بسم الله الرحمن الرحيم، نحمد الله عزّوجل على توفّر هذه الفرصة لنا وتشرّفنا بلقاء سماحتكم ونشكركم على الفرصة التي منحتموها لنا، وفي الحقيقة منحتموها لمكتب حفظ ونشر آثار قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي.
كما تعلمون، لم تنقضِ فترة طويلة على إحياء احتفالات الذكرى السنوية الأربعين لانتصار الثورة الإسلامية، الذكرى السنوية التي لم يكن يرغب الأعداء بأن يتمّ إحياؤها ورسموا لها المخططات. الثورة الإسلامية منصهرة في القيادة ولا يمكن الفصل بين الثورة الإسلامية وقيادتها. كما أنّنا سندخل قريباً في الذكرى السنوية الثلاثين لرحيل الإمام الخميني (رضوان الله عليه) وهي في الحقيقة الذكرى السنوية الثلاثين أيضاً لقيادة آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي.

نرغب في أن نبدأ سؤالنا من مرحلة انتصار الثورة الإسلامية، كيف كانت ظروف المنطقة حينها؟ أيّ ظروف كانت تمرّ بها منطقة غرب آسيا؟ خاصّة أنّ أحد أهمّ أبعاد الثورة الإسلامية هو بُعد تأثيرها الإقليمي والدولي. ما هي التحوّلات التي شهدتها معادلات المنطقة مع انتصار الثورة الإسلامية؟ وماذا حصل على مستوى المنطقة بشكل عام وفي لبنان بشكل خاص بعد انتصار الثورة الإسلامية؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم، أوّلاً أهلاً وسهلاً بكم، لو عدنا إلى الماضي سنجد بأنه قبيل انتصار الثورة الاسلامية في ايران في منطقتنا حصل حادث مهم جداً وهو خروج مصر، أي الجمهورية العربية المصرية من الصراع الاسرائيلي، وتوقيع ما سُمّي بمعاهدة كمب ديفيد. وهذا كان له تأثير خطير جدّاً على المنطقة وعلى مجمل الصراع العربي الاسرائيلي وعلى القضيّة الفلسطينية ومستقبل فلسطين،  نتيجة وزن ­وحجم مصر في هذا الصّراع. وبدا للوهلة الأولى أن الصراع بات لمصلحة اسرائيل بدرجة كبيرة جدّاً، لأن بقية الدول العربية وفصائل المقاومة الفلسطينية في ذلك الحين لم تكن قادرة بدون مصر على المواجهة الكبرى والحقيقية. هذا أوّلاً، وهو أحدث أيضاً انقساماً كبيراً في العالم العربي.

ثانياً، أيضاً تذكرون أنه في ذلك الحين كان الاتحاد السوفييتي موجوداً والمعسكر الغربي أيضاً [كان] موجوداً بقيادة الولايات المتّحدة الأمريكية. منطقتنا أيضاً كانت منقسمة، بين دول ترتبط بالاتحاد السوفييتي والمعسكر الشرقي وبين دول ترتبط بالمعسكر الغربي والإدارة الأمريكية. إذاً كان لدينا انقسام حادّ أيضاً بين الدول العربية الموجودة في المنطقة، وهذا الانقسام كان له آثار كبيرة على الشعوب وأيضاً على الصراع مع العدو الاسرائيلي، وكانت الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية تنعكس عندنا وفي منطقتنا بشكل أساسي.

في لبنان، لبنان جزء من هذه المنطقة المتأثّر جدّاً بالوضع الاسرائيلي، بالصراع العربي الاسرائيلي، وبانقسامات المنطقة، كان له أيضاً مشاكله الداخلية في ذلك الوقت، أي أننا كنا على بوابة الخروج من الحرب الأهلية الداخلية. العدو الاسرائيلي كان قد احتلّ جزءاً من جنوب لبنان سنة ١٩٧٨ أي قبل انتصار الثورة الإسلامية بسنة واحدة، وأنشأ حزاماً أمنيّاً سُمّي بـ"الشريط الحدودي" على طول الحدود اللبنانية-الفلسطينية، وكان يمارس يوميّاً اعتداءاته وتجاوزاته على البلدات والقرى اللبنانيّة، فكانت لدينا مشكلة حقيقيّة اسمها الاحتلال الاسرائيلي لجزء من جنوب لبنان والاعتداءات الاسرائيلية الدائمة التي كانت شبه يوميّة تقريباً؛ الطيران يقصف والمدفعيّة تقصف، الاسرائيليون يقتُلون، ويخطِفون، ويفجِّرون ويهجِّرون الناس من بيوتهم. أيضاً هذا كان ١٩٨٧ إلى ١٩٧٩ أي قبيل انتصار الثورة الاسلامية في ايران.

 

هل كانت الحُجّة تواجد الفلسطينيّين؟

نعم كانوا يحتجّون بوجود المقاومة الفلسطينيّة والعمليات التي كان يقوم بها الفلسطينيّون، لكنّ هذه كانت حجّة لأن الاعتداءات الاسرائيلية على جنوب لبنان بدأت منذ العام ١٩٤٨ عندما لم يكن هناك مقاومة فلسطينيّة في جنوب لبنان. المقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان بدأت في أواخر الستينات وأوائل السبعينات خاصّة بعد أحداث الأردن ومجيء الفصائل الفلسطينية من الأردن إلى لبنان. في هذا المناخ انتصرت الثورة الإسلامية في ايران. طبعاً فاتني أن أقول أن جوّاً من الإحباط كان يسود الجوّ العام وجوّ من اليأس وجو من القلق بشأن المستقبل، وقلت أن خروج مصر وتوقيع كمب ديفيد وفرض مسار سلمي إذلالي على الفلسطينيّين وعلى العرب، وضعف الواقع العربي والحكومات العربية، هذا كلّه كان مبعث للإحباط وللحزن وللأسف والقلق فيما يتعلّق بالمستقبل. انتصار الثورة الإسلامية في ايران في هذه اللحظة، أوّلاً أحيا الآمال الكبيرة جدّاً في منطقتنا، أي لدى كل شعوب المنطقة، خصوصاً لدى الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني والشعوب الموجودة هنا التي تعاني من وجود إسرائيل لأن الإمام الخميني (قدّس سرّه الشريف) كان موقفه واضحاً منذ البدايات حول اسرائيل والمشروع الصهيوني وتحرير فلسطين والوقوف إلى جانب المقاومة الفلسطينية  والشعب الفلسطيني وتحرير كامل الأرض، والموقف من أصل وجود دولة اسرائيل ككيان غاصب في المنطقة.

انتصار الثورة الإسلامية في ايران أعطى هذا الأمل الكبير بالمستقبل، وأعطى معنويّات عالية ودوافع كبيرة لكلّ المقاومين وحركات المقاومة في المنطقة، وأعاد التوازن؛ خرجت مصر لكن دخلت إيران. هذا أعاد التوازن إلى الصراع العربي الإسرائيلي، وبالتالي دخلت منطقتنا ودخل مشروع المقاومة في المنطقة في مرحلة تاريخية جديدة بالكامل، وكان ذلك بداية لنهوض إسلامي ونهوض جهادي ونهوض مقاوم على مستوى العالم العربي وعلى مستوى العالم الإسلامي عند الشيعة وعند السنّة، والشعارات التي أطلقها الإمام الخميني (قدّس سرّه الشريف) في موضوع فلسطين، وفي موضوع الوحدة الإسلامية، وفي موضوع المقاومة، وفي موضوع مواجهة أمريكا، وفي موضوع الصمود والثبات، وفي موضوع ثقة الشعوب بربّها وبنفسها وإحياء الإيمان بقدرتها على المواجهة وعلى صُنع الانتصار، هذا كلّه كان له تأثيرات مباشرة على أوضاع منطقتنا.

 

إضافة للجوّ العام الذي خُلق بواسطة الثورة الإسلامية والروحيّة الجديدة التي ضخّها الإمام الخميني (قدّس سرّه) في أرواح شعوب المنطقة وقيام سماحته بإحياء المقاومة، هل لديكم خاطرة خاصّة فيما يخصّ الإمام الخميني ومواقفه تجاه المقاومة اللبنانيّة وحزب الله؟

نعم، نحن في سنة ١٩٨٢، بالتحديد إذا أردنا شيئاً يذكّر بالأحداث في إيران، بعد تحرير مدينة خرّمشهر. الإسرائيليّون كانوا قلقين جدّاً من الحرب الإيرانيّة العراقيّة أو الحرب الصدّاميّة المفروضة على إيران. ولذلك بعد تحرير خرّمشهر، الإسرائيليّون أخذوا قرار اجتياح لبنان، وهذا طبعاً له أسبابه ويوجد ارتباط عميق بين انتصارات الجبهة في إيران وبين العدوان الإسرائيلي على لبنان. ودخلوا إلى جنوب لبنان وإلى منطقة البقاع وإلى جبل لبنان وإلى العاصمة بيروت وضواحي بيروت، إلى هذه المنطقة.

في ذلك الحين اجتمع مجموعة من العلماء والإخوة والمجاهدين وقرّروا إنشاء المقاومة الإسلاميّة، وإيجاد تشكيل إسلامي جهادي مقاوم جديد متناسب مع الوضع الجديد أو الاستحقاقات الجديدة بسبب الاجتياح الاسرائيلي. وفي ذلك الحين دخل الى لبنان، هذه المساحة الصغيرة -ليس إلى كل لبنان بل إلى ما يقارب نصف لبنان، أي ٤٠ بالمئة من مساحة لبنان- دخل مئة ألف جندي وضابط إسرائيلي، وأيضاً كانت إلى جانبهم قوات متعدّدة الجنسيّات أمريكية وفرنسيّة وبريطانيّة وإيطاليّة بحجّة الحفاظ على السّلام. وأيضاً كانت هناك ميليشيات وجماعات لبنانية لها صلة بالإسرائيليّين، وتتعاون معهم. أي أنّ الوضع كان سيّئاً جدّاً جدّاً جدّاً. هذه المجموعة من العلماء والمؤمنين والمجاهدين قرّرت أن تبدأ عملاً جهاديّاً جديداً باسم المقاومة الإسلاميّة، الذي أصبح اسمه بعد مدّة قليلة ”حزب الله“.

تزامن ذلك مع قرار سماحة الإمام الخميني (قدّس سرّه) بإرسال الحرس يعني ”سپاه پاسداران انقلاب اسلامي“، حرس الثورة الإسلامية، إلى سوريا ولبنان لمواجهة الاجتياح الإسرائيلي. طبعاً كانت النيّة في البداية أن يقاتل الحرس إلى جانب الجيش السوري والمقاومين اللبنانيين والفلسطينيّين. لكن بعد مدّة توقّف الهجوم الإسرائيلي عند حدود معيّنة ولم تعد هناك جبهة مواجهة كلاسيكيّة وأصبحت الحاجة ملحّة إلى عمل مقاوم، أي عمل شعبي.

في ذلك الحين سماحة الإمام الخميني (قدّس سرّه) بدّل المهمّة والمأموريّة من المواجهة العسكريّة المباشرة للحرس والقوات الإيرانية التي جاءت إلى سوريا ولبنان إلى مهمّة أخرى هي مساعدة الشباب اللبنانيّين وتدريبهم ليتمكّنوا هم، يعني اللبنانيّون أنفسهم، من قتال المحتلّين وتنفيذ عمليات المقاومة، هذا أوّلاً.

فأصبح دور الحرس الذي كان يتواجد في ذلك الحين في سوريا وفي منطقة البقاع اللبنانيّة -في بعلبك والهرمل وجنتا- حيث كانت هناك معسكرات تدريب، أصبح دوره استقبال الشباب اللبناني وتدريبه على أساليب القتال وتقديم الدعم اللوجستي لهم من سلاح ومهمات وتوجيه، وطبعاً نفس وجود الحرس أعطى قوّة معنويّة كبيرة للشباب اللبناني وكلّ المقاومين الذين يقفون بوجه إسرائيل.

بعد ذلك اجتمع هؤلاء الإخوة وقرّروا أن يشكّلوا كما قلنا هذا التيّار الكبير والواسع، تم انتداب مجموعة منهم، انتداب ٩ أشخاص، من بينهم كان الشهيد السيد عباس الموسوي (رضوان الله تعالى عليه)، طبعاً أنا لم أكن من بين التسعة، فأنا في ذلك الوقت كنت جدّاً صغير السّن، كان عمري حوالي الإثنين وعشرين عاماً أو ثلاثة وعشرين عاماً فقط، وهؤلاء التسعة ذهبوا إلى الجمهورية الإسلامية، في ذلك الحين التقوا بالمسؤولين وذهبوا في خدمة الإمام الخميني (قدّس سرّه). وعرضوا على الإمام أن هذه هي أوضاعنا وهذه هي أحوالنا وهذه هي نيتنا، ونحن نؤمن بإمامتك وولايتك وقيادتك، فما هو تكليفنا؟

سماحة الإمام قال أنّ واجبكم هو المقاومة وأن تواجهوا رغم إمكانيّاتكم المتواضعة وعددكم القليل، كان عدد حزب الله قليل جدّاً، إبدأوا من الصّفر، اتّكلوا على الله سبحانه وتعالى، لا تنتظروا أحداً من العالم أن يساعدكم، اعتمدوا على أنفسكم واعلموا أنّ الله سبحانه وتعالى ناصركم، وأنا أرى أنّ النصر في جبينكم. طبعاً كان أمراً عجيباً في ذلك الوقت، وهو بارك هذا المسار وهذا الخط، وهذه الجلسة التي ذهب فيها الإخوة إلى خدمة الإمام كانت الخطوة التأسيسيّة لبدء مسيرة حزب الله في لبنان، وأصبحت حركتنا تحمل هذا الإسم المبارك. طبعاً في ذلك الحين الإخوة قالوا لسماحة الإمام نحن نؤمن بولايتك وإمامتك وقيادتك، لكنّك مشغولٌ كثيراً وكبيرٌ في السّن، فلا نستطيع أن نزاحمكم دائماً في المسائل [والقضايا]، فنرجو أن تعيّنوا مندوباً لكم يمثّلكم ونرجع إليه في مسائلنا المختلفة التي نحتاج فيها بالرّجوع إليكم. وفي ذلك الحين سماحة الإمام (قدّس سرّه الشريف) عيّن وشخّص سماحة آية الله العظمى الإمام الخامنئي (دام ظلّه الشريف) عندما كان رئيساً للجمهوريّة. وقال [أنّ] الذي يمثّلني هو سماحة السيّد الخامنئي. ومنذ ذلك الحين بدأت العلاقة بين حزب الله وسماحة السيّد القائد (حفظه الله)، [أي] منذ الساعات الأولى لتأسيس ونشوء حركة حزب الله. وعلى مدار الوقت كنا دائماً على تواصل مع سماحة السيّد القائد وكنا نذهب إلى سماحة الإمام ونقدّم له التقارير عن الأوضاع وكان يبارك عمل المقاومة، فأنا أذكر من جملة الأمور الجميلة في موضوع الاستشهاديّين، تعرفون أنّ التجربة الأولى للعمل الاستشهادي كانت في لبنان، والإخوة هم الذين قاموا بذلك، وقبل أن يُنشر [ذلك] في وسائل الإعلام، أرسل الإخوة مقطع فيديو في ذلك الوقت [يتضمّن] وصايا للاستشهاديّين الذين نفّذوا عمليّات استشهاديّة كبيرة في لبنان زلزلت الاحتلال وقوات الاحتلال، وقُدّم هذا الفيديو لسماحة الإمام وشاهده وعقّب عليه، طبعاً الوصايا جميلة جدّاً وفيها الكثير من الإيمان والمعرفة والعشق والشّوق، قال الإمام (رضوان الله عليه): "هؤلاء الشباب.."، فكلّهم كانوا من الشباب، قال: "هؤلاء هم أهل العرفان الحقيقي". وكان متأثّراً جدّاً من وصايا هؤلاء الشّهداء. وإلى اليوم الأخير من حياته الشّريفة والكريمة كان دعمه لحزب الله في لبنان ومواكبته وحمايته وعنايته كبيرة جدّاً. قبل وفاته بشهرين أو أقل، وكان الإمام مريضاً جدّاً، وقلّما ما يلتقي بالمسؤولين، طبعاً بالمسؤولين من خارج إيران في الحدّ الأدنى، ذهبت أنا إلى إيران، وكنت في ذلك الوقت قد أصبحت عضواً في شورى حزب الله، ومسؤولاً تنفيذيّاً لحزب الله، فذهبت والتقيت مع سماحة السيد القائد، ومع سماحة الشيخ هاشمي [رفسنجاني] (رحمه الله)، ومع المسؤولين الآخرين، وقلت: أنا أريد أن ألتقي بسماحة الإمام، وقالوا أنّ الإمام لا يستقبل أحداً وهو مريض جدّاً. فأنا قلت: نحاول، فقالوا: لا مشكلة. فذهبت إلى مكتب الإمام وطلبت موعداً، وكان في ذلك الوقت صديقنا في بيت الإمام الذي يعتني باللبنانيّين كثيراً، كان سماحة الشيخ رحيميان (حفظه الله)، وهو نقل للمرحوم السيد أحمد (رحمة الله عليه)، وفي اليوم الثاني قالوا: تعال. وطبعاً كلّنا تفاجئنا، وذهبت للقاء الإمام (رضوان الله تعالى عليه) ولم يكن هناك أحد. أي أنّه حتى المرحوم السيّد أحمد لم يكن موجوداً، ولم يكن هناك أحد من الجهات المعنيّة، على سبيل المثال وزارة الخارجيّة وحرس الثورة عادةً كانوا يتواجدون معنا في اللقاءات. حتّى سماحة الشيخ رحيميان أدخلني إلى الغرفة عند الإمام وخرج، وبقيت وحدي. طبعاً تهيّبت الموقف كثيراً، والإمام كان يجلس على الكنبة العالية وأنا جلست على الأرض. لكن من شدّة التهيّب كان صوتي لا يخرج، فالإمام قال لي: اقترب. فجلست في جوار الإمام وتحدّثت معه وكان معي رسالة أعطيتها لسماحته وهو أجابني على المطلب الأساسي الذي كنت أنقله إلى سماحته وهو يرتبط ببعض التطوّرات والأحداث في ذلك الحين في لبنان، وبابتسامة كبيرة قال لي: قل لكلّ الإخوة لا تقلقوا، أنا معكم والإخوة في الجمهوريّة الإسلاميّة كلّهم معكم، ونحن سنقف دائماً إلى جانبكم. هذا كان آخر لقاء مع سماحة الإمام.

 

لقد قلتم بأنّ حزب الله تأسس وزاول نشاطه في ظلّ ظروف بالغة الصعوبة. وقلتم أنّ إيران نفسها كانت تخوض الحرب، وفي لبنان أيضاً كان الكيان الصهيوني بين حين وآخر يهاجم الناس ويمارس القتل ويُغِير على ممتلكات الشعب اللبناني، وعلى أيّ حال انطلق حزب الله في ظلّ هذه الظروف الصعبة. وخلال حديثكم الآن قلتم بأنّ الإمام الخميني عيّن الإمام الخامنئي لكي يكون صلة الوصل معكم. أطلب منكم أن تشيروا إلى أهمّ التوصيات التي كان يقدّمها لكم الإمام الخامنئي (دام ظلّه) بعد رحيل الإمام الخميني وأن تعلمونا بأهمّ التدابير التي اتّخذها سماحته طوال فترة استلامه لرئاسة الجمهورية. نحن نودّ من خلال حديثكم حول هذا الشّأن أن نتوصّل إلى سبب اطمئنانكم وفرحكم باختيار الإمام الخامنئي قائداً للثورة الإسلامية، وأن نعرف الأحداث التي جعلتكم تشعرون بهذه المشاعر.

منذ اللحظة الأولى حيث أصبحت العلاقة مع سماحة آية الله العظمى السيّد علي الخامنئي، أنا في أدبياتي أقول سماحة السيّد القائد، فاسمحولي أن أقول سماحة السيّد القائد لأنّ ذلك أهون عليّ، بدأت العلاقة وكان لدى الإخوة في حزب الله شورى مؤلّفة من عدد من الإخوة، أحياناً تكون ثمانية، أو تسعة أو عشرة، ستّة، سبعة، يعني بحسب المراحل. وكانوا يذهبون دائماً إلى خدمة سماحة السيّد القائد في زمن رئاسة الجمهوريّة. ما أودّ أن أذكره عن تلك المرحلة، أي تقريباً يمكن القول سبع سنوات من رئاسة الجمهوريّة قبل رحيل الإمام رضوان الله عليه.

 

هل تمّ تحديد شخص معيّن للتواصل بين حزب الله والإمام الخامنئي؟

سأعود إلى هذه النقطة، سماحة السيّد القائد كان يعطي وقتاً جيّداً لهذه المجموعة اللبنانيّة، يعني أنا أذكر، وقد كنت أذهب مع الإخوة، أذكر مثلاً أنّ بعض الجلسات [كانت تستغرق] ساعتين وثلاث ساعات وأربع ساعات، كان يعطي وقتاً جيّداً، وكان يستمع جيّداً. أي أنّ الإخوة يأخذون وقتهم، ويشرحون الأمور بشكل كامل، وفي ذلك الحين تعرفون، مثل أي مرحلة تأسيسيّة، الإخوة كانت لديهم آراء مختلفة ومتنوّعة، لم يكن لديهم اتفاق نظر ورأي في كلّ المسائل، ففي كثير من المسائل كانت هناك آراء مختلفة ومتنوّعة. كان سماحة السيّد القائد يستمع للجميع، أي أنّ كل شخص يقول رأيه ويقول استدلالاته وسماحة السيّد يستمع إليهم. طبعاً لم تكن هناك مشكلة لغة لأنّ سماحة السيّد القائد يفهم العربيّة بشكل كامل وأيضاً يتكلّم العربية بشكل جميل جدّاً، وإن كان عندما يتكلّم يفضّل أن يكون هناك مترجم. أي أنّه كان يتكلّم أغلب الأوقات بالفارسيّة، لكن باللغة العربيّة عندما كان اللبنانيّون يتكلّمون لم يكن بحاجة إلى ترجمة إلى اللغة الفارسيّة. هذا ساعد كثيراً، حيث أن سماحة السيد القائد يفهم ويحيط بمشاكلنا وقضايانا وتنوّعاتنا وآرائنا المختلفة. والأمر المهمّ جدّاً أيضاً هو أنّ سماحة السيّد القائد رغم أنه ممثّل الإمام وله اختيارات [صلاحيات] كاملة من قِبل سماحة الإمام (قدّس سرّه)، كان دائماً يحاول أن يقوم بدور تعليمي، وتوجيهي وإرشادي، أي أنّه يساعدنا في أن نتّخذ نحن القرار. وأنا دائماً أذكر في كافّة الجلسات، في ذلك الوقت وبعد أن أصبح قائداً، كان سماحة السيد القائد إذا أراد أن يبدي رأياً، يقول أنا اقتراحي هذا، مثلاً يأتي في رأيه أو نظره أن يصل إلى هذه النتيجة لكن يقول أنتم اجلسوا واتّخذوا القرار الذي ترونه مناسباً. وبحق استطاع سماحة السيّد القائد في تلك المرحلة أن يُرشّد ويرفع من مستوى قيادات حزب الله الذّهنيّة والفكريّة والعمليّة ليتّخذوا بشكل دائم القرارات بأنفسهم ويعطيهم ثقة كبيرة جدّاً بأنفسهم وبقدرتهم على اتّخاذ القرارات، حتّى في أعقد المسائل وأصعبها، كان يُبدي رأياً لكن يقول أنتم أهل مكّة وأهل مكّة أدرى بشعابها، المثل المعروف، أي أنتم أهل البلد وأنتم أدرى بشؤونكم وأموركم، في نهاية المطاف نحن نقول بعض الآراء وأنتم تستطيعون أن تستفيدوا من هذه الآراء، ولكن أنتم الذين تتّخذون القرار، لا تنتظروا أحداً ليتّخذ القرار نيابةً عنكم. هذا من الناحية التربويّة والتحضيريّة وتهيئة حزب الله للنمو والرشد والتطوّر السريع، هنا كان دور سماحة السيّد القائد في تلك المرحلة، [وكان دوراً] مهمّاً جدّاً وكبيراً جدّاً.

طبعاً في السنة الواحدة كان الإخوة يذهبون مرّتين أو ثلاث مرّات، في الأغلب مرّتين. أي أنه كل ستّة أشهر كانوا يذهبون ليطّلعوا على الأوضاع في إيران، وقراءة المسؤولين في إيران للأحداث في المنطقة، لأنّه دائماً كانت هناك أحداث متسارعة جدّاً، وكانت طبعاً الحرب موجودة، حرب الثماني سنوات المفروضة على إيران وانعكاساتها على منطقتنا، فكانوا دائماً بحاجة إلى المعلومات وإلى التشاور وإلى الحصول على الدّعم والمساندة من قِبل الجمهورية الإسلامية في إيران، أحياناً إذا كان هناك من شأنٍ طارئ أو استثنائي كان الإخوة يرسلونني إلى إيران، والسبب أنني كنت أصغر سنّاً، فأنا كنت أصغرهم سنّاً، وثانياً ليست لديّ تشكيلات من الحماية أو المرافقة، فأحمل حقيبتي وأمشي. أي أنّ سفري كان أمراً سهلاً ولم يكن أمراً معقّداً، طبعاً لم أكن شخصيّة معروفة في البلد كثيراً وبالتالي لم أكن في دائرة التهديد الأمني في ذلك الحين، وأيضاً أعرف شيئاً من اللغة الفارسية، يعني أفضل من الإخوة الآخرين الذين كانوا معنا، فكانوا يُفضّلون أن أذهب أنا، وكان يوجد منذ البداية مودّة ومحبّة بيني وبين الإخوة الإيرانيّين فكانوا يقولون لي أنت تحبّ الإيرانيّين ويحبّونك فاذهب أنت إلى إيران، وكنت أذهب إلى خدمة سماحة السيّد القائد، أجلس عنده ساعة أو ساعتين وأكثر، وحتّى عندما تنتهي المطالب وأقول أنا أريد أن أخرج، كان هو يقول لماذا العجلة؟ إبق إذا كان لديك شيء فلتتكلم به. طبعاً تلك المرحلة كانت مهمّة جدّاً لحزب الله لأنّها ركّزت الأفكار الأساسيّة، والتوجهات الأساسيّة، والأهداف والمسار الأساسي. أي أنها مجموعة تؤلّف كتاباً ولها مجموعة من الآراء لكن في نهاية المطاف استطعنا أن نؤلّف كتاباً واحداً.

الآن نحن نقول في حزب الله، كلّنا نقرأ في كتابٍ واحد، أي لدينا آراء واحدة، وهذه الآراء اتّحدت بسبب الأحداث والتطوّرات والتجارب والدراسة وأيضاً توجيهات سماحة الإمام في حياته وسماحة السيّد القائد في حياة الإمام وبعد رحيل الإمام.

 

نصل إلى العام ١٩٨٩ حيث ينتقل الإمام الخميني (قدّس سرّه) إلى رحمة الباري عزّ وجل ويرتدي عموم النّاس ومحبّي الثورة الإسلامية ثياب العزاء. نرجو منكم أن تتفضّلوا علينا بالحديث حول الظروف التي كنتم تعيشونها حينها عندما تمّ اختيار الإمام الخامنئي كخلف للإمام الخميني (رضوان الله عليه)؟ كما نتمنّى عليكم أن تشرحوا لنا ببعض التفصيل الأحداث التي واجهتموها بعد رحيل الإمام الخميني (قدّس سرّه) في المجالات الإقليمية والدوليّة. لقد كنا نعيش حينها مرحلة في غاية الصّعوبة لاقتران تلك الفترة تقريباً بانهيار الاتحاد السوفييتي وبداية عهد القطب الأمريكي الواحد وانتهاء الحرب الباردة. في تلك الفترة لاحظنا أنّ الكيان الصهيوني بدأ يطرح قضيّة مفاوضات السلام ومن جهة أخرى باتت الثورة الإسلامية تعيش ظروفاً مختلفة. لا ريب في أنّ الأمريكيّين كانوا قد خطّطوا لمرحلة ما بعد رحيل الإمام الخميني (قدّس سرّه). نرغب في أن تحدّثونا أيضاً حول تلك الظروف وتوصّفوها لنا وتسردوا لنا كيفيّة مواجهة الإمام الخامنئي لهذه الأحداث الهامّة على مستوى المنطقة والمستوى الدّولي؟

كما تعرفون أنه في حياة الإمام رضوان الله عليه، الحزب اللهيّون في لبنان والمقاومون كانت علاقتهم بالإمام من الناحية الفكرية والثقافية كبيرة جدّاً، لكن من الناحية العاطفية كانوا شديدي التعلّق بالإمام، أي أنّهم كانوا بالفعل عشّاقاً للإمام، مثل كثير من الايرانيين، مثل شبابكم الذين كانوا يقاتلون في الجبهات. كانوا ينظرون إلى الإمام كإمام وقائد ومرشد ومرجع تقليد وأب كبير لهم. وأنا لا أذكر عشقاً لشخص كهذا العشق الذي كان من هؤلاء الناس والشباب في لبنان لسماحة الإمام (رضوان الله تعالى عليه). فلذلك رحيل الإمام في ذلك اليوم ترك حزناً شديداً جدّاً لا يقل عن حزن الايرانيين. هذا في المجال العاطفي. لكن في المجال الآخر كان هناك قلق، تعرف أن الإعلام الغربي كان دائماً يتحدّث عن ما بعد الإمام الخميني، ويقولون المشكلة هي هذا الرّجل، فإذا مات ورحل عن الدّنيا ستنقسم إيران، وستدخل إيران في الحرب الأهليّة، وسيكون هناك صراع شديد في ايران، وليس لديهم بدائل للقيادة و…. كانت حرب نفسية كبيرة في السنوات الأخيرة، خصوصاً السنة الأخيرة من حياة الإمام رضوان الله تعالى عليه, وخصوصاً بعد القضايا الداخلية التي حصلت عندكم، في موضوع عزل الشيخ المنتظري والمسائل الأخرى. فهنا كان يوجد أيضاً قلق وترقّب، وكان يُقال لنا أن الجمهورية الإسلامية التي تستندون إليها وتعتمدون عليها وتؤمنون بها سوف تبدأ بالسقوط والانهيار بعد رحيل الإمام (رضوان الله تعالى عليه). هذا أيضاً الأمر الثاني.

