الكاتب: د. محمود حمدان 

مقدمة: يناقش هذا المقال مفهوم القائد ودوره في التحول والتغيير للمجموعة وتبيين الرؤية للأفراد التابعين له، من خلال مقاربة إدارية وذلك من خلال عرض تعريف القيادة ودورها في التغيير وفق علم الإدارة الحديث، ومن ثم مناقشة مفهوم التحول والتغيير من وجهة نظر الإمام الخامنئي وذلك بالإستناد إلى تحليل خطاباته التي ألقاها في مناسبات مختلفة منذ العام 1995 ولغاية 2016.

القيادة في علم الإدارة الحديث: وفق علم الإدارة الحديث يمكن تعريف القيادة (leadership)  بأنها القيام بالأشياء الصحيحة  فالقائد يركز على تحديد الإتجاه والمسار الذي يجب اتباعه، وتوضيح وتبيين الرؤية وتحقيق التحول للأفراد والتشكيلات والوصول إلى ما هو جديد (Wettung & Cameron, 2016)  ، من جهة أخرى يقول باس  أن دراسة القيادة في هذا العصر تشبه إلى حد كبير دراسة تشكل الحضارات؛ لأن القيادة هي التي تشكل الحضارات، وفي نفس الوقت الحضارة هي التي تشكل القيادة في ذاتها (Avolio، 2002). تعد القيادة ظاهرة جماعية وليست ظاهرة فردية، وبشكل عام على نطاق واسع تعد القيادة مثل عملية التأثير الإجتماعي والتي من خلالها يبذل الأفراد جهدا مشتركاً حتى يتمكنوا من الوصول إلى الهدف الجماعي (A., 2005) 

- القيادة وفق رؤية الإمام الخامنئي دام ظله: منذ العام 1989 يتولى الإمام السيد علي الخامنئي دام ظله قيادة الجمهورية الإسلامية في إيران، ولديه رؤية وتعريف خاص بالتغيير غالبا ما يعبر عنه بالتحول في خطاباته وتوجيهاته خلال اللقاءات الخاصة والخطب العامة، غير أنه يميز بين مفهوم الإرشاد والتوجيه ومفهوم القيادة، حيث يعتبر أن القيادة تعني الهداية العملية، وهي تختلف عن التوجيه والإرشاد حيث أن الإرشاد يعني توجيه العطشان إلى حيث يوجد مصدر الماء. أما القيادة فهي أن تقول لمن يريد الماء لنذهب معاً كي أدلك إلى إلى نبع الماء. فالقائد الذي يرأس المجتمع في الإسلام هو الإمام، والإمامة هي الزعامة الروحية والإرتباط العاطفي والإعتقادي مع الناس (2000) حيث أن القائد يقود الروح والفكر والقلب (2002). فالقيادة لا تقتصر على ابلاغ القرارات والأنظمة والقوانين، بل القيادة تعني قيادة المرؤوسين وهي تعني السند والدعم، وهي تشكل مصداق لمعنى الترابط والوحدة والإتحاد.

التحول كما يراه الإمام الخامنئي دام ظله : يعتبر الإمام الخامنئي دام ظله  أن التحول أبعد من مجرد الإنتقال من شكل إلى آخر، أو تبدّل وتغّير الوضع الموجود. بل هو التحسن والتكامل يوما بعد يوم، فهو تكامل لا ينتهي، ويجب أن يكون الهدف هو التحول بإتجاه التطور والرفعة وهذا ما يسميه الإمام الخامنئي بالتحول الجيد، والذي يقابله في الجهة المقابلة التحول السيء والسلبي الذي يؤدي إلى التخلف.
بناء على هذا التعريف يرى الإمام الخامنئي أنه من الضروري ترك الطريق مفتوحاً أمام الفكر الحر والإبداع والتغيير، غير أن الشرط المطلوب هنا هو أن نعمل على إدارة هذا العمل كي لا يتم تقويض المباني والأسس أو تدمير قواعد الهوية الخاصة بالأمة، وهذا ما يجب على النخب أن تقوم به وهو إدارة التحول الذي يشكل المصداق السليم للتغيير المطلوب مع شرط عدم الإستسلام لأي تحول وعدم قمع التحول والتغيير. 
بحسب رأيه فإن الثورة الإسلامية التي انتصرت في إيران هي نموذج بارز للتحول المطلوب حيث أنها شكلت تحولا عظيما في الأركان السياسية والإقتصادية والثقافية للمجتمع وهي حركة نحو الأمام ومنصة للعبور بالبلد والشعب نحو التطور والإزدهار.
صحيح أن الثورة نفسها هي حركة وتغيير ومضي نحو الأمام، وهي يجب أن تتحقق لكن يجب أن يكون هدفها تحقيق العدالة، وتوفير الحرية، والإرتقاء الفكري والعلمي، وبالنتيجة صقل الشخصية الإنسانية والخروج من حالة الجمود والعقم العلمي والثقافي والإقتصادي. إذ أن التماشي مع "الموضة" وكل ما هو جديد في أساليب الحياة والتفلت ومخالفة الأسس والمبادئ والفوضى الإقتصادية والعقائدية والثقافية هو أمر مرفوض لا يعبر عن التحول المطلوب. 

