بسم الله الرحمن الرحيم (1)

و الحمد لله ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و آله الطاهرين، سيما بقية الله في الأرضين.
أرحب بالسادة المحترمين. بالإضافة إلى المزايا التي عرضها سماحة الشيخ يزدي رئيس مجلس الخبراء المحترم (2) هناك مزية أخرى تختصّ بي، و هي أنني ألتقي في هذه المؤتمرات الإخوة الأعزاء و السادة المحترمين عن قرب، فهذه فرصة بالنسبة لنا، و نسأل الله تعالى أن يوفقكم - جميع السادة و الأصدقاء - للنهوض بهذه الواجبات الجسيمة الملقاة على عاتقنا جميعاً على أفضل وجه إن شاء الله.
أولاً أبارك لسماحة الشيخ يزدي توليه مسؤولية رئاسة هذه الجلسة. شخصيته و سوابقه و لواحقه كلها تجعل هذا الانتخاب يبدو انتخاباً مناسباً و في محله. نتمنى أن يعينه الله من الناحية الصحية و من حيث الاستعداد العام ليستطيع أن يقوم بواجباته. و نحيّي ذكرى المرحوم الشيخ مهدوي (3) (رضوان الله عليه). لقد كان شخصية بارزة، و الحق أن وجود المرحوم الشيخ مهدوي خلال الفترة الطويلة بعد انتصار الثورة - فضلاً عن جهاده قبل انتصار الثورة - كان وجوداً مؤثراً و كان يمثل تجسيداً لرجل الدين الناشط العالم العامل. نرجو من الله تعالى أن يمنحه الجزاء الأوفى و يمنّ عليه برحمته و مغفرته.
الحمد لله على أن هذه الجلسة من مؤتمر السادة التي أجريت فيها انتخابات داخلية - كما رفعوا لي في التقارير - كانت جلسة جد رصينة، و هي في الواقع نموذج للأجهزة و المؤسسات التي تجري فيها مثل هذه الانتخابات. لقد أنجزتم عملاً كبيراً و الحمد لله بمنتهى الرزانة و المتانة و من دون لغط و أمور تحدث عادة في جلسات التجاذب و الاستقطابات و الانتخابات.
بمناسبة الأوضاع السائدة في المنطقة، بل الأوضاع السائدة في العالم، و التحدي القائم بين الجمهورية الإسلامية و عدة حكومات متكبرة و مستكبرة على مختلف القضايا - سواء القضية النووية أو قضايا أخرى - و كذلك بمناسبة النقاشات الاقتصادية الدائرة في داخل البلاد، و المساعي التي يبذلها المسؤولون، كل واحد منهم بنحو من الأنحاء، من أجل تحقيق المقاصد الإسلامية و مصالح الناس، و أخيراً بمناسبة قضية التخويف من الإسلام التي أضحت اليوم واحدة من الظواهر الشائعة في العالم الاستكباري و العالم الغربي - مجموعة هذه الأمور - جعلتنا نرتأي أن نطرح موضوع أن ما نستفيده و نستقيه من مجموع المعارف القرآنية هو أن مطالبة الإسلام من المسلمين هي تأسيس النظام الإسلامي على نحو كامل. مطالبة الإسلام هي تحقيق الدين الإسلامي بشكل كامل. هذا هو الشيء الذي يشعر به المرء على الإجمال.
