بسم الله الرحمن الرحيم (1)
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين. 
هذه الجلسة بالنسبة لي جلسة جدّ طيبة ومُحبّبة، والسبب هو أن الناشطين فيها والمتحدثين والبارزين هم الذين تتسمر أعين أملي عليهم لمستقبل هذا البلد ومستقبل الثورة، أي الشباب المتحفّز المؤمن. 
لحسن الحظ شاهدت العمق والنظرة العميقة في الكلمات التي ألقيتموها، أي إنني لاحظت أن الكلام والآراء كلام نابع من تفكير وتعقل وعقلانية. وهذا شيء مهم جداً بالنسبة لنا. من المهم جداً بالنسبة لي أن أرى شبابنا يفكرون ويتكلمون انطلاقاً من تفكير وتدقيق. والكثير من هذه الآراء التي قيلت أوافقها وأؤيدها. وأنا الآن أتحدث عن قضاياكم أيها الشباب الأعزاء الذين نلتم الميداليات. وسوف أتحدث بعض الشيء إن شاء الله عن الأعزاء لاعبي كرة الطائرة. 

أولاً أتقدم بالشكر لأنكم تلطفتم وأهديتم ميدالياتكم لي، وهذا طبعاً ليس إهداء لشخص، وأنا متفطن لهذا المعنى تماماً، إنما هو إهداء لرمز ولنظام ولحقيقة. والواقع أنكم تصورتم حقيقة معيّنة وتريدون تأييد هذه الحقيقة بإهداء الميداليات. أنا طبعاً شاكر لكم، وأتقبل منكم أيها الأعزاء هذه الهدية القيمة والكبيرة جداً، ثم أعيد إليكم هذه الميداليات لأنني أتمنى أن تحتفظوا بها وتمتلكوها عندكم. إننا نفخر بمفاخركم، ونرفع رؤوسنا برفعة رؤوسكم، إعلموا هذا. في أي مضمار وفي أي ميدان يبرز فيه شبابنا اليوم ويرفعون الرؤوس ويتسببون في شموخ البلد والنظام ومحبي النظام، حيث ترتفع هامات الذين عملوا وبذلوا الجهود وتحملوا المشاق وأنفقوا الأعمار من أجل تشكيل هذا النظام، شموخكم مبعث شموخ الشعب وشموخنا جميعاً. 

أشير فقط إلى نقطتين أو ثلاثاً على وجه السرعة. أولاً الآراء التي ذكرتموها، والنقاط التي انطوت على اقتراحات أو وجهات نظر فكرية دقيقة ـ وقد كان ذلك ملحوظاً في الكلمات التي ألقيت ـ سوف نتابعها إن شاء الله، سواء الاقتراحات أو تلك الآراء الدقيقة التي قدمتموها. وإذا كان من المفترض أن نوصي أحداً بشيء أو نصدر أمراً بشيء فسوف نفعل ذلك بالتأكيد إن شاء الله، بمعنى أن أقوالكم وتصريحاتكم وكتاباتكم لن تبقى دون ردّ بفضل من الله. 

أشير إلى نقطة أو نقطتين: النقطة الأولى هي أن طريق النخبة طريق لا نهاية له. ليس الأمر بحيث نقول إن هذا الشاب نخبة من الناحية الفكرية والذهنية وقد حاز الآن على ميدالية وانتهى الأمر، لا، هذه الميدالية من علامات سيركم في طريق ما، طريق النخبوية، طريق الجهد النابع عن موهبة وقدرة خاصة. يجب أن تسيروا في هذا الدرب وتبذلوا الجهود والمساعي. وعندما تنالون الميداليات فسيكون ذلك علامة على أنكم تقدمتم في هذا الطريق بعض الشيء، ولكن عليكم أن تواصلوا هذا التقدم في أي حقل كنتم، يجب أن تجدّوا وتجتهدوا وتفكّروا. لا تسمحوا لهذه الإمكانية والموهبة بأن تختفي وتنتهي عند هذا الحد وأن يجفّ مصدر هذا الينبوع المتدفق، لا تسمحوا لذلك بأن يحدث. الذي أعتقده أن قدرات الإنسان وإمكانياته ـ كلّ البشر بما في ذلك غير النخبة ـ إمكانيات استثنائية، ولكن قد يكون لشخص ما في جانب معين من جوانب الحياة طاقة لانهائية، بينما يكون لشخص آخر طاقته في مضمار آخر، لكن الجميع يمتلكون هذه الطاقات والقدرات، فالكل يمتلكون كل الطاقات. وهذه الطاقات لا نهاية لها، فلا تسمحوا بأن تبقوا في منتصف الطريق ولا تواصلوا العمل والطريق. 

