحتين، و فيهما آراء قوية و قويمة و مدروسة و محسوبة. و أنا بدوري أذكر بعض النقاط.
لقد شاهدنا التعبئة في ساحات الفعل و العمل منذ بداية الأمر و إلى اليوم. شاهدناهم في ميادين و ساحات مختلفة، لكنها كلها ساحات عمل. في ساحة الدفاع المقدس - حرب الأعوام الثمانية - و في البناء و في مختلف صنوف التقنيات - من الخلايا الجذعية إلى الطاقة النووية، و هي من أعمال التعبئة - و من تواجد الأطباء في المستشفيات القريبة من الخط الأمامي للجبهات، و قد شاهدت بنفسي في تلك الحقبة هذه المستشفيات التي كان بمقدور العدو أن يقصفها بالقذائف قصيرة المدى. كان الأطباء يأتون من طهران و من المدن الأخرى، و بمجرد أن يطلبوهم من جبهات القتال كانت حقائبهم حاضرة فينطلقوا للعمل في مثل تلك المناطق و الظروف؛ و هناك الأنشطة و الأعمال الفنية للتعبئة حيث كانوا نشطين مؤثرين في هذا المجال أيضاً، و قد تطوروا و تكاملوا فيه يوماً بعد يوم بحمد الله؛ لقد شاهدنا التعبئة في كل هذه الساحات العملية، لكن الساحة ساحة واسعة جداً - و سوف أعود و أشير إلى هذا المعنى - فيها الأعمال العلمية و الفنية و الحربية و البناء و الاقتصاد و كل شيء.
الشيء الذي يبدو لي أنه قلّ ما تمّ التطرق له و يجب التطرق له، هو قضية الرصيد الفكري و الدعامة الفكرية للتعبئة. التعبئة فكرة و رؤية و منطق، و هي بعبارة أخرى منظومة فكرية. و السبب في أن المتعلمين و الخرّيجين و النخبة و النوابغ من مختلف الحقول العلمية ينجذبون إلى التعبئة هو أن التعبئة ليست مجرد تحرك عاطفي، إنما يقف وراء التعبئة منطق قويّ رصين. و حينما يمتزج هذا المنطق و العلم مع العمل فسوف يصنع العجائب و الأحداث المذهلة المدهشة. ما هي ركائز هذا الفكر؟
أذكر بعض النقاط المقتضبة حول هذا الفكر الذي يمثل أساس التعبئة و رصيدها و دعامتها. أشير في هذا الخصوص إلى نقطتين جديرتين بالتفكير و المناقشة و العمل.
أساس هذا التفكير هو الإيمان بمسؤولية الإنسان؛ مسؤولية الإنسان. الإنسان مخلوق مسؤول. و النقطة المضادة لهذه الفكرة هي حالة الشعور بعدم المسؤولية، أو عدم الشعور بالمسؤولية، فيقول المرء لنفسه: دعك من هذا، و اذهب و تمتع بحياتك، و عليك بنفسك فقط. الأساس الفكري للتعبئة هو هذه المسؤولية الإلهية التي سوف أذكر أن لها ركائز دينية قوية. إنها ليست مجرد المسؤولية أمام الذات و أمام العائلة و أمام الأصدقاء و الأقارب - و هذه مسؤولية قائمة في محلها طبعاً - إنما هي المسؤولية حيال أحداث الحياة و مصير العالم و مصير البلاد و مصير المجتمع، سواء المجتمعات المسلمة أو المجتمعات غير المسلمة. إنها ليست مسؤولية تقتصر فقط على الأفراد الذين يشاركوننا معتقداتنا و ديننا و إيماننا، أي إنها ليست مسؤولية حيال المسلمين فقط، بل هو شعور بالمسؤولية حتى إزاء غير المسلمين و غير المؤمنين. إنه الفكر الذي يقف على الضدّ من ذلك الفكر الانتهازي الأناني الذي يقول لصاحبه دع كل شيء و اركن إلى الكسل و التهرّب من المسؤولية و ما شابه. الركيزة الأساسية للتعبئة هي الشعور بالمسؤولية. فكرة مسؤولية الإنسان من بينات الإسلام. بمعنى أنه ليس بوسع أحد الشك في أن الإسلام يريد للإنسان أن يكون مخلوقاً من هذا الطراز: مخلوقاً مسؤولاً، و قد طلبت منه أعمال و واجبات.
