بسم الله الرحمن الرحیم
کما هو دائماً، جعلتم أیها الأصدقاء الشعراء الأعزاء لیلة العید هذه أکثر عیداً و حلاوة، فوفقتم إن شاء الله. القصائد التی قرئت کانت فی الغالب قصائد جیدة، و بعضها کان ذا نقاط ممیزة. نتمنی إن شاء الله أن تتقدم قافلة الشعر فی بلادنا، و خصوصاً شعر «الغزل» بسرعة و دقة و اتجاه صحیح، و یستطیع بلدنا العزیز و اللغة الفارسیة بفضل أشعارکم أن یهدی للحضارة العالمیة و الثقافة العالمیة و خصوصاً ثقافة المنطقة هدیة قیّمة مرة أخری.
أذکر هنا نقطتین أو ثلاثاً. إحدی النقاط هی أن الشعر تقدم فی بلادنا بشکل جید، و لکن ثمة نقطة أساسیة هی أن الشعر یجب أن یکون فی خدمة القیم. لا أنکر أن الشعر مرآة لمشاعر الشاعر، و من حق الشاعر أن یصبّ أحاسیسه الشاعریة و إدراکاته الشاعریة فی قالب الشعر الذی منّ الله بقریحته علیه، و یعرضه، هذا ما أوافقه تماماً، لکن الشعر کفنّ سام و فن أعلی و أسمی و کنعمة إلهیة کبیرة له مسؤولیته و علیه واجبه. ما عدا التعبیر عن المشاعر، للشعر مسؤولیته. و اعتقد أن تلک المسؤولیة هی أن یکون الشعر فی خدمة الدین و الثورة و الأخلاق و المعنویة. إذا نهض الشعر بهذه المسؤولیة یکون الحق قد تحقق. أی إنه تمّ إنجاز عمل حق و عادل. علی شعرائنا أن یتجهوا بهذا الاتجاه و یوجدوا مضامینهم و یبذلوا مساعیهم و یفجّروا أذواقهم و قرائحهم فی هذا الاتجاه. طبعاً فی الوقت الحاضر و خصوصاً فی هذا المحفل لیست هذه الأحوال بقلیلة و الحمد لله، لکننی أصرّ علی ضرورة أن یشعر المرء بهذا الشیء بنحو أوضح فی مجمل المسیرة الشعریة للبلاد.
لاحظوا، یجب تشخیص واجب الشعر کفن، و واجب الشاعر کفنان حیال الخلقة، و حیال الله تعالی، و إزاء الالتزام الإسلامی و الثوری، کما یجب أداء هذا الواجب و النهوض به. و هذا الواجب هو دفع عباد الله نحو الله، و رفع مستوی الأخلاق و المعرفة فی المجتمع. طبعاً للشعر واجبات أخری، لکن هذا هو الأساس. یجب أن یستطیع الشعر أن یخدم معرفة الناس، و دینهم، و أخلاقهم، و الحرکة الثوریة لشعبنا و هی ظاهرة جد قیّمة و نادرة. هذه أمور ینبغی ملاحظتها فی الشعر.
أنا طبعاً أشدّد علی شعر «الغزل»، و لا أقول لا تنظموا «القصائد»، و لا أقصد أن «القصیدة» أو «القطعة» لیست قوالب شعریة مقبولة، بلی هی مقبولة، و لکن حیث أن قالب الغزل أکثر قوالب الشعر تأثیراً، لذا فالأفضل لهذه المفاهیم التی نروم نشرها فی المجتمع بواسطة الشعر أن نصوغها فی قالب الغزل. و قد یقول قائل إننا إذا سردنا مکارم الأخلاق من أول الغزل إلی آخره فأی غزل سیکون هذا؟ و أین ستذهب مشاعرنا إذن؟ أنا لا أقول إن علیکم أن تحذوا حذو بیدل مثلاً فتتحدثوا بالعرفانیات من أول الغزل الذی لا یزید عن عشرة أبیات أو إثنی عشر بیتاً إلی آخره، أو تنظموا علی غرار الشعر الأخلاقی لصائب التبریزی فتملأوا کل مصاریع و أبیات غزل ذی عشرة أبیات أو ثمانیة أبیات بالمفاهیم الأخلاقیة، و بالطبع لیس هذا بالفعل الیسیر السهل الذی یقدر کل شخص علیه، بل أقول إنکم إذا خصصتم بیتاً واحداً فی غزل من سبعة أو ثمانیة أبیات لمضمون ثوری أو أخلاقی أو معرفی، سیکون هذا الغزل غزلاً ثوریاً، و سیکون هذا الغزل غزلاً أخلاقیاً یترک تأثیراته. لنفترض أن معلم الریاضیات یتحدث أثناء درس الریاضیات بکلمة واحدة عن التوحید أو الخلقة أو عصمة الأنبیاء، أظن أن تأثیر هذا قد یکون أحیاناً أکثر من ساعة کاملة من دروس معلم التعلیمات الدینیة. و الذی أطلبه هو هذه الأبیات الفریدة فی غزلیاتکم. انظموا غزلکم، و افرغوا فیه کل أحاسیسکم و عواطفکم و ما لدیکم من عشق و وجد، و لکن خصصوا فی هذا الغزل ذی السبعة أو الثمانیة أبیات بیتین للمضامین الإسلامیة و الثوریة و الأخلاقیة الأصیلة. هذه نقطة و هی نقطة مهمة.
