إنّ كلمة السيد القائد خامنئي للحجاج ليست جديدة، لا بالفحوى ولا بالشكل، قد اعتاد هو وقبله السيد المؤسس الإمام الخميني على توجيه مثل هذه الرسالة، والأهم أن هذه الرسالات التي تُبعث في الحج أو في مواسم أخرى للمسلمين تتميز عما يمكن أن يقوله أي عالم أو أي داعية إلى الله أو أي متخصص في الشريعة، الذي ميّز الإمام الخميني ومدرسته وطبعاً على رأسها السيد القائد خامنئي، أن هذه الرسالة أو هذه الصفة وهذه المدرسة جمعت بين الإسلام النظري -إذا جاز التعبير- والإسلام العملي، وهذا الذي يميز هذه المدرسة عن غيرها، رأينا حركات إسلامية كثيرة، على اتساع العالم الإسلامي وخلال قرن من الزمن قرأنا وسمعنا عنهم كثيراً، وسمعنا كثيراً من العلماء ومن الدعاة ومن الخطباء المجاهدين، لكن هذا المزج المباشر بين الإسلام كنظرية -كما قلنا- كنص ديني، وبين واقع المسلمين بالشكل الذي يقدمه القائد خامنئي ليس أمراً بسيطاً، عندما ينتقل مباشرة من فكرة الحج وأهمية الحج والتضحية وموقع إبراهيم في عقيدتنا وفي عقيدة الأمم السابقة، مباشرة إلى واقع الأمة التي مضى عليها حوالي قرن ونصف كما تحدث تحديداً، لا تملك زمامها ولا قرارها بل يُقرر لها، وتحاك لها المؤامرات، ويُنصّب فيها الملوك والرؤساء والحكومات أو يُقالون دون قرار من هؤلاء جميعاً، هذا الأمر ليس شيئاً بسيطاً.

 هذا الإسلام الذي يريد منا أن نكون أعزة، " وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ" (المنافقون، 8)، كيف للأسف الشديد أصبحت أمة الإسلام منذ أكثر من قرن ونصف من الزمن دون قرار ودون كيان ودون أن تستطيع أن تقرّر لنفسها شيئاً، بل يقرَّر لها من أسوأ أنواع البشر إذا جاز التعبير، وصولاً إلى المقاومة المظفرة، إلى 11 أو 12 يوماً في سيف القدس التي أثبتت أن الخبر ما زال موجوداً في الأمة، رغم كل المؤامرات ورغم كل ما ذكرنا من ضياع القرار والسيطرة على قرارنا ونفطنا وأراضينا وديننا حتى، بحيث أنهم ألفوا شكلاً من أشكال الإسلام وورّدوه لنا، كما قال بلسانه مسؤول مخابرات أميركية وقتها في العام 2006: "سنصنع لهم إسلاماً يناسبنا"، فكانت داعش وكانت النصرة، وكان أيضاً أنواع من الإسلام الأميركي كما كان يسميه الإمام القائد الخميني رحمه الله، كان يتحدث عن إسلام أميركي، نعم نحن أمام إسلام أميركي من جهة أو إسلام تكفيري من جهة أخرى، أما الوسط يعني [من يقومون] برسالة الإسلام فهم قلة، هذا هو محور المقاومة الذي يتميز عن الآخرين، عن الإسلام الأميركي وعن الإسلام التكفيري، والذي طبعاً ينطق باسمه بدون أدنى شك وبكل بجدارة القائد خامنئي حفظه المولى.

 تظهر هذه الكلمات، وكأنها صرخة في واد، كأنها كلام بين صمّ من البشر، أو كأنها مسرحية أو شيء يُعرض على العميان من البشر، للأسف الشديد هكذا يظهر لأن الأمة -بالأكثرية التي توجد، بالأكثرية التي نراها- تعيش في عالم آخر غير هذا العالم الذي تعبّر عنه كلمة القائد وتعبّر عنه أيضاً بطولات وصبر واستشهاد وانتصارات المقاومة في فلسطين كما في لبنان والعراق وسوريا. نعم أيها الإخوة الكرام، نحن كأننا نحفر في صخر أو نصرخ في وادٍ لكن هذا لن يذهب سداً أبداً على الإطلاق، ونحن في حضرة سيدنا إبراهيم (ع) الذي أمره تعالى فقال " وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا" (الحج، 27)، قال يا ربي أؤذّن هنا؟ طبعاً بعد أن بنى الكعبة في وادٍ غير ذي زرع، في مكان ليس فيه بشر إلا القليل القليل، قال يا رب أؤذّن هنا؟ من سيسمعني؟ قال يا إبراهيم عليكَ النداء وعلينا البلاغ، فحسب ما يذكر المؤرخون أن الله أوصل نداءه عبر الأجيال من جهة وعبر المناطق الجغرافية من جهة أخرى، ووصل حتى إلى عالم الذر عندما يكون الولد في ظهر أبيه، قد سمع الناس جميعاً وظل هذا النداء يتردد حتى لبّاه الجميع، يلبيه الناس، ولو أن العدد -في هاتين السنتين- محدود بسبب الجائحة، ولكن يلبيه الناس من كل حدب وصوب، من كل فج عميق وعلى امتداد التاريخ كله حتى يقول الشيطان في يوم عرفة أنه يعبّر أنه أذل وأحقر ما يكون في هذا اليوم، لأنه يرى هذه الأعداد الغفيرة من الناس تقصد الحج رغم كل أحابيل الشيطان ومؤامراته ووساوسه.

 بالمقارنة مع هذا النداء نقول نعم نداؤنا إلى المقاومة، ونداؤنا إلى الوحدة، ونداؤنا لاستنفار الجهود في وجه العدو الصهيوني سيصل رغم العوائق الأميركية، ورغم عوائق المطبّعين، ورغم عوائق المترفين، الذين أدام الله تعالى ترفهم وفسادهم، والذين مع الأسف يملكون جزءاً أساسياً من قرار الأمة.