لاحظوا الأحكام المختلفة: مثلاً حكم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. الأمر بالمعروف معناه أنكم جميعاً مسؤولون عن نشر المعروف و الإحسان و الأمور الإيجابية الحسنة الصالحة. أأمروا بهذه الأشياء. و النهي عن المنكر معناه نهي الآخرين عن القبائح و السيئات و السلبيات. حولوا دون هذه الأشياء بمختلف الأساليب. فما معنى هذا؟ معناه المسؤولية حيال سلامة المجتمع العامة. الكل مسؤولون: أنا مسؤول و أنتم مسؤولون، و ذاك الإنسان مسؤول. أو لنأخذ مثلاً قضية الجهاد. الجهاد في الإسلام هو في الواقع مساعدة الشعوب الواقعة خلف أستار السياسات الاستعمارية و الاستكبارية و الاستبدادية، و التي لا تصلها أنوار الإسلام و الهداية و الرشاد. الجهاد هو من أجل خرق هذه الأستار و الحجب. هذا هو الجهاد الإسلامي. و النقاش حول هل الجهاد عمل دفاعي أو ابتدائي أو ما شاكل نقاش فرعي، و القضية الرئيسية هي: « ما لَكم لا تُقاتِلونَ فى سَبيلِ اللهِ وَ المُستَضعَفينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّسآءِ وَ الوِلدان» (4). لماذا لا تجاهدون؛ لماذا لا تقاتلون؛ لماذا لا تكافحون في سبيل الله. ثم يقول مباشرة: و في سبيل المستضعفين، أي لإنقاذ المستضعفين. هذا هو الشعور بالمسؤولية. أي اذهب و خاطر بنفسك و ضع روحك على كفك في ساحات الخطر من أجل إنقاذ المستضعفين. و هذا يعني الشعور بالمسؤولية. أو خذوا مثلاً الحديث المعروف: ««مَن اَصبَحَ وَ لَم يهتَمَّ بِاُمورِ المُسلِمينَ فَلَيسَ بِمُسلِم» (5)، و غيره الكثير من الآيات و الروايات في النصوص الدينية التي تعبر عن واحدة من بينات الإسلام. مما يعني أن الإسلام أراد الإنسان بحيث يكون مسؤولاً؛ المسؤولية تجاه نفسه و تجاه القريبين إليه و تجاه مجتمعه و تجاه البشرية كلها. إذا تابعتم هذه الفكرة في النصوص الإسلامية لوجدتم العجائب و الغرائب حول هذا الاهتمام و الشعور بالمسؤولية.
يتضرّع الرسول الأكرم (ص) و يتوسل أمام الله تعالى فيقول: «اَللّهُمَّ اهدِ قَومى» (6). كان قومه أولئك الذين يضربونه و يطردونه و يهددونه بالقتل و يحمّلونه كل تلك الصعاب و المشاق، و هو يتوسل لله تعالى أن ينقذ قومه و يهديهم و يشافيهم! هذا عن الرسول الأكرم (ص)، و الإمام علي بن أبي طالب (ع) عندما سمع أن جنود معاوية أغاروا على مدينة و نهبوها قال بألم و مرارة: «بَلَغَنى اَنَّ الرَّجُلَ مِنهُم كان يدخُلُ عَلَى المَراَةِ المُسلِمَةِ وَ الاُخرَى المُعاهِدَة» (7). كان الرجال المغيرون في هذه القوة العسكرية يدخلون بيوت المسلمين و المعاهدين (و المعاهدون بمعنى غير المسلمين الذين يعيشون في ظل الإسلام؛ من مسيحيين و يهود) و يتطاولون على النساء و يسرقون أساورهن و حليّهن. ثم يقول (عليه السلام) إنه لو مات المسلم حزناً و ألماً على ذلك لما كان ملوماً، بل لم يكن ذلك كثيراً. لاحظوا، إلى هذه الدرجة يصل الشعور بالمسؤولية. لا يقول من المناسب أن يموت أمير المسلمين لهذا الحدث، بل يقول لو مات الإنسان و المسلم ألماً و غصّة على ذلك لكان ذلك مناسباً و في محله و لم يكن بكثير. هذا هو الشعور بالمسؤولية. الركيزة الأصلية للتحرك التعبوي هو الشعور بالمسؤولية الإلهية.
الركيزة الثانية المهمة هنا و التي تعتبر مكملة للركيزة الأولى هي البصيرة. بأي معنى؟ بمعنى معرفة الزمان و الحاجة و الأولويات و معرفة العدو و معرفة الصديق و معرفة الوسيلة التي ينبغي استخدامها مقابل العدو. هذه المعارف هي التي تشكل البصيرة. لا يمكن الكفاح دوماً بسلاح واحد. لا يمكن استخدام سلاح واحد في كل الساحات.أي سلاح يجب أن نستخدمه؟ و أين هو العدو؟ لقد قلتُ مراراً إن الذين لا بصيرة لهم - مثل هؤلاء التعساء الذين وقعوا في الفتنة - أشبه بأناس يريدون توجيه الضربات للعدو في ظلام الليل و في الضباب الشديد و في الأجواء المغبّرة؛ إنهم لا يعلمون أين هو العدو؛ فالمعلومات من أول شروط الحروب العسكرية؛ يجب أن تكتسبوا المعلومات و تعرفوا أين يتموضع العدو. إذا تحركتم من دون معلومات قد تضربون المكان الذي يتموضع فيه أصدقاؤكم، و قد تضربون من هو ليس بعدوكم و تساعدون بذلك عدوكم. أحياناً قد يحصل مثل هذا. إذا لم تكن ثمة بصيرة ستكون هذه هي النتيجة. و قد قيل: «العالِمُ بِزَمانِهِ لا تَهجُمُ عَلَيهِ اللَّوابِس» (8). الشبهات و الجهالات و عدم الفهم أحوال لا تهجم على العالم بزمانه، فهو يفهم ما الذي يجب أن يفعله. إذا لم يتوفر هذا فستكون هناك مشاكل، حتى لو كان هناك شعور بالمسؤولية.
