بسم الله الرحمن الرحيم،[1]

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولا سيما بقية الله في الأرضين.

مباركٌ عيد الغدير الأغرّ على المسلمين والمؤمنين، وعليكم أيها الأصدقاء، وعلى الشعب الإيراني، إن شاء الله. [الغدير] عيدٌ مهم جداً. حادثة الغدير من الأحداث والوقائع التي لا شك فيها. طبعاً حاول بعض الكتّاب والمؤرخين وأمثال هؤلاء عبر التاريخ إثارة الشكوك في تفاصيلها وزواياها - تمّ الرد عليهم جميعاً - ولكن في أصل هذه الحادثة وفي أن الرسول الأكرم (ص) قدّم أمير المؤمنين (ع) في هذه الواقعة تحت هذا العنوان: «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه»[1] هذا مما لا شك فيه، وهو من الوقائع التي لا تقبل التشكيك. وبالطبع ليس ذلك ما نقوله؛ هذا ما يقوله كبار العلماء في أهل السنة، والكتّاب والمفكّرون. على سبيل المثال، من جملة ما يقوله ذلك الكاتب المصري الشهير محمد عبد الغني حسن وهو أحد المقرّظين لكتاب الغدير للعلّامة الأميني: «لا يمكن التشكيك في واقعة الغدير». [إن عيد الغدير] من القضايا المهمة.

 

كان الغدير عيداً رائجاً منذ القرون الأولى للإسلام. وهناك موارد في التاريخ ذكر فيها المرحوم العلامة الأميني (رض)، في مكان ما من [كتاب] الغدير، أن هذه الحادثة وقعت: «وكان ذلك يوم الغدير»، أو مثلاً: «الثامن عشر من ذي الحجة»، أي هناك موارد متعددة في تاريخ الإسلام، منذ صدر الإسلام، وخلال عصر الخلفاء الفاطميين في مصر، وفي موارد أخرى، ذكروها بعنوان عيد الغدير.

 

ينقل المرحوم العلامة الأميني رواية الغدير هذه عن 110 أنفار من الصحابة. أي هناك روايات كثيرة بأسناد معتبرة وتتصل بمئة وعشرة من الصحابة. وهذا شيء مهم، أي هذا العدد اللافت من الصحابة قد نقلوا هذا الحديث وهذه الواقعة. إضافة إلى ذلك إن احتجاجات أمير المؤمنين (ع) نفسها مهمة جداً. أي أمير المؤمنين (ع)، ذلك اللسان الصادق والبيان المتكلم عن الله، قد احتجّ بالغدير في حالات كثيرة. من جملتها أن أمير المؤمنين (ع) يلقي خطبة على أصحابه في صفين يشرح فيها حادثة الغدير ويقول إن النبي (ص) قال كذا وكذا ووقف هكذا، وما شابه ذلك، ثم قال: «قم يا علي»، قم يا عزيزي عليّ، «فقمت فأمسك بيدي وقال إن الله وليّنا وقد جعلني وليّكم فمن كنت وليّه ومولاه فهذا عليّ مولاه»[2]، وهذا ما يذكره أمير المؤمنين (ع) نفسه.

إن شاء الله، هذا العيد مبارك على المسلمين جميعاً، ومبارك أيضاً على شعبنا العزيز، وإن شاء الله، تسعد قلوب الناس وتُحل المشكلات الموجودة.

 

حسناً، هذا اللقاء لنشكركم، سواء من كانوا ثماني سنوات أو أقل. واعلموا هذا: إنّ كلّ من اتخذ خطوة بقصد الخدمة - خدمة الناس والعمل في سبيل الله – فإن ذلك لا يُنسى في الديوان الإلهي. من الممكن أن المشقّة التي تحملّها المرء، واللوعة التي ذاقها من أجل قضية ما، والجهد الذي بذله، [أمورٌ] لا يعلم بها أحد، ولم تُسجل في أي مكان ولا يُحكى عنها، لكن الكرام الكاتبين يعرفون، وعلم الله – تعالى - يحيط بكل شيء. مَن عمل لله، ولخدمة الناس، وعمل بإخلاص، فليعلم أن سعيه لم يضِع، وأنه مأجور عند الله - تعالى - إن شاء الله. هذا هو الذخر الحقيقي. هذا هو الذخر الحقيقي لمرحلة المسؤولية.

