بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد، و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيما بقية الله في الأرضين.
مرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء. نشكر السيد رئيس الجمهورية على كلمته، فقد قدّم إيضاحات مفصلة و جيدة. من بركات هذا اللقاء الرمضاني الانتهال من الأجواء المعنوية لشهر رمضان. صحيح أن هذه الجلسة جلسة استثنائية، حيث يحضر هنا مختلف المسؤولين و الشخصيات البارزة في النظام الإسلامي، و أصحاب المناصب و المسؤوليات من التيارات المختلفة و الأذواق المتنوعة، و تتوفر فرصة الحوار و النقاش و تجديد اللقاءات و تبادل المودة و ما إلى ذلك - هذه من بركات هذه الجلسة - لكن الأهم من كل ذلك هو النقطة التي أشير لها، أي التواجد في الأجواء المعنوية لشهر رمضان. نقرأ في فقرات الدعاء الوارد لأيام شهر رمضان: «وَ هذا شَهرُ الصّيام، وَ هذا شَهرُ القيام، وَ هذا شَهرُ الاِنابَة - «وَ اَنيبوا إلى ربِّكم» (2)، «و هذا شَهرُ التَّوبَة، وَ هذا شَهرُ المَغفِرَةِ وَ الرَّحمَة» (3). لهذا الشهر و لهذه الأجواء مثل هذه الخصوصيات.
توبتنا من أيّ ذنب؟ أنا و أمثالي غارقون في الذنب حتى هاماتنا، بيد أن الذنوب على نوعين: ذنب لا يضرّ إلّا صاحبه، و ذنب حين يصدر عن الإنسان فإنه يضرّ بالآخرين. أحياناً يكون الشيء الذي يريد الإنسان أن يتذوقه و يمضغه شيئاً صلباً فينكسر سن الإنسان له، و لا تصاب الأماكن الأخرى بضرر، و لكن في بعض الأحيان يأكل الإنسان بهذه الأسنان طعاماً يعطب كبد الإنسان، و لم يكن للكبد من ذنب، فالذنب ذنب الأسنان و الفم. أحياناً تكون ذنوبنا من هذا النوع. نقوم بتحرك ما و نقول كلاماً و نسير في طريق يتضرر منه المجتمع و البلد. مثل هذه الذنوب ذنوب مهمة و كبيرة. يقول: «وَ اتَّقوا فِتنَةً لا تُصيبَنَّ الَّذينَ ظَلَموا مِنكم خآصَّة» (4). أحياناً يمارس شخص ظلماً، فيقرر الله تعالى لذلك الظلم جزاء شاملاً يستغرق المجتمع، و ينبغي اجتناب مثل هذا الظلم و مثل هذه الفتنة. هذا خطاب لنا نحن المسؤولين، و الناس العاديون غير مخاطبين بهذا الخطاب. نحن المسؤولين من نستطيع القيام بأعمال تطال أضرارها المجتمع، و نستطيع أن نقوم بالعكس فنفعل ما تعمّ فوائده المجتمع.
للمرحوم العلامة الطباطبائي (رضوان الله عليه) بيان في تفسير هذه الآية الشريفة من سورة النساء: «مآ اَصابَك مِن حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَ مآ اَصابَك مِن سَيئَةٍ فَمِن نَفسِك» (5)، يقول إن المجتمعات البشرية، المجتمع في بلاد ما، مجتمع معين في حدود معينة و له هوية مستقلة، له هوية واحدة ما عدا هوية أفراده، بمعنى أن المجتمع في بلد ما هو من زاوية من الزوايا مثل الإنسان الواحد. كما أنه في الإنسان الواحد، قد يقوم عضو بعمل تطال آثاره باقي الأعضاء، في المجتمع أيضاً قد يقوم عضو بعمل تطال آثاره جميع الناس. تقع للمجتمع أحداث و يكون البعض أبرياء في تلك الحادثة، إذن كيف يمكن القول «مآ اَصابَك مِن سَيئَةٍ فَمِن نَفسِك»، يجيب الطباطبائي: لا، هذا هو الصحيح، فهنا أيضاً يكون الذنب «فَمِن نَفسِك»، و لكنها نفس كائنٍ كبير اسمه المجتمع قام جزءٌ منه بالذنب. طيب، إذا تقرر أن نجتنب مثل هذا الذنب فيجب أن نراقب و نحذر. هذا شيء يحتاج إلى مراقبة دقيقة. أجواء شهر رمضان يجب أن تعلمنا هذا الشيء، و ينبغي أن نلقن أنفسنا هذا الشيء، و نشعر بالمسؤولية حقاً، أين ما كنا.
في نفس دعاء أيام شهر رمضان هذا تطلب أشياء كثيرة من الله، و هو دعاء حسن جداً. إذا كان هناك توفيق إن شاء الله فاقرأوا هذا الدعاء و دققوا فيه، إنه دعاء عجيب، حتى المطالب التي لا تخطر ببال الإنسان، يعلّمها الإمام للإنسان في هذا الدعاء - حسب ما ورد في الحديث المأثور عن الإمام (عليه السلام) - و ما نطلبه من الله، و من جملة الأشياء التي نطلبها النجاة من عدة أمور سوف أذكرها: النجاة من عدم التحفز و من مرض الخمول و عدم الاندفاع، النجاة من غياب النشاط العملي - لاحظوا أن هذه أشياء لا تخطر على بالنا و هي أمراض، و ينبغي أن نطلب من الله تعالى النجاة و الشفاء من هذه الأمراض - و النجاة من الغفلة و النجاة من قسوة القلب، و من أن يقسو قلب الإنسان سواء حيال ذكر الله أو مقابل نصائح المشفقين. عندما ينصح الإنسان الإنسان، و يطلب له الخير، قد يقسو قلب الإنسان قبال النصيحة. و العبارة هي: «وَ اَذهِب عَنّي فيهِ النُّعاسَ وَ الكسَلَ وَ السَّأمَةَ (الشعور بالتعب) وَ الفَترَةَ (عدم التحفز و الاندفاع) وَ القَسوَةَ (قسوة القلب) وَ الغَفلَةَ (الإهمال و عدم الاهتمام) وَ الغِرَّةَ (الاغترار بالذات)»، ينبغي النجاة من هذه الأحوال، و يجب طلب هذه النجاة من الله.
طيب، ما هي تأثيرات هذه الذنوب - و هذه بعض الذنوب، و هناك ذنوب أكبر - في الإنسان؟ من تأثيراتها أن الإنسان عندما يبتلى بالذنوب سيصاب بالقصور و الضعف في المنعطفات الحساسة. تقول الآية القرآنية: «اِنَّ الَّذينَ تَوَلَّوا مِنكم يومَ التَقَى الجَمعانِ اِنَّمَا استَزَلَّهُمُ الشَّيطانُ بِبَعضِ ما كسَبوا» (6). الذين لم يستطيعوا الصبر في معركة أحد، و خفقت قلوبهم من أجل الغنائم بحيث نسوا مسؤوليتهم الحساسة التي ألقيت على عواتقهم، و حولوا الانتصار في الحرب إلى هزيمة «اِستَزَلَّهُمُ الشَّيطانُ بِبَعضِ ما كسَبوا»، هؤلاء ارتكبوا في السابق ذنوباً و أخطاء، و عبّرت هذه الأخطاء عن نفسها بهذا الشكل. هذه مرحلة من المراحل، أي إن ذنوبنا تجعلنا لا نستطيع الصبر و الطاقة و المقاومة في النقاط الحساسة و المنعطفات الخطيرة. طيب، نحن مسؤولون في البلاد، من هذا العبد الضعيف إلى المسؤولين الحكوميين إلى المسؤولين القضائيين و إلى مسؤولي السلطة التشريعية، و هكذا في سلم المسؤوليات، كلنا مسؤولون، إذا فعلنا شيئاً كانت نتيجته «اِنَّمَا استَزَلَّهُمُ الشَّيطان» و انزلقت أقدامنا و لم نستطع صبراً و مقاومة في الموضع الذي ينبغي لنا فيه الصبر و المقاومة، فإن خطراً كبيراً سيهددنا. هذه مرحلة.