البعض شعروا بالمسؤولية خلال فترة الكفاح و النضال لكنهم لم يفهموا أين يستخدمون هذا الشعور بالمسؤولية، فكانوا يستخدموه في مواطن تضرّ بالحركة الكفاحية العظيمة للإمام الخميني الجليل. و كذا الحال بعد الثورة أيضاً. و كذا الحال إلى يومنا هذا. البعض لديهم شعور بالمسؤولية و لديهم محفزات و دوافع لكنهم يوظفون هذه المحفزات في المكان الخطأ و السيئ. لا يشهرون السلاح على المكان الذي يجب أن يشهروا عليه سلاحهم؛ هذا ناجم عن عدم بصيرة. و قد تحدثنا عن البصيرة قبل سنوات في قضية الفتنة، و استهزأ البعض بالبصيرة! نعم، لا بدّ من البصيرة، فإذا لم تكن البصيرة، كلما ازدادت المسؤولية و الدوافع و الشعور بالمسؤولية كلما ازدادت الأخطار، و لن تكون هناك ثقة بهذا الإنسان عديم البصيرة و عديم الرؤية الصحيحة الذي لا يعرف الصديق و لا يعرف العدو و لا يفهم أين يجب أن يوظف هذا الشعور و الطاقة و الدوافع. إذن، هذا هو الركن الثاني الذي يعتبر ضرورياً و لازماً جداً جداً. إذا لم يتوفر هذا الركن الثاني سوف تكون نتائج الأمر بالمعروف خاطئة، و سيكون الجهاد خاطئاً، و ستكون الأمور التي يهتم بها الإنسان خاطئة، و سيسير في الطريق الخطأ.
رحمة الله تعالى و رضوانه على الإمام الخميني الجليل الذي فكّر في كل هذه الأمور. لقد شاهدت تلك العين الثاقبة و البصيرة الإلهية كل تلك الأشياء الضرورية لهذا المجال و استلهمتها من الله تعالى من دون أن يكون قد درس علم السياسة في مكان ما أو تعلمه من أحد؛ إنما ألهمت هذه الأشياء لذلك القلب الطاهر. و قد كان الإمام الخميني هو الذي كوّن التعبئة و وجّهها و أشار لها على الاتجاه الصحيح. لم يكتف الإمام الخميني بالقول: تحركوا و سيروا و ليكن لديكم شعور بالمسؤولية، و كونوا تعبويين؛ لا، بل قال ما الذي ينبغي عليكم أن تفعلوه. قال لنا صبّوا كل هتافاتكم ضد أمريكا. هذا معناه رسم الاتجاه و الدرب، و معناه تعليم ما الذي ينبغي أن تفعلوه و في أي اتجاه تسيرون و ما هي أهدافكم. لقد علمنا هذا أيضاً.
خلال فترة الحرب و على مدى ثمانية أعوام من الدفاع المقدس، كان يقول دوماً إن الحرب على رأس الأمور و الأولويات. و قد كنا مسؤولين في البلاد - كنتُ رئيساً للجمهورية، و آخرون كانوا مسؤولين في مواقع أخرى - و كانت أمامنا آلاف الأعمال و المهمات بأنواعها. حينما تقع على عاتق المأمور و المسؤول كل هذه الأعمال التنفيذية سوف يقع في الغفلة أحياناً، لكن الإمام الخميني أشار للجميع إلى الطريق - أشار للمسؤولين و الشعب و الشباب - و قال إن الحرب على رأس كل الأمور. و قد كان هذا. وجّه الجميع بأن يهتموا بهذا الأمر أو ذاك؛ هذه حالة مهمة.
في قضية التوجّه إلى سورية لمقاتلة الكيان المحتل للقدس كان شبابنا فرحين مسرورين - و قد جاء منهم شخصان عندي و كلاهما الآن من الشهداء الأجلاء - و قالوا نريد التوجّه للحرب. و لم يكن الإمام الخميني على علم بالموضوع، و علم بذلك لاحقاً، فقال إن طريق الكفاح ضد إسرائيل يمرّ عبر العراق، فحال دون ذلك. و عاد الذين ذهبوا. لاحظوا، هذا هو فهم الأولويات و معرفتها. لقد أشار الإمام الخميني إلى الطريق و الاتجاه.
قال رحمه الله إن الحفاظ على النظام الإسلامي و صيانته من أوجب الواجبات، أو هو أوجب الواجبات. أي إن كل القضايا الأخرى هي فروع هذه القضية الرئيسة. هذا شيء يدلنا على الاتجاه. قد تكون أنت مختلفاً في وجهات نظرك مع صديقك حول قضية صغيرة أو كبيرة، و لكن في خصوص الحفاظ على النظام الإسلامي كلاكما مسؤول بنفس الدرجة.
الذين لم يفهموا كلام الإمام الخميني هذا ارتكبوا في بعض المواطن أخطاء فاحشة. لقد أشار الإمام الخميني إلى الاتجاه. هكذا كان هذا الرجل الكبير يتحرك و يعمل.
