05/08/2013 م
بسم الله الرحمن الرحيم
أرحب بالسادة المحترمين العلماء الأعلام و رجال الدين المبرّزين من كل أنحاء البلاد، المجتمعين و الحمد لله في هذه الجلسة. مع أن واجب مجلس خبراء القيادة واجب محدّد في دستور البلاد، لكن نفس تشكيل هذه الجلسة و اجتماع السادة من شأنه أن تطرح بحوث و نقاشات متنوعة تتعلق جوانب مختلفة و شؤون متعددة للبلاد، و يبدي السادة آراءهم فيها. و المسؤولون حاضرون في الجلسة، و لحسن الحظ فإن رئيس الجمهورية المحترم و بعض المسؤولين المحترمين الآخرين أعضاء في هذا المجلس، و يتضاعف الأمل بأن تحظى آراء السادة بمزيد من الاهتمام. نتمنى أن يكون الأمر كذلك إن شاء الله، و سوف نساعد على تحقق ما يرنو إليه السادة في حدود القدرة و الإمكانية و سعة مجال المسؤوليات و الصلاحيات.
و أرى من اللازم أن أشير إلى نقطة معينة هي أن تشييع جثامين الشهداء - الذي حصل في بداية هذا الاجتماع - عملية جد مفيدة و بناءة. (1) أن يرى الناس الشخصيات المحترمة الكبيرة و رئيس مجلس الخبراء المحترم و غيره يحيّون جثامين و توابيت الشهداء - الشهداء الذين لا يعرفونهم، و لمجرد أنهم شهداء سبيل الثورة و الحق - و يحملون التوابيت و يشيّعون فهذا درس لمجتمعنا. و أقول إن بلادنا و مجتمعنا يحتاج لفترات طويلة إلى أن تبقى ذكرى الشهداء حيّة و سبيلهم نيّراً مشعاً.
الفكرة التي خطر ببالي ذكرها هي أننا على مختلف مستويات اتخاذ القرار و صناعة القرار للنظام الإسلامي من واجبنا أن ننظر لقضايا البلاد المختلفة نظرة عامة جامعة. واضح أن الأحداث المتنوعة الخارجة عن إرادتنا - سواء على مستوى المنطقة أو على مستوى العالم أو على مستوى البلاد - تحدث بطبيعة الحال. للنظام الإسلامي و المسؤولين و الأركان المقوّمة لهذا النظام واجباتهم إلى جانب كل واحد من أبناء الشعب، و لا يمكن تحديد و تعريف هذه الواجبات في حدود علاقتها بالأحداث، أي أن تقع حادثة معينة و تصدر عنّا حركات انفعالية مقابل هذه الحادثة أو نتخذ قراراً أو نقوم بعمل معين. هذا غير ممكن. هذا معناه انجرار نظام الجمهورية الإسلامية إلى هذا الصوب و ذاك الصوب. من الضروري الحفاظ على النظرة الجامعة العامة للأمور و القضايا، و الحمد لله على أن هذه النظرة الجامعة العامة كانت متوفرة في البلاد، و لم يكن المسؤولون منذ مطلع الثورة و إلى اليوم غافلين عن هذه الحقيقة. و ينبغي اتخاذ المواقف و معرفة الأحداث على أساس هذه النظرة الجامعة.
لقد تشكل نظام الجمهورية الإسلامية وسط طوفان الأحداث المتنوّعة. هذا كلام قيل مراراً، و لكن يجب أن لا ننسى أن النظام الذي يرفع شعار تحقيق دين الله في حياة الناس و المجتمع و البلاد، و يرفع شعار صياغة حياتنا الاجتماعية على أساس الشريعة و الدين الإلهيين و الضوابط و القيم الإلهية، مثل هذا النظام كان أشبه بالمعجزة في عالم سار بسرعة طوال قرنين أو ثلاثة قرون نحو المادية و تشكّل على أسسها، و هذه المعجزة قد وقعت و حدثت فعلاً.
