بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبيّنا و حبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمّد، و على آله الطيبين الطاهرين المنتجبين المعصومين، سيما بقية الله في الأرضين. السلام على الصديقة الطاهرة فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليها و على أبيها و بعلها و بنيها).

أسلم و أبارك لکل الإخوة و الأخوات الأعزاء الحاضرين في هذا المحفل المتحمّس المفعم بالدفء، و أشکر الله من أعماق القلب أنْ منّ بفرصة و أعطى مهلة لألتقي بکم يا أهالي مشهد الأعزاء و الزوّار المحترمين القادمين من أرجاء البلاد إلى جوار المرقد الملکوتي لسيدنا أبي الحسن الرضا (عليه آلاف التحية و السلام)، و أتحدّث لکم حول القضايا الجارية المهمة في البلاد. نسأل الله تعالى أن يهدي قلوبنا و ألسنتنا و يُجري على قلوبنا و ألسنتنا ما يُرضيه. إنه لتوفيق کبير أن تتوفر لنا کل عام هذه الفرصة بجانب الأفراح و الجماليات التي تکتنفها الطبيعة في النوروز، و نکون بينکم في مثل هذا اليوم، و نلقي نظرة على قضايا البلاد، و نقيّم الوضع الراهن و ننظر للماضي و المستقبل، و ندرس بنظرة إجمالية أوضاعنا و حساباتنا بالأبعاد الوطنية العامة و نحسبها. إنها محاسبة للنفس الوطنية أو محاسبة للنفس العامة. کما أن محاسبة النفس ضرورية لنا في القضايا الشخصية، حيث قال: «حاسبوا أنفسکم قبل أن تحاسبوا» (1).. و يجب أن تکون لنا محاسبتنا لأعمالنا و تصرفاتنا الشخصية، کذلك المحاسبة الوطنية عملية مهمة و قيّمة.. فلنحاسب أنفسنا و لننظر لأنفسنا، و لنعيد النظر و التأمّل في ما وقع لنا و نستلهم منه الدروس و العبر فنستفيد منها للمستقبل.

ليتنبّه الإخوة و الأخوات الأعزاء إلى إننا - نحن الشعب الإيراني - لسنا وحدنا من ننظر لأنفسنا و قضايانا و نقيّمها و نحکم عليها، إنما هناك أشخاص آخرون يدرسون أعمالنا و ينظرون لها و يصدرون الأحکام و الآراء حول قضايانا و أعمالنا و خطواتنا. ثمة شعوب تستفيد من تجاربنا، و هناك آخرون يدرسون أوضاع الشعب الإيراني، فيفرحون لتقدّمنا و يبتهجون لنجاحاتنا، و إذا أحرزنا انتصاراً شعروا هم أيضاً بالانتصار، و إذا کانت في أمورنا مرارات شعروا هم أيضاً بالمرارة. ثمة آخرون في العالم يرصدون أعمالنا و أمورنا تحت المجهر، و هم على العکس من الفريق الأول يفرحون لزلّاتنا و يشعرون بالضيق لنجاحاتنا، فهم يُبطنون و يريدون السوء للشعب الإيراني.. و هم أيضاً يرصدون أفعالنا. و هؤلاء غالباً هم من کان کل شيء في البلاد تحت تصرّفهم طوال أعوام متمادية، و کانوا مسلطين على کل مقدّرات البلد، فجاءت الثورة و قصّرت أيديهم، لذا فهم يخاصمون الثورة و يعادون الجماهير الثورية، و يخاصمون الحکومة الثورية، و يعادون النظام الثوري. و عليه، فنحن تحت أنظار مجتمع کبير من أفراد البشر ينظرون لأعمالنا و سلوکياتنا و يقيمونها و يدرسونها.

و عليه، حين ننظر لأدائنا و برامجنا في الماضي و المستقبل، يجب أن تکون نظرتنا واقعية، و ينبغي أن يکون تقييمنا تقييماً صحيحاً. بعض أبناء شعبنا حين ينظرون لأوضاع البلاد لا يرون إلّا نقاط الضعف، فهم يرون الغلاء و انخفاض الإنتاج في بعض الوحدات الإنتاجية، و ضغوط الأعداء. هذه نظرة ناقصة. و لديّ نظرة مختلفة. حين أنظر لأوضاع البلاد و الشعب، أشاهد ساحة هائلة مليئة بالتحدّيات يظهر فيها الشعب الإيراني شامخاً منتصراً على الرغم من الأعداء.

هناك نقاط ضعف و هناك مشکلات، و ثمة في مجموعة أحداث البلاد و وقائعها مرارات و آلام، و لکن ثمة أشخاص من أقوياء العالم المادي حاولوا بکل ما لديهم من قوةٍ شلّ الشعب الإيراني، و ذکروا هذا بألسنتهم. تلك السيدة غير الکفوءة التي کانت تتولى مسؤولية السياسة الخارجية الأمريکية وقفت و قالت نريد فرض حظر على الجمهورية الإيرانية يشلّها! ذکروا هذا بألسنتهم صراحة. و سوف أذکر ماذا کانت أنشطتهم و أعمالهم، و ماذا حصل، و إلى أين آلت. و بالتالي هناك من ناحية مساعي العدو في هذه الساحة الکبيرة التي يتحدّى فيها الشعب الإيراني الأعداء و يجابههم، و هناك من جانب آخر مکاسب کبرى تدلّ على الإمکانيات و القدرات و الذکاء العالي لهذا الشعب العظيم. حين يُلاحظ المرءُ هذا المشهد يجده يشبه ساحة منازلة رياضيين أقوياء، فيها المشاق و المساعي و الجهود و التعب، لکن البطل في هذه الساحة يستطيع أن يفوز، و يثني عليه الجميع، و يبارکون له. و هذا البطل في هذه الساحة العظيمة التي تتراءى أمامنا هو الشعب الإيراني. کل من ينظر لهذه الساحة بدقة و يدرسها بطريقة صائبة يثني على شعب إيران. و نحن اليوم نسمع أصوات ثناء الواعين الدقيقين في العالم، ففي نفس هذه البلدان التي تعادي شعب إيران و تخاصمه، هناك نخب سياسية و جامعية، و أشخاص واعون عارفون بأوضاع العالم، و أصحاب تجارب يرصدون الأحداث و الأمور، و يثنون على الشعب الإيراني. هذا مشهد يتراءى أمام أنظارنا. إذن، النظر لنقاط الضعف فقط عملية خاطئة. يجب النظر کيف تجري مجموعة هذه الأحداث و الجهود على مستوى البلاد و إلى أين ستؤول. حين ننظر للساحة من هذه الزاویة، يجب الثناء على إيران و الإيراني المسلم.

