بسم الله الرحمن الرحيم (1)

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيما بقية الله في الأرضين.
مرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء؛ اللقاء بكم من أحلى اللقاءات بالنسبة لي دوماً، سواء منكم الذين أدركوا فترة الدفاع المقدس، و أنتم ذكرياتها و تحيون في أذهاننا أثمن الذكريات، أو الشباب الأعزاء و الجيل اللاحق الذين التحقوا طوال هذه العقود بهذه المنظومة المباركة. نتمنى أن تشملكم البركات الإلهية جميعاً إن شاء الل،ه و تستطيعون أن تتابعوا ذلك الطريق المستقيم - الصراط المستقيم - و الجهاد المقدس في كل الأحوال، فهذا هو سرّ سعادة البشر و نجاحهم في الدنيا و الآخرة.
أولاً شهر ذي الحجة المبارك شهر مهم، فلنعرف قدره. باستثناء عيد الغدير الشريف و عيد الأضحى المبارك، المهم في هذا الشهر - ما عدا هاتين المناسبتين - هو مناسبة يوم عرفة، فاعرفوا قدر يوم عرفة، و أعدوا أنفسكم لدخول رواق الخشوع مقابل الخالق. يوم عرفة يوم كبير. إننا نصاب بالصدأ و تراكم الغبار على قلوبنا، و التضرّع و الخشوع و ذكر الله و التوسل ممارسات تزيل هذا الصدأ و الأغبرة، و هناك أيام معلومة تعدّ فرصاً أفضل لإزالة هذا الصدأ و هذه الأصباغ و الأغبرة، و من أفضلها يوم عرفة. اعرفوا قدر يوم عرفة. إنها لساعات مهمة من ظهر عرفة إلى غروب عرفة. و كل لحظة من هذه الساعات مهمة ثمينة كالإكسير و الكيمياء، فلا نقض هذه الساعات و اللحظات بالغفلة.
الدعاء العجيب للإمام الحسين (عليه السلام) في يوم عرفة نموذج من الأعمال العبادية، و هو مظهر الخشوع و التذلل و الذكر و مظهر الابتهال مقابل الرب الخالق. و نموذج آخر دعاء الإمام السجاد (سلام الله عليه) في الصحيفة السجادية (2). اقرأوا هذه الأدعية بتأمل و تفكر، فهذا هو زادكم.
الطريق الذي أمامكم طريق طويل و صعب و قيم جداً. طرق الحياة كثيرة بالتالي، فالكل يعيشون و الكل يعملون و يكدون لمعيشتهم - هناك الأعمال المباحة، و الأعمال المستحبة، و الأعمال المحرمة - لكن هذا الدرب الذي اخترتموه درب منقطع النظير، فهو جواهر مقابل التراب و الأدغال و الحصى، إنه درب قيم مهم. إنه من جملة طرق الحياة التي تصنع التاريخ و تبعث على شموخ الشعوب و تنقذ البلدان و تصنع المستقبل، و فوق كل ذلك تحقق لكم رضوان الله و جنة الآخرة و الدنيا، هكذا هو هذا الدرب. و طبعاً، بموازاة أهمية هذا الدرب هناك متاعب و صعوبات و أشواك و أدغال كثيرة في هذا الدرب، فهو بحاجة إلى قوة و نشاط، و هذه الأعمال و هذا التوجّه إلى الله يوفر لكم ذلك النشاط و الحيوية. لا تغفلوا عن المعنوية و التوسل بالله و الخشوع له. كل دقيقة من التضرع أمام الله يخلق ذخراً و رصيداً قيماً في قلب الإنسان. هذه هي النقطة الأولى التي نروم ذكرها.
أما حول قوات حرس الثورة الإسلامية؛ إنها أربع كلمات، لكل واحدة منها عمقها و مغزاها و شرحها. إنكم في داخل الحرس مشغولون بالعمل و النشاط، و قد لا تتاح لكم الفرصة بمقدار ما تتاح للآتين و الناظرين و الدارسين من بعدكم أن تركزوا و تتعمقوا في هذه الأعمال، لكنها جديرة بالتعمق: «القوات»، «الحراسة»، «الثورة»، و «الإسلام». هذه أربع كلمات يتكون منها اسمكم و عنوانكم.
أما القوات فأنتم قوات؛ طيب، حراسة الثورة لا تختص بقوات الحرس، فمن واجب الجميع - كل إنسان و كل موجود مؤمن من واجبه ذلك - لكن خصوصية الحرس أنهم منظمة، و مجموعة منظمة، و هم قوات. معنى كونهم قواتاً التركيز على النظام و الانضباط و العمل الإداري و جدوى و نتيجة كل ذرة من العمل. إذا كان هناك تشتت و اضطراب فستهدر الكثير من الأعمال، و لكن حين يكون هناك نظام و مجموعة و منظومة و تنظيم و انضباط فسيكون أشبه بالتخطيط للجداول أسفل سدّ ملئ بالمياه، إذا حصل بصورة صحيحة فلن تذهب هدراً حتى قطرة واحدة من المياه، و ستصل كلها إلى الأماكن التي تحتاجها. هذه هي خصوصية القوات.
ليس لدينا في مجموعة تنظيمات البلاد منظمة ترى لنفسها واجباً إدارياً تنظيمياً لحراسة أعزّ حادثة تاريخية في هذا البلد، و هي حادثة لا تزال جارية في هذا البلد - و سوف أشرح ذلك - غير الحرس. إذن، معنى القوات هو التنظيم و النظام و المأموريات المقررة المحددة المشخصة.
بُعد آخر للقوات و التنظيم هو عدم الشيخوخة. المنظمة لا تشيخ. تعاقب الأجيال و تداول المعارف من يد ليد و تراكم التجارب حالات لا تسمح لمنظمة ما بأن تشيخ، فهي في حالة تجديد حياة دائم. و ليس الأمر مجرد تداول المعارف من يد ليد، إنما هناك الرشد و النمو أيضاً. بمعنى أن الحرس توصل في الوقت الراهن إلى معارف في مجالات مختلفة لم تكن قبل ثلاثين سنة واضحة جلية إلى هذه الدرجة. المكاسب المعرفية للحرس في مختلف الميادين تنمو و تتصاعد و تزداد عمقاً يوماً بعد يوم. هذه خصوصية أخرى للتنظيم و الالتزام و الحالية التنظيمية.
