خصّص الإمام الخامتئي في الخطبتين الهامّتين والتاريخيّتين في صلاة الجمعة بتاريخ 17/1/2020 "التذكير" بـ"أيّام الله" بجانب كبير من كلمته وجعله أحد المحاور الرئيسيّة لها واستناداً لهذا الأمر اعتبر سماحته أنّ "استشهاد اللواء الحاج قاسم سليماني وأبومهدي المهندس ورفاقهما" وإقامة "أعظم تشييع في العالم" لهؤلاء الشهداء رفيعي المنزلة مصداقين عظيمين لأيّام الله.
النقطة المفصليّة في بقيّة هذا المبحث كانت الأخذ بعين الاعتبار منهجيّة وأسلوب الإمام الخامنئي في الإدراك الحكيم والدقيق لأيّام الله هذه: "أن نقيم هذه الأحداث ونضع لها قيمة ونعرف قدرها ونرى كم هو حجمها وقيمتها فهذا ما يحدث عندما لا ننظر للشهيد العزيز الحاج قاسم سليماني والشهيد العزيز أبي مهدي كفرد واحد، بل ننظر لهما كمدرسة. ننظر لقيادينا الشهيد العزيز كمدرسة وكدرب وكعقيدة زاخرة بالدروس، عندئد تتضح هذه القضية. عندئذ تتبين قيمة وقدر هذه القضية. لا ننظر لفيلق القدس كمؤسسة ومنظمة إدارية صرفة بل كمؤسسة إنسانية ذات محفزات إنسانية كبرى ساطعة".
من الواضح ضرورة التطلّع إلى نضج ورفعة قوّة القدس من خلال هذا المنهج الفكري والتحليلي؛ هي منظّمة إلهيّة ذات محفّزات إنسانيّة كبرى وساطعة ونضجت في مدرسة الإمام الخميني (قده) وترتكز على الإسلام المحمّدي الأصيل في نموّها وتقدّمها وقد احتلّت مساحة كبيرة وعالميّة. إنّ تركيز الإمام الخامنئي على مهمّة، دور، مكانة وخبرة "قوّة القدس" يشكّل نقطة جديرة بالتأمّل والاهتمام. أهميّة هذا المقطع من كلام الإمام الخامنئي تتّضح مع الأخذ بعين الاعتبار الآراء المدافعة عن مصالحة الاستكبار العالمي والنّظر إلى التهديدات الخاوية والرسائل الأمريكية.
التصريح بأنّ "قوّة القدس بلا حدود" ينطوي كحدّ أدنى على دلالتين هامّتين ومحوريّتين: الأولى هي أنّنا سنواجه في مجال الدفاع عن الثورة الإسلاميّة وتصدير الثورة الإسلاميّة تغييراً في المستوى العمليّاتي يتمثّل في تكبير مساحة تأثير قوّة القدس ونقلها من التركيز على غرب آسيا إلى المستوى الدّولي؛ وثانياً، الانتقال من سياسة الاقتصار على التنفيذ إلى سياسة الإعلان الصّريح في المجال الاستراتيجي.

على هذا الأساس سوف يكون متاحاً تصوّر ما عرفنا تحت عنوان "العمق الاستراتيجي" لنظام الجمهورية الإسلاميّة في إيران ضمن رؤية أعمق وأشمل من السابق وسوف يكتسب العمق الاستراتيجي للنظام مصداقاً جديداً. على الرّغم من أنّ أسس هذا القرار الاستراتيجي طُرحت في كلام الإمام الخامنئي سابقاً في شهر تشرين الأوّل من العام المنصرم: " لا تفقدوا هذه النظرة الواسعة لجغرافيا المقاومة، لا تفقدوا هذه النظرة لما وراء الحدود. لا نقنع بمنطقتنا: «ما غُزِي قَومٌ قَطُّ في عُقرِ دارِهِم اِلّا ذَلّوا» (1) هذا حديث عن المعصوم (عليه السلام) يؤكد أن الذين جلسوا في بيوتهم إلى أن تُشنّ عليهم الهجمات أصيبوا بالذل. لا يكون الأمر بحيث نختار لأنفسنا جدراناً وإطاراً ولا يكون لنا شأن واهتمام بما يحدث وراء ذلك الجدار، وما هي التهديدات التي تتفاعل هناك. هذه النظرة الواسعة لما وراء الحدود وهذا الامتداد في العمق الاستراتيجي يعتبر في بعض الأحيان أوجب حتى من أوجب الواجبات للبلاد، وينبغي الاهتمام بها، والكثيرون غير مدركين لهذا المعنى، غير متنبهين لهذا الشأن. والبعض مدركون لكنهم يتكلمون لصالح العدو فيقولون مثلاً «لا غزة ولا لبنان»، لكن الكثيرين أيضاً غير مدركين، هذا هو الواقع. النظرة لهذه المنطقة الجغرافية الواسعة وهي من واجبات الحرس ومسؤولياته؛ لا تسمحوا لها بأن تتحلحل وتضعف داخل الحرس". 2/10/2019

