بسم الله الرحمن الرحيم

و الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد، و على آله الطيبين الطاهرين المعصومين، سيما بقية الله في الأرضين.
جلسة اليوم كانت جلسة طيبة و جيدة جداً. استفدنا من التلاوات و الفنون القرآنية التي قدمها الرجال و الشباب الأعزاء، و نرحّب بالضيوف القادمين من البلدان الأخرى، سواء الأساتذة القرآنيون أو المتسابقون الحاضرون.
من الإيجابيات الكبيرة لجلسات المسابقات القرآنية هذه تعرّف الإخوة المسلمين من البلدان المختلفة بعضهم على بعض. السياسات الاستكبارية المتنوّعة تحاول كثيراً أن تبعدنا عن بعضنا، و أن تجعل الشعوب المسلمة أجنبية بعضها على بعض، عسى أن تستطيع الإيقاع بينها، و على الشعوب المسلمة أن تعمل على الضد من هذا الشيء تماماً. يجب أن يحاول المسلمون ما استطاعوا، و بأية طريقة ممكنة، أن يتقاربوا من بعضهم و يأنسوا ببعضهم. و من سبل ذلك إقامة مثل هذه الجلسات. القرآن هو المحور، فالقرآن أمر مشترك بين المسلمين، و هو نعمة إلهية كبيرة لكل المسلمين. الكل يغترفون سوية من مائدة الإطعام المعنوي الإلهي هذه، و هذه الجلسات القرآنية، هذه المسابقات القرآنية، توفر فرصة للجميع لتحقيق هذه العملية.
بركة أخرى من بركات هذه الجلسات هو أن شبابنا و الناس على اختلاف شرائحهم و طبقاتهم سوف يأنسون بالقرآن. إنها لحقيقة بأننا بعيدون عن القرآن. الأمة الإسلامية بعيدة عن القرآن. حياتنا و واقع حياتنا بعيد بمسافة كبيرة عن حقائق القرآن! علينا أن نقرب أنفسنا، و سعادة الإمة الإسلامية منوطة بأن تقرب نفسها من القرآن و المفاهيم القرآنية و المعارف القرآنية و دروس القرآن. من سبل ذلك أن يكون للشباب و الناس و النساء و الرجال أنسهم بالقرآن الكريم. هذه من بركات هذه المسابقات و فوائدها. أتقدم بالشكر للذين أقاموا هذه المسابقات، و تحملوا ما تتطلبه من جهود و إدارة.
لاحظوا أن هناك أموالاً كبيرة تنفق اليوم في العالم لتوجيه ضربة للإسلام و المسلمين. إنهم يقومون بأعمال كبيرة. القوى الطاغوتية تخاف الإسلام. تخاوف من مجتمع المسلمين البالغ عدده مليار و نصف المليار نسمة. لذلك يبذلون كل جهدهم - بطرق شتى - لسلب القوة من مجتمع المسلمين، فهم يعلمون أن الإسلام يعارض مطامعهم. إذا ارتفع صوت الإسلام فلن يمكن ممارسة الظلم ضد الشعوب بهذا النحو. يسكتون صوت الإسلام ليستطيعوا إنساء قضايا المستضعفين في العالم، يريدون إنساء قضية فلسطين، إنساء اغتصاب بلد إسلامي. هذه هي أهدافهم. إذا تمسّكنا بالقرآن و بهداية القرآن فسنستطيع التغلب على هذه المؤامرات. إذا واصلنا هذا الجهاد فإن النصر سيكون لنا بالتأكيد. يجب التمسك بالقرآن. العالم الإسلامي يحتاج إلى التمسك بحبل الله و تقوية نفسه و تضمين صموده و مقاومته. هذه هي حاجة العالم الإسلامي اليوم.
يجب أن لا نكون ضعفاء، يجب أن نكون أقوياء. و القوة ليست بالسلاح فقط، و لا هي بالمال فقط. أساس القوة هو الإيمان بالله و الصمود. يقول الله تعالى: «فَمَن يكفُر بِالطّاغوتِ وَ يؤمِن بِاللهِ فَقَدِ استَمسَك بِالعُروَةِ الوُثقى‌ لَا انفِصامَ لَها» (2). إذا كان الإيمان بالله، و إذا كان الكفر بالطاغوت، فسيكون هذا تمسك بالعروة الوثقى. هذا سبب قوة و اقتدار. علينا إشاعة هذا في العالم الإسلامي. يجب أن نطلب هذا الشيء و نريده. للأسف يوجد أشخاص في العالم الإسلامي يتمسكون بالطاغوت بدل الاعتصام بالقرآن. الذين ينفذون سياسات أمريكا في هذه المنطقة و يعملون طبقاً لرغبات أمريكا و سياساتها - و أمريكا هي الطاغوت الأعظم و الشيطان الأكبر - هم متمسكون بالطاغوت، و ليس لديهم كفر بالطاغوت. الشرط الأول هو: «فَمَن يكفُر بِالطّاغوتِ وَ يؤمِن بِاللهِ»، لا بد من الكفر بالطاغوت.
