بسم الله الرحمن الرحيم (1)

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و آله الطاهرين.
أرحّب بكل الإخوة و الأخوات الأعزاء، خصوصاً عوائل الشهداء المعززة و العلماء المحترمين و المسؤولين المحترمين و كل واحد من الأهالي و الشباب الأعزاء الذين قطعوا هذا الدرب الطويل و عطروا اليوم أجواء حسينيتنا بأريج الإيمان و الحماس و التحفز الخاص بكم. هذا السلام في الواقع هو لكل أهالي تبريز و لكل أهالي آذربيجان.
الحقيقة أن يوم التاسع و العشرين من بهمن من كل عام يوم طيب و محبب بالنسبة لنا - أي بالنسبة لي أنا - حيث أجدد الذكريات عن قرب بما شاهدته و شعرتُ به و اطلعتُ عليه دائماً من أهالي آذربيجان الأعزاء و أهالي تبريز، أي هذا الحماس و التحفز و الإيمان و النشاط و اليقظة. الميزة الإيجابية الكبيرة لجماعة من الناس هي أن تكون واعية يقظة راسخة الأقدام و لها إبداعها في نشاطها، و أن تعرف الدرب و لا تخشى مخاطره و تتقدم إلى الأمام، و هذه كلها موجودة فيكم أنتم أهالي آذربيجان و أهالي تبريز الأعزاء، و قد شوهدت فيكم و جُرّبت مراراً. نشكر الله. الحق أنني عندما ألاحظ هذا الحماس و المشاعر و الأقوال و الكلمات النامّة عن الإيمان العميق المتحمّس أشكر الله و أحمده، فهذا مؤشر النصرة الإلهية. يقول الله تعالى في القرآن الكريم لرسوله الأكرم (ص): «هُوَ الَّذي اَيدَك بِنَصرِه‌ وَ بِالمُؤمِنين» (2). الله أيدك و عضّدك بنصرته و بعزيمة المؤمنين و إرادتهم و أياديهم القويّة و خطاهم الثابتة. هذا هو دور المؤمنين. دوركم أيها الشباب و أيتها الجماهير العزيزة المتحفزة هو مثل هذا الدور العظيم الذي يذكره الله في القرآن الكريم.
يوم التاسع و العشرين من بهمن [18 شباط 1978 م] يوم لا ينسى. و طبعاً لأهالي آذربيجان و لأهالي تبريز أيام كثيرة لا تنسى، و لا يقتصر الأمر على يوم التاسع و العشرين من بهمن. في تاريخنا المعاصر و في التاريخ القريب من زماننا و في عهد الثورة الدستورية و قبلها و بعدها ثمة أيام لو جرى تبيين كل واحد منها و توصيفه لكان مبعث فخر لشعب بأكمله. و هذه الأيام أيامكم، إنها أيام آذربيجان و أيام تبريز. طبعاً نحن قصّرنا، إذ يجب تسليط الأضواء على هذه التحركات الجماهيرية الشعبية العظيمة في مختلف الحقول الفنية و الإعلامية و تكرارها و ذكرها، و نحن مقصّرون في هذه المجالات قليلاً و الحق يقال. لكن التاسع و العشرين من بهمن حيّ و متدفق إلى درجة إننا مهما كنا مقصّرين فإن تجلياته و بريقه لا يقل، إنْ لم نقل إنه يزداد و يتضاعف يوماً بعد يوم. قام أهالي تبريز في يوم التاسع و العشرين من بهمن بتحرك له دور استثنائي في صحوة الشعب الإيراني و حركة الشعب الإيراني العظيمة.
و الحمد لله على أن أهالي آذربيجان لم يتوقفوا، فطوال أعوام متمادية - منذ سنة 56 إلى اليوم حيث مضى منذ ذلك الحين إلى الآن 38 أو 39 عاماً، في كل هذه المدة - كان هؤلاء الناس في الصفوف المتقدمة الأمامية من الجهاد و الكفاح و الصمود و النشاط، و هذه قيمة، و هذا هو الشيء الذي يحتاجه هذا الشعب، و هذا هو الشيء الذي يرتهن له مستقبل البلد.