طيب، إذن الركيزة الفكرية هي بالدرجة الأولى الشعور بالمسؤولية و الذي يمثل الرصيد الفكري القويّ جداً لكم أنتم الذين تريدون العمل و النشاط في إطار التعبئة. و الشرط اللازم الذي يمثل الركن الثاني هو البصيرة. ينبغي عدم الغفلة عن هذين الشيئين حتى للحظة واحدة. أولاً الشعور بالمسؤولية - بمعنى أنني أقوم بهذا الاكتشاف العلمي لله صبراً و احتساباً (9)، و أقوم بهذه الدراسة و البحث العلمي لله، و أنجز هذا العمل الفني لله، و أخوض في هذا الكفاح لله، و أقوم بهذا العمل الاقتصادي لله، و أساعد زيداً و أكافح ضد عمرو لك يا الله لأنك طلبت مني ذلك و ألقيت هذه المسؤولية على عاتقي - و هذا الإحساس بالالتزام مقابل الله. و ثانياً الوعي، أي أن نعلم أين نحن و أين هي مواقعنا و أين هي مواقع العدو و من هو العدو و بأيّ سلاح يجب أن نناضل ضده. هذا هو الركن أو الركيزة الثانية. بهذه النظرة سوف تتسع دائرة التعبئة و تتضح كذلك مجالات نشاط التعبئة.
أما عن دائرة استيعاب التعبئة: من هو التعبوي؟ كل من يعمل و ينشط في هذه الأرضية العقيدية و الإنسانية التي تحدثنا عنها فهو تعبوي. طبعاً قوات مقاومة التعبئة هي رمز هذه النهضة العامة الهائلة الوطنية الشاملة؛ إنها رمز النظام و الانضباط و التوجهات الصحيحة و التعليم و التربية. التعبوي و اسم التعبوي و عنوان التعبوي عنوان شامل؛ و قوات مقاومة التعبئة هي تلك القلعة الأصلية و المقر و المركز الرئيسي لهذه المظلة الهائلة التي تستوعب في ظلالها الشعب كله. إنها ملهمة النظام و ملهمة التواجد و المشاركة و التحرك، سواء في المجتمع أو بين الشرائح المختلفة، أو في الجامعة، أو في المدرسة، أو في الحوزة العلمية، أو في أي موطن آخر. هذا هو معنى تواجد قوات مقاومة التعبئة و مساهمتها. رسم الخطوط و الاتجاهات و التوجيه و الانضباط و تعيين الواجبات لهذه المجموعة ضمن حدود الإمكان و القدرات - كما شرح ذلك الآن هؤلاء الإخوة - و الإمكانيات طبعاً محدودة، و قد انتهى الأمر لحد الآن إلى انخراط عشرات الملايين و الحمد لله. هذه هي دائرة و مديات المشاركة البشرية للتعبويين.
أما عن مجالات نشاط التعبئة فالمجالات لامتناهية. لا توجد أية قيود و مديات للنشاط التعبوي. هناك ميدان الدفاع و هناك المجال السياسي و هناك مضمار البناء و يوجد أيضاً الميدان الاقتصادي و نذكر أيضاً الساحة الفنية و هناك مجال العلم و التقنية و التنظيمات الدينية و هيئات العزاء الحسيني، و كل أشكال النشاط و العمل. هذه هي مجالات مشاركة التعبئة المنتشرة في كل مكان. و لدينا في كل هذه المجالات نماذج صالحة و قدوات حسنة أثبتوا أنهم متميزون و عظماء. كان لدينا في الحرب قادة كبار و شخصيات مميزة، و قد كان البعض نخبة علميين و انخرطوا في صفوف المقاتلين فصاروا جنوداً ناشطين يحملون السلاح كالمرحوم الشهيد چمران. كان چمران نخبة علمياً و كان أيضاً نخبة فنياً. هو نفسه كان يقول لي: إنني فنان في مجال التصوير. جاء إلى الحرب و ارتدى الزيّ العسكري و صار عسكرياً، لكنه كان نخبة قبل أن يخوض غمار الساحة القتالية. و البعض لم يكونوا من النخبة قبل أن يخوضوا في هذه الساحة، إنما هذه الساحة هي التي رفعتهم إلى الذرى، و مثال ذلك الأستاذ عبد الحسين بنّا (10) الذي كان عامل بناء صغير، ثم خاض غمار الحرب و وصل إلى القمة و ارتقى إلى أن صار من النخبة، و أيّ نخبة! هؤلاء متميزون.
لدينا في مجال العلم و البحث العلمي أيضاً نخب مثل المرحوم كاظمي آشتياني الذي أطلق نشاطات الخلايا الجذعية و هذه المشاريع الهائلة و خرّج الكثير من العلماء - و كذا الحال بالنسبة لزملائه، و هذه المسيرة مستمرة لحد الآن و الحمد لله - أو أمثال الشهيد شهرياري، و نحن نذكر هذه الأيام اسم الشهيد شهرياري لأننا قريبون من ذكرى استشهاده (11). و كذا الحال بالنسبة للباقين: رضائي نجاد، و علي محمدي، و أحمدي روشن؛ لقد كان هؤلاء نخبة في ميدان العلم و البحث العلمي عملوا بطريقة تعبوية. لقد عمل الشهيد شهرياري بطريقة تعبوية. يوم أرادوا إغلاق الأبواب بوجه الشعب الإيراني - بهذه الأساليب التي سمع كثير من الناس عنها في التلفاز و الأخبار، و الكثير منها لا يزال خلف الستار و سوف تنكشف في المستقبل و يتبيّن كم مارس الأعداء من الخبث و الدناءة - لكي لا يحصل الناس على الأدوية الإشعاعية و تواجه الجمهورية الإسلامية مشكلة، و قالوا: «لن نبيع»، حتى يتعطل مركز طهران، إذا بهؤلاء - المرحوم الشهيد شهرياري - ينبرون للعمل و الجدّ و السعي إلى أن جاءوا و قالوا لنا لقد استطعنا إنتاج العشرين بالمائة، ثم جاءوا و أبلغونا بأننا استطعنا إنتاج أنابيب الوقود و صفحات الوقود، فبقي الأعداء في حيرة و ذهول. لقد كان هذا العمل عملاً تعبوياً، و لم يكن عملاً اعتيادياً. لقد كان و لا يزال هناك الآلاف من الأشخاص العظماء في كلّ هذه الساحات التي تحدثنا عنها، و قد بذلوا المساعي و الجهود، و ذكرنا أسماء بعضهم هنا.
