بسم الله الرحمن الرحيم (1)
أبارك لكل الحضور المحترمين الميلاد السعيد لسيدنا نبيّ الإسلام الكريم و ميلاد الإمام الصادق (عليهما الصلاة و السلام). مسؤولو البلاد حاضرون هنا، و ضيوف أسبوع الوحدة الأعزاء حاضرون هنا، و سفراء البلدان الإسلامية المحترمون حاضرون في هذه الجلسة، فمبروك عليكم جميعاً هذا العيد السعيد الكبير. كما أبارك لعموم شعب إيران و الشعوب المسلمة و الأمة الإسلامية و كذلك لكلّ أحرار العالم الذين تهمّهم قضية التحرر و الإنسانية و لها قيمتها عندهم، فهذا اليوم هو يوم ميلاد رسول العلم؛ رسول العلم و رسول العقل و رسول الأخلاق و رسول الرحمة و رسول الوحدة و رسول كل الخصال الإنسانية الكبرى. كل من يهتم بهذه الخصال الإنسانية سيعشق رسول الإسلام (ص) و يشعر بالانشداد له.
أنا و أنتم مسلمون ندّعي اتباع ذلك الإنسان العظيم، و نفخر بذلك، و مستعدون للثبات على هذا السبيل، و بذل أرواحنا و أموالنا في هذا الدرب، و نحتاج أن نعلم أنفسنا متبعين لهذه التعاليم - التي تحتويها رسالة الإسلام، أي العلم و العقل و الحكمة و الرحمة و الوحدة و الأخلاق و الخصال الإنسانية التي تضمنتها رسالة رسول الإسلام (ص) و بذل سيدنا أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه الصلاة و السلام) أوسع الجهود لنشرها و تحقيقها - و نسعى من أجلها. هذا هو اليوم واجب كل المسلمين. طبعاً كتل الشعب تتبع مسؤولي البلاد. الحكومات و النخب و المستنيرون و العلماء و الساسة و شخصيات من هذا القبيل هم الذين يتحملون الواجب الأساسي في هذا الميدان الواسع. حينما أنظر اليوم إلى قضايا مجتمعنا و قضايا العالم الإسلامي أجد مع أن كل هذه المضامين الكبيرة مهمة - فالعلم مهم للعالم الإسلامي، و كذلك التعقل مهم، و كذلك الأخلاق - لكن الأهم و ما هو بالدرجة الأولى من الأولوية للعالم الإسلامي یتمثل في الوحدة. نحن المسلمين ابتعدنا عن بعضنا كثيراً. لقد كان للسياسات في هذا المضمار للأسف مساع موفقة في الفصل بین المسلمين و تفریق قلوب الجماعات المسلمة بعضها عن بعض. نحتاج اليوم إلى الوحدة.
لو تواكبت شعوب البلدان الإسلامية في كل هذه المنطقة الواسعة - و الذين يشكلون جزءاً كبيراً جداً من سكان العالم - لا في التفاصيل و الجزئيات بل في التوجهات الكلية العامة مع بعضهم لوصل العالم الإسلامي إلى ذروة الرقيّ و الرفعة. أن يروا إلى جانب بعضهم في القضايا الكلية فهذا المنظر الذي يعرضهم إلى جانب بعضهم له بحد ذاته تأثيره. و أن يتحدث رؤساء البلدان الإسلامية أو مستنيرو البلدان الإسلامية بعضهم ضد بعض - حتى لو كان مجرد كلام - فهذا ما يبث الجرأة و الأمل في نفس العدو، و هذا هو الواقع اليوم. لو ظهرنا إلى جانب بعضنا حتى و لو بمقدار التصريحات فهذا ما يمنح العظمة و الهيبة للعالم الإسلامي و للأمة الإسلامية. أين ما شاهدنا نماذج لهذا الاجتماع و الاتحاد، حتى لو كان على مستوى الأجسام التي تقف إلى جانب بعضها في صف واحد، وجدنا أن انعكاسات ذلك في العالم كانت مبعث شرف و سمعة حسنة للإسلام و المسلمين و لرسول الإسلام (ص). عندما نصلي صلاة العيد نقف إلى جوار بعضنا و نقول: «اَلَّذي جَعَلتَهُ لِلمُسلِمينَ عيداً وَ لِمُحَمَّدٍ صلّى ‌الله ‌عليه ‌و آله ذُخراً وَ شَرَفاً وَ كرامَة وَ مَزيداً» (2). مجرد وقوف الأجسام إلى جانب بعضها في الصلاة مبعث شرف لرسول الإسلام (ص) و سبب عزة و احترام للأمة الإسلامية. هكذا هو تجمع المسلمين في الحج. و قد لاحظتم هذه السنة في أربعينية الإمام الحسين (ع) أن ملايين البشر اجتمعوا إلى جانب بعضهم، و هذا التحرك العظيم لجماعة من المسلمين بحد ذاته - و لم يكن الأمر خاصاً بالشيعة بل كان السنة أيضاً موجودين - الذي انعكس في العالم، أثار إعجاب العالم و تكريمه، و اعتبروه أعظم تجمّع في العالم؛ من هم؟ الذين يرصدون القضايا و الشؤون الإسلامية.
