ثبات الأئمّة في وجه حركات الفساد تلك أدّى إلى أن نتمكّن نحن اليوم من العثور على الإسلام الحقيقي. باستطاعة الأجيال المسلمة والأجيال البشريّة اليوم العثور في الكتب على شيء اسمه الإسلام، اسمه القرآن، اسمه السنّة النبويّة، بغضّ النظر عن كتب الشيعة وحتّى كتب أهل السنّة. لو لم تكن حركة الأئمّة (عليهم السّلام) النّضاليّة المصحوبة بالعزم الرّاسخ هذه التي استمرّت مئتين وخمسين عاماً، إعلموا أن الكتّاب المأجورين والخطباء المأجورين في مرحلتي بني أميّة وبني العبّاس كانوا سيغيّرون الإسلام ويغيّرونه تدريجيّاً حتّى محو كلّ أثر للإسلام بعد مرور قرن أو قرنين؛ حتى لا يبقى أي أثر للقرآن، أو يبقى قرآن محرّف. هذه الأعلام الشّامخة، هذه المشاعل المضيئة، هذه المنارات العالية التي ثبتت في تاريخ الإسلام وجعلت شعاع الإسلام يشعّ بشكل جعل كلّ المحرّفين والذين كانوا يسعون في سبيل قلب الحقائق يعجزون عن الحصول على تلك الظّلمة. لقد كان تلامذة الأئمة من كافة الفرق الإسلاميّة، لم يكونوا مختصّين بالشّيعة؛ من الذين يعتقدون بالإمامة الشيعيّة، لقد كان كثيرين من تلامذة الأئمّة؛ كانوا يتعلّمون التفسير والقرآن والحديث والسنّة النبويّة من الأئمّة. هذه المقاومة هي الّتي حفظت الإسلام حتّى يومنا هذا. خطبة الإمام الخامنئي في صلاة الجمعة؛ 12/4/1985
الغاية من كفاح الأئمة (عليهم السّلام) على مدى الأزمنة هي حاكميّة الإسلام في المجتمع
إحدى الأطر الأخرى في حياة الأئمة هي حياة الأئمة (عليهم السّلام) السياسيّة؛ هذا موضوع في غاية الأهميّة يجب تبيينه وإيضاحه. عندها يتبيّن لنا أي حقيقة هي حياة موسى بن جعفر أو سائر الأئمة (عليهم السّلام) ما زالت مبهمة وغامضة وغير معروفة إلى يومنا هذا. الأئمة (عليهم السّلام) وبعد أن شعروا بأنّ هدف الرسول الأكرم لم يتحقّق في بيئة الإمامة وبيئة أهل البيت، أي "يزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة" (١)، بعد أن رأوا أنّ تأسيس نظام إسلامي، تأسيس عالم إسلامي مبني على ما كان يرمي إليه الأنبياء بات منسيّاً بشكل كامل بعد مرحلة الصدر الأول وحلّت السلطنة محلّ النبوّة والإمامة، عاد الأكاسرة والقياصرة والمتجبرون والاسكندريون وسائر مشاهير الغطرسة والظلم على مدى التاريخ بلباس الخلافة وباسم سلسلة بني أميّة وبني العبّاس وتمّ تفسير القرآن وفق مراد سلاطنة الملك والسلطة وباتت أذهان النّاس مسيّرة لأساليب وأفعال الخونة من العلماء الذين كانت قلوبهم تطمع بما يوجد لدى أرباب الحكم من مغريات ماديّة، تمّ تأسيس خطّة شاملة في حياة الأئمّة.
نحن اليوم نسعى لتحقيق الغاية ذاتها التي ناضل وكافح الأئمة (عليهم السلام) من أجلها واستشهدوا في سبيلها. لقد كانت الغاية من كفاح ونضال الأئمة (عليهم السّلام) على مدى الأزمنة بسط حاكميّة الإسلام في المجتمع. لم يتم بلوغ هذه الغاية طوال التاريخ الإسلامي منذ الصدر الأوّل وحتّى اليوم. أي أنّه لم يتم في أي مكان من العالم وفي أي مرحلة من مراحل التاريخ الإسلامي بعد صدر الإسلام تحقيق ذاك المجتمع الذي يكون منشؤه ومبدؤه الأحكام والقوانين والمناسبات الاجتماعيّة ومقررات الحياة التي حددها القرآن الكريم والتعاليم الإسلامية ويسعى لتطبيق الإسلام، وقد كان الأئمّة يكافحون من أجل هذه الغاية. لقد تمكّنا اليوم من تشكيل هيكل هذا المجتمع. لا شكّ في وجود طريق طويل حتّى يحتوي هذا الهيكل الشامل على خصائص وتفاصيل المجتمع الإسلامي؛ لكن ما هو مهم تأسيس مجتمع ونظام بهذه الخائص وهذا الإطار في العالم؛ هذا الفخر يعود إليكم، أنتم الشّعب الإيراني. إذاً لنتمكّن من معرفة قدر هذه النعمة ولتسير حركتنا في الاتجاه الصحيح، يجب علينا أن نعرف أيّ جهاد كان من أجل بلوغ هذا الهدف على مدى التاريخ، أي نفوس طيّبة كانت قرباناً له، أي مساع حثيثة بُذلت من أجله، وإحدى هذه المساعي هي مساعي الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) التي استمرّت خمس وثلاثين عاماً. خمسة وثلاثين عاماً من الكفاح، الجهاد، السّجن، النّفي مرّات عديدة، العيش في بيئة مرعبة، جمع الأصحاب بصعوبة، نشر الأحكام الإلهيّة في ظل ضغوط جهاز الحكم الخانقة والعيش في ظلّ هذه الظروف. هذه خاصيّة من خصائص حياة موسى بن جعفر.
خطبة الإمام الخامنئي في صلاة الجمعة؛ 12/4/1985