ذکرنا أن البعض يُحزنهم و يزعجهم تقدم الشعب الإيراني. فمن هم هؤلاء؟ هذا ما سأذکره لاحقاً. الأعداء الذين لا يرغبون أن يروا تقدم الشعب الإيراني و رقيه و نموه الشامل، يوجد في مخططاتهم جانبان أساسيان: الجانب الأول هو أن يخلقوا العقبات و الموانع ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، حتى لا يحقق الشعب هذه الحالات من التقدم و النمو. يفعلون ذلك بفرض الحظر، و التهديد، و إشغال المدراء بالأمور الفرعية الثانوية، و بصرف اهتمام الشعب الإيراني الکبير و النخبة في البلاد نحو ممارسات لا تعدّ ضمن لائحة الأمور الأصلية المهمة. أي إنهم يمارسون العرقلة العملية.

و الجانب الثاني هو أن ينکروا حالات التقدم في إعلامهم و يعتّموا عليها. تعمل حالياً شبکة إعلامية هائلة جداً لها الآلآف من وسائل الإعلام المتنوّعة المنتشرة في العالم، لتثبت أنه لا يوجد لدى الشعب الإيراني و في بلد إيران أي تقدّم.. ينکرون انتصارات الشعب الإيراني، و إذا کانت ثمة نقاط ضعف يضخّمونها و يکبّرونها في أنظار الجميع، لکنهم يخفون عن الأنظار نقاط القوة و التدفق الداخلي الذي یعبّر عن نفسه في کل أنحاء البلاد و في کل رکن منه أمام أعين المنصفين.

يتحدّث رئيس جمهورية أمريکا في کلمة رسمية له عن المشکلات الاقتصادية في إيران، و کأنه يتحدّث عن انتصاراته، و يقول: نعم، انخفضت في إيران قيمة العملة الوطنية، و المشکلات الاقتصادية هناك کيت و کيت.. و هو طبعاً لم يشر لنقاط قوة هذا الشعب و للجهود الإيجابية و البنّاءة التي تجري في هذا البلد، أو للانتصارات الکبيرة التي حققها هذا الشعب، و لن يشير أبداً. منذ ثلاثين عاماً و نحن نواجه مثل هذه التحديات - و سوف أشير لاحقاً إلى نقطة حول تقييم هذه الأعوام الثلاثين - على أن التحديات التي يواجهها الشعب الإيراني و الأعداء الذين يحاولون عملياً و إعلامياً أن يحولوا دون ظهور و سطوع التقدم الملحوظ لإيران التي تعيش في ظل الإسلام، تضاعفوا اليوم عدة أضعاف.

سنة 91 التي مضت کانت من السنوات المليئة بالعمل و المشاغل لأعدائنا في هذا المجال. قالوا إننا نريد بهذا الحظر أن نشلّ الشعب الإيراني. و إذا بقيت الجمهورية الإسلامية واقفة صامدة حيوية نشطة متقدمة نحو التطور، فسوف يراق ماء وجههم في العالم، و تذهب سمعتهم أدراج الرياح، لذلك يجب أن لا يسمحوا بذلك إذا استطاعوا، و إذا خرج الأمر من أيديهم فلا أقل من أن يصوّروا الأمر بشکل آخر في الإعلام. إنهم يقومون راهناً بهذين العملين بکل ما أوتوا من قوة.. الممانعة العملية عن طريق الضغوط و التهديدات و الحظر و ما إلى ذلک، و العمل الإعلامي لتصغير نقاط القوة و تضخيم نقاط الضعف.

ذکرنا أن هناك أعداء. فمن هم هؤلاء الأعداء؟ و أين هو الوکر الأصلي للتآمر ضد الشعب الإيراني؟ ليست الإجابة عن هذا السؤال بصعبة. منذ أربعة و ثلاثين عاماً متى ما ذُکرت کلمة «العدو» ينصرف ذهن الشعب الإيراني إلى الحکومة الأمريکية. لا بأس أن يتنبّه الساسة الأمريکان لهذه النقطة و يفهموها، و هي أن الشعب الإيراني طوال أکثر من ثلاثين عاماً شهد أموراً و مرّ بمراحل و أطوار جعلته ما أن تُذکر کلمة العدو حتى ينصرف ذهنه إلى أمريکا. هذه مسألة على جانب کبير من الأهمية لحکومةٍ تريد أن تحفظ سمعتها و ماء وجهها في العالم. إنها قضية جديرة بالاهتمام و التدقيق. عليهم أن يرکّزوا على هذه النقطة. هنا مرکز التآمر و أساس العداء.

طبعاً هناك أعداء آخرون لا نعدّهم من الدرجة الأولى.. هناك العدو الصهيوني، لکن الکيان الصهيوني ليس بمستوى يسترعي النظر في صفوف أعداء الشعب الإيراني. أحياناً يُهدّدنا زعماء الکيان الصهيوني بالهجوم العسکري، و لکن أعتقد أنهم يعلمون، و إن کانوا لا يعلمون فليعلموا أنه إذا صدرت عنهم حماقة، فإن الجمهورية الإسلامية سوف تسوّي «تل أبيب» و «حيفا» بالتراب. و الحکومة البريطانية الخبيثة أيضاً تعادي الشعب الإيراني، و هي من الأعداء التقليديين و القدماء للشعب الإيراني، لکن الحکومة البريطانية تمارس دور المکمّل لأمريکا في الساحة. الحکومة البريطانية ذاتها لا استقلال لها من نفسها حتى يعتبرها الإنسان عدواً مستقلاً، بل هي تابعة لأمريکا.

و بعض الحکومات الأخرى لها عداؤها أيضاً. و أرى من المناسب هنا أن أقول إن ساسة الحکومة الفرنسية أبدوا في السنوات الأخيرة حالات عداء واضحة تجاه الشعب الإيراني. هذا عدم وعي من الساسة الفرنسيين. الإنسان العاقل و خصوصاً السياسي العاقل يجب أن لا يندفع أبداً لتبديل طرفٍ ليس بعدوّ له، إلى عدوّ له. لم تکن لنا مشکلة مع الحکومة الفرنسية و مع بلد فرنسا، لا طوال التاريخ، و لا في الحقبة الراهنة، لکن السياسة الخاطئة التي بدأت في زمن سارکوزي، و لا تزال الحکومة الحالية أيضاً تواصل نفس الطريق للأسف، هي معاداة الشعب الإيراني. نعتقد أن هذه ممارسات خاطئة، و أعمال يعوزها التدبير و التعقل، و خطوات غير واعية.

حين يتحدث الأمريکان يقولون «المجتمع العالمي». يسمّون عدد قليل من البلدان «المجتمع العالمي»، و على رأسهم أمريکا، و من خلفها الصهاينة و الحکومة البريطانية و بعض الحکومات الصغيرة الأخرى! المجتمع العالمي لم يکن أبداً في صدد معاداة إيران و الإيراني و إيران الإسلامية.