الدين الأدني و الاكتفاء بالحد الأدني ليس بالأمر المقبول من وجهة نظر الإسلام. ليس لدينا في معارفنا شيء اسمه الدين الأدنى، بل إن القرآن الكريم ذمّ في مواطن عديدة الاكتفاء ببعض التعاليم الدينية دون بعضها: «اَلَّذينَ جَعَلُوا القُرءانَ عِضين» (4). أو الآية الشريفة القائلة: «وَ يقولونَ نُؤمِنُ بِبَعضٍ وَ نَكفُرُ بِبَعض» (5)، و هي تتعلق بالمنافقين تشير إلى نفس هذا المعنى. بل إن بعض جوانب الدين البارزة جداً - مثل إقامة القسط - لا تكفي لأن يشعر الإنسان بأنه قام بكل شيء فيقول بما أننا ننشد إقامة القسط و سوف نقيم القسط إذن فقد تحقق الإسلام، لا، ليس الأمر كذلك. نعم، لا شك في أن إقامة القسط في المجتمع جانب مهم. يظهر من الآية القرآنية الشريفة في سورة الحديد المباركة: «لَقَد اَرسَلنا رُسُلَنا بِالبِينت وَ اَنزَلنا مَعَهُمُ الكتبَ وَ الميزانَ لِيقومَ النّاسُ بِالقِسط» (6) للوهلة الأولى بأن الهدف من إرسال الرسل و إنزال الكتب و المعارف الإلهية هو إقامة القسط، و كيف ما فسرنا عبارة «لِيقومَ النّاسُ بِالقِسط» - سواء فسرناها بأنها «ليقيم الناسُ القسط» حيث تكون الباء باء التعدية، و يكون واجب الناس إقامة القسط في بيئتهم الحياتية، أو لا، إذا اعتبرنا الباء باء التسبيب فيكون المعنى «ليقوم الناسُ بسبب القسط» بمعنى أن نتصرف مع الناس بالقسط، أيّ واحد من هذين المعنيين أو المعاني الأخرى المحتملة إذا أخذناه بنظر الاعتبار - تفصح الآية عن أهمية إقامة القسط في المجتمع.
لكن هذا لا يعني أن الشارع المقدس يتقبل منا مثلاً أن نكتفي بإقامة القسط و نركز كل هممنا على إقامة القسط، حتى لو تركت بعض الأحكام الإسلامية الأخرى غير ملتفت إليها، لا، تقول الآية القرآنية الكريمة: «اَلَّذينَ اِن مَكنّاهُم فِي الاَرضِ اَقامُوا الصّلوةَ وَ ءاتَوُا الزَّكوةَ وَ اَمَروا بِالمَعروفِ وَ نَهَوا عَنِ المُنكر» (7). بمعنى أن التوقع الذي يتوقعه الله سبحانه و تعالى من المتمكنين في الأرض هو أولاً «أقاموا الصلاة» و بعد ذلك «وَ ءاتَوُا الزَّكوةَ وَ اَمَروا بِالمَعروفِ وَ نَهَوا عَنِ المُنكرِ وَ للهِ‌ عاقِبَةُ الاُمور» (8). ليس الأمر بحيث لو اهتممنا بالقسط سيكون من حقنا الغفلة عن إقامة الصلاة أو الاهتمام بالصلاة أو الزكاة أو الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، بل «اَنِ اعبُدُوا اللهَ وَ اجتَنِبُوا الطّاغوت» (9) - و هذا اللفظ و المضمون تكرر في القرآن الكريم عدة مرات - تدل على أن الله تعالى أرسل الرسل من أجل التوحيد و اجتناب الطاغوت و لأجل عبودية الله؛ هذا هو أساس القضية. أو الوصية التي يوصي بها الله تعالى في تلك الآية القرآنية الشريفة من سورة الشورى نوحاً و إبراهيم و موسى و الباقين: «اَن اَقيمُوا الدّين» (10). المقصود هو إقامة الدين. أي يجب إقامة الدين كله. «وَ لاتَتَفَرَّقوا فيهِ كبُرَ على المُشرِكينَ ما تَدعوهُم اِلَيهِ اللهُ يجتَبي اِلَيهِ مَن يشآءُ وَ يهدي اِلَيهِ مَن ينيب» (11). بمعنى أن المهم هو كل الدين - كل أجزاء الدين و أركانه - و المعارض الرئيسي لهذه المسيرة و هذا التوجه - أي إقامة الدين بتمامه و بجميع أجزائه و بكله - هم عتاة العالم و جبابرته و المستكبرون. « كبُرَ على المُشرِكينَ ما تَدعوهُم اِلَيه» (12). أو في الآية الشريفة في بداية سورة الأحزاب المباركة: «ياَ أيهَا النَّبِي اتَّقِ اللهَ وَ لا تُطِعِ الكفِرينَ و المنِافقينَ اِنَّ اللهَ كانَ عَليمًا حَكيمًا» (13). فالله تعالى عليم، أي لديه إحاطة علمية بكل الأجزاء و بكل ذرات العالم و بكل آليات حياة الذرات، و هو أيضاً حكيم، أي اختط لك طريقك في هذه المنظومة بحكمة، و يجب عليك اتباع ما اختطه الله لك: «وَ اتَّبِع ما يوحي‌ اِلَيك مِن رَبِّك اِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعمَلونَ خَبيرًا * وَ تَوَكل على اللهِ و كفى‌ بِاللهِ وَكيلًا» (14). سيكون هناك عدو يواجه مسيرتك هذه.
