في الثالث من آذار ألقى قائد الثورة كلمة في مراسم يوم التشجير أورد فيها ملاحظات وبعض التوصيات. وبعد أن وجّه سماحته الشكر للناشطين في المجال الصحي، الأطبّاء، الممرّضين وجميع الناشطين في هذا الشأن اعتبر سماحته أنّ عملهم جهاد في سبيل الله وهذا ما ينطوي على مضمون رفيع للغاية. نرجو أن تقدّموا لنا بعض التوضيحات في هذا الخصوص. 
دقّة الملاحظة التي يتمتّع فيها الإمام الخامنئي في العديد من المواضع جديرة بالتأمّل فعلاً. فسماحته يطرح هذه القضيّة خلال أزمة المرض الذي تفشّى مؤخّراً على أنّها جهاد وهي ملاحظة قيّمة للغاية من الناحية الدينيّة. إذا أردتم التطلّع إلى القضية من هذا المنظار ستلاحظون أنّ الوظائف الموجودة في المجتمع الإسلامي ليست مجرّد وظيفة، بل هي تكليف. وفي بعض الأوقات يصبح هذا التكليف واجباً كفائيّاً وعندما تكون الحاجة طارئة ومستعجلة يصبح واجباً عينيّاً أيضاً. كالأعمال المرتبطة بالتعليم والتربية والأعمال الخدميّة. أو الأعمال التي ترتبط بالجسد والروح. وقضية تقديم الخدمات العظيمة هذه التي نشهدها اليوم ملقاة على عاتق الأطبّاء والممرّضين وبالفعل نحن نشهد هجوماً عرّض حياة العديد من المؤمنين للخطر. بطبيعة الحال هذه الفئة تقف في الخطوط الأماميّة. 
ينقل المرحوم الشيخ الحرّ العاملي رواية في كتاب الجهاد حول مساعدة المؤمنين وقد وردت هذه الرواية في كتاب وسائل الشيعة وكتاب مستدرك الوسائل للمحدّث النوري أيضاً. من كلام لأمير المؤمنين في غرر الحكم ودرر الكلم أنّه قال: «افضل المعروف اغاثة الملهوف»، أي أنّ أرقى أنواع المعروف وعمل الخير هي مساعدة المحتاج. كما توجد رواية عن الإمام الصادق أنّه قال: : «من نفّس کربة المؤمن نفّس اللّه له یوم القیامة». أي إذا رفع أحدهم حاجة أو ألم مؤمن فسوف يزيل الله عزّوجل آلامه في يوم القيامة. وهناك روايات عديدة في هذا الشأن. ما نقصده بهذه الروايات التي وردت في كتاب الجهاد وأولاها عظماؤنا أهميّة خاصّة هو نوعيّة الجهاد وجهاد تقديم الخدمات. والإمام الخامنئي صرّح بهذا الأمر من هذه الناحية. نحن أيضاً نرسل تحيّاتنا للأطبّاء والممرّضين الواقفين في الخطوط الأماميّة والذين عرّضوا حياتهم للخطر من أجل إحياء سائر الأرواح. 

ضمن سياق المقدّمة التي ذكرتموها، يشير الإمام الخامنئي أيضاً إلى هذه النقطة بأن يجب على الناس أن ينظروا إلى التوصيات الطبيّة وتعليمات مسؤولي المجال الصحي فيما يخصّ الوقاية من هذا المرض وتجنّب تفشّيه على أنّها فريضة. 