و نفس هذه القضية تصدق بخصوص الثاني و العشرين من بهمن [11 شباط یوم انتصار الثورة الإسلامیة في إیران] أيضاً. ينبغي إحياء الثاني و العشرين من بهمن أكثر فأكثر و بشكل أشدّ حيوية و بريقاً و تميزاً يوماً بعد يوم و سنة إثر سنة. هذا ما يحتاجه بلدنا. و أرى من اللازم أن أتقدم بالشكر من أعماق الفؤاد لشعب إيران الكبير على الملحمة التي خلقها هذه السنة في الثاني و العشرين من بهمن. المراكز التي تخمّن الحشود - تخمينات قريبة من الواقع - جاءتني بتقارير تفيد أن الحشود هذه السنة كانت في كل مدن البلاد تقريباً أكثر من العام المنصرم و بمستويات ملحوظة. في مدينتكم تبريز كانت الأعداد أضخم من السنة الماضية بنسبة مئوية عالية. و كذا الحال في بعض المدن الأخرى. هذا ما تقدره مراكز مسؤولة و مرجعية في هذه المهمة و تنقل أخبارها لنا. هذا شيء مهم جداً و له قيمة كبيرة. هذا يدل على أن أبسط خلل و هشاشة لم تتطرق لعزيمة الشعب الراسخة، و في ظروف تمارس فيها القوى العالمية المهيمنة و القوى الظالمة المستكبرة في العالم كل مساعيها ضد إيران الإسلامية و من أجل أن ينسى الشعب ثورته، إما أن ينساها بالتمام أو يضعّفوا ذاكرته و يقللوا أهمية الثورة في أذهان الناس. هذه مساعي تبذل اليوم بجدّ من قبل القوى العالمية، و في مثل هذه الظروف يقيم شعب إيران هذه المراسم بنحو معاكس تماماً لما يريدونه و بشكل حماسي و ملحمي أكثر من أية سنة.
طيب، مبروك عليكم أيها الشعب احتفال الثورة، و قد كان مباركاً و الحمد لله. كان احتفال الثاني و العشرين من بهمن احتفالاً عاماً في كل أنحاء البلاد. قلتُ قبل الثاني و العشرين من بهمن إن أمامنا عيدين: (3) أحدهما عيد الثورة في الثاني و العشرين من بهمن، و العيد الثاني عيد الانتخابات، فالانتخابات بدورها عيد كبير للبلاد. لقد تحدثنا كثيراً عن الانتخابات، لا عن هذه الانتخابات التي ستقام الأسبوع المقبل، بل جميع الانتخابات في كل أرجاء البلاد على مرّ الزمن قلنا بشأنها ما يجب أن نقول، و سنقول أيضاً و أيضاً. إنني لن أتعب و لن أملّ من قول الحقيقة، و أقول اللازم للشعب إن شاء الله.
