06/05/2015 م
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
و صلى الله على محمد و آله الطاهرين.
أهلاً و مرحباً بكم كثيراً أعزائي، لقد عطرتم أجواء هذه الحسينية بأنفاسكم الطيبة. و الحق أن أنفاس المعلم أنفاس طيبة، و أية أجواء يحضر فيها المعلمون يمكن للإنسان أن يثق بأن الرحمة و البركات الإلهية ستغمر تلك الأجواء إن شاء الله. نتمنى أن يوفقكم الله لتستطيعوا أنتم المعلمين و كذلك المسؤولين في التربية و التعليم أداء هذا العمل الكبير و المسؤولية العظيمة على أحسن وجه.
إنه شهر رجب، و في هذا النشيد الجميل العميق المعاني الذي أنشدتموه إشارة إلى شهر رجب، شهر التوسل إلى الله و التوجه و الدعاء له. عندما يدعوا المؤمنون في هذا الشهر الشريف يطلبون من الله تعالى ما يلي: «اَللهُمَّ فَاهدِني هُدَى المُهتَدينَ وَ ارزُقني اجتِهادَ المُجتَهِدينَ وَ لا تَجعَلني مِنَ الغافِلينَ المُبعَدين» (2). كم هي مهمة هذه الفقرات الثلاث! و الفقرة الأخيرة المتعلقة بالمغفرة تمثل أساس كل الأعمال: «وَ اغفِر لي يومَ الدّين» (3). هداية المهتدين و سعي الساعين هو الشيء الذي تطلبونه من الله تعالى في هذا الدعاء. تأملوا و دققوا لو كان هذان العاملان فينا أنا و أنتم لتمّ حلّ كلّ المشكلات؛ يكون من نصيبنا هدى المهتدين بهداية الله، و يكون سعي و اجتهاد المجتهدين في تاريخ البشرية محسوساً في سلوكنا و أقوالنا و طباعنا. في تلك الفقرة الثالثة هناك إشارة إلى الآفة: «وَ لا تَجعَلني مِنَ الغافِلينَ المُبعَدين». الغفلة أكبر آفة، الغفلة عن المسار و الغفلة عن الهدف، و الغفلة عن القدرات، و الغفلة عن الفرص، و الغفلة عن العدو، و الغفلة عن الواجب الملقى اليوم على عواتقنا أنا و أنتم؛ الغفلة. الغفلة أكبر أعدائنا. العدو الأول الذي يصرعنا أرضاً مقابل أعدائنا الآخرين هو الغفلة. «وَ لا تَجعَلني مِنَ الغافِلينَ المُبعَدين». البعد هو نتيجة هذه الغفلة؛ البعد عن الله و البعد عن الهدف و البعد عن النجاح و التمتع بالمواهب. مضامين الأدعية معرفة و توحيد و دروس للحياة. لاحظوا هذه هي الأدعية؛ لنقرأ هذه الأدعية بهذا التوجه و التركيز و لننتفع من أجواء هذا الشهر.
لقد تمت تسمية أسبوع المعلم من وحي الذكرى المباركة لشهيدنا العزيز الجليل المرحوم آية الله الشيخ مرتضى مطهري. كان للشهيد مطهري الكثير من السمات الممتازة، و لكن أعتقد أن أبرز هذه السمات هي أنه كان معلماً؛ كان معلماً؛ كان معلماً في الحوزة، و كان معلماً في الجامعة، و كان معلماً في بيئته الحياتية العادية، و خطاباته و محاضراته كانت أيضاً تعليماً و دروساً، ذلك لأنه كان مخلصاً و مجتهداً و ساعياً. لقد شاهدتُ عن كثب نماذج من السعي العلمي لهذا الإنسان الكبير. كانت لديه رؤوس نقاط و ملاحظات مكتوبة لكل موضوع، أين ما كان يلاحظ نقطة أو فكرة في أي مكان كان يسجلها على الفور و يدرجها في مكان معين. و لقد أراني المظروفات التي أودع فيها ملاحظاته و مذكراته حول الموضوعات المختلفة. و قد استغربت في حينها من صبره و أناته و حيويته و متابعته و سعيه! و النتيجة هي أننا اليوم و بعد مضي 35 عاماً على استشهاد هذا الرجل نجد كتبه و كلماته لا تزال حية فاعلة. نفس تلك الكتب و الكلمات و التعاليم لا تزال إلى اليوم تنفع الجيل الشاب الحالي، و تنفع الباحثين أيضاً. طبعاً لا أروم القول إن هذه الكتب و التعاليم كافية، لا، فهناك آراء و طروحات و أفكار جديدة و شبهات غير مسبوقة يجب أن يكون هناك من يعمل لمعالجتها كما عمل الشهيد مطهري، بيد أن هذا الاسم اسم باق.