الأمر الثالث، بمعزل عن الحرب النفسية هناك عدم وضوح، أي أننا هنا في لبنان لم نكن نعرف بعد رحيل الإمام إلى أين يمكن أن تذهب الأمور وماذا يمكن أن يحصل؟ أيضاً من هذه الجهة كنا قلقين. عندما شاهدنا على شاشات التلفزة اليوم الأوّل واليوم الثاني وتماسك إيران والأمن القوي في إيران، الهدوء يعني، وحضور الشعب الإيراني في تشييع الإمام (رضوان الله تعالى عليه)، بدأنا نطمئن إلى أن إيران ليست ذاهبة إلى الانقسام وإلى الحرب الأهليّة، وأنّه في نهاية المطاف سيتمكّن الإيرانيّون من انتخاب القائد المناسب في مناخ معقول وجيّد. وكنّا ننتظر مجلس الخبراء كما ينتظره كلّ الإيرانيّين. انتخاب سماحة السيد القائد (حفظه الله) بالنسبة للبنانيّين، طبعاً بكل صراحة لم يكن مُتوقّعاً، نحن لم نكن نعرف بشكل جيّد الشخصيات الايرانية وأنه هل يوجد أكفأ من سماحة السيد القائد أو أعلم أو أخبر، نحن كنا نعرف بشكل أساسي المسؤولين الذين كنّا نتواصل معهم. لكن إعلان انتخاب سماحة السيد القائد لهذه المسؤولية أدخل الاطمئنان والسعادة والهدوء إلى قلوبنا بشكل مفاجئ جدّاً وغير عادي. أستطيع أن أقول في تلك الساعة كل ما كان من قلق أو اضطراب أو غموض فيما يتعلق بالمستقبل أو خوف، كلّه زال. ودخلت إلى قلوب الجميع طمأنينة عجيبة غريبة. وأنا أعتقد طبعاً أن هذا من إرادة الله سبحانه وتعالى، ومن فضل الله سبحانه وتعالى، أنّ الله سبحانه وتعالى أدخل إلى قلوب كل المؤمنين بهذه المسيرة هذا الهدوء وهذه الطمأنينة وهذه السعادة وهذه الثقة. وطبعاً من الساعات الأولى هنا من العلماء والتجمّعات وحزب الله أرسلوا برقيّات التأييد والمبايعة لسماحة السيد القائد، قائداً للأمّة الإسلامية، قائداً للمسلمين وإماماً للمسلمين. لأنّ مجلس الخبراء لم ينتخبه بهذا العنوان، بل انتخبه بعنوان قائد الجمهورية الإسلامية في إيران، رهبر جمهوري اسلامي ايران. لكن المؤمنون خارج إيران كلهم سارعوا إلى إرسال برقيات البيعة لسماحة السيد القائد كإمام للمسلمين، ووليّ لأمر المسلمين وقائد للأمة، كما كانت الحال مع سماحة الامام الخميني (قدّس سرّه الشريف).

حسناً، تجاوزنا هذه المرحلة، وبدأنا العلاقة واستمرّت. بعدها بفترة وجيزة ذهبنا إلى إيران، أي بعد فترة أيام قليلة، وعزّينا برحيل سماحة الإمام الخميني، وذهبنا إلى سماحة السيّد القائد، وكان ما زال في مقرّ رئاسة الجمهوريّة، يستقبل الناس هناك، وبايعناه مجدّداً بشكل مباشر وحضوري، وقال له الإخوة أنّه سيّدنا في حياة الإمام كنت مندوباً للإمام في مسائل لبنان وفلسطين والمنطقة، وكنت رئيساً للجمهورية ولديك وقت، الآن أصبحتَ قائداً للجمهورية الإسلامية وقائداً للمسلمين، وقد لا يكون لديك الوقت المتوفر كما في السابق. فنحن أيضاً نرغب في أن تعيّن شخصاً نرجع إليه في مسائلنا حتى لا نزاحمكم بشكل دائم. ابتسم سماحة السيد القائد وقال أنا لا زلت شابّاً، وأنا لديّ وقت إن شاء الله وأنا أهتمّ بالمقاومة وبمنطقتكم ولذلك سوف تبقى علاقتكم معي مباشرة. ومنذ ذلك الحين سماحة السيد القائد لم يعيّن مندوباً خاصّاً له نرجع إليه في مسائلنا كما كان الحال معه في حياة الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه)، وإلى الآن طبعاً المسألة كذلك. نحن طبعاً لا نزاحم كثيراً، ولم نكن نحتاج إلى وقت طويل من سماحة السيد القائد، خصوصاً أن السنوات الأولى، أي السنوات التأسيسيّة، أجابت على كلّ شيء، ثوابتنا، أهدافنا، مبادئنا، ضوابطنا، خط مشينا، كلّها أمور الحمد لله ومن نعم الله سبحانه وتعالى، نعمة الهداية كلها واضحة وبيّنة ولا تحتاج دائماً إلى مراجعة أو مزاحمة، فاستمرّينا على هذا الأساس. فيما يعني جزء من سؤالكم، موضوع العلاقة بعد رحلة الإمام (رضوان الله تعالى عليه)، وانتخاب سماحة الإمام الخامنئي قائداً ووليّاً لأمر المسلمين. أما فيما يتعلّق بالأحداث التي حصلت، طبعاً أحداث كبيرة وخطيرة جدّاً حصلت بعد رحيل الإمام وتولّي سماحة السيد القائد المسؤولية. بالنسبة إلينا كان الاستحقاق الأهم هو موضوع استمرار المقاومة في لبنان، وهذا ما أكّد عليه سماحة السيد القائد منذ البداية. أنه كما كنا في حياة الإمام نحن نواصل نفس الطريق، نفس فكر الإمام وخطّ الإمام ونهج الإمام وثوابت الإمام وثقافة الإمام، أنا أكمل في هذا الطريق، وأؤكّد على الاستمرار في هذا الطريق. طبعاً توجيهات سماحة السيد القائد لكل المسؤولين في الجمهورية الإسلامية للعناية بالمقاومة في لبنان وفي المنطقة وتقديم الدعم والمساندة المختلفة لها كانت دائماً خلال كل السنوات منذ تولّيه للقيادة. ولذلك من نعم الله سبحانه وتعالى علينا أنّه مهما اختلفت الحكومات في إيران، يعني يأتي رئيس جمهورية ويذهب رئيس جمهورية، تأتي حكومة وتذهب حكومة، مع اختلاف الخطوط السياسيّة والسلائق السياسية، وأيضاً تنوّع وتبدّل المسؤولين في الوزارات والمؤسسات المعنيّة، لكن بالنسبة لحركة المقاومة في المنطقة وخصوصاً فيما يتعلّق بحزب الله لم يكن يتغيّر شيء، بل كانت الأمور تتحسّن، أي حكومة بعد حكومة ورئيس بعد رئيس ومسؤول بعد مسؤول، وسبب هذا الثبات وهذا التحسّن هو العناية الشخصية لسماحة الإمام الخامنئي بحزب الله والمقاومة في لبنان والمقاومة في المنطقة. هذا كان يشكّل عنصر الثبات، التأكيد الدائم على الاهتمام وعلى العناية. حسناً عندما ندخل إلى الأحداث، هنا ندخل في القضايا التي ذكرتم.

أهم شيء كان بعد تولّي سماحة السيد القائد في تلك المرحلة فيما يتعلّق بنا، أوّلاً كانت معالجة المشاكل الداخليّة الموجودة في لبنان، وفي تلك المرحلة تذكرون أنّه كان يوجد مشكلة بين حزب الله وحركة أمل، وسماحة السيد القائد أعطى وقتاً لهذا الأمر وعناية خاصّة، وببركة توجيهات سماحة السيّد القائد وأيضاً اتصالات المسؤولين في الجمهورية الإسلامية بحزب الله وبقيادة حركة أمل، الأستاذ نبيه برّي رئيس المجلس حاليّاً، وأيضاً بالمسؤولين السوريّين، أهمّ ما أنجز في بداية قيادة سماحة السيد القائد هو حلّ المشاكل الداخلية التي كانت موجودة بين حزب الله وحركة أمل، وبالتالي توحيد الحركات المقاوِمة وصفوف المقاومة في لبنان، وكان هذا ببركات سماحة السيد القائد وتأكيداته الشديدة. أي أنه كان يرفض أي مشكلة، وأي قتال وأي صراع ويصرّ بشكل دائم على التواصل والصلح وحلّ المسائل بأي ثمن، وهذا طبعاً أخذ سنوات، يعني خلال سنتين أو ثلاثة حتّى تمكنّا من تجاوز ما كنّا عليه وسماحة السيّد القائد هو الذي أسّس لهذه العلاقة المتينة التي وصلنا إليها اليوم بين حزب الله وحركة أمل. أي أنه من المعلوم اليوم أن العلاقة ليست علاقة استراتيجيّة بل علاقة وجوديّة، أنا أقول فوق الاستراتيجيّة. وببركة حلّ المشاكل بين هذين الحزبين، أي هاتين الجماعتين، وبالعكس بالتعاون الذي نشأ بينهما، نحن تمكّنا من مواصلة المقاومة والدفاع عن لبنان وجنوب لبنان، ببركة هذه الوحدة تمكّنا من الانتصار عام ٢٠٠٠ وطرد الاسرائيليّين من جنوب لبنان، وببركة هذه الوحدة تمكنا من الصّمود في ٢٠٠٦ في حرب الثلاثة وثلاثين يوماً ومن الانتصار في حرب تمّوز. وإلى اليوم، الإنجازات السياسية في لبنان أو في المنطقة وأحد العناصر الأساسية للقوة السياسيّة والشعبية والعسكرية التي تتمتّع بها المقاومة هو هذا الانسجام وهذا التلاحم وهذه العلاقة الجيّدة. أنا أذكر في ذلك الوقت بعد شهادة السيد عباس (رحمة الله عليه)، والإخوة انتخبوني أنا أميناً عامّاً، ذهبنا إلى خدمة سماحة السيد القائد، من جملة ما قال، قال إذا أردتم أن تُدخلوا الفرح والبهجة إلى قلب مولانا صاحب الزمان (عجل الله فرجه الشريف) وإلى قلوبنا جميعاً يجب أن تعملوا وتحافظوا على الهدوء في ساحتكم، وعلى التعاون في ساحتكم، بالخصوص بين حزب الله وحركة أمل وسماحة السيد فضل الله وسماحة الشيخ شمس الدين. في ذلك الوقت كان سماحة السيد فضل الله وسماحة الشيخ شمس الدين (رحمهما الله) على قيد الحياة. فكان سماحة السيد القائد يؤكّد على الوحدة الداخلية، طبعاً في الدائرة الشيعية، وعلى الوحدة الإسلامية بين الشيعة والسنّة، وبقيّة المسلمين في البلد، وعلى الانفتاح الوطني والوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين، وهذا كان يؤكّد عليه دائماً في الجلسات الداخلية. الانفتاح على بقية اللبنانيين، هذا كان الموضوع الثاني. الموضوع الأول إذاً أمل وحزب الله والوضع الشيعي الداخلي، الموضوع الثاني هو تشجيع حزب الله أكثر من أجل الانفتاح على بقيّة القوى السياسيّة اللبنانية رغم الاختلاف العقائدي أو الديني أو الفكري أو السياسي، هذا كان أيضاً من بركات بداية تلك المرحلة.

التأكيد على استمرار المقاومة ومواجهة العدوان والعزم على تحرير الجنوب، لذلك كان سماحة السيد القائد دائم الاهتمام بتطوير عمل المقاومة، وأن نواصل ونتطوّر ونكبر ونمتدّ ويقول يجب أن تحرّروا أرضكم، يعني لا يجوز لهذا الأمر أن يأخذ وقتاً أطول ممّا يأخذه فعلاً، فكان دائم التشجيع والدفع باتجاه عمل المقاومة بشكل جدّي. تعرفون أحد المشاكل كانت في ذلك الوقت أنّ عدداً من فصائل المقاومة غير حزب الله كانوا قد بدأوا ينشغلون بالمسائل السياسية الداخلية وبدأت مهمّة المقاومة تدريجيّاً تنحصر في حزب الله وفي حركة أمل ولكن حزب الله أكثر. وحتّى حزب الله كان بعض الإخوة يحبّون الذهاب إلى العمل السياسي الداخلي، كان دائماً سماحة السيد القائد يدفع باتجاه أولوية العمل المقاوم والعمل الجهادي.

من الأمور المهمّة في منطقتنا التي حصلت في ذلك الحين هو ما يُسمّى عملية التسوية، يقولون عمليّة السلام، والمفاوضات الاسرائيلية-العربية. تذكرون في سنة ١٩٩٣ حصل الاتفاق بين السيد ياسر عرفات والاسرائيليين، يعني اسحاق رابين وشيمون بيريز برعاية أمريكية، كان ما يُسمّى باتفاقية أوسلو. هذا طبعاً كان شيئاً خطيراً جدّاً، يعني تطوّر خطير جدّاً في الصراع العربي الإسرائيلي، لأنّه بحسب هذه الاتفاقية منظّمة التحرير الفلسطينيّة اعترفت بإسرائيل، وهذا فريق فلسطيني، هذه ليست مصر، وليس أنور السادات. ومن جهة، عمليّاً تنازلت عن أراضي ١٩٤٨، يعني الأراضي العربية الفلسطينيّة المحتلّة سنة ١٩٤٨، وأنّ موضوع التفاوض سيكون هو القدس الشرقية، والضفّة الغربية وقطاع غزّة، أمّا باقي فلسطين فانتهى الموضوع (تمام شد). هذه كانت مشكلة كبيرة، وثانياً كان هذا الاتفاق الفلسطيني-الاسرائيلي سيفتح الباب أمام العديد من الدول العربية لبدء علاقات مع إسرائيل وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهذا كان أيضاً خطير جدّاً. طبعاً سماحة السيد القائد والجمهورية الإسلامية، وحركات المقاومة الفلسطينية، حماس، والجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامّة وعدد من القوى الفلسطينية كانوا يعارضون هذا الاتفاق، حزب والقوى اللبنانية عارضت هذا الاتفاق ونحن تظاهرنا ضد هذا الاتفاق، وأطلق علينا النار وسقط لنا شهداء هنا في الضاحية الجنوبية، في كل الأحوال هذا كان مفصل خطير. حسناً، كيف نواجه اتفاق أوسلو؟ نواجهه سياسيّاً، وإعلاميّاً وأيضاً نواجهه  بالمزيد من دعوة الفلسطينيّين إلى المقاومة وإلى التمسّك بحقوقهم، وهذا كان أحد أسباب تطوّر العلاقة بين حزب الله وبين حماس والجهاد الإسلامي وبقيّة فصائل المقاومة الفلسطينيّة وتصعيد عمل المقاومة في فلسطين المحتلّة، وتذكرون في ذلك الحين العمليّة الاستشهادية المهمة جدّاً التي قام بها مجاهدون من حماس ومن الجهاد الإسلامي في قلب تل أبيب وفي قلب القدس وهزّوا الكيان الاسرائيلي مما أدّى إلى عقد اجتماع في شرم الشيخ في مصر بحضور كلينتون وبحضور يلتسين كان رئيس روسيا، وعدد كبير من دول العالم، الرئيس الصيني أيضاً على ما أذكر كان، عدد كبير من رؤساء الدول العربية ودُعيت إلى هذا اللقاء سوريا ولبنان، لكن في ذلك الوقت الرئيس الراحل حافظ الأسد رفض المشاركة، وأعلن هذا الاجتماع في الحقيقة الحرب على ثلاثة مجموعات، حزب الله وحماس والجهاد الاسلامي، وأدان موقف ايران ودعمها لحركات المقاومة في المنطقة. لكن هذا التجمّع الهائل والكبير لم يُدخل الخوف إلى قلوب حزب الله أو حماس والجهاد الاسلامي، يعني حركات المقاومة، وخصوصاً سماحة السيد القائد كان له مواقف واضحة وقوية جدّاً في مواجهة الجميع وفي تأييد المقاومة واستمرار المقاومة ورفض هذا المسار، كلّ هذا المسار. اتفاقية اوسلو هي تفصيل، وهي تفصيل مهم وخطير في هذا المسار.

 

مؤتمر مدريد و… أيضاً!
مدريد كانت قبل ذلك، قبل أوسلو. طبعاً في ذلك الوقت على ما أذكر بدأت مفاوضات، وهنا [يوجد] شيء مهم يجب أن أذكره وهو في الحقيقة من بصيرة سماحة السيد القائد وفهمه للمستقبل، بل أنا أعتقد أنها من كراماته، لا أربطها في البعد العقلي بقدر ما أربطها في البعد الايماني والمعرفة والتسديد الإلهي لسماحة السيد القائد من الله سبحانه وتعالى. في ذلك الوقت بدأ شيء اسمه مفاوضات بين اسرائيل وسوريا، كان اسحاق رابين هو رئيس حكومة العدو، وكان حافظ الأسد هو رئيس الجمهورية العربية السورية. وبدأت مفاوضات بينهما، بدأت المفاوضات سريّة ثمّ أصبحت علنيّة وكانوا يلتقون في أمريكا برعاية كلينتون ويذهب مندوبين من الرئيس الأسد ومندوبين من حكومة رابين وكادوا أن يصلوا إلى اتفاق ويُقال في ذلك الوقت أن اسحاق رابين قَبِل أن يعطي الجولان للرئيس حافظ الأسد، يعني أن يعيد إليه الجولان. وأصبح الجو في المنطقة كلها أن سوريا واسرائيل سيتفقان، هذا المناخ كان موجود في سوريا، وفي لبنان، وفي فلسطين وفي كل المنطقة، وفي ذلك الحين كان يُقال لنا حسناً أنتم ماذا ستفعلون إذا اتفقت سوريا واسرائيل؟ لأنّه حينئذٍ سيتّفق أيضاً لبنان وإسرائيل، ما هو موقف حزب الله؟ ما هو مصير حزب الله وما هو مصير المقاومة الإسلاميّة؟ أنا أذكر في ذلك الحين نحن عقدنا اجتماعات كثيرة وناقشنا المستقبل. طبعاً كلّنا كنا نعتقد أنّ الأمر سيتمّ بين رابين وبين الرئيس حافظ الأسد. ليس فقط حزب الله، [بل] كل اللبنانيّين والفلسطينيّين والسوريّين، وأنّ هذا أمر بات محسوماً، ولا مفرّ منه. جلسنا وعقدنا لقاءات داخليّة كبيرة وجلسنا وتحدّثنا عن مستقبل وضعنا، الموضوع السياسي، والموضوع العسكري، وموضوع السلاح، وموضوع الإسم، فالبعض حتّى كان يناقشنا هل يبقى اسمنا حزب الله؟ أو نبدّل هذا الاسم باسم آخر يتناسب مع المرحلة الجديدة؟ لدينا بعض الإخوة المطلوبين والموضوعين على لائحة الإرهاب الأمريكية، هل نبقيهم في لبنان أو يذهبون ويخرجون من لبنان؟ على سبيل المثال اسم الشهيد الحاج عماد مغنيّة (رحمة الله عليه)، خلاصة الأمر درسنا وكتبنا مجموعة كبيرة من الاقتراحات.

 

هل كانت هناك في تلك الفترة قناة تربط حزب الله بشخص الرّئيس حافظ الأسد تجعله يطّلع على قراره؟

نعم كل المعطيات كانت تؤكّد أن المفاوضات تصل إلى نتيجة وأن المطلب الرئيسي للرئيس حافظ الأسد كان الحصول على الجولان والانسحاب الاسرائيلي الى ما يسمى حدود الرابع من حزيران ١٩٦٧ وأن اسحاق رابين قبل بذلك. المهم ذهبنا إلى سماحة السيد القائد، وهو تحمّلنا كثيراً لأنني ذكرت في الجلسة كلّ الاقتراحات وكلّ الأجوبة وكلّ الاحتمالات وسماحة السيد القائد استمع إلينا وإلى بقية الأخوة المسؤولين، كان يوجد مسؤولين ايرانيين أيضاً في اللقاء، فسماحة القائد قال أن تفكّروا وتخطّطوا لأسوء الاحتمالات فهذا جيّد، لكن أنا أقول لكم، وهو الوحيد [الذي كان يعتقد ذلك]، فحتى المسؤولين في إيران، كل المسؤولين كانوا يعتقدون أن الأمر سيتمّ، كلّهم بدون استثناء، فأنا أقول لكم أنّ هذا الأمر لن يتم وهذا الصلح لن يحصل، وهذه العمليّة لن تنجح، وكل ما كتبتم ضعوه جانباً. إذهبوا، واصلوا عملكم وواصلوا مقاومتكم واحصلوا على المزيد من السلاح ومن الإمكانات والأفراد ولا تكونوا قلقين لأنّ هذا الأمر لن يتمّ. كلّ الجالسين في اللقاء من اللبنانيّين والإيرانيّين فوجئوا برأي سماحة السيد القائد وقاطعيّته. يعني هو لم يتحدّث بلغة "أستبعد"، أو "ضعوا احتمالاً آخر"، لا أبداً، لن يتمّ هذا الأمر، هذا الأمر لن يتحقّق. فانسوه وضعوا هذا الأمر جانباً وواصلوا عملكم بشكل أفضل وأقوى مما كنتم تعملون في السابق والماضي. على كلّ، نحن فوجئنا، عندما رجعنا إلى لبنان رتّبنا أمورنا على هذا الأساس، فبعد أسبوعين فقط من لقاءنا مع سماحة السيد القائد (حفظه الله) كان يوجد إحتفال في ميدان في تل أبيب، احتفال كبير يضمّ مئة ألف شخص، ويخطب فيه إسحاق رابين، يأتي شاب يهودي متطرّف ويطلق النار على إسحاق رابين ويقتله. يصبح بعده رئيس الوزراء شيمون بيريز، شيمون بيريز شخصيّة ضعيفة أي أنه لا يملك تاريخيّة وعسكريّة وموثوقيّة إسحاق رابين عند الاسرائيليّين. بعدها حصلت عمليات كبيرة داخل فلسطين المحتلّة، في تل أبيب، في القدس، واهتزّ الكيان الاسرائيلي، وحصل هذا اللقاء في شرم الشيخ، اللقاء الذي ذكرته، وبعدها هجمت إسرائيل على لبنان، في نيسان ١٩٩٦ في ما يُسمّى بعناقيد الغضب، وكانت مجزرة قانا المعروفة، القتل العام في قانا. نحن صمدنا وانتصرنا في تلك المواجهة، وبعدها بقليل -أسبوعين أو ثلاثة- كانت الانتخابات الاسرائيلية، سقط شيمون بيريز وسقط حزب العمل، وجاء حزب الليكود وأصبح نتنياهو رئيساً للوزراء، وقال نتنياهو كلّ ما التزم به اسحاق رابين وشيمون بيريز مع سوريا ومع الرّئيس حافظ الأسد أنا لا ألتزم به. ومنذ ذلك الحين انتهى وانتهى، يعني نحن نتحدث عن عام ١٩٩٦، نحن الآن ٢٠١٩، أين هذه التسوية؟ في أسوء حال.

 

كما أشرتم فقد كان هناك شعور ضمن تلك الأجواء بأنّ هناك اتفاقية سلام وشيكة الوقوع وكان الشعب الفلسطيني يُذبح وسط كلّ هذه المستجدّات. هل كانت هناك اتصالات معكم حينها من مختلف الدول تسعى لوضع حزب الله أيضاً على هذا الخط والمسار؟ هل تواصلت معكم الدول المؤيّدة لاتفاقية السلام هذه وتحدّثت إليكم بهذا الخصوص؟ هل أرسلت لكم رسائل ترغيبيّة تدفعكم للقبول باتفاقية السلام مع إسرائيل؟

لم يكن هناك اتصال مباشر، لأنهم كانوا يائسين منّا، كانوا يعرفون عقلنا وإرادتنا وإيماننا وعزمنا وتصميمنا، يعرفون هذا جيّداً. لكن نعم كان هناك ضغط من بعض الدول العربية على لبنان ككل، أي على الدولة اللبنانية وعلى الشعب اللبناني، أنه يجب أن تدخلوا في هذا المسار وإلا فإن إسرائيل سوف تدمّر لبنان والعالم العربي سيتخلّى عنكم. هذا النوع من الضغط كان موجوداً. لكن الاتصال المباشر معنا، لم تكن هناك اتصالات مهمّة لأنهم كانوا يعرفون موقفنا ورأينا وبكل صراحة كانوا يائسين منّا، وهذه نعمة الله عزّ وجل علينا.

