الكاتب: السيد مجتبى علي الحيدري

في ظل الظروف المفصليّة التي تعيشها إيران والمنطقة يرسم آية الله العظمى السيد علي الخامنئي ومن خلال خطبة صلاة الجمعة في طهران خارطة طريق لمرحلة المواجهة مع أمريكا حيث قال: «مصیر المنطقة یتوقّف على التحرّر من الهیمنة الاستکباریة الأمریکیة وتحریر فلسطین من سیطرة الصهاینة الأجانب».
وخصص وقتاً في الخطبة للحديث باللغة العربية، والملفت فيها كان حديثه عن الضربة الصاروخية الإيرانية لقاعدة عين الأسد التي عبّر عنها بضربة مقابلة أوّلیة صاروخیة سحقت أُبّهة وغطرسة تلك الدولة الظالمة المتکبرة (أمريكا) ویبقى جزاؤها الأساسي هو خروجها من المنطقة.
حديث الانتقام هذا لم يتطرق إليه في الخطبة باللغة الفارسية، وهذا ربما يحمل رسالة مفادها أن العرب أيضاً معنيون بإكمال المهمة خاصة وإنه طالب العالم الإسلامي بفتح صفحة جدیدة عنوانها الثقة بالنفس، واعتبر طریق نجاة الشعوب هو التدبیر والاستقامة وعدم الرهبة من العدو. لكن العرب ليسوا وحدهم في إكمال المهمة بعد تأكيد الإمام الخامنئي في خطبته الفارسية على الدور الاستراتيجي لقوة القدس في مواجهة المشروع الاستكباري والصهيوني بعدما سماهم «مجاهدون بلا حدود». يتواجدون أينما دعتهم الحاجة. وهذا يعني أن ساحات عمل قوة القدس العسكريّة والأمنيّة لم تقتصر على ما هي فيه، وستلعب دوراً أكبر في أي نقطة في العالم إذا اقتضت الضرورة.
أما توقيت خطبة صلاة الجمعة بعد مرور ثمان سنوات من غياب القائد فيها فقد كان من أجل إعادة ملف الانتقام لاغتيال الشهيد قاسم سليماني ورفاقه إلى الواجهة بعد أن تصدّرت عناوين الأخبار نبأ إسقاط الطائرة الأوكراينية ومحاولة الإعلام المدعوم من الغرب نسيان ما فعلته أمريكا من جريمة نكراء.
دكّ القاعدة الأمريكية بضربة صاروخية أولية وصفه قائد الثورة الإسلامية بأنه من أيام الله، وهاجم الولايات المتحدة بشدة لكنه لم يقتصر بالحديث عنها بل تحدث عن بريطانيا وفرنسا وألمانيا باعتبارهم تابعين لأمريكا وفي خدمة مصالحها ولا يمكن الوثوق بهم، ورأى أن الحل هو أن نكون أقوياء.

التركيز في الخطبة الفارسية كان على القوة أما في حديثه باللغة العربية فقد تحدث القائد عن الثقة بالنفس لدى الشعوب وذلك ربما لرفع المعنويات لديها من خلال إرادتها الحرة رغم تفوّق الجانب المادي الغربي في السلاح وغيره، والتحرر من العبودية للغرب بلغة روحانية عالية تهدف إلى إعادة إحياء الضمائر. الإصرار على إحياء القضية الفلسطينية المنسية وسط أزمات المنطقة من قبل الرجل الأول في إيران كان يحمل رسالة واضحة أن فلسطين تبقى غاية الثورات رغم عواصف الأزمات التي باتت تجتاح البلاد الإسلامية.
واحدة من هذه الأزمات هي ما تمر به بلدان المنطقة من فتن كسوريا ولبنان والعراق وأيضا الجهود التي تبذل لبثّ الفرقة بين الشعبين الإيراني والعراقي ليأخذ هذا العنوان مساحة كبيرة في الخطبة العربية للإمام الخامنئي:
"إنّ مساعٍ مغرضةً هائلة بُذلت لخلق نظرةٍ سلبیةٍ بین الشعبین الإیراني والعراقي. لقد أُنفقت أموال ضخمة وجُنّدَ أفرادٌ لا یشعرون بالمسؤولیة في إیران ضدّ الشعب العراقي، والساحة العراقیة شهدت ضخّاً إعلامیاً شیطانیاً ضدّ الشعب الإیراني، غیر أنّ هذه الشهادة الکبرى قد أحبطت کلّ هذه المساعي الشیطانیة والوساوس الخبیثة».
والملفت هو أن القائد قد وضع استهداف القائدين سليماني والمهندس في خانة نصر واحدة لإيران والعراق، وانقلاب المعادلة كان من مآلاتها بعد كل ما كان يحاك من قبل الغرب، وهذا ما حدث بالضبط في أحداث العراق الأخيرة."
أحداث بدأت بمطالب حقة كما قال الإمام الخامنئي مسبقاً لكن سرعان ما دخلت أمريكا وذيولها لحرف المطالب الشعبية، إلا أن استشهاد قادة النصر وامتزاج دمهما وتشييعمها في العراق ثم في إيران غيّر ملامح المشهد العراقي، والكل بانتظار ميليونية ضد أمريكا ستوحّد الصفوف بفضل دماء الشهداء.

خطبة صلاة الجمعة خاصة في شقّها الذي قُرئ بالعربية حظيت باهتمام واسع في الأوساط الإعلامية، لكن الواقع أن الإمام الخامنئي لم يتحدث بالعربية للمرة الأولى في مراسم صلاة الجمعة، إذ سبق أن تحدث مع شباب مصر بالعربية في خطبة الجمعة أيام أحداث الصحوة الإسلامية أو حديثه مع العراقيين في خطبة الجمعة بعد احتلال العراق وغزوه من قبل الولايات المتحدة، إلا أن الخطبة الأخيرة اختلفت بعض الشيء عن سابقاتها. وعلى سبيل المثال، هناك من تدعمه إيران ويتفق معها في الآيديولوجية، ولكن هناك من لا يجمعه مع إيران سوى تقاطع المصالح باستهداف الأجنبي في المنطقة، وهذان صنفان قد وضعهما القائد في خانة واحدة، وذلك يعني تعدد الحراك بينما الاندفاع والغاية واحدة وهو استقلال الشعوب والاتكاء على بعضها وغلق الأبواب أمام الاستكبار لفرض هيمنته وتحقيق مطامعه.
كما وكانت لقائد الثورة الإسلاميّة دعوة صريحة بتوحيد المعسكر والتبادل العلمي والثقافي بين شعوب المنطقة. وهذا يمكن أن نطلق عليه بأن إيران تضع تجارب أربعين عاما في خدمة الصحوات الفتية المنتفضة ضد الاستكبار العالمي.

وفي جملة واحدة: الخطبة عبرت مرحلة الثورة وترنوا إلى حضارة إسلامية جديدة وتعاون أممي على جميع الأصعدة. إذاً خطبة الجمعة كانت بمثابة مهرجان سياسي وديني كبير بمشاركة مئات الآلاف من أبناء العاصمة الإيرانية.
 

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي موقع arabic.khamenei.ir