وهذه أيضاً نقطة لافتة وتدعو للتأمّل، أي أنّه بالإمكان التطلّع إلى القضيّة من زاوية الدّين. عندما يُبدي مختصّ في شأن ما رأيه التخصّصي في التجمّعات، العلاقات والتواصل بين الأفراد، لا ينبغي التطلّع إلى رأيه كمجرّد ملاحظة صحيّة خاصّة بالمؤمنين. فالمجتمعات غير الإيمانيّة أيضاً عليها أن تتطلّع إلى الملاحظات الصحيّة والطبيّة بهذه النظرة، لكن هذه الملاحظة تصبح في المجتمع الإيماني حجّة شرعيّة بسبب ضرورة الحفاظ على الرّوح. لذلك فإنّ مراجع التقليد كانوا يعتبرون أنفسهم مقلّدين للأطبّاء في هذا الشأن. كان الإمام الخميني يعتبر أصغر تعليم طبّي واجباً شرعيّاً. أي إذا قال له طبيبه عليك أن تتناول دوائك في الساعة الفلانيّة، كان يتناول الدواء في تلك الساعة. لعلّ الكثير من أهلنا لا يلتزمون بهذه النقطة بالدقة اللازمة. لكنّ سماحته كان ينظر إلى الأمر من الناحية الشرعيّة. والإمام الخامنئي شخصيّاً ملتزم بالفعل في هذا الخصوص ويراعي التوصيات. على سبيل المثال رأيتم في مراسم يوم التشجير أنّ قائد الثورة الإسلامية كان مرتدياً قفازات في يده ولم تكن مجرّد خطوة رمزيّة بل إنّ سماحته ملتزمٌ بذلك بالفعل. لذلك يصبح هذا الأمر حجّة شرعيّة علينا. كما أنّنا نرجع إلى المراجع في قضيّة التقليد ونعتبر فتاويهم حجّة علينا. لأنّ المرجع مختصّ في هذا العمل. ومن هو غير مختصّ ويرجع إلى المرجع، يصبح واجباً عليه التقيّد بالمسألة الشرعيّة. لذلك يصبح الاهتمام بالشأن الصحي واجباً أيضاً وعلينا أن نهتم بالتقيد بالتعليمات الصحيّة والعمل بتوصيات الأطبّاء من أجل حفظ أرواحنا وأرواح الآخرين وأن نعتبر ذلك حجّة شرعيّة على أنفسنا. 

مناجاة الله، الدعاء والتوسل بأهل البيت (عليهم السلام) ركن مهمّ في توصيات الإمام الخامنئي من أجل تخطّي هذه الأجواء وهذا البلاء. وسماحته ذكر مرات عديدة نقاطاً ومضامين هامّة حول الصحيفة السجاديّة، وهو يعتبر أنّ الصحيفة السجادية ذخر معنويّ ومناجاة عرفانيّة تُعتبر من أعظم المناجات العرفانيّة في المعارف الشيعيّة. إحدى توصيات قائد الثورة الإسلامية كانت تشير إلى هذه النقطة بأن إذا أردنا أن نتخطّى هذه الأجواء المحفوفة بالبلاءات فعلينا أن نقرأ الدعاء السابع من الصحيفة السجاديّة. نطلب من سماحتكم أن تذكروا لنا بعض النقاط حول دور الأمور المعنويّة والعقلانية في خضمّ هذه الأجواء مع التركيز على مضامين هذا الدعاء الشريف. 
  الحقيقة هي أنّ علاقتنا بالله على هيئة الدعاء والتوسل بأولياء الله ومناجاة الله ينبغي أن تكون مستمرّة. لكن في بعض الأحيان تكون البلاءات أشبه بمحفّز ودافع بحيث ينال الإنسان هذا التوفيق الإجباري. أدعية أهل البيت (عليهم السلام) هي للحقّ والإنصاف كنزٌ بحوزتنا. ولن نعرف قيمة هذا الكنز ما لم نقارن أدعية سائر المدارس والمذاهب مع الأدعية الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) من حيث الكمّ والكيف. رحمة الله على آية الله العظمى الشيخ بهجت، فقد كان سماحته يقول أنّ مفاتيح الجنان صيدليّة. أي أنّ هذه الأدعية كلّها فيتامينات وذات خواص متعدّدة لمختلف المواضع. وفيما يخصّ الدعاء السابع من الصحيفة السجادية الذي قال بشأنه الإمام الهادي بأنّنا نقرأ دعاء «یَا مَنْ تُحَلُّ بِهِ عُقَدُ الْمَکارِه...» عند الشدائد والمصاعب. طبعاً لا يقتصر الأمر على هذا الدعاء ولدينا نماذج أخرى. لكن ما أودّ قوله هو أنّ التواصل مع الدعاء ينطوي على قيمة عالية بشكل عام. فالله يستقبل بحفاوة أهل الدعاء والتوسل والذكر والاستغفار. والسبيل الأمثل لبلوغ الاستقرار ودفع البلاء الحالي هو الدعاء. 