صمود شعب إيران بوجه جشع أمريكا و تخرّصاتها هو الركيزة الأصلية لاقتدار الشعب الإيراني. نحن اليوم شعب مقتدر. قضية الإسلام في إيران تختلف عن قضية الشخصية الدينية الفلانية، أو الشخصية السياسية الفلانية. نحن دولة، دولة لها إمكانيات، و لها شعب من ثمانين مليون نسمة، و لها سلاحها، و لها اقتصادها، و لها سياستها، و لها علومها، هذه هي الجمهورية الإسلامية اليوم. العدو يخاف من الإسلام المقتدر، و هو يخشى الإسلام الشجاع، و يهاب الجمهورية الإسلامية لهذا السبب، و لذلك يهاجمها و يتهجّم عليها. هجماتهم علينا نابعة من خوفهم، لأنهم يخافون و يعلمون أن مواقف الجمهورية الإسلامية مواقف مؤثرة في العالم. لأننا نتكلم بصدق مع الشعوب المسلمة، و نعمل بصدق، و نعمل بما نقوله و نتابعه، لم تستطع وعود الطواغيت أن تخدع الجمهورية الإسلامية و شعب إيران، لا وعودهم خدعتنا و لا تهديداتهم أخافتنا. إننا لا نخاف من تهديداتهم، و لا ننخدع بوعودهم. هذا شيء لازم. يجب متابعة هذا الشيء. هذا هو ما تحتاجه الأمة الإسلامية: الكفر بالطاغوت و الإيمان بالله، فإذا كان هذا «فَقَدِ استَمسَك بِالعُروَةِ الوُثقى» (3).
للأسف، بعض الحكومات الإسلامية تخون شعوبها. بعض الحكومات الإسلامية تخون الأمة الإسلامية، و تمهّد الأرضية لنفوذ أمريكا، و تتعاون مع الطاغوت الأعظم و هو نظام الولايات المتحدة الأمريكية، و تنفذ سياساته. هذه هي مشكلة المسلمين اليوم، و هي مشكلة منطقتنا اليوم. هذا ذنب كبير جداً يرتكبونه.
واجب كل الأمة الإسلامية هو الكفاح من أجل التنوير، هذا هو بالدرجة الأولى. علماء الدين مسؤولون، و المثقفون مسؤولون، و المتعلمون و الدارسون مسؤولون، و أصحاب المنابر مسؤولون، مسؤولون أن ينوّروا و يوضّحوا و يبيّنوا حقائق العالم الإسلامي للناس الذين لا يعلمونها. هذا التنوير جهاد. ليس الجهاد مجرد أن الإمساك بالسيف و الحرب في ساحة القتال، فالجهاد يشمل الجهاد الفكري و الجهاد العملي و الجهد التبييني و الإعلامي و الجهاد المالي. بسبب إننا لم ننهض اليوم بهذه الفريضة - فريضة التبيين - بصورة صحيحة تعرّض البعض للضلال و راحوا يعملون ضد الإسلام و هم يظنون أنهم يعملون في سبيل الإسلام. هذه الجماعات الإرهابية في منطقتنا، و التي سلبت الأمن من الشعوب المسلمة، سلبت الراحة و الاستقرار من الشعوب المسلمة، و راحت تحارب المسلمين بدل محاربة العدو. هذه الجماعات التفكيرية و الجماعات القريبة من الوهابية، تولت على عاتقها مساعي الأعداء، و راحت تعمل العمل الذي يريد العدو القيام به، و بثت الخلافات بين المسلمين. عندما ينشغل المسلمون بالحرب فيما بينهم سوف تنسى قضية فلسطين، و هم يقصدون إنساء قضية فلسطين. ينبغي التبيين و التنوير و العمل. استفيدوا من هذه المحافل و الاجتماعات القرآنية. أنتم القادمين من بلدان متعددة أرشدوا شعوبكم و وعّوها و اهدوها بتعاليم القرآن و جهاد الذي يريده القرآن، و التبيين الذي يريده القرآن «لَتُبَينُنَّه ‌و لِلنّاسِ وَ لا تَكتُمونَه» (4)، بينوا هذه الأمور لشعوبكم.
سيهيّئ الله تعالى الأرضية لتحرك الأمة الإسلامية إن شاء الله. إذا جاهدنا و تحركنا و أخلصنا النية فإن الله سيعيننا. و إذا ركنّا إلى الكسل و لم ننهض بالأعمال الملقاة على عواتقنا، فمن الطبيعي أنه يجب أن لا ننتظر المعونة الإلهية. الله تعالى يعين الذين يعملون و يجدون، الله تعالى يساعد الشعوب التي تتحرك و الناس الذين يسعون، فلنعمل و لنتحرك و سوف يعيننا الله تعالى.
و لا نشكنّ في أن النصر للإسلام، و جبهة الكفر هذه بكل سعتها و بكل بهارجها و بريقها و بكل مدافعها و قعقعتها سوف تضطر للتراجع في النهاية مقابل الأمة الإسلامية و أمام الجبهة الإسلامية المكافحة المجاهدة. «وَ لَو قاتَلَكمُ الَّذينَ كفَروا لَوَلَّوُا الاَدبارَ ثُمَّ لا يجِدونَ وَلِيا وَ لا نَصيرًا» (5). هذه هي السنة الإلهية و التي لا شك فيها. و شرطها فقط أن نعمل و نجد و نتحرك و نسير، فإذا عملنا فإنها لسنة إلهية أن العدو يجب أن يتراجع، و سيتراجع.
نتمنى أن يحيينا الله تعالى جميعاً نحن و أياكم بالقرآن، و يميتنا على القرآن، و يحشرنا يوم القيامة مع القرآن.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
الهوامش:
1 - أقيم هذا اللقاء في نهاية الدورة الثالثة و الثلاثين من مسابقات القرآن الكريم العالمية، و تحدث في بدايته حجة الإسلام علي محمدي رئيس منظمة الأوقاف و الشؤون الخيرية، و قدم المتفوقون في هذه المسابقات و عدد من الأساتذة ما تيسّر لهم من تلاوات قرآنية.
2 - سورة البقرة، شطر من الآية 256 .
3 - سورة البقرة، شطر من الآية 256 .
4 - سورة آل عمران، شطر من الآية 187 .
5 - سورة الفتح، الآية 22 .