الآن حين نريد إلقاء نظرة على العام الماضي 91 ، يجب القول إنه منذ بداية سنة 91 شرع الأمريکان بمخططهم الجديد. مع أنهم کانوا يبدون بألسنتهم الصداقة.. إذ کانوا يبدون أحياناً الصداقة تجاهنا - في رسائلهم و نداءاتهم و ما شاکل - و أحياناً کانوا يبدون الصداقة تجاه الشعب الإيراني، و لکن خلافاً لهذه التصريحات غير الحقيقية حاولوا على المستوى العملي التشدّد تجاه إيران و الشعب الإيراني، ففرضوا حظراً شديداً منذ بدايات عام 91 - حظر النفط، و حظر المصارف و البنوك، و حظر المبادلات المصرفية و المالية بين الجمهورية الإسلامية و باقي البلدان - و قاموا بالکثير من الأشياء على هذا الصعيد.

و هذه من طرائف العالم أن يمارس الأمريکان عداءهم و عدوانيّتهم، و يقولون لا تحسّوا بأننا نعاديکم و نمارس المعارضة و العناد ضدکم! يتوقعون أن لا يدرك الشعب الإيراني أنهم يمارسون العناد و العدوان! بدأت هذه السياسة في مقابل إيران منذ أواخر فترة بوش ، و للأسف فإن الساسة الأمريکان لا زالوا إلى الآن يواصلونها.. إنها القبضة الحديدية المغطاة بقفاز مخملي. قبل عدة سنوات ذکرتُ هنا بجوار المرقد المبارك للإمام علي بن موسى الرضا (ع) في کلمتي في الأول من فروردين، و نبّهتم و قلتُ: احذروا من أن يکون إبداؤکم للمودّة و الصداقة و الوئام بمعنى أن تغطوا القبضة الحديدية بقفاز مخملي، و تريدوا التظاهر بالصداقة، لکنکم في الباطن تمارسون العداء. لقد بعث الأمريکان مبعوثين خاصين لإيقاف بيع النفط و نقل الأموال إلى إيران. بعثوا من أمريکا أشخاصاً بارزين و خاصّين ليتصلوا بالبلدان و يسافروا إليها، بل و تحدثوا مع مدراء الشرکات من أجل متابعة قضية تواصلهم مع الجمهورية الإسلامية و علاقاتهم الاقتصادية معها في ما يخصّ النفط، و لأجل أن يعاقبوهم على علاقاتهم المالية بالجمهورية الإسلامية و لأن لهم علاقات مالية مع إيران أو لهم معاملاتهم معها في مجال النفط. بدأوا هذه الأعمال منذ بداية سنة 91 و خصوصاً في مرداد [آب 2012 م] بکل شدة. و کانوا يتوقعون أن تتخلى إيران مقابل تحرکاتهم المبرمجة هذه التي کانوا يتابعونها بکل شدة، عن أنشطتها الإنمائية العلمية، و تستسلم لتعسف الأمريکان.

و أقولها طبعاً، و قد قلتُها قبل عدة أشهر، إن الأمريکان أبدوا فرحهم و قالوا إن فلاناً اعترف بأن الحظر ترك تأثيره. نعم، الحظر لم يکن عديم التأثير، و ليفرحوا إذا أرادوا أن يفرحوا. لقد ترك الحظر تأثيراته بالتالي، و هذا إشکال فينا نحن. فاقتصادنا یعاني من هذا الإشکال و هو التبعية للنفط. علينا فصل اقتصادنا عن النفط، و على حکوماتنا أن تدرج هذا الهدف في خططها و برامجها الأساسية. قبل سبعة عشر أو ثمانية عشر عاماً قلتُ للحکومة الإيرانية التي کانت تتولى الأمور آنذاك و ذکرتُ للمسؤولين بأن يعملوا ما من شأنه أن نستطيع إغلاق آبار النفط متى ما شئنا. و تبسّم السادة الذين يسمّون أنفسهم تکنوقراط في حينها ابتسامة إنکار و کأنهم يقولون: و هل هذا ممکن؟ نعم، ممکن، و لکن يجب العمل و المتابعة و المبادرة و البرمجة. إذا ارتهن اقتصاد بلد معين لشيء محدّد و کان تابعاً له، فإن الأعداء سيرکّزون على ذلك الشيء المحدّد. نعم، الحظر ترك تأثيره، و لکن ليس بتلك الصورة التي کان العدو يريدها، و سوف أشرح هذه القضية. هذا بخصوص الشأن الاقتصادي.

و على الصعيد السياسي حاولوا في عام 91 عزل إيران في العالم حسب تعبيرهم. أي أنْ تتردّد الحکومات في علاقاتهم مع الجمهورية الإسلامية و نظراتهم لها، و لا يسمحوا لها بنشر و تنفيذ سياساتها على مستوى المنطقة و العام و على مستوى بلدها نفسه. و قد مُنيت هذه المؤامرة بالفشل التام. لقد انصبّت محاولاتهم في الشؤون الدولية، و لأننا نريد إقامة مؤتمر عدم الانحياز في طهران، على أن يقام هذا المؤتمر بشکل ضعيف و خفيف، فلا يشارك الجميع، و لا يشارکوا مشارکة ناشطة. و قد حدث العکس تماماً لما کانوا يريدونه. شارك ثلثا شعوب العالم الأعضاء في حرکة عدم الانحياز في مؤتمر طهران. حضر رؤساء البلدان في طهران و حضر کذلك المسؤولون رفيعو المستوى. و قد أثنى الجميع على إيران و أبدوا اندهاشهم للتقدم العلمي و التقني و الاقتصادي في البلاد. الکل شعروا حيال الشعب الإيراني بالإکبار و الإعجاب. و قد ذکروا هذا لنا، و في حواراتهم، و عندما عادوا لبلدانهم، و صدّقوا هذه الإيجابيات. و هذا على الضد تماماً مما أراده أعداء الشعب الإيراني الذين لم يستطيعوا التأثير بهذا الاتجاه.