و المرحلة الأعلى و الأسوء من ذلك هي أننا نرتكب أحياناً خطأ يسبب لنا الإصابة بالنفاق، أي إن قلوبنا ستختلف عن ألسنتنا. تقول الآية الشريفة: «فَاَعقَبَهُم نِفاقًا في قُلوبِهِم إلى يومِ يلقَونَه‌ُ بِمآ اَخلَفُوا اللهَ ما وَعَدوه» (7)، إذا لم يف الإنسان بعهده مع الله في موضع من المواضع، و لم يلتزم بالوعد و العهد الذي قطعه مع الله، فإن ذلك سيؤدي إلى «فَاَعقَبَهُم نِفاقًا في قُلوبِهِم»، و بالطبع فإن لهذه الحالة آليتها المنطقية تماماً و التي لا يتسع المجال لشرحها الآن، ما الذي يحدث بحيث يؤدي ذنب الإنسان به إلى النفاق.
و أكثر من هذا، أحياناً تؤدي ذنوبنا و أخطاؤنا و اعوجاجاتنا - و العياذ بالله - إلى ابتلائنا بتكذيب ما أنزل الله، «ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذينَ اَسآءُوا السّوأَي‌ٰ اَن كذَّبوا بِآياتِ الله» (8). و سبيل العلاج هو المراقبة، يجب أن نراقب، يجب أن نراقب أنفسنا و نشرف عليها و على مجاميعنا، و نزيد من تحفزنا و اندفاعنا، و نضاعف من تركز أعمالنا، العمل الدؤوب، و اجتناب المزالق، و بكلمة واحدة مختصرة: التقوى، هذا هو معنى التقوى التي اعتبرت الغاية من الصيام و فلسفته في شهر رمضان. التقوى معناها مراقبة الذات. ينبغي أن نراقب أنفسنا دائماً. طبعاً المخاطب بهذا الكلام هو أنا نفسي بالدرجة الأولى، و كلنا مسؤولون. إذن، لنعرف قدر شهر رمضان.
أيها الإخوة الأعزاء، أيتها الأخوات العزيزات، لنعرف قدر شهر رمضان هذا الذي نحن فيه. حلت و رحلت آلاف الآلآف من شهور رمضان على مرّ التاريخ، و ستأتي آلاف الآلآف من شهور رمضان لن نكون فيها. و من بين هذه المليارات من شهور رمضان عبر التاريخ نعيش عدة أشهر أو عشرات الأشهر من رمضان، نتوفق لأن نشهد عشرين شهر رمضان أو ثلاثين شهراً أو خمسين أو ستين شهر رمضان من سن التكليف إلى آخر أعمارنا من بين كل مجموعة أشهر رمضان عبر التاريخ. طيب، لنعرف قدر هذه الشهور. في العام الماضي كان في شهر رمضان بعض أصدقائنا و أقربنائنا و هم غير موجودين اليوم، و لا نعلم من منا سيكون موجوداً العام القادم و من منا لا يكون، فلنعرف قدر شهر رمضان هذا. إنه شهر الاستغفار، شهر التوبة، شهر الاستذكار، شهر التوجه إلى الله تعالى، شهر العبادة، شهر البكاء، و شهر الانشداد للمعنويات. يقول الشاعر:
ستأتي شهور و شهور و شهور
و ما نحن إلّا تراب و طين (9)
حول قضايا البلاد، أريد أن أقول إننا في ظرف حساس، الظرف الحالي للبلاد ظرف مهم. لقد أوضح السيد رئيس الجمهورية الأعمال و المبادرات، و يجب متابعة هذه المبادرات و مواصلتها، و استكمال الناقص منها. كل هذه المبادرات لازمة و ضرورية، و على الأجهزة الأخرى في البلاد أن ينهض كل واحد منها بمبادراته. وضعية البلاد حالياً وضعية خاصة، لا في هذا الشهر أو في هذه السنة على وجه الخصوص، بل في هذه الفترة الزمنية على الخصوص. لماذا؟ أولاً لأن الأعين تفتحت من جهة على الإمكانيات اللامتناهية للبلاد. في بدايات الثورة كنا غير مطلعين على كثير من إمكانيات البلاد، لم تكن لنا معرفة بها، و لم تكن لنا تجارب، و كنا غير مطلعين. أما اليوم فإن نواب مجلسنا، و وزراءنا و مسؤولينا و شخصياتنا الفكرية و السياسية اكتسبوا معلومات جديدة عن هذه المديات الهائلة من الإمكانيات و الطاقات الموجودة في البلاد. هذا هو واقع القضية. عندما أقرأ المقالات التي يكتبها بعض المختصين أجد أن الاهتمام بهذه الحقائق و الواقعيات كبير و الحمد لله. هذا من جهة حيث توجد طاقات هائلة، و البلد بلد عظيم و مبهر. قلتُ هنا قبل سنوات (10) إن سكان بلادنا واحد بالمائة تقريباً من سكان العالم، و مساحة بلادنا واحد بالمائة من مساحة العالم، لكن الإمكانيات و الطاقات التي أودعها الله تعالى في هذه البلاد أكثر من الواحد بالمائة بكثير، و قد قلتُ في ذلك الحين إنها ثلاثة أو أربعة بالمائة، و قد زوّدوني مؤخراً بتقرير يفيد أنها نحو ستة أو سبعة بالمائة. أي إن لدينا من الطاقات ما هو أكثر من متوسط طاقات العالم بستة أو سبعة أضعاف، سواء من حيث السكان أو من حيث الطاقات البشرية أو من حيث الإمكانيات و الطاقات الطبيعية. هذا جانب من القضية.
و من جانب آخر لدينا أعداء. لسنا بلداً لا هموم له و لا أعداء و لا من يترصدونه في كمائنهم، لدينا عدو. و العداء طبعاً ليس شيئاً جديداً بين البلدان و الحكومات و القوى المختلفة، لكنه حالة خاصة بالنسبة للجمهورية الإسلامية، هذا العداء شيء خاص، إنه عداء خاص. لماذا؟ ما السبب؟ السبب هو أن الجمهورية الإسلامية ظاهرة غير مسبوقة في العالم. هذا من تترصده القوى العالمية بدقة. ما قرأتموه أو سمعتموه ربما قبل عدة سنوات من تأسيس مؤسسة بحثية في البلد الفلاني المعادي لنا مختصة بالبحث حول الإسلام و الإسلام السياسي، السبب فيه هو أنهم يريدون معرفة هذه الظاهرة. ظهر نظام قائم على أساس الإسلام، و على أساس الركائز الإسلامية، و ثمة في هذه الركائز الإسلامية مناهضة للاستكبار، و مناهضة للاستبداد، و مناهضة للظلم، و مناوأة للتمييز، و معاداة للربا، و معاداة للأعمال التي تقوم بها القوى في العالم اليوم. ظهر نظام بهذه الأسس الفكرية و العملية، و هو يتطور يوماً بعد يوم، و لم يستطيعوا إيقافه رغم كل ما فعلوا. تأصّل و تجذّر و ازداد نفوذه يوماً بعد يوم. و ها قد تعالى صراخهم هم أنفسهم الآن بأن إيران هي الفاعل المطلق في المنطقة، و نفوذها لا يقبل المقارنة بنفوذ أي بلد آخر في المنطقة. هذا ما يقوله الأمريكان، لا ما أقوله أنا فيحسب مثلاً على حساب الارتجاز و التفاخر. النظام الإسلامي مثل هذا النظام. و معنى ذلك أن قوة جديدة آخذة في الظهور اليوم على مستوى العالم تتحدى المصالح الظالمة للقوى المستكبرة. و هذا هو سبب معاداتهم للجمهورية الإسلامية. مثل هذه المعاداة غير مشهودة ضد أي بلد آخر. نعم، قلنا إن هناك اختلافات بين الحكومات - اختلافات حول الأراضي، و اختلافات حدودية، و لها مصالحها و تجارتها - و هم يتعادون، لكن هذا النوع من العداء مختص بموقفهم من الجمهورية الإسلامية. طيب، إذن عرفنا من ناحية تلك الطاقات و علمنا بها و أحصيناها، و من ناحية ثانية هناك عدو عنيف عنود أمامنا.