منذ بداية تشكيل النظام الإسلامي انطلقت حالات الاعتراض على اعتماده على الإسلام. لا نقل إن استقلال البلاد أو سياسة مقارعة النظام الاستكباري هي التي أدّت إلى حالات العداء - و هذه بدورها حقيقة من الحقائق - لكن مقارعة الاستكبار تتدفق من صميم الإسلام، و ديمقراطيتنا تنبع من كبد الإسلام. قيل مراراً إننا حين نرفع شعار الديمقراطية الدينية فهذا لا يعني تركيباً و جمعاً بين الديمقراطية بمفهوم معيّن و الدين بمفهوم آخر. ليس الأمر كذلك. ديمقراطيتنا تنبع من الدين، و قد عرض الإسلام هذا الطريق علينا. بهداية الإسلام وصلنا إلى نظام الجمهورية الإسلامية، و سيكون الأمر كذلك بعد الآن أيضاً بتوفيق من الله. هذه العداوات مركّزة و موجّهة ضد الإسلام. إذا سلبوا الإسلام من هذا النظام، فإن ما ينبع من الإسلام سوف يحذف بصورة طبيعية أو يؤول إلى الضعف و الخفوت. يجب تحليل الأمور و القضايا من هذه الزاوية. ثمة اصطفافات في العالم، و نحن في كثير من هذه الاصطفافات طرف من الأطراف. يجب النظر من هو الطرف المقابل، و ما هو ؟ و لماذا يمارس عداءه ضدنا ؟ و لماذا نقاوم أمامه ؟ يجب النظر لهذه الأمور نظرة عامة شاملة. يقول سبحانه و تعالى: «أفمن يمشي مكبّاً على وجهه أهدى أمّن يمشي سويّاً على صراط مستقيم» (3). معنى «سويّاً على صراط مستقيم» هو أن ننظر و ندقق بأعين مفتحة و ببصيرة و بالنظر لكل الجوانب و الأبعاد فنرى ما هو الهدف و ما هو طريق الوصول إلى هذا الهدف، و ما هي الواقعيات و الحقائق التي تعترض طريقنا نحو ذلك الهدف؟ و نتخذ قراراتنا و نتحرك في ضوء هذه الحقائق و الأمور.
لاحظوا أن أحداثاً متنوعة تجري في الوقت الحاضر في هذه المنطقة. منذ عدة سنين و إلى اليوم جعلت الأجهزة الاستكبارية من منطقة غرب آسيا ميداناً لصولاتها و جولاتها. على الرغم من تواجد الاستكبار في المنطقة و نشاطه فيها فقد وقعت الصحوة الإسلامية. و أقول لكم إن الصحوة الإسلامية لمّا تنته بعد، لا نتصوّر أنه بالأحداث التي وقعت في بعض البلدان زالت الصحوة الإسلامية و مُحيت و انتهت. لم تكن الصحوة الإسلامية حدثاً سياسياً محضاً مثل انقلاب أو تغيّر يأتي بموجبه شخص و يغادر شخص، ثم يأتي آخر ليغادر هذا الذي آتى. معنى الصحوة الإسلامية انبثاق حالة تنبّه و وعي و ثقة بالذات في المجتمعات الإسلامية قامت على أساس الإسلام. في شمال أفريقيا طبقاً لبعض المقتضيات، في مصر مثلاً أو تونس أو في السودان قبل ذلك وقعت أحداث، و هناك أرضية كامنة لذلك في مناطق أخرى. لا نتصوّر بأن الصحوة الإسلامية قد انتهت، لا، هذه حقيقة كامنة تحت الجلد الظاهري للمجتمعات. لذلك تلاحظون أنه في البلد الذي يدّعي الميل نحو الإسلام يصوّت الشعب للحكومة ذات الميول الإسلامية. هذا مؤشر على الإقبال على الإسلام و التوجّه للإسلام. إذن، فحدث الصحوة الإسلامية حدث كبير جداً وقع على الرغم من إرادة الاستكبار و رغباته و مخططاته. و من الطبيعي أن تكون هناك ردود أفعال من ذلك الطرف. إننا نشاهد اليوم ردود أفعال جبهة الأعداء سواء في شرق منطقتنا أو في منطقة باكستان و أفغانستان إلى أقصى غرب آسيا أي منطقة سورية و لبنان، ثمة أحداث و وقائع. جبهة الاستكبار - و على رأسها و الطرف البارز فيها هو حكومة الولايات المتحدة الأمريكية - ترى لنفسها مصالح في المنطقة على أساس نظرة استكبارية هي امتداد للنظرة الاستعمارية التي سادت في القرن التاسع عشر و لكن بصورة جديدة، و يحاولون معالجة كل قضايا المنطقة في ضوء المصالح التي يرونها لأنفسهم فيها. و من هذا القبيل قضية سورية، و كذلك قضية البحرين. تواجد الاستكبار في هذه المنطقة تواجد عدواني و تعسفي و جشع يريد القضاء على أية مقاومة تقف في وجهه. طبعاً لم يستطيعوا لحد الآن و الحمد لله فعل شيء و لن يستطيعوا.
