الكاتب: علي مراد

منذ العام الماضي ركّزت وسائل إعلام ومراكز بحثية أميركية على تتبّع حركة ونشاط الشهيد القائد الفريق قاسم سليماني في العديد من تقاريرها وإصداراتها. كان دائماً ما يُشار إلى دور القائد الشهيد إلى جانب سماحة قائد الثورة الإسلامية السيد علي خامنئي، في أسلوب منظّم وواضح، للتحريض على استهدافه بشكل مباشر. وكما أشار الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في خطاب تأبين الشهيدَين القائدَين سليماني والمهندس، أنّه كان قد أخبر الشهيد سليماني بأنّ هناك حجماً كبيراً من التركيز عليه في كتابات الصحافة الأجنبية، ليطلب منه الانتباه لأمنه الشخصي.

وحتّى بعد استشهاده، لم تتوقّف حملة التشويه الإعلامي التي شنّتها هذه الوسائل الإعلامية والمراكز البحثية المحرَّكة بشكل أساسي من قبل اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، بل أضافوا إليها مسحة من التشفّي والشماتة، فبعضهم كـ "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" المرتبطة بحزب الليكود الصهيوني، حاولت الاستهزاء من الطريقة التي استُشهِد فيها الفريق سليماني، بل وحتّى جرى التصويب في شماتتهم على سماحة السيد القائد، من باب أنّه "فقد ذراعه الأيمن الذي لن يُعوَّض".

طبعاً هؤلاء الصهاينة والأميركيون بحكم الأيديولوجيا التي يتبنّونها، ينظرون إلى الأمور من منظور مادي، ويقيّمون موازين الربح والخسارة مستبعدين العامل الروحي والمعنوي. هذا الفكر لن يفهم معنى أن يكون القائد ملِهماً لجيل كامل سيأتي بعده للنهوض بالمشروع وتحقيق الهدف، انطلاقاً من الغرسة التي زرعها القائد سليماني في أرض أمتنا. أخبرني صديق كان قد التقى الشهيد سليماني وسأله عن سرّ الطمأنينة والقوة الروحية التي يملك، فأجابه سارداً له قصة الإمام الخميني (قدس سرّه الشريف) عندما اقتاده جلاوزة الشاه المقبور من سجنه إلى الصحراء، موحين بأنّهم بصدد تصفيته جسدياً (في محاولة لتخويفه) ثم أعادوه، وكيف أنّ الإمام أخبر جلساءه لاحقاً عن التجربة بأنّ شعوره كان قبل وأثناء الاقتياد الى الصحراء هو نفسه بعد أن أعادوه، لم يشعر للحظة بالخوف لأنّ روحه كانت مطمئنة مسلِّمة لبارئها، وقال لصديقي بأنّ هذه الحالة التي كانت لدى الإمام ينبغي ترويض النفس لتعتاد الشعور بها حتى نصل إلى حالة القوة الروحية والطمأنينة.

إنّ هذا الإيمان الذي امتلكه الشهيد سليماني وهزم به أعداءه كان تجسيداً حيّاً لمفهوم القوة في «الحرب اللامتناظرة»، التي سبق وأن تحدّث عنها سماحة الإمام الخامنئي، وشرحها في أكثر من خطاب. يصف السيد القائد هذه القوة بأنها توجد عندما يكون «أحد طرَفَي الصراع يملك قدرات لا يملكها الطرف الآخر». يقول الإمام الخامنئي هنا مفسّراً معنى سر هذه القدرات الخاصة: «إنهم [الأعداء] لا يعلمون أية قدرة تكمن في الإيمان بالله وفي الاعتقاد بالجهاد. يرون آثار ذلك لكنهم لا يستطيعون تحليلها بصورة صحيحة، لذلك يبادرون لأعمال جنونية»، وهذا ما فعله ترامب عندما أعطى الأمر الجنوني باغتيال الفريق سليماني غدراً.

لكن الشهيد الفريق قاسم سليماني يستمرّ بتوجيه الضربات للعدو حتى بعد استشهاده وقبل مواراة جثمانه الطاهر الثرى، أثناء تشييعه المليوني المهيب، استمر في صفعهم وتلقينهم دروساً عبر عاشقيه لن يفهموا مكنوناتها، لأنّهم أساساً لم ولن ينجحوا في تفكيك شيفرة الإيمان الراسخ والعقيدة التي أوصلها لنا رسول الله محمد وأهل بيته الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي موقع arabic.khamenei.ir