ينبغي معرفة ما يريد هذا العدو القيام به لنستطيع معرفة برامجنا الأساسية العامة. هذه البرامج الحكومية و السياسات التنفيذية تندرج كلها في داخل تلك البرامج الأصلية و تكتسب معناها فيها. ينبغي التفطن لهذا الشيء. ينبغي القيام بهذه الأعمال و لكن يجب النظر لها في داخل تلك النظرة العامة الكلية، حتى تستطيع أن تؤتي منافعها. يجب أن نعلم ما الذي يريد العدو القيام به، و ما هي مخططاته مقابلنا، و نعد خططنا على أساس ذلك من أجل الصيانة و الحفاظ على الأمن و الحماية و الحراسة حيال العدو.
و إذا أردتُ التعبير عن ذلك بجملة قصيرة لقلت إن مخطط العدو هو إيقاف قدرات الجمهورية الإسلامية أو القضاء عليها أو الحد من تطورها على الأقل. هذا هو مخطط العدو. ما الذي ينبغي أن نفعله نحن؟ علينا أن نزيد ما استطعنا من قدراتنا. لقد كررتُ مراراً في هذه الجلسة و جلسات أخرى متنوعة طوال الأعوام الماضية القول بأنه يجب أن يكون البلد مقتدراً، بمعنى أننا يتعين أن نضاعف من هذه القدرات المتنوعة. إذا زدنا هذه القدرات فسنستطيع أن نقول للناس بثقة: ناموا براحة بال، و يكون بالنا أيضاً مرتاحاً مطمئناً. و إذا لم نزد من القدرات فيجب أن نبقى في اضطراب و قلق.
فما هي هذه القدرات التي لدينا؟ لقد سجّلت هنا عدة قدرات تتعرض أكثر من غيرها لهجمات العدو: القدرة الأولى هي الإيمان الإسلامي، الإيمان الإسلامي. قد يتعجب البعض و يقولون: يا سيدي إن العالم اليوم عالم حرية الفكر و العقيدة و ما إلى ذلك! لا يا سيدي، إنهم يعادون أكثر ما يعادون الإسلام الأصيل الذي أشار له الإمام الخميني (رضوان الله عليه)، و كان أساساً للحكومة الإسلامية و الجمهورية الإسلامية. انظروا إلى النشاطات التي تحصل في العالم اليوم لكسر سدّ هذا الإيمان في كل مكان و خصوصاً في نظام الجمهورية الإسلامية و بين الشعب. إذا كنتم من أهل الشبكات الاجتماعية و الفضاء الافتراضي ستعلمون جيداً إلى أيّ الأمور أشير. يستخدمون كل الطرق لزعزعة إيماننا الإسلامي. من الذي أقصده بنحن؟ هل أقصد نفسي أنا الشيخ ذا السبعين أو الثمانين عاماً؟ لا، إنهم غير مهتمين كثيراً بنا، إنما يريدون زعزعة إيمان الجيل الذي يأتي بعدنا و الذي يأتي بعده. إنهم يسعون سعيهم لذلك. إيماننا الإسلامي من أرضيات اقتدارنا و قوّتنا. و هو مما يستهدفه الأعداء بعدائهم.
ثانياً القدرة العلمية، و قد لجأوا حتى لاغتيال علمائنا، و خططوا لذلك، بل و استخدموا حتى الأدوات الخبيثة الممنوعة في كل العالم لإيقاف حركتنا العلمية. استاكس نت (11) هذا الذي بعثوه قبل سنتين أو ثلاث سنوات داخل منظومة الفضاء الافتراضي للجمهورية الإسلامية كان بإمكانه القضاء على كل تشكيلاتنا النووية. و هذا العمل جريمة، أي إنها جريمة دولية معروفة و يمكن ملاحقة مرتكبيها في المحاكم الدولية، لكننا لم نلاحقهم للأسف. لقد تمادوا في أفعالهم إلى هذا الحد. إنهم يعارضون بشدة التقدم العلمي الذي يبعث على الاقتدار العلمي. الضغط على القطاع النووي كان هذا أحد أسبابه المهمة في رأيي، أما تكرارهم الكلام عن قنبلة نووية فهم أنفسهم يعلمون أنهم يكذبون، و سوف أتطرق لاحقاً للموضوع النووي ببعض النقاط.
و هناك القدرة الاقتصادية التي سأتحدث عنها. و هناك القدرة الدفاعية الرادعة. هذه أيضاً يعارضونها بشدة. يريدون أن تكون البلاد مثل قلعة مهدمة الأسوار ليستطيعوا أن يفعلوا ما يحلو لهم. إذا كان لأجهزتنا و مؤسساتنا قدرات دفاعية و إمكانيات هجومية مضادة فذلك بمثابة وجود سور حول هذه القلعة، أي حول البلاد، و هذا ما يعارضونه. و هذا هو معنى الكلام الذي يجري حول الصواريخ و ما شاكل: معارضة القدرات الدفاعية.
القدرة السياسية الوطنية، بمعنى وحدة الشعب و انسجامه. قلنا مراراً إن اختلاف الأذواق السياسية لا إشكال فيه، و لا إشكال في الحب و البغض تجاه زيد و عمرو، إنما الإشكال في أن يحدث خلاف داخل الشعب حول ركائز الحركة الأساسية للبلاد. هذا هو الإشكال، و هذا ما ينبغي أن يحول الناشطون و المسؤولون السياسيون و الاجتماعيون دون وقوعه. لحسن الحظ فإن هذا الاتحاد اليوم مشهود و موجود، و قد كان منذ بداية الثورة. لا أن الثورة أو الثاني و العشرين من بهمن لا أعداء لها و لا معارضين، بلى، لها معارضوها، لكن قاطبة الشعب و معظم الشعب يحبّ الثورة و مظاهر الثورة و مؤشراتها و ذكرياتها، و يحبّ اسم الإمام الخميني و ذكراه، و هذه نعمة كبيرة جداً، و هي تعبّر عن اقتدار سياسي لشعب من الشعوب.
و هناك القدرة الناجمة عن شبابية سكان البلاد، و هو ما تجري الغفلة عنه. لقد حذرت منذ سنين بخصوص قضية تحديد النسل و ما إلى ذلك (12)، و لحسن الحظ فقد تم إنجاز بعض الأعمال، و قام بعض المسؤولين بأعمال جيدة على هذا الصعيد، و لكن العمل الذي ينبغي أن يتم على نحو كامل لم ينجز لحد الآن. إن سكاننا الشباب اليوم ظاهرة و نعمة، لأن الشاب مصدر حركة و معين متدفق من التحفز و الحركة و النشاط و الابتكار و الإبداع، الشباب هم الذين يقومون بالعمل، فإذا زالت شبابية السكان بعد عشرين سنة - و لا يمكن بالتالي استيراد الشباب - سوف يتضرر البلد، و ينبغي أن لا نسمح بذلك من اليوم. هذا الكلام الذي ينتشر أحياناً - و لم أحقق في الأمر كثيراً و معلوماتي غير كاملة - من وجود بعض الأساليب الخاطئة القديمة و الإجهاض و ما شابه في بعض الأماكن، إذا كان ذلك صحيحاً فإن المسؤولين الحكوميين المعنيين هم المسؤولون عن ذلك، و ينبغي عليهم متابعة الأمر. قضية شبابية السكان نقطة اقتدار كبيرة و مهمة جداً.
إذن، هناك عدو، و هذه القدرات اليوم موجودة، و هي عرضة لهجمات العدو. فما النتيجة؟ النتيجة هي ما قلناه دائماً: ينبغي معرفة العدو، و معرفة أساليب عمله، و يجب معرفة النقاط التي يهجم منها و سدّ هذه النقاط. الأمر يشبه الحرب العسكرية بالضبط، في الحرب العسكرية يذهب أشخاص متخصصون للاستطلاع و يتعرفون على الساحة و يتعرفون على العدو فيخمّنون أو يعرفون نوايا العدو و أنه سيهجم من هنا أو من هناك. أهمية هذه الحرب القائمة اليوم على الأصعدة السياسية و الاقتصادية أكبر من الحرب العسكرية، و مدياتها أوسع، لذلك ينبغي إغلاق نقاط نفوذ العدو، و هذا واجب الجميع.