هذه المنطقة منطقة زاخرة بالثروات و لها موقع جغرافي و طبيعي مهم جداً، و من الطبيعي أن يهتموا لهذه المنطقة و تمتد أعينهم إليها، و إذا نظر الإنسان في تصريحاتهم و كلامهم و ما قاموا به لحد الآن لوجد أن هدفهم في هذه المنطقة الاستيلاء عليها و تكريس سيادتهم فيها و جعلها تدور حول محورية الكيان الصهيوني، هذا ما يريدونه. و في الأحداث الأخيرة في سورية تلاحظون أنهم يطرحون في الفترة الأخيرة ذريعة الأسلحة الكيمياوية. و هم طبعاً يحاولون بطلاوة اللسان و اللعب بالألفاظ التظاهر بأنهم يريدون التدخل في القضية لأسباب إنسانية. و من في العالم لا يعلم كذب هذه الادعاءات؟ الشيء الذي لا يهتم له الساسة الأمريكان بكل تأكيد و بلا أدنى ريب هو هذا الجانب الإنساني من القضية. إنهم من سجنوا في سجن غوانتانامو و قبل ذلك في سجن أبي غريب في العراق الآلآف من السجناء دون محاكمات و لمجرد التهمة سنين طويلة، و لا يزال عدد منهم هناك، فهل هذه ممارسات إنسانية؟ إنهم من شاهد القصف الكيمياوي الواسع الذي مارسه صدام في هذه المنطقة - سواء ما وقع في مدينة حلبچه العراقية أو ما وقع في مدننا الإيرانية مثل سردشت - و لم ينبسوا ببنت شفة، بل و كانوا يساعدون المجرم، و لنفترض أن المساعدة لم تكن بمعنى أن الأمريكان منحوا معدات كيمياوية لصدام - طبعاً منحه الغربيون مثل هذه المعدات و المواد و هذا مما لا شك فيه و لدينا الوثائق الدالة على ذلك - و لكن الأمريكان على الأقل شاهدوا ما وقع و اطلعوا عليه و لم يعترضوا أبداً. هكذا هي قضاياهم الإنسانية. يفتحون النيران في أفغانستان و باكستان على قوافل الأعراس الشعبية و يقتلون الناس، و قد قتلوا في العراق الآلآف ظلماً و عدواناً، و لا يزال عملاؤهم يفعلون ذلك، و لم ينبسوا ببنت شفة. القضية الإنسانية ليست مما يوجد في العالم من يصدّق بأن الأمريكان يهتمون لها، لكنهم يتشدقون و يلعبون بالألفاظ و يقلقلون ألسنتهم و يتحدثون بها من أجل أن يستطيعوا تبرير تحركاتهم و أعمالهم. و طبعاً نعتقد أنهم على خطأ، و سوف يشعرون بالضربات التي سيتلقونها على هذا الصعيد، و سوف يتضرّرون و يخسرون بالتأكيد. هذا مما لا ريب فيه.. هذا هو وضع المنطقة.