طيّب، معظم ما أروم ذكره اليوم عبارة عن جملة من النقاط حول التربية و التعليم. و هناك قضايا أخرى ربما تطرقنا لها هي الأخرى، لكن حديثنا الأصلي اليوم حول قضايا التربية و التعليم، و هي قضايا مهمة بالنسبة لي. و السبب هو أن التربية و التعليم تمثل في الواقع القطب الأساسي لصناعة العالم المستقبلي. لدينا على كل حال مستقبل، بعد عشرين سنة، أو بعد خمس و عشرين سنة، سيأتي جيل و يستلم زمام الأمور و هذا الجيل في الوقت الحاضر في طور النشوء و الإعداد، و الذي يعده هو المعلم و التربية و التعليم. إنتم تنتجون جيلاً، فكيف ستنتجونه؟ هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. مستقبل بلادنا و مستقبل عالمنا رهن بمساعي التربية و التعليم في الوقت الحاضر، و هذا ليس بالشيء القليل. ليس لدينا جهاز أو مؤسسة أخرى لها هذه الدرجة من الأهمية. نعم، في الجامعة أيضاً يقومون بالتدريس و الدراسة، و في الحوزة العلمية أيضاً يدرسون، و في الأجواء الاجتماعية أيضاً يزاولون عملية التربية، بيد أن الدور المؤثر للمعلم فذّ و لا بديل له؛ الدور الذي يمكن للمعلم أن يتركه من حيث التأثير الفكري و الروحي على متلقيه و هم أطفال اليوم و رجال المستقبل و نساؤه - منذ فترة الطفولة إلى مرحلة الحداثة إلى نهاية هذه الفترة المؤلفة من إثني عشر عاماً - لا نظير له و لا بديل؛ لا الأب و لا الأم و لا البيئة لهم مثل هذا الدور. هكذا هو المعلم، و هكذا هي مؤسسة التربية و التعليم. و من حيث الارتباط و الاحتكاك ببيئة حياة الناس تمتلك مؤسسة التربية و التعليم أوسع مديات الاحتكاك و الارتباط بالمجتمع. لديكم قرابة 13 مليون طالب، و مع آبائهم و أمهاتهم - و عدد الآباء و الأمهات سيكون 26 مليوناً - سيكون أمامكم 39 مليوناً، و هناك مليون من المعلمين و موظفي التربية و التعليم، فهذا تقريباً أربعون مليون إنسان على علاقة مباشرة بهذه المؤسسة، فأيّ جهاز أو مؤسسة أخرى تعرفونها لها مثل هذه المديات من الارتباط و الاحتكاك المؤثر و المهم مع المجتمع؟ لهذا السبب نشدّد على التربية و التعليم كل هذا التشديد.
طيّب، أذكر كلمة حول هذه المؤسسة و هي - و قد قلتُ هذا مراراً (4) و أكرره مرة أخرى - أننا مهما رصدنا من التكاليف و الأموال لمثل هذه المؤسسة فلن تكون هذه تكاليف بل هي استثمارات؛ لننظر لاقتصاد التربية و التعليم بهذه النظرة. اقتصاد التربية و التعليم ليس مثل أي اقتصاد من اقتصادات المؤسسات و الأجهزة الأخرى. مهما أنفقتم هنا إنما تستثمرون في حقيقة الأمر؛ هذه هي الجملة الأساسية و الأصلية التي أتوقع أن يتنبه لها مسؤولو البلاد و المسؤولون الحكوميون و أبناء شعبنا. طيب، هذا عن أهمية مؤسسة التربية و التعليم.