أعزائي، لا تزال أمامنا الكثير من الأعمال والمهام. لقد كنا ذات يوم الأوائل في العالم من حيث العلوم الوطنية العامة. هكذا كان الوضع ذات يوم. ثم بدأ الهبوط شيئاً فشيئاً، وليس هذا الهبوط موضع إشكال ومؤاخذة كثيراً، فالبلدان والشعوب والحضارات ترتفع وتهبط وتمرّ بمنعطفات، ولا يمكن أن نتوقع الرّفعة دوماً، فهي تهبط في فترات وتتقدم في فترات، ولكن في القرن أو القرنين الأخيرين حيث بدأت تدخّلات الأجانب وفرض سياساتهم في البلاد، يشعر المرء أن هذا الهبوط وهذا التراجع لم يعد حالة طبيعية إنما هو تراجع مفروض علينا. لست أدري كم ترغبون وتحبون أن تطّلعوا على التاريخ، وتوصيتي هي أن تتعرفوا حتماً على تاريخ هذا القرن الأخير أو القرنين الأخيرين على أقل تقدير، وستتضح لكم الكثير من الحقائق. لقد فرضوا علينا التأخر بالمعنى الحقيقي للكلمة. في فترة الحكم القاجاري بشكل وفي فترة الحكم البهلوي بشكل آخر، لقد فرضوا علينا التخلّف. المواهب الإيرانية أعلى من متوسط المواهب العالمية. قبل سنوات أشرت إلى هذا ذات مرّة وشعرت أن البعض يشكّكون في هذه الفكرة، واليوم تتكرر هذه الفكرة في العالم ويُقال إن المواهب الإيرانية مواهب أرقى. إذن، فُرض علينا التخلّف وبقينا متأخّرين وتقدّم العالم وتقدّمت العلوم لدى البشر. رغم كلّ الحراك الذي حصل بعد الثورة وخصوصاً خلال هذه الأعوام العشرين الأخيرة وهو حراك علميّ جيد جداً وقد حصلت إنجازات وأعمال كثيرة لكننا لم نستطع التقدم بحدود العلم والتقنيّة إلى الأمام، لم نستطع ذلك بعد. ويجب أن نقوم بذلك، فمن هو الذي ينبغي أن يقوم بذلك؟ من الذي يجب أن يقوم بذلك سواكم؟ جيلكم والجيل الذي يليكم، أنتم الذين يجب أن تُنتجوا وتُصنّعوا. 

قضية مساعينا اليوم هي المواصلة الناجحة للطريق الذي شرّعه الآخرون. نحن في تقنيات النانو اليوم من البلدان الخمسة أو الستة الأولى في العالم، هذا مما لا شك فيه، ولكن من الذي اكتشف النانو؟ هذا هو المهم. أنا أودّ أن تكتشفوا العشرات والمئات من الأشياء من أمثال النانو. أرغب في أن تكتشفوا العشرات والمئات من الظّواهر العلميّة في تقنيات الأحياء. العالم كبير جداً، عالم الطبيعة فيه من العمق الكثير وفيه الكثير من الأشياء التي يمكن اكتشافها ومما لم نكتشفه بعد. كما أن الطاقة الكهربائية هذه كانت موجودة في العالم منذ آلاف السنين، كانت موجودة في الطبيعة لكن البشر لم يكن قد اكتشفها، ثم اكتشفها بعد ذلك. واليوم أيضاً يمكن أن تكون في حياة البشر ملايين الظواهر ـ من قبيل الطاقة الكهربائية ـ موجودة في الطبيعة لكنها لم تُكتشف بعد، ويجب لهذه الظواهر أن تُكتشف، فاكتشفوها وتابعوها وتقدموا إلى الأمام. وهذا بحاجة إلى رفعة وسموّ هذا الجوهر النخبوي الموجود فيكم. يجب لهذا المسار أن لا يتوقّف. إنّكم نخبة وأعزاء ومكرّمون لأجل نخبويتكم. هذا مما لا شك فيه. ولنفترض أنهم لا يعرفون قدركم على حد تعبير هذا الشاب العزيز علينا، ولا يكترثون لنخبويتكم، لكنكم نخبة على كل حال وبلا شك. ولكن ليس معنى ذلك أن طريقكم انتهى عند هذا الحد، وأنكم لم تعد بكم حاجة للجد والاجتهاد والسعي أكثر لأنكم نخبة، لا، يجب أن تسعوا وتعملوا وترفعوا من مستوى قدراتكم وطاقاتكم. وهذا ما نحتاجه في كل الحقول والمجالات ويجب أن نتقدم. إذن هذه هي توصيتنا الأولى: مواصلة الحراك والمسيرة والعمل. 