و سمة أخرى هي إعداد و تخريج العناصر الجديدة، سواء العناصر الداخلية أو العناصر الخارجية. حينما يكون هناك تنظيم و نظام فإن الأفراد سوف يُربّون و يُعدون داخل التنظيم، و يجري تخريج عناصر كفوءة و واعية و فاهمة. في حالات التشرذم التنظيمي و المؤسساتي لا يحصل هذا الإعداد و التخريج. و هناك الإعداد الخارجي فضلاً عن الإعداد الداخلي. إن الحرس اليوم يؤثر على الرأي العام، و يؤثر على عمليات البناء و الإنتاج التي يقوم بها الشباب و الأفراد. العناصر التي يصدّرهم الحرس للأجهزة و المؤسسات المختلفة، و هم كثر جداً - و قد صدّر الحرس من بين صفوفه دائماً طوال هذه السنين عناصر لإدارة مختلف الأجهزة و المؤسسات - يؤثرون على تلك المنظومات و التنظيمات و المؤسسات. إذن، إعداد الأفراد و تنمية العناصر الموهوبة سمة أخرى من سمات القوات.
القوات مظهر الاقتدار الميداني، هذه هي خصوصية القوات. الاقتدار على الساحة السياسية و على المستوى الإعلامي شيء، و الاقتدار على أرض الميدان شيء آخر. الاقتدار الميداني يؤدي إلى تحقق الاقتدار السياسي. عندما يكون لكم اقتداركم على الأرض تستطيعون التصرف و العمل و الدفع و الجذب. عندما يتحلى شعب بهذه الخصوصية، أو مجموعة من الشعب إذا اتسمت بهذه الخصوصية، فإن هذا سيبعث على الاقتدار السياسي أيضاً، و الاقتدار يخلق هوية و يمنح العزة و غير ذلك. القوات مظهر الاقتدار الميداني. طبعاً للاقتدار الميداني معناه على الصعيد الاقتصادي أيضاً. هناك أيضاً إذا توفرت مجموعة اقتصادية قوية فاعلة نافذة فسيكون ذلك اقتداراً ميدانياً هو الآخر، و هذا بحث آخر في محله. و عليه، فحراسة «القوات» للثورة الإسلامية لها معناها بوصفهم قواتاً و بوصفهم منظمة و مجموعة، و إذا لم يكن هذا النظام و التنظيم، و إذا كان ثمة تشتت؛ إذا كانت جماعة كلهم من المؤمنين و من أنصار الثورة الإسلامية و أرادوا حراسة الثورة و لكن لم يتوفر فيهم هذا النظام و الانضباط، فستكون النتيجة شيئاً آخر. هذا النظام المؤسسي و هذا التنظيم هو من الخيرات الكبرى، و هو من خصوصيات الحرس.
طيب، بهذه الخصوصيات التي عرضناها قلنا إن القوات تتجدد و لا تبلى و لا تشيخ - الأفراد يشيخون لكن المنظمة لا تشيخ - معنى ذلك أنه يجب الاستفادة من كل العناصر الذين بوسعهم المساعدة على هذا التجديد و النماء. خصوصية الشبابية - و التي يجري الاهتمام بها في الحرس لحسن الحظ و هناك ميل إليها، و هي سمة إيجابية - يجب أن تكون مصحوبة بالانتفاع من تجارب المجرّبين و القدماء و المتمرّسين. بمعنى أن القدماء في الحرس و المتمرسين الذين خرجوا مرفوعي الرأس من الامتحانات، و قاموا بواجباتهم، و كانت لهم الكثير من النشاطات، يجب أن يستفاد منهم في عملية التجديد هذه، و من دون وجودهم سيكون التجديد صعباً أو غير ممكناً في بعض الأحيان. يجب عدم حصول انقطاع بين الأجيال في الحرس، خصوصاً و أن القدماء قد عملوا و كانت لهم اختباراتهم في العمل و هي اختبارات و امتحانات كبيرة.
مع أنني كنتُ مطلعاً على كل الأخبار في تلك الفترة، و قرأتُ بعد ذلك الكثير من الكتب عن الحرب، لكن حين يأتيني كتاب جديد و أجد الفرصة و التوفيق لقراءته ينفتح أمامي مرة أخرى باب جديد، و أسمع كلاماً جديداً. يا له من عالم عجيب و محيط عميق وضعتْهُ تلك الفترةُ؛ فترة الأعوام الثمانية، أمام شعب إيران، و لن ينتهي بهذه السهولة و السرعة. لينتفع من أولئك الذين نشطوا و عملوا و كانوا مؤثرين. طبعاً لا أريد القول إن كل من كان ناشطاً في تلك الفترة سيكون ذا درجات عالية باعتبار تلك الفترة، لا، لقد قلتُ مراراً، كلنا - أنا في حدود الثمانين من العمر بشكل، و أنتم الشباب بشكل، و الشيوخ بشكل - معرّضون للمزالق، و قد ينزلق الإنسان في أية لحظة. يقول الشاعر:
أحكام التنسّك و التهتّك كلها بالعواقب
لا يعلم أحد كيف سيغادر هذه الدار (3)
أحياناً يقضي الإنسان عمراً بالصلاح، لكن امتحاناً صعباً قد يقلبه رأساً على عقب. لا نريد الادعاء أن كل من كان مشاركاً في تلك الساحات يومذاك نصنع له حصناً آمناً و لا نتجرأ أن نقترب إليه، لا، و لكن ينبغي تكريم ذلك الماضي و معرفة قدره، و الذين استطاعوا طوال هذه الأعوام الحفاظ لأنفسهم بتلك الأرصدة و الحفاظ على سلامتهم، فإن قدرهم كبير جداً. طيب، هذا هو معنى القوات من حيث هي منظمة و مجموعة منظمة، و هو الجزء الأول من اسمكم. طبعاً لو أراد المرء أن يتحدث و يشرح في هذا الخصوص لكان الكلام أكثر من هذا بكثير، و لكن يكفي هنا هذا المقدار.