هذا التفكير التعبوي الذي أوجده الإمام الخميني الجليل في إيران الإسلامية قد جرى تصديره للخارج. لقد قلنا مراراً إن مفاهيم الثورة و مفاهيم الإسلام كأريج الورود الربيعية ليس بوسع أحد الحيلولة دون انتشاره، فهو ينتشر و يسيح في كل مكان. إنها نسائم باعثة على الحياة و السعادة تنتشر تلقائياً في كل مكان. و قد يثيرون الضجيج و العويل و الصخب، لكنه أريج قد ساح و انتشر، و أنتم الآن تلاحظونه في بلدان شتى، فهو تفكير فاعل في لبنان، و في العراق، حيث تحرك الشباب العراقي إلى جانب جيشهم و استطاعوا تحقيق هذه الانتصارات. و كذا الحال في سورية و في غزة و في فلسطين و في اليمن، و هكذا سيكون الحال أيضاً في القدس الشريف و لإنقاذ المسجد الأقصى إن شاء الله.
و أقول إنه لهذا السبب تحديداً فإن إيران الإسلامية لا تقبل الهزيمة. ليعلم الذين يهددون النظام الإسلامي و الجمهورية الإسلامية بأننا سنفعل كذا و كذا، أن الجمهورية الإسلامية بفضل التفكير التعبوي و الأداء و الحراك التعبويين، لا تقبل الهزيمة. كل فرد إيراني هو تعبوي في حقيقته، باستثناء عدد قليل مصابون إمّا بعبادة الذات أو بعبادة الشهوات أو بعبادة المال، أو إنهم مرتبطون بالعدو؛ هؤلاء ندعهم جانباً فهم قلة و ليسوا بكثير. الأكثرية الساحقة من شعب إيران هم تعبويون في حقيقتهم، و هذا هو سبب استعصاء نظام الجمهورية الإسلامية على الهزيمة. و لكن ينبغي على الجميع أن يكونوا واعين يقظين مفتّحي العيون، فالامتحانات موجودة دائماً و يمرّ بها الجميع، و يتعيّن على المسيرة أن لا تصاب بالفتور، كما يتوجب أن لا يكون الاتجاه خاطئاً. يجب أن يكون الاتجاه صوب مقارعة الاستكبار و مجابهته.
نحن و شعبنا عندما نذكر اسم أمريكا فلأن قضية أمريكا هي قضية الاستكبار، فأمريكا حكومة مستكبرة، و أسلوب أمريكا أسلوب استكباري. ليست لدينا أية مشكلة مع أمريكا كمنطقة جغرافية أو كشعب أو كجماعة إنسانية، فهي كسائر البلدان، لكن مشكلتنا مع أمريكا هي مشكلة الاستكبار الأمريكي. إنهم مستكبرون و متكبرون و يتحدثون بمنطق القوة و جشعون. لاحظوا هذه الكلمات التي قالوها طوال الأيام القليلة الماضية بخصوص المفاوضات النووية؛ فاوضوا لعدة أشهر و قد مدّدوا المفاوضات الآن، ثم راحوا يتحدثون كما كانوا دوماً.
طيّب، لأذكر الآن نقطتين أو ثلاث نقاط بهذا الخصوص: أولاً إنني لا أعارض تمديد المفاوضات و لنفس السبب الذي لم أعارض بموجبه أصل المفاوضات؛ إننا لم نعارض أصل المفاوضات، و قد ذكرنا السبب للشعب. لقد ذكرت الأسباب في إحدى الكلمات، و الآن أيضاً لا نعارض تمديد المفاوضات. و نقول إلى جانب ذلك إن الوفد الإيراني المفاوض هو - و الحق يقال - عظيم المساعي و الجدّ و الجهد، و يصمد و يتحدث بمنطق، و لا يخضع لمنطق القوة، و هو يعمل؛ هذا أيضاً شيء ينبغي على الجميع التنبّه له. أما التفاصيل و ما يجري في المفاوضات فغالباً ما لا يكون الناس مطلعين عليه. أعضاء الوفد الإيراني يعملون بجدّ و منطق و إخلاص، بخلاف الطرف المقابل، و أمريكا خصوصاً، الذي يطلق كل يوم كلاماً - يتحدثون في المجالس الخاصة و في رسائلهم بشكل، و يتحدثون لعموم الناس و في تصريحاتهم العلنية بشكل آخر، و يقولون اليوم شيئاً و يسحبون هذا الشيء غداً؛ هذا هو الحال حينما لا يكون هناك خط و صراط مستقيم، و يريدون الاستفادة من هذه المفاوضات لمشكلاتهم الداخلية، لذلك فهم مضطرون للتحدث بشكل و التحدث هناك بشكل آخر - لكن وفدنا يقف أمامهم بقوة و منطق. طبعاً من بين أولئك المفاوضين الذين يقفون مقابل إيران - إيران تقف لوحدها و هم جيش و عدة بلدان يقف وراء كل واحد منهم جيش من الدبلوماسيين و العلاقات العامة و المصورين و المحللين و ما إلى ذلك - الأسوء أخلاقاً هم الأمريكان، و الأكثر خبثاً هم البريطانيون.