النظام الإسلامي الذي ندعيه و نسعى إليه - و النظام الإسلامي هنا بمعنى مجموعة الإمكانيات في البلاد و التي تشكل المسيرة العامة للشعب و المسؤولين، نسمّي هذا نظاماً؛ كل الإمكانيات التي تؤدي إلى الحركة العامة للشعب و المسؤولين تسمّى نظاماً إسلامياً - يكون إسلامياً حقاً عندما تصان فيه كل جوانب الإسلام، و يحفظ فيه شكل الإسلام و مضمونه. شكل الإسلام هو كلامنا و تصريحاتنا و الأعمال التي نقوم بها و ظواهر الأمور. و مضمون الإسلام هو أن نرسم هدفاً و مثلاً و مقاصد و نخطط و نبرمج برمجة كاملة للوصول إلى تلك المقاصد، و نعمل في هذا السبيل و نتحرك و نسير بكل وجودنا و كياننا و قدراتنا، و عندئذ سوف يصان مضمون الإسلام في ذلك الشكل و يتحرك نحو الكمال، بمعنى أنه لن يتوقف عند حدود معينة. طيب، هذا هو البرنامج الذي نحتاجه للوصول إلى تلك الأهداف.
ما نلاحظه اليوم على لغة المستكبرين و معارضي النظام الإسلامي و معارضي الجمهورية الإسلامية تحديداً، و هذا هو الذي يسمّونه «تغيير السلوك» - يقولون أحياناً إننا لا نروم تغيير النظام بل نرنو إلى تغيير السلوك - . تغيير السلوك لا يختلف بأيّ شيء عن تغيير النظام. إنه نفس الشيء تماماً. بمعنى تغيير ذلك المضمون الإسلامي، هذا هو معنى تغيير السلوك. تغيير السلوك معناه أن تتخلوا عن تلك الأمور و الأشياء التي تعتبر من اللوازم الأكيدة و الحتمية للمسيرة صوب تلك المقاصد، و تتنازلوا عنها و تفقدوا اهتمامكم بها. هذا هو معنى تغيير السلوك. إنه الشيء الذي يسمّى أحياناً في بعض الكلمات و الكتابات بالدين الأدنى، بمعنى التقليل من المبادئ، و هذا يعني القضاء على مضمون الدين. هذا الدين الأدنى معناه في الواقع إلغاء الدين.