لقد أنهت الثورة الإسلامية حقبة إذلال الشعب الإيراني. في السابق كان الشعب الإيراني يتعرض للإذلال و الامتهان من قبل الأجانب و القوى المهيمنة. كان يتعرض للإذلال العلمي، و الإذلال السياسي، و الإذلال الاجتماعي. ما كانت ترغب به القوى المهيمنة و خصوصاً أمريكا في السنين الأخيرة كانت تمليه على رؤساء النظام البهلوي، و كانوا يعملون به حرفياً. و قبل أمريكا كان البريطانيون يمارسون هذا الدور في البلاد. جاءت الثورة الإسلامية و إزاحت هذا الإذلال الذي لا يطاق، و منحت البلاد و الشعب العزة و الاستقلال، و كرّست إنسانيته. عندما يشعر الشعب بالهوية تتفجر و تزدهر المواهب في داخله، و هذا ما حصل، فقد ازدهرت المواهب و تقدم البلد إلى الأمام. البلد اليوم في عداد أكثر بلدان العالم عزة، و شعب إيران من أكثر شعوب العالم سمعة حسنة في أنظار أعدائه فما بالك بأصدقائه. هذا شيء لا يطاق بالنسبة لأعدائنا. هذا شيء لا يمكن تحمله بالنسبة لأمريكا التي كانت هذه البلاد في يوم من الأيام أشبه بحديقتها الخلفية، و بالنسبة للكيان الصهيوني الذي كان هذا البلد في زمن من الأزمان مكان استراحته و دعته حيث كانوا يأتون إلى هنا للاستراحة. أن يقف شعب بصراحة و يطرح دون أية اعتبارات أو توجّسات آراءه ضد الاستكبار و يمنح باقي الشعوب الجرأة، فهذا شيء لا يمكن تحمله بالنسبة لأعداء الشعب الإيراني، لذلك فهم يبذلون كل ما في وسعهم. إلى متى ستستمر مساعي الأعداء هذه؟ إلى أن تصلوا أنتم الشعب الإيراني إلى قوة تستطيعون معها فرض اليأس عليهم. و كل مساعي العدو منصبّة على الحيلولة دون أن تصلوا إلى تلك المرحلة. كل المعارك التي لاحظتم أنهم أطلقوها على الشأن النووي، و الكلام الذي يطلقونه في خصوص حقوق الإنسان، و التهديدات التي يقذفونها، و الحظر الذي فرضوه، و لا زالوا يهددون به، كلها من أجل سرقة سرعة هذا الشعب في مسيرته السريعة التي يقطعها على هذا الدرب، و إيقافه. طبعاً دوافع الشعب الإيراني دوافع لا تتضعضع و لا تضعف بهذه العوامل.
طيب، هناك قضية الانتخابات على الأبواب. الأشياء التي أراها و التي أشعر بها يجب أن أذكرها لشعبنا العزيز. بعض الكلام يجب أن أقوله للمسؤولين، و أقوله، و بعض الكلام ينبغي للرأي العام لشعبنا أن يتنبه له، و من واجبي أن أذكره لشعبنا. الأعداء يرومون أن يبقى الرأي العام عندنا غافلاً عن أهدافهم و نواياهم القذرة. يخططون لبرامج و يضعون قطعاً منفصلة في أماكن مختلفة ليربطوا بينها لتتحقق خطتهم و مؤامرتهم الأصلية. نحن يجب أن لا نسمح بذلك. من الذي يجب أن لا يسمح؟ الشعب. البلد لكم، البلد بلد الشعب، شعبنا العزيز هو مالك البلاد و صاحبها، و هو الذي يجب أن لا يسمح، لكن أمثالي بدورهم من واجبهم توعية الشعب العزيز. أرى أن الأعداء يعملون و يبذلون مساعيهم في خصوص قضية الانتخابات و يريدون إقامة الانتخابات مثلما يريدون هم. طبعاً ما في أعماق قلوبهم هو أن لا تقام الانتخابات. حاولوا خلال فترة قبل سنوات من الآن عسى أن يستطيعوا عدم إقامة الانتخابات، لكن الله تعالى لم يسمح بذلك. و هم يائسون من ذلك و يعلمون أن مساعيهم لإيقاف الانتخابات في البلاد لن تجدي نفعاً، لذلك يريدون ممارسة نفوذهم في الانتخابات و إفسادها كيف ما استطاعوا. على الشعب أن يكون يقظاً واعياً و يعمل بالطريقة المعاكسة لما يريدونه.
