بسم الله الرحمن الرحيم (1)

أبارك لكم أيها الشباب الأعزاء. مبروك عليكم جميعاً إن شاء الله أجر دراستكم الناجحة في جامعات جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية، و هي رتبة الضباط في جيش الإمام صاحب العصر و الزمان، و كذلك على الشباب الأعزاء الذين نالوا رتبهم و التحقوا بهذا الدرب. الوجه الشاب لضباطنا اليوم في الجيش و الحرس و كل القوات المسلحة يبشر بالروح الشابة و المستقبل المفعم بالأمل لنظام الجمهورية الإسلامية.
إنها أيام عيد الأضحى و عيد الغدير، لكن الجاهليين في هذا العصر حوّلوا عيدنا بحوادث منى الدامية إلى عزاء. نتمنى أن يتقبل الله تعالى من شعب إيران و الشعوب المسلمة هذه التضحيات و هذه القرابين، و أن ينير الأفق أمام الأمة الإسلامية أكثر فأكثر إن شاء الله.
الكلام كثير بشأنكم أيها الشباب الأعزاء الذين دخلتم ساحة العمل في جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية. على الإجمال، من مميزات القوات المسلحة الإيمان و الشجاعة و العلم. هذه العناصر الثلاثة من العناصر المهمة جداً في تكوين هوية القوات المسلحة. إذا لم تكن هناك شجاعة فإن القوات المسلحة لن تعمل بواجبها عند الخطر، أي إنها لن تكون قادرة على ذلك. و إذا لم يكن الإيمان فستسود فيها روح الاعتداء على الضعفاء. إنكم ترون المعدات العسكرية الجديدة التي لا تسبب أية أخطار لمن يستخدمها، يركبون الطائرات و يأتون فيقصفوا الناس العزل في اليمن في الأسواق و المساجد و مجالس الأعراس و مجالس العزاء و أماكن العمل و الكسب. أي عندما لا تتوفر روح الإيمان، و لا يكون هناك تفكير في الله، فلا يختلف لديهم الأمر ضد من يستخدمون معداتهم الفتاكة القاتلة، و مع من يتحاربون بهذه المعدات. إنهم غائبون عن ميدان الخطر حيث ينبغي أن يبدوا قوتهم، لكنهم شجعان في مواجهة المظلومين و العزّل و المدنيين غير المسلحين. إنهم غائبون في الأماكن التي ينبغي أن يظهروا فيها قوّتهم، و لكن في المواطن التي يكون فيها الطرف المقابل إنساناً أعزل يتشدقون بالشجاعة بواسطة الطائرات و الصواريخ و باقي المعدات القاتلة! و لهذا السبب نعارض المعدات الحربية الفتاكة و أسلحة الدمار الشامل من قبيل الأسلحة النووية و الأسلحة الكيمياوية، فهي لا تميز. معروف أن الإمام علي بن أبي طالب (عليه الصلاة و السلام) كان يأخذ بنظر الاعتبار حتى مستقبل الطرف المقابل، ثم يضرب بالسيف بحساب و كتاب. هكذا سيكون الوضع عندما لا يكون هناك إيمان، و هكذا سيكون الحال عندما لا تكون ثمة شجاعة، و حين لا يتوفر العلم فإن الأدوات الموجودة ستبقى كليلة غير فاعلة مقابل أدوات الشياطين، هذا شيء لازم. أنتم شباب و قرّة عيوننا و أعزاؤنا، و المستقبل لكم، و هذا البلد لكم، فعززوا في أنفسكم هذه العناصر الأصلية ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً. عززوا إيمانكم و شجاعتكم و إبداعاتكم العلمية و تعلمكم و بحوثكم العلمية. هذا الجيش هو جيشكم. بعد فترة من الزمن ستقودون أنتم هذه المنظومة الهائلة، كل واحد منكم في قطاع و مكان.
تقرير آمر هذه الجامعة المحترم و الذي كان آمر الساحة اليوم، كان تقريراً جيداً. و لديّ تقارير من طرق أخرى. جامعات الجيش الست قامت بأعمال جيدة و الحمد لله، و أدّت نشاطات ناجحة تفرح الإنسان، و لكن لا تقنعوا بهذا المقدار أبداً. اعثروا على العيوب و الإشكالات و النواقص بعين باحثة - و أنا أخاطب هنا المسؤولين المحترمين في الجيش - و عين دقيقة ثاقبة، و أجعلوا هذه الجامعات في مستوى منشود و رفيع، و جهزوا الشباب الأعزاء الذين يدرسون في هذه الجامعات و يعدون أنفسهم للمستقبل، بالإيمان و المعنوية و العلم و الروحيات السامية ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً.
نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم بحاجة إلى معدات الحرب الصلدة و معدات الحرب الناعمة أيضاً. العالم الذي تحكمه قوة الشياطين، و العالم الذي يقف على رأسه أناس تمثل الماديات و الشهوات و الأموال و الإمكانيات المادية بالنسبة لهم الأصل و الأساس، مثل هذا العالم خطير على الناس السائرين إلى الله، و عليهم أن يحافظوا عليه جاهزيتهم و استعدادهم. إذا سمحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية و شعب إيران الشجاع الثوري لعتاة العالم الغاصبين أن يذيبوه في أنفسهم و أنظمتهم، و لو أراد شعب إيران أن لا يعبّر عن نواته الأصلية و هويته و جوهره و لا يأبه له، لما تعرّض للعداء. الظالم و المتعسف يريد أتباعاً، و إذا لم يتبعه شخص كان ذلك بداية العداء؛ يجب الاستعداد.
جاهزيتكم أنتم القوات المسلحة - سواء الجيش أو الحرس أو التعبئة أو باقي منظومات القوات المسلحة - لا تعني فقط أن تنتصروا على العدو في المعركة، بل معناها الآخر هو صيانة البلد من نوايا الأعداء السيئة. عندما تكونوا مستعدين و مجهزين و متسلحين بالإيمان و العلم و مستعدين للتضحية فلن يتجرّأ العدو أن يقطع نحوكم خطوة بسوء نية، نعم، يهدد و يقول أشياء بلسانه، لكن شعب إيران طوال ما يقارب الأربعة عقود من الثورة أثبت أنه قويّ و مقتدر و له هويته و جوهره، و يصمد. و نموذج ذلك الدفاع المقدس طوال ثمانية أعوام.
أنتم شبابي الأعزاء استمعوا حتماً لأحداث الدفاع المقدس من روّادكم و السابقين، و أذهبوا إلى المناطق الحربية و شاهدوها، و اهتموا بخطط العمليات العسكرية و الأعمال الشجاعة و الفدائية بدقة من زاوية عسكرية، و أنظروا ما الذي حدث؟ لقد اكتسب الشعب الإيراني لنفسه سمعة خالدة في فترة الدفاع المقدس. إذن، قدرات القوات المسلحة رادعة أيضاً.
الرأسماليون الكبار و الشركات الكبرى و ناهبو العالم و طلاب السلطة يتعسفون و يحكمون اليوم بما لهم من علوم و أجهزة إعلامية في السياسة العالمية، و يعادون كل شعب مستقل يروم الصمود. بعض البلدان تصمد، و بعضها تصمد قليلاً، و بعضها تصبر و تطيق، و بعضها تفقد طاقتها في النهاية. و قد أثبتت إيران الإسلامية أنها ذات طاقة كبيرة و واعية و بصيرة و تحترم هويتها و تحترم البشرية أيضاً. الصمود مقابل الاستكبار، و الاحترام للبشرية. احترام كل الشعوب و كل البشر. هم طبعاً يهددون و يكشرون عن أنيابهم، لكن القبضة الضاربة للمؤمنين تستطيع أن تفرض عليهم التراجع، و قد كان الأمر على هذه الحال دوماً، و سيكون ذلك بعد الآن أيضاً.
و نقول كلمة حول أحداث منى الأخيرة. لقد كانت هذه الحادثة مأتماً بالنسبة لنا من ناحيتين: الأولى مئات الحجاج الإيرانيين الأعزاء الذين فارقوا الدنيا مظلومين و ربما بأفواه ظامئة. عوائلهم التي كانت فرحة بأن سيعود أحباؤها و تفتح أذرعها لهم، يجب أن تواجه الآن جنائزهم. هذه مصيبة كبيرة. لا يزال عدد قتلانا غير معلوم، و قد يصل إلى عدة مئات. هذا هو السبب الأول الذي يجعل الشعب مفجوعاً في هذه القضية بالمعنى الحقيقي للكلمة.
و الناحية الثانية هي العالم الإسلامي، فحسب ما وصلنا من تقارير هناك أكثر من خمسة آلاف قتيل من العالم الإسلامي و من البلدان المختلفة. الحج موطن أمن: «وَ اِذ جَعَلنَا البَيتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَ اَمناً» (2). يقول القرآن الكريم إننا جعلنا الكعبة مكاناً و مرجعاً لاجتماع للأمة الإسلامية و مكاناً آمناً؛ يجب أن يكون آمناً، فأين الأمن؟ هل من الأمن أن تمتدّ يد التطاول على أرواح الناس أثناء مناسك الحج؟
يجب التحقيق في هذا الأمر. إنني لا أقول شيئاً قبل الموعد عن أسباب هذا الحادث، و لكن يجب بالتأكيد أن يكون هناك أفراد من العالم الإسلامي - بما في ذلك بلادنا - ليذهبوا إلى هناك و يحققوا عن قرب و يشخصوا ما هو سبب الحادث؛ هذا ما لا نقاش فيه. إنما الكلام حول الواجبات التي تتحملها كل حكومة و كل شعب و كل طبيب و كل ممرض و كل إنسان سليم معنوياً و قلبياً حيال عدد من المصابين، هذا ما لم يراعوه. لم يراعوا حال المصابين في المستشفيات و في الكانتينرات الباردة و في الصحراء، و لم يراعوا أحوال الناس اليائسين، و لم يراعوا حال العطاشى. و اليوم توجد مشكلات بخصوص نقل أجسادهم المطهرة إلى البلاد. مسؤولو بلادنا يتابعون الأمر، و قد نشطوا و عملوا و لا زالوا يسعون، و يجب استمرار هذه الأعمال و النشاطات، لكن مسؤولي بلد العربية السعودية لا يعملون بواجباتهم، بل في بعض الحالات يعملون على العكس من واجباتهم، و يمارسون الإيذاء.