و في مثل هذه الأوضاع هدفنا و منهجنا الأكيد هو أن نسعى نحو الإسلام التام و الكامل. أي أن نحاول بمقدار استطاعتنا حقاً - و الله تعالى لا يتوقع منا أكثر من قدراتنا و استطاعتنا - و أن تكون مساعينا و أهدافنا تطبيق الإسلام كله - الإسلام بأكمله و بتمامه - في المجتمع. حينما يكون هذا هو الهدف تبرز فوراً قضية «التخويف من الإسلام» الشائعة في العالم اليوم. أعتقد أنه يجب عدم الانفعال أبداً مقابل ظاهرة التخويف من الإسلام. نعم، هناك تخويف من الإسلام، و يوجد البعض يخوّفون الناس و المجتمعات و الشباب و الأذهان من الإسلام، فمن هم هؤلاء؟ حينما نمحّص القضية و ندقق فيها جيداً نجد أنهم نفسهم تلك الأقلية المتجبّرة الجشعة التي تخاف من سيادة الإسلام، و تخشى الإسلام السياسي، و تخاف من تواجد الإسلام و مشاركته في متن الحياة الاجتماعية. و السبب في خوفهم هو تضرر مصالحهم. التخويف من الإسلام هو في الواقع ترجمة لخوف القوى و ذعرها مقابل الإسلام، هذا هو واقع القضية. بمعنى أنكم تحملتم الجهود و المشاق هنا، و بذل الشعب الإيراني جهوده و تحمل المتاعب و جاهد و أسس النظام الإسلامي و كرّسه و أرسى دعائمه و عززها و صانه حيال الأحداث المختلفة و نافح عنه و قوّاه أكثر فأكثر باستمرار، و هذا ما يخيف جبابرة العالم. التخويف من الإسلام الموجود في الوقت الراهن هو في الواقع انعكاس لقلقهم و ذعرهم و اضطرابهم، و فيه الدليل على أنكم تقدمتم و نجحتم، و يدل على أن الإسلام استطاع أن يواصل مسيرته لحد الآن بنجاح و موفقية.
و بالطبع، على الرغم من هؤلاء فإن تحركاتهم ضد الإسلام و مساعيهم للتخويف من الإسلام ستؤتي نتائج عكسية، بمعنى أن مساعيهم ستجعل الإسلام في بؤرة تساؤلات الشباب، فالناس العاديون في العالم إذا وعيتهم و حسستهم سوف يتفطنون فجأة إلى التساؤل عن السبب الذي يجعل الإسلام يتعرض لكل هذه الهجمات في الصحافة الصهيونية و في الشبكات و القنوات التلفزيونية التابعة لأوساط القوة و المال. هذه الأعمال بحد ذاتها ستوفر الأرضية للتساؤل و هذا التساؤل باعتقادنا له بركاته و خيراته و يمكنه تبديل هذا التهديد إلى فرصة.
علينا أن نسعى؛ بمعنى أن المهمة الكبرى و الخطيرة في نظام الجمهورية الإسلامية هي أن نسعى جميعاً - كل في موضعه و من موضعه و حسب قدراته - لطرح الإسلام الأصيل، الإسلام المناصر للمظلوم و المعادي للظالم في العالم. نفس هذا الشاب الذي في أوربا أو في أمريكا أو في مناطق بعيدة جداً سوف يبتهج لهذه الميزة و يشعر بالحماس و الهياج حين يتضح له أن الإسلام عبارة عن قوة و دوافع و أفكار مناهضة للظالمين و الجائرين و مناصرة للمظلومين، و له برامجه و يرى هذا الأمر من واجباته. لنطرح الإسلام المنحاز للعقلانية، و إسلام الفلسفات العميقة، و إسلام التفكير، و الإسلام الذي أولى كل هذه الأهمية في القرآن الكريم للعقل و التفكير و الألباب و ما إلى ذلك، لنعرض الإسلام المناصر للعقلانية و المناهض للسطحية و التحجر و المناوئ للوقوع في أسر الأوهام و الأخيلة - و هناك البعض يقعون في هذه الشباك باسم الإسلام - لنعرض الإسلام الأصيل و نقول هذا هو الإسلام؛ الإسلام الملتزم مقابل اللاأبالية و عدم الاكتراث. نعم، هناك في الوقت الراهن الكثير من الأجهزة تدفع الشباب نحو اللاأبالية و عدم التقيد و عدم الالتزام أو الاكتراث في الشؤون المختلفة. طيب، الإسلام الذي