القضية الثانية هي أنكم إذا أردتم أن تكونوا مفيدين لبلادكم بالمعنى الحقيقي للكلمة فينبغي لكم أن تحافظوا على النظرة الثورية، النظرة الثورية والرؤية الثورية الأساسية القائمة على التفكير الإسلامي، يجب أن تحافظوا عليها في أنفسكم وتعزّزوها. واليوم نُلاحظ لحُسن الحظ وفي ضوء ما يُستشعر من كلامكم أن هذه النظرة موجودة لديكم، فعزّزوا هذه النظرة ما استطعتم. وهذا هو السبب في أنني شدّدت على البصيرة كل هذا التشديد وتكلمت عنها. إذا لم نواصل هذه النظرة الثورية فسوف نتأخر ويتوقف تقدمنا، وإذا حصل تقدم لدى الأشخاص والأفراد منّا فلن يكون ذلك لصالح البلاد، وهذا ما كان في الماضي خلال عهد الطاغوت. في ذلك الحين أيضاً كان لدينا نخبة لكنهم لم يكونوا ينفعوا البلاد. فضلاً عن أنّ الطاقات لم تكن لتظهر وتبرز فإن المقدار القليل الذي كان يبرز منها لم يكن يؤدي إلى منفعة الآخرين ولا يصب في خدمة الآخرين. حافظوا على التفكير الثوري والنظرة الثورية في أنفسكم بكل تأكيد ورسّخوها. 

ولا تنسوا التوكل على الله والاستمداد منه. هذه توصيتي الأكيدة فالله وليّ التوفيق. طبعاً يقول لنا القرآن أن كل من يسعى فإن الله سوف يعينه: «كـلًّا نُمِدُّ» أي إن معونة الله لا تختصّ بالمؤمنين فقط، بل يعين الله تعالى حتى الذين يعملون من أجل الدنيا عندما يبذلون الجهود والمساعي لأجل مساعيهم «كلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَ هؤُلاءِ» (2). لكن المساعدات الإلهية الخاصة هي من نصيب المؤمنين وعندما يتواصل الإنسان مع الله ويرتبط به. قلوبكم قلوب طاهرة فأنتم شباب وقلوبكم نقية، وارتباطكم بالله تعالى وتوكلكم عليه واستمدادكم منه سوف يعينكم لتستطيعوا التقدم أفضل وتجاوز المشاكل بشكل أفضل ومكابدة المشاكل بمزيد من التفاؤل والأمل، والتقدم إلى الأمام. هذه أيضاً نقطة على جانب كبير من الأهمية. وهذا التواصل القلبي مع الله والذي أوصي به الشباب دائماً وأوصيكم به هو بالدرجة الأولى تجنّب المعاصي وتعريف القلب على الله تعالى والاهتمام بالصلاة وبذكر الله. هذه هي توصياتنا الحتميّة والتي ستعينكم إن شاء الله وتتقدم بكم في هذا السبيل، ونتمنّى أن يوفقّكم الله. نعم، أنا أيضاً ادعوا لكم بالتأكيد وأتمنى أن يُستجاب دعائي فيكم. أنتم أبناء هذا البلد وقرّة عينه وستقرّ عين البلد بكم إن شاء الله. 

بخصوص فوز شبابنا من لاعبي كرة الطائرة والرياضيين الإيرانيين فهذا ما يفرحني حقاً. وقد قالوا إن فلاناً له خبرة في كرة الطائرة، لا، لا خبرة لي في كرة الطائرة، إنّما كنّا في طفولتنا فقط نلعب كرة الطائرة في الأزقّة، ضمن هذه الحدود فقط، ولم تتوفّر لنا الفرصة والمجال حقاً خلال فترة شبابنا للّعب وإلّا فكنّا نحبّ ذلك. كنّا نشدّ خيطاً في وسط الزقاق ـ وكنا نتمنى شبكة حقيقية لكننا لا نحصل عليها ـ ثمّ نلعب كرة الطائرة. كرة الطائرة لعبة جيدة جداً. أي إنها حقاً من الألعاب الحسنة جداً، ولا أروم أن أذكر أسماء الألعاب الأخرى حتى لا يٌعدّ ذلك حطاً للحقول الرياضية الأخرى. لكن كرة الطائرة رياضة جيدة جداً. 
والحمد لله استطاع شبابنا تحقيق مفاخر، وأين كان ذلك، في أي بلد؟ كما قال (3) في المكان الذي (4) طبعاً شعبهم حسن معنا (5) الشعب هناك مناصر لكم ويحبكم ويصفق لكم ويرفع الصلوات لكم، يفعلون من هذه الأشياء، لكن حكومتهم، نعم، سيئة. ذهبتم إلى هناك ووقفتم على قمة كرة الطائرة في العالم. هذا شيء له قيمة كبيرة جداً وقد فرح الشعب وفرحت أنا، فرحت أنا وفرحت لفرح الناس، وقدّمت الشكر لكم لهذين السببين، وأتقدم لكم بالشّكر مرّة ثانية. أرجو لكم التوفيق إن شاء الله. هذه نقطة. 