طيب، ما ينبغي أن نقوله الآن هو: من هو العدو؟ قلنا إن لنا عدواً، فمن هو هذا العدو؟ لقد كشف العدو عن نفسه تماماً و بكل وضوح أمامنا، و لا نحتاج للبحث و التفتيش حتى نجد العدو. العدو هو شبكة الاستكبار و الشبكة الصهيونية، هذا هو العدو. الشبكة الاستكبارية و على رأسها حكومة نظام الولايات المتحدة الأمريكية، و الشبكة الصهيونية و مظهرها الكيان الصهيوني الزائف الحاكم في فلسطين المحتلة. هذا هو العدو. و هم لا يخفون ذلك. أمريكا لا تخفي عداءها. و ربما بادر رئيس جمهورية أمريكا في يوم عيد النوروز إلى مدّ مائدة «هفت سين» مثلاً، لكنهم يقصفون الطائرة المدنية، و في الكونغرس يصادقون على كل ما يمكنهم المصادقة عليه ضد الجمهورية الإسلامية، و يوقّعه رئيس جمهورية أمريكا و ينفذه. و للكلام و المجاملات و الحوارات و الابتسامات الدبلوماسية مقامها الآخر المختلف عن مقام العمل، بل و المختلف حتى عن مقام التصريحات السياسية. لاحظوا الآن الكلام الذي يطلقه رئيس جمهورية أمريكا و وزير خارجية أمريكا و المسؤولون الأمنيون الأمريكيون و وزير الحرب الأمريكي و سواهم ضد إيران، إنه ليس كلام صديق، بل كلام عدو، و عدو من النوع العنود. و الصهاينة أمرهم واضح. هذا هو العدو. قال السيد وزير خارجيتنا المحترم قبل أيام كلاماً جيداً في مجلس الشورى - و قد قرأته في الصحف - قال إن ذات أمريكا لم تتغير، و هو على حق، فذات أمريكا هي نفسها التي كانت في زمن ريغان، الذات نفس الذات و لم تتغير. ذات العدو. نعم، هناك أحزاب - الحزب الديمقراطي و الحزب الجمهوري، هذا يحوّل الكرة إلى ذاك، و ذاك يحوّلها إلى هذا - لكن ذات أمريكا هي نفسها. هذا كلام صحيح جداً قاله في مجلس الشورى الإسلامي.
ثمة هنا تصور خاطئ يقول إننا نستطيع أن ننسجم مع أمريكا و نعالج مشكلاتنا معها! هذا التصور تصور غير صحيح. لا نستطيع التوكّؤ على أوهام بل يجب الاستناد على الواقعيات. أولاً و كما ذكرنا فإن نظاماً مثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن يكون من الناحية المنطقية موضع محبة و مودّة نظام مثل النظام الأمريكي على الإطلاق، هذا غير ممكن. ثانياً سلوكهم منذ خمسين أو ستين عاماً، منذ الثامن و العشرين من مرداد و بعد ذلك في عهد النظام الطاغوتي، و بعد ذلك منذ بداية الثورة و إلى اليوم، لاحظوا كيف كان سلوك أمريكا معنا. في نظام الطاغوت كانت أمريكا تنظر للنظام البهلوي كثروة، و مع ذلك فإن الضربات و الأضرار التي وجهتها أمريكا لإيران في ذلك الزمن كانت أضراراً مؤثرة و مهمة، و الذين هم على معرفة بالتاريخ و بالحياة في ذلك الزمن يدركون هذا الكلام تمام الإدراك و يصدقونه. و الوضع معروف و معلوم بعد الثورة، بدأوا منذ اليوم الأول بالتخبيث و العناد، و حالهم هذا مستمر إلى اليوم. إذن، ليست القضية قضية سوء تفاهم. أحياناً يحصل سوء تفاهم بين حكومتين، و يمكن معالجة الأمر بالمفاوضات و الحوار. و في بعض الأحيان تحصل خلافات حول المناطق و الأراضي و الحدود فيقال إن هذا المقدار من الحدود لي و ذاك المقدار لك، و يمكن حل هذه المسألة بالمفاوضات على شكل خمسين - خمسين، لكن القضية هنا ليست خمسين - خمسين، إنما القضية هي أساس وجود الجمهورية الإسلامية، و هذا ما لا يمكن حلّه بالمفاوضات و العلاقات. فهذا التصور تصور غير صائب. القدرة و الاستقلال و التقدم الناجم عن الإسلام و المتطابق مع الإسلام كظاهرة في العالم شيء غير مقبول من قبل الاستكبار، و أمريكا هي مظهر الاستكبار. إنه تصور خاطئ أن نظن أن بالمقدور الجلوس مع الأمريكان و نقول لهم تعالوا نتصالح مع بعضنا بشكل من الأشكال. التصالح يتحقق بأن تتنازلوا عن كلامكم.
قبل سنتين أو ثلاث سنوات، و في بدايات هذه المفاوضات النووية (13) قلتُ: ليقل لنا الأمريكان من الآن ما الحدود التي لو تراجعت إليها الجمهورية الإسلامية لتخلّوا عن عدائهم لها؟ ليقولوا لنا هذا. هل ستنتهي المشكلة إذا تمّ حلّ القضية النووية؟ طيب، لقد انحلت القضية النووية الآن، فلاحظوا هل انتهت المشكلة؟ طرحوا قضية الصواريخ، و تعالج قضية الصواريخ فيأتي الدور لقضية حقوق الإنسان، و تعالج قضية حقوق الإنسان فيطرحون قضية مجلس صيانة الدستور، و تحل قضية مجلس صيانة الدستور فيطرحون قضية أصل القيادة و ولاية الفقيه، و تحل قضية ولاية الفقيه فيطرحون قضية أساس الدستور و سيادة الإسلام. هذا هو الوضع، فالمعركة ليست على أمور جزئية. إذن، هذا التصور تصور خاطئ.
كثيراً ما تحدثوا إليّ، و كان هناك أفراد من الأصدقاء يتصورون عن عقيدة و محبة أن هذا ممكن، و قد جلسنا و تحدثنا طوال هذه السنين، ثم اعترفوا هم أنفسهم - ليس عندي و في حضوري، بل في غيابي و في الجلسات الرسمية الخاصة باتخاذ القرارات - بأن الأدلة التي يسوقها فلان لا ردّ عليها. و هم على حق، الدليل الذي أسوقه في هذا المجال لا ردّ عليه. هكذا هو الحال بالنسبة لعلاقتهم مع بلادنا، و هم على علاقة سيئة مع الكثير من البلدان الأخرى. تنبّهوا لهذا الجانب و اعلموه. السياسة الأساسية لأمريكا هي هضم القوى و السياسات العالمية في معدة السياسات الأمريكية، و هذا الأمر لا يختص بنا. و لنا خصوصيتنا من حيث عدائهم لنا، حيث يوجد عداء من نوع خاص ضدنا، لكن هذا هو وضعهم حتى تجاه البلدان الأخرى. هكذا هو الحال على الصعيد السياسي، و على الصعيد الاقتصادي، و على المستوى الثقافي. الشركات السينمائية الأوربية الآن تضجّ من هيمنة هوليوود؛ الهيمنة الثقافية. فرنسا ليست بالتالي جمهورية إسلامية. هذه هي السياسة الأمريكية. و قد قالوا هذا مراراً، و يقولونه دائماً. و مرشحو رئاسة الجمهورية الأمريكية الآن، هذان الشخصان (14) يتسابقان في القول بأن أمريكا هي سيدة العالم و رئيسة العالم و الكل بالكل في العالم. و قبل ذلك كان بوش الأب يوم انهار الاتحاد السوفيتي يقول بدافع الغرور إننا اليوم القوة الوحيدة في العالم، و على الجميع أن ينسقوا أنفسهم معنا، و نحن الذين نرسم النظام العالمي. لاحظوا، هذه سياستهم. هذا هو العدو، فكيف يمكن الانسجام معه؟
و أقول أيضاً إن البعض يتصورون أن العداء الموجه ضدنا سببه حالة هجومية فينا، فقد تهجّمنا عليهم دائماً لذلك هم يعادوننا بسبب ذلك، لا، هذا أيضاً وهمٌ باطل و تصورٌ خاطئ. لم نكن نحن الذين بدأنا. في بداية الثورة عندما ألقي القبض على الأمريكان و اعتقلوا لأيام قال الإمام الخميني ليذهبوا إلى مكانهم و سفارتهم بكل حراسة و مراقبة، هذا قبل احتلال السفارة - و قد كان لذلك عوامله و مقدماته - كان الأمريكان يعيشون هنا بكل أمن، و يذهبون و يأتون بسهولة، و كان يخبّثون طبعاً. لم نكن نحن البادئين، بل هم الذين بدأوا. هم بدأوا منذ البداية عن طريق الهجمات الكلامية و الإساءة و الحظر و المطالبات و إيواء أعداء الشعب الإيراني، كانوا هم البادئين. ثم إن الأمر لا يتعلق بأمريكا فقط، فهناك بلدان أخرى. خذوا على سبيل المثال أن الجمهورية الإسلامية أيّ تهجّم كان لها على فرنسا؟ لأن الإمام الخميني كان لفترة من الزمن في فرنسا كان هذا البلد يحظى بمدح و تقدير القوى الثورية، و لكن لاحظوا ما الذي يفعلونه. في القضية النووية مارست فرنسا دور الشرطي السيّئ - و كانت إدارة الأمر من قبل الأمريكيين طبعاً، و هذا واضح، لكن الفرنسيين اتخذوا أسوء المواقف في القضية النووية - ما الذي كنا قد فعلناه للفرنسيين؟ هل كنا قد تهجّمنا عليهم و خاصمناهم؟ و بلد صغير مثل هولندا مثلاً، في أية قضية من القضايا المتعلقة بالجمهورية الإسلامية، نجد أن هولندا أحد البلدان الموجودة في لائحة الأعداء! ما كان شأننا مع هولندا؟ أي تهجّم كان لنا عليهم؟ بلد صغير في زاوية من أوربا. ليست القضية أننا عاديناهم و خاصمناهم. مثلاً كندا التي قطعت علاقاتها معنا. هل كنا قد عادينا كندا؟ هل كنا قد خاصمناها؟ ليست هذه هي القضية، إنما القضية شيء آخر. يجب أن لا نخدع أنفسنا و نقول «يجب أن لا نعاديهم حتى لا يعادوننا»، لا، هناك دوافع و أسباب أخرى، هناك أمور أخرى خلف الستار شرحنا قدراً منها.