 

إن أهل الدنيا يستغلّون مسؤولية الرئاسة والوزارة والإدارة وما إلى ذلك لادخار شيءٍ لدنياهم، ولتكوين موضع قدم لأنفسهم، ولإنشاء ممر لمستقبلهم. بالطبع، ترون ذلك؛ هذا العمل شائع في العالم. ليس الحال هكذا في منطق الدين والثقافة الإسلامية. الذخر هو ذخر الآخرة. لدى أمير المؤمنين (ع) جملة في حكمه لمالك الأشتر، وقد كتبتُها، في أول الحكم إلى مالك الأشتر، وتعلمون طبعاً أنه (الحكم) طويل جداً ومفصّل، في الفقرات الأولى، العبارة التي يذكرها هي كما يقول: «فليكن أحبّ الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح»[3]، فلتكن أفضل أو أحبّ ذخيرة في هذه المَهمة التي أعطيناك إياها، والتي تريد أن توفّرها لنفسك لك، هي ذخيرة العمل الصالح. أي اعمل الأعمال الصالحة، واعمل العمل الصالح، واعمل من أجل الله، واسْعَ، وحافظ على هذه الذخيرة. والله – تعالى - يحفظ هذا لك ويُبقيه. هذه هي القضية. التفتوا إليها! وسواء أكنت أنا وأمثالي نعلم أم لا نعلم، نشكر أم لا نشكر، فمَن عمل من أجل الله، وعمل صالحاً، فالذخيرة محفوظة له.

 

حسناً، لم يكن أداء حكومة الرئيس روحاني مماثلاً في مختلف القطاعات. ما رأيناه في هذا الوقت كان وفق التوقّع في بعض الأماكن، وليس كما هو متوقع في أماكن [أخرى]. في النهاية، بذلت الإدارات المختلفة جهوداً، وفعلت أشياء قد ذكر رئيس الجمهورية للتو بعض تفاصيلها. على أيّ حال فرصةُ الخدمة نعمةٌ. إنها نعمة عظيمة من الله أن تُتاح لي ولكم الفرصة لخدمة الناس. هناك كثيرون ممن يريدون خدمة الناس، [لكن] لا يمكنهم ذلك. على سبيل المثال، يحتاجون إلى المال وليس لديهم نقود، ويحتاجون إلى القدرة البدنية ولا يمتلكونها، ويحتاجون إلى المكانة الاجتماعية [لكنهم] لا يمتلكونها، ويحتاجون إلى موقع مؤثّر لا يملكونه. أنت الذي حصلت على موقع مؤثر يجب أن تُقدّره. هذه نعمة عظيمة أعطاها الله، ولكل نعمة شُكر. شُكرها يكون باستخدام قوتك كلها في سبيل الله في هذه الفرصة مرضاةً لله فقط، وامتثالاً لأمر الله، وللنهوض بأهداف الثورة في بلادنا ومجتمعنا. هذا هو الأساس.

 

أخبرت السيد روحاني في ذلك اليوم أن أساس العمل يجب أن يكون في دفع أهداف الثورة إلى الأمام. نحن بلد ثوري؛ لقد صنعنا ثورة. هؤلاء الناس صنعوا ثورة، ولقد ضحّوا بحياتهم، وبذلوا الجهود، وعملوا لسنوات، وواجهوا هذه المخاطر كلها وتصدّوا وقاوموا دفاعاً عن أهداف الثورة وأُسُسها. لا بدّ أن نعمل من أجل هذه الأهداف. يجب أن يكون هذا هو الجهد والهدف، ويجب أن نحذو خلف تلك الأهداف.

 

يجب على الآخرين الاستفادة من تجاربكم. حسناً، الآن قد كتبت تجربة على وجه الخصوص. إنه كلامٌ قد كررته [في حديثي] معكم ومع الناس، والآن أكرر الكلام نفسه. هذه التجربة هي تجنّب الثقة بالغرب. يجب على من يأتي في المستقبل الاستفادة من هذه التجربة. اتضح في هذه الحكومة أن الثقة بالغرب لا تنفع؛ إنهم لا يساعدون في شيء، بل يوجّهون الضربات حيث يستطيعون، وأينما لم يوجّهوا ضربة، لم يكن لديهم القدرة على ذلك. هذه تجربة مهمة للغاية.

لا ينبغي مطلقاً تأجيل البرامج الداخليّة وجعلها منوطةً بالتماشي مع الغرب، لأنها ستخفق قطعاً؛ ستتلقى ضربةً بالتأكيد. أنتم أيضاً قد أخفقتكم حيثما جعلتم أعمالكم مَنوطة [بالمفاوضات] مع الغرب وأمريكا. وحيثما اعتمدتم على أنفسكم دون الغرب، حققتم النجاح. انظروا إلى الأعمال: أداء الحكومتين الحادية عشرة والثانية عشرة كذلك.