نقطة أخری هی أن الغزل فی الحقیقة یعتمد علی ثلاثة أرکان: اللفظ و المضمون و الإحساس. و یجب أن لا یضعف أی واحد من هذه الأرکان الثلاثة. الیوم حیث قرأ السادة و السیدات شعراً غزلیاً لاحظت أن الألفاظ أیضاً قد تحسّنت لحسن الحظ. بعض الأشعار التی ینظمها الشباب لیس لها من حیث اللفظ القوة و الجاذبیة اللازمة. أحیاناً تخطر فی بالهم مضامین جیدة لکن اللفظ قد یکون أساساً خطأ من حیث قواعد اللغة، أی إنه لیس غیر ممتاز و غیر راق و حسب، بل و خطأ.. یجب أن یکون هنالک فعل و لم یکن، أو جاء فعل فی غیر موضعه، أو یجب أن یتطابق الفعل مع حالاته المشابهة له و لا یتطابق. أحیاناً توجد مؤاخذات من هذا النوع. ینبغی أن تحاولوا أن یکون الغزل - الشعر عموماً، و موضوع بحثنا الآن هو الغزل - صحیحاً و متیناً و منظم المفردات من حیث اللفظ، أی یکون قویاً محکماً، و یکون فیه لطف و جمال أیضاً، فهو فن بالتالی.. هذا هو فن الشعر. هذا بخصوص اللفظ.
و المضمون قضية مهمة أخری. نعتقد أن المضامین لا تنتهی أبداً. و کما قال صائب التبریزی:
یمکن التحدّث عمراً بأکمله عن جدائل الحبیب
فلا یحزنک أن لم یبق مضمون تقوله
و الحق أن المضامین لا تنتهی، لأن ذهن البشر لا ینتهی. نحن نصاب بالکسل، و نلتصق بالمضامین التی قالها الآخرون و نکررها، لکن المضامین لا تنفد حقاً. أحیاناً یلاحظ المرء مضامین بکراً و غیر مسبوقة أبداً فی أشعار الشباب، و هذا شیء له قیمة. إذن، ینبغی النظر للمضمون بجدّ، أی ینبغی أن تسعوا لصناعة المضامین و صیاغتها، و العثور علیها علی حدّ تعبیر القدماء. یمکن استقاء المضامین من متن الحیاة. کانت ثمة أشیاء فی الماضی، مثلاً کانت هناک الشموع، و الیوم توجد البروجکترات. و قد جعلوا الشمعة محوراً لمئات المضامین، و یمکنکم بالتأمل و التفکیر أن تجعلوا مصابیح الکهرباء و البروجکترات محوراً لمضامینکم. أی إن صناعة المضامین و خلقها یفهم بالنظر للحیاة المحیطة بالشاعر. و طبعاً للمطالعة الداخلیة و الانبثاق الداخلی و الولادات الذهنیة دور جد مهم.
و هناك أیضاً المشاعر و الأحاسیس. المشاعر مهمة جداً فی الغزل، و یسمونها العشق، لکنها لیست دوماً من العشق، إنها أحیاناً العشق و أحیاناً ضد العشق. الغضب مثلاً هو بالتالی من المشاعر. لیس الغزل ممکناً من دون مشاعر. راعوا هذه الأمور الثلاثة. و لتکن المفاهیم - کما ذکرنا - فی خدمة هذه العناصر الثلاثة الأصلیة، أی الثورة و الأخلاق و المعرفة.