طيب، ما الذي ينبغي فعله الآن؟ يجب أن يتمتع البلد بالمناعة و الصيانة، على مسؤولي البلاد أن يوفرا لها المناعة. كل هذه الأعمال التي قامت بها الحكومة على الصعيد الاقتصادي و ما شاكل، أو تعتزم القيام بها، تحتاج أن تتمتع البلاد بالمناعة و القوة، فما الذي نفعله حتى تتوفر هذه المناعة و الصيانة، أو تزداد إذا كانت موجودة؟ ينبغي زيادة مستوى هذه القدرات التي أشرتُ لها، ينبغي زيادة هذه القدرات يوماً بعد يوم. و هذا ما ورد في القرآن الكريم: «وَ اَعِدّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ وَ مِن رِباطِ الخَيل» (15)، و القوة تشمل كل هذه الأمور، فالقوة ليست فقط قوة البنادق و السلاح و ما إلى ذلك، القوة تشمل القوة المادية و المعنوية، و القوة الاقتصادية و العسكرية، و القوة العلمية و الأخلاقية. «اَعِدّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّة»، زيدوا من هذه القوة ما استطعتم. طيب، هذا شيء يجب أن نقوم به، و هو على عاتقنا نحن أنفسنا، بمعنى أننا نحن المسؤولين من ينبغي أن ينهض بهذه الأعمال، و الجماهير ستنزل إلى الساحة و تعمل تبعاً لنا. إذن، ينبغي زيادة القدرات. و هذه الزيادة تشمل الأمور التالية: تقوية الإيمان الإسلامي، و هذا واجب الحكومة، و واجب الحوزات العلمية، و واجب الأجهزة الإعلامية، و واجب وزارة الثقافة و الإرشاد، و واجب منظمة الإعلام الإسلامي، إنها واجب هذه الجهات. يجب أن تعززوا الإيمان الإسلامي، في أي موضع له صلته بالشباب، في الجامعات و التربية و التعليم. الإيمان الإسلامي واجب كبير يقع على عاتق كل هؤلاء، و ينبغي النهوض به.
القدرة العلمية، و هي من واجب وزارة العلوم و الأجهزة البحثية. لتحاول الأجهزة التي تتولى مهمة تقوية العلم و تطويره أن تنأى بنفسها بعيداً عن اللغط و الأمور الهامشية. يلاحظ المرء أحياناً بعض اللغط و الأمور الجانبية في هذه الأجهزة و المؤسسات. و المفترض أن السادة المسؤولين عن هذه القطاعات حاضرون هنا جميعهم و يسمعون: إنأوا بأنفسكم جانباً عن اللغط و الضجيج و ركزوا على الشيء الأساسي، أي تعزيز العلم و تطويره. و هناك الجانب الاقتصادي - و سأذكر بعض النقاط حول الجانب الاقتصادي، و الوقت يكاد يدركنا - و الجانب الدفاعي. على كل الأجهزة ذات الصلة بالدفاع - وزارة الدفاع، و منظمة الجيش، و منظمة الحرس الثوري - أن تبذل كل مساعيها في مجال القضايا الدفاعية. و هناك قضية الشباب التي أشرنا لها، جيل الشباب و الاستعانة بالشباب و دعم و تقوية الشباب المتحفزين. و قد ذكرت بعض النقاط في مرقد الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) حول الشباب المؤمن المتدين الثوري (16)، فأثاروا ضجة في الخارج، أو قاموا بعملية فضح حسب ظنهم و تعبيرهم، بأن فلاناً يقوّي الشباب الثوري، هذا ليس بفضح. أولاً هو ليس بالشيء الجديد، فأنا أفعل هذا دائماً و سأفعله في المستقبل أيضاً. ثانياً هو ليس بالشيء الخفيّ، بل هو علني، فقد دعمتُ هؤلاء الشباب مراراً و تكراراً، و الأمر واضح، فأنا أؤمن بالشباب الثوري المتدين، هؤلاء الشباب الموجودين على مستوى البلاد، و هذا واجبنا. لا نستطيع من الناحية القيمية أن نساوي بين ذلك الشاب الذي يقدم شبابه و قدراته و طاقته و دوافعه لأهداف البلاد العليا مع ذلك الشاب اللاهث وراء شهواته و ارستقراطيته و ما إلى ذلك. نعم، كلهم متساوون من حيث الحقوق الاجتماعية، و لكن من الناحية القيمية ليسوا متساوين أبداً. الشاب الذي يعمل و يسعى و يخصص وقته و طاقاته و يخصّص أحياناً ماله القليل - و هذه أيضاً حالة شهدناها - من أجل الأهداف و المجاهدة، واضح أنهم غير متساوين. لقد دعمتهم دوماً و سأدعمهم بعد الآن أيضاً.
طيب، حان الدور للتوصيات. أريد التوصية بأمرين: الأول القضية الاقتصادية و لحسن الحظ فإن الدكتور روحاني تطرّق لهذه القضية بشكل جيد، و أنا بدوري أشير إلى بعض التوصيات. و الأمر الثاني هو برجام [الاتفاق النووي].
في خصوص الشأن الاقتصادي، لدينا مشكلات. تعاني البلاد الآن من مشكلات متعددة في المجال الاقتصادي، و نتمنى أن ترتفع هذه المشكلات إن شاء الله بخطط الحكومة و الأعمال التي من المقرر أن تنجز. و أهم هذه المشكلات هي الركود و العمالة، أي البطالة. هذه أهم المشكلات. يجب أن نهتم لهذه الأمور، فقضية الركود على جانب كبير من الأهمية. و حين أنظر أجد أن هذه المشكلات - و قد أشرتُ إلى هذا في الحكومة السابقة أيضاً - لا تعود في الغالب إلى الحظر بل إلى الإدارة و السياسات. هذا ما يمكن للمرء أن يشاهده في هذه الحكومة، و في الحكومة السابقة، و في الحكومة الأسبق. إذا كانت خططنا خططاً جيدة و صحيحة، لا أن الحظر سيعود عديم الأثر علينا، لكن تأثيراته ستنخفض بمقدار كبير جداً. ينبغي تنظيم الخطط و البرامج و ترتيبها و التدقيق فيها.
