اغتيل الشهيدان الحاج قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس رحمهما الله في بداية 2020، في الحقيقة سماحة السيّد هو تصفية جسدية، ولكن الحديث وقتذاك على أن في هذه التصفية الجسدية نحن أمام إنهاء حقبة كاملة، حقبة المقاومين، حقبة الرجلين، حقبة كل هذا النهج، ونحن أمام عراق جديد بسطوة أميركية، وهناك حتى مَن يقول ضُربَت هيبة المقاومة في العراق وضُربَت هيبة مَن يؤيّد المقاومة في العراق. ماذا تقول ونحن في نهاية 2020
ما حصل مع الحاج قاسم والحاج «أبو مهدي» بحسب ثقافتنا وعقليتنا ومنهجيتنا وطريقتنا وتاريخنا ومسيرتنا هو نتيجة مُتوقَّعة ونتيجة طبيعية، لماذا؟ لأننا في حالة صراع ضخم وكبير وخطير وتاريخي. دائماً عندما نقرأ الأحداث، أعود وأقول لك الزاوية التي نقرأ من خلالها الحدث، عندما نذهب إلى الجزئية بمعزل عمّا مضى وعمّا هو آتٍ وعن طبيعة الأجواء، يمكن أن تكون نظرتنا للجزئية سلبية جداً أو تقييمنا لها سلبياً جداً، ولتداعياتها، لكن إذا نظرنا إلى هذه الجزئية ضمن هذا الإطار العام، ستكون مسألة مختلفة تماماً.
اليوم، أنت ليس عليك أن ترى أنّ الأمريكان جاؤوا وقتلوا الحاج قاسم سليماني و«أبو مهدي» المهندس... صحيح، وخسارتنا لا تُعوَّض بهما، خسارتنا لا تُعوَّض لا في إيران ولا في العراق ولا في المنطقة، لكن كلنا سنُكمل دربه ونحمل أهدافه، لكن خسارتنا خسارة، لكن هذه الخسارة في أي سياق؟ مرة ونحن في بيوتنا جاؤوا وقتلونا، مرة ونحن هاربون من الزحف جاؤوا وقتلونا، مرة ونحن في قلب المعركة لكن لم نحقق انتصارات بعد جاؤوا قتلونا، ومرة ونحن أنجزنا انتصارات عظيمة جداً وقلبنا الميمنة على الميسرة – أقول نحن يعني محور المقاومة – وغيّرنا المعادلات وأسقطنا مشاريع أمريكية هائلة... اليوم أنت حين تقول لي سقطت الهيبة أو لم تسقط الهيبة، في البداية، قل لي، هذا الأمريكي الذي حين يخرج (دونالد) ترامب ويقول نحن أنفقنا في العراق وفي المنطقة، هو يقول عن العراق أحياناً ويقول عن المنطقة (أحياناً)، سبعة تريليونات ولم يحصل شيء! هذا المثال سماحة القائد – حفظه الله – يضربه ويقول: في العراق الأمريكيون باعتراف ترامب أنفقوا سبعة تريليونات، مع ذلك، عندما ترامب يأتي ليزور قواته ليلة الميلاد السنة الماضية أو التي قبلها، يأتي ليلاً وبدون علم ومغلقة الأضواء، هو قال ذلك، يطفئون أضواء الطيارة، وبالسر والسكوت، ويعود ليلاً، هنا تعرف مَن المنتصر في العراق، وتعرف من يده العليا في العراق. كان عندك هذا القدر من الجنود وهذا القدر أنفقت (من) الأموال؛ يجب أن يكون العراق كله في جيبك. مع ذلك، هو يخشى أن يأتي إلى العراق إلا بهذه الطريقة.