يعتبر الإنسان ملتزماً يريده بالطبع ملتزماً؛ الإسلام الحاضر و المشارك في متن الحياة مقابل الإسلام العلماني! الإسلام العلماني يشبه المسيحية العلمانية التي تلجأ إلى زاوية في الكنيسة و تحبس نفسها و لا يكون لها أي مشاركة في الأجواء الواقعية للحياة. كذلك هو الإسلام العلماني. ثمة اليوم من يدعون إلى الإسلام المعزول، الإسلام الذي لا شأن له بالحياة إطلاقاً، إنما يدعو الناس فقط للعبادة في زاوية من المسجد أو البيت. لنطرح الإسلام المشارك في صميم الحياة و أصلها، إسلام الرحمة بالضعفاء، و إسلام الجهاد و الكفاح ضد المستكبرين. أعتقد أن هذا واجب يقع على كاهل الجميع، و على أجهزتنا الإعلامية و أجهزتنا العلمية و حوزاتنا العلمية أن تتابع هذا الهدف و تسعى إليه. لهذا السبب تراهم يستهدفون في الوقت الحاضر الإسلام بهجماتهم العاتية. و الذين يشنون هذه الهجمات معروفون من هم و أية أجهزة و مؤسسات و أية تيارات، معلوم من هم، إنهم تابعون لمجموعة القوة و المال السياسي و الاقتصادي الصهيوني اليهودي في الغالب، و إذا لم يكونوا صهاينة يهود فهم صهاينة غير يهود، و لدينا في العالم اليوم صهاينة غير يهود. في مقابل هؤلاء و جهودهم لننتفع من هذه الفرصة و لنطرح هذا السؤال في أذهان الناس في العالم و في أذهان الشباب، و هو أنْ فكروا و انظروا لماذا يهاجمون الإسلام بكل هذه الضراوة، ثم نعرض عليهم الإسلام الحقيقي.
أعتقد أننا بوصفنا مجموعة رجال الدين و أهل العلم و الذين يعملون في المسائل و الشؤون الدينية، لو جعلنا هذا هدفنا في كل الأمور، أي تحقيق الإسلام بكامله و مواجهة الأعداء بهذا الشكل، فسوف نحقق الكثير من النجاحات.
و ثمة أمامنا تحديات عالمية، أحسب أننا يجب أن نتحاشى في هذا التحديات العالمية النظرات السطحية. لدينا في الوقت الحاضر تحدياتنا مع أمريكا و مع بعض البلدان الأوربية، و موضوع التحدي في الزمن الراهن بحسب ما هو ظاهر و واضح للعيان الملف النووي، و هناك قضايا متنوعة أخرى تعتبر مبعث تحد بيننا و بينهم، لننظر و نرى من أي شيء تنبع هذه التحديات، بمعنى أن نفهم الجذور و نتجنب النظرات السطحية.
و ينبغي أن نتمعن جيداً في المشكلات التي تواجهنا. على سبيل المثال تعرضنا لأضرار نتيجة الحظر، و لحقت باقتصادنا و مختلف شؤوننا أضرار معينة، فمن أين تنجم هذه الأضرار؟ لو تمعّن الإنسان جيداً لوجد أن هذه الأضرار تنبع أكثر ما تنبع من تبعيتنا للنفط مثلاً، أو من عدم مشاركة الناس في متن العمليات الاقتصادية، بمعنى كون اقتصادنا اقتصاداً حكومياً، الأضرار ناجمة في غالبها عن هذه الأحوال. لو نظرنا و عرفنا العامل الأصلي و عالجنا هذا العامل الأصلي بنحو من الأنحاء، لعاد الحظر عديم التأثير أو قليل التأثير. أن يستطيع العدو فرض حظر علينا و وضع يده على نفطنا مثلاً، و هذا ما يؤذينا، فالسبب هو أننا جعلنا النفط عاملاً أساسياً في حياتنا و اقتصادنا. عندما يتعامل مع الحكومة تتعرض الأجهزة الحكومية المختلفة للحظر فالسبب في ذلك هو أن تلك الأجهزة عائدة للحكومة. كان بإمكاننا إشراك الأيادي الشعبية المختلفة في الميدان الاقتصادي. تلك الأخطاء التي ارتكبناها في بداية الثورة حيث أصررنا على أن يكون كل شيء للحكومة و تحت تصرف الحكومة، و أوكلنا حتى الأشياء الصغيرة الجزئية في الحياة للحكومة، كانت نتيجتها طبعاً هذه الأمور، و يجب معالجة هذه الأمور.