من الأعمال ذات الأهمية الخاصة على صعيد الشؤون الاقتصادية، و التي يمكنها معالجة قضية الركود إلى حد كبير، و حل قضية البطالة، الاهتمام بالصناعات الصغيرة و المتوسطة في القطاع الصناعي. هذه الصناعة التي سمعتُ، أعني قرأتُ في الصحيفة أنّ وزير الصناعة المحترم قال في مجلس الشورى أن وضع الصناعة كارثي - ما يشبه هذا التعبير، و لا أدري ماذا كان تعبيره على وجه الدقة، عبارة تشبه الفاجعة أو الكارثة - و هذه الكارثة تستهدف أكثر ما تستهدف الصناعات الصغيرة و المتوسطة. يجب أن يكون إحياء الصناعات الصغيرة و المتوسطة من البرامج و الخطط الأساسية للحكومة. هذا من أركان الاقتصاد المقاوم. أن يكون أداء المعامل أقل بعدة أضعاف من طاقتها الإنتاجية فهذا من القضايا التي ينبغي الاهتمام بها.
قضية أخرى في هذا السياق هي قضية الأولويات. في القرارات التي نتخذها على الصعيد الاقتصادي ينبغي أخذ الأولويات بنظر الاعتبار. أحياناً يكون الشيء مهماً جداً و ضرورياً للغاية، لكنه لا يتمتع بالأولوية، بمعنى أن هناك شيئاً أو مشروعاً أهم و أكثر ضرورة منه. هذا برأيي مهم جداً. إنني أحمل بالتالي تجربة الحكومة. لقد كنتُ في الحكومة، و شاهدتُ حكومات متعددة. وزراؤنا الأعزاء المحترمون يحاول كل واحد منهم أن يجرّ النار إلى قرصه، بمعنى أن أقراص الخبز هذه التي وضعناها لتنضج، كل واحد منها لأحدهم، و كل واحد يحاول جرّ النار إلى قرصه لينضج، و هذا بالطبع واجبهم، واجبهم أن يدعموا و يعضّدوا قطاعهم، و نحن لا نذمّ هذه الحالة. وزير الزراعة بشكل، و وزير الصناعة بشكل، و وزير الطرق بشكل، و وزير الطاقة بشكل، كل واحد يحاول كسب إمكانيات البلاد و الميزانيات و المصادر إلى قطاعه. هنا ينبغي النظر للأولويات و معرفتها. لنفترض أن أموالنا في البنوك الأجنبية قد تحرّرت - و هي لم تتحرر طبعاً، و من غير المعروف متى ستتحرر، و سوف نتطرّق لهذه القضية - فعلى أيّ الأشياء و الأمور يجب أن ننفقها؟ هذا شيء مهم جداً. ينبغي مراعاة الأولويات. طيب، سأسوق الآن مثالاً، و أخال أنني ذكرت نفس هذا المثال للوزير المحترم، لنفترض أن هناك كلاماً عن تحديث أسطولنا الجوي، و هذا شيء مهم و ضروري، و لكن هل يتمتع بالأولوية؟ هل يمثل إحدى أولويات البلاد؟ أنْ نشتري مثلاً ثلاثمائة طائرة، ليس من الواضح أن هذا الشيء يمثل أولوية. ينبغي دراسة هذا الموضوع، و أنا هنا لا أطرح رأياً تخصصياً، إنما أنبّه إلى أنه من الضروري القيام بدراسة تخصصية خبروية، و أنبّه إلى ضرورة مراعاة الأولويات. هذه من الأمور المهمة جداً.
من المسائل المهمة جداً التركيز على الشركات العلمية المحور، فهذا ما سيحقق لنا التقدم. الشركات العلمية المحور فيها العلم و الاقتصاد. الاهتمام بالشركات العلمية المحور من أهم الأعمال، و هو من الأولويات، و يجب الخوض فيه. طبعاً بعض الشركات العلمية المحور تأتي و تشتكي و ترفع لنا تقارير. ليتنبّه المسؤولون إلى هذه النقطة.
من الأمور المهمة اللازمة الحيلولة دون إبرام عقود غير ضرورية. قدموا لي تقريراً يقول إننا بعد القضية النووية وقّعنا نحو مليارين و نصف المليار دولار عقوداً مثبتة، و المفاوضات و المحادثات و أوراق التفاهم و ما شابه ذلك أكثر من هذا، و لكن ما تمّ توقيعه طبقاً للتقرير الذي زوّدوني به هو قرابة مليار و نصف المليار دولار. و قد نظرتُ فوجدتُ فيها عقوداً حول الطاقة الشمسية، فهل هذه أولوية؟
إذا كانت هناك فعلاً مصادر - مصادر خارجية أو تمويل (فاينانس) - فيجب أن ننظر ما هي الأولويات و ننفق على تلك الأولويات. إذا أراد مستثمر أن يأتي و يستثمر فيجب أن نقول له إننا نحتاج الاستثمار في الموضع الفلاني. لا يكن الأمر بحيث يحصل الاستثمار كيفما أراد هو. هذه أيضاً مسألة.
مسألة مهمة أخرى مسألة الحيلولة دون الاستيراد الضار، و هذا ما كرّرته عدة مرات في الفترة الأخيرة، أعني الواردات التي لها نظائر داخلية أو حتى لو لم يكن لها نظائر داخلية لكنها ليست من الاحتياجات الحالية للبلاد، أو ليست من الاحتياجات الماسة للبلاد. على سبيل المثال السيارات الفارهة ذات السرعة العالية جداً، ما الحاجة لها؟ يقولون إن القطاع الخاص هو الذي يستوردها، لكن الحكومة تستطيع بمختلف الأساليب المتاحة لها - الجمارك و غيرها - أن تحول دون ذلك. مصادر البلاد - أنواع التمويل و الأموال التي تحرر - يجب أن لا تهدر. أولوياتنا هي الصناعات المعطلة، و الاقتصاد العلمي المحور، و قطاع تحديث الآلآت و المكائن المتهالكة في صناعتنا.
في خصوص القطاع الزراعي الذي يأخذ بأيدينا نحو الاكتفاء الذاتي، لحسن الحظ يدل هذا التقرير الذي قدّموه اليوم على أننا تقدمنا في هذه المجالات. و لم يكن لديّ تقرير بالطبع.
حول قطاع النفط يجب القول إن الإنتاج العالي للنفط يعتبر على كل حال شيئاً إيجابياً في ثقافة النفط و بيع النفط و الأسواق النفطية. من الجيد أن نرفع الإنتاج و نزيد من التصدير، و البلد بحاجة إلى هذا الشيء، هذا مما لا شك فيه، لكن الأفضل من ذلك هو أن نجعل للنفط قيمة مضافة. هذا النفط الذي نستخرجه من الآبار و نصدره للخارج و نقبض أمواله، ليست فيه أية قيمة مضافة، و تقلّ به احتياطيات النفط يوماً بعد يوم. إذا استطعنا تبديل هذا النفط أو الغاز إلى بضاعة فيها قيمة مضافة فهذا شيء حسن للبلاد. اجعلوا سياستكم - بموازاة الأعمال التي تنجز لإنتاج النفط و بيعه و تأهيل آبار النفط و ما إلى ذلك - أن نستطيع إنتاج منتجات النفط و تصديرها و تصدير البنزين. لماذا يجب أن نستورد البنزين؟ من الأمور التي حين يفكّر فيها الإنسان أحياناً يخجل من نفسه هو استيراد البنزين. الجمهورية الإسلامية بكل هذا النفط - و نحن نتفاخر به دائماً أمام الشعب و أمام العالم بأن نفطنا و غازنا بمجموعهما يمثلان أكبر احتياطيات النفط و الغاز في العالم، و هذا هو الواقع - تستورد النفط؟! أو تستورد الديزل؟! يجب أن نفعل ما من شأنه أن لا نحتاج لاستيراد الديزل و البنزين، لننتج المشتقات النفطية و نصدرها. أو في مجال الغاز لننشّط هذه الصناعات الفرعية البتروكيمياوية، و الأجزاء الأصلية منها جيدة لحسن الحظ، و قد أنجزت أعمال حسنة، و لكن لننشّط الأجزاء الفرعية، ليمكن بذلك توفير فرص عمل.