 

البعض يطرحون هذا السؤال بأن لماذا لا تستطيع الجمهورية الإسلامية في إيران وحزب الله في لبنان التماشي مع أيّ من الطروح التي تقدمها أمريكا وإسرائيل -بدءاً من أوسلو ووصولاً إلى صفقة القرن-  بهدف تحقيق السلام؟ يتمّ طرح هذه الشبهة بأن لماذا لا توفّر إيران ومعها حزب الله أرضيّة إنهاء هذا الصّراع؟ وهناك نقطة أخرى فيما يخصّ فلسطين بحيث أنّ البعض يقدّمون المشهد على أنّ الفلسطينيّين أنفسهم يرغبون بالمصالحة واتفاقية السلام. ما هو رأيكم بهذه الشبهة؟ من جهة أخرى نرى أنّ بعض الشخصيات العربية وحكام العالم العربي يقدّمون أنفسهم على أنّهم مهتمّون بالقضية الفلسطينيّة ويرفعون راية تحقيق المبادئ والأهداف الفلسطينيّة. أيّ دلالات ومؤشرات تساعد على تحديد حاملي راية هذا الفكر والمسار الحقيقيّين؟

في الشقّ الأوّل، كلّ الحلول التي كانت تُطرح كانت على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، وخلافاً لمصالح الشعب الفلسطيني، يعني مثلاً عندما يقولون لهم -كما حصل حتّى في أوسلو- أراضي ١٩٤٨ خارج النّقاش، يعني ثلثا فلسطين خارج النّقاش، حسناً هذا ظلمٌ كبير، أي أن البداية والأساس هو ظالم جدّاً، ثمّ لا يسلّمون لهم بالثّلث الباقي أي لا يقولون لهم نحن نريد أن نعطيكم الضفّة الغربيّة، کرانه باختری، وإنّما ستكون للنقاش، القدس الشرقيّة للنقاش، في ذلك الوقت حتى قطاع غزّة، هم كانوا متسامحين في موضوع قطاع غزّة، شيمون بيريز كان يقول أنا أتمنّى أن أستيقظ صباحاً ويُقال لي بأن قطاع غزّة غرق في البحر، أنّ المياه جاءت من البحر وسيطرت على قطاع غزّة، حسناً، هذا في الأرض. في موضوع القدس، في كلّ الطروحات لم يوافق الأمريكي والإسرائيلي على إعطاء القدس الشرقيّة للفلسطينيّين. في آخر مفاوضات في كمب ديفيد في أمريكا التي كانت بين السيد ياسر عرفات وإيهودا باراك، هم ناقشوا في موضوع بيت المقدس والإسرائيليون قالوا نحن نعطيك فوق الأرض، حتّى المسجد يعني، أما تحت الأرض فهو لنا. حسناً، في موضوع اللاجئين الفلسطينيّين، ممنوع أن يعودوا إلى ديارهم، يوجد ملايين اللاجئين الفلسطينيّين الذين يعيشون في الأردن، وفي سوريا، وفي لبنان وفي الشتات والعالم، [هؤلاء] ممنوع أن يعودوا. أي إنسان عاقل يمكن أن يقبل بحل من هذا النوع؟ أيضاً حتى لو تنازلنا وقلنا حلّ الدولتين، الدولة الاسرائيلية والدولة الفلسطينيّة، ما هي الدولة الفلسطينيّة؟ دولة بلا سيادة، ودولة بلا حدود، ودولة بلا سماء، ودولة بلا ميناء، ودولة بلا مطار، ما هذه الدولة؟ إذاً ما كان يُقدّم للفلسطينيّين منذ مؤتمر مدريد إلى ما بعد ذلك، إلى المفاوضات الثنائية، وإلى اليوم، إلى صفقة القرن، الوضع بات أسوء بكثير، وسوف نتحدّث عن [صفقة القرن]. أي أن كوشنير يوم أمس ذكر شيئاً من صفقة القرن وهو يقول بصراحة أن القدس لإسرائيل، انتهى. المستوطنات الإسرائيلية الكبيرة الموجودة في الضفة الغربية يتمّ ضمّها لإسرائيل. لا يوجد حديث عن دولتين، أي عن دولة فلسطينيّة حقيقيّة. الفلسطينيّون أنفسهم لا يقبلون بهذه الحلول. فإذاً أوّلاً، ننتقل تدريجيّاً. أوّلاً، عندما كانت الجمهورية الإسلامية تعلن رفضها لهذه الحلول، أو حزب الله أو حركات المقاومة، لأنّه في الحقيقة هذه الحلول كان فيها ظلم كبير جدّاً جدّاً جدّاً للشعب الفلسطيني وللعرب والمسلمين وللشعوب الإسلامية. وثانياً، الفلسطينيّون أنفسهم كانوا يرفضون هذه الحلول. أغلبية الشعب الفلسطيني لا توافق على هذه الحلول، اليوم في موضوع صفقة القرن، هناك إجماع فلسطيني، ليس أن هناك من يقبل ومن يرفض، رغم الخلافات بين فتح وحماس وبين الفصائل الفلسطينيّة، إلا أنّ اليوم كلّ الأحزاب والفصائل الفلسطينيّة وكلّ الشعب الفلسطيني في داخل فلسطين وفي خارج فلسطين يرفض صفقة القرن. وليست إيران هي التي ترفض صفقة القرن وحدها، بل الفلسطينيّين أنفسهم هم الذين يرفضون صفقة القرن، هذا من جهة. ومن جهة أخرى يجب أن ننتبه نحن، أي لنفهم مواقف الإمام وسماحة القائد والجمهورية الإسلامية وحزب الله وحركات المقاومة، إسرائيل ليست مجرّد مشكلة فلسطينيّة، أي أنّ تثبيت إسرائيل، وبقاء إسرائيل، وقوة إسرائيل خطر على الفلسطينيّين وخطر على كل دول الجوار، وخطر على لبنان وعلى سوريا وعلى العراق وعلى الأردن وهو خطر على الجمهورية الإسلامية في إيران. إسرائيل هذه تملك ٢٠٠ رأس نووي، تملك سلاح نووي، ولديها أطماع كبيرة في المنطقة والهيمنة على المنطقة، وأيضاً الشيء المهم جدّاً، وهذا ما تعلّمناه من سماحة الإمام (رضوان الله عليه) ومن سماحة السيّد القائد، أنّ إسرائيل ليست دولة مستقلّة عن أمريكا بل هي ذراع أمريكا القويّة في المنطقة. وبالتالي من الذي كان يشنّ الحروب في المنطقة؟ من الذي يمارس العدوان؟ من الذي يتدخّل في دول الجوار؟ إسرائيل. إذاً وجود إسرائيل، وبقاء إسرائيل، وقوّة إسرائيل وتعاظم موقع إسرائيل من خلال الصلح أو غير الصلح هو تهديد للأمن القومي لكل دول المنطقة وصولاً إلى إيران وإلى باكستان وحتى إلى آسيا الوسطى وإلى تركيا وإلى كل هذه الأماكن. إذاً، الذين يقفون اليوم في وجه إسرائيل، هم في نفس الوقت يدافعون عن الشعب الفلسطيني وعن القضايا المحقّة في فلسطين، ويدافعون عن المقدسات لكنّهم أيضاً يدافعون عن أنفسهم في لبنان، وفي سوريا، وفي الأردن، وفي مصر، وفي العراق وفي دول الجوار. إسرائيل هذه لم تتخلّ عن دولة "من النيل إلى الفرات"، ودائماً هذا حلم توراتي يسعون إلى تحقيقه وإسرائيل هي قاعدة عسكرية في المنطقة تخدم مشروع الهيمنة والتسلّط الأمريكي على كلّ المنطقة. وكلّنا يعرف أن أمريكا تريد أن تكون إيران كما كانت في زمن الشاه، أن تكون مثل السعوديّة. أعطنا نفط، يعطيهم النفط، خفّض سعر النّفط، يخفّض سعر النّفط. ترامب استطاع أن يحصل على ٤٥٠ مليار دولار من السعوديّة، ويقول ترامب أن الحصول على ٤٥٠ مليار دولار أسهل من الحصول على ١٠٠ دولار من دكان مخالف للقانون في شارع في نيويورك. هو يريد أن تكون إيران مثل السعودية، وكل دول المنطقة تكون مثل السعوديّة. على من يعتمد؟ على أساطيله في المنطقة وأيضاً على وجود دولة إسرائيل التي تملك سلاح نووي وتهدّد كل دول المنطقة. وبالتالي، فإن الاستراتيجية الكبرى التي اعتمدها الإمام (رضوان الله تعالى عليه)، إذا كنا نريد أمن في المنطقة وأمان في المنطقة وسلام حقيقي في المنطقة وأيضاً سيادة حقيقيّة وحريّة حقيقيّة لدول المنطقة، فإنّ هذا لا ينسجم مع وجود دولة اسمها إسرائيل يريدون تثبيتها من خلال معاهدات الصّلح.

 

رفع راية الدفاع عن أهداف الحكومة الفلسطينية وزعامة هذا التحرّك …

اليوم لا نقاش في أنّ هذا اللواء وهذا العلم هو في يد سماحة السيد القائد الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظلّه الشريف)، وأنّ الجمهورية الإسلامية في إيران هي التي تشكّل أمّ القرى والنواة الأصلية والمركز الرئيسي الذي يمدّ كل محور المقاومة بالعزم والإرادة والقوّة.

 

إسرائيل ومسؤولوها أعلنوا في العام ٢٠٠٠ أنّهم سينسحبون من جنوب لبنان وحاولوا تصوير هذه الخطوة على أنّها عمل تطوّعي. هل تطوّعوا في خروجهم أو أنّهم أُجبروا على مغادرة جنوب لبنان؟

هم كانوا يريدون الانسحاب نتيجة الخسائر البشريّة والماديّة التي كانت تُلحقها بهم المقاومة. لا شكّ بأنّ الذي فرض على إسرائيل أن تخرج من لبنان هو عمليّات المقاومة، هذا في لبنان لا نقاش فيه. أي أنّ الكل متّفق على هذا، لو لم تكن هناك مقاومة وعمليّات يوميّة في جنوب لبنان لبقيت إسرائيل في جنوب لبنان طبعاً، ولا تردّد في ذلك. إسرائيل أكثر من ذلك، حتى عندما كانت تحت الاستنزاف والضغط الذي تمثّله المقاومة حاولت أن تخرج بأثمان، يعني أن تحصل على جوائز ومكافآت، وأن تفرض شروطاً على لبنان وسوريا. طبعاً، في ذلك الوقت لبنان وسوريا، كان الرئيس حافظ الأسد ما زال على قيد الحياة، وهو رفض تقديم أي تنازلات، وأيضاً هذا ساعد الحكومة اللبنانيّة لأنّ سوريا كان تأثيرها كبيراً جدّاً على الحكومة اللبنانيّة، ساعدها على رفض أي شروط إسرائيليّة. بين هلالين يجب أن أذكر في موضوع رابين والرئيس حافظ الأسد، أن من جملة العوامل التي عطّلت هذا المسار هي موقف الرئيس حافظ الأسد في نهاية المطاف. لأنّ الرئيس حافظ الأسد عندما جاؤوا إلى خط الرابع من حزيران، أصر على أن يأخذ قسماً من بحيرة طبريّا. وقال هذه جزء من الأرض السورية التي يجب أن تعطوني إياها، وهذا أدّى إلى تعطيل التفاهم بعد وفاة اسحاق رابين وفي حياة شيمون بيريز. أعود إلى جنوب لبنان، إذاً الإسرائيليّون حاولوا أن يفرضوا شروطهم، لكن اللبنانيّون رفضوا، أي الحكومة اللبنانيّة، والحكومة السوريّة، حزب الله والمقاومة في لبنان رفضوا، وواصلوا عملياتهم ولذلك وصل الإسرائيليّون إلى نقطة شعروا أن البقاء في لبنان مكلف، وأنهم لن يحصلوا على أي جوائز ومكافآت فلذلك قرّروا الخروج بدون قيد أو شرط. وكان يوجد في داخل كيان العدو ضغوط داخليّة، أي من الناس، ومن عائلات الجنود، ومن عائلات القتلى على الحكومة الإسرائيليّة وهذا فرض عليهم الخروج. الأجمل من ذلك أنّه حدّد موعداً للخروج في شهر تموز سنة ٢٠٠٠، لكنّ المقاومة وشدّة عمليات المقاومة فرضت عليه أن ينسحب في مثل هذه الأيام، في شهر أيار في ٢٥ أيار، وبشكل عجول ومذل ومهان وسريع جدّاً. وهذا الذي حصل بحمد الله عزّ وجل.

لدي خاطرة مهمّة جدّاً عن سماحة السيد القائد. تذكرون أنا قلت في سنة ١٩٩٦، يعني في موضوع سوريا وإسرائيل أن سماحة القائد قال هذا الأمر لن يتمّ، في سنة ٢٠٠٠ يعني قبل انسحاب إسرائيل بعدة أشهر كان موعدنا التقليدي، نذهب إلى إيران، نلتقي بمسؤولين وبسماحة السيد القائد. وفي ذلك الحين نحن ذهبنا -أي شورى حزب الله- ولكن لأوّل مرة كنا نأخذ معنا الإخوة المسؤولين الجهاديّين والقادة العسكريّين في جبهة المقاومة. وذهب حينذاك ما يقارب الخمسين أخ من قادة المقاومة. نحن كان تقييمنا أن إسرائيل لن تنسحب عام ٢٠٠٠، ولم نكن جازمين لكن كنا نستبعد الانسحاب الاسرائيلي عام ٢٠٠٠. لأنّ إسرائيل من الصعب أن تنسحب بلا قيد وبلا شرط. فقلنا لسماحة السيد القائد: نحن نستبعد ذلك والإسرائيلي يبدو أنه سيبقى ونحن نحتاج إلى مزيد من الوقت ومن العمليّات لنفرض عليه في المستقبل أن يخرج بلا قيد وبلا شرط. قال: لماذا تستبعدون؟ قلنا: لأنّ هذا سيشكّل خطراً كبيراً على إسرائيل، الانسحاب بلا قيد أو شرط من جنوب لبنان يعني انتصار واضح للمقاومة، وهذا سيكون أوّل انتصار عربي كامل وواضح وسيكون له تأثيرات على داخل فلسطين والشعب الفلسطيني وهذا يشكّل تهديد استراتيجي لإسرائيل ورسالة للشعب الفلسطيني أن الطريق هو المقاومة وليس المفاوضات. المفاوضات سلبت منكم أرضكم ومقدساتكم، المقاومة في لبنان حررت لبنان وجنوب لبنان. سماحة السيد القائد قال: أنا أقترح عليكم أن تبنوا جديّاً على أن إسرائيل ستخرج وأنّكم ستنتصرون ورتّبوا أموركم، إجلسوا وخطّطوا وحدّدوا مسبقاً كيف تتعاملون عسكريّاً، ميدانيّاً، إعلاميّاً وسياسيّاً مع الانسحاب الإسرائيلي إلى الحدود الدوليّة. ونحن فوجئنا، أي أنّ هذا كان خلاف رأي حتى من هم في لبنان أيضاً، الكل كان يعتقد أنّ إيهود باراك الذي فاز في الانتخابات في ذلك الحين لن يفي بوعده بالانسحاب لأنّه لم يحصل على الشّروط التي يريدها، وخصوصاً أنّه لا توجد تعهّدات أمنيّة من أحد. يعني لا الحكومة اللبنانيّة ولا الرئيس حافظ الأسد ولا حزب الله قدّموا التزامات أمنية لإسرائيل. كيف يمكن أن ينسحب؟ هو أمر غير عقلائي وغير منطقي. حسناً، الأهمّ بعد انتهاء جلستنا وفي الليل ذهبنا أنا والإخوة، كان الحاج عماد (رحمة الله عليه) موجوداً والمسؤولين في المقاومة، هؤلاء كلّهم عمليّاً يعملون في الخطوط الأماميّة، ومعرّضون للاستشهاد وللموت في أي لحظة من اللحظات، فأنا والإخوة دخلنا إلى بيت سماحة السيد القائد وإلى القاعة الواسعة التي يصلّي فيها وكان الإخوة يلبسون ثياباً عسكريّة ويضعون الكوفيّة على رقبتهم وكانوا شبيهين بشباب البسيج في الجبهات الإيرانيّة. وكان البرنامج هو فقط صلاة جماعة، أن يصلّوا جماعة ويقبّلوا يد سماحة السيّد القائد وينتهي. فجلسوا، دخل سماحة السيد القائد وصلّينا صلاة الجماعة، ثمّ بعد صلاة العشاء وقف سماحة السيد القائد ليسلّم على الإخوة. وقال للمرافقين: ابتعدوا قليلاً، وقال لي: من تسليمم، أنا مستسلم. فجاء أحد الإخوة، الأخ الأول، وقبّل يد [سماحته]، طبعاً الإخوة بدأوا بالبكاء وبعضهم وقع على الأرض وبعضهم كان يبكي بشكل شديد، بدأوا يتقدّمون، أحدهم قبّل يد سماحة القائد والثاني نزل ليقبّل قدم السيد القائد، طبعاً القائد رجع إلى الخلف وقال لي: قل لهم أن يجلسوا ويهدأوا. فإذاً يجب أن نتكلّم قليلاً، يعني لم يكن من المقرّر في البرنامج أن سماحة القائد يتكلّم لهم. فأنا قلت للإخوة إهدأوا، وأنا كنت أترجم كلام سماحة السيد القائد. فمن جملة ما قال لهم، قال، وهنا أقول أنّه كان من كراماته، لأنّ هذا لا يخضع للتحليل السياسي وللبصيرة فقط، أبعد وأعمق من هذا. قال: أنتم ستنتصرون إن شاء الله، ونصركم قريبٌ جدّاً جدّاً جدّاً وأقرب ممّا يظنّه البعض، وأشار إليّ. لأنّنا كنا نقول أنّنا نستبعد أن ينسحب الإسرائيليّون بهذا الشّكل. وقال أنتم ستنتصرون وأشار بيده اليسرى هكذا، قال أنتم سترونه جميعاً بأمّ أعينكم، أنتم سترون هذا النّصر جميعاً بأمّ أعينكم. حسناً، رجعنا إلى لبنان، جلسنا وناقشنا ورتّبنا أمورنا وقمنا بعمليّات كبيرة في ذلك الحين وسقط كثير من الشّهداء، ولكن عندما جاء موعد ٢٥ أيار وبدأ الانسحاب الإسرائيلي المفاجئ وغير المتوقّع والذليل، أيضاً في التقدّم إلى الحدود سقط شهداء، وتحقّقت نبوءتا سماحة القائد، كِلا التوقعين. الأوّل أن النصر قريب جدّاً جدّاً جدّاً، شاهدناه بعد أشهر قليلة، وثانياً أنّ جميع من كان في تلك الجلسة من المسؤولين العسكريّين والذين شاركوا في العمليّات وفي الخطوط الأماميّة، جميعهم كان على قيد الحياة وشاهدوا النّصر بأعينهم. طبعاً وكان بحمد الله نصراً عظيماً وكبيراً جدّاً.

 

السؤال الذي كنت أودّ طرحه قبل قليل هو أنّ الإمام الخامنئي صرّح منذ بضعة أعوام أنّ إسرائيل لن تشهد الأعوام الخمس وعشرين القادمة. وقد تمّ تفسير جملة الإمام الخامنئي هذه بعدّة أساليب. فالبعض اعتبر أنّ هذه الجملة حتميّة ووضعوا عدّاداً يحسب الفترة الزمنية لتحقّقها. ومن جهة أخرى بادرت جبهة الاستكبار للاستهزاء بتفسيرات البعض في هذا المجال. لقد تصدّيتم في عدّة مواقف للكيان الصهيوني وخضتم معه معارك عديدة. كيف كان تلقّيكم لجملة الإمام الخامنئي وبماذا شعرتم وما هو شعوركم نظراً للتجارب التي خضتموها سابقاً؟

أوّلاً أنا شخصيّاً لم أفاجأ بكلام سماحة السيّد القائد، لأنه في الجلسات الداخليّة نحن كنا قد سمعنا شيئاً من هذا في الماضي، خصوصاً في العام ٢٠٠٠ أي بعد الانتصار، وبعدها بمدّة -بأشهر- ذهبنا مجدّداً والتقينا بسماحة السيّد القائد (حفظه الله) وهو كان سعيداً جدّاً بانتصارنا، وكنا نتحدّث عن المستقبل، وسماحة السيّد القائد في ذلك الوقت قال، إذا الشعب الفلسطيني والمقاومة في لبنان وشعوب المنطقة تحمّلوا مسؤولياتهم بشكل جيّد وواصلنا هذا الطريق فإسرائيل لا تستطيع أن تبقى في المنطقة لمدّة طويلة. وقال شيء أقل من ٢٥ سنة. فأنا عندما سمعت ال٢٥ سنة اعتبرت أن سماحة السيّد القائد أعطاهم وقتاً إضافيّاً، ولذلك لم أفاجأ. هذا من جهة، ومن جهة ثانية هذا الكلام جدّاً واقعي. لا شكّ في أنّ سماحة السيد القائد، خصوصاً نحن وعلى ضوء التجربة، نؤمن أنّه مؤيّد من الله ومسدّد من الله سبحانه وتعالى والكثير ممّا يقوله أحياناً ينبع من مكانٍ آخر، كما حصل معنا في حرب تموز. في هذه النقطة أنا أقول أنّ المعطيات والوقائع والدراسات الموضوعيّة تؤكّد هذا المعنى. لكن هذا طبعاً ليس بلا قيد وبلا شرط، بشرطها وشروطها. بشرط أنّ حركة المقاومة تواصل عملها في المنطقة، وبشرط عدم الاستسلام لإسرائيل، وبشرط صمود الجمهورية الإسلامية وصمود محور المقاومة. نعم، إذا صمدنا وواصلنا العمل، الظروف الموضوعيّة والواقعيّة تقول أنّ إسرائيل لا تستطيع البقاء إلى ٢٥ سنة في هذه المنطقة. أنا سأضرب أمثلة، حتّى أوضّح هذا الأمر. نحن في السّابق ولدينا نحن هذه الدراسة أنّنا أخذنا هذا الكيان الذي اسمه إسرائيل، ما هي أسس هذا الكيان؟ أعني أعمدته الأساسيّة التي يرتكز عليها وإليها. ما هي عناصر وجود هذا الكيان وبقائه واستمراره؟ ما هي نقاط قوّته وما هي نقاط ضعفه؟ أقول هذا لأؤكّد أنّ كل ما جرى في مسألة المقاومة كان يعتمد بشكل دقيق على الدراسات وإعمال العقل والفكر والحسابات العلميّة والموضوعيّة. العاطفة موجودة والحماس موجود والثقة الكبيرة موجودة والروح الثورية موجودة، لكن ما هو موجود أيضاً العقل والدراسة والتدقيق ومعرفة نقاط القوة ونقاط الضعف وانتخاب الزمان والمكان والأساليب المناسبة. بحسب رأينا وإذا أردتم ندخل في هذا التفصيل، لا مشكلة لديّ، أنّه إذا أخذنا بعين الاعتبار الأسس التي يقوم عليها كيان العدوّ داخليّاً وخارجيّاً ونقاط القوّة التي لديه، ونقاط الضّعف التي لديه، أنا أقول وأنا لا أعرف خلفيّة سماحة السيد القائد وكيف انطلق في هذه المسألة، لكن على ضوء ما لدينا نحن من دراسات وما نرى من وقائع أنّ إسرائيل لا تستطيع أن تستمرّ في البقاء وفي الوجود، هي أصلاً وجود غريب عن هذه المنطقة، هي ليست وجوداً طبيعيّاً. هي وجود مفروض بالقوّة على المنطقة، هذا الوجود لا يمكن أن يطبّع ولا يمكن أن يصبح طبيعيّاً، حتّى لو أراد بعض الملوك وبعض الأمراء والرؤساء العرب ذلك، شعوب المنطقة كلّها ترفض هذا الوجود، كل شعوب المنطقة ترفض هذا الوجود بشكل قاطع. كما أنّ عناصر الضعف لدى هذا الوجود كبيرة جدّاً، إمكانيّة الانهيار والسقوط هي إمكانيّة عالية جدّاً. أنا سأقول لك مثالين فقط. قوّة إسرائيل الآن تستند بشكل أساسي على قوّة الولايات المتّحدة الأمريكيّة. حسناً، لو حصل أي شيء الآن في أمريكا، كما حصل في الاتحاد السوفييتي، أي انهيار اقتصادي على سبيل المثال، خلاف داخلي وانقسامات وانشقاقات داخليّة، حوادث طبيعيّة، أو أي شيء يؤدّي إلى انشغال أمريكا بنفسها وتراجع نفوذها في المنطقة. أنا أقول لك الإسرائيليّون سيجمعون حقائبهم ويرحلون، لا يحتاجون إلى حرب. لأنّ بقاء الاسرائيليّين في فلسطين يستند معنويّاً، ونفسيّاً -أيضاً من الناحية النفسيّة- وعسكريّا واقتصاديّاً على الدّعم الأمريكي. إذا انشغلت أمريكا بنفسها فلا تستطيع إسرائيل أن تبقى ولا تحتاج إلى حرب، لا تحتاج إلى حرب. هذا مثل وهذا ليس تبسيط، بل هي حقيقة واقعة. الكل يعرف أن أمريكا تقدّم لإسرائيل سنويّاً ٣ مليار دولار، وتقدّم لها تسهيلات مصرفيّة بقيمة عشر مليارات دولار، وأنّ جزء من الضرائب التي تُدفع في أمريكا يأتي إلى إسرائيل، إضافة لأحدث التقنيّات ومن المعروف دعم أمريكا لإسرائيل. أحد أسباب موقف الأنظمة العربية والجيوش العربية من إسرائيل هو خوفها من الولايات المتّحدة الأمريكية وليس خوفها من إسرائيل، وإذا جاء يوم، حتّى بعض الأنظمة العربيّة الموجودة والجيوش العربيّة تخلّصت فيه من الضغط الأمريكي فسيكون موقفها  من إسرائيل مختلفاً. حتّى هذه الجيوش وهذه الأنظمة. أضرب لك مثلاً آخر، إسرائيل دولة، في كلّ العالم هناك دول صُنعت لها جيوش، أي أنّ الدولة تصنع جيشاً، لكن يقولون في الأدبيّات أن إسرائيل هي جيشٌ صُنعت له دولة. في كل دول العالم قد ينهار الجيش وقد يسقط الجيش، لكن تبقى الدولة. في العراق بعد الغزو الأمريكي، الأمريكيّون قاموا بحلّ الجيش العراقي لكن لم ينتهِ العراق، وبقي العراق. هناك دول في العالم قد لا يكون لديها جيش أو لديها جيش ضعيف. إسرائيل دولة لا تستطيع أن تبقى على قيد الحياة إلا بجيشٍ قوي، إذا هُزم هذا الجيش أو فقد الشعب الإسرائيلي ثقته بهذا الجيش وبدا لهم حقيقة أن هذا جيشٌ ضعيف وهزيل وغير قادر على حمايتهم، أيضاً سيجمعون حقائبهم ويخرجون. نقاط الضعف الإسرائيليّة إخواني الكرام كثيرة جدّاً، وهي نقاط ضعف قاتلة. بالتالي أنا أعتقد أنّ بعض التطوّرات الدوليّة والإقليميّة مع وجود الإرادة الشعبيّة في منطقتنا الرافضة لبقاء هذا الكيان.. أنا من الأشخاص الذين يؤمنون بقوّة أن الأجيال الحاضرة إن شاء الله ستدخل إلى فلسطين وستصلّي في القدس ولن يكون هناك وجود لإسرائيل.

 

لقد شكّلت حرب الثلاث وثلاثين يوماً فرصة جيّدة لكي نختبر قدرة إسرائيل ونعرف مدى قوّتها أمام حزب الله ومحور المقاومة. في مرحلة معيّنة شنّ الجيش الإسرائيلي هجوماً على عدّة دول عربيّة وهزمها في حرب الأيام الستّة. وفي حرب الثلاثة والثلاثين يوماً كانت هجمات جيش الكيان الصهيوني على مقرات حزب الله وأيضاً على الأبرياء من الناس قاسية جدّاً، لكنّ هذه الهجمات لم تثمر ويبدو أنّ هذه الحرب والانتصار الذي حقّقه فيها حزب الله تحوّلت إلى نقطة انعطاف في تاريخ المنطقة. ما هو تحليلكم لهذه الحرب والهزيمة التي لحقت بإسرائيل وعجز إسرائيل عن تحقيق أهدافها، وإلى أيّ اتجاه سوف تدفع [نتائج] هذه الحرب تل أبيب؟