النقطة الثانية هي هذه النقطة التي أشار لها أخونا العزيز الشاب العزيز (6)، وقد كانت في ذهني أيضاً، ألا وهي أهمية المدرّب الإيراني. وقد كانت هذه هي عقيدتي دوماً. وفي يوم ما كان هناك مدرّب إيراني لكرة القدم أيضاً، وحين جاءوا عندي شكرتهم لأنهم عيّنوا مدرّباً إيرانياً. هذه عقيدتي حقاً. ولا أروم الخوض في الأمور فهذه أمور إجرائيّة ولها المسؤولون عنها، ولا أتدخل لأقول يجب فعل كذا وعدم فعل كذا، لكنّني أعتقد حقاً أن من المناسب لبلادنا أن يكون لها مدربوها الإيرانيّون في الرياضة وفي الأندية وفي الاتحادات والمجاميع. أي لا ضرورة حقاً، والبعض يشعرون بالضرورة من دون مبرر ويحاولون إثبات ذلك، لكنّني لا أقتنع بيني وبين نفسي أن هذا الشيء ضروري. لا، إنني مسرور جداً لأن مدرباً إيرانياً وزملاءه استطاعوا إيصال هؤلاء الشباب إلى هذا المستوى والحمد لله. نتمنى لكم التوفيق والتقدم إن شاء الله. 

وسوف أنظر في تلك النقاط المطروحة، سوف أعطيها للمكتب لينظروا فيها ويروا ما الذي ينبغي لنا فعله. لأنكم حين تذكرون اسم الخدمة العسكرية سيقول الآخرون أيضاً على الفور الخدمة العسكرية، أي إن الجميع سيقولون ذلك، والحال أن لو ذهبت مجموعة من النخبة هكذا إلى أجواء الخدمة العسكرية فسوف يوجدون تحولاً أساسياً في أجواء القوات المسلحة (7). أي إن وجودهم فرصة مغتنمة حقاً، طبعاً هذا أيضاً لا يعني إصدار حكم فلا نريد إصدار أحكام. 
لقد كان هذا اليوم يوماً طيباً جداً بالنسبة لي، كان لقاؤكم لقاء جد محبب وطيب بالنسبة لي، وأسأل الله أن يعينكم. وقد كان هذا أيضاً شيئاً لافتاً أن تأتي هذه السيدة المحترمة التي حازت على ميدالية (8) بطفلها الصغير معها، والحمد لله واضح أنه يمكن رغم وجود الزوج والأبناء وما شاكل أن تنال المرأة الميداليات. إذن هذا الأمر ممكن. أن يظن البعض أن هذه الأمور غير ممكنة فلا، ليس الأمر كذلك، هذا شيء ممكن. وفقكم الله جميعاً إن شاء الله. 
والسلام عليكم ورحمة الله. 

 

الهوامش:
1 ـ في بداية هذا اللقاء ألقى ستة من الحائزين على ميداليات في الأولمبيادات العلمية وإثنان من أعضاء المنتخب الوطني للشباب في كرة الطائرة كلمات أشاروا فيها لوجهات نظرهم في قضايا شتى. 
2 ـ سورة الإسراء، شطر من الآية 20 . 
3 ـ السيد بهروز عطائي (مدرب فريق الشباب لكرة الطائرة). 
4 ـ في الإجابة على كلام السيد بهروز عطائي الذي أشار للتعامل السياسي مع الرياضيين الإيرانيين في البلد المضيف. 
5 ـ بلد البحرين. 
6 ـ السيد أمير حسين إسفنديار (كابتن المنتخب الوطني الشبابي لكرة الطائرة). 
7 ـ ضحك الإمام الخامنئي والحضور. 
8 ـ السيدة زهراء هدايتي متين (الحائزة على الميدالية الذهبية في أولمبياد الآداب على مستوى طلبة المدارس والجامعات).