الدعاء، التوسّل، الاستغفار، الذكر والصلاة من الأسباب المعنويّة. لكنّ الأسباب المعنويّة لا تحلّ مكان الأسباب الماديّة. فالأنبياء الإلهيّون أيضاً كانوا بحاجة للعلاج وكانوا يلجأون للأسباب العاديّة. لا ينبغي التخلّي عن الأسباب العاديّة. لدينا في الرواية أنّ نبيّاً من الأنبياء مرض، فقال بأنّني لن أعالج نفسي حتّى يشفيني الله. وعندما لم يُشفى بعد مرور فترة من الزمن خاطب الله بأن متى ستشفيني؟ أجابه الله بأنّني وفّرت لك الأسباب بحكمة. ليس الأمر على هذا النحو بأن نظنّ أنّ المجال المادّي والمجال المعنوي كلّ منهما لديه إلهه الخاص. بل إنّ الله حاضرٌ في كلّ مكان ويتولّى كلّ شيئ. لذلك، إضافة لاستفادتكم من الأسباب الماديّة إلّا أنّها لا تحلّ مكان الأسباب المعنويّة. تعجز الأسباب الماديّة أحياناً عن جلب السكينة للإنسان، لكنّ الأسباب المعنويّة تهبه هذا الاطمئنان. هذه هي حدود الاستفادة من الأسباب الماديّة. لأنّ علم البشر محدود. لكنّ الأسباب المعنويّة لا يحدّها شيئ وهي بلا نهاية. 

والدعاء السابع من الصحيفة السجاديّة الذي أشار إليه الإمام الخامنئي ينطوي بالفعل على مضامين توحيديّة. وإذا واظب أحدٌ على قرائته فسوف يجني نتائج جيّدة. علينا أن نسعى لأن نكون من أهل الدعاء. لا أن ننطق بكلمة فقط لتصبح كن فيكون، ليس سليماً هذا التعاطي مع الأمور ولا ينبغي التعاطي بهذا النّحو. عندما يصبح أحد أهلاً للدعاء، فسوف تستقرّ مضامينه في روحه. وستصبح جزءاً من منطقه. وحينها لن يمنعه أيّ طريق مسدود. لأنّه عندما يزول سبب ظاهري في مكان ما فإنّ مسبّب الأسباب موجود. ولدينا أيضاً إضافة للدعاء السابع من الصحيفة السجاديّة حديثٌ عن الإمام الرضا (عليه السلام) يقول فيه أنّني رأيت أبي في المنام فقال يا بنيّ ردّد ذكر يا رؤوف يا رحيم في الشدائد بكثرة . ترديد ذكر الإمام الكاظم (عليه السلام) هذا قيّمٌ جدّاً. رحمة الله على آية الله السيد أحمد الخانساري إذ كان يوصي بقراءة آية الكرسي 5 مرّات يوميّاً. ولدينا رواية أنّ من يقرأ آية الكرسي يحظى بحماية صف من الملائكة، ومن يقرأها مرّتين يحظى بحماية صفّين، ومن يقرأها ثلاث مرّات يحظى بحماية ثلاث صفوف، ومن يقرأها أربع مرّات يحظى بحماية أربع صفوف، لكن في المرّة الخامسة يقول الله عزّوجل لملائكته دعوه، أنا سأحفظه. لذلك كان آية الله السيد أحمد الخانساري يقول أنّ الله سيحفظكم إذا قرأتم آية الكرسي يوميّاً خمس مرّات. 