نحن نستطيع أن نتوسّع قليلاً ونتحدّث عن مقطع، منذ أحداث الحادي عشر من أيلول في أمريكا ومجيء المحافظين الجدد، يعني جورج بوش ومجموعة المحافظين الجدد إلى السلطة في الولايات المتّحدة الأمريكية. لأنّ الحرب على لبنان هي جزء من هذا المشروع وهذه الخريطة الكبيرة. وهنا سيتّضح أيضاً أكثر فأكثر تأثير قيادة سماحة الإمام الخامنئي في هذه المرحلة على وضع المنطقة ككل. جورج بوش وكلّ الجماعة الذين كانوا معه استغلّوا أحداث الحادي عشر من سبتمبر لغزو المنطقة والهجوم على منطقتنا. وإلا هم كانوا يريدون أن يفعلوا ذلك قبل أحداث الحادي عشر من أيلول. واختاروا البداية من العراق بحجّة أن العراق لديه أسلحة دمار شامل. لكن عندما حصلت حوادث ١١ أيلول اضطرّوا أن يذهبوا أوّلاً إلى أفغانستان ومن ثمّ إلى العراق. حسناً، المشروع الأمريكي من ٢٠٠٠- ٢٠٠١ إلى ما بعد، وهو كان ينظر إلى أنه عملية التسوية في المنطقة بين العرب والإسرائيليّين جامدة، حصل في لبنان انتصار كبير وهو انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان وانتصار المقاومة في لبنان، والذي كان انتصاراً للبنان وسوريا ولإيران ولحركات المقاومة الفلسطينيّة. إيران تتقدّم وتزداد قوّة في داخل إيران وأيضاً في المنطقة. فقرّر الأمريكيون أن يأتوا إلى المنطقة بوجود عسكري كبير جدّاً، من أجل أوّلاً الدفاع عن مصالحهم، والسيطرة على النفط وعلى كل الموارد الطبيعيّة. وثانياً، فرض الحلّ السياسي لمصلحة إسرائيل وتثبيت وجود إسرائيل في المنطقة، وهذا يلزمه إزالة كل الموانع والعقبات، والذي يبدأ بالمقاومة في فلسطين والمقاومة في لبنان والنظام في سوريا وصولاً إلى محاصرة إيران، هذا كان مشروعهم. طبعاً كل الوثائق الآن تؤيّد هذا الكلام وهذا المعنى. حسناً، بعد ١١ أيلول هم كانوا مضطرّين إلى أن يذهبوا إلى أفغانستان وفي كل الأحوال كانوا محتاجين أن يذهبوا إلى أفغانستان. لأنّ النقطة الحاسمة في مشروع المحافظين الجدد وجورج بوش كانت محاصرة إيران، وعزل إيران. القوات الأمريكية موجودة في باكستان، وموجودة في دول الخليج ومياه الخليج، وموجودة في تركيا وموجودة في عدد من الدول المحيطة، تأتي إلى أفغانستان وتحضر في أفغانستان، ثمّ إلى العراق لاستكمال الطوق على إيران. لكن  قبل عزل إيران أو ضرب إيران، المفترض أن يأخذ العراق ويسيطر بشكل كامل على العراق وينهي المقاومة في فلسطين، والمقاومة في لبنان والنظام في سوريا، يعني أصدقاء إيران في المنطقة، من يعتبرهم هو حلفاء إيران وأيدي إيران القويّة في المنطقة. وأيضاً القضاء على كل من سيقف بوجه الصّلح المذلّ مع إسرائيل، لأنّ الصّلح مع إسرائيل سيكون شرطاً من شروط عزل إيران وضرب إيران. هل التفتم؟ يعني أوّلاً الهيمنة العسكريّة المباشرة، إسقاط دول، القضاء على حركات المقاومة، صلح عربي إسرائيلي، وتطبيع عربي إسرائيلي وبالتالي تشكيل جبهة واحدة عربيّة إسرائيليّة بقيادة أمريكيّة لضرب إيران وإسقاط إيران والسيطرة على إيران، هذا كان المشروع. حسناً، الخطوة الأولى كانت الحرب في أفغانستان، والخطوة الثانية كانت الحرب في العراق، والخطوة الثالثة، سأقول لاحقاً في المقابل ماذا حصل، بعد احتلال العراق إذا تذكرون جاء كولن باول الذي كان وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية إلى دمشق والتقى بالرّئيس بشّار الأسد وكان معه لائحة من الشروط، أي أنّه أراد أن يستفيد من هول الهجوم الأمريكي على المنطقة لفرض شروطه على الرّئيس بشار الأسد فيما يتعلّق بسوريا، وبالجولان، وبفلسطين، وبالمقاومة الفلسطينية، وبحزب الله في لبنان إلخ …  اللائحة طويلة. طبعاً الرئيس بشار الأسد رفض الاستسلام للأمريكيّين. حسناً، ذهبوا إلى الخطوة التالية، كان المفترض وجود انتخابات في فلسطين للمجلس التشريعي، كانوا يفترضون أن الذي سيفوز في الانتخابات هي السلطة الفلسطينيّة برئاسة السيد محمود عباس، وأنّ حماس والآخرين لن يكونوا موجودين في الانتخابات أو إذا شاركوا لن يفوزوا وبالتالي تشكّل سلطة تطالب بنزع سلاح المقاومة وتدخل في تسوية مع الاسرائيليّين. حصلت المفاجأة أن حماس شاركت في الانتخابات وفازت بأغلبية المجلس. فانتقلوا إلى الخطوة اللاحقة وهي ضرب حزب الله في لبنان. وكانت حرب تموز ٢٠٠٦، وكان صمود حزب الله. صمود حزب الله في ٢٠٠٦، لأنّ الخطة كانت ضرب حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، ثمّ ضرب حزب الله في لبنان، ثمّ الذهاب إلى سوريا وإسقاط نظام الرّئيس بشار الأسد، ثم الذهاب إلى صلح مع إسرائيل وتطبيع عربي - إسرائيلي، ثم عزل إيران وضرب إيران. هذا كان التسلسل الزّمني. طبعاً كان الإنجاز في فلسطين أو الانتصار الاسرائيلي على حزب الله في لبنان وإسقاط الرئيس بشار الأسد سيشكّل مادّة قويّة لجورج بوش للمزيد من الانتصارات الانتخابية في الكونغرس وفي الرئاسة. أحد الكتّاب الأمريكيين الكبار قال لي، لأنّه تعرف في آخر العام ٢٠٠٦ كانت الانتخابات النصفيّة للكونغرس الأمريكي وكان جورج بوش بحاجة لأن يحصل على ثلثي أعضاء الكونغرس الأمريكي، هذا الكاتب الأمريكي -وهو كتب لاحقاً هذا- قال لي:  جورج بوش كان بحاجة إلى أن يدخل الانتخابات على طريقة "الكاو بوي" ويحمل ثلاثة رؤوس ينزف منها الدم، رأس المقاومة الفلسطينيّة، ورأس حزب الله، ورأس بشار الأسد. لو استطاع أن يحصل على هذه الرؤوس لفاز في انتخابات الكونغرس وأخذ أكثر من ثلثي الكونغرس، ويضمن بالتالي القرار بالحرب على إيران. كل هذا الذي كان يجري هو في الحقيقة لإنهاء القضيّة الفلسطينيّة وتهيئة المقدّمات للحرب على إيران. أنا أشرح هذا وأتمنّى لو تتوفّر فرصة أن يُشرح هذا بالتفصيل للشعب الإيراني، لكي يعرفوا أنّه في الحقيقة الهدف النهائي من الصراع الموجود في هذه المنطقة ليس فقط فلسطين، الهدف النهائي من الصراع الموجود في هذه المنطقة هو إعادة سيطرة أمريكا على إيران وما فيها من خيرات وما فيها من مقدّرات، وإعادة إيران إلى زمن الشاه. حسناً، في هذا المسار هنا موقع إيران وقيادة سماحة السيد القائد (حفظه الله) في هذه المرحلة التاريخيّة. أوّلاً، الوضع المعنوي، أمريكا أتت إلى المنطقة. طبعاً لا يوجد اتحاد سوفييتي ولا يوجد معسكر اشتراكي، ولا يوجد شيء في الدنيا، بل هناك قوّة وحيدة عالميّة مسيطرة متجبّرة مستكبرة قاهرة اسمها الولايات المتّحدة الأمريكية، وقد أخذت القرار بغزو المنطقة عسكريّاً، وجاءت بجيوشها وأساطيلها. الكل كان يرتجف، إلا القليل. هنا نذكر مواقف سماحة السيّد القائد من الغزو لأفغانستان، أو من الغزو للعراق، وتذكرون في تلك الفترة السيد القائد كان يذهب إلى المحافظات الإيرانيّة ويخطب، إعطاء الثقة للشعب الإيراني ولشعوب المنطقة ولحركات المقاومة في المنطقة، إعطاء المعنويات، وإعطاء الروح للوقوف وعدم الاستسلام أمام الهجمة الأمريكية التاريخيّة القاسية على منطقتنا، هذا أوّلاً. المهمّة كانت صعبة جدّاً، أنا أذكر بعد غزو أفغانستان وقبل غزو العراق، أنا ذهبت إلى إيران والتقيت بسماحة السيّد القائد، وقلت له يوجد قلق في المنطقة. هو قال لي، أنظروا ماذا كانت رؤيته، قال: قل للإخوة جميعاً أن لا يخافوا، بالعكس، مجيء الأمريكيّين إلى المنطقة يجب أن يدعو إلى الاستبشار وإلى الإحساس بالفرج في المستقبل. فأنا استغربت، هو أشار بيده هكذا، قال الأمريكيّون وصلوا إلى القمّة، منذ غزوهم لأفغانستان هم بدأوا بالهبوط. الأمريكيّون لو كانوا مقتنعين بأنّ إسرائيل وأنّ الأنظمة العميلة الموجودة في المنطقة قادرة على حماية مصالحهم لما احتاجوا إلى أن يأتوا بجيوشهم وأساطيلهم إلى المنطقة. وهذا دليل فشلهم، وفشل سياساتهم في المنطقة. لو كانوا ناجحين لما احتاجوا إلى ذلك. عندما يشعر الأمريكيّون أنّهم بحاجة للحضور المباشر ليفرضوا مصالحهم وشروطهم، فهذا دليل ضعف، وليس دليل قوّة. وعندما يأتي أي جيش مهما كان عظيماً وقويّاً من خلف آلاف الأميال إلى منطقة فيها شعوب حيّة، هذا الجيش سيُهزم وسينكسر. ولذلك مجيء أمريكا إلى منطقتنا هو بداية سقوطها وليس بداية عصرها. طبعاً هذا الكلام كان يقوله سماحة السيد القائد في مناسبات مختلفة بأدبيات مختلفة. لكنه قال لي هذا الأمر بهذا الوضوح وأنا نقلت هذا وكنا نخطب ونتكلم بهذا الموضوع. حسناً، جاءت ٢٠٠٦، نحن كان قرارنا هو الصمود، سماحة السيد القائد من أول يوم في الحرب أصدر بيان كما تذكرون وأيّد المقاومة ودعم المقاومة ودعا إلى الصّمود والمواجهة وإلى الثبات، وهذا له قيمة كبيرة عندنا، عند شعبنا وعند مقاتلينا. لأنّنا نتحدّث عن معركة فيها دماء وشهداء وجراح. عندما يكون وليّ الأمر وقائدنا وإمامنا ومرجعنا يقول هذا ويدفع في هذا الاتجاه فهذا يشكّل قوّة معنويّة روحيّة هائلة للمقاومين. دخلنا في القتال. الأمريكيون بعد أيام قليلة، بعد ٤ أو ٥ أيام فقط، بعد أن قامت إسرائيل بقصف كل الأماكن التي لديها معلومات عنها، اعتقدوا أنّنا ضعفنا وخفنا والآن نحن جاهزون للاستسلام. في ذلك الحين الأمريكيّون تكلّموا مع رئيس الحكومة الحالي، الرئيس سعد الحريري، في ذلك الوقت لم يكن هو رئيس الحكومة ولكن كان رئيس الكتلة البرلمانيّة التي ينتمي إليها رئيس الحكومة آنذاك فؤاد السنيورة. فتكلّموا معه وهو اتّصل بنا، قال الأمريكيّون يقولون -أي أنّ الذي يفاوض هم الأمريكيّون-: الحرب تتوقف على لبنان، لكن شرط أن تقبلوا بشروط ثلاثة. الشّرط الأول، أنتم أخذتم أسيرين من الجنود الإسرائيليّين، يجب أن يعود هؤلاء الأسرى بلا قيد أو شرط. الشرط الثاني هو أن يقوم حزب الله بتسليم كامل أسلحته ويتحول إلى حزب سياسي. الشرط الثالث هو أن نوافق على مجيء قوات متعددة الجنسيّات، يعني ليس قوات دوليّة تابعة للأمم المتحدة، بالفارسية أنتم تقولون ”نیروهای بین المللی، مال سازمان ملل“ وهناك أيضاً ”نیروهای چند ملیتی“ أي قوات متعدّدة الجنسيّات التي جاءت إلى العراق. هذه ليست خاضعة ل“مجلس الأمن الدولي“، وإنما خاضعة للإدارة الأمريكيّة. أن نقبل بمجيء قوات متعددة الجنسيات إلى لبنان، تنتشر على كامل الحدود اللبنانية الفلسطينيّة، وعلى كامل الحدود اللبنانيّة السورية وإلى المطار وإلى الميناء وإلى المعابر، يعني معابر الدخول والخروج إلى لبنان، يعني احتلال دولي واحتلال أمريكي. طبعاً نحن رفضنا وواصلنا الحرب والقتال. جاءت كوندوليزا رايس إلى لبنان، ماذا قالت للبنانيّين؟ كانت تتحدّث عن معركة حاسمة وأنّ حزب الله سيُهزم وسيُدمّر واستخدمت الجملة المعروفة: المنطقة تواجه حالة ولادة شرق أوسط جديد. هو هذا الشرق أوسط الجديد الذي تحدثنا حوله. لكن عمليّاً المقاومة صمدت وانتصرت. عندما انتصرت المقاومة في لبنان، إذاً الحلقة الأولى من المشروع الأمريكي في فلسطين سقطت نتيجة الانتخابات الفلسطينيّة. الحلقة الثانية في لبنان سقطت، أي القضاء على حزب الله. وبالتالي سقطت الحلقة الثالثة لأنّه كان مفترض بعد القضاء على حزب الله أن تذهب المعركة إلى سوريا وأن تقوم إسرائيل ومعها أمريكا بضرب النظام في سوريا. هذا جُمّد. فالفشل الأول والفشل الثاني والفشل الثالث. ثم ما جرى في العراق. حسناً، في العراق أيضاً موقف سماحة السيد القائد (حفظه الله) أنه يعتبر الوجود الأمريكي في العراق احتلالاً. وكلّ الموقف الإيراني والموقف الرسمي الإيراني كان يتحدّث عن الاحتلال الأمريكي للعراق. وأنه حصلت مقاومة شعبيّة في العراق. العراق الذي كان يفترض أن تبقى فيه أمريكا وأن تسيطر عليه وتديره. اضطرّت أمريكا نتيجة المقاومة المسلّحة في العراق والمقاومة الجديّة وليس مقاومة جبهة النّصرة والقاعدة والتكفيريّين، إنّما مقاومة العراقيّين الذين قاتلوا بإخلاص. والموقف السياسي الصّامد في العراق، والإرادة الشعبيّة في العراق ومجموعة ما جرى اضطّر أمريكا أن تخرج من العراق، وخرجت، ولو باتّفاق. طبعاً في ذلك اليوم عندما خرجت أمريكا من العراق أنا قلت أنّ هذا انتصار عظيم للمقاومة العراقيّة ولكن للأسف ليس هناك من يحتفل به، أي كان يجب أن يحتفلوا بهذا الانتصار العظيم الذي حققه العراقيّون عندما فرضوا على أمريكا أن تخرج من العراق عام ٢٠١١. وهذا في نهاية المطاف كان فشل لكلّ المشروع الأمريكي في المنطقة، فيما يتعلّق بتلك المرحة، من ٢٠٠١ إلى ٢٠١١. هذا مشروع الشرق الأوسط الجديد، والهجمة الأمريكية للسيطرة على المنطقة لتحقيق الصلح المذلّ مع إسرائيل والتطبيع العربي الإسرائيلي لتصفية القضيّة الفلسطينيّة، والقضاء على حركات المقاومة، وللسيطرة على الدّول، ولعزل إيران وضرب إيران، هذا كلّه سقط وفشل. حسناً، كيف فشل؟ هنا يأتي دور سماحة السيّد القائد والجمهورية الإسلامية وحلفائها وأصدقائها في المنطقة. هؤلاء الذين أفشلوا المشروع الأمريكي. طبعاً آل سعود كانوا جزءاً من المشروع، وحكام العديد من دول الخليج والدول العربيّة كانوا جزءاً من المشروع الأمريكي وكانوا أدوات في المشروع الأمريكي. إسرائيل كانت أداة كبيرة في المشروع الأمريكي، لكنّ الذين وقفوا في وجه المشروع الأمريكي هم عبارة عن الجمهورية الإسلامية في إيران بقيادة سماحة السيد القائد، وسوريا بقيادة الرئيس بشار الأسد، والمقاومة في لبنان وحلفائها، والمقاومة في فلسطين وحلفائها، وفصائل المقاومة والقيادات السياسيّة الوطنيّة المخلصة في العراق وعلى رأسها المرجعيّة الدينيّة في النّجف الأشرف والقوى الإسلامية والقومية في منطقتنا، هؤلاء هم الذين وقفوا. لكن من كان مركز الثّقل الذي يمدّ الآخرين أيضاً بالقوّة وبالحماية؟ كان الجمهورية الإسلامية في إيران وموقع وموقف وعزم سماحة السيد القائد الخامنئي (دام ظلّه الشريف). وهذا المشهد الذي حصل من ٢٠٠١ إلى ٢٠١١، يعني خلال عقد من الزّمن -عشر سنوات-، نحن كنا في قلب هذه المعركة التي كانت نتيجتها الهزيمة الأمريكيّة الواضحة. أختم هذا المقطع أيضاً بخاطرة عن سماحة السيد القائد (حفظه الله). في الأيام الأولى لحرب تمّوز، حرب الثلاثة والثلاثين يوماً، هي ٣٤ يوماً لكن يقولون ثلاثة وثلاثين. طبعاً هنا في لبنان كان الناس قلقين جدّاً، ماذا يحصل؟ حتّى بعض المسؤولين اللبنانيّين اتّصلوا بمسؤولين سعوديّين ليتدخّلوا لوقف الحرب وهؤلاء قالوا لهم: لا يتدخّل أحد هناك قرار أمريكي دولي إقليمي عربي بسحق حزب الله، سحق حزب الله يعني (له كردن). وبالتالي لا أحد يتدخّل، حزب الله إمّا أن يستسلم وإمّا أن يُسحق. طبعاً نحن كنا نقاتل، وطبعاً كانت هناك  إرادة قويّة للقتال وبروح كربلائيّة، وكانت الرّوح الحاكمة على كلّ حزب الله ومن يقف معه الكلمة المشهورة للإمام الحسين (عليه السلام): ألا إنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين، بين السلّة والذلّة وهيهات منّا الذلّة. نحن أمام خيارين، إمّا السلّة يعني الحرب، أو الاستسلام الذليل، ونحن اخترنا الحرب. في الأيام الأولى يتّصل الحاج قاسم سليماني، الأخ العزيز والحبيب. يأتي إلى دمشق ويتّصل إلى بيروت ويقول أنا يجب أن أصل إليكم. قلنا له كيف؟ الإسرائيليّون يقصفون الجسور والطرقات والسيارات، لا يمكن الوصول إلينا. قال لا بدّ أن آتي إليكم، وأنا أحمل رسالة من سماحة السيد القائد لكم. المهم، رتّبنا الأمور وجاء الأخ الحاج قاسم إلى الضاحية الجنوبيّة في الأيام الأولى للحرب. وهو شرح لي أنّ سماحة القائد (حفظه الله) كان في مشهد ودعا كلّ المسؤولين في الجمهوريّة الإسلامية إلى لقاء، وكان رئيس الجمهورية الحالي ورؤساء الجمهورية السابقون، ووزير الخارجية الحالي ووزراء الخارجية السابقون، ووزير الدفاع الحالي ووزراء الدفاع السابقون، وهكذا، قائد الحرس الحالي وقادة الحرس السابقون ومسؤولون آخرون، وصار تداول وناقشوا وحلّلوا هدف الحرب، إلى أين يريدون أن يصلوا؟ لأنّه منذ البداية المسؤولون في الجمهورية الإسلامية كانوا يرون الحرب على لبنان جزء من خطة أمريكا في المنطقة، وليست شيئاً معزولاً أو مفصولاً. فتداولوا ووصلوا إلى تحليل معيّن ثمّ اتّفقوا أنّ الجمهورية الإسلامية ستقف إلى جانب المقاومة في لبنان وإلى جانب الحكومة اللبنانيّة وإلى جانب سوريا لأنّه كان يوجد تهديد أن تتّسع الحرب إلى سوريا وأنّ إيران سوف تقف بقوّة، دبلوماسيّاً وسياسيّاً وعلى مستوى الدعم المادّي والعسكري. انتهى اللقاء وصلّوا صلاة المغرب والعشاء جماعة ومن المفترض أنّ الإخوة يغادرون، فسماحة القائد بعد الصلاة قال لهم: إجلسوا قليلاً، أنا عندي كلام أريد أن أقوله. أي أنّ هذا كان بعد انتهاء الجلسة الأولى، الجلسة الرسميّة. ثمّ قال سماحته للأخ الحاج قاسم، أنت تكتب ما أقوله أنا وتنزل إلى لبنان إلى بيروت وتلتقي مع فلان وتنقل له هذا المضمون، وهو ما يراه مصلحة ينقل لإخوانه ولأصدقائه. ثمّ بدأ الحاج قاسم يقرأ لي كلام السيد القائد بعد الصّلاة. من جملة ما قال، لأنّه كان هناك كثيرون يظنّون أنّه أسر الأسيرين الإسرائيليّين كان مصيبة. فسماحة القائد يبدأ الرسالة ويقول ما مضمونه أنّ أسركم للجنديّين الإسرائيليّين كان لطفاً إلهيّاً خفيّاً لأنّ هذه العملية أجبرت الإسرائيلي على الدّخول في ردّ فعل معكم الآن، والإسرائيليّون والأمريكيّون كانوا يخطّطون لحرب على لبنان وعلى حزب الله في لبنان في آخر الصيف وأول الخريف ٢٠٠٦، وكانت الحرب ستبدأ بشكل مفاجئ وتُباغتون وتُفاجأون وأنتم لستم مهيّئين. إنّ أخْذكم للأسيرين، اللطف الإلهي فيه كان أنّه استعجل الزّمان، يعني لم تحصل الحرب في الوقت الذي أرادته أمريكا وإسرائيل، ولم يكونوا بعد جاهزين للحرب، بل كانوا يُجهّزون للحرب. وأنتم كنتم متجهّزين، يعني لا يوجد عامل الغفلة والمفاجأة. هذه أوّل فكرة، طبعاً هذه الفكرة فيما بعد أيّدها كبار، أي بعد ما قلتُ [ذلك] في الإعلام، الأستاذ الراحل محمد حسنين هيكل أقام حلقتين في قناة الجزيرة في ذلك الوقت لشرح وتأييد هذه الفكرة. أحد الكتّاب الكبار في الولايات المتحدة الأمريكيّة باسم سيمون هيرش أيضاً كتب هذا المضمون بعد ما قلت هذا في الإعلام، طبعاً عندما قلت [ذلك] في الإعلام لم أنسب هذا الكلام لسماحة السيد القائد. المسألة الثانية هي أنّ هذه المعركة هي أشبه بمعركة الأحزاب، الخندق، في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، والمعركة ستكون صعبة وقاسية وتستهدف وجودكم وأنتم يجب أن تصبروا في هذه الحرب واستخدم الآية التي تقول ”وبلغت القلوب الحناجر وتظنّون بالله الظّنون“، لكن يجب أن تكون ثقتكم بالله عظيمة جدّاً. المقطع الثالث يقول فيه سماحة القائد: أنتم ستنتصرون في هذه الحرب. طبعاً كان قبل ذلك أيضاً في الأيام الأولى، قبل ذلك أو بعد ذلك، أنا لا أذكر جيّداً الآن، كان أيضاً قد وصلني كلام مشابه من سماحة آية الله العظمى الشيخ بهجت (رحمة الله عليه)، ونقل الناقل لي أنّه كونوا على يقين أنكم منتصرون في هذه الحرب إن شاء الله. لكن الإضافة المهمّة في كلام سماحة السيّد القائد: أنتم ستنتصرون في هذه الحرب وستصبحون بعدها قوّة إقليميّة، لن تستطيع أيّ قوّة في المنطقة أن تقف في وجهكم. فأنا ضحكت وقلت للحاج قاسم: نحن نصبح قوّة إقليميّة؟! نحن الآن في معركة يريدون أن يسحقوا فيها وجودنا، وإذا خرجنا فقط من هذه المعركة منتصرين ومحافظين على وجودنا، هذا بالنسبة لنا نعمة عظيمة جدّاً. يا أخي لا نريد أن نصبح قوّة إقليميّة، طبعاً بالمزاح يعني وبالملاطفة. لكن ما قاله سماحة السيد القائد في ذلك الوقت بالنسبة لي كان يشكّل يقين. وأنا منذ تلك اللحظة كنت على يقين بأنّنا سننتصر في هذه الحرب وبعدها قوّة إقليميّة لا تستطيع أي قوّة أن تهزمها، وهذا هو الذي حصل.

 

هل كانت لدى الإمام الخامنئي توصيات أيضاً فيما يخصّ الأدعية والأذكار أثناء حرب تموز؟

في ذلك الوقت أنا، طبعاً في الأيام الأولى مع البيان الذي أصدره سماحة السيد القائد (حفظه الله)، غير البيان المعلن أيضاً كانت هناك رسالة لي، رسالة خطيّة من سماحة السيد القائد ما زلت أحتفظ بها وأيضاً كانت هناك رسالة من أخي العزيز والحبيب سماحة السيد حجازي (حفظه الله). سماحة السيّد حجازي كتب لي توصية ببعض الأدعية لكن أنا لا أذكر الآن إن كان نسبها إلى سماحة السيّد القائد أو لم ينسبها إلى سماحة السيد القائد. أنا لا أذكر جيّداً، لكن بالعموم يعني منها مثلاً دعاء الجوشن، أنا في ذاكرتي أنّها توصيات سماحة السيّد القائد، على ما أذكر يعني. مثلاً دعاء الجوشن الصغير والاستغاثة بصاحب الزّمان (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، يا بقية الله أغثنا يا بقية الله أدركنا، وزيارة عاشوراء غير المعروفة وغير المشهورة وتوصيات أخرى. لكن بالعموم أنا أودّ أن أقول لكم أيضاً في هذا السّياق شيئاً من تجربتنا مع سماحة السيد القائد (حفظه الله) أنّه دائماً كان يوصي في كل المراحل، وليس فقط في الحرب، يوصي بالدعاء والمناجاة والتوسل والحديث مع الله سبحانه وتعالى. ونحن طبعاً ننقل هذه الوصايا للإخوة والإخوة يقومون بها، ونقاط القوة في مسيرتنا في حزب الله وفي معارك وحروب حزب الله هو هذا الجانب، أي جانب الدعاء وجانب التوسّل وجانب الاستغاثة وجانب اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا دائماً كان من توصيات سماحة السيد القائد. في الموضوع الروحي والمعنوي هناك أمور عديدة كان يؤكّد عليها منذ أن عرفناه. الأوّل هو الثقة بالله عزّ وجل، والثقة بوعد الله عزّ وجل، والتوكّل على الله سبحانه وتعالى، في كل جلسة كان يقول للإخوة ”إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم“، الله سبحانه وتعالى لا يمزح معنا، الله سبحانه وتعالى يحدّثنا ويكلّمنا بوضوح وهذا وعد الله عزّ وجل، والله تعالى لا يُخلف الميعاد. دائماً كان يؤكّد على الثقة بوعد الله والثقة بالله سبحانه وتعالى، وهو حتّى الآن يعيد هذا في خطاباته العامّة، في كل مرحلة هذه النقطة كانت جوهريّة وأساسيّة. ومن النقاط الجوهريّة والأساسيّة أيضاً هي الدعاء والتوسّل واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى والاستغاثة.

 

سوف أتخطّى السؤال حول الأمور التي تتعلق بقضيّة التقريب ومساعي العدو الرامية إلى خلق نزاعات بين الشيعة والسنة وقضية الصحوة الإسلامية. نحن قبل حوالي ٧ أو ٨ أعوام الماضية شهدنا حدثاً غريباً جداً وكان حدثاً ترك آثاراً استراتيجيّة للغاية في المنطقة. أعني حادثة سوريا والأزمة السورية. نرغب من سماحتكم أن توضحوا لنا سبب وقوع الاختيار على سوريا وما المخطط الذي كان مرسوماً للمنطقة؟ وماذا كانت تداعيات هذه الأزمة؟ أي أبعاد وزوايا كانت تتضمنها الأحداث في سوريا؟ وما هي الأسباب التي جعلت حزب الله والجمهورية الإسلامية في إيران يتّخذان قرار الدخول في الأحداث السورية رغم الأثمان الباهظة التي كانوا سيتحمّلانها؟ ما الذي كان سيحصل لو لم يشاركا في هذه الأحداث؟ وأيّ تبعات وأثمان جعلت مشاركة إيران وحزب الله في سوريا أمراً ضروريّاً؟

