بسم الله الرحمن الرحيم (1)

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و آله الطاهرين.
أرحب بكل الإخوة و الأخوات الأعزاء. الحق أن أريج القرآن يتضوع في أجواء الحياة عندما يشرع قراء القرآن و حفاظه و أهله و المصاحبون له بتلاوة آيات القرآن. إنني أتقدم بالشكر لكل العاملين و المساهمين في هذه المراسم الحسنة، و أتقدم بالشكر للقراء المحترمين و الذين قدموا اليوم برامجهم.
نتمنى أن يجعلنا الله من أهل القرآن، و ينبغي أن يكون الإنسان من أهل القرآن. تلاوة القرآن مقدمة و ليست هدفاً، و الهدف هو التخلق بأخلاق القرآن الكريم. روي عن زوجات الرسول المكرمات أنهن قلن عن أخلاق الرسول الأكرم (ص): «كان خلقه القرآن» (2). بمعنى أن الرسول الأكرم (ص) كان قرآناً مجسداً. لتكن سلوكياتنا و أخلاقنا و تخلقنا الشخصي طبقاً للقرآن، هذا شيء لازم و واجب. تلاوة القرآن الكريم مقدمة لهذا، و ليس هذا و حسب، ففضلاً عن التكوين الشخصي طبقاً للقرآن ينبغي أن يكون مجتمعنا و أجواء حياتنا قرآنية هي الأخرى.
ينبغي أن لا ندع الجاهلية تفرض نفسها على مجتمعاتنا و حياتنا، و قد فعلت ذلك. العالم الإسلامي اليوم يعاني و يتألم تحت نير ضغوط الأنظمة الجاهلية. يعاني العالم الإسلامي اليوم من الضعف و الفقر و الاختلاف و الحروب الداخلية و يعاني من استهلاك مصادره و طاقاته الداخلية العظيمة ضد نفسه. لقد فرضوا هذا على العالم الإسلامي، و القرآن الكريم يروم إخراجنا من تحت هذه الضغوط، فعلينا الوصول إلى تلك المرحلة. يجب أن نتعلم القرآن و نصحبه و نأنس به و نسلم أمام القرآن و نتحلى بالعزم و الإرادة للسير نحو أهداف القرآن، و عندئذ سنستطيع. إذا سرنا خطوة واحدة فإن الله تعالى سيمنحنا طاقة مضاعفة. هذا هو الشيء الذي ينبغي على الشعوب المسلمة اليوم إدراكه، ينبغي إدراك هذا الشيء، و لنقطع خطوة في هذا الاتجاه و نجرّب.
لقد جربنا هذا، نحن الشعب الإيراني جربنا هذا. لم نستسلم أمام أعداء الإسلام و أعداء القرآن، و قاومنا و قد منّ الله تعالى علينا بالقوة و الطاقة. كلما قاومنا أكثر كلما ازدادت سرعتنا و تضاعفت قدراتنا، و تصاعد أملنا بالمستقبل. هذه هي وصفة علاج العالم الإسلامي. من الأمور التي أرادها أعداء الإسلام دوماً للأمة الإسلامية في داخلها، و يريدونها اليوم أيضاً بكل شدة، هو زرع الخلافات و النزاعات، فيجب الحيلولة دون ذلك. أية حنجرة تتكلم باتجاه النزاع هي مكبرة صوت العدو، سواء علمت بذلك أم لم تعلم. لنحذر من أن تكون حناجرنا مكبّرات صوت لأعداء الإسلام و القرآن، و لا ترفع صوتها بالخلافات و النزاعات. الخلافات المذهبية و الخلافات بين الشيعة و السنة و الخلافات بين العرب و العجم و الخلافات بين البلدان المتعددة و اختلاف القوميات و الشعوب و العصبيات القومية، أمور يشعلونها بين المجتمعات المسلمة. ينبغي الوقوف بوجه هذه الأمور.
طبعاً التحدث بهذا الكلام سهل، و العمل به صعب، بيد أن طريق العمل موجود و مفتوح. العامل الأصلي هو عزمنا و إرادتنا، و أن نقرر، و البصيرة و العزيمة هما العاملان الأصليان. أولاً يجب أن نتحلى بالبصيرة و نعرف العدو و الصديق. ثمة بين البلدان الإسلامية اليوم بلدان يعاني مسؤولوها من الخدع البصرية فلا يستطيعون تمييز الصديق من العدو. يتصورون العدو صديقاً و يخالون الصديق عدواً، و بهذا سوف يتضرر الإنسان و يتلقى الضربات. مثل هذا البلد و بمثل هذه النظرة و الرؤية سوف يتعرض للضرر، لا بدّ من البصيرة. «قُل هذِه‌ سَبيلي اَدعوا إلى اللهِ على بَصيرَةٍ اَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَني» (3). إذا كانت هناك بصيرة و عرف الإنسان الطريق بنحو صحيح ثم أبدى العزيمة و الإرادة فسوف يمكن طيّ الطريق بسهولة، و هذا هو معنى النصرة الإلهية: «اِن تَنصُرُوا اللهَ ينصُركم» ما الذي يمكن قوله أوضح و أصرح من هذا؟ «اِن تَنصُروا اللهَ ينصُركم وَ يثَبِّت اَقدامَكم» (4). هذا هو معنى النصرة الإلهية. معرفة سبيل الله و العثور عليه و السير فيه و عدم الاستسلام لمؤامرة العدو و تحميقه و ما يفرضه. هذا ما يضمنه لنا القرآن الكريم.