ما هي النقطة المحورية في هذه المؤسسة الكبيرة، و ما هي البؤرة المركزية، أو حامل الراية الذي يدير الساحة في واقع الأمر، و على الجميع أن يساعدوه؟ إنه المعلم. المدير الأصلي للساحة هو المعلم. الأجهزة المتنوعة و المؤسسات المختلفة و المواثيق المنوعة و الكتب الدراسية و باقي الأمور و المرافق كلها دعامة لهذا الفارس الأساسي في وسط الساحة. المعلم الصالح هو الذي يكون تأثيره كما ذكرنا فذاً و لا بديل له. إذا كان لدينا معلمون صالحون، حتى في نظام مثل نظام الكتاتيب، سيستطيعون تربية و إعداد شخصيات كبيرة، و ترون أنهم أعدوا مثل هذه الشخصيات الكبيرة. المعلم الصالح يمكنه تخريج رجال كبار، و شخصيات كبيرة ممتازة، حتى داخل إطار جهاز قد لا يكون جهازاً فاعلاً و مناسباً جداً. إذن، الأساس في العملية هو المعلم.
حسناً، ما الذي يريد المعلم القيام به؟ لقد سجلتُ هنا إنه يروم تخريج جيل بهذه الخصوصيات: جيل عالم، و مؤمن و يمتاز بالثقة بالذات، و متفائل و آمل، و ذو حيوية و نشاط، و يمتع بالسلامة الجسمية و الروحية، و ذو بصيرة و إرادة، و قليلة المؤونة و التكاليف و كبير الفائدة. المعلم يريد إعداد جيل بهذا الشكل، و هذا ليس بالشيء القليل. حين يقال إن المعلم يقوم بعمل الأنبياء فهذه كلمة نقولها، و لكن لو خضنا في أعماق هذه الكلمة فسنتسائل: ما معنى هذه الكلمة؟ «يزَكيهِم وَ يعَلِّمُهُمُ الكتبَ وَ الحِكمَة» (5). هذا هو عمل الأنبياء، مهمة الأنبياء هي إنقاذ البشرية، و وظيفة الأنبياء هي تحقيق مجتمع إنساني أرقى و أفضل. هذا هو عمل الأنبياء. نقول إن المعلم يعمل عمل الأنبياء، و التعليم عمل الأنبياء؛ هذا هو عمق هذه الكلمة و مغزاها؛ هذا هو المعلم.
طيب، هذه الحالة لها لوازمها. من لوازمها الجانب الاقتصادي الذي تحدثنا عنه. اقتصاد التربية و التعليم و معيشة المعلمين من هذه اللوازم. إنني على علم بقيود و نواقص الأجهزة الحكومية، و لستُ غريباً على هذه النواقص و القيود و المشكلات الموجودة، و لكن ينبغي أن تنصبّ الهمم لدى المسؤولين الحكوميين على إيلاء هذا القطاع اهتماماً خاصاً. و كما قلنا فهذا استثمار و له عائداته و مردوداته و ينتج قيمة مضافة، إنه ليس محض إنفاق و تكاليف. هذا شيء يجب أن يكون ضمن قضايانا البالغة الأهمية و من الدرجة الأولى في الإدارة الحكومية و القرارت الحكومية. إذا لم نقم بهذا فسوف يستغل العدو الظروف، و أنتم ترون ذلك. انطلاقاً من هذه النقطة سيعمل العدو بوسائل إعلامه و إذاعاته و عملائه و مأموريه السيئي الطوية المخاصمين للنظام الإسلامي و الإسلام، و بهذه الأدوات و الوسائل، و يستغل الظروف. طبعاً المعلمون الإيرانيون واعون و يقظون و ذوو نجابة و كرامة و متدينون؛ هذا ما اعتقد به حقاً، و قد جرّبنا هذه الحقيقة طوال هذه الأعوام، و نراها اليوم أيضاً على مستوى البلاد، المعلمون الإيرانيون ليسوا غافلين عن مؤامرة العدو. الذين يرفعون شعاراً تحت عنوان المعيشة يرفقون إلى جانبه بضعة شعارات سياسية و فئوية و مثيرة للفتن، و أي شخص يمكن أن يدرك أن دوافع هؤلاء ليست نزيهة و ليست مخلصة للمعلمين، و لديهم أهداف أخرى. كما أن الوسيلة الإعلامية الخارجية الفلانية عندما تبدأ عملها على هذه القضية - و ترون أنهم ينشطون الآن و قد بدأوا العمل قبل مدة - فليس هذا من منطلق إخلاصها، بل لأجل خلق المشاكل و المتاعب للنظام الإسلامي، و بدافع السوء و الحقد تجاه الإسلام و استقلال البلاد و اتجاه نظام الجمهورية الإسلامية. و لكن ينبغي بالتالي عدم توفير الذرائع لهؤلاء. على الأجهزة الحكومية و المسؤولين عن الشؤون المالية و الاقتصادية التفطن لهذه النقطة، و جعلها ضمن برامجهم و خططهم الرئيسة. هذه نقطة. طبعاً كما قلنا ينبغي أن يكون المعلمون يقظين و هم يقظون. المعلمون الإيرانيون يقظون واعون و الحمد لله. البعض يريدون مجافاة النظام الإسلامي و الثورة الإسلامية، لذلك ينتهزون كل شيء بأيّ شكل من الأشكال لنفث سمومهم و إعلان خصامهم بسبب حقدهم على النظام الإسلامي و ليس بدافع حبهم للمعلم، و إذا لم تتوفر لهم هذه الشعارات و الذرائع لجأوا إلى غيرها لنفس الأغراض.