طيّب، الآن مددوا المفاوضات، و ليعلم الجميع - سواء الذين هم الطرف الآخر في المفاوضات، أو القلقون على هذه القضية في داخل إيران و يراقبون المفاوضات دوماً - أنه إذا لم تصل هذه المفاوضات إلى نتيجة فإن الذي سيتضرر أكثر من الجميع هم الأمريكان و ليس نحن. إننا صادقون و صريحون مع شعبنا. نصارح الشعب بحقيقة الأمر و نقولها له، و قد أدركوا لحد الآن، و يمكن إثبات ذلك بأدلة متعددة قطعية أن القصد الحقيقي للاستكبار و الغرب مقابل إيران هو الحيلولة دون نمو الشعب الإيراني و اقتداره. القصد و الهدف الحقيقي هو الحؤول دون عزة الشعب الإيراني المتزايدة، و القضية النووية مجرد ذريعة و توجد ذرائع أخرى إلى جانب هذه الذريعة. القضية الأصلية هي أن مواهب الشعب الإيراني راحت تبرز و تظهر تدريجياً و أخذ الشعب الإيراني يتقدم على كل المستويات؛ على المستوى السياسي، و على المستوى العلمي، و على المستويات الاجتماعية المختلفة، و ازداد اقتداراً، و هم غير راضين عن هذا و منزعجون له و يريدون منعه و صده. لقد وضعوا الحظر و الضغوط بهذه النية. الحظر و الضغط الاقتصادي من أجل أن يتمكنوا ربما من الحيلولة دون المساعي المتصاعدة للشعب الإيراني، لذلك يفرضون الحظر و الضغوط الاقتصادية. و الضغوط الاقتصادية هي على كل حال عامل مهم. إننا نتحدث مع شعبنا بيسر و صراحة، و هم ليسوا كذلك و شعبهم لا يؤمن بهم. شعبية رئيس جمهوريتهم تنخفض يوماً بعد يوم، و هذه إحصائياتهم هم أنفسهم. يوم انتخب رئيس الجمهورية هذا كانت شعبيته عالية، و راحت تنخفض يوماً بعد يوم إلى يومنا هذا، لأن الشعب هناك غير مؤمن بنظامه السياسي.
في هذه الانتخابات الأمريكية الأخيرة كانت نسبة المشاركين متدنية جداً، و هذا ما اعترفوا به هم أنفسهم و قالوه، بمعنى أن شعبهم نفسه لا يؤمن بهذه التشكيلات و النظام، و لا أمل له فيها. و لكم أن تقارنوا هذا بمشاركة شعبنا عند صناديق الاقتراع التي ترقى إلى 65 بالمائة و 70 بالمائة. لديهم الآن مشكلة مع أبناء شعبهم. أخبار فرغوسن و ولاية ميسوري التي سمعتم بها تدل على أنهم يحاربون شعبهم! تقاريرهم تقول إن الشرطة الأمريكية قتلت خلال سنة واحدة أكثر من أربعمائة شخص من المواطنين الأمريكيين بذرائع مختلفة؛ الشرطة و ليس الجهاز القضائي! ليس لديهم علاقات جيدة حتى مع شعبهم، و شعبهم لا يؤمن بهم و لا يوافقهم، و لديهم مشاكل و يحتاجون إلى نجاح و انتصار كبير، أما نحن فلا نحتاج لمثل هذا.
قبل فترة قال أحد أعضاء الوفد المفاوض شيئاً جيداً حيث أعرب إنه حتى لو لم نصل إلى اتفاق فلن تنطبق السماء على الأرض، و لن تصل الدنيا إلى نهايتها، فليكن أننا لا نصل لاتفاق. هذا كلام صائب. إننا لن نتضرر بشكل كبير كما قد يتصورون. يتصورون أنه إذا حصل كذا فسيكون كذا، لا، هناك حلول، و الحل هو هذا الاقتصاد المقاوم الذي يقلل أولاً من آثار ضربات العدو، و هذه حالة تتعلق بالأمد القصير، و على المدى المتوسط و الطويل سيبلغ بمسيرة الشعب العظيمة ذروة العلاء. هكذا هو الاقتصاد المقاوم. كان هذا هو تقييم أصحاب الخبرة في الشؤون الاقتصادية بعد أن أعلنا عن الاقتصاد المقاوم. لدينا حلول و ليس لديهم حلول.