إذاً، الحاج قاسم و«أبو مهدي» المهندس... نحن لا نختصر، نحن غير فرديين. لا نقول هذا كله إنجاز فرد أو اثنين أو ثلاثة، لا، كل المحور، بقادته، بمجاهديه، بشهدائه، بجرحاه، بأسراه، بمقاتليه، ببيئاته الحاضنة... هذا المحور، ماذا فعل إلى الآن؟ هناك مشروع بدأ في عشر سنوات التي مضت. في النهاية، صحيح حوار العام لكن كما تفضلتَ تعود وتتحدث عن عشر سنوات. هناك مشروع في عشر سنوات التي مضت. كان هناك عدوان كبير. بعض الناس يقولون لي: نحن في موقع الدفاع ولسنا في موقع الهجوم. قلت لهم: نحن منذ عشر سنوات في وضع الدفاع، ونحن ما زلنا في موقع الدفاع لأننا أمة مُعتدَى علينا. يا أخي، أمّة اعتُدي على مقدّساتها، على قدسها، على فلسطينها، على لبنان، على سوريا، على الأردن، على مصر خلال القرن الماضي، أمّة جيء بجيوش العالم (ضدها)، من أجل احتلال العراق وأفغانستان ومنطقة الخليج ودول المنطقة، وهُددَت سوريا بالاحتلال عندما جاء كولن باول عند الرئيس (بشار) الأسد، ولبنان تُشَن عليه حروب وغزة تُشَن عليها الحروب، وقضية فلسطين تُعرَض عليها «صفقة القرن» من أجل تصفيتها؛ نحن في حالة دفاع، نحن في حالة دفاع مشروعة عن النفس. فلنكن واقعيين: نحن محور في موقع الدفاع عن النفس، ليس عن أنفسنا كمقاتلين، (بل) في موقع الدفاع عن بلادنا وشعوبنا ومقدّساتنا وأمتنا وخيراتنا ومقدّرات أمّتنا. في هذه المعركة التي كان الحاج قاسم والحاج «أبو مهدي» من أكبر قادتها، خلال عشر سنوات، صنعوا انتصارات عظيمة جداً وأسقطوا المشروع في العراق، مشروع «داعش»، وقبله أسقطوا مشروع احتلال (الأمريكيين). لولا المقاومة العراقية، لكان حتى الآن هناك في العراق مئة وخمسون ألف ضابط وجندي (أمريكي)، و(لكان) الذي يُدير العراق هي السفارة الأمريكية بمعزل عن كل هذه الاحتفاليات الديمقراطية والإعلامية. ولولا محور المقاومة أيضاً، لكان مشروع «داعش» نجح في العراق وتغلغل في كل المنطقة، وهذا كان مشروعاً أمريكياً، والأمريكان استغلوا «داعش» ليعودوا بعد هزيمتهم في 2011، وهذا اعتراف ترامب نفسه. في سوريا، في لبنان، في اليمن، في فلسطين، في كل المنطقة اليوم محورنا استطاع أن يفرض حضوره بقوة، أن يدافع عن قضايا أمّته بقوة، أن يصنع انتصارات كبيرة جداً. هناك ترامب يحكي عن سبعة تريليونات، وتتذكر (أن) هناك مسؤولين عرباً سابقين وحاليين يتحدثون عن مئات مليارات الدولارات، ومئات آلاف الأطنان من السلاح والذخائر، ومئات آلاف المرتزقة الذين جيء بهم من كل أنحاء العالم... من أجل ماذا؟ من أجل القضاء على كلمة مقاومة، نفس مقاومة، روح مقاومة، إرادة مقاومة في منطقتنا، ولكن محور المقاومة اليوم أقوى من أي زمن مضى دون مبالغة. إذا نظرنا إلى الأمر من هذه الزاوية، نقول: لا، نحن لسنا في وضع لنقل واحد جاء وضربنا، نحن بات لنا عشر سنوات نَضربه، نُلحق به الهزيمة؛ من الطبيعي أن يضربنا الآن.
الآن، العبرة (في) كيف نُكمل الطريق ما بعد استشهاد الحاج قاسم سليماني والحاج «أبو مهدي». هناك عدة أمور حصلت تقول (إنّنا في) محور المقاومة، وفي مقدّمته الجمهورية الإسلامية، نحن استوعبنا هذه الضربة رغم أنها قاسية جداً. يعني واحد، التشييع الذي حصل، الذي سمّاه سماحة القائد صفعة تاريخية: ملايين الناس نزلت في إيران والعراق. هذا كان خلاف هدف ترامب. كان المطلوب من قتل الحاج قاسم والحاج «أبو مهدي» أن ينقطع نفس المقاومة... الناس تخاف، ترتجف، تتراجع، تضعف، تجبن، (لكن) الناس كلها باتت تقول: نحن كلنا قاسم سليماني وكلنا «أبو مهدي» المهندس.
إيران وحدها 27 مليوناً بحسب التقديرات...
السيّد نصر الله: هذا أول صفعة بتعبير القائد. الصفعة الثانية ضربة (قاعدة) «عين الأسد». في موضوع «عين الأسد» القصف الصاروخي الإيراني... للأسف الشديد حتى الأصدقاء ضعّفوا الأمر لأنّه كأنّ المعيار هو سقط قتلى أو لم يسقط. سواء سقط قتلى من الجنود أو لم يسقط قتلى، المعادلة ليست هنا. أنْ يكون هناك قيادة في هذا العالم وفي العالم العربي والإسلامي، قيادة تقف على رأس نظام بحجم إيران التي عندها مصالح ضخمة وتعرف مصانع ومصافي نفط وموانئ ومطارات، يعني عندها شيء تخسره، وتملك هذه القيادة جرأة الرد الصاروخي المباشر والواضح والعلني على قاعدة عسكرية أمريكية، هذا أمر تاريخي عظيم، شيء بالإستراتيجيا وبالثقافة والإنسانية وبالإرادة والشجاعة لا يوصَف. ذهب الناس يضعّفونه، أنه قُتل أحد أو لم يُقتَل. أيضاً مع ذلك لم يُعتبَر هذا رداً، بل صفعة.
