بسم الله الرحمن الرحيم (1)

نتقدم بالشكر الجزيل للإخوة الأعزاء، و قد استفدنا اليوم حقاً، فقد كانت هذه الجلسة جلسة جيدة جداً و متنوعة و جزلة و جميلة و عميقة المعاني و الحمد لله. أنْ نشاهد في كل سنة، و لله الحمد، علامات التقدم في مجال تلاوة القرآن الكريم مشهودة بين شبابنا و أبناء شعبنا فهذا ما يريحني من الأعماق، و نشكر الله عليه. و اليوم أيضاً و ببركة هذه التلاوات الحسنة جداً و الحمد لله كانت الجلسة جلسة عميقة المعاني و طيبة، خصوصاً مع هذه الإشارة التي ذكرها المقدم صاحب الذوق و الكلام الحسن بشأن إهداء ثواب هذه التلاوات و حصيلة هذه الجلسة للأرواح الطيبة للشهداء الذين تم تشييعهم مؤخراً في طهران. تلاوة القرآن الكريم بصوت جميل و بألحان جيدة و بآداب التلاوة و قواعدها مقدمة لتغلغل مفاهيم القرآن الكريم إلى القلوب. إذا سلبنا هذه الفائدة و نظرنا لتلاوة القرآن كمجرد صوت حسن و ألحان فلا شك في أنها ستسقط عن هذه المرتبة الرفيعة. كل هذا التأكيد على قراءة القرآن بصوت حسن و بآداب التلاوة و بألحان جيدة الهدف منه تأثير مفاهيم القرآن في القلوب، و أن نأنس بالقرآن و نتلفع بلون القرآن و خلقه و شكله. إذا كان هذا هو المقصود کان لذلك شروطه و آدابه. الأدب الأول هو أن يتلو القارئ القرآن و هو مؤمن بالقرآن و معتقد بمفاهيمه التي يتلوها. إذا لم نكن نعلم ما الذي نتلوه و لم ندرك المفاهيم و لم تأثر هذه المفاهيم في أعماق أرواحنا فسيكون تأثير تلاوتنا قليلاً على الآخرين و على أنفسنا. هذا هو الشرط الأول.
ما أرجوه من القراء المحترمين و أساتذة القرآن و قرائه هو التنبه إلى هذه النقطة. الآيات التي يريدون تلاوتها، ليراجعوها في أذهانهم و يتدبروا فيها و يكرسوا أعماقها في قلوبهم و معتقداتهم بصورة صحيحة. ليتلوا القرآن بهذه الروح و بهذه الأرضية و بهذا الاستعداد، و سوف تؤثر هذه التلاوة في أعماق أرواح المستمعين. طبعاً تقدمتم كثيراً إلى هذا اليوم، و أنا ألاحظ مسار حركة القرآن الكريم في البلاد منذ سنين طويلة، و قد تقدم شبابنا اليوم كثيراً، و قراؤنا و أساتذتنا صاروا جيدين و الحق يقال، و لكن لا يزال هناك مجال كبير لمزيد من التأثير.
لقد سجلتُ نقطتين أو ثلاث نقاط. إحداها إنكم ترومون بتلاوتكم تلقين المفاهيم القرآنية للمستمعين. صحيح أن معظم مستمعيكم لا يجيدون العربية و لغة القرآن، بيد أن معجزة القرآن هي أنكم حتى لو لقنتم هذه الآيات من أعماق الأرواح و بشروطها على هذا النحو و بدون أن يعرف المستمعين العربية، فإن المفاهيم ستنتقل إلى الأذهان و إنْ على نحو الإجمال. و لهذا طبعاً شروطه. إنني استمع إلى التلاوات التي تبث في راديو التلاوة - و هو فرصة جيدة و إمكانية حسنة للاستماع للتلاوات - و استمع لما يقرؤه أساتذتنا و قراؤنا الجيدون. أقول للإنصاف إن قراءنا جيدون جداً و مميزون من حيث حسن الصوت. و هذا ما أيده القراء الأجانب و يؤيدونه. لقد سمعتُ منهم أنهم يثنون على الأصوات الإيرانية. بعض أصواتكم و الحق يقال أصوات حسنة بذاتها، و جميلة السنخ، و ذات خصوصيات جيدة و مميزة، و ينبغي إرفاق هذا بشروط التلاوة.