هذا يرجع إلى البحث في المقطع الآخر، إذا كنا تحدثنا من ٢٠٠١ إلى ٢٠١١، وقلنا النهاية كانت خروج الأمريكيّين من العراق، الفشل في لبنان، والفشل في سوريا، والفشل في فلسطين، وبالتالي سقوط الخطّة الأمريكيّة في المنطقة. بعد ٢٠١١، هذا المقطع الآخر الذي ما زال متواصلاً إلى الآن، أيضاً هو مقطع مهم وتاريخي من حياة المنطقة، ومن حياة الجمهورية الإسلامية، ومن قيادة سماحة السيّد القائد (حفظه الله)، الذي هو بداية عام ٢٠١١ وبداية ما سمّاه سماحة السيد القائد بالصحوة الإسلامية وما اصطُلح عليه هنا في المنطقة بالربيع العربي. أنا أودّ أن أتحدّث في هذا قليلاً وأدخل إلى سوريا، في الربيع العربي أو الصحوة الإسلامية أو التحرّكات الشعبية الضخمة التي حصلت في المنطقة، يعني ابتداء من تونس إلى مصر إلى ليبيا وكان قد سبقها اليمن، هذه البدايات. ثمّ تطوّرت الأحداث إلى المعركة في سوريا. في الحقيقة نحن فهمنا لما حصل في ذلك الحين هو باختصار شديد أنّه بعد فشل الخطّة الأمريكيّة في المنطقة، وفشل الهجمة الأمريكيّة، وجاء باراك أوباما ليلمّ ذيول الفشل، الشعوب في المنطقة بات لديها وعي ولديها إرادة ولديها أمل بالتغيير، والأنظمة أصبحت في وضع صعب وضعيف وهش. ولذلك كانت هناك فرصة أمام الشعوب لتنتفض وتسقط هذه الأنظمة. أنا فهمي وفهم كثيرين هنا، وهذا ما قاله سماحة القائد منذ البداية، أنّ هذه الحركة الشعبيّة هي حركة شعبيّة حقيقيّة أصيلة، الحركة في تونس [كانت تمثّل] شعب تونس وإرادة تونسيّة، والحركة في مصر هي إرادة شعب مصر، والحركة في ليبيا هي إرادة شعب ليبيا، والحركة في اليمن هي إرادة شعب اليمن، والشعارات التي طرحت والأهداف التي كانوا يسعون لتحقيقها وإنجازها تنطلق من رؤيتهم ومصالحهم الشعبيّة والوطنيّة. ووجدنا تأثيراً كبيراً جدّاً للإسلام والحركات الإسلامية وللإسلاميّين في هذه النهضة وفي هذه الصّحوة. ولذلك سمّاها سماحة السيّد القائد (حفظه الله) بالصحوة الإسلامية. لكن أين كانت المشكلة؟ كانت المشكلة الجوهريّة والحقيقيّة في فقدان القيادة، وفقدان الوحدة. الثورة الإسلامية في إيران كانت ثورة شعبيّة جماهيريّة عظيمة جدّاً. لكن الذي أوصلها إلى النّصر وثبّتها بعد الانتصار هو وجود القائد، يعني الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه)، وثانياً الوحدة الشعبية، وحدة العلماء والمسؤولين والشعب الإيراني من مختلف فئاته وشرائحه خلف الإمام. وبالتالي شعب موحّد وقائد يرسم الاستراتيجيّات وخطّ المشي والسياسات ويوجّه ويمسك ويضبط و … المشكلة في هذه البلدان التي حصلت فيها [الثورات]، باستثناء سوريا وسوف نصل إليها بعد قليل، هو فقدان القيادة الموثوقة والموحّدة. كان يوجد عدد كبير من القيادات وعدد كبير من الأحزاب لا يوجد انسجام فيما بينها ويوجد خلافات [حول] ما يقبلون وما يرفضون، وعندما يذهبون إلى التفاوض كانوا يختلفون وتظهر خلافاتهم، وكان هذا ينعكس على الناس وعلى الشعب ويوجد اختلافات فيما بينهم بحيث تحوّلت في بعض المناطق إلى حرب أهليّة. حسناً، هنا دخل الأمريكيّون وبعض الدول الإقليميّة لاستيعاب هذا الحراك الشعبي الكبير ومصادرته وتدجينه وإفشاله، هنا أمريكا كان لها دور كبير، فرنسا لها دور في شمال أفريقيا، السعودية والإمارات دخلتا بقوّة لإيقاف الصّحوة الإسلامية ولتعطيل الربيع العربي ولإجهاض الثورات الشعبيّة من خلال الإعلام والمال ودعم الانقلابات العسكرية في المنطقة. حسناً، وبالتالي هذه الدول الآن تواجه مصيرها. تونس، وليبيا، ومصر كلّنا نعرف إلى أين وصلت الأمور، وإلا في اليمن هم أرادوا أن يعيدوا مصادرة كلّ شيء، لكن وقفة جزء كبير من الشعب اليمني خلف قيادة الأخ العزيز السيد عبد الملك الحوثي وأنصار الله وحلفائهم.. هم صمدوا سياسيّاً وشعبيّاً ففرضت عليهم الحرب وما زالوا يحاربون. هنا جاء موضوع سوريا. سوريا وما يجري في سوريا لم يكن له علاقة لا بالربيع العربي ولا بالصحوة الإسلامية. ما جرى في سوريا هو في الحقيقة عمل أمريكي سعودي بالتحديد مع بعض الدول الإقليميّة لقطع الطريق على أي إنجاز لمحور المقاومة. لأنّ التحوّلات الشعبيّة خصوصاً في مصر جعلت إسرائيل في قلق شديد، الإسرائيليّون في ذلك الحين كانت لديهم مؤتمرات كبيرة يتحدّثون فيها عن البيئة الاستراتيجيّة، بدأوا يفكّرون حتّى بإعادة تشكيل عدد من الفرق العسكريّة وإرسالها إلى الحدود مع سيناء. إلى هذا الحد كان يوجد قلق ورعب إسرائيلي من التغييرات التي حصلت في مصر. في سوريا كان المطلوب إسقاط النظام وإسقاط هذه القيادة بعد أن عجزوا عن استمالتها. أي ما لا يعرفه الكثيرون أنّه قبل ذلك كان هناك جهد كبير لاستمالة الرّئيس بشار الأسد والقيادة السوريّة والدولة السوريّة إلى المحور الآخر. وهذا الأمر عمل عليه السعوديّون وجاء شخصيّاً الملك عبدالله بن عبد العزيز إلى دمشق، مع أنّه كان قد قاطع سوريا، وعمل عليه القطريّون بشكل كبير، وعملت عليه تركيا، وعمل عليه العديد من الدول العربية وعملت عليه مصر أيضاً في زمن حسني مبارك. بالوسائل السياسية والإغراءات الاقتصادية والمالية حاولوا أن يأخذوا سوريا إلى المحور الآخر الذي يسمّونه الاعتدال العربي ونسمّيه الاستسلام العربي. لكن الرئيس بشار الأسد والقيادة السورية كانوا دائماً يصرّون على موقفهم وموقعهم وأنّ الصراع العربي الاسرائيلي قائم ولا يمكن إيجاد تسوية دون حلّ موضوع الجولان السوري المحتلّ وتحقيق حقوق الشعب الفلسطيني. حسناً، هم فشلوا بالوسائل السياسية والمالية في نقل سوريا إلى الموقع الآخر، هذا من جهة. من جهة أخرى أدركوا أنّ موقع سوريا أيضاً مركزي في المحور، في محور المقاومة. إذا أردت أن أستخدم عبارة دقيقة كان سماحة السيد القائد يقول أن سوريا هي عمود الخيمة، اليوم بدون سوريا ستُعزل المقاومة في لبنان، وبدون سوريا المقاومة في فلسطين ستُعزل، سوريا هي جزء أساسي في جسد المقاومة وفي محور المقاومة. البعض يستعمل عبارة جسر‌، هي أكثر من جسر، هي جزء رئيسي وكبير ومهم وقوي جدّاً من بدن وجسد وعقل وثقافة وفكر وإرادة المقاومة في المنطقة. وهذا ثبت بالخصوص بعد حرب تمّوز، و[من خلال] موقف سوريا ودعم سوريا وثبات سوريا التي كانت مهدّدة بالحرب في حرب تمّوز. كان من الممكن أن يوسّع الإسرائيلي حربه، والأمريكيّون كانوا موجودين في العراق على الحدود مع سوريا. وكان يمكن أن تُفرض حرب شاملة على سوريا، لكنّ الرئيس بشار الأسد لم يغيّر موقفه في حرب تموز وبقي إلى جانب المقاومة بموقف صلب وثابت. الإسرائيليّون بعد حرب تمّوز كانت لديهم دراسات كثيرة ووصلوا إلى استنتاج يقول لنقضي على المقاومة في لبنان وفلسطين يجب أن ننتهي من سوريا. وهذا الذي كانوا يخطّطون له بعد ذلك. حسناً، هم لم يستطيعوا أن يأخذوا سوريا بالسياسة فجاؤوا إليها بالعسكر. لو كانوا قادرين على انقلابات عسكرية في سوريا داخل الجيش السوري لفعلوا ولكنّهم ما استطاعوا. استغلّوا ظروف الحريّة الإعلامية والمناخ القائم والتحوّلات في المنطقة ودفعوا باتجاه الصِّدام داخل سوريا. منذ اللحظة الأولى عندما نزلت مظاهرات مطلبيّة، أنا شاهد أنّ الرئيس بشار الأسد كان يجلس مباشرةً مع قادة بعض المتظاهرين ويستمع إلى مطالبهم ويستجيب لمطالبهم. ولكن بعد ذلك كان يتحول التظاهر إلى عملية عسكرية كما حصل في احتلال مدينة درعا. الأمريكيون والسعوديون وبعض الدول في المنطقة هم الذين جاؤوا بكل هؤلاء التكفيريّين، بالقاعدة وجبهة النصرة وداعش من كل أنحاء العالم ليقاتلوا في سوريا، وليسقطوا النظام، وليسيطروا على سوريا. لمصلحة من؟ لمصلحة أمريكا ولمصلحة إسرائيل. لمصلحة هذا المحور الذي يريد إنهاء القضيّة الفلسطينيّة. ولمصلحة هذا المحور الذي يريد محاصرة إيران وعزل إيران وضرب إيران، هذه هي الحقيقة. المسألة في سوريا لم تكن على الإطلاق مسألة أنّ الشعب يريد هذا النوع من الانتخابات أو هذا النوع من الإصلاحات، فالرّئيس الأسد كان منفتحاً على الحوار، وعلى مناقشة أي خيارات يريدها الناس. ولكن الآخرين ذهبوا سريعاً إلى احتلال المناطق وضرب الجيش وضرب القوى الأمنية وضرب إدارات الدولة والعمل العسكري لإسقاط النظام، وفتحوا الحدود، وجاءت السفن التي تحمل الإمكانات العسكرية الهائلة. جون بايدن يقول شخصيّاً، جاؤوا بعشرات آلاف الأطنان من السلاح والذخيرة إلى سوريا، وأنفقوا مئات مليارات الدولارات من أجل أي شيء؟ من أجل ديموقراطية في سوريا؟ هل داعش وجبهة النصرة، هاتان الجماعتان، جماعةُ ديموقراطيّة؟ هم يقولون بأنّ الانتخابات كفر، ويقولون من يشارك في الانتخابات كافر، ويستبيحون دمه، هؤلاء يريدون أن يأتوا بالانتخابات إلى الشعب السوري؟ كان واضح -واليوم ثبت على كل حال- أنّ ما كان يجري في سوريا ليس له أي علاقة لا بالانتخابات ولا بالإصلاحات ولا بالديموقراطية ولا بأي شيء من هذا، لأنّ الرئيس الأسد كان حاضراً لمناقشة كل هذه الأمور. الاستعجال كان لإسقاط النّظام والسيطرة على سوريا، وبعد سنة ونصف -وهذا أمر أنا قلته في بعض وسائل الإعلام- أرسل الملك عبد الله بن عبد العزيز -أي بحدود ٢٠١٢ أو ٢٠١٣- مندوباً خاصّاً للرّئيس بشار الأسد، وأبلغه وقال، إذا [كانت] سوريا حاضرة أن تخرج من هذا المحور وتقطع علاقاتها بإيران وبحركات المقاومة فنحن حاضرون لأن نوقف كل شيء في سوريا، الجماعات المسلّحة نجد لها حلّاً، ونعترف بكَ رئيساً إلى الأبد، لا نريد إصلاحات ولا نريد أي شيء، وجاهزون لأن نقدّم مئات مليارات الدولارات لإعادة إعمار سوريا. إذاً الهدف مختلف تماماً عن مطالبات الشعوب في الربيع العربي. الهدف كان أخذ سوريا من موقعها التاريخي وتخلّي سوريا عن حقوقها، وبالتالي إخراج سوريا من محور المقاومة لتصفية القضيّة الفلسطينيّة وتثبيت الهيمنة على العراق وعزل إيران ومحاصرة إيران. حسناً، عندما يكون هذا هو فهمنا للمعركة، منذ اليوم الأوّل -وأنا أتمنى أن يساعد بعض الإخوة في إيران في نقل هذه المسائل- توجد تصريحات لمسؤولين أمريكيّين ولمسؤولين في المعارضة السوريّة، منذ اليوم الأول، كانوا يقولون نحن بعد أن ننتهي من سوريا سوف ندخل إلى لبنان للقضاء على حزب الله، وبعضهم كان يقول سوف نذهب إلى العراق. يعني الموضوع ليس موضوع سوريا فقط. حسناً، عندما يعترف ترامب بأنّ أوباما وكلينتون والسي آي ايه هي التي أوجدت هؤلاء وجاءت بهم إلى سوريا، هل حقيقة الهدف هو الديموقراطية والانتخابات في سوريا؟ أو الهدف هو تدمير سوريا؟ لذلك من اليوم الأول كان يوجد وضوح شديد عندنا أنّ هدف الحرب على سوريا غير مرتبط بكل ما يتصل بهذه المعاني، وإنّما إسقاط الدولة في سوريا وتدمير الجيش السوري والسيطرة على سوريا لإخضاعها ولإدخالها في قطار التنازل عن الحقوق والتسوية وتصفية القضية الفلسطينيّة والتطبيع مع إسرائيل والقضاء على كل آمال شعوب منطقتنا. نحن في لبنان مثلاً كنا في حزب الله مجمعين على  هذا الفهم، لم يكن هناك حتى رأي واحد مخالف في حزب الله حول هذا التقدير وهذا الفهم. سماحة السيد القائد (حفظه الله) بما هو مسدّد ومؤيّد من الله سبحانه وتعالى وبما لديه من وعي تاريخي وبصيرة عظيمة و[بما يتمتع به من] المواصفات القيادية المعروفة والاستثنائية كان لديه أيضاً هذا الوضوح الشديد. وأنا ذكرت هذا في بعض المناسبات أنه عندما ذهبنا.. البعض هنا يقولون أن إيران هي التي طلبت منا أن نذهب إلى سوريا وهذا غير صحيح. نحن الذين قررنا أن نذهب إلى سوريا، لأننا كنا نرى الخطر على سوريا وعلى لبنان بشكل قوي جدّاً، وأن المعركة ستنتقل إلى مدننا وإلى قرانا وإلينا بسرعة هائلة. ولكن أحببنا هذا الموضوع، لأنه في نهاية المطاف هذه معركة وتحتاج إلى إجازة ونحتاج أيضاً إلى دعم وإلى مساندة ولكن النقطة الأولى هي الأهم. فذهبت إلى سماحة السيد القائد وأنا شرحت هذه المعطيات وقدمت الاستدلالات ووجدت أن سماحة السيد القائد (حفظه الله) رؤيته أوضح وأعمق لما يجري في سوريا، من كل ما كنا نقوله أو ننقله. ولذلك هو كان موقفه واضح وحاسم في مسألة سوريا منذ الأيام الأولى، وقال هذه مؤامرة ومخطط لإسقاط سوريا والهدف هي سوريا وموقع سوريا في المقاومة وفلسطين والقضية الفلسطينية ومحور المقاومة وأيضاً الهدف هي الجمهورية الإسلامية في إيران. لأنّ هؤلاء بعد الانتهاء من سوريا سينقلون المعركة إلى لبنان وإلى العراق وإلى إيران أيضاً. وهذا الذي حصل. هم جاؤوا إلى لبنان واحتلّوا جزء من البقاع اللبناني ولو استطاعوا أن يتمدّدوا أكثر لفعلوا. لكن نحن وقفنا في وجههم ووقف في وجههم الجيش اللبناني وحاصرناهم في المناطق الجبليّة. وشاهدتم في العراق كيف أنهم بسرعة انتقلوا من شرق الفرات ومن سوريا إلى العراق، وفي أيام قليلة سيطروا على محافظة الأنبار التي هي قرابة ربع مساحة العراق أو أكثر، ومحافظة الموصل وصلاح الدين ومحافظات أخرى، وأصبحوا على بعد ٢٠ كيلومتر من مدينة كربلاء و٤٠ كيلومتر من مدينة بغداد. يعني ما قاله سماحة السيد القائد في اليوم الأول لأحداث سوريا هو الذي كنا نشاهده خلال السنوات التي مضت. هنا الموقف الحاسم لسماحة السيد القائد إلى جانب سوريا. حسناً، الجمهورية الإسلامية أيضاً أخذت هذا الموقف، في لبنان نحن أخذنا هذا الموقف فذهبنا إلى سوريا وقاتلنا في سوريا، والقيادة السورية صمدت صموداً كبيراً جدّاً، والجيش السوري صمد، وجزء كبير من الشعب السوري كان مع النظام وإلى جانب النظام وصمد، ولذلك نحن دائماً نقول أن صمود القيادة السورية والجيش السوري والشعب السوري هو العامل الأول بعد عناية الله سبحانه وتعالى. نحن؛ حزب الله والجمهورية الإسلامية وبقية الأصدقاء الذين جاؤوا من العراق أو من أماكن أخرى، ولاحقاً عندما جاءت روسيا، نحن جميعاً عوامل مساعدة. وإلا لو أن القيادة السورية انهارت أو استسلمت، أو الجيش السوري انهار، أو الشعب السوري تخلى عن هذه المواجهة لما استطعنا كلنا أن نفعل شيئاً، نحن عامل إضافي وعامل مساعد. وصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن. أيضاً هنا أختم هذا المقطع أيضاً بخاطرات من لقائي مع سماحة السيّد القائد ومن كرامات هذا السيد العزيز والعظيم ما يلي: أنه في ذلك الوقت -يعني ٢٠١١- عندما ذهبنا، كان هناك تحالف دولي وكانت كل دول العالم تقول أن سوريا ستسقط خلال شهر أو شهرين فقط. الدول العربية كلّهم كانوا يقولون ذلك. حتّى بعض أصدقائنا كانوا يقولون ذلك. نحن كنا جدّاً قلقين، في الحدّ الأدنى إن لم نقل ذلك، لم يكن لدينا وضوح. كنا قلقين جدّاً. حتّى بعض الدول عرضوا علينا، مثل قطر، لأنّه كانت لدينا علاقات معها قبل الأحداث في سوريا، ومثل تركيا، جاء السيد داوود أوغلو إلى لبنان، كان في ذلك الحين في موقع المسؤوليّة.

 

هل حصل ذلك قبل انعقاد مؤتمر اسطنبول أو بعده؟

لا هذا بعد الأحداث وقبل لقاءات آستانة، وآستانة جاءت بعد داوود أوغلو. أي أنني أتحدث في السنة الأولى وفي السنة الثانية من الأحداث، بل في السنة الأولى. وقالوا نحن حاضرون أن نشكّل لكم ضمانة، أنتم قفوا جانباً ولا تراهنوا لأنّ سوريا ستسقط خلال شهرين أو ثلاثة أشهر. الكثير من المسؤولين في إيران كانوا متأثّرين أيضاً بهذه المناخات. ولكن في تلك الجلسة، سماحة السيد القائد (حفظه الله) وخلافاً لما تقوله دول العالم وخبراء المنطقة وأغلب المسؤولين في إيران، سماحة السيد القائد قال لي: نحن يجب أن نعمل لتنتصر سوريا ولينتصر الرئيس بشار الأسد، وهم سينتصرون. في الوقت الذي كان كل العالم يقول شيء آخر. لكن بعد سنة أو سنتين بدأت ملامح هذا التوقع من قبل سماحة السيد القائد تتحقّق، إلى أن وصلنا إلى الآن. الآن نحن أمام نصر كبير جدّاً ونصر تاريخي وعظيم جدّاً في سوريا. تصوّر لو أن داعش والنصرة -ومن خلفهما الولايات المتحدة الأمريكية وآل سعود وآخرون- انتصروا في سوريا وسيطروا على سوريا. ما هو مصير سوريا؟ ما هو مصير لبنان؟ ما هو مصير العراق؟ ما هو مصير إيران؟ ما هو مصير شعوب المنطقة؟ صفقة القرن لم تكن لتتحقق الآن، بل كانت تحققت منذ زمن طويل. ماذا سيكون مصير فلسطين والقدس عندما يأتي محمد بن سلمان ويقول للفلسطينيّين اقبلوا بالفتات الذي يقدّم إليكم. الانتصار الذي حصل في سوريا إذا أردنا أن نعلم عظمته، يجب أن نقلب السؤال ونقول: لو لم ننتصر في سوريا، لو هزمنا في سوريا -أقصد محورنا-، لو انتصروا هم في سوريا، كيف كان اليوم مشهد المنطقة في سوريا، في لبنان، في فلسطين، في العراق، في إيران وفي كل المنطقة؟ حين نجيب على هذا السؤال نفهم أهمية ما قام به كلّ الذين قاتلوا وصمدوا في سوريا.

 

لقد أكّدتم مرّات عديدة أنّ حكام مختلف الدول أجروا اتصالات مع الرّئيس بشار الأسد وقدّموا له وعوداً مختلفة إن كانت ماليّة أو سياسيّة كما ضمنوا له بقائه في سدّة الحكم لكنّه في نهاية الأمر لم يقبل هذه الوعود والاقتراحات. ما هي دلالة ثبات وصمود الرّئيس بشار الأسد بوجه هذه الوعود وما الذي جعله قادراً على تحمّل هذه الضغوط إلى هذا الحدّ؟

بالدرجة الأولى عدم ثقته بهم، وأيضاً قراءته لتجربة هؤلاء، لأنّ هؤلاء كلهم يمشون في مسار تقديم التنازلات، وهو رجل ليس جاهزاً ليقدّم أي تنازل فيما يتعلّق بالثوابت الأساسية وما نسمّيه بالثوابت القوميّة والوطنيّة، ويعتبر أنّ أي تنازل في الثوابت القومية والوطنية يهدد وجود سوريا وبقاء سوريا ووحدة سوريا ومكانة سوريا في المنطقة.

 

نتقدّم من سماحتكم مرّة أخرى بجزيل الشكر لأجل الوقت الإضافي الذي خصّصتموه لنا. استكمالاً للحديث حول سوريا، هناك سؤال نرغب من سماحتكم أن تقدّموا لنا بعض التوضيحات حوله: فيما يخصّ المسار الذي تمّ الذهاب إليه في سوريا من قبل إيران وحزب الله وسوريا نفسها وحكومة السيّد الدكتور بشار الأسد، هل تمّت دراسة مسارات أخرى ربما قبل المضيّ فيه؟ وهل كانت هناك خيارات أخرى أم أنه المسار الوحيد الذي كان متوفراً؟

في البداية كان الخيار الأول هو التفاوض، أي الذهاب إلى الحلّ السياسي. والدولة في سوريا، وأيضاً الإخوة المسؤولين في إيران وأيضاً نحن في حزب الله قمنا باتصالات مع العديد من الجهات المعارضة في سوريا ودعوناهم إلى التفاوض وإلى الحلّ السياسي، لكنّهم جميعاً رفضوا الدخول حتى في الحوار السياسي والمفاوضات، وقالوا أنّ هذا النظام سيسقط بعد شهر أو بعد شهرين. أنا أذكر بعض الجهات المهمّة في المعارضة السورية قالوا لنا أنتم تحاولون أن تحيوا العظام وهي رميم، هذا النظام هو نظام منتهي ونحن لا نريد أن نتفاوض مع نظام منتهي. طبعاً هذا كان تقدير خاطئ منهم، ولذلك هم رفضوا بالمطلق الذهاب إلى مفاوضات أو أي شكل من أشكال الحل السياسي، والخطأ الأكبر الذي ارتكبوه هو المسارعة إلى العمل العسكري، وهو كان الهدف الحقيقي لهم، فلم يكن الهدف كما ذكرت تحويل سوريا أو الحديث عن ديموقراطية أو الإصلاحات وإنّما كان المطلوب إسقاط النظام وضرب الجيش السوري وتغيير المعادلة الموجودة في سوريا. نعم عندما ذهبت الدولة السورية ومعها حلفاؤها وأصدقاؤها إلى خيار المواجهة المسلّحة لم يكن هناك أي خيار آخر.

 

المسألة المهمّة التي كان يشدّد عليها الإمام الخامنئي مراراً هي قضيّة التقريب بين المذاهب وأنّه ينبغي للمذاهب الإسلامية المتنوّعة أن تستطيع التعايش بسلم مع بعضها البعض، وأن لا يعادي أيّ منها الآخر. ومن جهة أخرى نحن نرى حركات عديدة تتأثّر بإعلام وسياسات الأعداء الذين هم أعداء الشيعة وأعداء السنّة أيضاً، يصبّ هؤلاء الأعداء على الدوام الزّيت على نار النزاعات الطائفيّة. ما هي رؤيتكم للسياسة التقريبية التي لطالما روّج لها الإمام الخامنئي وكان يؤكّد عليها أيضاً الإمام الخميني (قدّس سرّه)، وما هي الثّمار التي جنتها هذه السياسة؟ وما هي برأيكم القضايا التي يمكن أن تهدّد في الوقت الراهن هذه السياسة؟

أوّلاً هذه المسألة هي من الأصول الأساسية التي طرحها سماحة الإمام الخميني (قدّس سرّه الشريف) تحت عنوان الوحدة الإسلامية والوحدة بين المسلمين والتقريب بين المذاهب الإسلامية وإشاعة روح التآخي والتعاون والتعاضد والتكامل بين جميع المسلمين، والجمهورية الإسلامية عملت على هذه السياسة، وسماحة السيد القائد (دام ظلّه الشريف) أيضاً بعد تولّيه لمسؤوليات القيادة واصل هذا الطريق بقوّة وكان ممّن يؤكّد عليه. طبعاً النظرة الطبيعية أن هذا -في الحقيقة- هو موقف الإسلام المحمّدي الأصيل وموقف القرآن وهذا هو المنطق الإسلامي الذي يجب أن يلجأ إليه ويلوذ به كلّ المسلمين. طبعاً في هذا السياق بُذلت جهود كبيرة جدّاً، التواصل بين الأحزاب الإسلامية والقوى الإسلامية والعلماء المسلمين والجماعات الإسلامية والشعوب الإسلامية خلال سنوات طويلة ومنذ انتصار الثورة الإسلامية، إضافة لعقد الكثير من اللقاءات والمؤتمرات والندوات والحوارات وهذا كله كان مهم ومساعد. لا شك بأنّ موقف الإمام وموقف القائد من القضية الفلسطينيّة أيضاً ساعد كثيراً في خدمة تلاقي المسلمين حول القضيّة المركزيّة التي تجمعهم جميعاً. في كلّ الأحوال هناك جهود كبيرة بُذلت على هذا الصّعيد. إذا أردنا أن نبحث عن الإنجازات والنتائج الطيبة التي أدّى إليها كل هذا العمل وكل هذا النشاط نجدها في السنوات الأخيرة، لأن أخطر ما حصل منذ العام ٢٠١١ إلى اليوم هو أنّ المشروع الأمريكي السعودي كان يستهدف إثارة حرب مذهبية وطائفية بين السنّة والشيعة في المنطقة. وهذا أخطر ما حصل في سوريا وفي العراق وفي البحرين وفي اليمن. أنا أذكّركم قبل أربع سنوات -الآن بدأنا في السنة الخامسة- عندما بدأ العدوان الأمريكي السعودي على اليمن قام إمام المسجد الحرام في خطبة الجمعة وقال أنّ هذه الحرب في اليمن هي حرب الشيعة والسنّة. الحرب في سوريا أيضاً حاولوا أن يعطوها هذه الأبعاد، إذاً بُذل جهد كبير جدّاً في وسائل الإعلام التي أنفقت أموالاً هائلة لتظهير أن ما يجري في المنطقة هو حرب سنيّة شيعيّة. لكنّهم فشلوا في هذا، والشيعة رفضوا هذا المنطق، وكثير من علماء السنّة ومن شخصيات السنّة ومن القوى السياسية السنيّة رفضوا  هذا المنطق. وهذا كان أحد نتائج العمل الذي أُنجز خلال ثلاثين عاماً، من التواصل بين الشيعة والسنّة ومن جهود الجمهورية الإسلامية ومن مواقف سماحة الإمام ومن مواقف سماحة السيد القائد، أدّى إلى نوع من الحصانة ومن العلاقة ومن المتانة في الوضع الإسلامي بحيث أنه استطاع أن يواجه أكبر فتنة ومحنة كان يُخطط لها لإيجاد حرب أهلية بين الشيعة والسنة. طبعاً يجب أن نواصل هذا العمل، نحن الآن نتجاوز هذه المرحلة، والمخاطر الكبرى أصبحت خلفنا في هذا الموضوع وأعتقد أنهم فشلوا فشلاً كبيراً جدّاً في إحداث فتنة من هذا النوع، وبالتالي لم يستطيعوا أن يقدّموا ما جرى في العراق على أنّه صراع سنّي شيعي، بل وجدنا بأنّ السنّة والشيعة والعشائر العراقية من السنّة والشيعة وقفوا سويّاً في مواجهة داعش، وقبل ذلك وقفوا سويّاً في مواجهة الاحتلال الأمريكي، في سوريا أيضاً الذين قاتلوا داعش وقاتلوا جبهة النصرة والجماعات التكفيرية سواء في الجيش السوري أو في القوات الشعبية السورية أو في قوات الحلفاء، أكثرهم من السنّة. يعني الذين قاتلوا كان العدد الأكبر منهم من السنّة إلى جانب الشيعة وإلى جانب بقية أتباع المذاهب الإسلامية. إذاً ما جرى حتّى الآن وحتّى في اليمن وفي أماكن أخرى، أنا أعتقد بدرجة كبيرة جدّاً أن هذا المشروع قد فشل، وهذا يعني أنّ أمتنا لديها مستوى عالٍ جدّاً من الحصانة. طبعاً يجب أن نواصل العمل لتحصين هذا الأمر، المزيد من التواصل، والمزيد من التعاون وأيضاً المزيد من الالتفاف حول القضيّة الفلسطينيّة والوقوف في وجه أمريكا والدفاع عن شعوب المنطقة أعتقد أنّ هذا يزيد من الوحدة والتلاحم بين المسلمين.

 

الحقيقة هي أنّه في بعض الأحيان يروّج المتربّصون سوءاً بقضيّة فلسطين والثورة الإسلامية ومحور المقاومة أنّ الشعب الفلسطيني من أهل السنّة. كما أنّهم ينسبون أموراً أخرى للشعب الفلسطيني لكي يزيدوا من سلبيّة نظرة الشعب الإيراني للفلسطينيّين. هم يعملون على خلق أجواء من الإبهام، ويطرحون سؤالاً: لماذا تدعم إيران شعباً سنيّاً؟ لكنّنا لطالما رأينا أنّ الإمام الخامنئي شدّد ويشدّد على أنّ فلسطين تشكّل القضيّة المحوريّة والأساسيّة للعالم الإسلامي وشاهدنا كيف أنّ سماحته لا ينظر بتاتاً إلى قضية فلسطين نظرة شيعيّة - سنيّة.

هذا هو الموقف منذ بداية الاحتلال الصهيوني لفلسطين وهو موقف جميع مراجعنا الدينيّة وفقهائنا وعلمائنا الكبار سواء في النجف الأشرف أو في قم المقدّسة، وعلى امتداد الوضع الشيعي، بل أكثر من ذلك، أن علماءنا ومراجعنا الكبار حتّى الذين يُقال أنهم تقليديّون -يعني ليسوا من الثوريّين إن صحّ التعبير- كانوا يدعمون المقاومة الفلسطينيّة ويرفضون الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين ويقدّمون الدعم وكثير منهم أعطوا إجازات خطيّة بجواز دفع جزء من الحقوق الشرعيّة وسهم الإمام للمقاومة الفلسطينيّة، وهذا تعبير كبير جدّاً. أنتم تعرفون أن مراجعنا عموماً يحتاطون في تحديد مصارف سهم الإمام، ولكن عندما يقولون ادفعوا سهم الإمام أو جزءاً من سهم الإمام لدعم المقاومة الفلسطينيّة، في ذلك الحين من كانت المقاومة الفلسطينيّة؟ ومن ما زالت؟ هؤلاء المقاومون الفلسطينيّون هم من أهل السنّة ولم يكونوا شيعة، وكثير منهم أيضاً لم يكونوا إسلاميّين، أي أنهم كانوا مثلاً وطنيّين أو قوميّين أو أصحاب اتجاهات يساريّة. مراجعنا لم يضعوا شروطاً من هذا النّوع، وإنّما قالوا يجوز لكم أن تدفعوا النسبة الفلانية من سهم الإمام لدعم المقاومة الفلسطينيّة من أجل تحرير فلسطين. وهذا يعني أنّه كانت هناك بصيرة ووضوح شديد. وأنا أعتقد أنّه فيما يعني القضيّة الفلسطينيّة، كما كان يقول سماحة السيد القائد في كثير من المناسبات، أنّه لو فتشنا الكرة الأرضية كلّها لنبحث عن قضيّة لا غبار عليها، يعني الحق فيها واضحٌ بيّنٌ بشدّة من الناحية القانونيّة والشرعية والدينية والأخلاقية والإنسانية لوجدنا قضية فلسطين. هؤلاء يحاولون ويبحثون عن شتّى الوسائل ليبعدونا عن قضيّة فلسطين، وهذا ما كانوا يحاولونه خلال السنوات الماضية عندما كانوا يرسلون شبّاناً انتحاريّين فلسطينيّين لاستهداف مناطق شيعيّة. ولذلك أنا قلت قبل سنوات في يوم القدس، قلت لهؤلاء أن أنتم لماذا ترسلون هؤلاء الشبّان الفلسطينيّين؟ لتقتلونا وتقتلوا نساءنا وتقتلوا أطفالنا. أنتم تريدون أن تبعدونا عن فلسطين فاقتلونا تحت كل حجر وعند باب كل حسينية وكل مسجد، نحن شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لن نتخلى عن فلسطين ولا عن شعب فلسطين ولا عن مقدّسات الأمّة في فلسطين. هذه مساعٍ معروفة بالقول وبالفعل، لكن هذه قضية حق وقضيّة إسلامية وبالتالي الجمهورية الإسلامية ونحن وكل المسلمين يجب أن نؤدي في هذه المسألة تكليفنا الإلهي الشرعي.