و في خصوص السياسة الداخلية، کان هدفهم من هذا الحظر بث الترديد و التضعضع لدى الشعب الإيراني في طريقه الذي ينهجه، و الفصل بين شعب إيران و النظام الإسلامي، و بث البرود و اليأس في نفوس أبناء الشعب. و في يوم الثاني و العشرين من بهمن سجّل الشعب الإيراني مشارکة مکثفة في تظاهرات إحياء ذکرى الثورة و ساهم بتحمّس و شوق و أبدى مشاعره تجاه الإسلام و الثورة الإسلامية و النظام الإسلامي، فوجّه بذلك صفعة قوية لأفواههم. و على الصعيد الأمني أيضاً حاولوا إفساد الأمن في البلاد - و قد أوضح المسؤولون تفاصيل ذلك للناس في حواراتهم و مقابلاتهم - لکنهم لم ينجحوا في هذا الجانب أيضاً. و على الصعيد السياسي في المنطقة جرّبوا اقتدار الجمهورية الإسلامية و نفوذها مرة أخرى. في مضمار قضايا المنطقة وصل بهم الأمر إلى أن يعترفوا بأنه من دون مشارکة إيران و رأيها لا يمکن معالجة أية مشکلة کبيرة في المنطقة. في أحداث هجوم الکيان الصهيوني على غزة، أدّى التواجد المقتدر للجمهورية الإسلامية في مواقع الإسناد إلى اعترافهم بهزيمتهم مقابل المجاهدين الفلسطينيين، و قالوا هم - لم نقل نحن، بل قالوا هم و أصرّوا - إنه لو لا مشارکة الجمهورية الإسلامية و تواجدها و ما أبدته من اقتدار، لما استطاع المجاهدون الفلسطينيون المقاومة أمام إسرائيل، ناهيك عن أن ينتصروا على إسرائيل و يرکّعوها. و قد استطاع الفلسطينيون في حرب الأيام الثمانية ترکيع إسرائيل، و کان هذا لأول مرة في تاريخ تشکيل الکيان الصهيوني الزائف الغاصب.

ذکرنا أن مساعيهم لم تکن عديمة التأثير، نعم، لم تکن عديمة التأثير، و لکن إلى جانب الآثار السلبية حصل تأثير إيجابي کبير کنا نتوقعه، بمعنى أن الحظر أدّى إلى تفعيل الطاقات الداخلية و الإمکانيات الهائلة للشعب الإيراني، و بروز مواهبه و تحقق أعمال و مشاريع عظيمة. و لو لم يکن الحظر لما حصلت هذه الأعمال. لقد استطعنا بفضل الحظر إنجاز أعمال کبيرة. و حقق شبابنا نجاحات لو لم يکن الحظر لما حققناها بالتأکيد. بخصوص مشاريع البنى التحتية - و سوف أذکر عنها شیئاً لاحقاً - تحققت في سنة 91 حالات من التقدم جعلت من هذه السنة سنة ممتازة بالمقارنة مع السنوات التي سبقتها. أنجز کمّ هائل من مشاريع البنى التحتية، في مجالات الطرق و الطاقة و اکتشاف مصادر و حقول جديدة للنفط، و بخصوص اکتشاف مصادر جديدة لليورانيوم، و إنشاء و تنمية محطات الطاقة و المصافي و العشرات من الأعمال الصناعية الکبرى، و هذه کلها بنى تحتية اقتصادية لمستقبل البلاد. نعم، لو کنا أعددنا هذه البنى التحتية سابقاً لما ترك حظر الأعداء حتى هذا المقدار من التأثير السلبي الذي ترکه.

في مجال العلوم و التقنيات أنجزت أعمال و مشاريع جديرة بالنظر حقاً، و مريحة و مفرحة لمن يهمّه مستقبل البلاد. أي في السنة التي أرادوا فيها الضغط على الشعب الإيراني و التشدّد معه أطلق شبابنا الأعزاء و علماؤنا القمر الصناعي «ناهيد» إلى الفضاء، و أطلقوا مرکبة «پيشگام» بکائن حيّ إلى الفضاء، و صنعوا طائرة مقاتلة فوق المتطورة. و أهمية کل واحد من هذه المشاريع بحيث يجدر بالشعب أن يفرح و يرتاح لکل واحد منها، و ينشد الأناشيد له، و يقيم مهرجاناً له. و لأن المشاريع و الأعمال مکثفة و متراکمة لا يتمّ الإعلام لها بصورة صحيحة و لا يجري الإخبار عنها بطریقة کاملة. حين تمّ إرسال الکائن الحي إلى الفضاء و عاد سليماً، کان هذا الشيء مدهشاً بالنسبة للعلماء في العالم و المراقبين الدوليين إلى درجة أنهم في البداية أنکروا الأمر، و لکن بعد ذلك حين وجدوا أنه لا مفرّ أمامهم و أن الحقائق و العلامات و المؤشرات و الوقائع کلها تدلّ عليه، اضطروا للتصديق و التأييد.

في مضمار الصحة و الهندسة الطبية تمّ إنجاز أعمال کبيرة تتعلق بصحة المواطنين و سلامتهم. أحرزنا المرتبة الأولى في المنطقة على صعيد تقنيات الأحياء. و قد أنجزت في هذا المجال أعمال تخصصية بارزة، و تمّ إنتاج أنواع متعددة من الأدوية على هذا الأساس. هذه هي نفس السنة التي تشدّدوا فيها مع الشعب الإيراني لحرمانه من الحياة و من کل نتاجات المواهب البشرية. في نفس هذه السنة و في مجال تقنيات النانو - و هي ثورة في التقنية و الصناعة - أحرزنا المرتبة الأولى في المنطقة. و في نفس هذه السنة و على عدة صعد علمية مهمة کنا الأوائل في إنتاج العلم في المنطقة. و في المسابقات العلمية التقنية للطلبة الجامعيين سجّل البلد نمواً بالمقارنة إلى العام المنصرم بنسبة 31 بالمائة. و في سنة 91 ازداد عدد الطلبة الجامعيين حتى أصبح أکثر من بداية الثورة بخمسة و عشرين ضعفاً. عدد طلبتنا الجامعيين اليوم أکثر من عددهم في بداية الثورة بخمس و عشرين مرة. هذه حالات و نماذج من التقدم العظيم للشعب الإيراني. في مجالات الماء، و في خصوص البيئة، و في الخلايا الجذعية و في الأشکال الجديدة من الطاقة و في النباتات الدوائية و في الطاقة النووية استطاع البلد تحقيق تقدم کبير. و هذا کله في السنة التي صبّ أعداء الشعب الإيراني کلّ همّهم و جهدهم على شلّ الشعب الإيراني و تکبيله.