و أرى من المناسب و اللازم هنا بمناسبة ذكر ذلك التجمع الهائل أن أتقدم بالشكر لحكومة العراق و شعب العراق و عشائر العراق الذين ضحّوا في هذا الامتحان البالغ الأهمية و قدموا الخدمة و أبدوا الکرم و المرؤة. كان حدثاً عجيباً حدث الأربعينية في كربلاء هذه السنة. لقد تصور أعداء الإسلام و أعداء أهل البيت (ع) أنهم سدوا هذا الطريق، و لكم أن تلاحظوا أيّ تحرك عظيم حصل! عندما تصطف حتى الأجسام بعضها إلى جانب بعض فستكون لذلك انعكاسات بهذا الشكل. إذا كنا مع بعضنا و كانت قلوب البلدان و الشعوب الإسلامية - من سنة و شيعة و مختلف فرق التسنن و التشيع - نقية بعضها اتجاه بعض، و لا تحمل سوء ظن أو سوء نية بعضها لبعض، و لا يهين بعضهم بعضاً، لاحظوا أيّ حدث سيقع في العالم، و أية عزة ستحصل للإسلام! الوحدة الوحدة.
ثمة اليوم أيادٍ بين أهل السنة و بين الشيعة تعمل للفصل و التفرقة بينهم، و إذا فتشتم فستصل كل هذه الأيدي إلى مراكز التجسس و الاستخبارات التابعة لأعداء الإسلام، لا أعداء إيران أو أعداء الشيعة فحسب، بل أعداء الإسلام. ذلك التشيّع المرتبط بـ MI6 البريطاني، و ذلك التسنن المرتزق للـ CIA الأمريكي، لا هو بتشيّع و لا بتسنن، فكلاهما ضد الإسلام. إننا في الجمهورية الإسلامية نهتف بهذا الهتاف منذ 35 عاماً، و لا نتكلم فقط بل نعمل. المساعدة التي قدمتها الجمهورية الإسلامية لأخوانها في العالم الإسلامي لحدّ اليوم، كانت في الغالب مساعدة للإخوة من أهل السنة. لقد وقفنا إلى جانب الفلسطينيين و إلى جانب الجماهير المؤمنة في بلدان المنطقة، لأننا كنا نعلم أن قضية الوحدة هي في الوقت الراهن على رأس القضايا الإسلامية. إنني أوصي و أصرّ على العلماء الأعلام و المستنيرين في العالم الإسلامي و على ساسة العالم الإسلامي أن لا يتحدثوا عن التفرقة إلى هذا الحدّ. ثمة في العالم من ينفقون الأموال من أجل التخويف من الإسلام و لتشويه وجه الإسلام في العالم، و إذا بنا في الداخل نعمل على تشويه وجوه بعضنا و تخويف الناس بعضهم من بعض! هذا بخلاف الحكمة و السياسة.
سمعتُ أن بعض حكومات المنطقة جعلت سياستها الخارجية على أساس معارضة إيران! لماذا؟ هذا بخلاف العقل و الحكمة، هذا فعل أبله. لماذا يرتكب الإنسان مثل هذا الخطأ الكبير؟ نحن على العكس، أقمنا سياستنا الخارجية على الصداقة و الأخوة و الارتباط بكل البلدان المسلمة و بلدان المنطقة من جيران و غير جيران. هذه هي سياستنا، و عملنا على هذه الشاكلة و سنعمل على هذا النحو في المستقبل أيضاً. الشعب الإيراني في الوقت الحاضر يتحلى، و الحمد لله، بهذه البصيرة و هذا الوعي و هذه المعرفة السامية بحيث يعلم أن مصلحة مستقبل بلاده منوطة بالاتحاد الإسلامي و بالشعوب المسلمة و بالبلدان الأخرى. طبعاً يحاول البعض و يعملون و يسعون لإيجاد حالات خلل و إربالك و سوء ظن و يحاولون الوسوسة، لكن الشعب و الحمد لله أدرك هذا الأمر في الوقت الحاضر. لقد فعل هتاف إمامنا الخميني الجليل - منذ ما قبل انتصار الثورة و إلى ما بعد ذلك عند تأسيس النظام الإسلامي - فعله بخصوص قضية الوحدة، و صار شعبنا واعياً، و هذا واجب الجميع. على جميع المسلمين اليوم من أقصى أنحاء العالم إلى أقصاها أن يفكروا بالأمة الإسلامية و بالوحدة الإسلامية. إذا فكرنا بالأمة الإسلامية فسوف تتأمّن مصالح بلداننا أيضاً. مصلحة العدو هي أن يفصلنا بعضنا عن بعض، و أن يهاجم بلداً و يكسب الحلفاء له من بلد آخر، مصلحة العدو تكمن في هذا و يجب علينا أن لا نسمح بذلك. من هو العدو؟ العدو هو الرأسمالية الأمريكية و الاستكبار العالمي الذي تقف على رأسه اليوم أمريكا و الصهاينة و الحكومة الصهيونية في فلسطين المحتلة جزء من تلك المجموعة الخطيرة و ذلك السرطان الفتاك الذي أوجده الصهاينة في العالم. يجب الوقوف بوجه هؤلاء و ينبغي في مجابهتهم العودة إلى الإسلام و إلى نصوص القرآن الکریم.