قضية أخرى هي قضية جامعة المعلمين، و هي قضية سبق أن أشرتُ لها في أحاديثي الخاصة مع الوزير المحترم، أو في كلماتي العامة لحشود المعلمين. جامعة المعلمين على جانب كبير من الأهمية. كل العمليات المؤدية إلى استقطاب المعلمين لأجل التدريس و لأجل التربية و التعليم يجب أن تكون سليمة نزيهة و تقاس بمعايير الإسلام و الثورة. إذا قمنا بهذا فستكون النتيجة ما تريدونه و ما يرضى عنه الله و شيئاً مجدياً مفيداً لمستقبل البلاد - كما ذكرنا - حيث ينتج جيلاً عظيماً متفائلاً إيجابياً. أما إذا لم تراع هذه الأمور فلا. في جامعة المعلمين، المواد الدراسية مهمة و محتوى الدروس مهم و الأساتذة مهمون و الهيئة العلمية مهمة. أي إنسان من المقرر أن نخرجه و نعده ليتوجه إلى أبناء الناس فيقوم بتخريجهم و إعدادهم و تربيتهم؟ هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. إذن، قضية المؤهلات و الأساتذة و الكتب الدراسية و محتوى الدروس في الجامعة كلها قضايا مهمة.
مسألة مهمة أخرى هي مسألة التحول الجذري في التربية و التعليم التي أشار لها الوزير المحترم اليوم لحسن الحظ، و ذكر على نحو الإجمال النشاطات التي تمت، و سبق أن اطلعتُ على تقرير ذلك. المهم هو أن الجميع اقتنعوا بأصل القضية و بأن نظام التربية و التعليم عندنا بحاجة إلى تحول جذري. نظام التربية و التعليم القديم في البلد حتى لو لم يكن فيه أي عيب أو نقص، فمجرد مضي الزمن و عدم دخول أية تغييرات و إبداعات و تجديدات عليه، يعدّ كافياً لرفضه و للاعتقاد بالتحول الجذري. ميثاق التحول هذا الذي تم لحسن الحظ إعداده قبل نحو سنتين أو ثلاث سنوات و تبليغه (6) و تم التخطيط على أساسه، اعتبره الخبراء الممتازون و المبرزون في التربية و التعليم ميثاقاً جيداً و وثيقة رصينة؛ فالخبراء و المتخصصون في هذا الشأن يؤيدون هذا الميثاق و يقولون إنه أعد بعد ساعات طويلة من العمل، و زمن متماد، و مساع حثيثة و بمساعدة الجميع، حيث أفضت تلك الجهود و الحمد لله لإعداد هذا الميثاق و تبليغه بشكل يؤيده الخبراء و المتخصصون في شؤون التربية و التعليم و يشهدون أنه ميثاق جدّ مهم و متقن. إذن، ينبغي تطبيق هذا الميثاق. و بالطبع ينبغي عدم توقع نتائج سريعة من مثل هذه المشاريع، فهي ليست بالأمور التي يمكن أن تظهر نتائجها خلال سنة أو سنتين أو خمس سنوات، بل هي أمور تحتاج إلى صبر و أناة و عمل مستمر.