نظام الجمهورية الإسلامية بسوابقه الشبيهة بالإعجاز - حيث ظهر وسط هذا الطوفان، ثم صمد طوال سنين أمام كل حالات المعارضة، و لم يهن و لم يضعف، و لم تخفت شعاراته، و ليس هذا و حسب بل ازداد قوة حقيقية يوماً بعد يوم، و الجمهورية الإسلامية اليوم تختلف عن الجمهورية الإسلامية قبل ثلاثين عاماً و خمسة و عشرين عاماً، من حيث الاقتدار و التنمية و النفوذ و القدرات الداخلية من الأرض إلى السماء، و شعاراته شعارات متينة قوية - و بالنظر لخارطة الأعداء في هذه المنطقة، يجب أن يعلم ما الذي يريد أن يفعله. ما نعتقد أنه واجبنا و واجب كل المسؤولين في البلاد و واجب حكومة الجمهورية الإسلامية هو أن نأخذ بنظر الاعتبار هذه العناصر الثلاثة الكبرى في كل قراراتنا و خطواتنا:
العنصر الأول هو مبادئ نظام الجمهورية الإسلامية و أهدافه، و هي أهداف و مبادئ يجب عدم نسيانها بأيّ حال من الأحوال. و يمكن تلخيص مبادئ و أهداف نظام الجمهورية الإسلامية في العبارة القصيرة «إيجاد حضارة إسلامية». الحضارة الإسلامية هي المناخ الذي يستطيع الإنسان فيه النمو و الرشد من الناحية المعنوية و من الناحية المادية، و يصل إلى الغايات المطلوبة التي خلقه الله سبحانه و تعالى من أجلها، فتكون له حياة طيبة صالحة عزيزة، و يكون إنساناً عزيزاً ذا اقتدار و إرادة و إبداع و يعمل على بناء عالم الطبيعة. هذا هو معنى الحضارة الإسلامية، و الذي يمثل هدف نظام الجمهورية الإسلامية و مبدؤه.
و العنصر الثاني هو الطرق التي توصلنا إلى هذه الأهداف. الاستراتيجيات العامة الكلية.. يجب معرفة هذه الاستراتيجيات و منها الاعتماد على الإسلام و عدم ممارسة الظلم أو الخضوع له في العلاقات و المعاملات المتنوعة. حين قال: «كونا للظالم خصماً و للمظلوم عوناً» (4) فهذا واجب و وظيفة و استراتيجية كلية عامة. و هناك أيضاً استراتيجية الاعتماد على أصوات الشعب و ما يعتبر أركاناً للديمقراطية، و استراتيجيات أخرى من هذا القبيل، هذه هي السياسات العامة و الأساسية و الاستراتيجيات الأصلية لنظام الجمهورية الإسلامية للوصول إلى تلك المبادئ و الأهداف.. من الاستراتيجيات أيضاً العمل العام و الجدّ و السعي و الابتكارات و الإبداعات و الوحدة الوطنية.
و العنصر الثالث هو الواقع.. يجب النظر للواقع و أخذه بعين الاعتبار. و قد قلت بحضور المسؤولين و المدراء في شهر رمضان المبارك (5) إن ما نحتاجه هو النزعة المبدئية إلى جانب النظر للواقع و الواقعيات. يجب فهم الواقعيات بصورة صحيحة. يجب معرفة الواقعيات التي تفضي و تؤدي إلى الاقتدار، كما ينبغي معرفة الواقعيات التي تمثل نواقص و ثغرات. و يجب أيضاً معرفة موانع المسيرة و عقباتها. يجب فهم الواقع و الواقعيات بشكل صحيح. و قد ذكرت هناك عدداً من الواقعيات باعتبارها من الحقائق الطيبة الحلوة التي نعيشها، إذ لا ينبغي النظر للنواقص و الثغرات فقط. توفر أفكار و آراء متميزة، و وجود عناصر فعالة و مبدعة، و شياع المعرفة الدينية و النزعة المعنوية بين قطاعات واسعة من جيل الشباب في إيران، و بقاء الشعارات الدينية و الإسلامية، و النفوذ المتصاعد لنظام الجمهورية الإسلامية في المنطقة و العالم.. هذه حقائق و واقعيات موجودة و يجب رؤيتها و أخذها بعين الاعتبار. و طبعاً ثمة واقعيات مرة إلى جانبها شأنها شأن كل حيوات البشر التي تمتزج فيها الحلاوات بالمرارات. بالاعتماد على تلك الواقعيات الحلوة و تعزيزها يجب السعي للتغلب على الواقعيات المريرة السيئة أو تقليلها.