الحيلولة دون التهريب بأساليب جهادية و ثورية. قضية التهريب قضية مهمة للغاية، و لا يمكن معالجتها بالمزاح و التباطؤ و ما إلى ذلك، بل ينبغي النهوض بعمل جهادي ثوري حاسم.
يقال إن الاقتصاد المقاوم الذي تكرّرونه دائماً يحتاج إلى مصادر، و نحن ليس عندنا مصادر. يبدو لي أنه لأجل البدء بحركة الاقتصاد المقاوم يمكن تأمين المصادر. و لحسن الحظ فقد بدأوا بأعمال جيدة على هذا الصعيد.
قيل إن مبالغ إيداعات الناس في بنوك البلاد من العملة الصعبة و من العملة الوطنية تصل أرقاماً خيالية، و لأنني لم أطلع على أصل التقرير و نقلوا لي، فلن أذكر الرقم حتى لا يكون فيه خطأ، لكن الرقم كبير و ضخم جداً، و يجب علينا توجيه هذه المصادر. من الأعمال التي تقع على عاتق الأجهزة و المؤسسات الاقتصادية الحكومية توجيه المصادر نحو الاتجاهات التي يريدونها، و نحو ما فيه مصلحة البلاد، بشتى أنواع التشجيعات و ما شابه. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. طبعاً مجلس الشورى الإسلامي بدوره يجب أن يساعد في ذلك. إذن، هذه هي الأعمال الأساسية في الاقتصاد المقاوم و التي ينبغي إنجازها، فيها ما يجب، و فيها ما يجب عدم القيام به، و ينبغي التنبّه لما يجب و أيضاً لما يجب تركه و عدم القيام به، و مجموع هذا سيكون الاقتصاد المقاوم، و نتمنى إن شاء الله أن يتقدم إلى الأمام.
طيب، لنتجاوز هذه القضية لأنه لم يبق وقت حتى الغروب. أما عن قضية برجام (الاتفاق النووي). لبرجام مؤيّدوه و معارضوه. أعتقد أن المؤيدون و المعارضون كلاهما يبالغون عند التعبير عن آرائهم. المؤيدون لبرجام في كلامهم مبالغات عند الثناء على برجام، و كذلك المعارضون الذين ينتقدونه يبالغون أحياناً. أخال أنه لا محلّ لكلا هاتين الحالتين.
نعم، لبرجام نقاط إيجابية و نقاط سلبية. له حسناته و له عيوبه. حسناته هي تلك الأمور التي دفعتنا و رغّبتنا للتوجه نحو هذه المفاوضات. و تعلمون طبعاً أن هذه المفاوضات بدأت قبل بدء الحكومة الحادية عشرة، و بدأت بسبب هذه المشجّعات و المرغّبات. بمعنى أنه كانت هناك محسّنات و إيجابيات تلوح للناظر، و بالطبع لم تتحقق كل تلك المحسنات، أي إن الكثير منها لم يتحقق، و لكن كانت هناك بالتالي محسنات و كان الإنسان يشعر بأنه قد تكون فيه هذه المنافع و الفوائد. بدأت هذه المفاوضات ثم اتسعت مدياتها في زمن حكومة حضرة السيد روحاني، و زادت النشاطات. هذه هي المحسنات.
ما هي العيوب؟ العيوب هي تلك الأشياء التي كنا نخشاها دائماً و نكرر و نقول إن هؤلاء سيئو العهد و سيئو الذات و يقلبون و يخلفون وعودهم و لا يعملون بها. هذه هي العيوب. هناك ثغرات في برجام يمكن أن تعبّر عن نفسها، و لو كانت هذه الثغرات قد سدت لقلت العيوب و النواقص أو ارتفعت.
ما أقوله حول برجام لا يرتبط مطلقاً بإخوتنا الأعزاء الذين شاركوا في المفاوضات، فقد قام هؤلاء بأعمالهم و سعوا سعيهم و جدوا و اجتهدوا حقاً. و قد شهدنا ذلك و رأيناه، ذهبوا و بقوا - و يتهيّأ لي أنهم كانوا هناك لمدة من الزمن في شهر رمضان من العام المنصرم - بالتالي كان عملاً صعباً، كان صعباً حقاً و قد تحملوا المشاق، و أنا لا أشكل على هؤلاء. عسى أن يكون الله تعالى راضياً عن عملهم، و نحن كنا ندعو لهم و ندعو الآن لهم، إنما أعني الطرف المقابل، و الذين كانوا الجانب الآخر في المفاوضات معنا.
أما حول برجام نفسه، حول الوثيقة نفسها فكما قلت، فيها ثغرات و زوايا غامضة جعلت العدو يستطيع استغلالها، و مكّنت الطرف المقابل من استغلالها. نحن طبعاً لن ننقض برجام ابتداء، ليعلم الجميع هذا. نحن لن ننقض برجام، و لكن إذا نقضه الطرف المقابل، و المرشحون لرئاسة جمهورية أمريكا يتحدثون الآن دوماً و يهددون بأننا إذا فزنا سوف نمزّقه و ننقضه، إنهم إذا مزّقوه فإننا سنحرقه. أما عدم نقضنا له الآن فهذا شيء يستند إلى الأمر القرآني: «اَوفوا بِالعَهد» (17)، فهو بالتالي معاهدة أبرمناها، و لا نريد نكث المعاهدة، أما إذا نقضوها هم فإننا أيضاً سننقضها، و هذا أيضاً شيء يستند إلى الآية القرآنية: «وَ اِمّا تَخافَنَّ مِن قَومٍ خِيانَةً فَانبِذ اِلَيهِم على سَوآء» (18). إذا نقض الطرف الآخر فانقض أيضاً. «فانبذ» يعني إرم عليه و ردّ عليه. إذن، نحن نتبع الأصول القرآنية، سواء في هذه الجهة من القضية أو في تلك الجهة.
كان واجب الطرف المقابل أن يرفع الحظر، و لم يرفعه، الحظر لم يرفع. رفعوا جزءاً من الحظر بنحو من الأنحاء، لكنه لم يرفع عملياً. و تعرفون أن ما كان موضع نقاش هو الحظر الثانوي. لقد أبقوا على الحظر الأولي بكل قوة و بالكامل، و هذا ما يؤثر على الحظر الثانوي. و الذي أرجوه من المعنيين أن يتفطنوا و يدققوا، و لا يقولوا دائماً إن الحظر قد رفع، لا، قضية التعامل مع البنوك لم تحل و البنوك الكبيرة لا تتعامل و لا تتعاون. و الأمريكيون يقولون: و ما شأننا نحن؟ و هذا كلام خبيث. كيف يقولون لا علاقة لنا بالأمر؟! الفعل فعلهم. لا أدري هل السيد الدكتور ظريف في هذه الجلسة هنا أم لا، يقول في كلامه مع وزير خارجية أمريكا إن قضية البنوك، البنوك الكبيرة و ما شابه لم تحل، فيقول له: نعم، هذا لا علاقة له بنا، فيردّ عليه فوراً: بلى، لو أردتم لاستطعتم حل المسألة، و أنتم الذين تمانعون، أي إن وزارة الخزينة الأمريكية تمانع. نعم، باللسان يقول الطرف الآخر في اجتماع البنوك: لا إشكال في أن تتعاملوا مع إيران، و لا مانع من ذلك من جانبنا، و لكن على الصعيد العملي و في التصريحات الأخرى يتكلمون بحيث لا يتجرأ على التعامل. هل هناك ما هو أفضل للبنك من أن يتعامل مع سوق ذات ثمانين مليون نسمة مثل إيران؟ البنك لا مانع لديه، إنما هناك مانع، و المانع هو تهديد أمريكا. ذلك المسؤول الحكومي الأمريكي قال قبل يومين أو ثلاثة إننا لا نترك إيران ترتاح، إننا لا نترك إيران تشعر براحة البال. عندما يتحدثون بهذه الطريقة، عندما يتحدث عضو رفيع المستوى في الحكومة الأمريكية بهذه الطريقة، فهل سيتجرأ البنك الفلاني على التعامل؟ نعم، جاءت بعض من البنوك الصغيرة و تعاملت، و لكن المعاملات و العقود و المعاملات الحقيقية و الاستثمارات تحتاج إلى تعامل البنوك الكبيرة، و هي لم تتقدم بعد للتعامل، و ليس من المعلوم متى ستتعامل. هذه من الإشكالات الكبيرة. الجانب الأمريكي ارتكب هذا الذنب الكبير و هذه المخالفة الكبرى. يجب أن لا نبرر عمل الأمريكان. نعم، يصدرون تعميماً، لكن التعميم يختلف عن الواقع.