و نقطة أخرى هي ضرورة المحافظة على تناسق هذا الميثاق. لقد أشاروا إلى أن بعض مواد هذا الميثاق تم تنفيذها، و هذا جيد، لكن يجب تنفيذ كل مواد هذا الميثاق، فهو يشكل منظومة منسجمة. أن نطبق بعض المواد، و لتكن أربعين مادة مثلاً أو بحدود هذا العدد، و نغفل عن باقي المواد، فلن نصل إلى النتيجة المرجوّة. ينبغي المحافظة على تناسق هذه المنظومة. عندما يجري العمل بكل مواد هذه المنظومة عندئذ سوف يتقدم العمل إلى الأمام و تزداد سرعته و تتم الأمور بصورة صحيحة.
نقطة أخرى هي ضرورة أن يتعرف عموم العاملين في التربية و التعليم في إيران على هذا الميثاق، و أن يعلموا ما هي مطالبات هذا الميثاق. المعلم الذي يدرّس في المرحلة الفلانية من الابتدائية أو الثانوية ليعلم ما الذي يريده منه ميثاق التحول الجذري. و يجب على المدير و مسؤول في المدرسة الابتدائية أو الثانوية أن يعلم ما هي واجباته حيال الطلاب على أساس هذا الميثاق. ينبغي تحديد مطالبات هذا الميثاق، و يجب البرمجة لمناقشة و إعلان و تفهيم المطالبات المدرجة في هذا الميثاق على مستوى واسع في التربية و التعليم.
مسألة أخرى هي أن الوسائل الإعلامية و مؤسسة الإذاعة و التلفزيون يجب أن تساعد في هذه العملية. بل يُقترح أحياناً تأسيس قناة خاصة في الإذاعة و التلفزيون لهذه القضية ليمكنها تبيين هذا الموضوع و تفهيمه. و هذا منوط طبعاً بأن يجتمع مسؤولو التربية و التعليم مع مسؤولي الإذاعة و التلفزيون و يتعاونوا في ما بينهم.
موضوع آخر يكتسب أهميته في قضية ميثاق التحول الجذري في نظام التربية و التعليم، و قد أشار له اليوم الوزير المحترم لحسن الحظ، هو الإمكانيات و الفرص المتاحة في الخطة التنموية الخمسية السادسة. سياسات الخطة السادسة يجري تدوينها في الوقت الحاضر، ثم يدونون الخطة نفسها و يصادقون عليها و ينفذونها. يجب في إطار هذه الخطة ملاحظة قضية التربية و التعليم و ميثاق التحول الجذري بكل تأكيد لنعلم ما الذي سيكون عندنا في سنة 1404 [2025 م] على صعيد التربية و التعليم.
و نقطة أساسية أقولها للمسؤولين في التربية و التعليم هي أن يحذروا من إحلال البرامج السهلة و التغييرات السطحية اليومية محل التحول الجذري، فهذه التغييرات السطحية يجب أن لا ترضينا و لا تقنعنا و لا تفرحنا فنقول إننا غيّرنا و حوّلنا. التغييرات السطحية ليست مهمة، إنما الأساس هو مواد ذلك التحول الجذري حيث يصار إلى تجديد هذا الصرح تدريجياً، هذا هو المهم.
و الظروف مهيأة و الحمد لله. حينما أنظر على مستوى البلاد يلوح لي أن ظروفكم اليوم و ظروف مسؤولي التربية و التعليم المحترمين مواتية أكثر لتحول نوعي في التربية و التعليم و لتحول جذري أساسي في هذه المؤسسة المهمة الحساسة. ذات يوم كان لدينا ثمانية عشر مليون طالب، و لدينا اليوم أقل من ثلاثة عشر مليون من الطلاب، و هذه فرصة. ذات يوم كنا نعاني عسراً جدياً من حيث الأجواء و الأماكن التعليمية، و كانت المدارس التي تعتمد دوامين أو ثلاث دوامات غير قليلة على مستوى البلاد، و اليوم لا يوجد ذلك الوضع لحسن الحظ. وضع المدارس جيد في معظم مناطق البلاد، و هناك أفراد راغبون يعملون في هذا المجال و ينبغي الحفاظ على هذا السياق. إذن، الظروف اليوم مواتية لنستطيع القيام بهذا التحول. على كل الحال البلد يتمتع و الحمد لله باستقرار و أمن، و المسؤولون الحكوميون يعملون برغبة و اندفاع. اليوم هو اليوم الذي نستطيع فيه إن شاء الله التوصل إلى محطة جيدة من الناحية النوعية و من حيث المحتوى و بشكل جذري. و كما سبق أن ذكرتُ فإن المعلمين هم محور هذا التحول. الذين يقفون وسط هذه الساحة هم أنتم أيها المعلمون الأعزاء. إنني بهذه المناسبة أبعث السلام لكل المعلمين في كل أنحاء البلاد، و أسأل الله تعالى أن يحرس كافة المعلمين الأعزاء و يحفظهم.