أينما أوكلتم الأمور إلى الاتفاق والتفاوض مع الغرب وأمريكا وما شابه، بقيتم في أماكنكم ولم يمكنكم المضيّ قدماً، لأنهم لا يقدّمون المساعدة، [بل] يُبرزون العداء. هم أعداء في النهاية. وفي المكان الذي قطعتم فيه النظر إليهم، تحرّكتم بأنفسكم واستخدمتم طرقاً مختلفة وتقدّمتم، فهناك ألف طريق لا طريق واحد. نعم، هناك طرق مختلفة. [إذا] ما فكّر الناس، سيجدون مجموعة متنوعة من الطرق للحياة الشخصية والاجتماعية والإدارية. أينما تحركتم كذلك، تقدمتم.

 

لا ضير من قول هذه الجملة عن المفاوضات الأخيرة. أيها السادة، أنتم على دراية بالقضايا في غالبية الأحيان. حسناً، في المفاوضات الأخيرة عمل جميع دبلوماسيّينا بجدّ، وبعض دبلوماسيّينا أدّوا عملاً جيداً في هذه القضية حقّاً، [لكن] الأمريكيين أصرّوا على موقفهم العنيد، ولم يخطوا خطوةً واحدة إلى الأمام. يقولون على الورق أو على سبيل الوعد: نعم، سنرفع الحظر، [لكن] لم يرفعوه ولن يرفعوه. يضعون شرطاً فيقولون: إذا كنتم تريدون أن يُرفع الحظر، عليكم الآن إضافة جملة في هذه الاتفاقية، وهذه الجملة تعني أنه يتعين علينا التحدث والاتفاق معكم حول بعض القضايا لاحقاً، وإن لم تضيفوا تلك الجملة، فلن يكون هناك اتفاق بيننا الآن. ما هذه الجملة؟ إنها ذريعة لمزيد من التعقيبات اللاحقة: [الشروط] حول الاتفاق نفسه وتمديده، وحول قضايا مختلفة وحول الصواريخ والمنطقة، فإذا قلتم لاحقاً: كلّا، نحن لا نناقش في هذا أو مثلاً، وسياسة البلاد لا تسمح أو البرلمان لا يسمح، سيقولون: حسناً لقد نكثتم، ولذلك انتهى الموضوع، ولا اتفاق.

الآن هذه هي طريقتهم وسياستهم. إنهم جبناء تماماً ويتصرّفون بخبث ولا يترددون أبداً في نكث ما وعدوا به. لقد نكثوا الاتفاق مرّة بلا تكلفة عليهم تماماً، والآن بعدما قيل [لهم] أنه عليكم التعهد والضمان بأنكم لن تنكثوا، يقولون: لا، نحن لا نعطي ضماناً. يقولون ذلك الآن صراحة لأصدقائنا ودبلوماسيّينا: لا نضمن أننا لن ننكث، ولا يمكننا تقديم ما يشبه هذا الضمان. هؤلاء هم من هذا القبيل. هذه تجربة للحكومة المستقبلية، ورجال الدولة المستقبليين، والناشطين في الساحة. فعلى الناشطين في الساحة السياسية - قد لا يكونون من المسؤولين الحكوميين وإنما ينشطون في الساحة السياسية - أن يأخذوا ذلك بالاعتبار دائماً. هذه تجربة مهمة للغاية وجدناها ولمسناها في هذه الحكومة دائماً. بالطبع، كانت تجربة هذه الحكومة أكبر.

نسأل الله – تعالى - العون. انتهى الوقت، و[بالطبع] هناك كلام وكثير مما يمكن قوله، ولكن لم يعد هناك متسع، [بل] زاد عن الوقت المُقرّر بعض الشيء. نسأل الله – تعالى - أن يوفق الأصدقاء والإخوة جميعاً في أداء واجباتهم الدينية والثورية، إن شاء الله، وأن يبقوا ثوريين بالمعنى الحقيقي للكلمة أينما كانوا، وأن يعملوا من أجل التقدّم نحو أهداف الثورة، إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الهوامش:

[1]- في بداية اللقاء قدّم رئيس الجمهورية، حجة الإسلام حسن روحاني، تقريراً عن أداء الحكومة.

[1]- الكافي، ج. 1، ص. 420.

[2]- بحار الأنوار، ج. 31، ص. 411.

[3]- نهج البلاغة، الرسالة 53.