الحج عبادة متميزة وشعيرة مقدسة ذات أهمية كبرى ودلالات في مجالات عدة عبادية وتربوية واقتصادية وثقافية واجتماعية وسياسية وأمنية أيضاً، خلاصتها "منافع للناس"، كما يقول الله تبارك وتعالى " وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ. لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُم.."، وهذه الآية طبعاً صريحة في اشتمال الحج على منافع للناس، ولا بد أن هذه المنافع والفوائد تتجسد في حياتنا المعاصرة، في حياة الحجاج وغير الحجاج، وحياة الأمة للنهوض بالأمة، وللقيام لله تبارك وتعالى، وللتغيير الشامل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، والقضاء على التخلف، والتطوير وبناء الأمة في جميع المجالات.

 إذا نظرنا نظرة تلخيصيّة إلى الأحاديث الشريفة الواردة في فلسفة الحج، مثلاً أمير المؤمنين (ع) في جملة ما أوصى به، في بيان أهمية الحج، وأنه رمز لبقاء الإسلام وعزة الأمة، يقول عليه السلام "الله الله في بيت ربكم فلا يخلو منكم ما بقيتم". ومع الأسف، حُرمنا من حج بيت الله الحرام في هذين العامين بمناسبة جائحة كورونا، يقول أمير المؤمنين "فَإِنَّهُ إِنْ تُرِكَ لَمْ تُنَاظَرُوا"، أي أن البلاء الإلهي سيشملكم، وأدنى ما يرجع به من أمّ الحج أن يغفر له ما سلف، وطبعاً في روايات أخرى، أيضاً بالنسبة للحج، الحج تقوية للدين وسبب لتقارب الأمة الإسلامية وتماسكها ووحدتها ورص صفوفها، كما يُعرف من خلال الأحاديث، وكذلك في خطبة السيدة فاطمة الزهراء "الحج تشييداً للدين"، وفي كلمات الأئمة (ع) يطول المجال عما نتحدث، مما يجعلنا نشعر ونستفيد أن هذا الحدث ليس عملاً عبادياً فحسب، بل يعد من أكبر الشعائر الإلهية التي أنعم الله بها على الأمة الإسلامية، دون سائر الأمم، وهو بحكم الجهاد بالنسبة إلى الضعفاء من المسلمين.

يقول أمير المؤمنين "الحج جهاد كل ضعيف"، والجهاد يتكون من أربعة عناصر: العنصر الأول إنتاج القوة، على كل مسلم في عام الحج أن يسعى لتحويل الضعف إلى قوة في جميع المجالات، ولتحويل التهديد إلى فرصة في جميع المجالات. والعنصر الثاني للجهاد أن يكون في سبيل الله، وسبيل الله في زماننا يتمثل بالتوجه إلى القضايا الكبرى الإسلامية، وعلى رأسها القضية المركزية الكبرى للأمة فلسطين، وتحرير القدس، والتخطيط الاستراتيجي لزوال إسرائيل من الوجود برمي الشيطان الأكبر وأمريكا المستكبرة، ومن خلال ذلك نأتي إلى العنصر الثالث وهو عنصر قهر العدو، وضرب العدو، وفي الواقع بالتنكيل بأعداء الأمة. العنصر الرابع أن يكون الجهاد تحت هداية القائد الكفوء الشرعي، وفي زماننا هذه القيادة الفاعلة القوية الميدانية للأمة تتمثل بقيادة الإمام الخامنئي وولي أمر المسلمين الإمام الخامنئي المفدى، من أجل تحقيق الانتصارات الكبرى، ومواجهة الأعداء والنهوض والقيام لله. إذاً، الحج مظهر قوة الإسلام وعزة الأمة الإسلامية، ورمز لوحدتها وإعادة بنائها وحلحلة مشاكلها والنهوض والقضاء على المشاكل العالقة بين أبناء الأمة، والتوجه إلى القضايا الأساسية الكبرى ومواجهة أعداء الأمة وعلى رأسها الشيطان الأكبر أمريكا وأذنابه وعملائه في المنطقة، الذين يحجّون نحو أمريكا لا نحو بيت الله الحرام، إن قبلة هؤلاء العملاء هي أمريكا، وإسرائيل في التطبيع كما هو واضح.

 أيضاً من دلالات الحج التوجه إلى القضية المركزية للأمة كما قلنا، القضية المركزية وهي قضية فلسطين. كل من يساعد على تأجيج الفرقة والاختلاف فهو شريك في مؤامرة الأعداء، وفي العواقب المعنوية لهذا الذنب الكبير. من خلال الحج علينا مواجهة التعصب القومي والطائفي والمذهبي الساعي لتعزيز قوة المسلمين والبراءة من المشركين. ينبغي أن نستفيد من فرصة الحج لتوعية الأمة واستنهاضها، وتوطيد أواصر الأخوة والمحبة والتعاون، وإحباط المؤامرات والخطط التي تحاك ضد أبناء الأمة. إن الحج وسيلة للقضاء على الهيمنة وألوان التحكم الظالم في مصير الشعوب والدول الإسلامية. الحج فرصة سانحة للخلاص من ربقة الاستكبار وكسر قيوده التي يحاول بها أسر الشعوب المسلمة. وبكلمة مختصرة الحج سبب لتقوية الدين وعزة المسلمين وكرامة أبناء الأمة.