و هناك الحرس؛ قوات الحرس؛ أنتم حرس. حراسة الثورة في الواقع رمز الإرادة الثورية للبلاد؛ الإرادة الثورية و المشاركة الثورية و الهوية الثورية. حين تقولون إن وظيفة هذه المنظمة حراسة الثورة فمعنى ذلك أن إرادة الثورة لا تزال متينة و قوية و للثورة تواجدها الحاسم في الساحة، و هذا معنى مهم للغاية. يجب عدم تحديد الثورة بأحداث الثورة من قبيل أحداث بداية الثورة و أيام انتصارها. تلك الأيام جزء من الثورة. إذا لاحظ شخص معنى الثورة بصورة صحيحة لربما وجد أن حركة الثورة و النهضة الثورية جزء صغير من مجموعة الثورة. الثورة تعني تغيراً شاملاً في مجموعة بشرية - في الشعب، أو في ما وراء الشعب، و في الجيل و في الحضارة - هذا هو معنى الثورة. في العالم قد يسمّون الانقلابات أيضاً ثورات في بعض الأحيان، لكن للثورة معنى أعمق بكثير، و هو ما حدث في بلادنا. ما حدث في بلادنا كان و لا يزال و سيبقي ثورة بالمعنى الحقيقي للكلمة. و في الكلام عن الثورة سأذكر التفاسير المتعلقة بالثورة، و لكن في جانب الحراسة هذا حين تقولون إننا حرس ثورة فمعنى ذلك أن الثورة حية و حاضرة و موجودة. لو كانت الثورة ميتة - كما يزعم البعض، أو كما يتمنّون - لما احتاجت إلى حرس، الميت لا يحتاج إلى من يحرسه، إذن، الثورة حاضرة حية. إذن، معنى حراسة الثورة ينطوي على معنى حضور الثورة و وجودها. أي إنكم تريدون القول إن الثورة موجودة. و سأذكر لاحقاً إنه: نعم، الثورة موجودة، و موجودة بقوة و اقتدار.
و حين تقولون إننا حرس الثورة فمن معاني الحراسة و من أبعادها أن الثورة معرضة لأخطار و تهديدات، نعم، إذا لم يكن ثمة تهديد لما لزمت الحراسة. يمارس الإنسان الحراسة عندما يكون هناك تهديد. إذن، أنتم تعضّدون وجود الثورة من خلال اسمكم، و تشيرون في الوقت نفسه إلى التهديدات التي تتعرض لها الثورة، و تنبئون عن وجود هذه التهديدات. طيب، إذا كنا حرس الثورة فينبغي طبعاً أن نتعرف على هذه التهديدات. من أهم أعمال الحرس رصد القضايا و الشؤون الدولية فقط لمعرفة التهديدات. رصد القضايا الدولية و الأحداث الدولية و الأخبار العالمية من شأنه أن يجعلنا نعرف ما هي التهديدات. و كذلك رصد الأحداث الداخلية في البلاد. إذن، ليس الحرس كائناً منكس الرأس، منزوياً جانباً، مشغولاً بشؤونه الإدارية الخاصة، بل هو كائن واع مراقب بصير ملتفت لأطرافه - ملتفت لأطرافه على مستوى البلاد، و ملتفت لأطرافه على المستوى الدولى و على مستوى المنطقة - فهو ينظر كموجود حيّ يقظ لكي يرى أين تكمن التهديدات. و من هو الشخص أو الشيء المعرض للتهديد؟ ليس الشخص هو المهم هنا، إنما هناك تهديد تتعرض له الثورة. لذلك ينبغي أن تترصدوا دوماً. القسم الاستخباري في الحرس، و كل ما يتعلق بالمعلومات و الاستخبارات في الحرس، له مهام تختص بهذا الجانب. طبعاً هناك درجات مختلفة و سلم مراتب و كوادر يجب أن يكونوا مطلعين على هذه الأمور و على التهديدات ليعلم الجميع ما الذي يقومون به و ما الذي يريدون القيام به. إذا لم يعرف سلمُ مراتب الحرس ما هي التهديدات المحدقة بالشيء الذي يحرسونه، فلن يكون من المعلوم أنهم سيستطيعون القيام بواجبهم بصورة صحيحة. عندما يفهم الإنسان ما هو التهديد و من أين ينبع فسوف يتحفز و يندفع للعمل.
على هذا الأساس، من أبعاد كلمة الحراسة التشمير عن السواعد لأجل الثورة و اليقظة و الوعي الدائم. و هو ما ورد في كتاب لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): «وَ اِنَّ اَخَا الحَربِ لَاَرِق» (4). ليس من الضروري أن تكون هذه الحرب حرباً حاضرة قائمة، لا، الذي يعدّ نفسه للحرب يجب أن يكون يقظاً. الحرب مع من؟ إننا لم نكن و لن نكون بادئين بحرب أبداً؛ ليست لدينا حرب مع الناس و الشعوب و الحكومات المحايدة غير المؤذية، إنما حربنا ضد المهاجمين و المعارضين و المهددين. «لَاَرِق»، الأرق هو اليقظة و عدم النوم، إنه يقظ دوماً. إذن، أحد أبعاد كلمة الحراسة هو اليقظة و الاستعداد الدائم.
طبعاً عندما تعرفون التهديدات سوف تعدون لها الاستعدادات المناسبة. ذات يوم، لم يكن هناك تهديدات ألكترونية، و لم يكن من الضروري أن يعمل شخص في مجال الألكترونيات، لكن هذا الشيء اليوم موجود، و من اللازم أن يعملوا فيه و يتابعوه. و قد شرح الآمر اللواء العزيز ذلك. هنا في هذه الحسينية، عرض شباب الحرس على أصحاب الاختصاص إنجازات متقدمة و ملحوظة و جيدة جداً حققوها، و تبيّن أن الحرس قد عمل و أنجز الكثير في هذا الميدان. و كذا الحال في كل الميادين و المجالات. عندما تعرفون التهديدات فستعرفون وسائل احتواء هذه التهديدات و ستتابعون أمرها. إذا كانت تلك الوسائل متوفرة لديكم فستحافظون عليها و إذا لم تكن متوفرة فستسعون لإعدادها.