أحياناً يرى الإنسان أشياء و يسمع أقوالاً و يقرأ كتابات لم تكتب في ضوء الآيات القرآنية. القرآن الكريم يقول: «قولوا ءامَنّا بِاللهِ وَ مآ اُنزِلَ اِلَينا وَ ما اُنزِلَ إلى اِبرهيمَ وَ اِسماعيلَ وَ ... و ما اوتِي موسى و [عيسى‌ و ما اوتِي‌] النَّبيون» (3). بعد أن يذكر كل تلك الشرائع السابقة التي من واجب المسلمين الإيمان بها، يقول: «فَاِن ءامَنوا بِمِثلِ مآ ءامَنتُم به‌ فَقَدِ اهتَدَوا» (4). الإسلام لا يوافق التعددية. الذين يروّجون لفكرة أن الإسلام يوافق التعددية لأنه يثني على النبي موسى و النبي عيسى، فليراجعوا القرآن و ليلاحظوا النصوص الإسلامية، و لا يذكروا شيئاً عن عدم اطلاع و عن غفلة. هذا هو الإسلام: «فَاِن ءامَنوا بِمِثلِ مآ ءامَنتُم به‌ فَقَدِ اهتَدَوا وَ اِن تَوَلَّوا فَاِنَّما هُم في شِقاقٍ فَسَيكفيكهُمُ الله» (5). هذا هو معنى القرآن الكريم. ثم إنه بين المسلمين «حَريصٌ عَلَيكم» (۶). يقول حول الرسول الأكرم (ص): «حَريصٌ عَلَيكم بِالمُؤمِنينَ رَءوفٌ رَحيم» (۷). إنه رؤوف بالمؤمنين لكن «اَشِدّاءُ على الكفّارِ رُحَمآءُ بَينَهُم» (8). كونوا أشداء مقابل الأعداء و من هو عدوكم. لا تكونوا مقابل العدو كالساتر الرخو المرن فيستطيع التغلغل فيكم من أين ما شاء، بل كونوا أشداء صلدين ثابتين، و لكن «رُحَمآءُ بَينَهُم»، كونوا في ما بينكم رحماء، و لتكن قلوبكم نقية بعضكم تجاه بعض و عطوفين بعضكم على بعض، بحيث لا تستطيع الأسماء فصلكم عن بعضكم، و لا تستطيع الحدود الجغرافية تفريقكم بعضكم عن بعض، و لا تستطيع الحدود الجغرافية وضع الشعوب بعضها في وجه بعض. هذا من دروس ذلك الرسول (ص). من المناسب في هذا اليوم - و هو يوم ولادة النبي الأكرم (ص) - أن نستلهم الدروس، فمجرد تكريم الرسول (ص) و مدحه و الثناء عليه ليس العمل الذي يتوقع منا، يجب أن نستلهم الدروس و أن نريد تحقيق ما بعث النبي (ص) من أجله، و ذكرتُ أن أولوية العالم الإسلامي اليوم هي الاتحاد. نتمنى أن يوفقنا الله تعالى جميعاً للعمل بما نقول. اللهم زد في قوة العالم الإسلامي و الأمة الإسلامية و شموخهما يوماً بعد يوم.
و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - قبل كلمة الإمام السيد علي الخامنئي ألقى حجة الإسلام و المسلمين الشيخ حسن روحاني (رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران ) كلمة في الحضور.
2 - الإقبال، ص 289 ، من دعاء القنوت في صلاة عيد الفطر.
3 - سورة البقرة، شطر من الآية 136 .
4 - سورة البقرة، شطر من الآية 137 .
5 - م ن .
6 - سورة التوبة، شطر من الآية 128 .
7 - م ن .
8 - سورة الفتح، شطر من الآية 29 .