طبعاً إذا رجعنا إلى كلمة الإمام الخامنئي، في حج هذا العام، القائد يؤكد على محاور واضحة وفي تعبيره بيت القصيد للجمهورية الإسلامية، أولاً المقاومة، والتأصيل بالمقاومة الإسلامية، وعناصر المقاومة الإسلامية، ومقاومة الشيطان الأكبر، خاصة مواجهة الشيطان الأكبر في الحرب الناعمة، وصناعة القوة الناعمة في مواجهة هذه الحرب الناعمة، سواء أكانت الحرب تتعلق بالحظر الاقتصادي للأمة، أو في الغزو الثقافي، أو في تغيير حسابات الأمة، وباقي الأمور، ومحاولة زرع روح الإحباط واليأس والتشاؤم بين أبناء الأمة. لمواجهة هذه الحرب الناعمة، ينبغي التركيز على عناصر الأمل بالانتصارات الكبرى في مواجهة الشيطان الأكبر، هذه الانتصارات التي تحققت وتحدث عنها الإمام الخامنئي، نحن نعيش عصر الانتصارات الكبرى للمقاومة الإسلامية، سواء أكانت في لبنان، أو في سوريا في مواجهة الدواعش، أو في العراق أو في اليمن، وحتى في أفغانستان. إن الشيطان الأكبر في الواقع انهزم ذليلاً خاسئاً، وينبغي أن نتوجه لمؤامرات العدو الأمريكي بعد خروجه من أفغانستان، في قضية زرع الفتن والفرقة بين الإخوة الشيعة والسُنة والطوائف القومية الموجودة هناك. العمل لتعزيز الوحدة الإسلامية والنهوض والقيام لله ومواجهة مكائد الأعداء، هذا الأمر ممكن في هذا الزمن، وتحقيق الانتصارات، والتركيز كما قلنا على القضية المركزية والغد المشرق بصناعة الحضارة الإنسانية الرائدة.

طبعاً هنا، نحن في الثورة الإسلامية بعد انتخابات رئاسة الجمهورية، ننتقل إلى بناء وتعزيز عناصر الدولة الإسلامية عن طريق السلطة التشريعية الجهادية التي تسعى لتعزيز خطاب المقاومة الإسلامية، والانتصار للشعوب الإسلامية من خلال رئاسة رئيس الجمهورية المنتخب آية الله السيد رئيسي، كما تعلمون الأعداء سعوا بكل ما لديهم من إمكانيات لتتحول الانتخابات الرئاسية إلى شكل آخر، وأن يقاطع الشعب الإيراني الانتخابات مثلاً، لكن خابت آمالهم وسنبدأ بعد أسبوعين عصراً جديداً لتعزيز عناصر المقاومة التي جاءت في خطاب الإمام الخامنئي، لحجاج بيت الله الحرام وللأمة الإسلامية. وإذا أردت أن أختزل الكلمة، أولاً التركيز على المقاومة في مواجهة العدو والشيطان الأكبر أمريكا، وهذه المقاومة مقاومة شاملة، في جميع الميادين، مقاومة اقتصادية، مقاومة ثقافية، مقاومة اجتماعية، مقاومة أخلاقية، مقاومة أُسرية من خلال التركيز على نمط الحياة الإسلامية الرائدة في عوائلنا وأُسرنا، والمقاومة في مواجهة روح الإحباط واليأس الذي يحاول أن يزرعه العدو، مقاومة في مواجهة الفوضى والخلاف، هذه المقاومة الشاملة. العنصر الثاني في خطاب الإمام الخامنئي هو التأكيد على الوحدة الإسلامية والنهوض والاستنهاض والصحوة الإسلامية في مواجهة الأنظمة الطاغوتية وفي مواجهة التطبيع، طبعاً الذي يدعو إليه الكيان الصهيوني في المنطقة.

 ينبغي أن يكون الصوت عالياً جداً، في مواجهة التطبيع وتحريم التطبيع. والعنصر الثالث المهم هو عنصر قوة الأمة الإسلامية، وهي القيادة الصالحة المتمثلة بقيادة الإمام الخامنئي كما في حديث الإمام الرضا (ع) "إن الإمامة أسُّ الإسلام النامي، وفرعه السامي". إذا أردنا أن تنمو الأمة الإسلامية، وإذا أردنا أن تكون الأمة الإسلامية أمة قوية ينبغي أن تلتف الأمة حول القائد الصالح الكفوء الفاعل الذي يسعى لنقل الأمة الإسلامية من حالة الضعف إلى القوة، وهذه القيادة التي بدأت في عصر الإمام الخميني رضوان الله عليه، واستمرت في قيادة الإمام الخامنئي حفظه الله تعالى.

تحية للقائد الشهيد الحاج قاسم سليماني وللقائد الشهيد أبو مهدي المهندس، وإلى جميع المجاهدين الصامدين في مواجهة العدو وفي مواجهة الشيطان الأكبر، وفي مواجهة الكيان الصهيوني، تحية إلى أبطال فلسطين. ونسأل الله تبارك وتعالى أن نعيش عصر الانتصارات الكبرى لأبناء الأمة بإذن الله تبارك وتعالى، وأن نشاهد كرامة الأمة من خلال دولة كريمة بفرج مهدي هذه الأمة. والسلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.