أحداث سنة 91 فيها درس کبير لنا، و هو أن الشعب الحيّ لا ينهار بالتهديدات و الضغوط و تشدّد العدو أبداً. تبيّن لنا و لکل الذين يتابعون الشأن الإيراني أن المهم بالنسبة للشعب هو الاعتماد على مواهبه الذاتية، و التوکل عليه الله العظيم، و الاتکال على نفسه و عدم الاتکال على الأعداء. هذا ما يمکنه أن يتقدّم بالشعب إلى الأمام. کان عام 91 بالنسبة لنا ساحة مناورات و تدريب. على الرغم من أنف الأعداء لم يُشل الشعب الإيراني، و ليس هذا و حسب بل استطاعنا في ساحة المناورات إبداء الکثير من الامتيازات و المواهب عن أنفسنا. و بالطبع تعرّفنا على نقاط ضعف عندنا، و هذه هي خصوصية المناورات. في التدريب القتالي و في المناورات تتعرّف المجموعة المناورة على نقاط قوتها و على نقاط ضعفها فتزيلها. و قد تعرّفنا على نقاط ضعفنا. ضعفنا في الاقتصاد، و الذي يؤدّي إلى صعوبة معيشة قطاعات من الناس، هو التبعية للنفط - و قد ذکرتُ أن هذا من نقاط ضعفنا - و عدم الاهتمام للسياسات الاقتصادية العامة، و اتخاذ سياسات و قرارات متتابعة ذات طابع يومي. ليتنبّه مسؤولو البلاد - المسؤولون اليوم، و خصوصاً المسؤولون في المستقبل الذين سيتولون الأمور بعد انتخابات هذه السنة - لهذه النقطة.. البلد يجب أن تکون له سياسته الاقتصادية العامة الواضحة المدوّنة المبرمجة، فلا تستطيع الأحداث المختلفة تغييرها و تبديلها.

و الدرس الکبير الثاني هو أن بنية البلاد قوية. حين تکون البنية قوية تنخفض التأثيرات العدوانية للأعداء إلى أدنى المستويات. لو تقبّل المسؤولون في هذا البلد الکبير و ذي البنية القوية المسؤولية، و عملوا بتدبير، و کان المدراء مع بعضهم و عملوا سوية - و هذه هي التوصية التي نوصيها دوماً للمسؤولين و المدراء في البلاد - و بحزم و تدبير، فسنستطيع عندئذ تبديل أي تهديد إلى فرصة، کما صنعنا سنة 91 من تهديدات العدو فرصاً، و استطعنا السير نحو الأمام. ما قام به مسؤولو البلاد و الشعب الإيراني العزيز في سنة 91 يجب أن تظهر آثاره إن شاء الله في حياة الناس في المستقبل و السنوات القادمة، و هذا ما سيحصل.

طبعاً الاقتصاد قضية على جانب کبير من الأهمية، و قد أکّدّتُ عليها تباعاً و مراراً في السنوات الأخيرة الماضية، على أن الاقتصاد ليس القضية الوحيدة، فأمن البلاد أيضاً مهم، و صحّة الشعب و سلامته أيضاً مهمة، و عمليات التقدم العلمي مهمة هي الأخرى، و هي أساس الأمور و بنيتها التحتية - و إذا تطوّر العلم في البلاد ستسهل کل الأمور الأخرى - و استقلال البلد و عزته أيضاً مهمة، و عدم رضوخ الشعب لهذا و ذاك مهم أيضاً، و کذا الحال بالنسبة لنفوذ الشعب و اقتداره الإقليمي فهما رصید استقلال البلاد و أمنها، و على جانب کبير من الأهمية. و قد حققنا تقدماً في کل هذه الميادين، سواء في مضمار الأمن أو في مجال الصحة أو في حيّز النفوذ الدولي، أو على صعيد التحکّم و السيطرة على الأحداث المختلفة التي تقع للبلاد و المنطقة.

لقد أثبت شعبنا بتقدمه أن عدم العيش في ظل أمريکا لا يعني التخلف. هذه نقطة مهمة جداً. أقوياء العالم و المستعمرون - يوم کان هناك استعمار مباشر - و أمريکا اليوم يريدون أن يثبتوا لشعوب العالم أنکم إذا أردتم أن تعيشوا حياة جيدة و متقدمة فيجب أن تنضووا تحت مظلتنا. و قد أثبت شعب إيران أن هذا الکلام کذب. أثبت شعبنا أن عدم التبعية لأمريکا و القوى الکبرى لن يؤدي للتخلف أبداً، و ليس هذا و حسب بل و يتسبّب في التقدّم و التطور و الازدهار، و الدليل الواضح على هذا هو أن تقارنوا هذه الأعوام الثلاثين التي قضتها الجمهورية الإسلامية بنفس الفترة التي عاشتها بلدان أخرى في ظل أمريکا، و راحت تمنّي نفسها بمليارين أو ثلاثة مليارات دولار من المساعدات الأمريکية في السنة، و استسلمت لأمريکا، لاحظوا أين هم و أين نحن؟ ثمة بلدان ارتبطت بأمريکا و صارت تابعة لها، و تجربة هذه الأعوام الثلاثين بين أيدينا.. لاحظوا کيف قضت الجمهورية الإسلامية هذه الأعوام الثلاثين، و أين وصلت، و ماذا حقق الشعب الإيراني خلالها، و ما هو وضع تلك البلدان بعد ثلاثين عاماً؟ کل من يدرس هذا سيدرك أن عدم التبعية للقوى الکبرى إنما هو فرصة لأيّ شعب من الشعوب، و ليس تهديداً أو خطراً. و قد حصل شعب إيران و الحمد لله على هذه الفرصة بقوّته و شجاعته و فطنته.

يجب أن أطرح هنا موضوعين يتعلقان بالمستقبل: أحدهما هو أننا يجب أن نکون متقدمين على العدو دوماً من حيث التخطيط. يجب أن لا يکون البلد في حالة انفعال أمام أنشطة العدو. ينبغي تخمين مخططات العدو بفطنة و وعي، و المبادرة قبل العدوّ. في بعض الأحيان عملنا بهذه الطريقة و أحرزنا النجاح، و مثال ذلك قضية تأمين الوقود المخصّب بنسبة عشرين بالمائة الذي يحتاجه مفاعل طهران للأبحاث حيث يتمّ هناك إنتاج أدوية راديوية مهمة يحتاجها البلد. هذا المفاعل الصغير کان بحاجة إلى وقود مخصّب بنسبة عشرين بالمائة، و لم نکن ننتج بنسبة عشرين بالمائة، بل کنا نستورده من الخارج دوماً. و فکّر أعداؤنا بأن يستفيدوا من هذه الفرصة فيأخذوا هذه الحاجة الوطنية رهينة من أجل أن يفرضوا على الجمهورية الإسلامية قبول سيطرتهم و تحکّمهم و إراداتهم. و استطاع شبابنا و علماؤنا قبل أن يصل الأمر إلى النقاط الحساسة الضاغطة إنتاج الوقود المخصّب بنسبة عشرين بالمائة، و تبديل هذا الوقود إلى صفحات وقود يحتاجها المفاعل المذکور.