ينبغي أخذ هذه العناصر الثلاثة بنظر الاعتبار، أي يجب عدم نسيان المبادئ و الأهداف و المُثُل، كما يجب عدم نسيان الاستراتيجيات و تجاهلها، و طبعاً ينبغي أخذ الواقعيات أيضاً بنظر الاعتبار. إذا لم ننظر للواقع و الواقعيات فسوف لن نسير في الطريق الصحيح، بيد أن وجود الواقعيات يجب أن لا يصرفنا عن مبادئنا و مثلنا. إذا كان وجود صخرة في الطريق مثلاً يمنعنا من مواصلة الطريق و العودة إلى عن الدرب فنكون هنا قد أخطأنا. و إذا تجاهلنا هذه الصخرة و سار الإنسان دون اكتراث ليصطدم بها فيكون قد وقع في الخطأ أيضاً، أما إذا نظرنا في هذه الصخرة و في ما حواليها من الطرق الممكنة أو الممكن إيجادها، أو كيف يمكن رفع هذه الصخرة نفسها و تفتيتها أو إيجاد منفذ فيها أو العثور على طريق مواز لها، فستكون هذه نظرة صحيحة للواقع، و هذا هو الدرب الذي سار فيه إمامنا الخميني الجليل في الفصل الأول من الثورة الإسلامية أي الأعوام العشرة الأولى الحاسمة و الشديدة الحساسية من عمر الثورة. لم يغمض الإمام الخميني عينيه عن الواقع و الواقعيات لكنه في الوقت ذاته لم يتنازل و لم ينس الاستراتيجيات. لاحظوا وضع الإمام الخميني و حياته و شعاراته. الإمام الخميني الجليل هو الذي لم يخش من أي بشر في خصوص الكيان الصهيوني، و قال إن الكيان الصهيوني غدة سرطانية و يجب أن يزول. لم يمارس التقية أبداً أمام شرور القوة الأمريكية المستكبرة المتدخلة، و كان من أقواله إن أمريكا هي الشيطان الأكبر. و من أقواله و مواقفه أيضاً أنه اعتبر هجوم الشباب المسلم و الطلبة الجامعيين المتدينين على السفارة الأمريكية و استيلاءهم على وثائق و أدوات التجسس الأمريكية، اعتبر ذلك ثورة ثانية ربما كانت أهم من الثورة الأولى.. هذه هي كلمات الإمام الخميني و مواقفه و منهجه. حين قال في خصوص الحرب: حرب حرب حتى رفع الفتنة، كان الآخرون يقولون: حرب حرب حتى النصر، بينما قال الإمام الخميني: حتى رفع الفتنة. حالات الصمود هذه هي التي عززت النظام الإسلامي و كرّسته.
الذين لم يعرفوا الطريق و عملوا في بعض البلدان بشكل آخر من أجل أن يخطبوا ودّ المستكبرين، و تنازلوا عن أصولهم و مبادئهم و نسوا شعاراتهم الأصلية الأساسية، تلاحظون ما الذي حلّ بهم. إنهم الذين لو كانت في مصر شعارات مقارعة إسرائيل، و لو لم يتنازلوا أمام وعود أمريكا و عملاء أمريكا، لما كان من الأكيد أن يحدث ما حدث، أي ما كان سيحدث ما حدث يقيناً، حيث تم إطلاق سراح الدكتاتور الذي حكم مصر و إذلّ شعب مصر لمدة ثلاثين عاماً من السجن، بينما من المحتمل أن يحكم على الذين انتخبهم الشعب بالإعدام، ما كان من الممكن أن يحدث مثل هذا على الإطلاق. البسطاء الذين وقفوا في الميدان بوجه هؤلاء المنتخَبين و رفعوا الشعارات ضدهم، لو كانت هناك شعارات مبدئية لانحاز نصفهم أو أكثرهم لجانب المنتخَبين، أي ما كانوا سيصبحون معارضين. حينما يتراجع المرء عن المواقف المبدئية فسيحدث مثل هذا. هذه أمور يجب مراعاتها على كل حال.