و مع كل هذا فهم يتصرفون على كل حال بطريقة استكبارية. لاحظوا تصريحاتهم خلال الأيام القليلة الماضية؛ يقفون و يقولون إن على إيران كسب ثقة المجتمع العالمي. يسمّون أنفسهم المجتمع العالمي! أمريكا و بريطانيا و فرنسا و عدة بلدان مستكبرة صاروا المجتمع العالمي! هل هذا هو المجتمع العالمي؟ أليس نحو 150 بلداً عضواً في حركة عدم الانحياز اجتمعوا قبل سنتين في طهران بمجتمع عالمي؟ قرابة خمسين رئيس جمهورية و رئيس بلد و رئيس حكومة حضروا ذلك المؤتمر و شاركوا فيه مشاركة فاعلة، أليس هؤلاء بمجتمع عالمي؟ مليارات البشر الذين يعيشون في هذه البلدان، أليسوا مجتمعاً عالمياً؟ هذه الحفنة من البلدان - و هي في الغالب بلدان لا صلة بين رؤسائها و شعوبها - هي المجتمع العالمي؟ «اكسبوا ثقة المجتمع العالمي»، أي اكسبوا ثقتنا، أي ثقة الأمريكيين! إننا لا نريد كسب ثقة الأمريكيين. إننا في الأساس لا نحتاج أبداً لثقة الأمريكان. لا نحتاج لأن تثقوا بنا. ثقتكم بنا ليست مهمة بالنسبة لنا بتاتاً. نحن أيضاً لا نثق بكم و شعوبكم أيضاً لا تثق بكم.
ثم يقول إنه يجب صيانة أمن إسرائيل. أولاً سوف يزداد انعدام الأمن في إسرائيل يوماً بعد يوم، سواء حصل اتفاق نووي أو لم يحصل؛ اعلموا ذلك؛ أمن إسرائيل سوف لن يتأمّن سواء حصل اتفاق نووي أم لم يحصل. أما إنكم تقولون الآن إن أمن إسرائيل يجب أن يحفظ فأنا أقول إن هذا الكلام بدوره ليس كلاماً صادقاً. أمن إسرائيل ليس القضية الأصلية بالنسبة للساسة الأمريكان، إنما القضية الأصلية شيء آخر. القضية الأصلية بالنسبة لهؤلاء هو إرضاء شبكة الرأسماليين الصهاينة الذين يمسكون بأيديهم شرايين حياتهم. هذه هي قضيتهم، و إلا أية أهمية بالنسبة لهم أن تكون إسرائيل أو لا تكون؟ الشيء المهم بالنسبة لهم هو أنهم منحوا شرايينهم الحيوية بيد شبكة الرأسماليين الصهاينة، فالرأسماليون الصهاينة هم الذين يمنحونهم الرشاوي و هم الذين يهددونهم. أولئك يمنحون الرشاوي - رشاوي مالية حيث يمنحونهم الأموال - و هؤلاء يقبضون الأموال؛ يعطون رشاوي في المناصب و وعود مناصب، و إذا لم يتكيّفوا مع هؤلاء الذين يمسكون بأيديهم نبض الاقتصاد الأمريكي فلن يشمّوا رائحة الوصول للمناصب العليا - مثل رئاسة الجمهورية و الوزارات و ما إلى ذلك - هذه هي القضية بالنسبة لهم. و هم يهددون أيضاً. إذا عمل الساسة بخلاف رغبات تلك الشبكة الخطيرة فسوف يهددونهم. يهددونهم بأننا سنفرض عليكم الاستقالة أو نخلق لكم فضائح! و قد شاهدتم ذلك في الحياة الأمريكية خلال الأعوام الماضية، يتهمون شخصاً و يشوّهون سمعة آخر، و يخلقون لآخر قصة فساد جنسي، و يفرضون الاستقالة على شخص، و يغتالون شخصاً، و قد اغتالوا بعض هؤلاء الرؤساء و الساسة الكبار، فأيديهم مبسوطة في ذلك! إنكم تخافون من هذه الأمور و تأخذونها بعين الاعتبار و الملاحظة، و ليست القضية قضية أمن إسرائيل بل قضية أمنكم أنتم. إنهم مستكبرون و يتحدثون بهذه الطريقة، و نحن لا ننسجم مع المستكبرين. طيب، إذا طرح كلام منطقي فلن نعارضه، فنحن نوافق الآراء و الطروحات المنطقية، و نقبل المعاهدات و الاتفاقيات العادلة العقلانية، و لكن حينما يكون الأمر من باب منطق القوة و الجشع فلا، الجمهورية الإسلامية من أولها إلى آخرها و بشعبها و مسؤوليها سوف لن توافق؛ ليعلموا هذا.