من الأعمال و الممارسات التي يتابعونها اليوم بجدّ هي أن يشوّهوا سمعة مجلس صيانة الدستور. لاحظوا أيها الإخوة و الأخوات، إن لتشويه سمعة مجلس صيانة الدستور معناه. كان الأمريكان منذ مطلع الثورة يعارضون عدة مراكز أساسية في البلاد و في نظام الجمهورية الإسلامية، و أحد هذه المراكز هو مجلس صيانة الدستور. حاولوا و سعوا و استغلوا بعض الأفراد الغافلين عديمي الانتباه في الداخل عسى أن يستطيعوا القضاء على مجلس صيانة الدستور - و لم يستطيعوا طبعاً و لن يستطيعوا - و الآن هم في صدد التشكيك في قرارات مجلس صيانة الدستور. ما معنى فعلهم هذا؟ ليتنبّه شبابنا الأعزاء لهذا الشيء جيداً. عندما يجري التشكيك في قرارات مجلس صيانة الدستور و تذاع ادعاءات بأنها غير قانونية، فما معنى ذلك؟ معناه أن الانتخابات التي أمامنا غير قانونية، و حين تكون الانتخابات غير قانونية و بخلاف القانون، فما هي النتيجة؟ النتيجة هي أن مجلس الشورى الذي يتألف على أساس هذه الانتخابات غير قانوني. و معنى لاقانونية مجلس الشورى هو أن أي قانون يصادق عليه المجلس طوال أربعة أعوام لا اعتبار له. أي إبقاء البلاد لمدة أربعة أعوام في فراغ مجلس شورى و فراغ قانوني. هذا هو معنى تشويه سمعة مجلس صيانة الدستور، و هذا ما يرنو إليه العدو. طبعاً الذين يضمّون أصواتهم لأصوات العدو في الداخل معظمهم لا يعون ما يفعلون. إنني لا أتهم أحداً بالخيانة، إنهم غير واعين و غير متنبّهين، لكن هذا هو واقع القضية. تشويه سمعة مجلس صيانة الدستور، و أن نشكك في هذا المجلس و نقول إن قراراته بخلاف القانون، فهذا ليس تشويهاً لمجلس صيانة الدستور بل هو تشويه و إفساد للانتخابات و تخريب لمجلس الشورى، و هدم لأربعة أعوام من العملية التشريعية في مجلس الشورى. هذا ما يسعون إليه. لاحظوا أية مخططات ذكية يرسمونها؟ هذا ما يجب أن أقوله للرأي العام، و الرأي العام يجب أن يعلم هذا. الذي يتكلم ضد مجلس صيانة الدستور غير متنبه ما الذي يفعله، لكن هذا هو الواقع. مساعي العدو مركزة على حرمان الجمهورية الإسلامية من الديمقراطية الدينية هذه الظاهرة المنقطعة النظير و البديعة و الجذابة للشعوب المسلمة. مساعيهم تنصبّ على هذا. لو كان بمقدورهم لأوقفوا الانتخابات لكنهم لم يستطيعوا و لن يستطيعوا. و لو تمكنوا لقضوا على مجلس صيانة الدستور أو جعل إشرافه عديم التأثير لكنهم لم يفلحوا و لم يستطيعوا. و الآن حيث لم يستطيعوا يستعينون بهذه الأساليب و الطرق و يريدون الدخول من هذه الأبواب. يجب أن نكون متيقظين.
مجلس الشورى الإسلامي مهم للغاية، مجلس الشورى الإسلامي له مكانة على جانب عظيم من الأهمية. لماذا؟ لأنه يقوم بوضع السكك و الطرق التي تسير عليها الحكومة. خذوا الحكومات فيما يشبه القطار الذي ينبغي أن يسير على سكة حديدية. مجلس الشورى الإسلامي هو الذي ينبغي أن يصمّم و يضع هذه السكة بتشريعاته و قوانينه. طبعاً الحكومة و مجلس الشورى يتعاونان في وضع القوانين. الحكومة تقدم لوائح و المجلس يعدل في اللوائح و يزيد فيها أو ينقص و يصلحها ثم يصادق عليها. توضع هذه السكة الحديدية و على الحكومة أن تسير على هذه السكة. إذا كان مجلس الشورى يسعى إلى رفاه الناس و العدالة الاجتماعية و الانفراج الاقتصادي و التقدم العلمي و التطور التقني و تكريس العزة الوطنية و استقلال الشعب، فإن وضعه للسكك سيكون باتجاه هذه الأهداف، و إذا كان مجلس الشورى خائفاً من الغرب و فزعاً من أمريكا و يسعى لتسويد التيار الارستقراطي فإن وضعه للسكك سيكون بهذه الاتجاهات، و سوف يأخذ البلاد إلى التعاسة. هذه هي أهمية مجلس الشورى، فهل هذه الأمور أشياء قليلة؟ أهمية مجلس الشورى الإسلامي تكمن كما قال الإمام الخميني في أنه على رأس الأمور (4). و معنة «رأس الأمور» ليس أنّ للمجلس دوراً أو للنائب فيه دوراً في سلم المراتب التنفيذية، لا، ليس لمجلس الشورى أي دور في سلم المراتب التنفيذية، إنما جهاز الحكومة الضخم هو الذي يقوم بالمهام التنفيذية، لكن المجلس هو الذي يحدّد المسار، هو الذي يعيّن الطريق و الاتجاه، و من واجب الحكومات و هي مجبرة طبقاً للقانون بأن تسير على هذا المسار، بأن تسير على هذه السكة الحديدية. طيب، من الذي يراد له أن يضع هذه السكة الحديدية؟ من الذي من المقرر أن يرسم خطوط هذه السكك؟ بأي اتجاه من المقرر أن توضع هذه السكك؟ هذا ما يوضح أهمية النيابة في مجلس الشورى الإسلامي و أهمية النواب فيه. حسناً، العدو يعمل كل ما في وسعه طبعاً. هذا عن مجلس الشورى الإسلامي.
و مجلس خبراء القيادة أهم حتى من ذلك من حيث الأهمية المبدئية و الأساسية و الجذرية. مجلس خبراء القيادة لا شأن له بأمور البلاد الجارية، لكنه معنيّ بقضية تعيين القيادة. أي شخص سيعينونه قائداً، و من الذي يراد له أن يكون صاحب القرار و راسم السياسات الأصلي في البلاد؟ هذا منوط بمن سيكونون أعضاءً في مجلس خبراء القيادة. مجلس خبراء القيادة هو ذلك المجلس الذي يعيّن القائد عند الضرورة. إذا كانوا أناساً محبّين للثورة و عاشقين للشعب و واعين لمؤامرات العدو، و ثابتين و صامدين مقابل العدو فسوف يعملون بشكل، و إذا لا سمح الله لم تتوفر هذه الأمور فسيعملون بشكل آخر. لذلك فإن العدو الآن حسّاس بخصوص مجلس خبراء القيادة أيضاً.
الإذاعة البريطانية تعمل على توجيه أوامر لأهالي طهران بأن ينتخبوا فلاناً و لا ينتخبوا فلاناً! ما معنى هذا؟ البريطانيون مشتاقون أشد الشوق للتدخل في شؤون إيران. ذات يوم عندما كان يريد ملك البلاد اتخاذ قرار مهم كان ينادي على سفير بريطانيا و يسأله هل أفعل هذا الشيء أم لا أفعله. كان البريطانيون ذات يوم يتدخلون في أمور البلاد على هذا النحو، ثم جاء الأمريكان، و كان كلا هذين الطرفين يتدخلان في زمن من الأزمنة. و اليوم قطعت هذه الأيدي، و حيل دو هذه التدخلات ببركة الثورة و ببركة صحوة الشعب. و قد اشتاقوا لمعاودة ذلك التدخل فراحوا يوجّهون الأوامر من الراديو للشعب بأن يمنح أصواته لفلان و لا يمنح أصواته لفلان. هذا هو السبب في ما نقوله من أن الجماهير يجب أن يشاركوا في الانتخابات ببصيرة و وعي و معرفة. ليعلموا ما الذي يريده العدو. عندما علمتم ما الذي يريده العدو فستعملون على الضدّ منه، هذا واضح. أهمية هذه الانتخابات تعود بسبب أنها مثل مظاهرات ما قبل أيام - في الثاني و العشرين من بهمن - مظهر لصحوة الشعب الإيراني، و مظهر للدفاع عن الثورة الإسلامية و نظام الجمهورية الإسلامية، و مظهر للدفاع عن استقلال البلاد، و تجسيد للدفاع عن العزة الوطنية. لهذا السبب أقول لكل شعب إيران بأن يحضروا و يشاركوا و يعلنوا آراءهم، فالقضية مهمة.