هذه الحراسة تتضمن في الواقع معنيين. أحد معنيي الحراسة هو الحماية و الحفظ، و المعنى الآخر هو التكريم و إجلال الشخص أو الشيء، أي أن يكرمه الإنسان و يحترمه. ليس معنى حراسة الثورة حمايتها فقط - و هذا الشرح الذي قدمناه يتعلق بالحماية و الحفظ - بل هو بمعنى تكريم الثورة و إجلالها و إكبارها و إعظامها أيضاً. أن يحرس الإنسان شخصاً معناه أن يكرمه و يعرف قدره و يعتبره مهماً. و هذا ما يحتاج إلى أن يعرف الإنسان الثورة على نحو صحيح، لذلك ينبغي أن تعرفوا الثورة. على مستوى الحرس و على مستوى كل مدارج الحرس و درجاتهم ينبغي معرفة الثورة معرفة واعية واضحة جامعة. ينبغي معرفة الثورة بصورة صحيحة. إذا كانت هناك نواقص في هذا الشأن على صعيد الأعمال الثقافية فيجب بالتأكيد رفعها، فانظروا في هذا الأمر. ينبغي أن يكون الإخوة و الأخوات في الحرس، من أولهم إلى آخرهم، متسلحين بمنطق الثورة القوي، لأن أعداء الثورة يتغلغلون اليوم من طرق شتى. من طرق الدخول و التغلغل - و سوف نذكر كلاماً عن النفوذ و التغلغل، و نحن نؤكد و نكرر الكلام دوماً عن نفوذ العدو و اندساسه و تغلغله - زعزعة المعتقدات و القناعات؛ المعتقدات الثورية و الدينية. يزعزعون المعارف الثورية و الدينية و يتغلغلون فيها. يستخدمون كل الطرق، و لديهم الكثير من الأفراد على تنوعهم؛ لديهم الأستاذ الجامعي، و لديهم الناشط من الطلبة الجامعيين، و لديهم النخبة الفكري و العلمي، هناك كل أنواع الأفراد للتغلغل و الاندساس.
على الإخوة في مختلف مستويات الحرس أن يتحلوا بهذه الجاهزية و هذا الاقتدار المنطقي. قبل الثورة كنا نستفيد من قوة المنطق هذه في حالات كثيرة. الشباب في ذلك الزمن و في إطار البحوث و النقاشات التي كانت لنا - البحوث القرآنية و ما إلى ذلك، و بحوث نهج البلاغة و القرآن و غير ذلك مما كان لي - كانوا يقولون لي إننا لم نعد ضعيفي الموقف و المنطق مقابل الماركسيين، و قد كنا ضعفاء سابقاً، أما الآن فلدينا كلامنا و منطقنا و حججنا و براهيننا، و لا يتعلق الأمر بالرفض و الدحض فقط، بل نستطيع الإثبات و بيان الحقائق أيضاً. ينبغي أن تتوفر مثل هذه القدرة الإقناعية و المنطقية و البيانية في الشاب الذي يعمل في الحرس حالياً، هذه من الأمور الأساسية، هذه حراسة للثورة و تكريم للثورة، أي إنها إعزاز للثورة و أداء لحقها و معرفة قدرها.
معرفة العدو بُعد آخر من أبعاد حراسة الثورة و تكريمها، لنعرف العدو. أنتم طبعاً تعرفون العدو. العدو هو الاستكبار العالمي، و مظهره التام أمريكا، و عملاؤها هم الأنظمة الرجعية و الذين باعوا أنفسهم و ضعاف النفوس و أمثال هؤلاء. العدو معروف بالنسبة لكم، و يجب أن تستفيدوا من هذه المعرفة. يتعيّن تشخيص نقاط ضعف العدو - نقاط الضعف المعرفية و العملية لدى العدو - و عرضها على الذين يحتاجون أن تعرض عليهم. أعداء الثورة الإسلامية هم الذين دخلوا المنطقة قبل عشرة أعوام أو خمسة عشر عاماً، و كان شعارهم توفير الأمن. و لكم أن تنظروا اليوم أين هو الأمن في هذه المنطقة؟ انعدام الأمر يغمر المنطقة برمّتها، غرب آسيا و شمال أفريقيا. عندما هجموا على أفغانستان كان شعارهم محاربة الإرهاب، لكن الإرهاب استغرق المنطقة كلها اليوم، و يا له من إرهاب! إرهاب وحشي عنيف، إرهاب أفراده يحرقون البشر - من أعدائهم - بالنيران و هم أحياء أمام أنظار الجميع، و يستخدمون مختلف الإمكانيات التقنية من أجل أن ينقلوا هذه المشاهد بصورة واضحة إلى أنظار و قناعات كل الناس في العالم؛ مثل هذا الإرهاب! هكذا هم العناصر التكفيرية اليوم، يقتلون الطفل أمام والدته، و يقطعون رؤوس الأب و الأم أمام أنظار أبنائهم.
جاءوا إلى المنطقة و شعارهم و ادعاؤهم - و لا نقول إرادتهم الحقيقية، بل شعارهم - القضاء على الإرهاب في المنطقة، فأيّ مكان من المنطقة يخلو من الإرهاب اليوم؟ جاءوا ليوفروا الديمقراطية حسب ادعائهم، و إذا بأكثر الأنظمة رجعية و استبداداً و دكتاتورية في المنطقة تبقى واقفة على أقدامها بمساعدة أمريكا و حلفاء أمريكا، و تواصل جرائمها. الحقيقة أن هذه إحدى مشكلات أمريكا الأساسية، و هي مشكلات التفت حول أيدي و أقدام الساسة الأمريكان و كبلتهم تماماً. يدعمون أنظمة تنقض شعارات الأمريكان المناهضة للدكتاتورية و المناصرة لحقوق الإنسان التي راحوا يطلقونها على مدى سنين طويلة. هذه حالة أوجدت حالياً قضية كبيرة بين المثقفين و النخب السياسية و الفكرية في أمريكا، و هم لا يستطيعون الإجابة. هكذا كائن هو هذا العدو. العدو الذي يقف مقابلنا هكذا هي حاله بخصوص حقوق الإنسان، و بخصوص الديمقراطية و بخصوص الإرهاب و بخصوص توفير الأمن و تحقيق السلام. كانوا يقولون إننا نحارب من أجل السلام، أين هو السلام؟ لوثوا المنطقة كلها بالحروب، في أيّ مكان من هذه المنطقة لا توجد الآن حرب؟ هذا هو العدو. هذا هو الذي تقف الثورة بوجهه، و تقفون أمامه جاعلين من صدوركم دروعاً؛ مثل هذا الكائن بكل هذا التناقض و بكل نقاط الضعف هذه، و بكل هذه الثغرات المعرفية و العملية. هذا هو العدو. من خصوصيات حراسة الثورة أن نفتح أعيننا و نرى هؤلاء و نعرف العدو. يجب أن نعرف الثورة و نعرف العدو أيضاً. كان هذا عن معنى الحراسة. و بالطبع لو أراد شخص التحدث عن معنى الحراسة و عمق هذا المعنى أكثر، فيمكن التحدث بمقدار كتاب.