إذا أراد بلدنا و شعبنا أن تكون له ردود أفعاله حيال العناصر المؤذية فإن أحوالهم لن تكون بخير. لقد ضبطنا أنفسنا لحد الآن. ضبطنا أنفسنا في قضايا متعددة، و يد إيران الإسلامية مبسوطة أكثر من كثيرين، قدراتنا و إمكانياتنا أكثر من كثيرين، و هم يعلمون أنهم إذا أرادوا منازلة الجمهورية الإسلامية فلن يكونوا كفواً لها في أية ساحة من الساحات. لقد حافظنا على الأدب الإسلامي و راعينا حرمة الأخوّة في الأمة الإسلامية، و نستطيع أن تكون لنا ردود أفعالنا. و إذا تقرر أن نبدي ردود أفعال فستكون ردود الأفعال هذه عنيفة و شديدة.
لقد اختبروا الشعب الإيراني. في قضية حرب الأعوام الثمانية دعم كل هؤلاء - هؤلاء الذين حولنا - و كل قوى الشرق و الغرب عنصراً خبيثاً فاسداً و دافعوا عنه و تلقوا الصفعات كلهم، و تلقى ذلك العنصر الفاسد نفسه الصفعات، و تلقى الصفعات تبعاً له كلّ الذين دعموه. لقد عرفوا إيران، و إذا لم يكونوا عرفوها فليعرفوها.
لا يزال في الوقت الحاضر عشرات الآلآف من أحبائنا في مكة و المدينة و في مناسك الحج، و أقل عدم احترام لهم ستكون له ردود أفعال، و عدم عملهم بواجباتهم تجاه الأجساد الطاهرة لقتلانا الأعزاء في الحج ستكون له ردود أفعاله، فليحذروا و ليعملوا بواجباتهم. و طبعاً لا ينتهي الأمر عند هذا الحد، إذ ينبغي متابعة الأمور. الجمهورية الإسلامية ليست من أهل الظلم و ليست كذلك من أهل تقبل الظلم. إننا لا نظلم أحداً و لا نقبل بالظلم من أي طرف. إننا نعتبر البشر - من مسلمين و غير مسلمين - ذوي حقوق، لهم حقوقهم، و لا نتطاول على تلك الحقوق. و لكن إذا أراد طرف التطاول على حق الشعب الإيراني و الجمهورية الإسلامية الإيرانية فسنعلم كيف نتصرف معه، سنتصرف بشدة. و لدينا القدرة على ذلك و الحمد لله. الشعب الإيراني شعب مقتدر، و الجمهورية الإسلامية قوة ثابتة و راسخة، و نستطيع الدفاع عن أنفسنا.
أيها الشباب الأعزاء، اعلموا أن ساحة الشرف و ساحة العظمة و ساحة الهوية الإسلامية و الإيرانية ساحة تحتاج إلى شجاعة و تضحية و علم و إيمان، فاعدوا أنفسكم. كل الشباب مخاطبون بهذا الكلام، لكنكم يا شبابنا الأعزاء في القوات المسلحة - من ناحية - مخاطبون بهذا الكلام أكثر من الآخرين، فعليكم أن تعدوا أنفسكم. كونوا حصناً بالمعنى الحقيقي للكلمة. كما أشرتم في هذا الشعر الذي قرأتموه إلى أن القوات المسلحة حصن و سور و هم ملجأ البلاد و الشعب، كونوا ملجأ بالمعنى الحقيقي للكلمة.
اللهم أنزل رحمتك و هدايتك و لطفك على كل الشعب الإيراني و كل شبابنا و على هؤلاء الشباب الأعزاء و على كل القوات المسلحة.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - في بداية هذا اللقاء - الذي أقيم في جامعة العلوم البحرية في جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية بمدينة نوشهر، شمال البلاد - تحدث أمير البحر خرداد حكيمي آمر الميدان رافعاً تقريراً.
2 - سورة البقرة، الآية 125 .