اجتماعنا القرآني السنوي هذا اجتماع موفق و الحمد لله. اكتسب القرآن الكريم تدريجياً حياته و حيويته في مجتمعنا ثانية. محبو القرآن و المتمسكون به و المصاحبون له و الآنسون به يزدادون في مجتمعنا يوماً بعد يوم و الحمد لله. حين ترون أننا نصرّ على حفظ القرآن و تلاوته، فلا يشكلوا علينا بأن هذه الأمور ليست أساسية، نحن نعلم أنها ليست أساسية لكنها وسائل، و من دون هذه الوسائل لا يمكن الاقتراب إلى القرآن. الشخص غير المطلع على معارف القرآن و الذي لا يتدبر في القرآن و لا يصاحبه و لا يأنس به، كيف يمكنه الإرشاد في مجتمع يروم السير و العمل على نهج القرآن؟ مثقفونا يجب أن يتعرفوا على القرآن، و شبابنا ينبغي أن يتعرفوا على القرآن، و يزيدوا من مصاحبتهم للقرآن. و عندما يكون هذا الذهن وعاء لمعارف القرآن عندها سيفيض بمعارف القرآن. عندما يكون الذهن غنياً بمعارف القرآن فسيترك ذلك آثاره على لسان الإنسان و أعماله و قراراته و سلوكياته، و هذا هو الهدف الذي ينبغي أن نسعى إليه. على المسؤولين في البلاد أن يواصلوا اهتمامهم بقضايا القرآن الكريم بكل جد، و لا يستهينوا بهذه القضايا و الأمور. و أنتم أيها الشباب السائرون على صراط تعلم القرآن الكريم و تلاوته و مصاحبته، واصلوا هذا الصراط و تابعوه بكل جد. القرآن ينير لنا الدرب و ينير لنا الصراط المستقيم و يأخذ بأيدينا إلى السعادة.
نعم، قلنا إن العالم الإسلامي اليوم يعاني من ضعف، لكن المسيرة نحو الإسلام و القرآن في المجتمعات الإسلامية قد انطلقت و الحمد لله. هذه الصحوة الإسلامية التي عبّرت عن نفسها في بلدان المنطقة ليست مما يزول، إنها صحوة ستكون موجودة و ستبقى و ستظهر نتائجها و آثارها إن شاء الله. الصحوة الإسلامية حقيقة، و سوف تعبر هذه الحقيقة عن نفسها بشكل متصاعد إن شاء الله. طبعاً يتحمل العلماء واجبات مضاعفة، و المثقفون يتحملون واجبات مضاعفة، و الكتاب و الطلبة الجامعيون و الباحثون و منهم أنتم القراء الذين تحظون باهتمام الناس و إقبالهم تتحملون واجبات مضاعفة، و يجب أن تستطيعوا بث الأمل في نفوس الناس تجاه الدرب الذي يبشركم به القرآن الكريم.
منّ الله تعالى عليكم بالموفقية و التأييد. و نسأل الله أن تنتفع البلدان المسلمة و الشعوب المسلمة من القرآن. و عسى أن تقترب الحكومات المسلمة و الحكام المسلمون بمقدار ما من القرآن الكريم على صعيد العمل - و ليس على صعيد الادعاء فقط - و سيجرّب العالم الإسلامي مستقبله السعيد في ظل القرآن إن شاء الله.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - أقيمت هذه الدورة من مسابقات القرآن الكريم من الخامس عشر إلى الثالث و العشرين من أيار 2015 م في طهران. و تحدث في هذا اللقاء قبيل كلمة قائد الثورة الإسلامية، حجة الإسلام علي محمدي (رئيس منظمة الأوقاف و الشؤون الخيرية) مقدماً تقريره عن هذه الدورة من المسابقات.
2 - شرح نهج البلاغة، ج 6 ، ص 340 .
3 - سورة يوسف، شطر من الآية 108 .
4 - سورة محمد، شطر من الآية 7 .