 

نظراً لأهميّة هذه القضيّة سوف أطرح على سماحتكم سؤالين. وجهات نظر الإمام الخامنئي العامّة حول التقريب معروفة وقد أطلق سماحته منذ استلامه للقيادة حركة تحمل اسم التقريب. حبذا لو تتفضلون بالإشارة إلى أمثلة عن إسهامات سماحته وآراءه في مجال الوحدة بين الشيعة والسنّة وقضيّة التقريب. ثانياً يصوّر البعض أنّ ما يجري من مشاكل خلال الأعوام الأخيرة في مختلف البلدان الإسلامية مثل لبنان، والعراق، واليمن والبحرين منشؤه وجود خلافات بين إيران والسعودية وأنّ الآخرين يتنازعون مع بعضهم نيابة عنهما. إلى أيّ حد يمكن أن تكون هذه المسألة صحيحة؟

في الشقّ الأول، تشكيل  مجمع التقريب بين المذاهب، وعقد المؤتمرات في إيران وعناية سماحة السيد القائد الشخصيّة بأن يحضر هو في هذه المؤتمرات ويخطب ويلتقي، ونحن كنا نشاهد في العديد من المؤتمرات التقريبيّة، كان سماحته ينزل بين الناس ويلتقي بعلماء الشيعة وعلماء السنّة ويتجاوز كل الاعتبارات الأمنيّة وغير الأمنيّة، وهذا دليل حرص سماحة القائد على إيجاد هذا المناخ وهذه الثقافة. تأييد التجمعات العلمائية الوحدويّة ومثلاً لدينا في لبنان تجمّع العلماء المسلمين، من التجارب الجيدة والناجحة، وعدد كبير من العلماء الشيعة والسنّة موجود في إطار واحد، ودائماً كان يذهب الإخوة هؤلاء إلى إيران ويلتقون ويشاركون ويستقبلهم سماحة السيد القائد ويشيد بهذه التجربة ويدعو إلى تعميمها على كل البلدان الإسلامية. المواقف الأخيرة والشجاعة جدّاً، ففي السنوات الأخيرة هناك دائماً من حاول أن يثير القضايا الخلافية بشدّة بين الشيعة والسنّة، وللأسف الشديد في الجانب السنّي كانت الحركات الوهابية والتكفيرية وبعض الفضائيات مثل صفا ومثل الوصال تعمل على تكفير الشيعة ونسبة الكثير من الأكاذيب إليهم، يعني تنسب إليهم أفكار ومعتقدات وآراء لا يقول بها الشيعة. وبرزت في المقابل أيضاً فضائيات منسوبة إلى الشيعة وشخصيات شيعية وجهات شيعيّة لا شغل لها لا في العصر الحديث ولا في قضايا الأمّة ولا في الاستكبار العالمي ولا في الطاغوت ولا في الاستبداد ولا في الحريات ولا في الدفاع عن الكرامات والمقدسات، وإنما شغلها الوحيد هو إثارة الخلافات واستخدام لغة اللعن والشتم والسّب. وهذا ما سمّاه سماحة السيد القائد بالتشيّع البريطاني أو التشيع اللندني. وطبعاً تشعر بأنّه هناك جهة واحدة، وغرفة واحدة هي التي تدير الجهتين، يعني مثلاً بعض هذه الفضائيات الشيعية تلعن بعض أمهات المؤمنين وزوجات النبي أو صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فتأتي هذه الفضائيات الوهابية وتأخذ مقتطفات من أقوال هؤلاء وتنشرها. يعني يكمل أحدهما الآخر في إثارة هذه الفتن. وطبعاً هذا كان يلقى تأثيراً خطيراً لدى الكثير من المسلمين، وأنا تحدّث معي بعض كبار علماء أهل السنّة من إخواننا أهل السنّة هنا في لبنان وبعض العلماء المصريّين والسوريّين وقالوا لي أنّ هذا أمر خطير جدّاً، ونعتقد أن الوحيد القادر على معالجة هذه المسألة والوقوف في وجهها، لأنها تحتاج إلى موقع كبير وشجاع أيضاً ويتّخذ موقفاً حازماً في هذه المسألة، بتعبيرٍ آخر يفقأ عين الفتنة، طبعاً أنا هذه المطالب وهذه الرسائل نقلتها شخصيّاً لسماحة السيد القائد في لقاء قبل سنوات وذكرت له الأسماء، سماحة السيد القائد قال صحيح، هذا تشخيص صحيح، وما يجري أمر خطير، وهذا من أسوء الأمور التي يُعمل عليها الآن، وهو شيوع لغة السبّ والشتم والإساءة إلى الرموز، وبالتالي نحن يجب أن يكون لدينا موقف. وأنا أذكر بالتحديد سفر سماحة السيد القائد قبل سنوات إلى منطقة كردستان وفي سنندج سماحة السيد القائد ألقى خطاباً وتحدث عن حرمة الإساءة إلى رموز ومقدسات أهل السنّة والجماعة، وبعدها بفترة وجيزة أيضاً بعض هذه الفضائيات الشيعية تعرّضت بالإساءة الشديدة إلى السيدة عائشة ووجهت إليها اتهامات الشيعة لا يقولون بها أصلاً، مما كاد أن يثير فتنة كبيرة في العالم الاسلامي، كتب بعض العلماء في المنطقة الشرقية رسالة استفتاء إلى سماحة السيد القائد وسماحة القائد أجاب جواباً واضحاً قويّاً صريحاً في هذه المسألة وترك هذا تأثير كبير في العالم العربي والإسلامي. أنا أستطيع أن أقول بكل وضوح أن خطاب سماحة السيد القائد في سنندج وبعد ذلك الجواب الخطّي على الاستفتاء حول ما قام به هؤلاء فقأ عين الفتنة ووضع سدّاً كبيراً جدّاً أمام هؤلاء المفتنين سواء كانوا من السنّة أو من الشيعة. ومن نعم الله سبحانه وتعالى أنّ العديد من مراجعنا الكبار في قم المقدّسة وكذلك في النجف الأشرف بعد ذلك قاموا بإصدار بيانات وفتاوى ومواقف أكدت أن الموقف الإسلامي الشيعي الحقيقي هو هذا الذي يعبّر عنه سماحة السيد القائد وسماحة المراجع الكبار عند الشيعة. بالنسبة للشقّ الثاني، طبعاً هذا تفسير خاطئ أنّ ما يجري في المنطقة هو صراع إيراني سعودي، هذا تفسير خاطئ. الصراع في المنطقة كان قائماً قبل قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، عندما كان هناك محور الاتحاد السوفييتي ومحور الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، كان هناك أيضاً في المنطقة صراع عربي إسرائيلي، الصراع العربي الاسرائيلي هو منذ ١٩٤٨ وقبل ذلك، يعني قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران. مشكلة السعودية مع العديد من الدول العربية ومع العديد من حركات المقاومة في المنطقة هي مشكلة سابقة على قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، وهذه حقيقة يعرفها الجميع. بطبيعة الحال عندما انتصرت الثورة الإسلامية في إيران وسقط الشاه الذي هو أداة أمريكية وصديق لأصدقاء أمريكا في المنطقة، وقامت الجمهورية الإسلامية وتبنّت القضية الفلسطينيّة وحركات المقاومة والمظلومين والمستضعفين والمعذّبين، منذ اللحظة الأولى أعلنت السعوديّة العداء للجمهوريّة الإسلاميّة. مع العلم أنّ سماحة الإمام الخميني والمسؤولين في الجمهورية الإسلامية منذ الأيام الأولى مدّوا يد الصداقة لكلّ الدول العربيّة والإسلامية، لكن آل سعود منذ اليوم الأول أدركوا أن وجود هذه الجمهورية الإسلامية يشكّل خطراً على المصالح الأمريكية والإسرائيليّة وعلى الطغاة وعلى المستبدّين وعلى أدوات أمريكا وإسرائيل في المنطقة وناصبوها العداء. وهم يقولون أنهم عندما وقفوا إلى جانب صدام حسين في الحرب على الجمهورية الإسلامية وقدّموا له ٢٠٠ مليار دولار عندما كان سعر النفط متدنّياً جدّاً، قبل سنوات أحد الأمراء كان يقول، الأمير نايف كان يقول في ذلك الحين لو كنّا نستطيع أن نقدّم أموالاً أكثر لصدام حسين لفعلنا. الذي بادر بالعداء وبالحرب وبالتآمر على الجمهورية الإسلامية هي المملكة العربية السعودية. أما إيران كانت تمدّ يد الصداقة، ومشكلة السعودية مع إيران هي ترتبط بشكل أساسي بنفس الأسباب التي كانت تؤدّي إلى مشكلة بين السعودية وبقية الدول العربية التي تتبنّى القضية الفلسطينية وحركات المقاومة في المنطقة، هذه هي الحقيقة. الصراع ليس صراع نيابتي (بالنيابة) على الإطلاق. الآن نحن مثلاً بمعزل عن موقف الجمهورية الإسلامية في إيران، في لبنان، دائماً أسمع أن السعودية كانت تعادي حركات المقاومة قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران، فمشكلتنا مع السعودية لا علاقة لها بإيران. مشكلة المقاومة في فلسطين التاريخية لا علاقة لها بإيران، عندما كان هناك عداء كبير بين السعودية والرئيس جمال عبد الناصر على سبيل المثال، لم تكن الجمهورية الإسلامية في إيران موجودة، إذاً هناك أسباب حقيقيّة للصراع سابقة على قيام الجمهورية الإسلامية. بطبيعة الحال عندما قامت الجمهورية الإسلامية وتبنّت القضايا الإسلامية والعربيّة أصبحت السعودية في موقع العداء لها. وهذه هي الحقيقة.

 

في ختام هذا النقاش حول السعودية علينا أن نشير إلى أنّ الإمام الخامنئي قال مؤخّراً بأنّنا غير منزعجون من تجهيز السعوديّين بالصواريخ والأسلحة النووية لأنّها سوف تقع قريباً بأيدي مجاهدي الإسلام. كيف تقرأون تصريح الإمام الخامنئي هذا؟

النظام في السعودية نظام شاخ، أصبح كهلاً وكبيراً. هذا النظام قد يكون في مراحله الأخيرة لأسباب طبيعيّة، الظلم خلال مئة عام، ونهب أموال الشعب خلال مئة عام، والفساد المستشري في هذا النظام وفي هذه الدولة، وقمع الحريّات وأسباب كثيرة أخرى من قبيل استئثار العائلة المسماة بالعائلة المالكة أو الحاكمة، ولكن الذي عجّل وسيُعجّل في نهاية هذا النظام الأسود في الحقيقة هو أداء المسؤولين الحاليّين والفعليّين، ويختلف عن أداء المسؤولين السابقين من حيث الشكل وطريقة العمل. مثلاً ذهاب محمد بن سلمان إلى إعلان الحرب على اليمن وما تفعله السعودية في اليمن من مجازر مهولة ومن عدوان كبير، هذا الأمر سيترك آثاراً على مستقبل النظام السعودي. التدخل السعودي السافر والواضح والمعلن في شؤون الدول، والآن أنت تنظر إلى العالم العربي على سبيل المثال، في العالم العربي دائماً السعودية كانت حريصة مع الشعوب وخصوصاً في الأربعين سنة الماضية أن تقدّم نفسها أنّها صديقة لكل الدول وصديقة لكلّ الشعوب وأنها مملكة الخير التي تقدّم مساعدات، لأوّل مرّة نحن نسمع طنين شعار الموت لآل سعود في أكثر من بلد عربي. لأول مرة نسمع قوى سياسية وشعبية وحكومات تأخذ موقف معلن من آل سعود بسبب جرائمهم وتدخلاتهم في العالم العربي. البحرين، واليمن، والعراق، وأفغانستان، وباكستان والآن في ليبيا هناك حرب في مدينة طرابلس، أحد الفريقين في الحد الأدنى يقول أن السعودية والإمارات تتآمران لتدمير طرابلس وتدمير ليبيا. اليوم في الكثير من البلدان العربية والإسلامية هناك شخصيات وهناك علماء وهناك أحزاب وحركات وحكومات منزعجة جدّاً وترفض سلوك حكام السعودية. أضف إلى ذلك الموقف السعودي الآن من القضية الفلسطينية، من صفقة القرن، وهذا الانبطاح والمذلّة أمام ترامب أمر طبعاً يُسقط ماء وجه وهيبة حكام السعودية الذين كانوا دائماً يقدّمون أنفسهم أنّهم مستقلّون ومحترمون وخادم الحرمين الشريفين وما شاكل. في السفر الأخير الذي قام به ترامب إلى السعودية وما يقوله الآن في المهرجانات والاحتفالات وما قاله قبل أيام أنّني اتصلت بالملك السعودي وقلت له أيها الملك أنا أحبّك، أنتم لديكم مال كثير، ونحن أنفقنا الكثير من المال من أجلكم، يجب أن تدفعوا. ثم تنظر إلى السعودية، وإلى الإعلام السعودي، وإلى المسؤولين السعوديّين، سكوت مطلق. حتى أصدقاؤهم في العالم، وسائل إعلامهم وهي كثيرة في العالم، لم يعلّق أحد بكلمة واحدة. وهذا نهاية الذّل والهوان وطبعاً ترامب يتكلم ويضحك ويسخر منهم، والأمريكيّون يضحكون ويصفّقون ويسخرون.

 

وهذا في الوقت الذي لو تحدّثت شخصية من العالم الإسلامي بمثل هذه الأقاويل حول السعوديّين لاستشاطوا غضباً ..

نعم يمكن أن يقطعوا العلاقات الدبلوماسية ويحكموا عليه بالكفر ويصدروا بحقه أحكام الإعدام. بكل صراحة لم يمر في تاريخ الحكام في السعودية وضع كالوضع الحالي، من المهانة، ومن الذل، ومن السخافة، ومن الضعف، ومن الوهن، ومن الانكشاف ومن الفضيحة. لذلك أنا أتصور أن هؤلاء لن يستطيعوا أن يستمرّوا طويلاً، يعني أن السنن الإلهية والسنن التاريخية وطبيعة الأمور تقول أنّ هؤلاء لا يمكن أن يستمرّوا طويلاً.

 

نحن شهدنا على مدى الأعوام الأخيرة ثورات شعبيّة في بعض البلدان الإسلامية؛ ومن ضمنها ثورة الشعب في اليمن. كما أنّنا شهدنا في البحرين أيضاً هذه الثورة الشعبية لكن رغم كلّ هذا فإنّ السعودية عملت من خلال تدخلاتها على قمع هذه الثورات الشعبية الرامية إلى إقامة حكومات إسلامية معادية للصهيونيّة في المنطقة. وكما تعلمون فإنّ الإمام الخامنئي أكّد كثيراً بشكل عام على دور الشعب في التأسيس لحراك شامل يعمل على مواجهة الصهيونيّة. أي أنه حتى لو لعبت حركات المقاومة أدواراً معيّنة فإنّ سماحته يعقد آماله على شعوب المنطقة ويتحدّث دائماً بأمل عن أنّ الشعوب سوف تثور. أيضاً فيما يخص فلسطين عندما يوقّع بعض القادة الفلسطينيّين على معاهدات لأجل عقد اتفاقية سلام، فإنّ سماحته يقول بأنّ الشعب الفلسطيني يعارض هذه الاتفاقيات. بناء على هذا ونظراً لتأكيد سماحته على دور الشعوب، كيف تقيّمون وتحلّلون بشكل عام دور الشعب في تحولات العالم الإسلامي على ضوء رؤية الإمام الخامنئي وبعد اللقاءات التي جمعتكم بسماحته؟

ما كنا نسمعه من سماحة السيد القائد (حفظه الله) سواء في المناسبات العامة وفي الخطب العلنية أو في اللقاءات الخاصّة هو ما تفضّلتم به. التأكيد على الحضور الشعبي والجماهيري في كل القضايا، ولذلك هو دائماً كان يدعو أنه حتى لو كان لديكم تشكيل أو تنظيم ومنظمة معيّنة، لكن هذه المنظمة يجب دائماً أن تكون في متن وفي قلب الجمهور والشعب والناس ولا يجوز لأي تنظيم أو منظمة أو حزب أن يبتعد عن البيئة الشعبية الحاضنة، وأن القوة الحقيقية هي قوة الحضور الشعبي والحضور الجماهيري، وهذا طبعاً شهدناه في تجربة الثورة الإسلامية في إيران، وأيضاً في تجربتنا نحن. يعني اليوم عنصر من عناصر قوة حزب الله في لبنان هو ليس فقط القوة العسكرية وإنّما هذا الالتفاف الشعبي والجماهيري والحماية الشعبية التي يحظى بها. اليوم في فلسطين، الذي يواجه الاحتلال الاسرائيلي والعدوان الاسرائيلي في صفقة القرن هو الشعب الفلسطيني، وحركات المقاومة الفلسطينية باستنادها إلى الشعب الفلسطيني استطاعت أن تصمد وأن تقاتل وأن تقف وتأخذ مواقف قويّة. اليوم في اليمن لولا الحضور الشعبي والاحتضان الشعبي لأنصار الله، هل يستطيع أنصار الله بقيادة الأخ العزيز عبد الملك الحوثي أن يدخلوا في السنة الخامسة فيقاتلون ويصمدون لولا الدعم الشعبي؟ نحن نشاهد في صنعاء وفي صعدة وفي الكثير من المدن المظاهرات الضخمة جدّاً بالرغم من الحرب والمجازر والجوع والكوليرا والأمراض والحصار، لكن هؤلاء الناس ينزلون رجالاً ونساء في كل المناسبات، هذا يعني الاحتضان الشعبي هو الذي يجعل القوة لدى الجيش اليمني واللجان الشعبية وأنصار الله ليصمدوا أمام عدوان بحجم العدوان الأمريكي السعودي الحالي على اليمن. في العراق، الذي استطاع أن يقف في وجه داعش هو الشعب العراقي والحشد الشعبي بعد فتوى المرجعية ودعم سماحة السيد القائد والجمهورية الإسلامية في ايران، ولولا الموقف الشعبي المساند للحشد الشعبي وللجيش العراقي وللمرجعية لم يكن ممكناً الوقوف في وجه مخاطر داعش. وهكذا في كل الساحات، إذاً موضوع الشعب هو مسألة أساسيّة، والآن الذي استطاع في الحقيقة، العامل الأساسي الذي استطاع أن يبقي القضيّة الفلسطينيّة حيّة حتى اليوم، بعد عشرات السنين من التآمر والتواطؤ، والذي استطاع أن يجعل المؤامرات الأمريكية خلال أكثر من مرحلة تسقط وتنهار هو المواقف الشعبية في المنطقة وليس مواقف الدول والحكومات. الموقف الشعبي والموقف الجماهيري وقيام شعوب المنطقة وتبنّيهم لهذه القضايا وحضورهم وتضحياتهم وصمودهم في الميادين هو الذي كان دائماً يصنع هذه الانتصارات. وأي مقاومة -لأنّه لدينا في بعض الأدبيات اللبنانية، نقول: الشعب والمقاومة هم بمثابة البحر، أي الماء والسمك. السمك لا يستطيع أن يعيش خارج الماء-، أي حركة مقاومة خارج الشعب والالتفاف الشعبي والجماهيري لا تستطيع أن تصمد وأن تستمر وأن تنتصر.

 

لقد أشرتم إلى العراق، حسناً نحن شهدنا خلال الأعوام الماضية أحداثاً وتحولات في غاية الأهميّة داخل العراق ويمكن القول أنّه خلال هذه الفترة كان هناك حدثين هامّين؛ الأول هو احتلال العراق بواسطة الأعداء بعد سقوط صدام والثاني كان نشوء جماعة داعش الإرهابية. بعد نشوء هذه الجماعة الإرهابية تعرّض العراق لهجمات قاسية وتمّ احتلال أجزاء كبيرة من أراضيه بواسطة هذه الجماعة. لكن على أيّ حال، فإن المحتلّين الأمريكيين والمحتلّين من الدواعش أيضاً أُجبروا أخيراً على ترك الأراضي العراقيّة. أيّ دور كانت تلعبه الجمهورية الإسلامية في إيران فيما يخصّ تحولات العراق؟ ماذا كانت السياسات العامّة للجمهورية الإسلامية فيما يخصّ هذه الأحداث وكيف ساهمت في الحفاظ على وحدة وتلاحم العراق؟ خلال الأعوام الأخيرة أيضاً شهد إقليم كردستان أيضاً أحداثاً معيّنة ونحن نطلب منكم أن تحدّثونا حولها.

منذ البداية يعني فيما يتعلق بالاحتلال الأمريكي موقف سماحة السيد القائد (حفظه الله) وموقف الجمهورية الإسلامية كان رفض الاحتلال الأمريكي للعراق. قبل أن تقوم أمريكا بغزو العراق هذا الموقف كان واضحاً، وبعد أن قامت بغزوه كان الموقف أن على الأمريكيين أن يرحلوا سريعاً من العراق وأن يتركوا العراق للعراقيين، هذا في الموقف السياسي الكبير.
ثانياً، الجمهورية الإسلامية عملت على توحيد الأحزاب العراقية والفصائل العراقية والجهات المختلفة في العراق ليكون لهم موقف موحّد ومنسجم. الأمريكيون حاولوا كثيراً أن يستفيدوا من الاختلافات الداخلية في العراق لتثبيت احتلالهم ولتثبيت سيطرتهم. إذاً، الأمر الثاني هو العمل على توحيد وتنسيق مواقف الجهات والقيادات والفصائل والأحزاب العراقية على تنوعها الفكري والسياسي والمذهبي والطائفي والمناطقي، وللجمهورية الإسلامية علاقات مع الجميع، مع العرب والكرد والتركمان والسنّة والشيعة وغيرهم. الأمر الثالث هو دعم الجمهورية الإسلامية الدائم لمواقف المرجعية الدينية في النجف الأشرف، وعلى رأسها سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني (حفظه الله ودام ظلّه)، لأنّ موقف المرجعية في النجف كان على درجة عالية من الأهمّية والتأثير في صنع الأحداث المركزية والأساسية. مثلاً الأميركيّون بعد احتلالهم للعراق أرادوا أن يفرضوا دستوراً على العراقيّين، المرجعيّة الدينيّة رفضت، قالت الدستور يجب أن يضعه العراقيّون ويجب أن يوافق عليه العراقيّون، هذا على سبيل المثال. أيضاً من جملة الأمور المهمّة أن مسار المقاومة في العراق وفصائل المقاومة في العراق التي وقفت في مواجهة الاحتلال الأمريكي، هؤلاء كانوا يستلهمون القوة والمعنويات وأشكال الدعم من موقف الجمهورية الإسلامية في إيران، وبالتالي الجمهورية الإسلامية كان لها موقف معلن، أنّ المقاومة في العراق هي مقاومة مشروعة وهذا حق طبيعي للشعب العراقي ومن حق العراقيين أن يحملوا السلاح ويقاتلوا من يحتلّ أرضهم. في نهاية المطاف الأمريكيّون لم يستطيعوا أن ينفّذوا أغراضهم في العراق، طبعاً الجمهورية الإسلامية في مرحلة من المراحل بذلت جهداً كبيراً إلى جانب المرجعيّة الدينية في النجف الأشرف لمنع وقوع حرب طائفية في العراق، لأن التكفيريّين الذين جاؤوا إلى العراق نفّذوا أعمال انتحارية في المناطق الشيعيّة، في الحسينيّات والمساجد والمقامات حتّى مقام الإمام الحسين (عليه السلام) وصولاً إلى تفجير مقامي الإمامين العسكريّين في سامراء. وأغلب هؤلاء الانتحاريّين كانوا من السعوديّين، وأغلب هذه السيارات الانتحارية المفخخة أرسلتها المخابرات السعوديّة. إذاً كان هناك جهد كبير لحرب طائفيّة في العراق، لكن موقف المرجعية الدينية في النجف الأشرف والجهود الجبارة التي بذلتها الجمهورية الإسلامية حالت -حصلت اشتباكات وصدامات- لكنها حالت دون تطور الموقف إلى حرب طائفية وحرب أهلية في العراق. في نتيجة الصمود السياسي والجهد السياسي من جهة، وأيضاً المقاومة المسلّحة وجد الأمريكيون أنفسهم عاجزين عن البقاء في العراق، ولذلك بدأوا يبحثون عن صيغ واتفاقيات إلى أن عقدت  تلك الاتفاقية المعروفة في زمن رئاسة السيد المالكي للحكومة العراقية، والتي على ضوئها تقرر انسحاب القوات الأمريكية من العراق. طبعاً هم كانوا يحاولون أن يبقوا في العراق، حتى على ضوء هذه الاتفاقية أي على ضوء المفاوضات، مثلاً كان لديهم ١٥٠ ألف جندي وضابط، هم مثلاً حاولوا أن يبقوا ٥٠ ألفاً، العراقيون رفضوا ذلك، نزلوا إلى ٣٠ و٢٥ إلى ٢٠ وإلى ١٠ آلاف، وكان العراقيون يرفضون بقاء هؤلاء -طبعاً ليس كل العراقيّين بل الموقف العام -وكانت الحكومة العراقية ترفض أن تعطيهم الحصانة الدبلوماسية، للجنود وللضباط الأمريكيّين، ولذلك في زمن رئاسة أوباما وجد أنه لا خيار له سوى الخروج الكامل. نعم احتفظوا بالسفارة وبعدد كبير من حراسة السفارة وبعض القنصليات، ولكن الوجود العسكري العلني والقواعد العسكرية الأمريكية انتهت وأعلن الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق، وكان هذا انتصاراً كبيراً للعراقيّين وللشعب العراقي. في الأمر الآخر عندما جاءت محنة داعش، هذا أمر يعرفه الجميع أيضاً، داعش استفادت من وجودها في سوريا، في منطقة شرق الفرات وفي البادية السورية، تذكرون فيما بعد احتلّوا ما يقارب ٤٠ إلى ٤٥ بالمئة من مساحة سوريا، كانت في يد داعش. وقيادة داعش هي قيادة عراقية والقادة الأساسيّين في داعش كانوا عراقيّين، ولديهم اهتمام عراقي، وأيضاً حصل رهان عليهم، وما حصل في العراق من قبل داعش تقف خلفه الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول المنطقة وفي مقدمتها السعودية. وكلنا نذكر أنه في الأيام الأولى لخروج داعش في الموصل والأنبار وصلاح الدين وديالى وغيرها من المحافظات، أن أغلب الفضائيات العربيّة السعودية والخليجية، كلّها أيّدت هذا الخروج وهذا الانتصار ووصفته بالانتصار العظيم، وكانوا يهلّلون ويفرحون بهذا الذي حصل. حسناً، داعش خلال أيام قليلة سيطرت على مجموعة من المحافظات وإمكانيات هائلة. وشهدنا انهياراً للقوات العراقية، وأصبحت داعش على بوابات كربلاء وعلى بوابات بغداد، وأصبح الوضع خطيراً جدّاً. حتى سامرّاء إذا تذكرون أصبحوا بعيدين مئات الأمتار عن مقام الإمامين  العسكريّين (عليهما السلام). الجمهورية الإسلامية سارعت إلى تقديم مساعدة، في الأيام الأولى. المرجعيّة الدينيّة أطلقت الموقف، سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني دعا إلى الجهاد الكفائي، وبدأ العراقيّون يتحضّرون ولكن العراقيّين كانوا يحتاجون إلى المساعدة الإدارية والقياديّة وكانوا يحتاجون أيضاً إلى السلاح والإمكانات، لأن جزءاً كبيراً من مخازن السلاح والذخائر سيطر عليها داعش. وهم يقولون أن كثير من مخازننا كانت خالية. كلنا يذكر أنه في الأيام الأولى الأخ العزيز الحاج قاسم سليماني والإخوة من حرس الثورة الإسلامية في إيران جاؤوا إلى بغداد وأيضاً قاموا بجمع الفصائل العراقية المقاوِمة وذات الماضي المقاوم وبالتعاون مع الحكومة العراقية في ذلك الحين، السيد المالكي، والذين كانوا متعاونين جدّاً، بدأت بدايات مقاومة داعش. بعدها بأيام جاء الحاج قاسم إلى لبنان والتقى بي وطلب أن نرسل ما يقارب ١٢٠ شخصاً من حزب الله كقادة عمليات. قال لي أنا لا أحتاج إلى مقاتلين، هناك الكثير من المقاتلين في العراق، لكن نحن نحتاج إلى قادة عمليات في المناطق، ونحن قمنا بإرسال عدد كبير من الإخوة، وفُتِحت الحدود بين إيران والعراق، مخازن السلاح في المناطق الحدودية -حتى لا ينتظروا أن تأتي [الأسلحة] من طهران ومن الأماكن البعيدة- بدأوا بإدخال السلاح والذخائر وتسليح الجيش العراقي والحشد الشعبي العراقي، وبدأت المواجهات. والعراقيون كلهم يعرفون هذه الحقائق. إذاً مسارعة الجمهورية الإسلامية وموقفها الحاسم في مساعدة العراق ورفض سيطرة داعش والوضوح في الذهاب إلى المواجهة للقتال بدون أي تردد وتقديم المساعدة، خيرة القادة في الحرس جاؤوا إلى العراق ليساعدوا العراقيّين، وإمكانات إيران كلها فُتحت أمام العراقيّين، والكل يعرف أيضاً أن سماحة السيد القائد كان موقفه أنه لا يوجد لديه خطوط حمراء تمنع الجمهورية الإسلامية من تقديم أي شكل من أشكال المساعدة للشعب العراقي والقوات العراقية لإلحاق الهزيمة بداعش. والحمد لله ببركة المرجعيّة الدينية وفتوى المرجعية الدينية والمواقف الحاسمة لسماحة السيد القائد، والدعم الكبير للجمهورية الإسلامية والحضور المباشر للإخوة في حرس الثورة الإسلامية وبالخصوص قوّة القدس، والحشد الشعبي والقوات العراقية والتلاحم والوحدة الوطنية العراقية عندما وقف السنة والشيعة والكرد والجميع في مواجهة داعش، بعد سنوات شهدنا هذا الانتصار العظيم على داعش الذي ما كان ليتحقق لولا هذا الموقف التاريخي والعظيم للجمهورية الإسلامية ولسماحة السيد القائد، إلى جانب العراق والمرجعيّة الدينية والحشد الشعبي والحكومة العراقية والجيش العراقي.