من شروط التلاوة أن تركزوا عند تلاوة الآية القرآنية على النقاط التي كنتم ستركزون عليها في الحالة العادية لو أردتم تفهيم تلك الآية للمتلقين. شددوا حتماً على تلك النقاط. و إذا أردنا التشبيه شبهنا بهؤلاء السادة مداحي أهل البيت الذين يقرأون الأشعار الفارسية، حيث ترون أنهم يقرأون الكلمات و الفقرات المميزة المقصودة من كل جملة بشكل يكرس ذلك المفهوم في أذهان المتلقين. و هكذا هو الحال في التحدث و التحاور العادي. بالشكل العادي حينما تتحدثون، إذا وجدتم كلمات تعتقدون أن لها مفاهيم بارزة و مميزة - الكلمات التي تحمل تلك المفاهيم - فإنكم ستتلفظون تلك الكلمات بطريقة و تشديد خاص، و هكذا ينبغي قراءة القرآن، شددوا على الكلمات الخاصة، و الهجوا بالجملات و الفقرات بما يكرس مضامينها و معانيها في أذهان المخاطبين، أي عليكم بالتعبير و الأداء الجيد. أحياناً من أجل أن تستقر الفكرة في ذهن المتلقي قد يتطلب الأمر تكرار الجملة، فعليكم بهذا التكرار. لقد انتقدتُ في نفس هذه الجلسة قبل سنوات الذين يكررون الآيات كثيراً. و أريد أن أقول إن التكرار ضروري و حتمي في بعض الأحيان، فالمعنى لا ينعكس بالقراءة لمرة واحدة و يجب التكرار مرتين أو ثلاث مرات. و أحياناً يجب تكرار آيتين أو ثلاث آيات.
و لا أقصد الإفراط في هذا المضمار. وجدنا بعض القراء المصريين يفرطون في هذا المجال، فيكون للأمر تأثير سلبي. لا أقصد الإفراط، إذ ليس من المحبذ أن نكرر شيئاً عشر مرات أو ثماني مرات. و قد يكون الأمر دارجاً في القراءات العربية لكنه ليس بالشيء المحبذ في قراءة القرآن. غير أن التكرار بالقدر الذي يكرس المفهوم في ذهن المتلقي شيء لازم. و أحياناً يشعر المرء أن القارئ كأنه أمسك بكتاب و راح يقرؤه فهو يقرأ العبارة و يمضي، و هذا غير جيد و لا محبذ. يجب أن تنقلوا المفاهيم و تعكسوها في ذهن المتلقي، و هذا يحصل أحياناً بالتكرار و أحياناً بالتشديد و أحياناً بالتأكيد على جملة، و أحياناً بالتأكيد على كلمة. هذا شيء ينبغي أن يكون. نقطة أخرى يتوجب أن تحظى بالاهتمام هي مراعاة موازين اللحون. طبعاً هذه الألحان العربية و ألحان القرآن غريبة على أبناء شعبنا و قرائنا و ليست مأنوسة معروفة لديهم، لذلك ترون أنهم عندما يقرأون الشعر الفارسي يقرأونه بألحانه المناسبة له، و إذا أرادوا قراءة شعر عربي أو جملة عربية فقد لا يجدون اللحن المناسب لها، لأنها ألحان أجنبية و غريبة علينا و ليست معروفة و مأنوسة عندنا، و هي ليست كالألحان و الأنغام الفارسية. لكن الألحان القرآنية بسبب تكرارها بين أهل القرآن و أهل التلاوة صارت مستساغة تدريجياً و بدأ الناس يعرفونها، و يجب أداء هذه الألحان بصورة صحيحة. أسمع أحياناً قارئاً يقرأ تلاوات بصوت حسن، بصوت جميل جداً، صوت له نوع جيد و قوة جيدة و جاذبية و قدرة تحرير جيدة، يقرأ آية و لكنه لا يراعي اللحن، و من الضروري مراعاة لحن الكلام، أي نظام النغم و الشيء الذي تقوم تلاوتكم على أساسه. إنكم لا تقرأون القرآن بشكل عادي بل بلحن و نغم. ربما في كل الأديان - و هذا في حدود اطلاعي على بعض الأديان التوحيدية و حتى الأديان غير التوحيدية - يقرأون النصوص المقدسة بألحان، و قد شاهدنا هذا عن كثب. إذن حين تتلون القرآن بلحن يجب أن تأدوا هذا اللحن بشكل صحيح. ينبغي أداء اللحن بموازينه، و إذا لم يراع اللحن فإن التلاوة لن تترك أثرها المطلوب بلا شك، و قد تترك تأثيراً عكسياً في بعض الأحيان.