و هناك نقطة خارج نطاق قضايا التربية و التعليم، تتعلق بشؤون البلاد السياسية الأساسية، و هي نوع تعامل الأعداء مع نظام الجمهورية الإسلامية. طوال هذه الأعوام الخمسة و الثلاثين الماضية لفتت هيبة هذه الحركة الشعبية العظيمة أنظار أعداء الجمهورية الإسلامية دائماً. أرعدوا أزبدوا كثيراً و عملوا ما استطاعوا لكن شعب إيران و نظام الجمهورية الإسلامية كان مهيوباً في أنظارهم، و علينا الحفاظ على هذه الهيبة، ينبغي الحفاظ على هذه الهيبة، و هي شيء واقعي و ليس وهماً. إننا بلد كبير و شعب من سبعين و نيف مليوناً و ذو سوابق ثقافية و تاريخية عميقة و أصيلة تفوق ما للكثير من بلدان العالم، و بلد يتمتع بالشجاعة و العزيمة و شعب يدافع عن هويته و شخصيته. و أحد النماذج على ذلك تجلى في ثمانية أعوام من الدفاع المقدس. في هذه الأعوام الثمانية تعاضد كل الأقوياء في العالم - شرقاً و غرباً - و التابعين لهم و الرجعيين و الكل و الكل لتركيع شعب إيران، لكنهم لم يستطيعوا. أليس من المناسب أن تكون لهذا الشعب هيبته و عظمته في أنظار العالم؟ ينبغي الحفاظ على هذه العظمة. إننا نظام يقول لنا المسؤولون السياسيون من مختلف البلدان و المطلعون، قالها لنا البعض - و البعض لم يرتضوا لأنفسهم بأن يقولوها لنا بل قالوها في أوساطهم الخاصة و وصلتنا أخبارها - بأن هذا الحظر الذي فرضوه على إيران و هذه الضغوط التي يمارسونها ضد الجمهورية الإسلامية، لو مارسوها ضد أي بلد آخر لدمروه و أسقطوه، لكن الجمهورية الإسلامية لم يستطيعوا حتى زحزحتها بمقدار قليل. ليس هذا بالشيء الهيّن، هذا حدث كبير جداً، و بالطبع فإن الإعلام العالمي يسدل دوماً ستاراً و حجباً و غباراً على أنظار المتلقين ليحول دون أن يبصر الكثيرون الواقع، و مع ذلك فإن الكثير من الناس في العالم و الكثير من الشعوب و خصوصاً الشعوب القريبة منا ترى الحقائق، و كل المسؤولين السياسيين في العالم يرون الحقائق، فلا تنظروا إلى كلامهم و تصريحاتهم؛ نفس هؤلاء الرؤساء و المسؤولين السياسيين و الناطقين الرسميين في مختلف البلدان الغربية و الأوربية و الأمريكية و غيرهم يطلقون أحياناً كلاماً لا معنى له، و كلهم يؤمنون في قلوبهم بهذه العظمة و هذه الهيبة و هذا الاقتدار و هذه الجدارة من الشعب الإيراني، و يرونها، لكنهم يقولون بألسنتهم شيئاً آخر.