خصائص التحول المطلوب: إن التحول الإجتماعي والإقتصادي الذي يؤدي إلى التفريق بين الناس وغياب المحبة والتودد بينهم هو أمر مذموم وغير مطلوب. إذ لا يمكن أن نعتبر تعزيز محورية الفرد وإباحة الملذات التي يميل لها الإنسان ويعشقها بشكل مطلق بأنها تتطورٌ مطلوب، كما أن القوة التي تبنى على ظلم الشعوب الأخرى وعلى حساب تقدمها والتطور الذي يكون لحساب طبقة الأثرياء في المجتمع كما حصل في أوروبا هو أمر مرفوض وهذا لا يشكل هدفاً للتحول الذي يشجع عليه سماحة الإمام الخامنئي. 
لا يحقق الإنسان التطور عندما يخسر هويته واستقلاله ونفسه، كما أنه إذا قام بالتقليد وإتباع النموذج الآخر أيضاً لا يتطور، لأن التطور يتحقق من خلال صناعة النموذج، وهذا ما يضمن تحقيق التحول المطلوب الذي يجب أن يقوم على أساس صناعة نموذج خاص والتحرر من التبعية وتقليد العلم والإتجاه نحو الترجمة في الجامعات ونقل العلوم من الطرف الآخر من الحدود دون تعديلها بما يتوافق مع واقع البلد ونقدها بشكل علمي. 
في هذا الإطار يركز سماحته على عدم التقليد العلمي للغرب تحديدا وتجنب التبعية للغربيين، وعلى أن لا تكون الحركة لمجرد الحركة أو تترافق مع تخريب ما نملكه من ميراث فكري وثقافي، ويؤكد على أن التحول الجيد والمطلوب يجب أن يكون بالإتجاه المطلوب والمحدد وفق ما تم التوافق عليه، وعلى أساس تعزيز الثوابت، والحفاظ على القيم. كل ذلك إلى جانب ضرورة توفر خطة وخارطة طريق واضحة مع وجود مؤشرات واضحة وقابلة للقياس تشكل أداة من أجل التقييم ومعرفة نقاط الضعف والقوة، كما تساعد على معرفة حجم ما تم إنجازه بشكل واضح، وذلك في ظل توفر نظرة شاملة تأخذ بعين الإعتبار كل المشهد ولا تكتفي بالتركيز على قسم من الصورة بل تركز على كافة العناصر والأبعاد.

إدارة التحول: يعتبر الإمام الخامنئيدام ظله  أنه لا بد من إدارة التحول، لذا يؤكد على ضرورة عدم الخوف من التحول والتغيير، بل العمل على إدارة هذا التحول الذي يجب أن يكون في الإتجاه الصحيح الذي هو عبارة عن ذلك الإتجاه الذي تحدده المؤشرات والمبادئ التي يجب أن تكون مبادئ صحيحة بحيث تؤدي دور الإشارات التي تنظم وتوجه حركة السير في الطرقات. فنحن في مسار التحول والتغيير المتعرج والمليء بالمنعطفات نحتاج إلى تلك الإشارات كي لا نضل وننحرف عن المسار الصحيح. وهذا يعني أنه يجب تحديد المبادئ الذي ينصح الإمام الخامنئي بأخذها عن قائد آخر وهو الإمام الخميني قدس سره حيث يمكننا مراجعة خطاباته وتوصياته واستخلاص المبادئ منها.  
المسألة الثانية في إدارة التحول بعد تحديد الإتجاه هي تجنب الفوضى والوقوع في "الهرج والمرج"، أي السير وفق خطة واضحة ومسار واضح ومن ثم العمل على إدارة أنفسنا ومن يعمل ضمن اشرافنا وذلك بذكاء وتعقل حتى يتحقق الهدف لأن التغيير إذا تمّت إدارته بفكر صحيح فسوف يقودنا نحو السمو والتمايز، وهذا ما يمكننا من تجاوز كل المخاطر وتجنب الوقوع في المنحدرات. لأن ليس كل السبل التي تؤدي إلى الأمام موضع ثقة بل بعضها غير موثوق ومحفوف بالمخاطر وتحيط به أودية ومخاطر.
أهداف التحول: إن التحول الذي يتحدث عنه الإمام الخامنئي دام ظله يهدف إلى تحقيق مجموعة من الأهداف والغايات التي يمكن الإشارة إلى أبرزها وهي:
-    تجقيق التطوير والتمايز: وذلك من خلال صناعة النموذج الخاص والتفوق على الآخرين
-    بناء نظام سالم وكامل لا يكون فيه نقص ولا عيب ولاخلل
-    الحفاظ على حالة مستمرة من التقدم والتغيير دون توقف  
-    أن لا يقف التغيير عند حد بل يكون دائم ومستمر
-    أن يكون الإصلاح المستمر جزءاً أساسياً من مهامنا الدائم

هكذا يعتبر الإمام الخامنئي أن التحول والتغيير أمر محتوم وسوف يحصل، بل هو واجب لأنه سبباً لضمان حياة المجموعة، ويجب الترحيب به. إن كل بلد أو مجموعة لا تتحول سيكون مصيرها الهزيمة والدمار. في المقابل لا بد من تجنب التحجر والسكون والركود لأن ذلك يؤدي إلى الموت والإنحطاط. لذا لا بد من التحرك ولكن بالإتجاه الصحيح.  

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي موقع arabic.khamenei.ir