أما الثورة فقلنا إن الحراسة هي حراسة الثورة. و الثورة حالة مستمرة. ليست أمراً دفعياً لنقول إنه حدثت في التاريخ الفلاني حادثة، و نزل عدد من الناس إلى الشوارع لمدة عشرة أيام أو عشرين يوماً أو شهرين أو ستة أشهر ثم سقطت الدولة، و هذه هي الثورة، لا، ليست هذه الثورة. هذا جزء من الثورة. الثورة حقيقة باقية و دائمة. الثورة تعني التغيير؛ التغييرات العميقة لا تحدث خلال ستة أشهر أو سنة أو خمس سنوات، هذا مضافاً إلى أن التغيير و الصيرورة - أي التحول من حال إلى حال - ليست له حدود يقف عندها أساساً، و لا ينتهي في أي وقت من الأوقات، هذه هي الثورة. الثورة أمر دائمي. البعض يطرحون بعض الكلام - و مصدر هذا الكلام غرف العمليات الأجنبية على حد تعبيرهم، و هنا يكرر البعض ذلك الكلام في الصحف و المجلات و في مختلف الكلمات، و يعيدونه بلسان إيراني، لكن المصدر من هناك - و يقولون: نعم، لقد انتهت الثورة. و قد يوجد شخص لا عقل له يقول بصراحة إنه يجب وضع الثورة في المتحف، و هناك آخرون ليسوا بهذه الدرجة من انعدام العقل فلا يقولون هذه الفكرة بهذه الصراحة بل يطرحونها مغلفة مقنعة، يتكلمون كلاماً معناه أن الثورة قد انتهت؛ تحول الثورة إلى جمهورية إسلامية. لا يمكن تحويلها أبداً، فالجمهورية الإسلامية يجب أن تكون مظهر الثورة. أي حالة القابلية للتجدد و حالة التحول الدائمي، هذه الحالة يجب أن تكون موجودة في الجمهورية الإسلامية، و إلا لم تكن جمهورية إسلامية، و لا حكومة إسلامية. الثورة أمر مستمر.
طيب، ماذا تفعل الثورة؟ الشيء الذي تقوم به الثورة في البداية هو رسم المبادئ و المثل، إنها ترسم المثل. طبعاً المثل العليا لا تقبل التغيير، إنما الوسائل هي التي تتغير، و التطورات اليومية تتغير، لكن تلك الأصول، و هي المبادئ و المثل الأساسية، لا تتغير. أي منذ خلقة البشر الأولى إلى اليوم كانت العدالة و لا تزال مثلاً و مبدأ، و لا يأتي يوم تسقط فيه العدالة عن أن تكون مبدأ. حرية الإنسان مبدأ - المبادئ هي هذه الأمور - الثورة تصور المبادئ و ترسمها، ثم تسير نحوها. و إذا أردنا التعبير عن المبادئ بكلمة واحدة و استخدمنا التعابير القرآنية لذلك لقلنا إنها «الحياة الطيبة»: «فَلَنُحيينَّهُ حَياةً طَيبَة» (5). «اِستَجيبوا للهِ‌ وَ لِلرَّسولِ اِذا دَعاكم لِما يحييكم» (6). دعوة الرسول الأكرم (ص) و كل الأنبياء دعوة للحياة، أية حياة؟ الحياة الطيبة طبعاً.
طيب، ما معنى الحياة الطيبة؟ معناها كل الأشياء التي يحتاجها البشر لسعادتهم و لحياة أفضل. العزة الوطنية مثلاً جزء من الحياة الطيبة. فالشعب الذليل المقموع المهان ليست له حياة طيبة. الاستقلال و عدم التبعية للأجانب و الآخرين جزء من الحياة الطيبة. ينبغي عدم البحث عن الحياة الطيبة في العبادات و كتب الأدعية فقط؛ هذه هي واقعيات الحياة. من جوانب الحياة الطيبة لشعب من الشعوب أن يعيش ذلك الشعب عزيزاً مرفوع الرأس غير تابع، بل مستقلاً. و إذا بهم يكتبون الكتب في رفض الاستقلال و دحضه! إن المرء ليستغرب حقاً كيف أن بعض الأفراد لا يخجلون من طرح هذه الآراء في الوقت الحاضر. لصّ ينطلق في الصحراء و يمنع قافلة عن مسيرها و يريد سلبها كل ما تملك و ما لا تملك، و إذا بشخص يقول: نعم، المصلحة اليوم أن ننضم إليهم و نفعل كل ما يقولون! هذه هي حقيقة التكلم ضد الاستقلال. قلنا إن الاستقلال هو الحرية على مستوى الشعب. يدافعون عن اسم الحرية و يتهجمون على الاستقلال! الاستقلال معناه الحرية، و لكن ليست حرية شخص فرد، بل حرية شعب مما يُفرض عليه، و من الذلة، و من فرض التخلف عليه، و من استغلاله، و من امتصاص دمائه؛ حين يستقل الشعب من هذه الأشياء فهو مستقل.
من الأمور التي تحقق الحياة الطيبة التقدم في العلم و الحضارة العالمية. أنْ يستطيع الشعب الريادة و التقدم في منظومة العلوم العالمية و المدنية العالمية، و أن يضع سلالم جديدة أمام الإنسانية لرقيّها و رفعتها، فهذا من جوانب الحياة الطيبة. ليس الغربيون على هذه الحال؛ نعم، حققوا الكثير من التقدم المادي، و كانت لهم طروحات و إنجازات في هذه الميادين، و لا زالوا ينجزون، لكنهم أرفقوا ذلك بشيء يجعل السقوط من ذلك السلم حتمياً، نعم، يضعون السلم أمام البشرية لكنهم يفعلون ما من شأنه أن تسقط الإنسانية حتمياً من ذلك السلم؛ إنهم يفسدون الأخلاق. لاحظوا أن أقبح و أشنع الأفعال تكتسب في الثقافة الغربية شكلاً عادياً و عرفياً و قانونياً، بحيث لو عارضها معارض لأدين بسبب معارضته؛ لمجرد أن الإنسان يرغب في شيء! طيب، الإنسان يرغب في كثير من الأشياء. إلى أين سيصل حال الغرب بكل هذا التهتك و هتك الأستار؟ لا سبيل للعلاج أمامهم، أي لا طريق للخلاص عندهم بالتأكيد؛ هذا الدرب الذي يسيرون فيه، و بهذه الطريقة التي يسيرون بها نحو الانحطاط الأخلاقي، سوف يواجه الغرب الويلات و الكوارث، و ستدمرهم هذه الطريقة. شعوبهم مسكينة، و المرء ليرقّ قلبه على شعوب تلك البلدان. الناس مساكين مغلوبين على أمرهم. النخب و المؤثرون و المخططون و واضعو السياسات يعملون على أهدافهم الخبيثة القذرة.