نعتقد أنه لو فكرنا بهذه الطريقة و سرنا و تحركنا بهذا النهج فإن المشكلات سوف تعالج. بمعنى أننا لن نكون في هذه المشكلات تابعين مرتهنين لعطف الطرف المقابل و ألطافه، بل نستطيع بالفعل أن نؤثر على مناخ التحدي الموجود بيننا و بين أعدائنا و المستكبرين، بما في ذلك هذه المفاوضات الجارية في الوقت الحاضر. في الحال الحاضر، تخيّم المفاوضات النووية بظلالها أكثر من غيرها على نشاطاتنا الدبلوماسية و فعالياتنا على صعيد السياسة الخارجية. نفس هذا الكلام و نفس هذا المعيار و نفس هذا المنطق نعتقد أنه فاعل و مؤثر تماماً في هذه المفاوضات.
و أقولها هنا طبعاً: هذا الفريق و الوفد الذي اختاره رئيس الجمهورية المحترم للمفاوضات النووية أشخاص أمناء و صالحون. بعضهم نعرفهم عن قرب و هم مقبولون عندنا حقاً، و بعضهم نعرفهم من كلامهم و أعمالهم عن بعد، و هم أمناء و مخلصون و يعملون و يسعون؛ هذا ما يجب أن نقوله بإنصاف. طبعاً مع أن هؤلاء الأعزاء و الإخوة أناس صالحون و أمناء و نعلم أنهم يبذلون جهودهم لصلاح البلاد، لكنني قلق في الوقت ذاته، لأن الطرف المقابل طرف محتال. من جملة الأشياء التي تبقى غالباً خافية عن الأنظار حيلُ الأشخاص أو الجهات ذوي الظاهر الكبير الضخم، حيث لا يتصور المرء أن هؤلاء يحتالون. أمريكا بالتالي لها ظاهر ضخم كبير، و قدرة مالية و قوة اقتصادية و قوة سياسية و قوة عسكرية و قدرة أمنية، فتحصل غفلة عن أن نفس هذا الجهاز صاحب القوة و القدرة هو من أهل إيذاء الناس الضعفاء؛ تحصل غفلة عن هذا الجانب، لكنه من أهل إيذاء الضعفاء فعلاً، و من أهل الحيلة و الخداع و الطعن بالخنجر من الخلف، هكذا هو حالهم. يجب أن لا نتصور لأنهم يمتلكون قنابل نووية مثلاً أو معدات عسكرية قوية لذلك لا يحتاجون للجوء إلى الحيل و الخداع، لا، بل إن حاجتهم لمثل هذه الأساليب كبيرة و يعملون بها و يخادعون فعلاً، و هذا ما يقلقنا. يجب الحذر من أساليب العدو. كلما تم تعيين موعد لنهاية المفاوضات و اقتربنا من ذلك الموعد، تصبح لهجة الطرف المقابل - و خصوصاً لهجة الأمريكان - أشد و أعنف و أحدّ؛ هذا لأنه أسلوب من أساليبهم و هو من مخادعاتهم و حيلهم.