نظراً لما تفضّلتم به، كيف ينبغي علينا في ظلّ هذه الأجواء الملوّثة أن نطوي هذا الطريق على أساس منطق القرآن ومنطق أهل البيت (عليهم السلام) وبالاستناد إلى أيّ ركيزة نستطيع قطع هذا المسار؟ كما أنّ قائد الثورة الإٍسلامية تحدّث حول هذه القضية في كلمته الأخيرة وتكلّم حول تحويل البلاء إلى نعمة أو حسب التعبير المعاصر تحويل التهديد إلى فرصة. نطلب منكم إنهاء الحوار مع التطرّق إلى هذه النقطة. 
واحدة من مصاديق ذكاء المؤمن هي أن يحوّل التهديدات إلى فرص. البلاء والنعمة ليسا مفهومان مطلقان في ثقافتنا الدينيّة. أي ليس الأمر على هذا النحو بأن يكون شيئ ما بلاء أو نعمة بالنسبة للجميع. بل في بعض الأحيان تصبح النعمة نقمة على من يكفر بها أو لا يستفيد منها بالنحو الصحيح. والعكس صحيح، ليس الأمر على هذا النحو بأن يكون البلاء والصيبة بلاء ومصيبة بالنسبة للجميع. بل إذا استغلّ أحدهم البلاء بشكل صحيح سيصبح هذا البلاء سلّم ارتقاء ونعمة. لقد كانت عاشوراء وحادثة كربلاء بلاء ومصيبة كبيرة بالنسبة للإمام الحسين (عليه السلام). لكنّ هذا البلاء وهذه المصيبة جعل أباعبدالله يبلغ أرقى مراتب القرب. ولم يكن في ذلك نعمة للإمام الحسين (عليه السلام) فقط، بل إنّ أبي عبدالله قام بما يجعل هذه الحادثة وسيلة قرب للبشر حتّى موعد الظهور ويوم القيامة. يمكن التعاطي بهذا النحو مع البلاءات. ظاهر البلاء ألم ومصيبة. لكن يمكن لباطن البلاء أن يكون ضيافة إذا استغلّه المرء بالنحو المطلوب. جاء في الروايات أن هذه هي حكمة البلاءات. 
إحدى فلسفات البلاءات هي كسر وإخضاع الإنسان لله عزّوجل. أن تنكسر الأنا ويتحطّم الصّنم. يقول الرّسول الأكرم (ص) حول هذا الأمر: «لَوْ لَا ثَلَاثَةٌ فِی ابْنِ آدَمَ مَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ شَي‌ءٌ الْمَرَضُ وَ الْمَوْتُ وَ الْفَقْرُ وَ کُلُّهُنَّ فِیهِ وَ إِنَّهُ لَمَعَهُنَّ لَوَثَّابٌ» أي لم يكن أيّ إنسان ليخضع أمام الله لولا وجود المرض، الموت والفقر ولم يكن ليطأطأ رأسه. إفرضوا أن لم يكن في هذا العالم لا فقر ولا مرض ولا موت، وكان الجميع يعيشون الرفاهية والخلود وبصحّة تامّة، من كان سيطأطأ رأسه أمام الله؟ لكنّ الله يُذكّر الناس بعجزهم في بعض الأحيان بهذه الوسيلة. فإذا لجأ أحد إلى الله عزّوجل وسط هذه البلاءات بدل أن يضطرب،  فسوف يكون قد حوّل البلاء إلى نعمة. قد يرحل البعض عن الدنيا إثر هذه البلاءات. لكن في بعض البلاءات كالأمراض المتفشّية، يُحتسب من يرحل عن الدنيا على إثرها شهيدا. لأنّه لم يكن مريضاً لم يمارس الاحتياط ولم يكن الأمر بيده. كما أنّ من يرحل عن الدنيا بالزلزال شهيد. لكنّ أولئك الذين يبقون أحياء قادرون على تحويل هذا التهديد إلى فرصة وقادرون على الارتقاء وتحصين أنفسهم. لم نكن نملك في الحرب أيّ إمكانات لكنّ هذا الأمر أدّى إلى أن نتقدّم في الشؤون العسكريّة. هنا أيضاً قد تتوفّر فرصة.