لقد تحدثتُ كثيراً عن هذه المفاوضات و القضايا النووية و ما إلى ذلك، تحدثنا كثيراً و قلنا ما يجب قوله، و لكن لينتبه الجميع - سواء مسؤولو سياستنا الخارجية أو المسؤولون الآخرون على تنوع مجالات عملهم، أو النخبة في المجتمع - بأن الشعب إذا لم يتمكن من الدفاع عن هويته و عظمته كما هي أمام الأجانب فسوف يُذلّ حتماً، هذا مما لا ريب فيه. ينبغي معرفة قدر الذات و شخصيتها و هويتها. العدو يهدد، و قبل بضعة أيام أطلق اثنان من الساسة الأمريكان الرسميين تهديدات عسكرية (7)، و لا شأن لنا بالأفراد الذين ليست لهم مسؤوليات حساسة و مهمة جداً. إنني لا أدرك ما معنى المفاوضات في ظل شبح التهديد؟ نتفاوض في ظل شبح التهديد! و كأنّ سيفاً مسلطاً على رؤوسنا! ليس الشعب الإيراني من هذا القبيل، فشعب إيران لا يطيق التفاوض في ظل التهديد. لماذا يهددون؟ و لماذا يطلقون هذه السخافات الزائدة؟ يقولون إذا لم يحصل كذا و كذا فمن الممكن أن نهاجم إيران عسكرياً، أولاً سترتكبون بذلك حماقة، و ثانياً سبق أن قلتُ في زمن رئيس جمهورية أمريكا السابق - و قد هددوا في ذلك الوقت أيضاً - إن زمن توجيه الضربات و الفرار قد ولّى (8). ليس الأمر بحيث تتصورون أن باستطاعتكم توجيه ضربة و الفرار و الإفلات، كلا، سوف تتورطون و تغرق أرجلكم في الوحل و لن نترك الموضوع. ليس الأمر بحيث أن شعب إيران سيترك الذي يريد التطاول عليه، إنما سنلاحقه و لن ندعه لحاله.
ليلتفت الجميع إلى هذا المعنى، و على المفاوضين الإيرانيين أن يتنبهوا أيضاً لهذا المعنى، الخطوط الحمراء و الأساسية التي طرحت يجب أن تؤخذ من قبلهم بنظر الاعتبار دائماً، و هي مأخوذة من قبلهم بنظر الاعتبار طبعاً، إنهم متفطنون لها إن شاء الله و لن يتجاوزوا هذه الخطوط، و لكن في الوقت نفسه من غير المقبول أن يطلقوا التهديدات دوماً. أيّ تهديد؟ إنكم لا تحتاجون إلى المفاوضات أقل منا، نعم، نحن نرغب في رفع الحظر، و لكن حتى لو لم يرفع الحظر نستطيع إدارة شؤوننا بطرق أخرى، و هذا شيء تم إثباته. ذات يوم طرحتُ هذه القضية (9) و اليوم نجد خبراء الاقتصاد و مختلف المسؤولين و الشخصيات المطلعة على الشؤون الاقتصادية يكررون دائماً هذا المعنى لحسن الحظ، و يقولون إن قضايا البلاد الاقتصادية غير مرتهنة لهذا الحظر حتى تنحلّ المشكلات برفع الحظر، لا، المشكلات الاقتصادية ممكنة الحل بإرادتنا و نوايانا و بأيدينا و تدبيرنا، سواء كان هناك حظر أو لم يكن. طبعاً إذا رفع الحظر فسيكون الأمر أسهل، و إذا كان هناك حظر كانت العملية أصعب بمقدار، لكنها ممكنة. هذا هو موقفنا من المفاوضات. لكن الحكومة الأمريكية الحالية لديها حاجة حقيقية لهذه المفاوضات، فالنقطة الأساسية التي يمكنهم تسجيلها في ملفهم هي أننا استطعنا الإتيان بالجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى طاولة المفاوضات و فرض الأمر الفلاني عليها (10)، إنهم يحتاجون إلى مثل هذا. إذا لم تكن حاجة الطرف المقابل لهذه المفاوضات أكثر منا - و هي أكثر منا بالتأكيد - فهي ليست بأقل منا على أدنى تقدير، فلماذا يهددون؟ إنني لا أوافق المفاوضات التي تجري في ظل شبح التهديد. ليذهبوا و يتحاوروا و يتفاوضوا و يتفقوا، لا إشكال في ذلك - طبعاً إذا كانوا يراعون تلك الخطوط الأصلية - و لكن لا يتقبلوا الأمور المفروضة بأيّ حال من الأحوال، لا يتقبلوا منطق القوة و الإهانة و التهديد.