إذن، الريادة في العلم و التحضر البشري المصحوبة بالمعنوية و الروحانية. قبل أيام قلتُ أمام جماعة (7) - و أخال أنها بثت إعلامياً - افترضوا أن بلد الجمهورية الإسلامية بعد عشرين سنة أو ثلاثين سنة، و بسكان يبلغون 200 مليون، أو 180 مليون، أو 150 مليون نسمة، و بتقدم مادي و علمي و صناعي مدهش، و بشياع المعنوية و العدالة فيها، لاحظوا ما سيكون حالها، و أية جاذبية سيكون لها بين أبناء البشر من مسلمين و غير مسلمين؛ و هم يريدون أن لا يحدث هذا. هذه هي الحياة الطيبة، أي أن نسير صوب مثل هذا الوضع لحياة البلاد؛ و الثورة تروم أن تأخذ بأيدينا إلى تلك المحطات. الرفاهية و العدالة و النشاط و الحيوية و الفاعلية في العمل و الشوق للعمل و العلم و التقانة، هذا جزء من الحياة الطيبة. و إلى جانب ذلك المعنوية و الرحمة و الأخلاق الإسلامية، و أسلوب الحياة الإسلامية، هذه من جوانب الحياة الطيبة. النظام جزء من الحياة الطيبة. هذه المسيرة نحو الحياة الطيبة لا تنتهي. «اَلآ إلى اللهِ تَصيرُ الاُمور» (8)، هذه هي الصيرورة نحو الله. الصيرورة معناها التحول من حال إلى حال. شيء يتغير في باطن ذاته و يتحول نحو الأحسن يوماً بعد يوم، هذه هي الصيرورة. البشر لهم صيرورتهم نحو الله، و المجتمع الإسلامي المحبذ هو الذي يتوفر على هذه الصيرورة. هذه الصيرورة لا تنتهي، بل تستمر بشكل دائم و متواصل؛ هذه هي الثورة.
من خصوصيات الحياة الطيبة و خصوصيات هذه الثورة، و التي صرح بها القرآن الكريم، الإيمان بالله و الكفر بالطاغوت: «فَمَن يكفُر بِالطّاغوتِ وَ يؤمِن بِاللهِ فَقَدِ استَمسَك بِالعُروَةِ الوُثقى‌« (9). العروة الوثقي معناها أنكم حين تعبرون من مكان خطير و منزلق تمسكون بحبل أو بشيء بأيديكم حتى لا تقعوا أرضاً و لا تنزلقوا و لا تسقطوا في الهاوية، هذه هي العروة الوثقى. إذا اتصفتم بالإيمان بالله و الكفر بالطاغوت فهذه عروة وثقى. و هذان الأمران متلازمان: الإيمان بالله و الكفر بالطاغوت، و يجب عدم الفصل بينهما. أشير هنا إلى أن الإيمان بالله مما لا يمكن سلبه من الناس بسهولة، و إنما يشدد إعلام العدو على الكفر بالطاغوت. يريدون إضعاف الكفر بالطاغوت تدريجياً، و سلب الناس هذا الجانب من القضية. فكأنهم يقولون: لا بأس أن يكون لكم إيمانكم بالله و إيمانكم بالطاغوت. هذا غير ممكن، فالإيمان بالله و الكفر بالطاغوت متلازمان.
و مكافحة الإيديولوجيا من الطروحات الأخرى. كانت هذه الأطروحة يروج لها لعدة سنوات، و غابت منذ سنوات، و ها هم يعودون لها مرة أخرى. يقولون لنزيل الإيديولوجيا عن الدبلوماسية، و عن السياسة الداخلية، لا، هذا على الضدّ من الحق و الحقيقة تماماً. معناه أن لا نسهم أصول الثورة و أسس الإسلام في السياسة الداخلية و الخارجية. كيف لا نسهمها؟ هذه السياسات يجب أن تتكون أصلاً على أساس تلك المبادئ و الركائز؛ هكذا هو الحال في كل المجالات. لاحظوا، هذه نقطة دقيقة، العلم معناه السير نحو واقع و اكتشاف واقع و معرفته. على هذا الصعيد ليس للإيديولوجيا معنى طبعاً، و لكن نحو أيّ واقع نسير، و نحو أيّ واقع لا نسير، هنا يلعب الفكر و العقيدة و الإيديولوجيا - على حدّ تعبير التغريبيين - دورها. لا نريد السير نحو هذا العلم، فهو علم مضر، و نريد السير نحو ذاك العلم لأنه علم نافع. لدينا علم نافع و علم ضار. و عليه، حتى في قضية العلم، يؤثر التفكير و الاعتقاد و العقيدة، و على حد تعبير التغريبيين الإيديولوجيا.
