النيروز كان ولا يزال يعني اليوم الجديد وتغيّر الأحوال. من حيث الطبيعة فإن يوم الحَمَل الأول -الذي يُعتبر بداية الربيع- يُعدّ يوماً جديداً؛ لكنّ اليوم الجديد لا ينحصر بتجدّد بعض المظاهر في الطبيعة؛ فكما وردت روايات عن أئمّة الهدى (عليهم السّلام) في شأن النيروز، يشعر الإنسان فعلاً أنّ تلك الشخصيات العظيمة أيضاً، وكما جرت عادة الإسلام - حيث أنه استقى العادات والتقاليد والمفردات وغيّر محتواها-، كانوا بصدد القيام بأمر كهذا. عندما يسألون الإمام (عليه السّلام) أن "ما النّيروز؟" يجيب الإمام (عليه السلام) بناء على بعض التعابير: "أتدري ما النّيروز؟"؛ ولا يقول أتعلم متى يكون النّيروز؟
ثمّ أنّه توجد عبارات متنوعة في معنى النيروز وماهيّته. فعلى سبيل المثال عندما نصّب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أميرالمؤمنين في منصب الخلافة، كان ذلك اليوم يوم النيروز. أو في رواية أخرى فإنّ ذلك اليوم الذي سيُقتل فيه الدجّال على يد الإمام المهدي (أرواحنا فداه) في آخر الزّمان هو يوم النيروز. أو قد ورد أيضاً في بعض الروايات أن اليوم الذي هبط فيه آدم إلى الأرض كان يوم النيروز. النيروز يعني يوماً جديداً وأحوالاً جديدة في تاريخ البشر وحياتهم. وما يبدو هو أن الإمام في هذه الروايات لا يرغب في أن يقول بأن ذلك اليوم الذي وقعت فيه هذه الأحداث، أو سوف تقع صادف أو سيصادف اليوم الأول في برج الحَمَل. لا، من المستبعد كثيراً أن يكون المقصود هو هذا الأمر؛ بل ما يرمي إليه الإمام هو أن ندرك مفهوم النيروز.
النيروز يعني اليوم الذي تجدّدونه بعملكم والأحداث التي تصادفونها. فيوم الحادي عشر من شباط الذي حقق فيه الشعب الإيراني حدثاً عظيماً بعون ومدد من الله عزّوجل هو يوم جديد وهو نيروز. وذلك اليوم وجّه فيه الإمام الخميني صفعة محكمة للمستكبر المتغطرس والمتجبّر، لقد كان ذلك اليوم نوروزاً ويوماً جديداً وبداية لمسار جديد، كان حدثاً جديداً على وشك أن يحصل وقد حصل. ينبغي علينا أن نجعل من النيروز يوماً جديداً. النيروز هو يوم جديدٌ من أيام الطبيعة، والجانب الإنساني للقضية يقع بأيدينا ونحن من نصنع اليوم الجديد.
وقد صادف ربيع الطبيعة هذا العام ربيع الدعاء والقرآن. ففي غضون أيام قليلة سيبدأ شهر رمضان المبارك والذي هو ربيع بناء الذات والتجديد بالنسبة للإنسان وربيع الأنس بالله عزّوجل. فهل يُمكن أن يُغفل هذا الجانب من الأمر؟ إنّ منشأ كافّة الأخطاء هو عدم التطرّق إلى هذا الجانب. فمن كانت أخطاؤه أقلّ، وكان قلبه مستنيراً بنور المعرفة والهداية الإلهيّة، ومن كانت اليد التي يشير بها لهذا الشعب ولنا ولعشاق الإسلام في العالم دليلاً وحلّالة للمشالك -أعني الإمام الخميني الرّاحل- كان كذلك بسبب ارتباطه بالله عزّوجل.
في العالم، تنحرف الثورات والحكومات والإدارات والرئاسات وتبتلى بالعيوب عندما تغفل عن هذا الجانب، أي الروحانيّة والارتباط بالله عزّوجل واتصال القلب به. ونحن إذا ما دقّقنا، أينما تقدّمنا وحقّقنا النجاح وكان أداؤنا جيّداً وكنا راضين عنه، كان هذا الجانب حاضراً، وأينما تلقينا الصفعات، كان سبب ذلك وجود ضعف في هذا الجانب.

~الإمام الخامنئي ١٩٩٠/٣/٢١