و أذكر نقطة هي أنكم جميعاً على وجه التقريب قراء تفضلتم بالمجئ هنا، و من الأمور التي شاعت بين القراء العرب - بين المصريين و غيرهم - و انتقلت من هناك إلى داخل بلادنا الاهتمام بالنفس الطويل. و أنا لا أدرك ما الوجه في هذا العمل. لا ضرورة أبداً لأن نربط كلمات القرآن و الآيات أحياناً بعضها ببعض من أجل أن نطيل النفس، يبدو لي أن هذا لا ضرورة له أبداً. أحياناً يكون لازماً و يتوقف عليه أداء مفهوم الآية بأن تقرأ الآية بنفس واحد، نعم، ليفعلوا ذلك، و إلا فجمال التلاوة و تأثيرها غير منوط ألبتة بالنفس الطويل، و بعض القراء المصريين فنهم و ميزتهم في أن يقرأوا بنفس طويل، و المستمعون يشجعونهم أكثر بطريقة عامية عندما يقرأون بنفس طويل، و يرددون الله الله. اعتقد أن ما يفعله هذا القارئ خطأ و كذلك ما يفعله المستمع. لدينا من بين القراء المصريين الجيدين شخص أو أشخاص أنفاسهم قصيرة، لكن قراءتهم جيدة جداً و تأثيرهم جيد، و منهم عبد الفتاح الشعشاعي. و تعلمون أن نفسه قصير لكنه قدّم في الوقت ذاته بعض أفضل التلاوات و أكثرها تأثيراً، و نسأل الله تعالى أن يشمله و جميع قراء القرآن برحمته و مغفرته.
إذن، الذي أرجوه من السادة أن لا يشقوا على أنفسهم في قضية النفس. و لا حاجة أبداً لتكرار الكلمات و الآيات تلو بعضها. و لأنّ الوقت قد انتهى و يريدون رفع الأذان كما يبدو، أقول هذه الكلمة: أرجوا أن يراعوا الحدود في التشجيع و قول الله الله، و هو أيضاً تقليد للعرب. البعض بمجرد أن يبدأ المقرئ بالتلاوة يبدأون بالترنم بـ «الله» من بعده، و كأنه من التوابع اللازمة للتلاوة أن يقول الطرف الآخر «الله»! لا ضرورة لهذا أبداً. أحياناً تتأثرون أو أن القارئ يقرأ بشكل جميل جداً و مؤثر جداً، فتشجعون تلقائياً - لا إشكال في هذا و لكن بمجرد أن يبدأ القارئ بالتلاوة و نريد من هنا أن نقول «الله الله» فهذا ما لا ضرورة له أبداً. الذي أرجوه أن توصوا في الجلسات التي تتولون أستاذيتها و تشاركون فيها بعدم الإفراط في قول «الله الله». عندما يقرأ المقرئ بشكل جيد جداً حقاً و جميل جداً، لا إشكال في التشجيع، أما من البداية، بحيث يتوقع الإنسان أحياناً بمجرد أن قال «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» أن يقولوا «الله اكبر»، فهذا غير صحيح. نتمنى أن يحشركم الله جميعاً مع القرآن و يعمّر آخرتكم ببركة القرآن.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - أقيمت هذه الجلسة في اليوم الأول من شهر رمضان المبارك، و قبيل كلمة الإمام الخامنئي، قدّم فيها عدد من القراء تلاواتهم كما قدمت فرق تواشيح تلاوات جماعية و ابتهالات لله عزّ و جلّ.