أعداؤنا أعداء لا يأبهون، و على رأسهم الشبكة الصهيونية الخطيرة البعيدة عن الإنسانية المهيمنة على الحكومات و على القوى الغربية، و خصوصاً على الأمريكيين. الشبكة الصهيونية - و ليس الكيان الصهيوني، فالكيان الصهيوني نفسه جزء من المجموعة الاستكبارية الأمريكية - و هي التجار و الأثرياء من الطراز الأول في العالم، و الإعلام العالمي في أيديهم، و بنوك العالم في أيديهم، و هم مهيمنون للأسف على كثير من البلدان، و مهيمنون على الحكومة الأمريكية، و مسلطون على السياسة الأمريكية، و مهيمنون على سياسات كثير من البلدان الأوربية، ينبغي التحلي باليقظة مقابل هؤلاء. الأمريكان يعملون طبقاً لآرائهم و ميولهم.
الآن في خصوص هذه القضية النووية و المفاوضات النووية - و قد قيل ما يجب أن يقال من كلام، و طرحت الأمور و الأفكار و تمّ هذا السياق الطويل - قبل يومين فقط قال مسؤول أمريكي مرة ثانية إننا سنفعل ما من شأنه أن لا يتجرّأ أصحاب الرساميل و المستثمرون الكبار في العالم بالذهاب إلى إيران و الاستثمار فيها. هل تلاحظون العداء؟ هذه هي أمريكا. من أهداف الذين سعوا إلى هذه المفاوضات - و قد بذلوا جهوداً و تحملوا مشاقاً و الحق يقال، هؤلاء الذين أنجزوا هذه المفاوضات تحملوا جهداً بحق و تصببوا عرقاً و خصصواً وقتاً حقاً - الانفراج الاقتصادي من خلال استثمار الأجانب، لكن الأمريكان يحولون اليوم دون هذا. قالوا هذا مراراً لحد الآن، و بالأمس أو قبل أمس، قبل يومين أو ثلاثة، إذا بواحد آخر منهم يقول مرة أخرى إننا سنفعل ما يجعل المستثمرين لا يتجرأون على التوجّه إلى إيران للاستثمار. هذا هو معنى قولي عشر مرات إنه لا يمكن الثقة بالأمريكان. حين نقول لا يمكن الوثوق بهم فهذا هو معنى قولنا.
يعترض الساسة الأمريكان أنْ لماذا يقول الشعبُ في المظاهرات و التجمعات الإيرانية «الموت لأمريكا». طيب، عندما تتصرفون بهذه الطريقة فما تتوقعون أن يقول الشعب الإيراني؟ هذا هو ماضيكم، و هذه هي سوابقكم، و هذا هو سلوككم اليوم. عداؤكم مكشوف و هو حتى من دون أقنعة و أستار. نعم، إنهم يبتسمون في اللقاءات الخاصة و يصافحون و يتحدثون بكلام معسول و يستخدمون لهجة طيبة، لكن هذا يختص بالدبلوماسية و اللقاءات الخاصة، و لا أهمية و لا قيمة له، و لا تأثير له في الواقع. الواقع هو أن يبرموا معاهدة و يتفاوضوا و يتساوموا لمدة سنتين، و بعد ذلك عندما تنتهي الأمور إذا بهم يقولون إننا لن نسمح، و يهددون بأننا نريد فرض حظر جديد لكي يخاف المستثمر الخارجي و لا يقترب، و هم يصرحون بهذا! هذه هي أمريكا، و لا يمكن للإنسان أن يغمض عينيه في مقابل هذا العدو و يحمله على الصحّة. هذا عن وفائهم بعهودهم و عدم إمكانية الثقة بهم. أيها الشعب الإيراني العزيز! الطرف المقابل لكم مثل هذا العنصر، فيجب التحلي باليقظة و الوعي. إننا لا نروم خلق متاعب لأنفسنا دون سبب، فلا يقول البعض إنكم تستفزون أمريكا دائماً، لا، أمريكا ليست بحاجة لاستفزاز، أمريكا عدوة. لقد كانت أمريكا ذات يوم صاحبة إيران و مالكتها، و جاءت الثورة فانتزعت هذا البلد من أيديها، و لا تريد السكون إلى أن تتسلط مرة ثانية. هذه هي أمريكا.