و أذكر نقطتين أو ثلاثاً لكم أيها التعبويون الأعزاء و لكل التعبويين في أنحاء البلاد: إنني أدعو التعبويين الأعزاء للأخلاق. ما معنى الأخلاق؟ معناها الحلم و الصبر و المقاومة و الصدق و النقاء و الشجاعة و التضحية و الطهر و العفاف. التعبويون يحتاجون لهذا من أجل الإبقاء على أجزاء و مفاصل هذا الصرح الشامخ قوية متينة. إذا أردتم أن يبقى هذا الصرح الشامخ قوياً مثل الحصن المنيع الثابت مقابل الأعداء فيجب أن تراعوا هذه الأمور. كونوا صبورين خلوقين طاهرين، و استلهموا النماذج الكبرى من صدر الإسلام. يجب أن نبتعد عن التكبّر و التفرعن. مالك الأشتر بذلك المقام و المرتبة و الشجاعة و بمكانته عند الإمام علي بن أبي طالب (ع) إذا بطفل لم يعرفه فاستهزأ به و ربما قذفه ببعض الحجارة الصغيرة؛ شاهد الطفل مثلاً أن رجلاً يسير في الطريق فأراد الاستهزاء به، و مرّ مالك الأشتر في طريقه على رسله، فقال الرجال الذين شاهدوا ذلك المنظر للطفل: هل فهمت ما الذي فعلته، و هل تعلم من هذا الذي استهزأت به؟! فقال الطفل الذي لم يكن يعرف مالكاً الأشتر: لا؛ فقالوا له إنه مالك الأشتر، فاضطرب الطفل، و سارع هو، أو هو و والده، أو ربما مع أصدقائه، إلى الاعتذار من مالك الأشتر بشكل من الأشكال، لكي لا يتطوروا في مشكلة، ساروا خلف مالك الأشتر فرأوه قد دخل مسجداً و راح يصلي. تقدموا نحوه و أرادوا الاعتذار منه، فقال مالك الأشتر إنني جئت المسجد لأصلي و أدعو الله تعالى ليغفر خطايا هذا الشاب! لاحظوا، هذا هو الإخلاص و هذا هو الشعور بالمسؤولية و هذا هو الحلم و الكرم. أنا و أنتم أيضاً يجب أن نتعلم هذه الأشياء.
كما أوصي توصية أكيدة بتقوية العقيدة و الإيمان و العمل و عدم التهاون في هذه الأمور. كونوا حذرين مراقبين. إننا في مسيرة الحياة عندما نواجه الوساوس؛ وساوس المال و الشهوات و المناصب و الصداقات و العلاقات، نصاب بالتهرّؤ و التآكل، فاحذروا من أن تصابوا بالتهرّؤ العقيدي. أثروا أنتم في بيئتكم و لا تدعوا البيئة إذا كانت سيئة تؤثر فيكم.
يجب الاهتمام بكل الشرائح في هذه التعبئة الوطنية الإلهية الشعبية العظيمة، و قد أوصيت ببعض الشرائح خصوصاً حينما بدا لي أنه لا يجري الاهتمام بها بالقدر اللازم - أوصيت الأمير نقدي خصوصاً - يجب أن لا ننسى شريحة أو جماعة معينة. حددوا نوع العلاقة بين هذه الشرائح و أوجدوا الصلات و العلاقات بينها. أحياناً قد يحدث أن تكون تعبئة الطلبة الجامعيين غير مطلعة على تعبئة الأطباء أو تعبئة المهندسين أو تعبئة الصناعيين، لا، ليكونوا مطلعين بعضهم على بعض، فقد يكونوا نافعين بعضهم لبعض. كل واحد من هذه القطاعات المختلفة لتعبئة الشرائح يمكنها أن تساعد قطاعاً آخر و تعمل على تطويره و تقدمه. ارسموا شكل هذه العلاقات.
اطلبوا الأعمال الكبرى من عناصر التعبئة، فالأعمال الكبرى ممكنة التنفيذ على يد الكثير من أبناء شعبنا الموهوبين. و على الحكومة أيضاً أن تمدّ يد العون طبعاً. على الأجهزة الحكومية في القطاعات المختلفة أن تساعد على تنمية التعبئة و توسيع رقعتها. و ليهتمّ المسؤولون الحكوميون بهذه القضايا الاقتصادية أيضاً - و كما سبق أن قلنا فإن ركن الاقتصاد المقاوم هو تقوية الإنتاج الداخلي و خفض الاستيراد غير الضروري أو الذي له نظائر داخلية - و ليطلبوا فيها المساعدة من التعبئة. في هذه الحال لا شك عندي بأن المستقبل سيكون لشعب إيران إن شاء الله. نتمنى أن تكون الروح المباركة للإمام الخميني الجليل مسرورة، و كذلك الأرواح الطاهرة لشهدائنا الأبرار الأعزاء، و ألحقنا الله تعالى بأولئك الشهداء.
و السّلام ‌عليكم ‌و رحمة الله ‌و بركاته.‌

الهوامش:
1 - تحدث في هذا اللقاء قبل كلمة الإمام الخامنئي اللواء محمد علي جعفري (القائد العام لحرس الثورة الإسلامية) و اللواء محمد رضا نقدي (رئيس منظمة تعبئة المستضعفين) مقدمين تقارير حول التعبئة.
2 - سورة المائدة، شطر من الآية 54 .
3 - سورة الصف، الآية 4 .
4 - سورة النساء، شطر من الآية 75 .
5 - الكافي، ج 2 ، ص 163 .
6 - مناقب آل أبي طالب، ج 1 ، ص 192 .
7 - نهج البلاغة، الخطبة رقم 27 .
8 - تحف العقول، ص 356 .
9 - من ذلك أدعية أيام شهر رمضان المبارك.
10 - الشهيد عبد الحسين برونسي.
11 - الشهيد مجيد شهرياري الذي جرى اغتياله بتاريخ 29/11/2010 م .