مضى سنة. الموضوع الثالث الذي أريد أن أضيفه هو مجمَل محور المقاومة الذي كان ترامب يفترض أنه حين نقتل الحاج قاسم سليماني ونقتل معه «أبو مهدي» المهندس، هذا المحور في المنطقة سيضعف، سيتفكك... معنوياته، إرادته، تنسيقه، تعاونه، كأنّ المحور قائم على شخص. المحور لا يقوم على شخص، المحور لا يقوم على أحد منّا على الإطلاق حتى لا أحد يكون عنده التباس، لا عدو ولا صديق. هذا المحور بدا بعد استشهاد الحاج قاسم و«أبو مهدي» المهندس متماسكاً وحاضراً وفاعلاً وقوياً، ولم يغب على الإطلاق في كل الساحات.
بعدُ يوجد موضوعان مهمان أشار إليهما سماحة القائد، الموضوع الأول هو المشروع الكبير الذي اعتبر أنّ هذا هو الردّ الإستراتيجي على اغتيال القادة. في الحقيقة هو رد إستراتيجي ليس فقط على اغتيال الحاج قاسم و«أبو مهدي»، (بل) على اغتيال كل قادتنا كما قلت في الخطاب. هو رد إستراتيجي على كل العدوان على منطقتنا، وهو إخراج الهيمنة والسلطة الأمريكية من منطقتنا. هذا موضوع وقت. هذا مسار. هذا لا يحدث في شهر وشهرين، وأسبوع وأسبوعين.
الموضوع الثاني هو القصاص المباشر. هنا علينا أن نضيف، الآن بعد أن يتحدث سماحة الإمام الخامنئي – حفظه الله – تتضّح الأمور عندك، اليوم أنا أعتبر أن هناك نصاً واضحاً يقول إن الذين أمروا بهذا القتل والذين نفّذوا هذا القتل يجب أن يُعاقَبوا كأشخاص، أينما كانوا. طبعاً هذه رسالة قوية جداً. هذه ربّما الناس التفتوا إليها أو لا، لأن كلام سماحة القائد كان واضحاً عندما استقبل عائلة الشهيد سليماني واللجنة المكلفة بإحياء المناسبة والمراسم. هذه مسألة وقت. يعني كل مَن كان شريكاً في القرار وكل مَن كان شريكاً في التنفيذ هو هدف. أنا أريد أن أضيف اليوم: ليس هدف لكل إيراني، (بل) هو هدف لكل إنسان يشعر بأنّ عليه واجب الوفاء لهؤلاء الشهداء المغدورين المظلومين، وخصوصاً أهلنا في العراق.
مرة في إحدى المناسبات قيل هذا للمسؤولين العراقيين، قيل لهم أنّ الحاج قاسم كان ضيفكم وقُتل وهو ضيفكم، قُتل في بيتكم، في ضيافتكم؛ يعني مسؤولية العراقيين والشعب العراقي عن القصاص لمَن قتل الحاج قاسم سليماني والحاج «أبو مهدي». الآن أتحدث عن الحاج قاسم لأنه إيراني. (الرد العراقي على اغتياله) أكبر من مسؤوليّة حتى الإيرانيين أنفسهم، فضلاً عن بقية شعوب المنطقة وحركات المقاومة، لأنه كان ضيفهم، كان عندهم وفي أمانهم.
في كل الأحوال هذا الأمر أيضاً وُضع على السكّة. هذا، أنا أعتقد كلّ مَن سمع كلام سماحة القائد (فهم أنّ) هذا أمر مفتوح. ربّما لا تشتغله دولة، ربّما لا يشتغله حزب، ربّما لا يشتغله تنظيم، ربّما لا تشتغله جماعة معينة، ربّما يشتغله فرد يصل إلى نتيجة: نعم، هذا فلان، وهذا مَن شارك في قتل هذين الشهيدين العظيمين.
يعني ترامب وقيادات عسكريّة هي أهداف؟
السيّد نصر الله: هناك نصّ واضح: يجب أن يكون كل. أنا أشرح لك، ترامب وغير ترامب؛ ترامب لأنه أساسي في القرار، وكل مَن أخذ هذا القرار، كل مَن أمر وكل مَن نفّذ، هؤلاء يجب أن يُعاقَبوا.
وكلّ من حرّض؟
السيّد نصر الله: التحريض... سماحة القائد لم يتحدث عن التحريض. لا يمكنني أن أزيد من عندي. هو قال: مَن أمر ومَن نفّذ. هذه المسألة هي مسألة وقت، شهر أو شهرين أو سنة أو اثنتين أو سبع سنوات وعشر سنوات... قريب، بعيد، أصبح له علاقة بالوقت. هذا يوضَع على المسار.
ما يجب أن يعرفه كل العالم أنّ هذا الدّم لن يبقى على الأرض بحسب المصطلحات والأدبيات. قتلة الحاج قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس سواء كانوا ممن أمر أو ممن نفّذ، بعُد الزمن أو قصُر، هؤلاء يجب أن يُعاقبوا. هذا واضح. وأنا أعتقد (أن) كل شريف في هذه الأمة، كلّ وفيّ في هذه الأمة، كلّ حرّ في هذه الأمة، يجب أن يشعر بمسؤولية تجاه هذا المسار وهذا الأمر.