لقد سقطت سمعتهم في العالم اليوم. لاحظوا هذا التحرك الذي تقوم به الحكومة السعودية في قضية اليمن، إنه تحرك لا يمكن تبريره بأيّ منطق و لا بأيّ لسان. يبعث المرء طائرات إلى بلد آخر و السبب هو: لماذا تقبلون فلاناً للرئاسة و لا تقبلون فلاناً، و إذا بهم يضربون الناس و يقصفون البنى التحتية و يرتكبون الجرائم و يقتلون النساء و الأطفال، و يحرقون كل شيء، هذا العمل ليس له أي تبرير. و الأمريكان يدعمون هذا التحرك غير المبرر و هذه الجريمة العظمى، فهل تدمير سمعة أكبر من هذا؟ ليس لأمريكا الآن أية سمعة في أنظار شعوب المنطقة، و الكل يشاهدون هذا الوضع، و يقولون صراحة إننا ندعمهم (11) و لا يخجلون، و إذا بهم يقولون لنا لماذا تقدمون المساعدات؟ أردنا تقديم مساعدات دوائية و إرسال أدوية للمرضى، و لم نشأ إرسال سلاح، و هم ليسوا بحاجة لسلاحنا، فكل معسكرات اليمن و جيش اليمن في أيدي الشعب المناضل الثوري و تحت تصرف جماعة أنصار الله، و هم ليسوا بحاجة لأسلحتنا، إنما أردنا إرسال أدوية لهم. لقد جئتم و حاصرتم شعباً في أدويته و في طعامه و في وقوده، ثم تقولون يجب أن لا يقدم أحد لهم المساعدة! إنكم لم تسمحوا حتى للهلال الأحمر بتقديم خدماته، و في الوقت نفسه يقدمون من جهة أخرى المعلومات العسكرية للسعوديين، و يمدّونهم بالسلاح و الإمكانيات، و يشجعونهم سياسياً؛ هؤلاء لا سمعة لهم. الطريق الذي اختاره شعب إيران طريق قويم مستقيم حسن العاقبة، و سوف يفضي هذا الطريق إلى نتائجه المرجوّة بتوفيق من الله و على رغم أنوف الأعداء، و سيحقق شعب إيران النجاح، و سيرى الأعداء كيف أنهم لم يستطيعوا تحقيق أهدافهم المشؤومة ضد شعب إيران.
رحمة الله على شهدائنا الأبرار الذي ضحّوا بأرواحهم، و على إمامنا الخميني الجليل الذي فتح أمامنا هذا الدرب، و رحمة الله عليكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء المؤمنون المتدينون الذين تتواجدون في الساحة بهذه العزيمة.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - قبيل كلمة الإمام الخامنئي تحدث في هذا اللقاء السيد علي أصغر فاني وزير التربية و التعليم الإيراني مقدماً تقريراً عن نشاطات وزارته.
2 - إقبال الأعمال، ج 2 ، ص 643 .
3 - م س .
4 - من ذلك كلمته في لقائه حشداً من معلمي شتى أرجاء البلاد بتاريخ 04/05/2011 م .
5 - سورة آل عمران، شطر من الآية 164 .
6 - تبليغ السياسات العامة للتحول في نظام التربية و التعليم الإيراني بتاريخ 30/04/2013 م .
7 - إشارة إلى تصريحات جو بايدن نائب رئيس الجمهورية الأمريكي، و جون كري وزير الخارجية الأمريكي بشأن بقاء كل الخيارات إزاء إيران على الطاولة.
8 - كلمته في لقائه مسؤولي الدولة و مدراء البلاد بتاريخ 22/09/2007 م .
9 - من ذلك كلمته في لقائه مسؤولي الدولة و مدراء البلاد بتاريخ 07/07/2014 م .
10 - إشارة إلى تصريحات رئيس جمهورية أمريكا بعد الإعلان عن بيان لوزان.
11 - إشارة إلى بيان وزارة الخارجية الأمريكية بتاريخ 26 آذار 2015 م و إعلان دعم الولايات المتحدة الأمريكية لعدوان الحكومة السعودية على بلد اليمن.