 

لقد حذّرتم أخيراً من تشكل داعش مجدّداً واستعادته نشاطَه ...

أنا تحدثت عن أمرين، طبعاً في نفس الوقت رئيس الحكومة العراقية السيد عادل عبد المهدي تحدّث عن هذا الأمر، وهذا الأمر معروف الآن في العراق وهو موضوع داعش وما يسمّى دولة الخلافة، الآن لا يوجد دولة وبنية دولة، هم أقاموا دولة بين سوريا والعراق كانت دولتهم كبيرة جدّاً، يعني وصلوا إلى مكان كانت دولتهم أكبر مما بقي مع الدولة السورية وأكبر مما بقي مع الدولة العراقية، دولة داعش. الدولة انتهت. الجيش العسكري لداعش انتهى، يعني البنية العسكرية الكبيرة. لكن الآن أميرهم ما زال موجوداً وعلى قيد الحياة، وهذا طبعاً يوجد علامات استفهام يعني حول بقائه على قيد الحياة والدور الأمريكي في هذا الأمر. الكثير من قادتهم ما زالوا على قيد الحياة وتم إنقاذهم من شرق الفرات ومن مختلف المعارك. ولديهم خلايا مجموعات صغيرة منتشرة وموجودة في سوريا وموجودة في العراق وموجودة في أماكن أخرى، وهم يلجأون إلى العمل الأمني، إلى العمليات الانتحارية، وإلى زرع العبوات، وإلى قتل الناس في الطرقات، وهذا تهديد يجب أن يُواجه. يعني ما لم يتمّ القضاء بالكامل على تشكيلات داعش والبنية الأمنية لداعش، سوف تبقى داعش تشكّل خطراً وتهديداً على سوريا وعلى العراق، وأيضاً بالتالي على إيران وعلى لبنان وعلى كل المنطقة. طبعاً نحن معلوماتنا تقول أن الأمريكيّين نقلوا أجزاء من داعش إلى أفغانستان، الآن هل يتم استخدامهم في أفغانستان ضد طالبان أو ضد بعض دول آسيا الوسطى؟ المسألة مفتوحة. وتم نقل جزء من داعش إلى شمال أفريقيا، ولا تستغرب غداً أن يستخدموا داعش للضغط على الصين وللضغط على روسيا وللضغط على دول أخرى. الأمريكيون يستخدمون هذه الوسائل. الأمر الآخر الذي قمت بلفت النظر إليه يرتبط بترامب، وأمريكا والعراق. يصرّ ترامب الآن على إبقاء القوات الأمريكية في العراق، والذي حذّرت منه أن ترامب يعمل على تنفيذ وعوده الانتخابية، أحياناً ينجح وأحياناً لا ينجح، ليس دليلاً على أنه ينجح ولكنه يعمل لتحقيق وعوده. مثلاً في مرحلة الانتخابات وعد بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وفعل ذلك. وعد بالاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وفعل ذلك. وعد بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، وفعل ذلك. وعد بتشديد العقوبات على إيران، وفعل ذلك. طبعاً هناك وعود سعى لتحقيقها ولم يستطع. مثلاً الجدار بين الولايات المتحدة الامريكية والمكسيك، واجه مشكلة مع الكونغرس في مسألة تمويل بناء الجدار، لكنه ما زال مصرّاً وما زال يسعى. إذاً هذا الرجل يسعى لتنفيذ وعوده الانتخابية. حسناً، من جملة وعوده الانتخابية التي قالها كثيراً، ليس مرة أو مرتين، هو كان يقول أمريكا أخطأت عندما خرجت من العراق في زمن أوباما، ونحن يجب أن نبقى في العراق. أي أنه ليس لديه نية أن يخرج من العراق حتى لو كانت هذه إرادة العراقيّين. والأمر الثاني، هو يقول نفط العراق لنا، نحن أنفقنا من أجل تحرير العراق -بتعبيره هو- من صدام حسين، أنفقنا ٧ ترليون دولار، ونحن يجب أن نستعيد أموالنا، وبالتالي يجب أن نضع يدنا على النفط العراقي ونبيع هذا النفط إلى أن نستعيد أموالنا. وعندما قال له كيف ذلك؟ قال نحن نرسل الجيش الأمريكي فيسيطر على المنطقة النفطية ويقيم حصاراً حولها ويمنع العراقيّين من الاستفادة من نفطهم ونحن نأخذ النفط لسنوات، ثم نتركه للعراقيّين. هل يستطيع أن يفعل ذلك؟ قد لا يستطيع، ولكنه سيحاول أن يفعل ذلك. يعني أنا قلت أن العراقيّين ينبغي أن ينتبهوا لمؤامرات ومخاطر هذا الرجل الذي عينُه على نفطهم، كما أن عينه كانت على أموال السعودية وها هو ينهب أموال السعودية، ويفكّر جديّاً أن ينهب النفط العراقي. الذي يمنعه من ذلك هو وعي العراقيين وإرادتهم وتحملهم للمسؤولية.

 

الزيارة الليليّة يبدو أنّها أغضبت ترامب كثيراً …

طبعاً هو يقول نحن أرسلنا جنودنا وقدمنا تضحيات وأموال هائلة ثمّ أنا مضطر أن أذهب في الخفاء وفي الليل، صحيح.

 

منذ انتصار الثورة الإسلامية، طبعاً كانت أمريكا وقادتها غاضبين من إيران، فنظام الشاه كان قد رحل، وهم فقدوا نظاماً تابعاً لهم كان يشكّل أعظم قاعدة لهم في المنطقة. منذ أربعين عاماً وحتى اليوم ووجهت التصريحات الأمريكية بمقاومة من قائد الثورة الإسلامية والشعب الإيراني والشعوب المسلمة التي تقف مع المقاومة في وجه الاستكبار. الأمريكيون غاضبون بشدّة من إيران، وتذكرون جملة الشهيد بهشتي المعروفة التي استقاها سماحته من آيات القرآن الكريم: ”فلتغضبي منا يا أمريكا ولتموتي جرّاء هذا الغضب“. في ظل هذه الظروف، يقول الإمام الخامنئي أن أمريكا في الشرق الأوسط والدول الإسلامية تقترب من زوالها وهذه القوة سترحل وستنتصر شعوب المنطقة. نودّ أن نقف عند نظرتكم التحليليّة لكلام الإمام الخامنئي وأن تذكروا لنا شواهد على هذه المسألة.

أوّلاً طبعاً ما يقوله سماحة السيد القائد في هذه المسألة هو مبني على التجربة وعلى المعطيات وعلى الوقائع الحقيقيّة الموجودة الآن في المنطقة. من جملة المؤشرات لهذا الأمر، عندما خرجت أمريكا من العراق، وهي ما جاءت إلى العراق لتخرج، بل هي جاءت لتبقى. ولكنها عجزت عن البقاء في العراق، ثم عادت بحجّة داعش،  وهي لا تستطيع أن تبقى في العراق. بكل صراحة الآن إذا صمم المسؤولون في العراق أو الشعب العراقي على إخراج القوات الأمريكية من العراق هم يستطيعون أن يفعلوا ذلك خلال أيام.  وأمريكا أعجز من أن تبقى في العراق بمعزل عن إرادة الشعب العراقي. حسناً، هذا مؤشّر وهذا مثال. في سوريا، أمريكا فشلت في سوريا، حتى القوة الأمريكية الموجودة في شرق الفرات، ترامب قبل ثمانية أشهر، كان يريد أن يخرج وأن ينسحب. ولكن بقية المسؤولين أقنعوه بالبقاء لستة أشهر، والآن كان يريد أن يخرج ولكنهم قالوا له يجب أن نبقى، لأن خروجنا يعني هزيمة كبيرة لنا، وأصدقاؤنا في المنطقة ستنهار معنوياتهم، ولذلك هو قرر البقاء، ولكن لا تعرف في أي لحظة يمكن أن يخرج أيضاً. هو في اتصال تلفوني قال للسيد أردوغان، نحن سنخرج من سوريا، وسوريا لك إفعل بها ما تشاء. وهذا أغضب السعودية والإمارات، ولذلك وجدنا أن الإمارات سارعت إلى فتح سفارتها في دمشق. حسناً، هذا في سوريا. في اليمن، الفشل في اليمن ليس فشلاً سعوديّاً فقط، بل هو فشل أمريكي وعجز أمريكي في اليمن. اليوم الولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع في المنطقة أن تفرض ما تريد وما تشاء، إلا على بعض ضعاف النفوس مثل آل سعود. أما كثير من شعوب المنطقة، هي لا تستطيع أن تفرض عليهم إرادتها، وهي لا تستطيع أن تدافع عن مصالحها. تذكرون قبل عشرين سنة تقريباً هم ذهبوا إلى الصومال ولم يستطيعوا أن يبقوا في الصومال سنة واحدة، وخرجوا من الصومال أذلّاء. قدرة أمريكا على البقاء في منطقتنا والسيطرة على منطقتنا تتراجع وتضعف يوماً بعد يوم بفعل وعي الشعوب وقيام الشعوب وثقة الشعوب بأنفسها، والدليل أيضاً على هذا الفشل أنها منذ أربعين عاماً وهي تحاول أن تحاصر الجمهورية الإسلامية وأن تسقط نظام الجمهورية الإسلامية وفشلت. وهم يقولون طيّب، نحن لا نريد أن نغيّر نظام الجمهورية الإسلامية، نريد أن نغيّر سلوك وطريقة عمل الجمهورية الإسلامية، وفشلوا. الجمهورية الإسلامية بعد أربعين عاماً ما زالت ملتزمة بثوابتها ومبادئها وأصولها ومواقفها وطريقة مشيها المعروفة منذ زمن الإمام الخميني (قدّس سرّه الشريف). هنا في لبنان، يأتي بومبيو ويلتقي بكل المسؤولين اللبنانيّين ثم يعقد مؤتمراً صحافيّاً ويخاطب الشعب اللبناني ويقول يجب أن تكون لديكم الشجاعة لمواجهة حزب الله، فلا يحصل على أي جواب إيجابي وحتى الذين هم خصومنا قالوا للسيد بومبيو عندما جاء: نحن لا نستطيع أن نواجه حزب الله، ولا نقبل أن نوجد حرباً أهلية في لبنان. يعني هم رفضوا التوجيه الأمريكي والقرار الأمريكي وهم أصدقاء أمريكا، هؤلاء ليسوا أصدقاءنا، هؤلاء خصومنا. ولكن أوّلاً لأننا أقوياء، وثانياً لأنهم يدركون مخاطر الذهاب إلى صدام داخلي على كل الوضع في لبنان، هم رفضوا ذلك. حتى الآن صفقة القرن التي يريد ترامب وصهره كوشنير أن يفرضوها على الفلسطينيّين، حسناً اليوم الشعب الفلسطيني كلّه يرفض، من حماس والجهاد الإسلامي إلى فتح ومنظمة التحرير والسيد محمود عباس. السيد محمود عباس يقبل التسوية والمفاوضات وتقديم التنازلات، ولكنه يقول: هذه الصفقة وهذه التسوية حتى أنا لا أستطيع أن أتحمّلها، لأنّها مذلّة جدّاً ومهينة جدّاً ولا يوجد فلسطيني يمكن أن يقبل بالتوقيع على صفقة من هذا النوع. وإذا كنتم تلاحظون، حتى الآن في آخر اجتماع لوزراء الخارجية العرب، رغم أنّ أكثر هؤلاء ليسوا صادقين فيما يقولون، ولكنّ البيان  الذي أصدروه قالوا فيه: نحن لا نستطيع أن نقبل بأي حل سياسي خارج القرارات الدولية والقوانين الدولية والمرجعيّات الدولية. يعني نحن لا نقبل بصفقة القرن، وقالوا هذا علناً. لماذا يقولون ذلك؟ لأنّهم يعرفون أنّ شعوبهم لا يمكن أن تقبل بصفقة من هذا النوع ولو كان خلفها السيد ترامب. على كلّ حال هناك مؤشرات كثيرة. ثمّ مع هذه القيادة الحالية، قيادة ترامب، يعني ترامب وبولتون وبومبيو، هذه المجموعة مجموعة لا تحترم الآخرين ولا تتعاطى بدبلوماسية ولديها درجة عالية من الطمع ومن الاستعلاء ومن الاستكبار والعجلة أيضاً، لذلك هم يهينون حلفاءهم وأصدقاءهم ويحطمونهم ويخرّبون علاقاتهم حتى مع حلفائهم، الأوروبيّين على سبيل المثال، ومثلاً الذهاب إلى توتير العلاقة مع روسيا، وتوتير العلاقة مع الصين. يعني لا تعرف إلى أين يأخذون كل العالم. اليوم في العالم إذا استطلعت الرأي العام وسألت هل الإدارة الأمريكية إدارة موثوقة؟ يقولون لا، هي ليست إدارة موثوقة. الآن هو يخرج من كل المعاهدات وكل الاتفاقيات ويريد أن يفرض آراءه على كل المجتمع الدولي، هذا يفقد أمريكا مكانتها وموقعها وتأثيرها ويضعفها. وعلى كلٍّ، مؤشرات الفشل في الكثير من الساحات والأماكن واضحة.

 

إحدى الدلالات الكبرى على انهزام أمريكا المدوّي في المنطقة هي من وجهة نظري المكانة التي يمتلكها حزب الله في لبنان اليوم. قبل يومين زرت جنوب لبنان ووصلت إلى حدود فلسطين المحتلّة وشاهدت بعض المناطق هناك. يوماً ما كانت القوات العسكرية الصهيونية تدخل الأراضي اللبنانية متى ما شاءت، وحتى أنها تقدّمت ووصلت إلى بيروت في العام ١٩٨٢، وارتكبت جرائم عديدة وقتلت العديد من الناس وقتلت أيضاً العديد من اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان. على أيّ حال هي ارتكبت ما يحلو لها من جرائم. وقامت في حرب الثلاثة والثلاثين يوماً أيضاً بشنّ هجمات من الجوّ والأرض. لقد رأيت قبل يومين أنّ الشعب اللبناني هناك يعيش ضمن أجواء من الهدوء والرخاء  والأمان وليسوا قلقين أبداً من أن يشنّ عليهم العدوّ الإسرائيلي أي هجوم. رأيت هناك أن الصهاينة هم الذين باتوا الآن يبنون الجُدران من أجل أن يحموا أنفسهم. كلّ هذه الأمور تُثبت أن حزب الله وعلى مدى الأعوام الـ ٣٥ أو الـ٤٠ الماضية قد تطوّر وتقدّم خلافاً لرغبة الصهاينة وخلافاً لرغبة الأمريكيّين، وتحوّل اليوم إلى قوّة كبيرة؛ بحيث أنّه منح لبنان قيمة مضافة وهذا ما يُعتبر قوّة وطنيّة للبنان. على أيّ حال تلك المشاهد تُثبت أنّه على مدى هذه الأعوام هُزم مشروع أمريكا الذي كان يرمي إلى القضاء على حركة المقاومة بشكل كامل والإسرائيليون يعتبرون اليوم أنهم مهزومون في هذه المنطقة.

+صحيح، في لبنان، في الحد الأدنى منذ سنة ١٩٨٢ عندما قامت قوات العدة الصهيوني باجتياح الأراضي اللبنانية، هذا كان جزءاً من المشروع الأمريكي والمخطط الأمريكي للبنان والمنطقة. ومنذ ذلك الحين، كل الخطط الأمريكية والمشاريع الأمريكية في لبنان فشلت. في ١٩٨٢ وبعد ذلك في ١٩٨٥، وبعد ذلك عام ،٢٠٠٠ وبعد ذلك في عام ٢٠٠٥، وبعد ذلك في ٢٠٠٦، وبعد ذلك الآن. الآن الأمريكيون لا يستطيعون أن يفرضوا على اللبنانيّين شيئاً لا يريده اللبنانيّون، وكل محاولاتهم فشلت بفضل الله. الإسرائيليون كذلك، ولذلك اليوم كما شاهدتم وتفضلتم، الجنوب اللبناني يعيش مرحلة من الأمن والسلام والهدوء لم يسبق لها مثيل منذ ٧٠ عاماً. يعني منذ ولادة هذا الكيان الغاصب السرطاني الذي اسمه اسرائيل، كان جنوب لبنان والمنطقة الحدودية مع فلسطين المحتلّة دائماً في حالة قلق واضطراب وكانوا يعتدون ويقتلون ويقصفون ويدخلون إلى جنوب لبنان ويخطفون حتى من الجيش وحتى من قوى الأمن الداخلي ومن الناس العاديّين، ويفعلون ما يشاؤون. كما كانوا أيضاً يستهزؤون باللبنانيّين وبالشعب اللبناني. مثلاً في حرب ١٩٦٧ عندما أرسلوا جيشاً إلى سيناء، وجيشاً إلى الضفة الغربية وإلى قطاع غزّة وإلى الجولان، فيسألون وزير الدفاع الإسرائيلي في ذلك الوقت، هل أرسلت جيشاً إلى لبنان؟ يقول لا يحتاج [الأمر]، نحن يكفي أن نرسل الفرقة الموسيقيّة إلى لبنان لتحتلّ لبنان. يعني إلى هذه الدرجة كانوا يستهينون بلبنان ويسخرون من اللبنانيّين. هذا الزمن انتهى بفضل من الله وبعون الله عزّ وجل. والآن في الجنوب، هم لا يجرؤون لا على أن يقصفوا ولا على أن يخطفوا ولا أن يقتلوا ولا أن يدخلوا، وهم في درجة عالية من الحذر والخوف لأنّ هذا طبعاً ستواجهه المقاومة وستردّ عليه وهذه من قواعد الاشتباك كما نسميها الآن الموجودة هناك. ودائماً الجنوب كان خائفاً واليوم شمال فلسطين، المستعمرون والمستوطنون والإسرائيلون في شمال فلسطين هم الخائفون، وليس أهل بلداتنا وقُرانا. هم الذين يخافون، وهم الذين يبنون الجدران، وهم الذين يقيمون الخطط الدفاعية، دائماً كانوا في موقع الهجوم، الآن هم في موقع الدفاع. دائماً كنا في موقع الدفاع، الآن نحن في موقع الهجوم، نحن نهددهم بأنّنا سندخل إلى فلسطين المحتلّة إن شاء الله. فلذلك الحمد لله المعادلة تبدّلت وتغيّرت وأيضاً هذا من بركات انتصار الثورة الإسلامية في إيران وقيادة الإمام الخميني وقيادة سماحة السيد القائد الإمام الخامنئي (دام ظلّه)، وهذا الدعم المتواصل والموقف الثابت للجمهورية الإسلامية في إيران إلى جانب حزب الله وإلى جانب حركات المقاومة في المنطقة.

 

صورة حزب الله والمقاومة الإسلامية في لبنان في ذهن غالبية الناس الذين لا يعرفونه هي أنّه يتألف من تشكيلات عسكريّة. هم يظنّون أنّ حزب الله هو مجرّد مجموعة عسكريّة. ما هي الخدمات التي قدمها حزب الله للشعب اللبناني إضافة لبعده الدفاعي والعسكري والمسؤوليات التي يتحملها دفاعاً عن لبنان؟  ونحن سمعنا بعض الأمور اللافتة فيما يخصّ نقاط التطوّر لدى حزب الله في المجالات العلميّة، مثل التطوّر الذي شهده حزب الله في المجال التعليمي ونسبة التعلّم في المنطقة خاصّة بعد إجراء مقارنة مع الأوضاع التي كانت تسود قبل نشوء حزب الله. قلّما تمّ الحديث عن هذه الأمور ولربّما لم يتحدّث عنها أحد، نرجو أن من سماحتك أن تحدّثنا عن هذه الأمور. ولدينا سؤال أيضاً، هل تعتبرون أنفسكم مخاطبون فيما يخصّ تأكيدات قائد الثورة الإسلامية على التقدم والاستثمار في المجالات العلمية في إيران؟

طبعاً نحن نعتبر أنفسنا أيضاً مخاطبين بهذا الخطاب ونعتبر أنّ هذا جزءاً من تكليفنا أيضاً ونعمل على أساسه. أما فيما يتعلق بحزب الله، منذ البداية وليس الآن- لكن الآن هذا الأمر يزداد وضوحاً وأهميّة وحضوراً- حزب الله ليس فقط تشكيل نظامي عسكري، بل هو حركة شعبية وتيار شعبي، وهو أشبه بالتيار الشعبي منه إلى الحزب، لكن اسمه حزب الله. لكنه هو يعمل بشكل تيار شعبي وحركة جماهيريّة وشعبية. حسناً، غير المقاومة المسلّحة والعمل المسلّح، سأذكر ماذا لدينا من عناوين. من جملة العناوين النشاط الديني، العلماء والمبلّغون والحوزات العلميّة الدينيّة وطلبة العلوم الدينيّة ونشاط التبليغ الديني في كل المناطق، هذا عنوان كبير، وطبعاً إذا نظرت الآن إلى عدد طلاب العلوم الدينية اللبنانيّين نسبة للأزمنة السابقة، هو عدد كبير جدّاً نسبة لما مضى، وعدد جيّد، يعني ما بين الموجودين في لبنان، إذا ضمّينا إليهم الإخوة الموجودين في قم المقدّسة والإخوة الموجودين في النجف الأشرف يصبح العدد ممتاز، وهذا ليس له سابقة في تاريخ لبنان. مثلاً ضمن النشاط الديني، كثير من بلداتنا وقرانا وحتى مدننا لم يكن فيها مساجد. الآن لا تجد قرية بدون مسجد. في المدن أيضاً، يوجد في الأحياء المختلفة مساجد. مثلاً هذه الضاحية الجنوبية رغم أنه يسكنها مئات الآلاف، كان يوجد فيها ثلاثة أو أربعة مساجد ليس أكثر. ولكن الآن ما شاء الله، في أغلب أحيائها يوجد مساجد. الحوزات العلميّة في مختلف المناطق، والحوزات العلمية للنساء، والمعاهد الثقافية للنساء ذات البعد الثقافي والعلمي والحوزوي، إذاً هذا في النشاط الديني. إحياء المناسبات الدينية، أيام محرم، وأيام شهر رمضان المبارك، والأمسيات القرآنية، والمسيرات الحسينية، وهي سنة بعد سنة تكبر وتتطور وتتعاظم، واهتمام الناس بالمناسبات الدينيّة والشعائر الدينية خصوصاً في شهر رمضان وليالي القدر. هذا مثلاً في جانب الموضوع الديني، في الجانب العلمي والتربوي، نحن لدينا أقوى تشكيلات طلابية في الجامعات، من أقوى التشكيلات الطلابية في الجامعات هو تشكيل حزب الله من الشباب والشابات، لديهم حضور فاعل وقوي في الجامعات. في أساتذة الجامعات، وفي أساتذة المدارس، وفي الثانويات والمدارس المتوسطة، من أقوى وأكبر التشكيلات الطلابية والتربوية في مدارس لبنان هو تشكيل حزب الله. ويقومون بكل الأنشطة التي يقوم بها الطلاب في الثانويات وفي الجامعات. النشاط الثقافي والفكري والإعلامي والسياسي والعلمي وما شاكل. في الامتحانات الرسمية دائماً الشباب والشابات من حزب الله هم في الصفوف الأولى، في أعلى المراتب ويسجّلون نجاحات في الامتحانات الحكومية والرسمية. لدينا مع الشرائح المختلفة نشاط ثقافي واجتماعي متنوع، مثلاً نحن لدينا تشكيل كبير اسمه الهيئات النسائية في حزب الله، لا يوجد قرية إلا ويوجد فيها تشكيل نسائي، ويعملون على الاتصال بكل النساء، يقيمون الدورات الثقافية، ويحيون المناسبات الدينية والمناسبات السياسية ويقدمون المساعدات الاجتماعية ويديرون كل وضع النساء في تلك البلدة وتلك المدينة. لدينا تشكيل للشبيبة، أنتم تقولون "نوجوانان"، مثلاً باسم كشافة الإمام المهدي (عليه السلام)، هي أكبر منظّمة كشاف في لبنان من حيث العدد، من الفتية والفتيات، وهو نشاط أيضاً ثقافي وفكري وديني واجتماعي وترفيهي أيضاً. لدينا المدارس، مدارس الإمام المهدي (عليه السلام) في مختلف المناطق، من الروضات أي الأطفال إلى الثانوية، سواء في البقاع أو في بيروت أو في الجنوب. وقبل سنوات بدأنا بإيجاد جامعة المعارف، جامعة لديها كليّات متنوّعة. لدينا الإذاعة، إذاعة النور من أقوى الإذاعات في لبنان، ولدينا تلفزيون المنار، وأيضاً حضور على مستوى أكثر من شاشة تلفزيونية. حسناً، في العمل الاجتماعي والخدمات، سأترك السياسي للآخر، هناك عدد من المؤسسات تعمل في لبنان بعضها تابعة للمؤسسات الإيرانية ولكن يديرها إخوة وأخوات من حزب الله. مثلاً مؤسسة الشهيد، ولجنة إمداد الإمام الخميني، ومؤسسات أخرى. يقدّمون خدمات لعوائل الشهداء، وللجرحى وللعائلات المستضعفة. نحن نرعى عدد كبير جدّاً من العائلات الفقيرة والمحتاجة وعدد كبير جدّاً من الأيتام. من جملة الأمور المهمّة، مثلاً في المجال الصحّي، نحن لدينا مستشفيات ولدينا مراكز صحيّة ولدينا مستوصفات صحيّة، ولدينا تشكيل كبير جدّاً من الدفاع المدني الذي يساعد المرضى والحالات الطارئة. كلّ هذا تابع لتشكيلات حزب الله، وهذا ليس تابع لتشكيلات الحكومة اللبنانيّة والدولة اللبنانيّة. هذا كله يقدم خدمات للناس في المجال الطبي وفي المجال الصحّي وفي المجال الاجتماعي والمساعدات المالية أو العينيّة. لدينا مؤسسة كبيرة جدّاً اسمها مؤسسة الامام الكاظم (عليه السلام) للقرض الحسن، معروفة باسم بيت مال المسلمين لكن اسمها مؤسسة الإمام الكاظم (عليه السلام) للقرض الحسن، لديها فروع في أغلب المناطق وتقدم عشرات آلاف القروض، يعني القرض بكفالات للناس. هذا أيضاً من الأمور المعروفة في البلد. ثم نصل إضافة إلى كل هذه المراكز والأماكن التي تقدم مساعدات لدينا جهاد البناء وتعمل بشكل أساسي في المجال الزراعي، ولديها مساعدات كبيرة جدّاً في المجال الزراعي. قد أنسى بعض الأمور، من جملة الأمور المهمّة مشاركة حزب الله في الانتخابات البلديّة، وهو موجود في تقريباً أغلب البلديّات وكثير من رؤساء البلديات هم من إخواننا. وهذه البلديات تعمل بشكل جيّد في خدمة الناس. ولذلك الآن أنت تذهب إلى الكثير من البلدات، لو كنت تأتي إليها قبل عشر سنوات أو عشرين سنة أو ثلاثين سنة ستجد الوضع مختلفاً تماماً. حسناً، ثم نصل إلى مشاركة حزب الله في الانتخابات النيابية، ووجود نواب لنا في المجلس النيابي. طبعاً عدد النواب الموجود في المجلس النيابي من مجموعتنا هو أقل من حجمنا الحقيقي، يعني لا يتناسب مع حجمنا الحقيقي، والسبب أننا نحرص أن نقيم ائتلافات ونعطي عدداً  من النواب لحلفائنا حتى يكون أيضاً لهم حضور قوي وجيّد في المجلس النيابي. هؤلاء النواب أيضاً يقومون بخدمة الناس في مناطقهم وفي المجلس النيابي، لدينا وزراء في الحكومة وهذه المرة حصلنا على وزارة خدمات هي وزارة الصحة، ووزير الصحة الحالي هو من أنشط الوزراء الموجودين في الحكومة الحالية. إذاً حزب الله في غير البعد العسكري له حضور إعلامي كبير وحضور سياسي وحضور اجتماعي وثقافي. لدينا مؤسسات تهتم بالأنشطة الإعلامية والأدبية، الشعر، الأدب، الرسم، الموسيقى والأناشيد. هذا كله موجود، لكن عادة الذي يُسلّط عليه الضوء في وسائل الإعلام أكثر هو العمل العسكري، لأنّ أهم ما قام به حزب الله منذ ١٩٨٢ إلى اليوم هو إلحاق الهزيمة بالاحتلال الإسرائيلي وتحقيق أول انتصار عربي واضح وبيّن، وهذا كان أمراً كبيراً جدّاً وعظيماً جدّاً، ولذلك الوجه الأغلب الذي يبرز من حزب الله هو الوجه العسكري. كذلك عندما ذهب إلى سوريا ليقاتل الجماعات التكفيرية والمشروع الذي كان يُراد له السيطرة على كل المنطقة، فالحضور العسكري لحزب الله لا شك أنّه كبير جدّاً ومهم جدّاً. ولكن الوجوه الأخرى كلّها حاضرة وقويّة وفاعلة،  لكن أحياناً لا يتم تسليط الضوء عليها بالشكل المناسب.