مهمّة قوّة القدس في رؤية الإمام الخامنئي هي إحدى مهام حرس الثورة الإسلامية الثلاث المهمّة والمفصليّة. "تقع مهمّات ثلاث على عاتق الحرس الثوري ينبغي أن يلتفت إليها؛ الأولى، الدفاع المسلّح عن الثورة والنظام الإسلامي وهذه المهمّة المحوريّة لحرس الثورة الإسلاميّة. الثانية، هي تشكيل وتدريب جيش العشرين مليوناً." 20/11/1989
"والمهمّة الثالثة هي نفس ما يُسمّيه حرس الثورة الإسلامية اليوم قوّة القدس أو فيلق القدس، وقد صرّح إمامنا [الخميني] العظيم بأنّ إحدى آماله والمهام التي تندرج ضمن لائحة أعمال الثورة الإسلامية على المستوى العالمي في المستقبل هي تشكيل خلايا حزب الله الشعبيّة في أنحاء العالم. لا شكّ أنّ حرس الثورة الإسلاميّة ستكون لديه مسؤولية في هذا الشّأن.

طبعاً نحن لا نقول بأنّنا سوف نسير بجيوشنا إلى مكان معيّن ونتدخّل في شؤون الآخرين؛ إلّا أنّنا نقول بأنّ القوّة العسكريّة الثوريّة المنظّمة والخبيرة التي تأسست مع انتصار الثورة الإسلاميّة في أوّل بلد [في هذا العالم]، لا شكّ في أنّها مسؤولة حيال خلايا حزب الله المسلّحة في أنحاء العالم." والآن اتّضحت أهمّ "مقتضيات" هذا القرار الاستراتيجيّ في كلام الإمام الخامنئي:
"علينا أن لا ننظر لفيلق القدس كمؤسسة ومنظمة إدارية صرفة بل كمؤسسة إنسانية ذات محفزات إنسانية كبرى ساطعة. إذا تحقّق هذا الأمر فسوف يكتسب عندها تجمع الناس هذا وهذا التكريم والتعظيم الذي أبداه الشعب معنى آخر. طبعاً المباني الفكرية لكافّة قواتنا المسلحة من الجيش والحرس والتعبئة هي الأهداف الإلهية، بلا شك. هذه هي القضية في بلادنا اليوم. المباني الفكرية لكل قواتنا المسلحة هي هذه الأهداف الإلهية السامية. فيلق القدس قوة تنظر لكل مكان وكل الناس بسعة صدر. إنهم مقاتلون بلا حدود. مقاتلون يتواجدون أينما دعتهم الحاجة، ويحفظون كرامة المستضعفين ويدافعون عن المقدسات والحرمات المقدسة إزاء البلايا. لننظر لفيلق القدس بهذه العين، هؤلاء الذين يسارعون بأرواحهم وبكل قدراتهم لمساعدة الشعوب الأخرى والضعفاء في أطراف المنطقة ممن يستطيعون الوصول إليهم، هؤلاء يبعدون ويدفعون أشباح الحرب والإرهاب والدمار عن بلادنا أيضاً. جزء مهم من أمن وطننا العزيز هو حصيلة جهود هؤلاء الشباب المؤمنين الذين عملوا وجاهدوا سنين طويلة تحت قيادة قيادينا الشهيد العزيز، هؤلاء هم صانعو الأمن وقد صنعوا الأمن ووفروه لبلادنا أيضاً. نعم، يهبون لمساعدة فلسطين وغزة وسائر المناطق التي تحتاجهم لكنهم يوفرون الأمن لبلادنا [أيضاً].
 

الهوامش:

  1.  نهج‌البلاغة، الخطبة ۲۷