ما نشعر أن من اللازم القيام به من أجل رفع المشكلات و حلها - و المشكلات ليست بنت اليوم فقط بل كانت هناك دوماً مشكلات، و ثمة مشكلات في كل البلدان، بمعنى أنه لو تصوّر أحد عدم وجود مشكلات في كذا أو كذا من البلدان المتقدمة أو البلدان الأوربية أو الغربية أو الثرية أو ذات العدد الكبير من السكان أو ذات العدد القليل من السكان، فهو على خطأ.. المشكلات موجودة في كل مكان، و من طبيعة أي شعب أن يواجه بعض المشكلات، و على مسؤوليه أن يعملوا على رفع هذه المشكلات و يواصلوا مسيرتهم و حركاتهم. البعض قد يريدون رفع مشكلاتهم بمساعدة الآخرين و الاعتماد عليهم أو إعطائهم رشاوى، أو التذلل لهم، و البعض لا، يريدون حل مشكلاتهم بطاقاتهم و قدراتهم الذاتية الداخلية - هو أن نولي أهمية لتعزيز و تقوية البنية الداخلية للنظام، هذا هو أساس الأمر. يجب أن نقوّي أنفسنا من الداخل. تقوية الداخل و الذات أمر ممكن بالتفكير الصائب و النظرة العقلائية، سواء عن طريق التقدم العلمي أو عن طريق البنية و الإدارة الاقتصادية الصحيحة.. هذه أمور نعتقد أنها ممكنة.
لاحظوا أنهم في الوقت الحاضر حينما يضغطون علينا في قضية النفط، فمن أين ينشأ هذا؟ إنه ينشأ من أننا لم نستطع تخفيض اعتمادنا على النفط منذ ما بعد الحرب و نهاية الحرب و إلى اليوم. لو خفضنا اعتمادنا على النفط لما كان الضغط على ورقة النفط صعباً علينا إلى هذه الدرجة. إذن، يجب أن نعود إلى أنفسنا، و نطلب من أنفسنا حل العقد و المشكلات بقوة الإرادة.
و اليوم استلمتْ زمام الأمور و الحمد لله حكومة جديدة فتية، و من امتيازاتنا في الوضع الراهن أن حكومة جديدة بكامل قواها قد نزلت إلى ساحة العمل و لها أفكارها الجديدة و تصوراتها الجديدة و بمجموعة من الأفراد و الشخصيات ذوي قدرات و طاقات، و يريدون أن يعملوا و يتقدموا إلى الأمام إن شاء الله نحو تلك الأهداف المعلنة. و رئيس الجمهورية رجل دين ذو سوابق نشطة في شتى مجالات الثورة و البلاد، و هذه بحد ذاتها من الامتيازات المتوفرة حالياً. طبيعة الأمور و الأعمال تقتضي أن نمدّ جميعاً يد العون. إنني أجد من واجبي أن نساعد كل الحكومات و قد دعمنا كل الحكومات و سوف نساعد هذه الحكومة أيضاً بكل تأكيد و ندعمها، و هذا ما يجب على المسؤولين الآخرين أيضاً. طبعاً دعمي للحكومات لا يعني أن نوافق كل ما تقوم به تلك الحكومات، لا، كانت هناك خلال فترات متعددة حكومات مختلفة، و قد دعمناها جميعاً، و كانت لنا عليها كلها مؤاخذات معينة في ميادين مختلفة، لكن تلك المؤاخذات يجب أن لا تجعلنا نعتبر الحكومة أجنبية و غريبة علينا، و لا نمدّ لها يد العون و المساعدة التي يجب على الجميع مدّها نحوها. من اللازم تقديم هذه المساعدة إن شاء الله، و من اللازم أن ندعو و نوصي و ننصح.. النصيحة لأئمة المؤمنين.. أي الكلام الخير النابع من نيّة خيّرة، و قد يكون هذا الكلام الخيّر شديداً و حاداً و قوياً في بعض الأحيان، و هذه من طبيعة العمل و الأمور، و إذا فكر المسؤولون الذين وُجّه لهم هذا الكلام الحاد الشديد بصورة جيدة فأظن أنهم سيكونوا راضين عن النتيجة، لأن ذلك الكلام الحاد الشديد هو أيضاً لصالحهم. على كل حال حين أنظر لوضع البلاد و مستقبلها، و على الرغم من وجود بعض المشكلات التي طرحها الأعزاء و لم يطرحوا الكثير منها، أرى أن المستقبل مشرق جداً و الطريق طريق نيّر، و مبادئنا مبادئ مشخّصة، و نعلم ما الذي نريد أن نفعله، و الطريق إلى هذه المبادئ طريق نيّر مشرق، و استراتيجياتنا ليست غامضة أو مضبّبة و نعلم ما هي الأمور و الأعمال التي يجب أن تنجز.