و من الأشياء التي كثيراً ما يسمعها الإنسان، عبارتان يطرحهما معارضونا و أعداؤنا، و البعض في الداخل يكررونهما، و هما في الواقع عبارتان متناقضتان، و لكن لا يجري التنبه إلى تناقضهما. إحدى العبارتين التي كثيراً ما يكررونها هي أنكم بلد مقتدر و ذو نفوذ و مؤثر. هذا ما نسمعه كثيراً في العالم اليوم. و هناك البعض من الناس الضعاف و قصار النظر في الداخل غير مستعدين حتى لقبول هذه الفكرة، لكن الذين يراقبون الأمور في الخارج - سواء أصدقاؤنا أو أعداؤنا - يكررون كثيراً و يعترفون بأن الجمهورية الإسلامية اليوم بلد مقتدر و مؤثر في المنطقة و أحداثها، و له نفوذه فيها. هذه عبارة، و العبارة الثانية هي قولهم: لا تتمسكوا كل هذا التمسك بكلمة الثورة و قضية الثورة و الروح الثورية. هاتان العبارتان متناقضتان فيما بينهما، فهذا الاقتدار و النفوذ بسبب الثورة، و لو لا الثورة و لو لا الروح الثورية و لو لا الأداء الثوري لما كان هذا النفوذ. قولهم إنكم أصحاب نفوذ و اقتدار فدعوا الثورة جانباً لنستطيع العيش معاً، معناه دعوا الثورة جانباً لتفقدوا هذا الاقتدار و نستطيع ابتلاعكم. هذا ما يقولونه صراحة لأفراد من الجمهورية الإسلامية، و لا يحصل تفطن للمعنى و المفهوم الواقعي لهذا الكلام. إلى متى تريدون أن تكونوا ثوريين، و إلى متى تريدون أن تتحدثوا عن الثورة، تعالوا إلى المجتمع العالمي. معنى هذا الكلام دعوا عنكم نفوذكم الذي تمتلكونه اليوم و ما لكم من قدرة و تأثير في المنطقة و افقدوا عمقكم الاستراتيجي الذي لكم بين الشعوب. أي كونوا ضعافاً لنستطيع ابتلاعكم. يقولون كونوا جزءاً من المجتمع العالمي. مرادهم من المجتمع العالمي عدة قوى مستكبرة ظالمة متعسفة. أي تعالوا و ذوبوا في مخططاتنا، هذا هو معنى كلامهم. إذن، للثورة مثل هذه الأبعاد. ثمة الكثير من الكلام حول حراسة الثورة و لكن ننهي الحديث عنها عند هذا المقدار.
و أما الإسلام؛ الثورة ثورة إسلامية. يصرّ البعض على القول «ثورة سنة 57» و لا يريدون ذكر الإسلام. يخافون من اسم الإسلام، و يخشون اسم الثورة الإسلامية. الإسلام أساس ثورتنا و رصيدها و كل مضمونها. طبعاً إسلامنا إسلام أصيل و ليس إسلاماً تابعاً للأفكار المنحرفة و الخاطئة و العامية و البلهاء لأفراد مثل التكفيريين. إنه إسلام قائم على العقل و النقل - إسلام عقلاني - إسلام يعتمد على القرآن و على المعارف النبوية و معارف أهل البيت (عليهم السلام)، بأفكار واضحة و منطق قوي ساطع. إنه مثل هذا الإسلام. هذا هو الإسلام، إسلام يمكن الدفاع عنه في كل الأوساط العالمية المعاصرة.
الحمد لله على أن الأبعاد المختلفة لهذه الثورة قد عرفت و اتضحت في المجتمعات الإسلامية. مع أنهم أنفقوا كل هذه الأموال و كل هذه الدولارات النفطية ليمنعوا هذه المسيرة، لكن لحسن الحظ، و من دون أن نفعل نحن أنفسنا أعمالاً كبيرة - فنحن مقصرون كثيراً في الإعلام و التبليغ - تقدم هذا الفكر القويّ المتين إلى الأمام. هذه حقيقة مشهودة في الوقت الحاضر في أقطار العالم الإسلامي و الحمد لله، و ثمة الكثير من الدلائل على ذلك. الشعوب، الشعوب المسلمة، تحبّ الجمهورية الإسلامية بالمعنى الحقيقي للكلمة، و تحبّ مسؤولي الجمهورية الإسلامية، و رؤساء جمهوريتنا طوال هذه الأعوام، إلى أي مكان يسافرون، و يُسمح لهم باللقاء المفتوح مع الجماهير، تجد الناس تتجمع حولهم كالقيامة، هكذا كان الحال في باكستان، و في لبنان، و في السودان، و في الكثير من البلدان الأخرى. و عندما يمنعون الناس ستختلف القضية طبعاً. في البلدان المسلمة عندما يعلم الناس أنهم يستطيعون إبداء عقيدتهم و مشاعرهم، يبدونها. و هذا ببركة الإسلام و التمسك بالقرآن. الإسلام الذي يقتصر على الأعمال و الممارسات الشخصية، و الإسلام العلماني، و إسلام «يؤمن ببعض و يكفر ببعض» (10)، و الإسلام الذي يُحذف منه الجهاد، و يُحذف منه النهي عن المنكر، و تُحذف منه الشهادة في سبيل الله، ليس بإسلام الثورة. إسلام الثورة هو الذي يشاهده المرء في القرآن الكريم في آيات قرآنية إلهية متعددة، و يشاهد أيضاً على ألسنتنا، فتلك وصية الإمام الخميني، و تلك ذكرياته و تراثه المنطوق و المكتوب. هذا هو إسلامنا، حراسة الثورة بهذه المضامين، المضامين الإسلامية. ليست مجرد حركة حماسية محضة، لا، بل بالمعنى الإسلامي الذي استطاع و الحمد لله التأثير في العالم. إذن، قوات حرس الثورة الإسلامية لها مثل هذا المحتوى من المعنى. يجب أن تسعوا كثيراً، و تكونوا يقظين بدرجة عالية، و تعرفوا قدر ما أنتم فيه، الكلّ ينبغي أن يعرفوا قدر الحرس. إضعاف الحرس و الكلام غير الصائب الذي يقال أحياناً ضد الحرس أشياء يمنّي بها الأعداء أنفسهم و تفرحهم. و لا نقول إن كل الذين يتكلمون بهذه الطريقة يعملون للأعداء، لا، فبعضهم يتكلم بهذه الطريقة عن غفلة و هو لا يفهم، و بعضهم من المحتمل أن يكونوا مكلفين بالكلام بهذه الطريقة، فيصرحون مثل هذه التصريحات.
ينبغي تكريم الحرس، فالحرس نعمة إلهية كبيرة في البلاد. و أقول لكم أيضاً إن أول من ينبغي أن يكرّم الحرس هو أنتم أنفسكم. اجعلوا النسيج المعنوي و الفكري و العقيدي و العملي للحرس نسيجاً متيناً قوياً ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً، و اجتنبوا بشدة ما قد يوفر للبعض الذرائع لمهاجمة الحرس في المجالات الاقتصادية و المالية و السياسية المختلفة و ما إلى ذلك. سيروا على الخط المستقيم و الصحيح للثورة، و لا تسعوا مطلقاً نحو الأشياء التي يمكن أن تمسّ بكرامة الحرس. أنتم أول من يجب أن يصون هذا الشأن و الحيثية الحقيقية - و لا يتعلق الأمر بحيثية مفروضة نروم فرضها و نقول يجب أن تفكروا بهذه الطريقة، لا، بل هذا هو واقع القضية - و لأنكم قوات حرس الثورة الإسلامية فيجب أن تتفطنوا للتهديدات.