هناک قضایا مهمة فی بلادنا یمکن للشعر أن یستفید منها و یعمل علی خدمتها. و هی لیست بالمفاهیم الشخصیة بل هی مفاهیم وطنیة. مثلاً یفرضون علینا الیوم ظلماً نوویاً کبیراً. صحیح إنهم لا یمارسون ضدنا مذابح جماعیة کما فی بورما، و أیدیهم قصیرة طبعاً، و لو أمکنهم ذلک لفعلوه، لکنهم لا یستطیعون، إلا أنهم یفعلون ما یقدرون علیه من ظلم ضد هذا الشعب و هذا البلد. هذا موضوع مهم بالتالی. أو خذ إلیک مثلاً أنهم یقتلون علماءنا.. هذه لیست بالظاهرة الصغیرة، بل هی ظاهرة مهمة. یریدون اغتیال هذه الشخصیات، فهم إرهابیون. حین یقصد الإرهابیون العلماء فإن القضیة تتجاوز مجرد الاغتیال و تتحول إلی قضیة جبهات متقابلة و عداء للعلم و للنمو العلمی فی البلاد و لتخریج علماء فی هذه البلاد.. هنا تکتسب القضیة أبعاداً أوسع. إذن، هذه قضیة وطنیة کبیرة، و یجب أن تجد هذه الأمور انعکاساتها فی الشعر. کما یخطر ببالکم أن تنظموا الشعر لبورما مثلاً، أو لمصر، أو للصحوة الإسلامیة، أو لفلسطین، أو لحرب الثلاثة و ثلاثین یوماً - و أنتم تنظمون و هذا جید و ضروری - فإن القضایا القائمة فی بلادکم بدورها قضایا لا یمکنکم غضّ الطرف عنها، و یجب أن تدخل إلی عالم الشعر.
ثمة أناس لا یهتمون إطلاقاً لشؤون البلاد و قضایاها. رأیت أناساً یدّعون حبّ الوطن و عشق هذا التراب و الماء لکنهم لا یأبهون لقضایا هذا التراب. کانت فی هذا البلد حرب لمدة ثمانیة أعوام، و لم تکن الجمهوریة الإسلامیة هی التی شنت هذه الحرب، إنما فرضت علیها. طیب، الذین یعارضون الجمهوریة الإسلامیة ماذا کان یجب أن یکون موقفهم فی هذه الحرب؟ ماذا کان یجب أن یفعلوا؟ الحکومة حکومة الجمهوریة الإسلامیة، لکن الشعب شعب إیران، إنها مدن دزفول و خرمشهر و طهران، فلماذا بقوا لاأبالیین تجاهها؟ لماذا بقی شعراء معروفون، و فنانون معروفون، و کتاب روایة معروفون، و کتاب مقالات معروفون، و مثقفون معروفون غیر مبالین تجاه هذه القضیة؟ ألا یعتبر عدم الاکتراث هذا عیباً؟ إنه أکبر عیب. إیران هی نفسها إیران.. ألم یهاجم العدو هذا البلد؟ لیس لدیهم أیة حجة فی ذلک. أقصی ما یستطیعون أن یقولوه دفاعاً عن أنفسهم هو أن یقولوا إننا لسنا علی وفاق مع الجمهوریة الإسلامیة، و هذه العصبیة منعتنا من أن نقول کلمة واحدة عن إیران و عن طهران و عن خرمشهر و عن شباب هذا البلد فی أشعارنا و نثرنا و روایاتنا. و هذا الدفاع نفسه - و هو أقصی ما یستطیعون قوله - أکبر عار علیهم أن یسود مثل هذا التعصب أذهان و أرواح و أقلام و قلوب جماعة من الناس.