و أنتم تلاحظون التصريحات التي يطلقونها، إنها حقاً تصريحات سخيفة و تبعث على الاشمئزاز. المسؤولون الأمريكان في هذه الأيام و بمناسبة أن مهرّجاً صهيونياً ذهب هناك و تكلم ببعض الكلام (15)، قالوا بعض الأشياء من أجل أن يتنحّوا بأنفسهم جانباً، لكنهم اتهموا في الوقت نفسه إيران و قالوا إنها تناصر الإرهاب. هذا كلام مضحك، فالجميع في العالم اليوم يشاهدون أن القوة و الحكومة التي دعمت أخبث الإرهابيين - أي دعمت داعش و أمثالها - و أوجدتهم، و لا تزال على الرغم من أنها تقول في الظاهر إنها تقف ضدهم، لا تزال تدعمهم و لا تقلع عن دعمهم، هي أمريكا و حلفاء أمريكا. الذين يتعاضدون في المنطقة مع أمريكا و يدعمون و يساعدون و يتعاونون، هؤلاء هم أنصار الإرهاب و الإرهابيين القتلة الخبثاء. أمريكا تدعم الحكومة التي تعترف رسمياً بأنها إرهابية، و أعني بها الحكومة الصهيونية الزائفة، تدعمها بصراحة. هذا هو دعم الإرهاب. هذا هو أقبح أشكال دعم الإرهاب يقومون به، ثم يتهمون الجمهورية الإسلامية بمناصرة الإرهاب. يجب التنبه لهذه الأمور.
نفس هذه الرسالة التي كتبها أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي - و المرء ليشاهد فيها حقاً مختلف صنوف الأمور و القضايا - تعتبر من مؤشرات انهيار الأخلاق السياسية في النظام الأمريكي، واضح أنهم يعانون من انهيار، فجميع حكومات العالم طبقاً للمقررات المعروفة و المقبولة دولياً تلتزم بتعهداتها. ثمة على كل حال حكومة في بلد معين و تعطي تعهداً و موثقاً، ثم تذهب تلك الحكومة و تأتي حكومة أخرى مكانها، فيبقى ذلك التعهد و الالتزام في محله، و لا ينقضون المواثيق. أما هؤلاء السادة أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي فأعلنوا بأنه لو زالت هذه الحكومة في أمريكا فإن هذا الاتفاق الذي تعقده معكم و الالتزام الذي تتعهد به لكم سيغدو لاغياً كأن لم يكن! هذا منتهى الانهيار في الأخلاق السياسية، و دليل على أن ذلك الجهاز جهاز لا يمكن له الاستمرار حقاً، بمعنى أنه جهاز منهار يشاهد منه المرء مثل هذه الأمور. و يقولون إننا نروم أن نعلّم الإيرانيين و نعطيهم درساً ليفهموا ما هي قوانيننا! نحن لا نحتاج إلى دروسهم، فنحن لو توصلنا إلى اتفاق نعرف كيف نعمل و نتصرف بحيث لا يستطيعون بعد ذلك الالتفاف على الجمهورية الإسلامية. هذا ما يتقنه مسؤولو نظام الجمهورية الإسلامية، و يعرفون كيف يجب أن يعملوا و لا حاجة لدروسهم، لكنهم يتصرفون بهذه الطريقة، و هذا فعلاً دليل على انهيار.