و قد ظهرت في هذه الأعوام اصطفافات و جبهات إقليمية و عالمية. و بالطبع فإن المرونة و اللين و المناورات الفنية و البطولية عمليات جيدة و مقبولة في كل الميادين السياسية، بيد أن هذه المناورات الفنية يجب أن لا تعني تجاوز الخطوط الحمراء أو العودة و العدول عن الاستراتيجيات الأساسية أو عدم التنبّه للمبادئ و المثل.. هذه أمور يجب مراعاتها. طبعاً لكل حكومة و لكل شخص و شخصية أسلوبها و إبداعاتها و سوف يعملون بهذه الإبداعات و ستتقدم الأمور و المشاريع إلى الأمام. إنني متفائل جداً و اعتقد أن المشكلات الموجودة، سواء كانت مشكلات اقتصادية أو سياسية أو أمنية، و الأهم من كل ذلك المشكلات الثقافية التي تعتبر أعمق و أهم من المشكلات الاقتصادية - رغم أن بعض الأعمال و المشاريع الاقتصادية قد تكون أكثر فورية منها - كل هذه المشكلات ممكنة الحل، و الطريق طريق ممكن السلوك و المسير. و نسأل الله تعالى العون و المدد.
و كنتُ قد سجّلت هذه الجملة أيضاً لأذكرها، و هي أن يتنبّهوا إلى أن من الاستراتيجيات الأساسية لأعداء الإسلام و خصوصاً أعداء النظام الإسلامي في المنطقة، استراتيجية بث الخلافات الطائفية و المذهبية و مماحكات الشيعة و السنة. تنبّهوا إلى هذه المسألة. و ثمة في هذا المجال نوعان من عملاء العدو و مرتزقته: فئة من السنّة و فئة من الشيعة. فئة من التكفيريين المنحرفين عن حقيقة الدين و فئة من الذين يعملون للعدو باسم الشيعة فيثيرون مشاعر الآخرين و يبرّرون العداوات و يؤجّجون نيران الفتنة. أية مجموعة و أية حكومة تنطلي عليها خدعة هذه المؤامرة الكبيرة و تغرق في هذه القضية، و أية مجموعة تخطئ، فسوف توجّه يقيناً ضربات للحركة الإسلامية و للنظام الإسلامي، و خصوصاً لبلدنا. إنني أصرّ على أن يتفطن كبار علماء الدين، سواء من الشيعة أو من السنة، و سواء كانوا في إيران أو خارج إيران، إلى أن الاختلافات بين الفرق و المذاهب الإسلامية يجب أن لا تؤدي إلى أن نفتح جبهة جديدة أمامنا، و نغفل عن العدو الأصلي و هو عدو الإسلام و عدو الاستقلال و عدو تقدم شعوب المنطقة و ازدهارها.
نتمنى أن يعيننا الله تعالى جميعاً، و أن تشملكم و أيّانا جميعاً عنايات سيّدنا بقية الله الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) و أدعيته.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - أقيم هذا اللقاء بمناسبة انعقاد المؤتمر الرابع عشر من الدورة الرابعة لمجلس خبراء القيادة في يومي الثالث و الرابع من أيلول سنة 2013 م .
2 - في أحدث عمليات تفتيش خارج الحدود قامت بها لجنة التفتيش عن مفقودي الحرب المفروضة التابعة لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية تمّ العثور على جثامين 92 شهيداً في مناطق من العراق - منها مناطق الفاو و جزيرة مجنون - و نقلوا في الخامس عشر من آب 2013 م عن طريق منطقة شلمچه الحدودية إلى أرض الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث تم تبادل هذه الجثامين مع أجساد 61 من الجنود العراقيين في مراسم خاصة. و جرى تشييع هذه الجثامين الطاهرة يوم الثاني من أيلول 2013 م في طهران تزامناً مع ذكرى استشهاد الإمام جعفر الصادق (عليه السلام).
3 - سورة الملك، الآية 22 .
4 - نهج البلاغة، الكتاب رقم 47 .
5 - بتاريخ 21/07/2013 م .