و كذا الحال بالنسبة لقضية تأمين ناقلات النفط. تأمين ناقلات النفط من الأمور المهمة في المعاملات النفطية. واقفوا على التأمين و الضمان إلى سقف محدود، لكن البنى الكبيرة للتأمين - لمبالغ هذه الكميات من النفط و التي تصل أحياناً إلى المليارات - لم تبد استعدادها للمشاركة، لم تبد استعداداً للتأمين و الضمان. السبب هو أن الأمريكان أنفسهم أعضاء في تلك المنظمات و البنى، و لا يسمحون بذلك. إذن، لم يعمل الأمريكان بجانب مهم من التزاماتهم.
لقد قدمنا تسديداتنا المسبقة و ما يجب أن نقوم به. لقد أوقفنا التخصيب بنسبة عشرين بالمائة، و أوقفنا فردو تقريباً، و أوقفنا أراك، كانت هذه تسديداتنا المسبقة التي قدمناها، و ها هم يتوقعون أكثر. و أنا أقول هنا الآن - إذا كان السيد الدكتور صالحي (19) حاضراً - لا توافقوا مطلقاً على توقعاتهم بخصوص ألياف الكاربون التي تستخدم في أجهزة الطرد المركزية، أو توقعاتهم بخصوص قياس الثلاثمائة كيلو، و لا ترضخوا لها. إنهم يستزيدون و يطلبون المزيد دائماً، رغم أننا قدمنا كل تلك التسديدات المسبقة. على كل حال لم يعمل الطرف المقابل بالتزاماته.
و إذا أردنا الآن الحصول على عائداتنا النفطية لكان ذلك عملية صعبة، صعبة و مكلفة. الأموال التي لنا في البلدان الأخرى لم تسدد لنا، لم تسدد. و قد أعطى البعض وعوداً بذلك. حسب ما قال لي السيد رئيس الجمهورية، وعد أحد هذه البلدان بالتسديد، لكن الأمر لا يتعلق ببلد واحد فقط، بل هي عدة بلدان. لدينا أموالنا في بنوكهم، و لكن لأنّ الأموال بالدولار، و قضية الدولار مرتبطة بأمريكا، لذلك لا يستطيعون التسديد، و العملية مقفلة. هذا هو عداء أمريكا، و كيف يكون العداء إذن؟ لم يعملوا بالتزاماتهم.
إذن، ما أريد قوله هو أن الصناعة النووية صناعة استراتيجية لبلادنا، و هذه الصناعة يجب أن تبقى و تتطور و ينبغي أن لا تتضرر، فوجود هذه الصناعة مؤثر حتى على مناعة البلاد و أمنها. القدرات العملية للصناعة النووية و منظمة الطاقة النووية يجب أن تبقى، و كوادرها الإنسانية يجب أن تبقى، و ينبغي أن تبقى القابلية على العودة للوضع السابق، و هذه القدرة موجودة في الوقت الحالي لحسن الحظ. و أقولها لكم: خلال أقل من ستة أشهر يستطيعون بنفس أجهزة الآي آر واحد - و هي الأجهزة القديمة - أن يوصلوا البلاد إلى ثمانية عشر ألف سو. هذا الشيء في الوقت الحاضر ممكن خلال أقل من ستة أشهر، فلا يتصور الطرف المقابل أن أيدينا مغلولة. نستطيع بقطع آي آر أربعة - و هي الجيل المتطور الثاني و الثالث من الأجهزة - و المعدات التي لدينا الوصول خلال أقل من سنة و نصف السنة إلى مائة ألف سو. هذه قدرات و طاقات متوفرة حالياً في منظمة الطاقة النووية، فليستفيدوا من هذه الطاقات و ليوقفوا الطرف المقابل. يجب عدم اتخاذ خطوة متسرّعة، ليفعلوا كل ما يستطيعون حيال عراقيل أمريكا، و لحسن الحظ قال وزير الخارجية المحترم و رئيس الجمهورية المحترم - قال هنا و في مجلس الشورى و في الأماكن الأخرى - إنهم يتابعون الأمور، و يجب أن يتابعوا الأمور بشكل جاد. لاحظوا أنه كما يقال «الحق يؤخذ»، و خصوصاً من ذئب مثل أمريكا، حيث يجب أن ينتزع الحق من بين أنيابه، فهو لا يأتي و يقدم الحق و يعطيه. طالما لم ينقضوا التعهدات بشكل كامل فإننا أيضاً لن ننقض، و لكن يجب أن نحافظ على قدراتنا مقابل أخطائهم و عراقيلهم.
و أقول أيضاً إن ما استطعنا الحصول عليه من الأمريكيين في هذه القضية كان بفضل قدراتنا العلمية و التقنية، فلو لم تكن القدرة على التخصيب بنسبة عشرين بالمائة و لو لم تكن هناك القدرة على صناعة أجهزة طرد مركزي متطورة لما استطعنا بالتأكيد أن نفرض عليهم الموافقة على عدة آلاف من أجهزة الطرد المركزي من دون أن يتذرعوا ببعض الذرائع. لقد كان هذا بفضل ذلك الاقتدار. و إذا زال هذا الاقتدار فإن ضغوط الطرف المقابل ستزداد، و كلما ازداد هذا الاقتدار ستزداد قدرة هذا الطرف على الضغط على الطرف المقابل. لذلك ينبغي المحافظة على هذه القدرات.
و قد عيّنا هيئة إشراف على هذه القضية. و أشير هنا إلى أن توقعي من هيئة الإشراف أن يدققوا و يراقبوا أكثر، و أين ما شعروا أن الطرف المقابل يخون و يسيئ التصرف فيجب عليهم القيام بما يمليه عليهم واجب الدفاع عن المصالح الوطنية.
اللهم، بمحمد و آل محمد، اجعل ما قلناه و ما أردناه و ما نويناه و ما هممنا به لك و في سبيلك، و تقبّله منا بكرمك. اشمل خدّام البلاد بلطفك و رحمتك، و اشمل أمامنا الخميني الجليل و شهداءنا الأبرار و مضحينا الأبرار بلطفك و رحمتك.
و السلام عليكم و رحمة الله.
الهوامش:
1 - في بداية هذا اللقاء تحدث حجة الإسلام و المسلمين حسن روحاني رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران.
2 - سورة الزمر، شطر من الآية 54 .
3 - إقبال الأعمال، ج 1 ، ص 90 .
4 - سورة الأنفال، شطر من الآية 25 .
5 - سورة النساء، شطر من الآية 79 .
6 - سورة آل عمران، شطر من الآية 155 .
7 - سورة التوبة، الآية 77 .
8 - سورة الروم، شطر من الآية 10 .
9 - بوستان، لسعدي الشيرازي، بقليل من الاختلاف.
10 - من ذلك كلمة الإمام الخامنئي في لقائه بأساتذة الجامعات بتاريخ 05/10/2005 م .
11 - استاكس نت، فايروس كومبيوتري تم تصميمه من قبل أعداء للجمهورية الإسلامية الإيرانية للتخريب في معداتها النووية.
12 - من ذلك كلمة الإمام الخامنئي في لقائه بمسؤولي النظام الإسلامي بتاريخ 24/07/2012 م .
13 - كلمته في لقائه جمعاً من الطلبة الجامعيين و طلبة المدارس بمناسبة اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار بتاريخ 03/11/2013 م .
14 - دونالد ترامب و هيلاري كلينتون.
15 - سورة الأنفال، شطر من الآية 60 .
16 - بتاريخ 03/06/2016 م .
17 - سورة الإسراء، شطر من الآية 34 .
18 - سورة الأنفال، شطر من الآية 58 .
19 - الدكتور علي أكبر صالحي رئيس منظمة الطاقة النووية في إيران.