على كل حال، في جميع الأمور و المهام التي أمامنا، و في كل الجهود التي نبذلها، سواء القرارات التي نتخذها في الشؤون الاقتصادية، أو في الشؤون الثقافية - و لو بقيتُ على قيد الحياة و حانت بداية العالم الجديد لديّ نقاط أروم ذكرها و سأذكرها إن شاء الله - ينبغي أن لا ننسى هذا المبدأ و هو أن واجبنا تحقيق الإسلام و تطبيقه بالكامل. يجب أن ننشد الإسلام الكامل. يجب أن لا نقلل من مبادئ الإسلام و نخفض سقفها من أجل النجاح في القضية الفلانية، لا، نجاحنا و تقدمنا رهن بأن نستطيع إن شاء الله تحقيق الإسلام الكامل. إذا كان هذا فسيمدّ الله تعالى يد عونه، و النصرة الإلهية بالتأكيد و القطع و بلا أي شك، رهن بأن ننصر دين الله: «اِن تَنصُرُوا اللهَ ينصُركم» (16). لا يوجد كلام أوضح من هذا و أكثر صراحة. «اِن تَنصُرُوا الله» بمعنى انصروا دين الله؛ «اِن تَنصُرُوا اللهَ ينصُركم وَ يثَبِّت اَقدامَكم» (17)؛ « وَ لَينصُرَنَّ اللهُ مَن ينصُرُه» (18). هذه أمور أكيدة و هي وعود إلهية، و ينبغي عدم إهمال هذه الوعود الإلهية؛ «اَلظّآنّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوء» (19)، أن يخال الإنسان الوعود الإلهية غير ممكنة التحقق فهذا أسوء سوء ظن بالله تعالى، و الله تعالى يشدد في سورة «إنا فتحنا» المباركة على أن الله يغضب على من يقعون في هذه الظنون و يتصرفون بهذه الطريقة (20).
نتمنى أن يوفقكم الله تعالى و يوفقنا لنستطيع النهوض بما هو واجبنا في هذا المجال، و أن تشملنا و تشمل بلادنا و شعبنا البركات الإلهية الناتجة عن المسير في هذا الدرب إن شاء الله، و نرجو أن يسرّ الله تعالى الروح المطهرة لإمامنا الخميني الجليل، و يسرّ الأرواح الطيبة لشهدائنا الذين دلونا على هذا الدرب و فتحوه لنا و جعلونا نسير فيه.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - أقيم هذا اللقاء بمناسبة المؤتمر الرسمي السابع عشر من الدورة الرابعة لمجلس خبراء القيادة المنعقد في يومي العاشر و الحادي عشر من آذار 2015 م . و تحدث فيه قبيل كلمة الإمام الخامنئي آية الله الشيخ محمد يزدي (رئيس مجلس خبراء القيادة) مقدماً تقريراً عن المؤتمر و أعمال مجلس الخبراء.
2 - أشار رئيس مجلس الخبراء إلى أن مواكبة أعضاء المجلس لأحداث الساعة و أوضاعها، من أهم مسوّغات المؤتمرات السنوية لهذا المجلس، و أوضح أن برامج الاجتماعات الأربعة لهذا المؤتمر توزعت إلى قسمين أحدهما دعوة الشخصيات المطلعة على أحداث الساعة (وزير الخارجية الإيرانية و القائد العام لحرس الثورة الإسلامية) و كلمات أعضاء المجلس قبل جدول الأعمال (حول موضوعات: دراسة وضع الإسلام في أوربا و الغرب، و مواصفات الطعام الحلال في إيران و سائر البلدان، و دراسة الشؤون الاقتصادية و الثقافية للبلاد).
3 - المرحوم آية الله الشيخ محمد رضا مهدوي كني (رئيس مجلس خبراء القيادة السابق).
4 - سورة الحجر، الآية 91 .
5 - سورة النساء، شطر من الآية 150 .
6 - سورة الحديد، شطر من الآية 25 .
7 - سورة الحج، شطر من الآية 41 .
8 - م س .
9 - سورة النحل، شطر من الآية 36 .
10 - سورة الشورى، شطر من الآية 13 .
11 - م س .
12 - سورة الشورى، شطر من الآية 13 .
13 - سورة الأحزاب، الآية 1 .
14 - سورة الأحزاب، الآيتان 2 و 3 .
15 - إشارة إلى زيارة رئيس وزراء الكيان الصهيوني للولايات المتحدة الأمريكية و كلمته في الكونغرس.
16 - سورة محمد، شطر من الآية 7 .
17 - م س .
18 - سورة الحج، شطر من الآية 40 .
19 - سورة الفتح، شطر من الآية 6 .
20 - م س . «و يعذب المنافقين و المنافقات و المشركين و المشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء و غضب الله عليهم و لعنهم و أعدّ لهم جهنم و ساءت مصيراً».