لم يکن معارضونا يحتملون أن نستطيع القيام بهذه المهمة، لکن مسؤولو البلاد تنبّهوا في الوقت المناسب لهذه الحاجة و بادروا و عملوا، و ازدهرت المواهب الإيرانية و برزت، و أنجزوا هذه العملية بنجاح. في حين کان أولئك يتوقعون أن تتوسّل الجمهورية الإسلامية بهم لتحصل على الوقود المخصّب بنسبة عشرين المائة، أعلنت الجمهورية الإسلامية أننا أنتجنا هذا الوقود في الداخل، و لسنا في حاجة لکم. لو لم يقم علماؤنا و شبابنا بهذا الشيء، کان يجب علينا اليوم أن نصرّ و نتوسّل و ندفع تکاليف کبيرة أمام أناس ليسوا من أصدقائنا لنطلب منهم الوقود المخصّب بنسبة عشرين بالمائة، أو الأدوية الراديوية و منتجات الفاعل المذکور. لکن مسؤولي البلاد خمّنوا الأمر و الاحتياجات و أدرکوا المسألة في حينها، و قاموا في الوقت المناسب بما يجب عليهم القيام به، لذلك انتصرنا. يجب أن يکون هذا الشيء برنامجاً لنا لکل قضايا البلاد الأساسية، و لکل احتياجات البلد.

على الحکومات في إيران، و الصناعيين، و المزارعين، و أصحاب رؤوس الأموال، و صنّاع فرص العمل، و الباحثين العلميين، و المصممين العلميين و الصناعيين، و على الجميع أن يعملوا بهذا الواجب الأخلاقي و العقلاني الکبير، و هو أن يعدّوا أنفسهم قبل بروز الحاجة، و يکونوا متقدمين على مخططات الأعداء. على المدراء الاقتصاديين، و أساتذة الجامعات، و الاتحادات العلمية، و المتنزهات العلمية و التقنية، و الکل، أن يمسکوا بزمام المبادرة، و تکون هذه هي وجهة هممهم. فإذا کتبوا الدراسات و البحوث العلمية کانت بهذا الاتجاه، و إذا قاموا بالبحوث العلمية قاموا بها في هذا الاتجاه، و إذا أنجزوا أعمالاً صناعية و تقنية و علمية کانت کلها في هذا الاتجاه. عموماً على مدراء الحکومة و مدراء الجامعات و المدراء العلميين و کل أبناء الشعب السير بهذا الاتجاه.

واجبنا جميعاً أن نعمل على تمتين بنية البلد و جعله غير قابل للنفوذ و التغلغل و لا يتأثر بمخططات الأعداء، و أن نحافظ عليه و نصونه. هذا من مقتضيات «الاقتصاد المقاوم» الذي طرحناه. من الأرکان المهمة و الأساسية في الاقتصاد المقاوم هو أن مناعة الاقتصاد و قدرته على مجابهة التحديات. يجب أن يکون الاقتصاد مقاوماً و يستطيع الصمود أمام مؤامرات الأعداء. هذا هو الموضوع الأول الذي کان يلزمني الإشارة إليه.

الموضوع الثاني هو أن الأمريکان يبعثون لنا بطرق مختلفة و متنوعة رسائل يقولون فيها تعالوا نتحاور بشأن الملف النووي. يبعثون الرسائل لنا و يطرحون هذا في إعلامهم العالمي. يقول المسؤولون الأمريکان رفيعو المستوى و المتوسطون مراراً و تکراراً تعالوا نقيم إلى جانب مفاوضات 5 + 1 حول الملف النووي، مفاوضات ثنائية بين أمريکا و الجمهورية الإسلامية حول الملف النووي الإيراني. إنني لست متفائلاً بمثل هذه المفاوضات. لماذا؟ لأن تجاربنا الماضية تشير إلى أن الحوار في منطق السادة الأمريکان لا يعني أن نجلس للتوصّل إلى حل منطقي، و ليس هذا قصدهم من الحوارات و المفاوضات، بل قصدهم من الحوار أن نجلس نتحدّث لتوافقوا أنتم على ما نقوله نحن! الهدف معلن منذ البداية. يجب على الطرف الذي يفاوضهم أن يقبل و يوافق رأيهم. لذلك أعلنّا و قلنا دوماً بأن هذا ليس بحوار، إنما هو فرض، و إيران لا تخضع للفرض و الضغوط. إنني لست متفائلاً بهذه التصريحات، لکنني لا أعارض في الوقت نفسه. يجب أن أوضّح عدة نقاط في هذا الخصوص:

النقطة الأولى هي أن الأمريكان يبعثون الرسائل دوماً - يكتبون أحياناً و يبعثون رسائل أحياناً أخرى - يقولون فيها إننا لا نقصد تغيير النظام الإسلامي. هكذا يقولون لنا. و الجواب هو أننا لسنا قلقين من أنكم تريدون أو لا تريدون تغيير النظام الإسلامي، حتى تصرّوا على أنكم لا تريدون تغيير النظام. يوم كنتم تنوون تغيير النظام الإسلامي و تعلنون هذا بصراحة لم تستطيعوا فعل أي شيء، و سوف لن تستطيعوا فعل شيء بعد الآن أيضاً.

النقطة الثانية هي أن الأمريكان يرسلون الرسائل دوماً و تباعاً يقولون فيها إننا صادقون في اقتراح المفاوضات، أي نطلب منكم بصدقٍ أن تتفاوضوا و نتفاوض بصورة منطقية، أي لا تكون المفاوضات مفروضة. و أقول جواباً على هذا: لقد قلنا لكم مراراً إننا لا نسعى لامتلاك سلاح نووي، و تقولون إننا لا نصدّق ذلك، فلماذا يجب أن نصدّق نحن كلامكم؟! حين لا تكونوا على استعداد لتقبّل كلام منطقي و صادق، فلماذا ينبغي أن نتقبّل كلامكم الذي أثبتم مراراً خلافه؟ تصوّرنا هو أن اقتراح المفاوضات من قبل الأمريكان تكتيك أمريكي لخداع الرأي العام في العالم و في إيران. و يجب عليكم أن تثبتوا أنه ليس كذلك. فهل تستطيعون إثبات ذلك؟ أثبتوا ذلك.

و أقول هنا إن من تكتيكاتهم الإعلامية أن يشيعوا أحياناً أن القيادة أرسلت أشخاصاً للتفاوض مع الأمريكان، و هذا تكتيك إعلامي آخر و كذب محض. لم يوفد من قبل القيادة لحد الآن أي شخص للتفاوض معهم. في بعض الحالات، و على مدى سنوات طويلة، و في زمن حكومات متعددة، تفاوض أشخاص معهم حول موضوعات موقتة و لم نخالف ذلك، لكن ذلك كان أمراً يرتبط بالحكومات. و طبعاً حتى أولئك كانوا مكلفين بمراعاة الخطوط الحمراء للقيادة، و اليوم أيضاً مكلفون بمراعاة هذه الخطوط.