و كذا الحال الیوم.. ترون الیوم أن جبهة الاستکبار تقف بکل کیانها و بکل قدراتها و بکل قوتها الإعلامیة و بکل إمکانیاتها التنظیمیة السیاسیة مقابل شعب إیران، و تعمل ما تعمل - أما مقدار ما تؤثر أعمالهم هذه أو لا تؤثر فهذا بحث آخر - و العدو بالتالی یمارس خبثه و لا یقصّر فی ذلک، و یشفی غلیل روحه القذرة الخبیثة الملعونة بمواجهته للشعب الإیرانی و لبلد إیران. و هنا أیضاً تقف الصدور دروعاً فی مواجهته و تستقیم و تقاوم و تدافع. و هذا بالتالی حدث وطنی، فهل یمکنکم نسیان الحدث الوطنی؟ هذه أمور یجب أن تنعکس فی الشعر. و أکرّر إننی لا أصرّ علی أن تنظموا قصیدة من خمسین بیتاً فی هذه القضیة، لا، انظموا غزلاً من سبعة أو ثمانیة أبیات یعبر فیه بیت أو بیتان أو لمحة فیه عن هذه القضیة. هذه أمور لازمة. ینبغی فی المواجهة بین الحق و الباطل أن یکون للإنسان موقفه بالتالی، و لا یمکن البقاء بدون موقف.
و القضية الأخلاقیة أیضاً علی هذا الغرار. الالتزام و العبثیة قضیة بحد ذاتها. البعض لأنهم أصحاب موقف سلبی من الالتزام الثوری و الدینی یدعون للعبثیة و العدمیة و أهمال القضایا المهمة، و الحال أن ما یرفضونه هو الالتزام بالدین و الثورة و الأخلاق، و لیس الالتزام للأجنبی. الآن سمعنا فی شعر السید أمیری هذه النقطة. إنهم لا یرفضون أبداً الالتزام للأجنبی و إرادته، بل یلتزمون بها. إذن ثمة هناک الالتزام لکنه التزام للعدو و للأجنبی! و کأن الالتزام للدین و الأخلاق و المعرفة و قضایا البلاد و الثورة شیء سلبی یجب أن یفرّوا منه، لذلک یمیلون نحو العبثیة و یدعون إلیها. یجب أن یکون للمرء موقفه حیال هذا الوضع، و ینبغی مواجهة التهدیدات التی یتعرض لها الدین و الثقافة و الأخلاق فی المجتمع.
و أذکر نقطة أخری. لینتبه شعراؤنا الشباب - و أتمنی أن یحفظکم الله جمیعاً، و أنا أدعو لکم حقاً أن تتثبّت أقدامکم علی الصراط المستقیم و تواصلوا المسیر علیه - من أن تجتذبهم الأقطاب السلبیة و الأقطاب المضرة. مثل هذه المساعی تبذل الآن. بعض هؤلاء العبثیین الذین لا یستسیغون الالتزام الثوری و الدینی و الوطنی - و الذین لا ینزعجون بنفس المقدار، و لا حتی بأقل منه بکثیر، من الالتزام لأعداء الثورة و البلاد، بل و یمیلون إلیهم ! - قد یلوّحون ببعض الإغراءات. طالعت غزلاً جمیلاً للسید فاضل (1) العزیز:
یأخذونک من الحدیقة لیزیّنوک بالمصابیح
و لیجعلوک صنوبر أعیاد الشتاء
بارك اللهُ ! و قد قرأتُها الآن «یأخذونک»، و ربما قرأها البعض «یقطعونک»، و لکن إذا قرئت «یقطعونک» تحتاج إلی کلمة «حتی»: یقطعونک من الحدیقة حتی یزیّنوک بالمصابیح. أما إذا کانت «یأخذونک» فلا تحتاج إلی «حتی»، مثلاً یأخذونه یجعلونه عریساً أو یأخذونها یجعلونها عریسة. و لهذا قرأتُها «یأخذونک».
یأخذونک من الحدیقة لیزیّنوک بالمصابیح
و لیجعلوک صنوبر أعیاد الشتاء
و مضمون بيت آخر فی الغزل هو: یوسف.. لا تفرح بخروجک من البئر، فهم یأخذونک هذه المرة لیحبسوک.
علی کل حال دققوا فی المحافظة علی الخطوط و الحدود و المقادیر. إنکم جبهة کبیرة تدافعون عن الحق و المعنویة. إنکم تجاهدون من أجل الحق و المعنویة، و تنفقون أرصدتکم الفنیة من أجلهما. و بعضکم یقول إننا علی استعداد لبذل أرصدة أرواحنا فی هذا السبیل. دققوا و لاحظوا أن الصمود و الاستقامة فی هذه الجبهة أمر مهم جداً، و سوف تؤتی الاستقامة أکلها إن شاء الله. نتمنی أن یحفظکم الله تعالی جمیعاً.
و السلام علیکم و رحمة الله و برکاته.

الهوامش:
1 - الشاعر فاضل نظری.