 

كنت أستمع إلى كلمة سماحتكم بمناسبة الذكرى الأربعين لانتصار الثورة الإسلامية. لاحظت أنّكم أشرتم فيها إلى هواجسكم تجاه بعض مشاكل الشعب اللبناني مثل قضية الكهرباء. نحن نزور لبنان أحياناً ونلاحظ أنّ مشكلة الكهرباء حقيقيّة جدّاً وفي الواقع هي تشكّل هاجساً بالنسبة للشعب اللبناني. كنت أسمع أيضاً أنّ هناك عوائق سعودية، نرجو أن تحدّثوننا حول وجوب حلّ هذه المشكلة في لبنان وعدم إقدام الحكومة على خطوة جديّة لحلّ مشكلة الكهرباء وما هي هواجس حزب الله في هذا الشأن؟

+هذه الملفات والنقاط نحن نتابعها، طبعاً ليست فقط السعودية، المشكلة الأولى هي أمريكا. يعني الأمريكيّون الآن، مثلاً أي تعاون بين الحكومة اللبنانيّة والجمهورية الإسلامية في إيران، من الذي يمنعه؟ التهديدات الأمريكية، وهؤلاء في الحكومة بعضهم يخاف من الأمريكيّين ومن العقوبات الأمريكية على لبنان. وإلا مثلاً قبل سنوات جاءت الوفود الإيرانيّة وعرضت أن تقدّم مساعدات وقروض و… هؤلاء خافوا، خافوا في الحقيقة من العقوبات الأمريكية، فالأمريكيون يمنعون. والآن الأمريكيّون ليس فقط يمنعون لبنان من التعاون مع إيران بل حتّى من التعاون مع روسيا مثلاً وحتّى من التعاون مع الصّين. الآن مثلاً الحكومة اللبنانية يمكنها أن تشتري سلاحاً أو أن تحصل على مساعدة سلاح وذخائر وإمكانات من روسيا، لكنها لا تفعل ذلك لأنّ أمريكا هدّدت الحكومة اللبنانيّة وقالت: إذا أخذتم سلاحاً من روسيا فسوف أوقف كل المساعدات التي أقدّمها للجيش اللبناني. حسناً، الصين حاضرة لأن تأتي ولديها إمكانات  هائلة، لماذا لا تُفتح أبواب لبنان أمام الصين؟ السبب الحقيقي هو التهديد الأمريكي بالعقوبات. طبعاً أمريكا اليوم لا تهدّد باحتلال لبنان وإرسال قوات إلى لبنان، هي لا تفعل ذلك. وهي تعرف أنها إذا جاءت إلى لبنان لا تستطيع أن تحتل لبنان أو تسيطر على لبنان، وسوف يحصل في لبنان كما حصل في العراق ولها تجربة قديمة مع لبنان واللبنانيّين. لكن أمريكا الآن تلجأ إلى العقوبات. عندما تهدد أي دولة تلجأ إلى التهديد بالعقوبات على البنوك وعلى المصارف وعلى استخدام العملة الصعبة وعلى بعض التسهيلات التجارية، فهؤلاء يتراجعون أو يخافون. لكن في كل الأحوال نحن في الحكومة ومع المسؤولين نتابع كل الملفات التي تعني الشأن اللبناني والناس في لبنان بما يطيقون هم ويستطيعون هم. حتى الآن أمريكا تدعم إسرائيل في الجنوب وتمنع اللبنانيّين من أن يحاولوا أن يستخرجوا النفط والغاز في جنوب لبنان، لأن إسرائيل تهدّد. طبعاً نحن في المقابل نهدّد، ولكن الشركات التي ستأتي تحتاج إلى ضمانات، وأمريكا ستعاقب أي شركة تأتي وتقوم مثلاً باستخراج النفط والغاز في تلك المنطقة إن تجرّأت أن تأتي على سبيل المثال. المشكلة الحقيقية هي في الحقيقة مع أمريكا وأيضاً السعودية تضغط في هذا الاتجاه لكي لا يكون هناك تعاون جدّي.  الآن مثلاً لبنان يحتاج إلى سوريا والتعاون مع سوريا والتواصل مع سوريا، بعض هؤلاء المسؤولين في الدولة اللبنانية لأنهم يقيمون حسابات لها علاقة بأمريكا وبالسعودية وما شاكل لا يقدمون على ذلك، مع أنّ مصلحة لبنان الحقيقيّة هي في ذلك.

 

إحدى القضايا التي تشكّل ضرورة ملحّة في المواجهة العسكرية مع الكيان الصهيوني هي أن تكون لديك إحاطة استخباراتية بالعدو وأن تستفيد من هذه المعلومات في مختلف المجالات أي في مجال الدفاع عن نفسك وأيضاً في مجال وضع الخطط الهجومية ضد العدو. إلى أي مدى يملك حزب الله اليوم إحاطة استخباراتية فيما يخصّ العدو؟

نحن لدينا إحاطة وإشراف معلوماتي جيّد جدّاً بشكل ليس له سابقة. حزب الله من خلال استخدامه للوسائل المختلفة يحصل على المعلومات اللازمة والمهم هي المعلومات التي نحتاجها في أي حرب مقبلة أو في مواجهة أي تهديد أو عمل إسرائيلي يمكن أن يقوم به، من جهة لدينا جانب المعلومات والإحاطة المعلوماتية الجيدة ونواكب كل الأحداث في كيان العدو، وتطورات ما يجري لديهم سواء من خلال الوسائل العلنيّة أو الوسائل غير العلنيّة. لكن الأمر الأهم هو بعد الدراسة، يعني نحن المعلومات التي نحصل عليها، حتى بالوسائل العلنيّة، المهم متابعتها وتقييمها وتحقيقها ودراستها وأخذ استنتاجات منها، وهذا أمر مهم. نقطة قوة حزب الله أنه يقرأ بشكل دائم إسرائيل وعقلها وثقافتها وتقاليدها وعاداتها ونقاط قوتها ونقاط ضعفها وتطوراتها وأحداثها، وهذا يجعل حزب الله محيطاً بشكل دائم بكل ما يجري في داخل الكيان بحيث نحن [نعلم] كيف يفكّرون وماذا يحبّون وماذا يكرهون وبماذا يتأثّرون وما هي المشاكل الموجودة في داخلهم وما هي الانقسامات القائمة والخلافات السياسية والخلافات الحزبية والخلافات الدينيّة الموجودة عندهم، تفاوت الشخصيات، وتقييم القيادات السياسيّة والعسكرية، هذا كلّه نواكبه ومتوفّر لدينا. وهذا طبعاً يعطينا قدرة كبيرة جدّاً ومهمّة جدّاً في كيفية التعاطي مع هذا العدو ومواجهة هذا العدو بالأساليب المختلفة.

 

خلال كلماتكم وخطاباتكم أشرتم في عدة مواطن ومناسبات إلى الإمام الخامنئي. أرغب الآن في أن أركّز أكثر في سؤال لسماحتكم على العلاقة التي ربطتكم بالإمام الخامنئي على مدى أربعين عاماً، ما هي أهم وأبرز الصفات الشخصية لدى سماحته؟ خاصّة أنّكم التقيتم بالعديد من الشخصيات البارزة والمعروفة. ما هي الفوارق في شخصية الإمام الخامنئي إذا ما أجريتم مقارنة مع سائر الشخصيات؟

أوّلاً، أنا كل ما يمكن أن أقول في الجواب على هذا السؤال، قد أكون متّهماً [به] لأنّني من محبّيه وعاشقيه ولذلك قد يُقال أنّ فلان لأنّه يحب ويعشق سماحة السيد القائد هو يقول هذه المسائل، لكن حقيقة وبشكل موضوعي ومنصف وبمعزل عن الجانب العاطفي، وبعد هذه التجربة الطويلة، سماحة القائد لديه الكثير من المواصفات الممتازة، يعني أحياناً عندما تتحدث عن شخصية تقول لديه مواصفات جيّدة لكن من بين المواصفات الجيّدة توجد لديه صفة ممتازة وعالية، أو صفتين، أو ثلاثة، ولكن ما يرتبط بشخصيّة سماحة السيد القائد، أنت ستجد عدد كبير من الصفات الممتازة. على سبيل المثال، مثلاً الإخلاص الشديد، إخلاصه لله سبحانه وتعالى، وإخلاصه للإسلام، وإخلاصه للمسلمين، وإخلاصه للمستضعفين والمظلومين، هذا إخلاص عالي جدّاً، ولعلّه هو أحد أهم أسباب التسديد والتأييد والتوفيق من الله سبحانه وتعالى لسماحة السيد القائد. هذا الإخلاص العجيب والشديد. مثلاً عندما أتحدث عن الإخلاص، هو لا يقف عند أي اعتبارات شخصيّة، وأنا عندي شواهد كثيرة على هذا الأمر، سواء فيما يتعلق بشخصيّته وبشخصه أو بقيادته أو بمرجعيّته أو بما يعود إليه، هو لا يقف عند أي شيء. هو دائماً وأبداً يقدّم مصلحة الإسلام ومصلحة المسلمين والمصالح العامّة على أي اعتبارات أخرى. مثلاً من جملة المميّزات الواضحة والكبيرة جدّاً زهد سماحة السيد القائد، وهذا معروف ومشهود. الآن السفارة الأمريكية في بغداد وفي أماكن أخرى، هم يحاولون أن يسيؤوا إلى شخصية سماحة السيد القائد ولكن من حماقتهم أنهم ركّزوا على الجانب الذي لا يصدّقهم أحد فيه. عندما قالوا أن سماحة السيد القائد ثروته الشخصية تصل إلى ٢٠٠ مليار دولار مثلاً. من الصفات المميّزة جدّاً عند سماحة السيد القائد الموضوع الأخلاقي، الأخلاق الشخصيّة، نحن دائماً عندما نراه [نرى] بشره في وجهه وتواضعه الشديد، كل اللبنانيّين الذين ذهبوا إلى إيران والتقوا بسماحة السيد القائد إما في لقاء خاص أو في لقاء عام كانوا يعودون إلى لبنان مدهوشين من شدّة تواضع سماحة السيد القائد. يعني عندنا هنا في لبنان رئيس بلدية صغيرة في قرية صغيرة لا يتواضع كما يتواضع سماحة السيد القائد (حفظه الله) لضيوفه وللناس من حوله. المحبّة والعاطفة وإحساس الآخرين أنّهم أمام أب أكثر مما هم أمام قائد أو حاكم وإنّما أمام أب عطوف ورؤوف ورحيم. مثلاً من شواهد التواضع ومن شواهد الأبوّة، مثلاً أنا ذكرت لكم في سياق المقابلة أنّه في كل مسائلنا ونحن نريد رأيه وموقفه، هو يقول هذا اقتراحي، وأنتم أنظروا وادرسوا، هذا دليل تواضع ودليل أبوّة ودليل رحمة. الأبوّة لأنه يعلّمنا كيف ننضج ونأخذ القرار، ودليل الرحمة لأنّه لا يريد أن يلزمنا بموقف نكون محرجين في الالتزام به مثلاً. الوعي السياسي والتاريخي الكبير والواسع، سماحة السيد القائد مثلاً يفهم منطقتنا مع أن منطقتنا معقّدة جدّاً. يعني منطقة غرب آسيا وكما يقولون الشرق الأوسط وبالتحديد بلاد الشام ولبنان وفلسطين وما يجري هنا في المنطقة، ولبنان على وجه الخصوص. مسائل منطقتنا جدّاً معقّدة والكثيرون من سياسيّي ومفكّري هذه المنطقة أحياناً يحلّلون بشكل خاطئ ويقرّرون بشكل خاطئ، ولك نحن منذ أربعين سنة نجد أن كل تحليلات سماحة السيد القائد كانت صحيحة وكل مواقفه كانت صحيحة اتجاه هذه المنطقة، حتى في بعض القضايا التفصيلية التي قد يضيع فيها أهل البلد أنفسهم، وهذا أمر عجيب وغريب. من جملة الأمور التي أعتقد أنها من الصفات المميزة جدّاً، الثقة العظيمة بالله سبحانه وتعالى. هنا نحن لا نتحدث عن شخص منكفئ في مكان للعبادة ويقول أنا ثقتي بالله عظيمة، أو هو يعمل في المجال التعليمي والتدريسي ويقول أنا ثقتي بالله عظيمة. الامتحان الحقيقي هو أن تتحمل مسؤولية بحجم مسؤولية سماحة السيد القائد في إدارة الجمهورية الإسلامية وقيادة الأمّة وفي مواجهة أمريكا وطواغيت الأرض ومستكبري العالم وتدافع عن المستضعفين والمظلومين وتذهب إلى أصعب المعارك والمواقف وتقول أنا أثق بالله وفعلاً أنت تثق بالله سبحانه وتعالى. هنا الفارق، هذه الثقة بالله سبحانه وتعالى والقدرة على إيجاد هذه الثقة عند الآخرين، وليس فقط الحديث عن هذه الثقة، [بل] إيجاد هذه الثقة في قلوبهم وفي عقولهم. حزب الله على سبيل المثال، بهذه الثقة يتقدمون ويعملون ويجاهدون وينتصرون، أو بهذه الثقة مثلاً عند الشعب الإيراني أو الشباب الإيراني ليقف في وجه أمريكا وكل هذه التحدّيات. لو لم يكن هو نفسه -سماحة السيد القائد- لديه هذه الدرجة العظيمة جدّاً من الثقة بالله سبحانه وتعالى فهو لا يستطيع أن ينقلها ويؤثّر على الآخرين. أيضاً الجانب الفكري، اليوم في العالم الإسلامي عدد المفكّرين الإسلاميّين قليل جدّاً. هناك فارق بين المفكّر وبين المثقّف. لدينا مثقّفون إسلاميّون كثيرون. يؤلّفون كتب ويحاضرون ويخطبون. لكن مفكّر إسلامي، يعني مثلاً عندما نقول أن الشهيد مطهّري مفكّر إسلامي، والإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر مفكّر إسلامي وعلى هذه الشاكلة [نجد] اليوم أن المفكرين الإسلاميّين قلّة جدّاً في العالم الإسلامي. لا شكّ بأن من يسمع خطابات سماحة السيد القائد ويقرأ ما كتب وبياناته وتوجيهاته وكلّ المسائل، خصوصاً في شهر رمضان عندما يستقبل كل الشرائح ومن مختلف الأنواع، هو يدرك بأنّه أمام مفكّر إسلامي كبير، قد لا يضاهيه اليوم في العالم الإسلامي مفكّر، يعني لا يوجد اليوم في العالم الإسلامي مفكّر إسلامي بمستوى سماحة السيد القائد. في الموضوع الفقهي والعلمي، طبعاً لم تُبيّن حتى الآن الشخصية العلميّة والحوزويّة لسماحة السيد القائد بالشكل المناسب. أنا لا أدّعي أنّني من أهل الخبرة، ولكن أعرف العديد من الإخوة الأفاضل والمجتهدين وأهل الخبرة الذين استمعوا إلى دروس سماحة السيد القائد الفقهيّة وقدّموا شهادات عالية جدّاً في مستوى اجتهاده وقدرته والملكة التي يملكها سماحة السيد القائد، وعندما يقدّمون شهادات فيما يتعلّق بمرجعيته إنما يقدّمون ذلك من موقع الاختبار والبحث والبحث العلمي والجدّي وليس من موقع عاطفي أو نتيجة بعض العناوين أو ما شاكل. في كل الأحوال، ثم نتحدث عن القائد، اليوم من الذي يقود الأمّة ومن الذي يحمل الراية؟ من الذي يقود معركة هي من أصعب المعارك في التاريخ في حقيقة الأمر. المعركة القائمة الآن، من الذي يقود هذه المعركة وما تتطلّبه من علم ووعي وفكر وفهم وتشخيص حقيقي للمسائل في كل الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية والأمنيّة، وما تتطلّبه أيضاً من بصيرة كبيرة جدّاً وما تتطلّبه من شجاعة. قد يكون الإنسان لديه علم ولديه بصيرة ولكنه فاقد للشجاعة والاستعداد للتضحية، حتى بروحه وبنفسه وبدمه. أين هم هؤلاء القادة الذين يملكون هذه المواصفات؟ هذه بعض [الصفات] على عجالة كما يُقال، وإلا إذا جلس الإنسان ليفتّش عن الصفات العالية والمميّزة في سماحة السيد القائد سيجد الكثير الكثير من هذه الصفات.

 

لقد أشرتم إلى الشجاعة. أيّ قرار اتخذه الإمام الخامنئي فيما يخص المنطقة كان الأكثر شجاعة من وجهة نظركم؟

تعرف أنه بعد حوادث ١١ أيلول في أمريكا، وكان جورج بوش وجماعة المحافظين الجدد في قمة الغضب ويستخدمون الغضب الشعبي الأمريكي ليتجاوزوا كل القوانين وكل الحدود وكل الأعراف الدولية ويومها قال جورج بوش أن العالم إما أن يكون معنا وإما ضدّنا. وأرسل قواته إلى جوار إيران، نحن لا نتحدث عن قوات أمريكية ذهبت إلى البرازيل، بل نتحدث عن قوات أمريكية جاءت إلى أفغانستان، وجاءت إلى العراق وإلى الدول المحيطة بإيران والبحار المحيطة بإيران وكان يُعلن عدائه بشكل واضح جدّاً وشرس جدّاً، وكل من يقف في وجهه سيعمل هو على إزالته. الكثيرون في هذه المنطقة خافوا وأصيبوا بحالة رعب شديد وأن أمريكا آتية لاجتياح المنطقة والسيطرة على المنطقة، وأنا أذكر في ذلك الحين كُتبت مقالات أن المنطقة ستدخل العصر الأمريكي إلى مئتي سنة، إلى ثلاثمائة سنة، ولن يستطيع أحد أن يقف بوجه الأمريكيّين أو أن يزحزحهم. من الذي وقف؟ سماحة السيد القائد. هذا لا يحتاج فقط إلى وعي تاريخي ووعي سياسي وتدين وإخلاص، هذا يحتاج أيضاً إلى شجاعة عالية. أنت تقف أمام القوّة العظمى الوحيدة المتجبّرة والمستكبرة في العالم، والغاضبة جدّاً التي لا تعترف الآن بأي قيود وضوابط. وقف في وجهها وليس وقوف من يرفض الاستسلام، بل وقوف تهاجمي. يعني الذي قاد معركة المواجهة ضد المشروع الأمريكي في المنطقة هو سماحة السيد القائد خلال كل السنوات الماضية.

 

فيما يخصّ كتاب ”إنّ مع الصّبر نصراً“ الذي أشرتم إليه في مراسم ذكرى انتصار الثورة الإسلامية؛ نرغب في أن تطلعونا على أكثر ما لفتكم في هذا الكتاب أو أي نقطة أخرى لفتت انتباهكم.

أوّلاً أنا عندما وصلني الكتاب قبل طباعته النهائيّة، قرأته في نفس الليلة. وصلني بعد المغرب، فأنا قرأت في تلك الليلة كل الكتاب بشوق. أوّلاً قرأت المقدّمة التي كتبها سماحة السيد القائد بخطّه، مقدّمة باللغة العربية لكن طبعاً الخط فارسي. فوجئت، أنا أعرف أنّ سماحة القائد يفهم العربيّة بشكل جيّد ويتكلّم العربية بشكل جيّد، لكنّ المتن هو متن على درجة عالية من البلاغة، يعني متن بليغ جدّاً، ولا أعتقد أنّه يوجد كثيرون في العالم العربي الآن يستطيعون أن يكتبوا متناً بهذا المستوى من الجمال والبلاغة، من العرب طبعاً. هذا أوّل أمر، أي هذا في بداية الكتاب. أيضاً في ما ورد في عرض الكتاب، أيضاً فيما يتعلق باللغة وبالبيان والوضوح كان ملفت جدّاً.  لأنّني سمعت من الأخ الدكتور آذرشب، هو قال لي بأنّ هذا المتن هو متن سماحة السيد القائد، المتن العربي، وأنا قمت فقط ببعض الإصلاحات البسيطة. وأيضاً هو متن كبير ومهم جدّاً في أدبيات وبلاغة اللغة العربية. كثيرون من أدباء العرب ولا أقول العلماء، بل الأدباء، لا يستطيعون أن يكتبوا متناً بهذه البلاغة وبهذا الجمال، هذا في الجانب البلاغي. طبعاً الاسترسال، يعني الأحداث التي يذكرها سماحة السيد القائد أيضاً هي جميلة جدّاً، وكثير منها جديد على العالم العربي، قد لا يكون جديداً على الإيرانيّين، لأن هذا موجود باللغة الفارسية وأنا قرأت بعض الكتب التي تتحدث عن مذكرات السيد القائد وحياته، قرأت مجموعة من الكتب وأنا قرأت كتباً كبيرة. ولكن باللغة العربية هذا أول كتاب من نص سماحة السيد القائد نفسه وهو يتحدث بهذه التفاصيل وبهذه الجزئيات، هذا أيضاً كان مؤثّر جدّاً. ثمّ تبيّن للناس حجم المظلومية والمعاناة والغربة وحجم الآلام التي تحمّلها سماحة السيد القائد وطبعاً بقيّة الإخوة الآخرين ولكنه كان يتحدث حول مذكّرات شخصيّة، هو لا يكتب عن الآخرين لنقول أنه ماذا عن الآخرين؟ واضح أن الشعب الإيراني وأن العلماء والمسؤولين الذين أصبحوا في ما بعد مسؤولين، أنّ هناك آلاماً كبيرة وتضحيات جسيمة قدّموها حتى تمكّنت هذه الثورة من الانتصار.

 

ما هي لغة الحديث في لقاءاتكم مع الإمام الخامنئي؟

أنا أتكلم باللغة العربية وسماحته يتكلم باللغة الفارسية، لكن أحياناً في بداية اللقاء سماحة القائد يسأل بعض الأسئلة باللغة العربيّة، مثلاً الترحيب، أهلاً بكم، كيف العائلة وكيف الإخوة؟ مثلاً يسأل باللغة العربية ولكن يتكلم باللغة الفارسية. وهذا كان اتفاق في الحقيقة منذ بدايات قيادته، حتى في زمن رئاسة الجمهورية، لكن هذا أكثر منذ بداية القيادة، لأنّني أفهم الفارسية، لكن إخواني في الشورى بعضهم يفهم الفارسية بنسب متفاوتة، فكان يأتي بمترجم إلى الجلسة. سماحة القائد في البداية قال، منذ الآن فصاعداً لن نأتي بمترجم، في الجلسة يوجد سماحة القائد ويوجد اللبنانيّون وبعض الإخوة الإيرانيّين، فقال سماحة القائد من الآن فصاعداً لن نأتي بمترجم، على الإيرانيّين أن يتعلّموا اللغة العربيّة ويفهموا أنت ماذا تقول، وعلى اللبنانيّين أن يتعلّموا اللغة الفارسية ولا يحتاجون إلى مترجم. منذ ذلك الحين كلّ لقاءاتنا مع سماحة السيد القائد لا يوجد فيها مترجم.

 

لقد التقيتم بالإمام الخامنئي ولديكم ذكريات عديدة. هذه الذكريات هي في المجالات السياسية والشؤون العسكرية و.. التي سبق وتحدثتم عنها. في ختام حديثنا نرجو من سماحتكم أن تختاروا لنا من بين عشرات ومئات الذكريات التي لديكم إحدى الذكريات التي تعتبرون أنها جميلة جدّاً ولافتة بالنسبة إليكم.

أنا ذكرت شيئاً في المقابلة، تعرف نحن كنا نتيجة الصعوبات والتحدّيات والمخاطر نمرّ في مراحل ونتعب. يعني أنا في التسعينات، في سنة ١٩٩٧ أو ١٩٩٨، كان لدينا ظروف صعبة جدّاً، في لبنان، وفي الوضع الداخلي ومع إسرائيل ومع المحيط، صعوبات متنوّعة. وطبعاً أنا شاب، كانت لحيتي كلها سوداء ولكن الحِمل الملقى عليّ أكبر من طاقتي، وكنت أذهب إلى إيران بين الحين والآخر، فعند سماحة السيد القائد، أنا قلت له سيّدنا ماذا أفعل؟ وتعرف عندما يصل الإنسان إلى مرحلة يتعب فيها ويشعر بثقل المسؤولية يفضّل أن يأتي شخص آخر يتحمّل المسؤولية ويتحوّل هو إلى مساعده وإلى نائبه، لكن يتحمّل المسؤوليّة شخصٌ آخر. سماحة السيد القائد في ذلك الوقت قال لي أنّه أنت ما زلتَ شابّاً ولحيتك كلّها سوداء، ماذا أقول أنا عن التعب ولحيتي كلّها بيضاء؟ على كلّ، هو قدّم لي النصيحة التالية التي ذكرتها في سياق المقابلة وأعيدها بشكل دقيق، قال: طبيعي أن الإنسان في حركته يواجه التحدّيات والصعوبات والمخاطر وأحياناً من الأعداء وأحياناً من الأصدقاء وغالباً ما يكون إزعاج الأصدقاء أكبر ومؤذي أكثر من إزعاج الأعداء، أي أنه يؤلم الإنسان أكثر. حسناً، وفي نهاية المطاف هناك محدوديّة في كثير من الأمور. الإنسان يتعب نفسيّاً ويتعب روحيّاً، أحياناً يحتاج إلى من يدلّه ويرشده ويعلّمه، أحياناً يحتاج إلى من يأخذ بيده، أحياناً يحتاج إلى من يُهدّؤه ويُطمئنه ويُسكّنه على المستوى النفسي والمعنوي، أو يحتاج إلى من يُقوّيه ويشدّ من عزيمته. حسناً، في كل ما نحتاج إليه نحن لدينا الله سبحانه وتعالى، ولا نحتاج إلى الآخرين. نحن لدينا الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى من رحمته ولطفه بنا أجاز لنا أن ندعوه ونخاطبه ونتحدّث معه في أي وقت وفي أي مكان وفي أي حال، هذا كله كان كلام سماحة السيد القائد. وبعيداً عن الكثير من الشكليات والمراسم، ولذلك عندما تشعر بالتعب أو بأي شعور صعب أنا أنصحك بأن تجرّب هذه الطريقة. تدخل إلى غرفة وتخلو بنفسك ولو لخمس دقائق أو عشر دقائق أو ربع ساعة، وتتحدث مع الله سبحانه وتعالى، ونحن نعتقد أن الله موجود وأن الله سميع وأن الله بصير وأن الله عليم وهو أيضاً قدير وغني وحكيم، يعني كل ما نحتاجه نحن في كل شيء، هو عند الله عزّ وجل، فتتكلّم معه ولا تحتاج أن تخاطبه حتى بالأدعية المأثورة عن النّبي والأئمة (عليهم السلام) وما شاكل، لا أنت تتحدث بلغتك بما يجول في قلبك وفي خاطرك وبلسانك وباللغة العاميّة التي يتحدثها الناس، فالله يسمع والله يرى والله جواد وكريم وودود وأهل العطف وأهل الكرم وأهل المغفرة وأهل الهداية وأهل العلم، وإذا فعلت ذلك فالله سبحانه وتعالى يعطيك السكينة والطمأنينة والقوة ويأخذ بيدك ويرشدك ويعينك ويساعدك وأنا أقول لك هذا من موقع التجربة، أنت جرّب هذا ونرى. أنا قلت له إن شاء الله أنا أفعل ذلك سيدنا ومنذ ذلك الحين أنا أفعل ذلك بين الحين والآخر يعني في الحد الأدنى، ووجدت بركات هذا التوجيه وهذه التوصية. أي تفكير من هذا النوع هو تخلّي عن المسؤولية، طبعاً أنا أتمنى أن يأتي إخواني ويقولوا لي أنت الآن يمكنك أن تستريح ليأتي شخص مكانك وأنت تعينه، سأكون سعيداً بذلك. ولكن أنا شخصيّاً لم أعد أفكّر نتيجة أي ضغوط أو ظروف أو صعوبات لأنه أيّاً تكن الصعوبات، عندما نلجأ إلى هذه الطريقة سوف تنفتح أمامنا أبواب وبركات كبيرة ومهمة جدّاً، أهمّ ما كان عندنا في حرب تموز هو هذا، سواء أنا أو إخواني، كان أحدنا يخلو جانباً ويدعو الله سبحانه وتعالى ويتوسّل بالله عزّوجل ويطلب منه العون والتسديد والتعليم والهداية والنّصرة والتثبيت والقوّة والشجاعة و … والله سبحانه وتعالى كريم.

لا نعرف حقيقة بأيّ لسان نشكركم. لكم جزيل الشكر ونسأل الله أن يكون هذا الحوار مبعث خير وبركة للشعب الإيراني وللأمة الإسلامية. كما ندعو الله عزّ وجل أن يحفظ لنا وجودكم حيث أنّكم مبعث فخر واعتزاز للمسلمين حول العالم.