النقطة الثالثة هي أن تصوّرنا انطلاقاً من التجارب و النظر الفاحص الدقيق للساحة هو أن أمريكا لا ترغب في إنهاء المفاوضات النووية. لا يرغب الأمريكان بإنهاء المفاوضات النووية، و حلّ الاختلافات النووية. و إلا لو كانوا راغبين في إنهاء هذه المفاوضات و حلّ هذه المشكلة فإن الحلّ قريب و سهل جداً. إيران لا تريد في إطار ملفها النووي سوى أن يعترف العالم بحقها في التخصيب، و هذا هو حقها الطبيعي. ليعترف ساسة الدول المخاصمة بأن التخصيب النووي للأغراض السلمية من حق الشعب الإيراني، و يمكنه أن يقوم به في بلاده و بنفسه.. هل هذا توقّع كبير؟ هذا هو ما قلناه دوماً، لكنهم لا يريدون حتى هذا.

هم يقولون إننا قلقون من أن تسيروا و تتحرّكوا صوب الأسلحة النووية - و هم عدد قليل من البلدان ليس إلّا، و قد ذكرتُها، و يسمّون أنفسهم «المجتمع الدولي» - فيقولون إن المجتمع الدولي قلق. كلا، المجتمع الدولي ليس بقلق على الإطلاق. معظم بلدان العالم تقف إلى جانب الجمهورية الإسلامية، و تدعم مطاليبنا، لأنها مطاليب حقة. لو كان الأمريكان يريدون حلّ القضية فهذا الحلّ سهل جداً.. بوسعهم الاعتراف بحق الشعب الإيراني في التخصيب، و لأجل أن لا تكون هناك أشياء تقلقهم بمقدورهم اتباع المقررات و الضوابط القانونية للوكالة النووية، و لم تكن لدينا منذ البداية أية مخالفة لممارسة هذا الإشراف و تطبیق هذه المقررات. كلما اقتربنا من الحلّ يمارس الأمريكان عرقلات معينة ليحولوا دون الحلّ. هدفهم حسب فهمي و تصوّري هو أنهم يريدون لهذه القضية أن تبقى هكذا لتكون ذريعتهم للضغط، و الضغوط تلك يريدونها كما قالوا هم أنفسهم لشلّ الشعب الإيراني. طبعاً على الرغم من أنوفهم سوف لن يصاب الشعب الإيراني بالشلل.

النقطة الرابعة و الأخيرة في هذه القضية هي أن الأمريكان لو كانوا يريدون بصدق انتهاء هذا الموضوع، فإنني أقدّم الحلّ، و هو أن يقلع الأمريكان عن معاداة الجمهورية الإسلامية و الشعب الإيراني. اقتراح المفاوضات ليس بالكلام المنطقي و الرصين و المستند إلى الدليل، إنما الكلام الصحيح هو إنهم لو كانوا يريدون ارتفاع و حلّ المشكلات بين الجانبين - و هم يقولون إننا لا نريد وجود مشكلة بين إيران و أمريكا - فليكفّوا عن العداء. منذ أربعة و ثلاثين عاماً و الحكومات الأمريكية المختلفة‌ تنطلق من فهم خاطئ لإيران و الإيرانيين، و تخطط و تمارس مختلف صنوف العداء. منذ العام الأول لانتصار الثورة و تأسيس النظام الإسلامي وقفوا منا موقف العداء و رسموا المخططات ضدنا على الصعد الأمنية، و مارسوا أعمالاً خصومية، و كانت لهم مبادراتهم ضد وحدة أراضينا، و دعموا أعداءنا الصغار و الكبار طوال أعوام متمادية، و نشطوا ضد اقتصادنا الوطني، و استخدموا كل الأدوات و الوسائل ضد شعب إيران، و قد فشلوا في كل ذلك و الحمد لله. و إذا واصلوا بعد الآن أيضاً عداواتهم هذه لمواجهة الشعب الإيراني فسوف يُهزمون. و عليه، فإنني أنصح المسؤولين الأمريكان، إذا كانوا يسعون للحلّ العقلائي، فالحلّ العقلائي هو تصحيح سياساتهم و أعمالهم و الإقلاع عن معاداة الشعب الإيراني. انتهى هذا الموضوع.

هناك موضوع آخر يجب أن أشير له على وجه الإجمال ألا و هو قضية الانتخابات بالغة الأهمية. الانتخابات في بلادنا مظهر «الملحمة السياسية». ما ذكرتُ إنه واجبنا و واجب مختلف شرائح الشعب و يجب أن نقوم به هو مظهر «الملحمة الاقتصادية». و الانتخابات هي مظهر و تجسيد «الملحمة السياسية». و هي مظهر اقتدار النظام الإسلامي، و بلورةٌ لسمعة النظام. سمعة الجمهورية الإسلامية تكمن في الانتخابات و مشاركة الشعب عند صناديق الاقتراع و تأثير كل واحد من أبناء الشعب في انتخاب مدراء البلاد. الانتخابات مظهر الإرادة الوطنية، و رمز الديمقراطية الدينية. لقد طرحنا الديمقراطية الإسلامية مقابل الديمقراطية الليبرالية الغربية، و مظهر الديمقراطية الإسلامية هو مشاركة الشعب في الانتخابات. و بسبب الأهمية البالغة للانتخابات حاول أعداء الشعب الإيراني دوماً تبديد الطابع الحماسي و الملحمي للانتخابات.. خططوا لصرف الجماهير عن الحضور عند صناديق الاقتراع، و بث البرود و اليأس في نفوسهم. طوال الأعوام التي كانت لنا فيها انتخابات - سواء انتخابات مجلس الشورى الإسلامي، أو انتخابات رئاسة الجمهورية على وجه الخصوص - سعى الأعداء‌ دوماً لأن تكون انتخاباتنا ضعيفة و بلا رونق. و مردّ هذا إلى أهمية الانتخابات في أمور البلاد.

أذكر جملة من النقاط تتعلق بالانتخابات. طبعاً لا تزال هناك أمام الانتخابات فرصة تزيد على الشهرين، و إذا بقي لنا من العمر شيء سأعود لأذكر نقاطاً عن هذا الشأن في فرص أخرى. أما الآن فأشير إلى هذه النقاط.

النقطة الأولى هي أهمية المشاركة الواسعة و التواجد الشامل للجماهير في الانتخابات، و هذا ما يمتاز بالدرجة الأولى من الأهمية. الحماس الانتخابي في البلاد و حضور الجماهير عند صناديق التصويت بمستطاعه إحباط تهديدات الأعداء، و بث اليأس في نفوسهم، و تأمين أمن البلاد. ليعلم هذا أبناء شعبنا العزيز أين ما كانوا من أنحاء البلاد. لمشاركتهم الواسعة عند صناديق الاقتراع تأثيرها في مستقبل البلد و أمنه و استقلاله و ثروته الوطنية و اقتصاده و في كل قضاياه المهمة. هذه هي النقطة الأولىلإ و هي أن تقام الانتخابات إن شاء الله و بتوفيقه و عونه و بهمّة الشعب الإيراني بأعلى درجات المشاركة الجماهيرية.