قلنا إن نفوذ الأعداء و تغلغلهم هو اليوم من التهديدات الكبيرة التي تحدق بهذا البلد. إنهم يرومون النفوذ و التغلغل، فما معنى النفوذ؟ ربما كانوا يرمون إلى النفوذ الاقتصادي، و هو طبعاً أقل أنواع النفوذ أهمية، و قد يكون النفوذ الأمني أيضاً من أقل أنواع النفوذ أهمية. النفوذ الأمني ليس بالشيء الصغير، لكنه قليل الأهمية إلى جانب النفوذ الفكري و الثقافي و السياسي. للنفوذ الأمني عوامله الخاصة، و على المسؤولين بمختلف صنوفهم - و منهم الحرس أنفسهم - أن يمنعوا التغلغل الأمني للأعداء بكل اقتدار إن شاء الله.
و على الصعيد الاقتصادي ينبغي أن تكون الأعين البصيرة للمسؤولين الاقتصاديين مفتحة و مراقبة لئلا يمارس العدو تغلغله و اندساسه الاقتصادي، لأن نفوذ العدو يضعضع أسس الاقتصاد القوي. في البلدان و الأماكن التي استطاعوا فيها التغلغل اقتصادياً و فرض أنفسهم كالكابوس على اقتصاداتها، أنزلوا الويلات بتلك البلدان و الشعوب. قبل عشرة أعوام أو خمسة عشر عاماً قال لي رئيس أحد هذه البلدان و هو من البلدان المتقدمة في منطقتنا، و كان في زيارة لطهران و جاء للقائنا، قال لي يا سيدي إننا بسبب النفوذ الاقتصادي تحولنا في ليلة واحدة إلى فقراء و شحاذين، و كان على حق. الرأسمالي الفلاني يريد للسبب الفلاني أن يركّع ذلك البلد فيسحب رأسماله من ذلك البلد، أو يستولي بطريقة تفرض الركوع على ذلك البلد. هذا أيضاً على جانب كبير من الأهمية، لكنه أقل أهمية بالمقارنة إلى الاقتصاد الثقافي و الاقتصاد السياسي و النفوذ السياسي و النفوذ الثقافي، و الأهم من كل شيء هو النفوذ السياسي و الثقافي.
يحاول الأعداء على الصعيد الثقافي تغيير معتقدات المجتمع، و زعزعة تلك المعتقدات التي أبقت هذا المجتمع واقفاً على قدميه بحيوية. يريدون المساس بها و الإخلال و التغلغل و إيجاد ثغرات فيها. ينفقون الأموال بالمليارات لأجل تحقيق هذا الهدف. هذا هو النفوذ و التغلغل الثقافي.
و النفوذ السياسي هو أن يتغلغلوا و يؤثروا في مراكز اتخاذ القرار، و إنْ تعذر ذلك ففي مراكز صناعة القرار. عندما تخضع الأجهزة السياسية و الأجهزة الإدارية في بلد لتأثير الأعداء المستكبرين، ستكون كل القرارات في ذلك البلد مطابقة لإرادة و ميل المستكبرين، أي سيكون المسؤولون في ذلك البلد مجبرين على ذلك. حينما يكون البلد تحت النفوذ السياسي ستكون حركته و توجهاته في الأجهزة الإدارية طبقاً لإرادة أصحاب النفوذ، و هذا ما يريده الساعون للنفوذ. إنهم لا يرغبون في تسليط شخص منهم على بلد من البلدان كما كانوا يفعلون في أواخر القرن التاسع عشر و بدايات القرن العشرين في الهند، حيث كان لديهم مأموروهم و شخصياتهم هناك، و كان شخص بريطاني رئيساً في الهند. هذا الشيء غير ممكن في الوقت الحاضر، و الأفضل لهم أن يكون هناك شخص من نفس ذلك الشعب على رأس ذلك البلد، لكنه يفكّر مثلهم و يريد ما يريدون و يتخذ القرارات مثلهم و طبقاً لمصالحهم، هذا هو النفوذ السياسي. هدفهم هو التغلغل إلى مراكز اتخاذ القرار، و إذا لم يستطيعوا فإلى مراكز صناعة القرار، فهناك مواقع و مواطن هي التي تصنع القرار. هذه هي الأعمال التي يقوم بها العدو.
إذا كنا يقظين فسنحيل آمالهم يأساً. إنهم ينتظرون أن يغلب النوم في يوم من الأيام على الشعب الإيراني و نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ إنهم ينتظرون هذا. يعطون الوعود بأن لا تكون إيران بعد عشر سنوات على نفس الحال، و الآخرون لن يفعلوا شيئاً! هذا هو تصورهم. ينبغي عدم السماح لهذه الفكرة و هذه الآمال الشيطانية أن تتنامي في قلوب الأعداء، ينبغي أن تكون ركائز الثورة و الفكر الثوري قوية بحيث لا تؤثر حياة أو ممات هذا و ذاك و زيد و عمرو في المسيرة الثورية لهذا البلد. هذا هو الواجب الأساسي للنخبة في الحرس الثوري و كل النخب الثورية في البلاد.
اللهم أنزل علينا بركاتك و هدايتك. اجعل ما قلنا و سمعناه لك و في سبيلك، و تقبله منا بكرمك.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - أقيم هذا اللقاء بمناسبة الملتقى العام الحادي و العشرين لقادة و مسؤولي حرس الثورة الإسلامية (الذي أقيم في يومي الخامس عشر و السادس عشر من أيلول 2015 م). في بداية اللقاء تحدث اللواء محمد علي جعفري (القائد العام لحرس الثورة الإسلامية) رافعاً تقريره عن وضع الحرس و قدراته.
2 - الدعاء السابع و الأربعين.
3 - حافظ الشيرازي، الديوان، الغزليات، (بقليل من الاختلاف).
4 - نهج البلاغة، الكتاب رقم 62 (بقليل من الاختلاف).
5 - سورة النحل، شطر من الآية 97 .
6 - سورة الأنفال، شطر من الآية 24 .
7 - كلمته في لقائه رئيس و أعضاء مجلس خبراء القيادة بتاريخ الثالث من أيلول 2015 م.
8 - سورة الشورى، شطر من الآية 53 .
9 - سورة البقرة، شطر من الآية 256 .
10 - تفسير الصافي، ج 1 ، ص 193 .