روح قضيّة [كربلاء] هي أنّ الإمام الحسين لم يكن يواجه جيشاً أو جماعة من النّاس في هذه الحادثة. لقد كان الإمام الحسين (عليه السّلام) يواجه عالماً من الانحراف والظّلمات. هذا هو المهمّ. كان يواجه عالماً من الانحراف والظّلمة والظّلم، وكان يتوفّر في ذلك العالم كلّ شيء. المال، والمنال، والجبروت، والشّعر، والكتاب والمحدّث وعالم الدّين. كان الأمر موحشاً. فقد كان جسد الإنسان العادي -وأيضاً فوق العادي- يرتعش أمام عظمة ذلك العالم الحالك الوهميّة. لم يتزلزل قلب الإمام الحسين (عليه السلام) مقابل هذه الدّنيا ولم ترتعش قدماه؛ ولم يشعر بالوهن والترديد وتقدّم لوحده إلى وسط الميدان. عظمة الأمر تكمن في القيام لله.

ما قام به الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) في كربلاء يُمكن تشبيهه ومقارنته بما فعله جدّه الأطهر محمد بن عبدالله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في البعثة. كما أنّ الرّسول الأكرم واجه العالم لوحده هناك فإنّ الإمام الحسين واجه وحيداً أيضاً في كربلاء عالماً بأكمله.لم يخشَ ذلك العظيم شيئاً، وصمد وتقدّم. الحركة النبوية والحركة الحسينية أشبه بدائرة متّحدة المركز. يصبّان في اتجاه واحد. وهنا تكتسب "حسين مني وأنا من حسين" معناها. هذه هي عظمة ما قام به الإمام الحسين.

عندما قال الإمام الحسين في ليلة عاشوراء: إرحلوا ولا تبقوا هنا؛ خذوا بيد أطفالي أيضاً وارحلوا؛ هؤلاء يريدونني أنا، لم يكن يمزح. فلتفرضوا أنّهم وافقوا على [طلبه] ورحلوا وبقي الإمام الحسين وحيداً أو مع عشرة أشخاص؛ هل كنتم ستظنّون أنّ ذلك كان سيحطّ من عظمة عمل الإمام الحسين؟ لا؛ كانت ستكون العظمة ذاتها. لو أنّه أحاط حينها بالإمام الحسين بدل هؤلاء الإثنين وسبعين شخصاً إثنين وسبعين ألف شخص، هل كان ذلك سيقلّل من عظمة الحادثة؟

لا، عظمة الأمر كانت تكمن في أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) لم يتردّد أمام ضغوط عالم جشع ومدّع؛ بينما تساور الأشخاص العاديّين الشّكوك. الأشخاص الأكثر من عاديّين يشعرون بالتّرديد أيضاً. كما أنّني قلت مراراً أنّ عبدالله بن العبّاس -الذي كان شخصيّة عظيمة- وجميع كبار قريش كانوا منزعجين من الأوضاع. وفي عداد هؤلاء أيضاً كان عبدالله الزّبير، وعبدالله عمر، وعبدالرّحمن بن أبي بكر وأبناء كبار الصّحابة وبعض الصّحابة. كان هناك عددٌ كبير من الصّحابة في المدينة؛ وكانوا من الغيارى أيضاً -لا أن تظنّوا بأنّهم كانوا عديمي الغيرة- وكانوا نفس أولئك الذين تصدّوا لهجوم مسلم بن عقبة في قضيّة "الحرّة" في المدينة بعد عام حيث أبادوا الجميع وقاتلوا وصمدوا. لا تظنّوا أنّهم كانوا من الجبناء؛ لا، كانوا من المقاتلين الشّجعان.

لكنّ شجاعة الولوج في ساحة ميدان الحرب شيء وشجاعة مواجهة عالماً بأسره شيءٌ آخر. كان الإمام الحسين (عليه السلام) يملك [الشجاعة] من النوع الثاني. وسار من أجل هذا الأمر. ولهذا أكّدت مراراً أنّ حركة إمامنا [الخميني] العظيم كانت حركة حسينيّة. إمامنا الخميني العظيم في زماننا هذا كانت لديه رشحة من الحركة الحسينيّة في إقدامه ...

... كربلاء متمدّدة حتّى نهاية العالم. كربلاء لم تكن محدودة في مئات الأمتار المحدودة تلك. اليوم أيضاً هو الزّمان نفسه. العالم الاستكباري والظلم الحالي يواجه الجمهوريّة الإسلاميّة.
~الإمام الخامنئي ١٩٩٦/١٢/١٤