النقطة الثانية هي ضرورة مشاركة كل الأذواق و التيارات المؤمنة بالجمهورية الإسلامية في الانتخابات. فهذا حق يتمتع به الجميع و واجب على عاتق الجميع. ليست الانتخابات ملكاً لمنحى خاص، أو لتيار فكري و سياسي معين. كل الذين يؤمنون بنظام الجمهورية الإسلامية و باستقلال البلاد، و يهتمّون لمستقبلها، و يخلصون للمصالح الوطنية، يجب عليهم المشاركة في الانتخابات. الإعراض عن الانتخابات يناسب الذين يعارضون النظام الإسلامي.

النقطة الثالثة هي أن أصوات الشعب هي التي تحسم الأمر في نهاية المطاف. المهم هو تشخيصكم و أصواتكم. عليكم أنتم أن تحققوا و تبحثوا و تلاحظوا و تدققوا و تسألوا من تثقون به لتصلوا إلى المرشح الأصلح فتنتخبوه. القائد ليس له سوى صوت واحد. إنني كباقي أبناء الشعب لي صوت واحد لا علم لأحد به إلى أن يُلقى في صندوق الاقتراع. و الذين بيدهم الصندوق قد یفتحونه بعد ذلك و يعرفون خطّ يدي فيعلموا لمن أدليتُ بصوتي، و لكن إلى ما قبل التصويت لن يطلع أحد على صوتي. و لا يصحّ أن يأتي شخص فينسب و يقول إن القائد رأيه فلان و ليس فلاناً. إذا حصلت مثل هذه النسبة فهي غير صحيحة. طبعاً في هذه الأيام و بهذه الوسائل الاتصالاتية و الإعلامية العجيبة - رسائل الهواتف الجوّالة و ما إلى ذلك - يشيع للأسف كلام كثير و تنسب أمور متنوعة لأشخاص متعددين. أحياناً يمكن لشخص واحد أن يرسل آلاف الرسائل بالهاتف الجوّال. رفعت لي تقارير تقول إنه قد تُرسل في أيام الانتخابات المئات من رسائل الهواتف الجوّالة كل يوم. دققوا و احذروا و لا تتأثروا بهذه الأشياء.. انظروا و شخّصوا و اعرفوا الأصلح، و صوّتوا له من أجل أداء الواجب و التكليف. طبعاً بوسع أي شخص، و كذلك الناشطون السياسيون أن يدعوا الآخرين إلى رأيهم - لا إشكال في ذلك - و لكن لن يسمع أحد مني شيئاً في هذا الخصوص. و في الوقت نفسه يمكن للناس أن يذكروا آراءهم لبعضهم، و يوصوا بهذا أو بذاك، و يؤكّدوا على شيء معين، و يوصوا و يرشدوا بعضهم، و يساعد أحدهم الآخر لمعرفة الأصلح. على كل حال، ملاك الأمر هو أصوات أبناء الشعب.

النقطة الرابعة هي أن على الجميع في قضية الانتخابات أو غير الانتخابات أن يسلموا لما يقوله القانون و يرضخوا له و لا يتمرّدوا عليه. الأحداث التي وقعت في عام 88 - و قد كان فيها ضرر و خسائر للبلاد - نجمت كلها عن أن البعض لم يريدوا التسليم للقانون و الرضوخ لرأي الشعب و أصواته. قد يكون تصويت الشعب بخلاف ما أرغب فيه أنا شخصياً، لكنني يجب أن أسلّم لرأي الشعب. ما تختاره أكثرية الشعب و أغلبيته يجب على الجميع التسليم له و عدم مناهضته. و لحسن الحظ فإن الآليات القانونية لرفع الإشكالات و الأخطاء و الشبهات موجودة، فليستفيدوا من هذه الآليات القانونية. أما إذا حصل ما هو بخلاف رغبتنا و دعونا الناس للتمرّد في الشوارع - و هو ما حصل في سنة 88 - فهذا من الأخطاء التي لا تعوّض. لقد كانت هذه تجربة لشعبنا، و سيقف شعبنا دوماً في وجه مثل هذه الأحداث.

و النقطة الأخيرة التي يجب أن يعلمها الجميع هي أننا بحاجة لرئيس جمهورية في المستقبل يتوفر على الامتيازات الموجودة اليوم من دون نقاط الضعف الموجودة. لينتبه الجميع لهذه النقطة. رئيس الجمهورية في كل دورة يجب أن يتحلى بالامتيازات و الإيجابيات الاكتسابية لرئيس الجمهورية السابق من دون أن تكون فيه نقاط ضعفه. لكل إنسان بالتالي نقاط قوة و نقاط ضعف. و لرؤساء الجمهورية - سواء رئيس الجمهورية اليوم أو رئيس الجمهورية المقبل - نقاط قوة و نقاط ضعف. كلنا على هذا النحو، لدينا نقاط قوة و نقاط ضعف. ما يعدّ حالياً نقاط قوة للحكومة و لرئيس الجمهورية يجب أن تتوفر في رئيس الجمهورية الآتي.. يجب أن يوفرها في نفسه. و ما يعدّ حالياً نقاط ضعف - قد تذكرونها أنتم، و قد أذكرها أنا، و قد يذكرها الآخرون - فيجب عليه أن يبعدها عن نفسه و لا تكون فيه.

بمعنى أننا في سلسلة الحكومات التي تأتي تلو بعضها يجب أن نتقدّم إلى الأمام و نرتقي و نتكامل، و نبعث تدريجياً أفضل الشخصيات. كل من يأتي يجب أن يكون ملتزماً بالثورة، و بالقيم، و بالمصالح الوطنية، و بالنظام الإسلامي، و بالعقل الجمعي، و أن يكون مدبّراً. هكذا ينبغي إدارة هذه البلاد. البلد بلد كبير، و الشعب شعب عظيم، و الأمور الإيجابية المبشرة بالخير كثيرة، و المشكلات موجودة في طريق أي شعب و في طريق شعبنا. الذين يعدون أنفسهم لهذه الساحة يجب أن يعملوا بمنتهى القوة و بكل اقتدار، و بالتوكّل على الله، و بالاعتماد على قدرات هذا الشعب.

اللهم قدّر لهذا الشعب ما هو خيره و صلاحه. اللهم أرضِ عنا القلب المقدس لإمامنا المهدي المنتظر. ربنا أرضِ عنا الروح الطاهرة لإمامنا الخميني الراحل و أرواح الشهداء الأبرار. اجعل ما قلناه لك و في سبيلك و تقبّله منا بكرمك.

و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - بحار الأنوار، ج 67 ، ص 265 .