علاج أموركم يكمن في يقظة الشعب و حفظ الدوافع الإيمانية لدى الشعب، و الاستعانة بالشباب المتحفز المتدين، و تقوية البلاد داخلياً. هذا هو السبيل الوحيد. الشعب الإيراني يجب أن يكون قوياً ذاتياً، و يجب أن يكون اقتصاده قوياً، و ينبغي أن يكون علمه قوياً، و يجب أن تكون أجهزته الإدارية قوية كفوءة، و فوق كل شيء يجب أن يتعزز إيمانه أكثر فأكثر باستمرار. هذا هو سبيل العلاج، و هذا هو السبيل الذي سار فيه الشعب الإيراني لحد اليوم. و كان ثمة أعداء أرادوا يوم كانت هذه الثورة غرسة صغيرة أن يستأصلوها من الأرض فلم يستطيعوا، و قد أضحت تلك الغرسة الصغيرة في الوقت الحاضر شجرة ضخمة: «كشَجَرَةٍ طَيبَةٍ اَصلُها ثابِتٌ وَ فَرعُها فِي السَّمآءِ * تُؤتي اُكلَها كلَّ حينٍ بِاِذنِ رَبِّها» (5). هذه هي الثورة اليوم. ستكون حماقة من العدو أن يفكر اليوم باستئصال الثورة. ليحافظ الشعب على اتحاده و تلاحمه و وحدة صوته و وحدة كلمته في الدفاع عن الثورة و عن أصول الثورة و مبادئها. مسؤولو البلاد المحترمون المحبّون لمصير هذا البلد ليقوموا بالأعمال في سبيل الله و لرضا الله و من أجل الشعب، و ليثقوا بالطاقات الداخلية و يعتمدوا عليها.
نحن قلنا طبعاً أن الاقتصاد المقاوم داخلي التدفق خارجي النزعة. لم أقل أبداً يجب أن نبني سوراً حول الوطن، و لكن لا تنسوا هذا التدفق و التوالد الداخلي، إذا لم يتدفق الاقتصاد الوطني من الداخل فلن يصل إلى أيّ نتيجة. نعم، التواصل مع العالم في المجالات الاقتصادية جيد جداً، و لكن التواصل الواعي الذي يعني التدفق الداخلي للاقتصاد. و سبيل ذلك أن يقف الشعب و يصمد، و يصمد المسؤولون و يتحركوا بوعي و يقظة. أيها الشباب الأعزاء، سوف ترون بتوفيق و فضل من الله اليوم الذي لن تستطيع أمريكا و من هم أكبر من أمريكا و كل حلفاء أمريكا أن يرتكبوا أية حماقة حيال الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ربنا أنزل رحمتك و لطفك على هذا الشعب العزيز. اللهم زد يوماً بعد يوم من هذه الدوافع و الحوافز و الإيمان و الحماس المعنوي الهائل في هذا البلد. أشكركم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء، و أهدي السلام لكل أهالي آذربيجان و تبريز الأعزاء. مَندَن‌ده سلام يئتيرون (6).

الهوامش:
1 - في بداية هذا اللقاء تحدث آية الله الشيخ محسن مجتهد شبستري ممثل الولي الفقيه في محافظة آذربيجان الشرقية.
2 - سورة الأنفال، شطر من الآية 62 .
3 - كلمته في لقائه بقادة و منتسبي القوة الجوية و الدفاعات الجوية في جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتاريخ 08/02/2016 م .
4 - صحيفة الإمام الخميني، ج 17 ، ص 115 .
5 - سورة إبراهيم، أجزاء من الآيتين 24 و 25 .
6 - عبارة باللغة التركية الآذربايجانية بمعنى: أبلغوا سلامي لهم.